حق الاجتماع وتأليف الجمعيات والعضوية فيها :

اولا / حق الاجتماع :

يحتل هذا الحق في ميدان الحقوق السياسية مرتبة متقدمة ، وما من بلد في الوقت الحاضر إلا ولديه تشريعات وضعية تنظم الأصول الواجب اتباعها في ممارسة هذا الحق(1). ويقصد به ان يتمكن الأفراد من عقد الاجتماعات السلمية العامة والخاصة في أي مكان ووقت للتعبير عن آرائهم بأية طريقة سواء أكانت بالخطب ام المناقشات ام عقد الندوات ام القاء المحاضرات ام المناظرات وغيرها من الوسائل واستخلاص النتائج واصدار المنشورات والبيانات التي تتضمن المقررات والتوصيات مع مراعاة الضوابط التي يحددها القانون (2). وقد نصت المادة العشرون/1 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على هذا الحق ( لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية ) ، كمـا نصـت عليه المادة الحادية والعشرون من الاتفاقية الدولية للحـقوق المدنية والسياسية ( يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ) .

ثانيا / الحق في حرية تأليف الجمعيات والعضوية فيها

يقصد بهذا الحق تشكيل جماعات منظمة لها وجود مستمر من دون تحديد مدة لوجودها بقصد ممارسة نشاط محدد ومرسوم مقدما وتحقيق غرض معين مباح ومشروع غير الربح ، ويشترط لذلك عادة ابلاغ السلطة وترخيص الحكومة بها(3). وقد عبرت المادة العشرون من الاعلان العالمي لحقوق الانسان عن هذا الحق بنصها على ان ( 1. لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية . لا يجوز ارغام احـد على الانضمام الى جمعية ما) وكذلك المادة الثانية والعشرون من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية (لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع اخرين ، بما في ذلك حق انشاء النقابات والانضمام اليها من اجل حماية مصالحه ) . وللجمعيات نفع اجتماعي متشعب ، فهي وسيلة للتعبير عن أفكار الإنسان و آرائه وأداة لإظهار ذلك على وجه تعاوني جماعي(4). وللفرد حرية الانضمام الى ما يشاء من الجمعيات شرط ان تكون اغراضها سلمية ولا تتنافى مع النظام العام و الاداب ، وعدم جواز إكراهه على الانضمام الى جمعية من الجمعيات. وعن الفكرة العامة للجمعية ، تفرع النوع الخاص من الجمعيات المعروفة بالاحزاب السياسية(5). التي لا تختلف عن سائر الجمعيات الا بموضوعها، فالحزب تنظيم سياسي لقوى اجتماعية معينة تجمعها نظرة عامة أو أيدلوجية واحدة هدفه الاخير الحصول على السلطة او الاحتفاظ بها(6). ومن الجدير بالذكر ان دور الاحزاب السياسية اصبح جوهريا في الديمقراطيات المعاصرة لدرجة انه لا يمكن التصور بامكانية الحياة الديمقراطية من دون مساهمة الاحزاب فيها ، باعتبار ان المواطن لا يستطيع بمفرده مستقلا عن سائر مواطنيه ان يكون لنفسه رايا وان يتخذ موقفا ويختار منهاجا الا بالتشاور والمناقشة ، مما يتطلب تأليف الجمعية أي الحزب الذي سرعان ما يتجه المواطن للانتماء اليه بحكم الايمان بعقيدته والقبول ببرنامجه .

___________________________

1- يتفرع عن حق الاجتماع الحق في التظاهر ضمن نطاق القانون ومقتضيات الامن العام ، فالمظاهرات تباح اذا كانت سلمية وكان غرضها مشروعا ، اذ انها تعبر عندئذ عن الرغبات الملحة لبعض فئات الشعب التي تشعر عن حسن نية انها مغبونة في بعض النواحي . صبحي المحمصاني – اركان حقوق الانسان – الطبعة الاولى – دار العلم للملايين – بيروت – 1979 –ص171 .

2-اسماعيل البدوي – مصدر سابق – ص200

3-صبحي المحمصاني – مصدر سابق – ص87

4-كريم يوسف كشاكش – الحريات العامة في الانظمة السياسية المعاصرة – منشأة المعارف- الاسكندرية – 1987 – ص 87 .

5-صالح جواد كاظم – علي غالب العاني – مصدر سابق – ص111

6-ادمون رباط- الوسيط في القانون الدستوري- الجزء الثاني- دار العلم للملاين- بيروت- 1971 –ص242

حق الاجتماع وتأليف الجمعيات والانتماء أليها في القانون الأساسي العراقي لعام 1925 :

حق الاجتماع : – نصت المادة الثانية عشر من القانون الاساسي (للعراقين حرية … والاجتماع … ضمن حدود القانون ) . وقد نظم هذا الحق بموجب قانون الاجتماعات العمومية العثماني لسنة 1909 حتى بعد صدور القانون الاساسي العراقي لعام 1925 ، ويرجع السبب في ذلك الى المادة (113) منه والتي نصت على ان ( القوانين العثمانية التي كانت قد نشرت قبل تاريخ 5/11/1924 والقوانين التي نشرت في ذلك التاريخ او بعده وبقيت مرعية في العراق الى حين نشر هذا القانون تبقى نافذه فيه ) . وقد نص هذا القانون في المادة الاولى منه (يباح للعثمانيين عقد الاجتماعات العمومية على ان يكونوا عزلاً من السلاح ولا حاجة الى نيل الرخصة ) ويكتفي بأن يقدم بيانا الى وزير الداخلية او الى المحافظ او القائمقام يذكر فيه محل الاجتماع ويومه وساعته ويوقعه شخصان على الاقل لهما مقام في المكان الذي يعقد فيه الاجتماع ، ويكونان متمتعين بحقوقها السياسية والمدنية ( المادة/2 ) ويصرحان بالسبب والغرض من عقد الاجتماع (1)( المادة/5 ) . وقد الغي هذا القانون بموجب المادة (22) من مرسوم الاجتماعات العامة والمظاهرات رقم (25 ) لسنة 1954 ، وقد فرض هذا المرسوم شروطاً مشددة لعقد الاجتماعات فالمادة الثالثة تنص على ان الاجتماع غير مشروع ويمنع عقده اذا كان الغرض منه : –

1.ارهاب الحكومة او السلطة التشريعية او أي من الموظفين العامين عند قيامه بواجباته الرسمية بالقوة او بالتهديد باستعمال القوة .

2.مقاومة تنفيذ القوانين او الانظمة او التعليمات او الاوامر الصادره من جهة ذات اختصاص او أي اجراء قانوني بالقوة اوبالتهديد بأستعمال القوة .

3.حرمان أي شخص بالقوة او بالتهديد باستعمال القوة من التمتع بحريته او ملكه او أي حق مقرر له وفقاً للقانون .

4.اكراه أي شخص بالقوة او بالتهديد بأستعمال القوة على القيام بعمل غير مكلف به قانوناً او منعه من ممارسة عمله القانوني .

5.التعدي على الغير او الحاق الضرر به او انتهاك حرمه ملكه .

6.التحريض على التمرد والعصيان او اثارة الرعب في نفوس افراد المجتمع او اثاره شعور الكراهية والبغضاء بينهم او الاخلال بالأمن العام او بالنظام العام .

كذلك اوجبت المادة الخامسه على من يريد تنظيم اجتماع عام ان يخبر ببيان محرر متصرف اللواء ان كان محل الاجتماع في مركز اللواء او القائمقام ان كان في مركز القائمقام او مدير الناحية ان كان في مركز الناحية او اقرب موظف اداري ان كان في غير المراكز المذكورة وذلك قبل عقد الاجتماع بيومين على الاقل . وقد اجاز القانون للموظف الاداري منع عقد الاجتماع اذا ظهر له من غرضه او من الظروف والاحوال الملابسه له انه اجتماع غير مشروع قانوناً ( المادة/9 ) ، ويحق لمنظمي الاجتماع او احدهم الاعتراض على قرار المنع لدى وزير الداخلية ويكون قراره في ذلك قطعياً ( المادة/10  الفقرة/ أ  ب ) .

1.حق تأليف الجمعيات والانتماء اليها : – اجاز القانون الاساسي للمواطنين ممارسة هذا الحق على ان تراعى في ممارسته احكام القانون ( العراقيين حرية … وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود القانون) ( المادة /12 ) .

وعند دراسة القوانين المنظمه لهذا الحق يتضح إنها عمدت على تقييده في اضيق الحدود ، فقد منحت هذه القوانين السلطة التنفيذيه سلطة البت في تأسيس الجمعية ، وبذلك يكون تأسيس الجمعية متوقفا على أذن السلطة التنفيذية ، فليس هناك مادة دستورية تحدها او هيئة قضائية عليا تملك صلاحية تقييدها (2). ويعد قانون تأليف الجمعيات لعام 1922 أول هذه القوانين بعد إقامة النظام الوطني في العراق عام 1921 ، وقد حددت المادة الرابعة الشروط الآتية لقيام الجمعية : 1.ان لا ترمى الجمعية الى غرض مناف للقوانين والاداب العامة .

2.الا يكون لها مقاصد مخلة بالامن العام او بتمامية البلاد .

3.الا يكون لها مقاصد تؤدي الى بث الشقاق بين العناصر العراقية المختلفة .

4.الا يكون لها مقاصد في تغيير شكل الحكومة المقرر .

5.الا تكون الجمعية السياسية مؤسسة على اسس القوميات او المذاهب العراقية .

6.الا تكون الجمعية السياسية مؤسسة بعنوان لا يستدل منه غرضها .

7.الا تكون الجمعية سرية او لا تبوح بغرضها الاساسي .

كذلك منح القانون وزير الداخلية سلطة البت في تأسيس الجمعية ( المادة/7 ) ويكون لمؤسسي الجمعية حق الاعتراض على قرار وزير الداخلية لدى مجلس الوزراء ويكون قراره قطعياً ( المادة/8 ) اضافة الى ذلك اجازت المادة (14) لوزير الداخلية تعيين موظفين يتولون مهمة تفتيش سجلات الجمعية ، وقد استمر قانون تأليف الجمعيات نافذاً حتى عام 1954 ، حيث صدر مرسوم الجمعيات رقم ( 19) لسنة 1954 ، وبموجب الماده (29) الغي قانون تأليف الجمعيات . وقد اتجه المرسوم الى تقسيم الجمعيات بموجب الفقره (ب) من الماده الاولى الى جمعيات سياسية وغير سياسية وهو اتجاه جديد تضمنه المرسوم . كما منعت الماده الثالثه تأسيس جمعيات تهدف الى تحقيق غرض يخالف النظام العام او الاداب او يخل بالامن العام او بوحدة البلاد او يرمي الى تغيير نظام الحكم المقرر او يبث الشقاق والتفرقه في المجتمع او تأسيس جمعية سياسية على اساس العنصريه او المذهبية السياسية او تأسيس جمعية يتفق نظامها من حيث الغرض والغايه مع نظام جمعية قائمة قبلها ، كذلك حرم المرسوم بموجب المادة الخامسه الانتماء الى جمعية سياسية على من كان : –

1.غير عراقي .

2.دون الثامنة عشر من عمره .

3.محكوم عليه بالإفلاس ولم يعد اعتباره قانونا .

4.محجوراً ولم يفك حجره .

5.محكوماً عليه بالسجن مدة لا تقل عن سنه لجريمة غير سياسية او محكوماً عليه عن جريمة مخله بالشرف .

6.موظفاً او مستخدماً في الدوله .

7.مجنوناً او معتوهاً .

8.طالباً في المدارس او الكليات .

وتشكل الفقرتان (6 ، 8 ) تقييداً خطيراً لحقوق الافراد بمنعها موظفي الدولة و مستخدميها بشكل عام والطلبة من التعبير عن ارائهم السياسيه من خلال التنظيمات السياسية التي تؤسس بموجب هذا المرسوم (3). كما خول المرسوم بموجب المادة السادسة وزير الداخلية سلطة البت بتأسيس الجمعية او رفض طلب تأسيسها ويكون للاعضاء المؤسسين استناداً الى الفقرة ( و ) من المادة المذكورة تمييز قرار وزير الداخلية برفض الطلب لدى مجلس الوزراء كذلك خول القانون وزير الداخلية حق الاشراف والمراقبة على امور الجمعيات ومعاملاتها كافة اضافة الى تعيين موظفين يتولون مهمة مراقبة وتفتيش سجلات الجمعية ( المادة /15) . وبذلك يكون هذا المرسوم قد اتبع خطى قانون تأليف الجمعيـات لعـام 1922 ، بحـيث جعـل تكويـن الجمعيات ونشاطها بيـد السلطه التنفيذيـة ، وقـد الغـي هـذا المرسـوم استناداً الـى احكـام المـادة الاولـى مـن قانـون الجمعيـات رقم( 63) لسنة1955. ويلاحظ ان مواد هذا القانون جاءت مطابقة لمواد مرسوم الجمعيات لعام 1954 من حيث تقييد حرية تأسيس الجمعيات وتوسيع صلاحيات وزير الداخلية ( المواد/4  6  7  16/ أ)

_____________________________

1- عبد الله لحود – جوزيف مغزل – حقوق الانسان الشخصية والسياسية – الطبعه الأولى – بيروت-1972– ص96 .

2- عطا بكري – مصدر سابق – ص 80 .

3- رعد ناجي الجدة- في قانون الأحزاب السياسية(30) لسنة1991 –(دراسة مقارنة)-مجلة العلوم القانونية- جامعة بغداد – كلية القانون- المجلد الخامس عشر- العدد الأول والثاني- 200 –ص6

المؤلف : مروج هادي الجزائري
الكتاب أو المصدر : الحقوق المدنية والسياسية وموقف الدساتير العراقية منها

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .