بحث قانوني موجز عن مضمون الإشكال التنفيذي في المادة الجزائية

لـــم يــــرد فـــي قـــانــــــون الإجـــــراءات الـجــزائــيـــة الــتــونــســي و لا الــفــرنــســي و لا حـتــى الـمــصــري، تــعــريـف واضــح و مــحـدد الـمــعــالــم للإشــكــال الــتنـفـيـذي فــي الــمــادة الـجــزائــيــة ، الأمـــر الــذي يــضــحــي مــن الــضــروري مــعــه تــحــديــد مــفــهــوم وحــيــد و مُــوحّـــد للإشــكـــال الــتــنــفــيـذي فــي الـمــادة الـجــزائــيــة، ( الـمـبـحـث الأول )، و الــذي مــن خلاله يـمــكـن اسـتخــلاص عـنـاصر الإشـكـال الـتـنــفــيـذي ( الـمبحث الــثـانـي ) .

الـمـبـحـث الأول :

تــعــدد الـتــعــاريف :

لــقــد اخــتــلــف الــفـقـهــاء فــي تــعــريــف الإشــكــال الــتــنــفـيــذي و ضـبــط مـعــالـــمه بــدقــة ، مــن ذلــك أن الــدكــتــور مــحــمــود نــجـيــب حـســنــي يُــعــّرف الإشــكـــال الــتــنــفــيـذي بـكــونــه ” نــزاعـا فــي شــأن الــقــوة الـتــنـفـيـذيــة للـحــكــم مــن حــيــث وجــود هــذه الــقــوة أو مــن حــيــث الـكــيـفــيــة الـتــي يــتــعــيّــن أن يـُـجــري بــهــا الــتــنــفــيــذ ” (3) ، و فــي مــقــابــل ذلــك يــرى جــانــب آخـــر مــن الـفـقــهــاء أن الإشــكــال الـتــنــفـــيــذي
هــو بــمــثـــابــة ” مــنــازعـــات فــي ســنــد الــتــنــفــيــذ تتــضــمــن ادعـــاءا لـــو صــحّ لامــتــنــع الـتــنــفــيــذ أصــلا أو أجــري بــغــيــر الـكـيــفــيــة الـتــي أريــد إجـــراؤه بــهــا فــي الأصـــل ” (4).

كــمـــا يــرى الـبــعــض أن الإشــكــالات الــتــنــفــيــذيــة ” هــي مــنــازعــات تتــعـــلــق بـــالــقــوة التــنــفــيــذيـــة للــحــكــم فــهــي تــشــمـــل كـــل دفــع بــإنــكـــار قــوة الــحــكــم فــي الــتــنــفــيذ تتّــســع تــبـعــا لــذلك للـــوقـــائـع الـتـي تـحــول قــانــونــا دون الـتــنـفــيـذ أو تــسـتــوجـب تــأجـيــله أو تـعــديــلــه ” (5).

و الـمـلاحــظ فــي جـمـلــة هــذه الـتـعــاريــف أنــهــا جـــاءت فــي مــعــظـمــهــا مــنــقــوصـــة بــاعــتــبـــارهــا حــصــرت الإشــكــال فــي تــنــفــيــذ الأحــكــام الــجــزائــيــة فــي الــســنــد الــتــنــفــيــذ ، و الــحـــال أن نــطـــاق الإشــكـــال الـتــنــفــيــذي أوســع مـــن ذلــك بــحــيــث يــشـمـل كـــذلــك الــنــزاعـــات الــمــتـعــلــقـة بــالــتــنــفــيذ فــي حــد ذاتــه، مــثــل تــنــفــيــذ الــعــقــوبــة عــلــى غــيـــر الــمــحــكــوم عــلــيــه (6)، أو الـتــنـفــيــذ بـغــيــر الــعــقــوبــة الـمـحـكــوم بـهـا أو عدم خــصــم مــدّة الإيــقـــاف الـتــحـفــظــي مــن الــعــقــوبــة الـمـحــكوم بــهــا، كــمــا اعــتــبــر الــقــضـــاء الــفــرنــســي مــن إشـــكــــالات الــتــنــفــيــذ ، الـمـنـازعـة حــــول إلــغـــاء إيـــقــــاف تــــنــفــيـــذ الـــعـــقــــوبـــة
في حـــالــة الــحــكــم بــإيـــقــاف الـتــنـفـيــذ مــع الـــوضــع تــحـــت الإخــتـــبــار:
Sur scie avec mise à l’épreuve .

و فـي نــفـس هــذا الاتجاه رأى جــانب آخــر مـن الــفــقــهــاء ،أن إشــكـــالات الـتـنـفــيــذ “هــي مــنــازعـــات فــي الـتــنــفــيــذ لــو صــحــت لأثـــرت فــيــه بــان جــعــلــتـه جـائـزا أو غــيـر جــائــز، صـحــيــحــا أو بـاطــلا مــن حـيــث كــمّــه أو كـيـفــه” (7).

و لــعــل هــذا الــرأي نــفــســه هــو الــذي كــرســتــه غـــرفــــة الاتهام بـمــحـكـمــة الإسـكــنــدريــة، الـتــي رأت فــي أحــد قـــراراتــهــا أن الإشــكــالات الـتـنــفـيـذيــة ” لا تــعــدو أن تــكــون نــزاعـــا حــول تــنــفــيـــذ الــحــكــم إمـــا بــزعـــم أنــه غــيــر واجـــب الـتــنــفــيــذ ، و إمـا بــزعــم أنه يُـراد تــنفـيذه عــلى غيـر المـحكوم علــيه ، وإما بــزعـــم تــنــفــيذه بــغــيــر ما قــضى بــه ، وإمــا بــزعــم أن إجراءات الــتـنـفـيـذ نـفـسـهـا لا تُـطابــق الــقــانــون “. و المــتـأمــل فــي مــجمــل هــذه الــتــعــاريــف ، يـــلاحــظ حــتــما أنــهـا تــنــقــسـم إلـــى اتـجاهـــيــن رئــيــســيــن .فــأما الأول فــيــنــطــلـق من آثـار الإشـكال الـتـنـفـيذي ، وأمـا الــثاني فــيرتــكز على حالات الإشــكال الـتـنـفـيذي، عـلـما و أن هـذه الــتعاريـف تــبـقى فـي مــجمـلــها من قــبيل الاجــتـهـادات الفقهّية و الـقضــائــّية القــابــلــة لــلنّــقــد ، بــاعـتـبـار أن أغــلــبـها لم يــتـطّرق إلى عناصر الاشكال الــتّــنــفـيـذي في المــادّة الـجـزائــيّــة ، والــتي يــمــكن علــى أســاســها إقــتـراح مــفـهـوم دقــيـق و صـحـيح للإشكال الـتّـنـفـيذي
في المـادّة الــجــزائــــيّة .

المـبـحـث الثاني :

عناصر الإشكــال التــنفيذي :

لـعـلّ أهّم ما يــمـكـن الاشــارة إليه فـي هـذا السـّيـاق ،هــو أن تعريفا دقـيقا لمفهوم الإشــكـال فــي تنـفـيـذ الــحـكـم الــجــزائــي ،إنـما هــو يــسـتـوجـب بالضّرورة تـحــديدا شــاملا لــعـناصر هـــذه الـمــؤســّسة، وضبطا مـُـحــكــما لـمــخـتـلـف حـالات الإشـكـال فــي الـتّـنـفـيـذ بـــما يــتــّفـق مـــع الـغـاية مـــن هـذا الــنــّـظــام .
عـلـما و أنّ الرّأي الغـالـب هنا، هـو أن الإشـكال فـي التنفيذ هـو ” نـزاع قضائي حـول شـرعـية تـنفـيذ الحـكـم” , و تـأسـيـسا عـلى ذلك يــمكـن القـول أنـه مـن أوكد عــناصر الإشـكال في الـتـنفـيذ أمران أسـاســيان هـمـا , أن يــتـعــلق الأمــر بـنــزاع قــضـائــي مــن جـهــة , و أن يـتــعــلق هــذا الــنــزاع بــشـرعــيـّة تـــنـفـــيـذ الـحـكــم مـن جـهــة أخـرى .

الـفـقـرة الأولـى :

الإشـكال في التـنفيـذ , نزاع قـضائي :

يــطـرح الإشـــكال فـــي الـتـنـفــيذ , فــرضيـة وجـود نزاع بــين الــشــخـص المـعني بـالـتـنـفـيذ و بـيـن السـلـطة المـشـرفة علـى الـتـنـفـيـذ , فـإذا ما تـراءى للـمُـنـفـّذ ضـده وجــود خـطـأ في الـتـنـفـيـذ , فـإن لـه أن يـعـرض الأمـر أولا علـى الــنـيـابة الـعـمـومـية، فــإذا ماإســتــجـابــت له فـلا وجــود لإشـــكــال , و أمـا إذا رفــضت ذلك فـلـيس مـن خــيـار أمامه إلا عــرض الإشــكال علــى الســلطـة القــضــائــيـة، إذ من غــيـر المـنـطـقـي أن تــختــّص سـلــطـــة الـتـنـفــــيذ بـالفـصــل فــي مـثــل هــذه الــنزاعــات، بحــيـث تــكون الخــصـم و الــحكـم فــي ذات الــوقت , و فــي هذا الـمــعـنـى صــدر قرار مـحـكـمـة الـتـعـقـيب الفـرنـســية المؤرّخ في 22 / 02 /1833 ، و المـلاحظ أن صـفـة المـنـازعة تـلـك هي الـتـي تمـيز الإشـكال فـي التـنـفـيـذ عن طلب إصلاح الأخـطاء المـاديــة أو طلـب تـفــسير ما يـعــتري الـحكم مـن غمــوض، و التي لا تـعـدّ من حالات الإشـكال فـي التـنـفـيذ.

الـفـقـرة الـثـانـيـة :

تعلّق النزاع بشرعية تنفيذ الحكم :

مــن المــفروض فـي هذا الإطـار أن الطــرف الــمعــني بالإشــكال يــرمــي من وراء إثـارة الإشــكــال فــي الــتـنـفــيذ إلـى تــثـبــيــت حــّق فــي جــانبه مـن خلال التّــدليل علــى وجــود خــطأ فـي الــتـنــفـيـذ، و مـن ثـــمّ وجود مــخــالفــة لــلـشرعــية (9) .أي أن الــمعـني بـــالأمـر يـــدّعــي وجــــود خــطأ فـــي الــتــنفــــيذ وليس خطأ فى الحكم .

و هـــــذا الاتجاه هــــو الــذي إســـتقــر عــلــيه كــل مــن فـــقــه الــقــضاء الــفــرنســي و المــصري، إنـــــطلاقــا مـــن أن الإشــــكــال فـــي التنفيد هو نعى على التنفيد ,و لــيــس قــدحــا فـــي الــحكــم الــذي بــموجــبــه يــتــم الــتــنــفــيذ (10) ، ولما كـان الإشــكال فـــي التــنــفــيـذ مــتـعــلّقا بــالضّـــرورة بــشــرعيــة تــنــفــيذ الحــكــم , فــلـــقد كــان مــن اللازم أن يــكون الإشـــكال مــقـــيّدا مــن حــيــث ســبــبه و غايــتـه , أي أن لا يــتـطرق الإشــكال فــي الــنّهايـة إلــى عيـب فــي الـحـكــم سـواء مـن حيـث الــواقـــــع أو الــقانـون ، و أن لا يــُهــدف مــن وراءه إلــى الــمسـاس بــجوهــر الحـكـم بـأية وســيلـة كــانـت , بـحـيــث لا يــجوز أن يــــؤدي الإشـــكال فـــي الــتـنـفــيـذ مـــثــلا إلـــى تـغـيــيـر مـــنـطــــوق الــحـكــم ، أو إلــى الــتــأثــيـر فـــي مــراكــز و حــــقـــوق الأطــــراف .

و بـتـبـّـيـن الــعـنصــر الــثانــي للإشــكال فــي الـتـنـفـيـذ , تــتـشـابك الـمســائـل أكــثر فــأكــثــر و يــتقــارب مــفهــوم الأشــكــال فــي الـتـنـفـيذ فــي حــد ذاتــه مــع مـفاهــيـم أخــرى مــجاورة ، الأمــر الــذي يـبـلـغ فــي بــعض الــحالات حــدّ الـخلـط بـيـن الـمفاهيــم و المــِؤســسات، مــما يـستـدعــي تـميـز هـــذه الـمؤســسة عــن غيــرها مـن الـمفـاهــيم المــجاورة .