عنصر الاختصاص فـي جـريمة الرشــوة

داد / معاون إدعاء عام/ حسين بن علي بن سليمان المقبالي

بإشراف لجنة تدريب معاوني ادعاء عام

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز،

“”وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً””

الآية 85 – سورة الاسراء

المقدمــــة

الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

يقتصر موضوع هذا البحث حول جانب معين في جريمة الرشوة ألا وهو عنصر اختصاص الموظف العام، الذي تم اقتباس عناصره من كتب عديدة، لأهميته القانونية والعملية، فعدم توافر عنصر الاختصاص في جريمة الرشوة يؤدي إلى عدم قيامها، فأهميته من أهمية جريمة الرشوة والتي تسعى جميع النظم إلى مكافحتها، باعتبارها جريمة تشكل اعتداءا على الإدارة العامة، الأمر الذي يستتبعه الإضرار بالمصلحة العامة، وهذا الأمر الذي يجعل الكثير من المتهمين في هذه الجريمة، يدفعوا بأنهم غير مختصين بالعمل المطلوب منهم في مقابل الرشوة ابتغاء التملص من العقاب، ولهذا تدخلت العديد من التشريعات لسد الباب في وجه كل من تسوًل له نفسه العبث بمقتضيات الوظيفة والاتجار بها دون وجه حق.

ومن هذا المنطلق، وإيمانا مني بأهمية هذا الأمر، فإنه يسعدني أن أضع بين أيديكم هذا الجهد المتواضع، سألا المولى عز وجل أن ينفعنا بما فيه الخير والصلاح.

وقد جاء تقسيم هذا البحث على النحو الآتي:

المبحث الأول(التمهيدي):- نظرة عامة حول جريمة الرشوة

المطلب الأول:- تعريف جريمة الرشوة

المطلب الثاني:- البنيان القانوني لجريمة الرشوة

الفرع الأول : الركن المادي

الفرع الثاني : الركن المعنوي

الفرع الثالث : الشرط المفترض

المبحث الثاني :- شرط اختصاص الموظف العام

المطلب الأول :- القاعدة العامة حول وجوب اختصاص الموظف

الفرع الأول : المقصود بالاختصاص

الفرع الثاني : أداة تحديد الاختصاص

المطلب الثاني:- حالات الاختصاص

الفرع الأول:- الاختصاص الحقيقي

الفرع الثاني:- الاختصاص الحكمي

المبحث الأول (التمهيدي):- نظرة عامة حول جريمة الرشوة

جريمة الرشوة من الجرائم الخطيرة، إذ أنها تشكل اعتداءا على المصلحة العامة واعتداءا على الإدارة العامة للدولة على حد سواء، ومن هنا تدخل المشرع لكي يضفي الحماية الجزائية عليها من خلال فرض العقوبات على كل من تسوَل له نفسه العبث بمقتضيات وظيفته، فما هي جريمة الرشوة ؟ وما هو البنيان القانوني الذي ينظمها؟ هذا ما سيتم استعراضه من خلال المطلبين الآتيين تمهيدا للبحث في مسألة عنصر الاختصاص الذي سيتم تناوله في مبحث مستقل.

المطلب الأول:- تعريف جريمة الرشوة

لم يتفق فقهاء القانون على تعريف معين لجريمة الرشوة، كما أن المشرع العماني لم يبين في قانون الجزاء منه تعريفا محددا لها()إلا أنه يمكن أن يستلهم منها بشكل عام تعريفا عاما، فهي في النهاية تنصب في مجرى واحد ألا وهو إتجار الموظف العام بوظيفته، وذلك بأن يقوم بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن القيام بها أو تأخير إجراءها أو مخالفته لواجباتها نظير حصوله على مقابل من صاحب المصلحة أو الوسيط.

فالموظف العام هنا يطرح وظيفته كأي سلعة أخرى تباع في الأسواق() يحصل من خلالها على نفع يعود بالمصلحة الخاصة إليه، دون آبه بما يشكله ذلك من اعتداء على السير الطبيعي للإدارة العامة()، والذي يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بالمصلحة العامة.

فالرشوة بمعناها الواسع تتكون في الأصل من اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة، بمقتضاه يحصل الأول على فائدة أو لمجرد الوعد بالحصول عليها نظير تحقيق ما يبتغيه صاحب المصلحة منه، فهي على هذا النحو علاقة أخذ وعطاء متبادل بين الموظف وصاحب المصلحة().

أطراف جريمة الرشوة

تقتضي الصورة الأصلية لجريمة الرشوة وجود طرفين أساسيين هما الموظف العام ويسمى (مرتشيا) وهو الذي يطلب أو يقبل أو يأخذ ما يعرض عليه من نفع، وصاحب المصلحة ويسمى (راشيا) وهو من يقدم للموظف النفع ابتغاء أن يقوم له بأداء العمل المطلوب() بصوره تخدم صاحب المصلحة وتحقق له الفائدة.

وقد يتوسط الراشي والمرتشي شخص ثالث وهو الرائش وقد سماه القانون (الوسيط) وهو يعتبر ممثلا لمن كلفه بالوساطة فليس له عمل مستقل في جريمة الرشوة فهو في مركز الشريك.

وقد يتوافر في جريمة الرشوة أيضا ما يسمى (بالمستفيد) وهو شخص يعينه المرتشي، وقد يساهم هذا المستفيد في الجريمة بفعل من أفعال الاشتراك فيعتبر شريكا فيها، ويتعين هنا مساءلته عن جريمة خاصة()، وقد يكون المستفيد شخصا حسن النية، ولا يعلم بخلفيات النفع الذي تحصل عليه من المرتشي، وفي هذه الحالة تنتفي المسؤولية الجنائية في حقه لعدم تحقق الركن المعنوي للجريمة الخاصة.

المطلب الثاني:- البيان القانوني لجريمة الرشوة.

يتضح لنا من التعريف السابق أن جريمة الرشوة من جرائم الوظيفة العامة، وطبقا للقواعد العامة فهي تفترض توافر صفه خاصة في مرتكبها ( الشرط المفترض)، وذلك بأن يكون موظفا عاما مختصا، هذا بالإضافة إلى أنه يستلزم لوقوع جريمة الرشوة تحقق الأركان العامة للجريمة، والتي تتمثل في تحقق ركنين هما الركن المادي والركن المعنوي، وهذا ما سيأتي بيانه بحسب ما جاء في الفقه المقارن بشكل عام على النحو الآتي:

الفرع الأول: الركن المادي

يتحقق هذا الركن بسلوك إجرامي يرتكبه المرتشي، وينصب هذا السلوك حول موضوع معين، ويستهدف تحقيق غرضا معينا.

أولا- النشاط الإجرامي

ويتحقق هذا النشاط بإحدى الصور التالية:

أ-الطلب

وهو سلوك صادر عن الموظف يعبر فيه عن رغبته في الحصول على مقابل نظير قيامه بالعمل المطلوب، فقد يكون هذا الطلب صريحا أو ضمنيا، شفاهة أو كتابة أو إشارة فالشكل غير مهم، كما أنه لا يهم إن كانت المنفعة المتحصلة أو الموعود بها كانت لمنفعة نفسه أو غيره، فالمهم أن يكون الطلب قائما فعليا وجديا فإذا كان في معرض الهزل لا يعد قائما()، فإذا قام موظف بمجرد طلب الرشوة فقط فإن جريمة الرشوة تعتبر تامة في حقه، وإن كانت في الأصل تعد شروعا إلا أن المشرع ( سواء أكان المشرع العماني أو المقارن) أراد التشدد معه بسبب عرضه لوظيفته كسلعة للاتجار فأخل بنزاهة الوظيفة().

ب-القبول

وهو سلوك صادر من الموظف يعبر من خلاله عن موافقته للعرض الذي تقدم به صاحب المصلحة أو الوسيط نظير أن يقوم بالعمل المطلوب منه، ]وقد يكون القبول صريحا أو ضمنيا، شفاهة أو كتابة أو إشارة، وقد يكون معلقا على شرط، ولكن يجب أن يكون هذا الشرط ممكنا تحقيقه وأن يكون جديا()[ ، ويستوي أن يكون هذا القبول لنفسه أو لغيره، فالقبول يعد صحيحا في حالة ما إذا كان قائما فعليا وجديا في ظاهره ومطابق للعرض().

والغالب ما يكون القبول في صورة الوعد من قبل صاحب المصلحة بتقديم نفع معين إذا ما قام الموظف بتأدية العمل المطلوب منه.

أما في حالة عدم قبول الموظف للعرض المقدم من صاحب المصلحة، فإن المسؤولية الجزائية تنتفي في حقه إلا أنه في المقابل تقع جريمة عرض الرشوة في حق صاحب المصلحة ويعد مسؤولا جزائيا، وهذا ما أكده نص المادة (158) من قانون الجزاء العماني بذكره ((يعاقب الراشي أو الوسيط بالسجن من شهر إلى سنتين إذا حاول رشوة موظف فرفضها)).

ج- الأخذ

وهو سلوك من الموظف يفترض إعطاء من الراشي، فهنا يأخذ الموظف النفع معجلا، وقد يكون تسليم النفع هنا للموظف مباشرة أو لأي شخص آخر قد يكون عالما بها أو شخص حسن النية، وقد يكون التسليم هنا حقيقيا أو رمزيا، كما أن أخذ الموظف للعطية قد يكون لنفسه أو لغيره.

كما تجدر الإشارة إلى أن الأخذ في حقيقته قبول لكنه قبول لعطية تقدم في الحال، وليس قبولا لوعد بتقديم عطية، من أجل ذلك اكتفى المشرع الفرنسي بصورتي الطلب والقبول()، وهذا ما سار على نهجه المشرع العماني في قانون الجزاء حيث اكتفى بذكر صورتي الطلب والقبول فقط.

ثانيا- موضوع الرشوة

وهو المقابل الذي يحصل عليه الموظف ( النفع) من صاحب المصلحة، وقد يكون ماديا أو معنويا، ظاهرا أو مقنعا، مشروعا أو غير مشروع، حال أو مستقبل أو موعود به، كبر أو صغر، كثير أو قليل().

كما انه من المهم أن ينصب هذا الاتفاق على نفع معين فإذا انعدم النفع إنعدمت الجريمة، وأن يكون هذا المقابل مرتبط بالعمل الوظيفي برابطة غائية، وبالتالي أن انتفاء الغاية يترتب عليها انتفاء المقابل و عدم صلاحية تحقيق الركن المادي للجريمة، كأن يحصل الموظف على مبلغ من المال سدادا لدين سابق كان على المدين أو قبول لهدية قريب أو صديق دون أن يكون لذلك علاقة بالعمل الوظيفي().

ثالثا- الغرض من الرشوة

لابد أن يكون هناك غرضا معينا من الرشوة يبتغيه صاحب المصلحة ويرجو تحقيقه من قبل الموظف إلا أنه لا يشترط أن يقوم هذا الأخير بتنفيذه فعلا بمعنى أنه لا يشترط انصراف قصده إلى تنفيذ العمل المطلوب منه، فأداء العمل الوظيفي هو غاية الرشوة لكنه ليس ركنا في جريمة الرشوة ولا يعتبر عنصرا في الركن المادي ولا المعنوي لكن تتجلى أهمية العمل الوظيفي في أن له دور أساسي في الجريمة من ناحية أنه الضابط في تحديد اختصاص الموظف بحسبان أن الاختصاص من عناصر الصفة الخاصة للمرتشي().

وبذلك فصور الأداء الوظيفي الذي يقدمه الموظف يتمثل في الآتي:

أ- أداء عمل من أعمال الوظيفة

وهي الأعمال والتصرفات القانونية الإيجابية التي يقوم بها الموظف بشكل مشروع أو غير مشروع() والتي تتطلبها المباشرة الطبيعية للوظيفة في حدود اختصاص وظيفته، وتطبيقا على ذلك أن يحرر رجل المرور مخالفة سير لشخص مخالف فعلا أو أن يحررها لشخص غير مخالف أصلا.

ب- الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة

وهو أن يأتي الموظف بفعل سلبي يهدف من خلاله الامتناع عن تأدية العمل بشكل مشروع أو غير مشروع والتي لا تتطلبها المباشرة الطبيعية للوظيفة، وتطبيقا على ذلك أن يمتنع رجل المرور عن تحرير مخالفة سير لشخص مخالف فعلا أو أن يمتنع عن تحريرها لشخص غير مخالف أصلا.

ج- مخالفة واجبات الوظيفة

وهي كل الأعمال والتصرفات إيجابية كانت أم سلبية قام بها الموظف العام المختص على نحو غير مشروع مخالفا بذلك لأوامر ونواهي القانون، ]فتعبير الإخلال بواجبات الوظيفة له مدلول واسع إذ يندرج تحته كل عبث يمس عمله وينطوي على خيانة الثقة والأمانة الوظيفية ويخل بواجبات أدائها على الوجه السوي القويم والتي قد لا تنص عليها القوانين صراحة إلا أنها تستلهم من المصلحة العامة التي ينبغي على الموظف مراعاتها[().

د- تأخير أداء العمل الوظيفي.

رأى بعض الشراح بأن هذه الصورة داخلة ضمن الصورة الثانية وهي الامتناع عن أداء العمل الوظيفي، إذ أن الامتناع لا يشترط فيه أن يكون تاما بل يكفي مجرد التأخير في أداءه في الوقت المحدد().

كما أن البعض الآخر من الشراح أدرج هذه الصورة ضمن الصورة الثالثة واعتبرها إخلالا بواجبات الوظيفة إذا كان الواجب الوظيفي يلزمه بأداء العمل في الوقت المحدد له دون أي تأخير().

ومن الملاحظ عند التمعن في نص المادة (155) من قانون الجزاء العماني أن المشرع لم يقصد التوسع في مفهوم تأخير العمل الوظيفي حيث أدرجه إلى جانب الصورتين الأوليتين أداء العمل والامتناع عن أداءه بينما أفرد للصورة الثالثة الإخلال بواجبات الوظيفة مادة مستقلة.

الفرع الثاني :- الركن المعنوي

جريمة الرشوة من الجرائم العمدية و التي يكفي لقيامها توافر القصد العام من علم وإرادة، الذي يشترط فيه أن يكون معاصرا للنشاط الجرمي.

أولا- العلم

أن الموظف هنا يعلم بأن ما طلبه أو قبله أو أخذه كان من أجل قيامه بأداء العمل المطلوب منه أي تحقيق الغاية التي ينشدها صاحب المصلحة.

ثانيا- الإرادة

أي أن تنصرف إرادة الموظف إلى الموافقة على القيام بالعمل الذي ينشده صاحب المصلحة في مقابل الفائدة، ويشترط هنا أن تكون هذه الإرادة حرة مختارة وليست تحت ضغط أو إكراه أو ضرورة ().

الفرع الثالث:- الشرط المفترض:

تتميز جريمة الرشوة كما ذكر سلفا بأنها تفترض في مرتكبها صفة خاصة، وهو شرط لابد من توافره فهو أمر سابق على توافر أركان الجريمة العامة وبالتالي فإنه ليس جزءا في أركانها ومع ذلك فهو أمر ضروري لا تقع الجريمة إلا بوجوده()، لدرجة أن بعض الفقهاء أطلقوا عليها تسمية الركن الخاص للجريمة لما لها من أهمية في وقوع الجريمة، حيث أدرجت إلى جانب الأركان العامة()، وهو في ذلك يتفق مع الركن في أن تخلفه يترتب عليه عدم وقوع الجريمة.

كما أن الشرط المفترض أو ما يسمى أحيانا بالعنصر المفترض يخضع لنظام قانوني غير جزائي في الأصل()، فإثباته يخضع لوسائل الإثبات المقرر في القانون الذي ينظم أحكامه()، فشرط الموظف العام واختصاصاته ينشئ في تحديد مفهومه وشروطه القانون الإداري إلا إذا تدخل المشرع بنص خاص وحدد مفهوما مغايرا له في صدد جريمة معينة().

فالشرط المفترض اللازم لتوافر جريمة الرشوة ينطوي على عنصرين يجب توافرهما في مرتكبها الأول أن يكون موظف عام و الثاني أن يكون هذا الموظف العام مختصا.

أولا- أن يكون المرتشي موظفا عاما

إن تحديد مفهوم الموظف العام يرجع للقانون الإداري إلا أن ذلك لا يمنع من أن يتدخل المشرع في قانون الجزاء في تحديد مفهومه، وهذا ما حصل فعلا في قانون الجزاء العماني حيث جاء المشرع مبينا لمفهوم الموظف الحقيقي والموظف الحكمي.

وهنا سأكتفي ببيان مفهوم الموظف العام بحسب ما جاء في قانون الجزاء العماني اختصارا دون التطرق إلى ما جاء في القانون الإداري أو التشريع المقارن.

أ-الموظف العام الحقيقي

لقد أوضح نص المادة (154) من قانون الجزاء العماني بجلاء بأنه (( يعد موظفا بالمعنى المقصود به في هذا القانون كل شخص عينه جلالة السلطان أو الحكومة لقاء راتب يتقاضاه من خزانة الدولة، وكل شخص ندب أو انتخب لأداء خدمة عامة ببدل أو بغير بدل)).

ب-الموظف العام الحكمي

وهذا أوضحه أيضا نص المادة آنف الذكر في فقرة مستقلة منه بذكره (( ويعتبر في حكم الموظف كل من يعمل في إحدى المؤسسات أو الجمعيات الخاصة ذات النفع العام أو في إحدى الشركات أو المؤسسات الخاصة إذا كانت إحدى وحدات الجهاز الإداري للدولة تساهم في رأس مالها أو مواردها المالية بأية صفة كانت )) حيث أنه بحسب الأصل أنه ليس موظفا عاما ولكن المشرع أعتبره في حكم الموظف العام لأهمية الوظيفة وما يترتب عليها من نتائج خطيرة على الإدارة العامة في حالة المساس بها.

ثانيا- أن يكون الموظف العام مختصا بالعمل.

وهذا هو العنصر الثاني موضوع البحث إذ خصصنا له مبحثا مستقلا والذي سيتم تناوله بشكل تفصيلي في المبحث الثاني.

المبحث الثاني:- شرط اختصاص الموظف العام

طبقا للقواعد العامة لجريمة الرشوة، فإنه لابد أن يكون الموظف العام مختصا بالعمل المطلوب منه، فلا يكفي لقيام هذه الجريمة أن يكون المرتشي موظفا عاما فقط بالإضافة إلى الأركان العامة السالف ذكرها بل لابد من توافر العنصر الآخر ألا وهو عنصر الاختصاص، فعنصر الاختصاص هنا عنصر مكمل لعنصر صفة المرتشي كونه موظفا عاما، حيث إن عدم توافر هذا الشرط يؤدي إلى عدم قيام الجرم أو أنها قد تندرج ضمن جرائم أخرى أو أن تحكم محكمة الموضوع بالبراءة في هذه الحالة.

فشرط الاختصاص عنصر لابد من وجوده في جميع التشريعات التي تجرم فعل الرشوة إلا أنها قد تختلف فيما بينها في جوانب داخلة في جزئيات من هذا العنصر، وهذا ما سيأتي بيانه تفصيلا.

والأمر الذي يؤكد ضرورة توافر هذا العنصر في قانون الجزاء العماني ما أكده نص المادة (155) حيث ذكر في جزئية منه ((……….من أعمال وظيفته أو ليمتنع عنه أو ليؤخر إجراءه……….))، فنص المادة واضح في هذا الخصوص، والذي يبين ضرورة كون الموظف العام مختصا (أن يكون ذلك العمل من أعمال وظيفته).

كما أنه تجدر الملاحظة بأن عنصر الاختصاص كعنصر صفة المرتشي يخضع في تحديد مفهومه وشروطه القانون الإداري، وكذلك يخضع أمر إثباته إلى كافة طرق الإثبات القانونية وكذلك لا يوجد ما يمنع من الاستعانة في معرفة نطاقه وحدوده بالمبادئ العامة التي قررتها التشريعات المقارنة.

فما هي القاعدة العامة حول وجوب الاختصاص؟ وما هو المقصود بالاختصاص؟ وكيف يتم تحديده ؟ وما هي حالاته؟ هذا ما سيأتي بيانه بشي من التفصيل مستندين في ذلك إلى بعض قواعد القانون الإداري المنظمة للاختصاص وما أخذ به التشريع المقارن من أحكام ومبادئ في خصوصه ومقارنته بالتشريع العماني إن أمكن ذلك من خلال المطلبين الآتيين:

المطلب الأول:- القاعدة العامة حول وجوب الاختصاص

تبين لنا من خلال تعريف جريمة الرشوة بأن المعنى يفترض بذاته قدرة الموظف على تقديم وظيفته كسلعة إلى صاحب المصلحة مقابل نفع يسعى لحصوله()، وكما هو معلوم أن فاقد الشيء لا يعطيه فلابد أن يكون الموظف قادرا على تأدية العمل المطلوب منه، إذ أن قدرته في أداء العمل ينم عن مدى تحليه وتمتعه بالصفة والاختصاص المكلف به قانونا، فالأصل بحسب القواعد العامة يجب أن يكون الموظف العام مختصا بالعمل المطلوب منه تنفيذه أي أن يكون ذلك العمل من أعمال وظيفته مختصا به حقيقيا بحسب ما حدده القانون من اختصاصات يتمتع بها فعلا في نطاق ضيق.

وحري بالذكر أن بعض التشريعات المقارنة () قد خرجت عن هذا الأصل بتوسعها في تفسير مفهوم الاختصاص وكيفية تحديده كتوسعها في تحديد مفهوم الموظف العام، فمسألة توسع المشرع في مفهوم النص وإيراد الإستثناءات عليها، يرجع إلى طبيعة الدولة نفسها ومدى محاولتها على معالجة ومكافحة نوع معين من الجرائم من أجل تحقيق المصلحة المنشودة، وذلك من خلال دراستها وتحديد أسبابها ومعرفة مدى تأثيرها واستفحالها في المجتمع، ومن هنا ينطلق المشرع ويتدخل بأن يضع الحلول المناسبة بأن يجعل التشريع مسايرا لما يراه بأن يتوسع لمعالجة الجريمة ومكافحتها، وهذا ما جعل بعض الدول تأخذ بالاختصاص الحكمي الذي سيأتي بيانه.

وبالنظر إلى المشرع العماني نجده في نص المادة (155) من قانون الجزاء، اقتصر على ذكر أن تكون الأعمال التي يقوم الموظف بأدائها من أعمال وظيفته أي أن يكون مختصا بها ولم يبين حدود هذا الاختصاص، كما انه لم يرد في جميع المواد الأخرى في الفصل الثاني منه أنه توسع في مفهوم الاختصاص، الأمر الذي يجعل أمر تقدير مسألة الاختصاص راجع لتقدير محكمة الموضوع.

كما أن مسألة تقدير أن الموظف العام مختص من عدمه يرجع إلى تقدير محكمة الموضوع، فهي في النهاية من تقوم بفحص كافة جوانب الدعوى والنظر في مسألة الاختصاص من حيث التوسع في تحديد نطاقه أو تضييقه().

الفرع الأول:- المقصود بالاختصاص:-

يقصد بالاختصاص سلطة مباشرة الموظف العام عمله قانونا أو صلاحية القيام بعمل معين خوله القانون القيام به سواء أكان بطريق مباشر أو غير مباشر.

وفي هذا الجانب هناك سؤال يتبادر إلى الذهن هل ينعقد اختصاص الموظف العام في حالة ما إذا قام بالعمل المطلوب منه وهو مختص بالعمل نوعيا لا مكانيا؟

لقد جاء في هذا الخصوص أن الاختصاص القانوني أو الصلاحية المخولة قانونا للموظف العام تحدد نطاق اختصاصه بالعمل سواء أكان اختصاصا نوعيا أو مكانيا، فلا يكفي أن يكون الموظف مختصا بعمل نوع معين إذا كان نظام تعيينه لا يسمح له بمباشرته إلا في جهة معينة إذ أن مباشرته لعمل من نفس نوع العمل الداخل في أعمال وظيفته وخارج عن نطاق اختصاصه المكاني لا تقع منه جريمة الرشوة().

الفرع الثاني:- أداة تحديد الاختصاص بالعمل.

تبين لنا بأن الضابط في تحديد الاختصاص بالعمل هو معرفة العمل الوظيفي المطلوب من الموظف تنفيذه، فالقيام بالعمل الوظيفي الذي ينشده صاحب المصلحة هو الغرض من الرشوة.

فيجب لكي يتم معرفة أن الموظف مختص بالعمل المطلوب البحث في الأداة التي من خلالها تحدد اختصاص الموظف بالعمل، ومن هنا نجد أن اختصاص الموظف بالعمل يتحقق بطريقتين إما أن يكون بطريق مباشر أو غير مباشر.

أولا- الاختصاص المباشر

وهو أن يتم تحديد اختصاص الموظف العام مباشرة بقانون أو بناءا على قانون أو لوائح تنظيمية أو العرف، حيث تحدد فيه طبيعته الوظيفية ومهامه المختلفة.

ثانيا-الاختصاص الغير مباشر

وذلك يكون في حالة إذا ما كانت القوانين واللوائح تفوض الرؤساء الإداريين في تحديد اختصاص مرؤوسيهم.

وهنا يمكن للرؤساء أن يحددوا اختصاصات مرؤسيهم بحسب ما يقتضيه العمل من تنظيم فيقوم بتحديدها في صورة قرارات أو أوامر أو تعليمات أو تكاليف ولا يهم فيها أن تكون بشكل مكتوب أو شفهي فالمهم أن تصدر من رئيس مختص بشكل صحيح().

وعموما إن المرجع في تحديد الاختصاص هو الجهة الإدارية المختصة وعلى المحكمة أن تتحرى حقيقة الاختصاص بسؤال الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف( المرتشي) دون التعويل على إقراره، لأن توزيع الاختصاصات لا يثبت بالإقرار بل بتكليف الجهة الإدارية في أقل الأقدار().

ولكن ماذا لو قام الموظف بعمل من أعمال وظيفته بعد ساعات العمل الرسمية هل يعد بذلك مختصا بالعمل المطلوب منه أداؤه؟

ذكر في هذا الجانب أن الموظف العام يعد مختصا بالعمل المطلوب إذا قام بذلك العمل بعد ساعات العمل الرسمية في حالة ما إذا كان مكلفا بها وظيفيا من قبل الجهة الإدارية المختصة، ويكون بذلك مسؤولا جزائيا في حالة قبوله أو طلبه للرشوة، أما في حالة إذا كان لم يكن مكلفا بها وظيفيا فإنه لا يؤدي عملا من أعمال وظيفته وتنتفي عنه المسؤولية الجزائية إلا أنه قد يسأل عن ذلك تأديبيا حتى ولو أخذا مقابلا نظير قيامه بالعمل المطلوب، فالمدرس الذي يقوم بإعطاء دروس خصوصية بعد ساعات الدوام الرسمي نظير حصوله على أجر لا يسأل عن جريمة الرشوة، ذلك أن حصوله على هذا الأجر هو نظير قيامه بعمل خاص وجهد إضافي().

المطلب الثاني:- حالات الاختصاص

الفرع الأول: الاختصاص الحقيقي

أولا :- الاختصاص في نطاقه الضيق.

إن هذا النوع من الاختصاص لم يتوسع المشرع في تحديده فهنا يختص الموظف كليا بالعمل المطلوب طبقا لاختصاصه المباشر دون التعمق في مسألة الاختصاص الغير مباشر، فمحكمة الموضوع في هذا الجانب تنظر مسألة الاختصاص من منظور ضيق إذ تكتفي بما حدده القانون في مسألة اختصاص الموظف وتتقيد به، وتطبيقا على ذلك فإذا قام رئيس جهة إدارية بتكليف مرؤوسه بعمل معين تكليفا صحيحا دون أن ينص صراحة في القانون المحدد لاختصاصات الموظف(المرؤوس) بأن الرئيس مفوض بتنظيم العمل وتحديد اختصاصات موظفيه فإن المحكمة في هذه الحالة تتقيد بنص القانون وتعتبر الموظف هنا غير مختص.

بالإضافة إلى ذلك ]أن الموظف العام هنا يكون وحده من سلطته أن يقرر دون أن يشرك غيره معه في القرار، فالأستاذ في الجامعة يختص وحده دون غيره بتصحيح ورقة إجابة الطالب فإذا وافق على تعاطي مبلغ الرشوة في مقابل تصحيح الورقة بطريقة معينة، فإن جريمة الرشوة تقع منه]().

ثانيا:- الاختصاص في نطاقه الموسع

أ-عدم الاعتداد بمصدر الاختصاص

وهنا لم يعتد المشرع بمصدر الاختصاص المنوط بالموظف العام، فاعتبره في هذه الحالة مختصا بالعمل المطلوب منه سواء أنعقد اختصاصه بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر().

ب-الاختصاص الجزئي بإصدار القرار

وهنا يعد الموظف العام مختصا جزئيا بعمل معين إذا كان يقرره مع غيره وليس بمفرده حيث إن سلطته في أداء هذا العمل محدودة بجزء معين من قراره، ويبرز ذلك في حالة ما إذا كان هناك اشتراك بين عدة موظفين في إصدار قرار لاتخاذ إجراء معين، وتطبيقا على ذلك قيام أحد الموظفين وهو عضو في لجنة توظيف بقبول رشوة من صاحب المصلحة مقابل الموافقة على تعيينه، فهنا الموظف لا يملك لوحده إصدار القرار بتعيينه ولكنه يمكنه أن يؤشر على جزء من القرار أو أن يؤثر على بقية أعضاء اللجنة بإقناعهم بالأمر، وبذلك يعد الموظف مختصا حقيقيا بالعمل لأنه لديه صلاحية بالقيام بذلك الجزء المنوط به عمله، وهنا تقع منه جريمة الرشوة حتى ولو لم يقم بأداء العمل المطلوب منه فعلا.

ج-الرأي الاستشاري

يعد الموظف مختصا بالعمل بمجرد إبداءه لرأي استشاري، فإذا كان الموظف خبيرا وطلب منه أن يبدي رأيا فنيا في أجهزة تود إدارة الجامعة شراءها من إحدى الشركات، فقامت إحدى الشركات وطلبت من الخبير أن يعد تقريرا على شكل معين مقابل حصوله على نفع، فوافق على ذلك، فإن جريمة الرشوة تقع في حقه حتى لو لم يقم بتحقيق مطلب الشركة فعلا().

وفي هذا الجانب ذكرت محكمة النقض المصرية في جانب من حكمها أنه ليس من الضروري أن يتخذ نصيب الموظف من الاختصاص صورة اتخاذ القرار بل يكفي أن يكون دوره مجرد المشاركة في تحضير القرار ولو في صورة إبداء رأي استشاري يحتمل أن يؤثر على من يقوم باتخاذ القرار().

د-الصلة والعلاقة بين العمل المطلوب تنفيذه والاختصاص الوظيفي.

وهذه الحالة على وجه الخصوص أثارت جدل واسع وسط ساحة المحاكم في التشريعات المقارنة، فهنا يعتبر الموظف مختصا بالعمل المطلوب تنفيذه إذا قامت علاقة أو صلة بين وظيفته وهذا العمل المطلوب منه أداؤه، وقد جاء فيها أنه [ليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون له علاقة بها أو اتصال يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة وأن يكون الراشي قد أتجر معه على هذا الأساس ]().

وفي هذا الاتجاه قضي بوقوع جريمة الرشوة من كاتب محكمة، إذ قبل بمبلغ رشوة من صاحب المصلحة نظير أن يقوم بتأجيل دعوى معروضة على المحكمة، على الرغم أن تأجيل الدعوى ليس من اختصاص الكاتب بل من اختصاص القاضي وحده، وذلك لأن علاقة الكاتب بالقاضي تجعل في وسعه أن يؤثر عليه مما يقدمه من أسباب تبرر التأجيل بما يفهمه إياه من الإجراءات التي اتخذت أو تتخذ().

هـ – مخالفة واجبات الوظيفة

يعتبر الموظف مختصا بالعمل المطلوب منه إذا حدث تفاهم بين الموظف وصاحب المصلحة على أن يقوم الموظف بمخالفة واجبات وظيفته نظير تقاضيه مبلغ الرشوة، من ذلك أن يقبل رجل المرور مبلغ الرشوة حتى لا يقوم بتحرير مخالفة ارتكبها أحد السائقين، فيصعب القول هنا بأن الموظف مختص بمخالفة واجبات وظيفته، ولكن نظرا لأن من واجبه القيام بالعمل على وجه معين، فإن امتناعه عن القيام به أو قيامه به على نحو مخالف يجعل الأمر متعلقا بعمل من أعمال وظيفته، وبالتالي فإن هذا الموظف يتوافر في حقه شرط الاختصاص ويسأل عن جريمة الرشوة().

الفرع الثاني:- الاختصاص الحكمي

وهنا طبقا للقاعدة العامة في تحديد الاختصاص لا يعد الموظف مختصا بالعمل المطلوب منه أداؤه إلا أن التشريع المقارن هنا تدخل لكي يحيط بجميع صور الإجرام في جريمة الرشوة واعتبر حالة الزعم بالاختصاص و حالة الاعتقاد الخاطئ به صورة مستثناة من صور الاختصاص الحقيقي، حيث تم اعتبارهما في مقام واحد من ناحية توافر عنصر الاختصاص في جريمة الرشوة ويكون الموظف العام في هاتين الحالتين في حكم المختص.

كما أنه تجدر الإشارة هنا بأن المشرع العماني لم ينص في مواده في قانون الجزاء عن تلك الحالتين، ولكننا هنا نكتفي بأن نستعرض الحالتين الآتيتين كما هو موجود في التشريع المقارن.

أولا-الزعم بالاختصاص

ساوى التشريع المقارن بين الاختصاص الحقيقي والاختصاص الحكمي بمجرد الزعم به، ويفترض الزعم بالاختصاص انتفاء الاختصاص فالموظف غير مختص بالعمل المطلوب في مقابل الفائدة ولكنه يزعم أنه مختص به()، فالزعم يكون على خلاف الحقيقة حيث أن الموظف هنا يدعي لصاحب الحاجة أنه يستطيع أن يقوم بالعمل المطلوب منه، ويحدث هذا في حالة أن يستولي الموظف على قيمة الفائدة من صاحب الحاجة ولا يقوم بتأدية ما يطلبونه من خدمات، وكان من الطبيعي أن نعتبر مثل هذا الموظف مسؤولا عن جريمة النصب غير أن المشرع أراد التشدد معه باعتبار أن فعله يمثل إتجارا بالوظيفة العامة، وأنه من غير المستحب معاملته بشكل أخف حيث إنه يجمع بين الاتجار بالوظيفة والنصب().

ما هي شروط توافر الزعم بالإختصاص؟

أ- يلزم صدور نشاط من الموظف

الزعم سلوك يصدر عن الموظف، وقد يكون هذا السلوك إيجابيا بأن يدعي الموظف الغير المختص أنه يستطيع أن يقوم بالعمل المطلوب منه، وقد يكون هذا السلوك سلبيا بأن يعطي صاحب المصلحة الموظف الغير مختص فائدة ويطلب منه أن يؤدي له عملا فلا يمانع الموظف في ذلك، ويمكن أن يكون هذا السلوك الصادر صريحا أو ضمنيا.

كما أنه لا يشترط أن يدعم هذا الزعم بمظاهر خارجية، ولا يشترط أن يكون لهذا الزعم تأثير في اعتقاد صاحب المصلحة سواء صدقه أو اكتشف خداعه().

ب- أن ينطلي الزعم على الرجل العادي

من القواعد العامة أنه يؤخذ بمعيار الرجل العادي في مسألة الكذب، فمن الضروري أن يكون الكذب قابلا أن يصدقه الرجل العادي، فإذا كان من الوضوح بحيث يستبينه الرجل العادي ومع ذلك صدقه الراشي فإن القانون لا يقدم له الحماية وقد قصر هو في حماية نفسه، فإذا كان الموظف منسقا في قسم القانون الجزائي بكلية الحقوق، وقد أعطاه طالب مبلغ الرشوة نظير أن يزيد في درجاته في مادة القانون المدني، حيث زعم المنسق أنه باستطاعته استلام درجاته لنقلها في كشف الدرجات ويقوم بزيادتها، فإن هذا الزعم لا يجب أن يصدقه الرجل العادي إلا فيما يتعلق بدرجات القسم الجزائي ولكن لو أنه زعم بأن أستاذ مادة قانون الجزاء يسلمه الدرجات قبل إعلانها وأنه يستطيع تعديلها كان هذا الزعم منطليا على الرجل العادي().

ج- توافر العلاقة السببية

يجب أن يكون هناك ارتباط سببي بين الوظيفة التي يشغلها الموظف وبين الاختصاص الذي زعمه، فهنا يتحقق الخطر الحقيقي على الوظيفة العامة، فإذا ادعى موظفا بمؤسسة النقل العام بأنه يعمل موظفا بوزارة الإسكان فإنه لا تتوافر جريمة الرشوة إنما نكون أمام جريمة أخرى ( نصب أو انتحال صفة غير صحيحة)، بينما إذا ادعى أحد المدرسين بأنه يملك إختصاص مدير المدرسة فهنا تقع جريمة الرشوة بالاختصاص المزعوم().

كما أنه لا تقوم جريمة الرشوة لو ادعى الموظف أن له صلة بالموظف المختص فعلا تمكنه من حمله على تنفيذ العمل المطلوب إلا أنه قد تقع في هذه الحالة جريمة أخرى من الجرائم الملحقة بالرشوة في التشريع المقارن كجريمة استغلال النفوذ الحقيقي أو المزعوم().

ثانيا- حالة الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص

وهو أن يعتقد الموظف خطأ على خلاف الحقيقة ويتوهم بأن العمل المطلوب منه أداؤه يدخل في اختصاص وظيفته، وذلك بصرف النظر عن اعتقاد الراشي، فلا يهم إن اعتقد صاحب المصلحة بأن الموظف العام مختصا بالعمل المطلوب في حين أنه غير مختص أساسا بذلك العمل.

ويستوي أن يكون خطأ الموظف في تقدير اختصاصه راجعا إلى أسباب قانونية أو لخطأ شخصي منه() أو بتأثير عوامل أسهمت في ذلك، ]وقد يكون مباشرة الموظف لعمله على هذا النحو باطلا من الناحية القانونية إلا أن ذلك لا يحول دون مساءلته جزائيا[().

فقد أراد الفقه المقارن هنا أن يمد جريمة الرشوة إلى هذه الحالة لأن الموظف يسعى فيها إلى الاتجار بالوظيفة العامة، فقد يعمل الموظف في قسم معين ثم يتغيب عن العمل في إجازة مثلا ويحصل على الرشوة في أثناء هذا الوقت ويفاجئ بعد عودته أنه نقل إلى قسم آخر بحيث لا يملك القيام بالعمل الذي طلبه منه صاحب المصلحة، فقد كان يجهل أنه نقل إلى قسم آخر.

الخاتمــــة

أشرنا فيما سبق إلى المقصود بعنصر الاختصاص، وتعرضنا إلى أهميته بالنسبة إلى تحقق الجريمة و دوره كأساس في البنيان القانوني المكون لجريمة الرشوة، وكعنصر مكمل لعنصر صفة الموظف العام التي تؤدي في النهاية إلى تحقيق الشرط المفترض الذي لابد من توافره في هذه الجريمة.

كما استعرضنا الأدوات التي تحدد اختصاص الموظف العام المباشرة والغير مباشرة، وبينا من خلالها الحالات التي اعتبرها المشرع اختصاصا حقيقيا في نطاقه الضيق والموسع وحالة كونه اختصاصا حكميا.

ويتضح لنا مما سبق بأن عنصر الاختصاص عنصر مهم وضروري لقيام جريمة الرشوة، فعدم توافره قد يؤدي إلى عدم تحقق هذه الجريمة أو تؤدي إلى تحقق جريمة أخرى، فأول ما تقوم به سلطة التحقيق النهائي في هذه الجريمة هو التحقق من توافر الشرط المفترض من خلال التأكد والتثبت من صفة مرتكبها وبعدها تقوم بالبحث عن مدى توافر عنصر الاختصاص بكافة طرق الإثبات مستعينة في ذلك إلى أحكام القانون الإداري الذي ينظم أحكامه وأحكام قانون الجزاء، وهنا بلا شك بأن لها السلطة التقديرية في اعتبار عنصر الاختصاص متحققا من عدمه سواء نظرة هذه المسألة من منظور ضيق أو موسع إذا كان تقديرها سائغا ومستندا إلى أصل ثابت في القانون.

كما أنه اتضح لنا بأنه بمقارنة التشريعات المقارنة بالتشريع العماني في مسألة عنصر الاختصاص نجده انه أخذ بمعيار الاختصاص الحقيقي ولم يتطرق إلى الاختصاص الحكمي في نصوص قانون الجزاء به وجعل مسألة الأخذ بنطاقه الحقيقي الضيق أو الموسع راجع إلى تقدير المحكمة الموضوع.

وفي النهاية لا يسعني إلا أن أسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإياكم بما قدمت من جهد، و أذكر هنا بأن من أجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد والكمال لله سبحانه وتعالى والوصل إليه أمر غير مستطاع.

قائمــة المراجــع

أ.د أحمد أبو الروس، جرائم التزييف والتزوير والرشوة واختلاس المال العام من الوجهة القانونية، الموسوعة الجنائية الحديثة، الكتاب الخامس، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.

أ. أحمد أحمد يحيى، المرشد في قانون العقوبات الخاص، الإسكندرية: دار المطبوعات الجامعية، لسنة 2005.

المستشار إيهاب عبد المطلب، الموسوعة الجنائية الحديثة لأحكام محكمة النقض الصادرة من جميع الدوائر الجنائية، ج6، القاهرة: المركز القومي للإصدارات القانونية، الطبعة الثانية، بدون تاريخ، ج1.

د.حسن صادق المرصفاوي، قانون العقوبات تشريعا وقضاءا في مائة عام، ج2، الإسكندرية:منشأة المعارف، ج1.

د. عادل يحيى، قانون الجزاء، القسم العام، أكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة، مجمع البحوث والدراسات، قسم المناهج والمطبوعات.

أ.د علي عبد القادر القهوجي، و أ.د فتوح عبدالله الشاذلي، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، الإسكندرية: دار المطبوعات الجامعية، لسنة2003.

د. غسان رباح، جريمة الرشوة وآثارها، متوفر على موقع قوى الأمن الداخلي اللبناني، العدد 23

د. فيصل عبدالله الكنداري، جرائم الرشوة، مذكرات لطلبة الفرقة الثالثة، مقرر قانون الجزاء القسم الخاص، للعام الجامعي 1999/2000، جامعة الكويت، كلية الحقوق.

أ. محمود نصر، الوسيط في الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، الإسكندرية: منشأة المعارف 2004.

المستشار مصطفى مجدي هرجه، موسوعة هرجه الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، ج4، القاهرة: دار محمود للنشر، ج2.

قائمة بالمحتويات

الموضوع

الصفحة

المقدمــــة

3

المبحث الأول (التمهيدي):- نظرة عامة حول جريمة الرشوة

5

المطلب الأول:- تعريف جريمة الرشوة

أطراف جريمة الرشوة

6

المطلب الثاني:- البيان القانوني لجريمة الرشوة.

8

الفرع الأول: الركن المادي

أولا- النشاط الإجرامي

ثانيا- موضوع الرشوة

11

ثالثا- الغرض من الرشوة

الفرع الثاني :- الركن المعنوي

14

الفرع الثالث:- الشرط المفترض

المبحث الثاني:- شرط اختصاص الموظف العام

18

المطلب الأول:- القاعدة العامة حول وجوب الاختصاص

19

الفرع الأول:- المقصود بالاختصاص

21

الفرع الثاني:- أداة تحديد الاختصاص بالعمل

22

أولا- الاختصاص المباشر

23

ثانيا-الاختصاص الغير مباشر

المطلب الثاني:- حالات الاختصاص

25

الفرع الأول: الاختصاص الحقيقي

أولا : الاختصاص في نطاقه الضيق

ثانيا: الاختصاص في نطاقه الموسع

26

أ-عدم الاعتداد بمصدر الاختصاص

ب-الاختصاص الجزئي بإصدار القرار

ج-الرأي الاستشاري

د-الصلة والعلاقة بين العمل المطلوب تنفيذه والاختصاص الوظيفي

27

هـ – مخالفة واجبات الوظيفة

28

الفرع الثاني:- الاختصاص الحكمي

29

أولا-الزعم بالاختصاص

ثانيا- حالة الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص

32

اعادة نشر بواسطة محاماة نت