بحث قانوني و دراسة حول رهن المتاجر في القانون الاردني

أ/ أحمد أبو زنط

ملخص

يمكن لمالك المحل التجاري ان يرهنه رهناً تأمينياً باعتباره النظام القانوني الوحيد الملائم لطبيعة المحل التجاري كمال معنوي .غير ان القانون الاردني بالرغم من اعترافه بأن المحل التجاري مال معنوي الا انه لا يمكن لمالكه ان يعقد عليه رهناً تأمينياً للاسباب التالية :

1- عدم وجود نصوص صريحة تنظم التصرفات التي يمكن ان ترد على المحل التجاري .
2- عدم وجود ارتباط بين الحق في ايجار المكان والمحل التجاري .
3- غموض النصوص الخاصة بكل من السجل التجاري والرهن التجاري في قانون التجارة الاردني .

المقدمة

يعتبر المتجر** من اهم اموال التاجر فرداً كان او شركة فهو اداته لتنفيذ مشروعه التجاري وهو مال منقول معنوي يلزم لوجوده ولبقائه استمرار استثماره ويلزم لذلك الاستثمار ان يتوفر للتاجر ائتمان كاف يسمح له بتطوير متجره ويساعده على مواجهة الازمات الاقتصادية .
والائتمان المطلوب لا يمكن الحصول عليه الا بضمانات معينة كالرهن العقاري ورهن المنقولات والضمان الشخصي ولما كان من الغالب ان لا يكون مالك المتجر مالكاً للعقار الذي يمارس فيه تجارته فإن ذلك قد يستتبع عجزه عن تقديم رهن عقاري كذلك لما كان الضمان الشخصي من اضعف الضمانات لأن الدائن المكفول دينه يبقى دائناً عادياً بغير اولوية ويبقى خاضعاً لقسمة الغرماء مهما تعدد الكفلاء فإن البنوك تحجم عادة عن تقديم اي تسهيلات ائتمانية مقابل مثل ذلك الضمان . فلا يبقى تبعاً لذلك امام التاجر الا ان يرهن منقولاته المادية والمعنوية ويتم رهن النوع الاخير بمقتضى نظام يشبه الرهن التأميني لأن ما تنقل حيازته انما هو السند المثبت لملكيته وليس المنقول المعنوي ذاته ويتم رهن النوع الاول بالرهن الحيازي كقاعدة عامة (باستثناء السيارات والسفن والطائرات التي تخضع لرهن شبيه بالرهن التأميني)

واذا رجعنا لأحكام القانون الاردني فإننا نجد انه يعرف نظامين للرهن يسمى احدهما بالرهن التأميني(1) (الرسمي) وهو رهن محله عقار جرت عليه اعمال التسوية (اعمال المساحة العامة) والمنقولات التي تقتضي قوانينها الخاصة تسجيل التصرفات الواردة عليها كالسيارة والسفينة (م 1334 مدني) ومن آثاره ان تبقى حيازة المال المرهون للراهن ولا تنتقل الى المرتهن ويسمى ثانيهما بالرهن الحيازي وهو الذي ينصب على المنقولات المادية والعقارات التي لم تخضع لأعمال المساحة العامة ومن آثاره ان تنتقل حيازة المال المرهون الى المرتهن او الى يد شخص ثالث فلا تبقى الحيازة للراهن . والمتجر مال ناجم عن تآلف المنقولات المادية والمعنوية ذلك التآلف هو الذي اسبغ عليه صفة المنقول المعنوي تلك الصفة التي تحول دون رهنه رهناً حيازياً وهي التي دفعت بالمشرع في معظم الدول اللاتينية الى تنظيم رهن المتجر بطريقة تشبه الرهن التأميني . غير ان المشرع الاردني وان كان قد تعرض للمتجر في المادتين 38 ، 39 من قانون التجارة بتعداد عناصره وبيان خضوع حقوق المالك على تلك العناصر لقوانين خاصة الا انه لم يعن بوضع قانون خاص يحكم تصرفات التاجر على متجره مما دفع بعض الشراح الى القول تعذر رهن المتجر بمقتضى القوانين الاردنية(2) وذلك خلافاً لما تقضي به نصوص قانون التجارة من اعتباره مالاً قابلاً للتعامل (م 26 ، م43/2 ، 317 ، 323 ، 414 من قانون التجارة الاردني والمادة 9/ج من سجل التجارة) . مما يدفع الى الرجوع الى مجمل قواعد كل من قانون التجارة والقانون المدني للبحث في امكانية استخلاص نظام قانوني لرهن المتجر على نحو يتفق مع طبيعته ويحقق مصلحة الراهن في الحصول على الائتمان بضمان متجره مع البقاء على رأس تجارته ومصلحة المرتهن في ان يكون مطمئناً على استيفاء دينه في ميعاد استحقاقه بالتقدم على سائر دائني الراهن ومصلحة الدائنين العاديين في ان لا يفاجأ اي منهم بهذا الرهن الذي ينقص من ضمانهم العام المقرر على ذمة الراهن . وعلى ذلك لن يتعرض هذا البحث لدراسة عقد رهن المتجر من حيث كونه عقداً اي اننا لن ندرس اركانه وشروط صحته واثاره وطرق انقضائه فهذه جميعها موضعها الكتب المنهجية ولكنه بحث ينصب على تلك المشكلة التي اوجدها هذا الفراغ التشريعي محاولين ابراز ابعادها وآثارها وتقديم الحل البديل من خلال عرض مبررات الرهن التأميني .آملين أن يشكل هذا الجهد المتواضع إحدى وسائل المشرع الاردني في سبيل وضع نظام قانوني متكامل يحكم تصرفات التاجر على متجره لأن ذلك يؤدي الى ازدهار تجارة التاجر والى نمو الاقتصاد بصفة عامة .

خطة البحث

نظن ان المقدمة السابقة توضح خطة هذا البحث التي تدور حول مشكلة رهن المتجر وتناقش وجود او عدم وجود تلك المشكلة واذا وجدت وتمكنا من تحديدها فما هو مبرر التخلص منها واذا استطعنا اقناع المشرع بضرورة اجراء مراجعة تشريعية لهذا الموضوع فما هو الحل البدلي ؟ نعتقد اننا نستطيع الاجابة على التساؤلات السابقة من خلال عرض الفصول الثلاثة التالية :
الفصل الاول : جوهر مشكلة رهن المتجر في القانون الاردني .
المطلب الاول : انتفاء تنظيم قانون المتجر .
المطلب الثاني : عدم ملاءمة قواعد المتجر التشريعية .
الفصل الثاني : الرهن الذي تقبله خصائص المتجر .
المطلب الاول :اثر اعتبار المتجر منقولاً معنوياً على رهنه حيازياً .
المطلب الثاني : ملاءمة اعتبار المتجر منقولاً معنوياً لرهنه تأمينياً .
الفصل الثالث : الحل الذي يتبعه القانون المقارن .
المطلب الاول : قواعد القانون المقارن الخاصة برهن المتجر .
المطلب الثاني : الحل المقترح .

الفصل الاول جوهر مشكلة رهن المتجر في القانون الاردني

تمهيد ،،

تكمن مشكلة رهن المتجر في انه مال لا يستطيع مالكه التاجر الحصول على الائتمان بضمانه بالرغم من حاجته الماسة اليه لا لأنه مال ضئيل القيمة او لأنه مستحيل رهنه او ان الدائنين يحجمون عن قبول ارتهانه ضماناً لما يوفرونه من ائتمان وانما لعدم وجود نظام قانوني متكامل لرهنه ولتحقيق مصالح اطراف ذلك الرهن . وسنرى ، حالاً ، انه لا وجود لقانون خاص بالمتجر او بالتصرفات الواردة عليه سواء اكانت بيعاً ام رهناً ام تأجيراً وان المشرع الاردني حينما تعرض للمتجر في المادة 38 من قانون التجارة رقم 12 لعام1966 انما اقتصر على ذكر عناصره وكان من المفروض ان يكمل نص تلك المادة بنصوص اخرى تحقق الارتباط بين المتجر ككيان متميز عن عناصره وبين تلك العناصر مما يسهل عملية الرهن الا انه لم يفعل ذلك وانما عطلها جزئياً على نحو يؤدي الى عدم امكانية رهن المتجر وذلك حينما اشترط في قانون المالكين والمستأجرين ضرورة حصول المستأجر على موافقة مؤجر المكان لنفاذ اي تصرف يرد على المتجر في مواجهته بما فيها الرهن . وحينما تكلم المشرع الاردني عن التسجيل التجاري استلزم قيد التاجر لتصرفاته على متجره في السجل كي تصبح نافذه في مواجهة الغير اعتقد هنا ان هذا النص سيوفر رهناً ملائماً للمتجر حيث سينفذ ذلك الرهن في مواجهة الغير بقيده في السجل دون انتقال الحيازة للمرتهن الا اننا سنرى هذا النص محاط بغموض شديد سببه امران :
الاول : ان قواعد الرهن التأميني تعطي للتسجيل دورين :
1- اعتباره ركناً في عقد الرهن .
2- اعتباره شرطاً لنفاذ ذلك الرهن في مواجهة الغير .

الثاني : إن المادة 62/2 من قانون التجارة التي تتكلم عن الرهن التجاري انما تنصب على المحل التجاري بطريقة توحي بضرورة ان يتم رهنه حيازياً . لذلك نرى ان ابعاد مشكلة رهن المتجر تتطلب دراسة كل من انتفاء تنظيم قانوني للمتجر ثم عدم ملاءمة نصوص قانون التجارة .

المطلب الاول انتفاء تنظيم قانوني للمتجر

تمهيد :
يمكن نفي تنظيم قانوني للمتجر من خلال القول بعدم صدور تشريع خاص به ومن خلال عدم امكانية استخلاص تنظيم قانوني من النصوص النافذة غير ان المادة 39 من قانون التجارة تحيل الى تحديد حقوق التاجر على عناصر متجره الى القوانين الخاصة بتلك العناصر مما يقتضي مناقشتها بغية تحديد مدى كفاية هذا النص .
كما ان المشرع الاردني حاول الاستعاضة عن القانون الخاص بالمتجر بنصوص تقرر امكانية رهن عنصر الايجار مما يقتضي التساؤل عن مدى ملاءمة ذلك .
وعليه سنبحث انتفاء التنظيم القانوني للمتجر في بندين :
الاول : انتفاء قانون خاص بالمتجر .
الثاني : عدم كفاية رهن عنصر الايجار .

اولاً : انتفاء قانون خاص بالمتجر :
لم يصدر – على حد علمنا- حتى هذه اللحظة اي تشريع اردني خاص بالمتجر ولا يوجد بين نصوص القانون الاردني احكاماً تخص تصرفات التاجر على متجره من بيع رهن وتأجير وكان ما ورد بشأن متجره في قانون التجارة قاصراً على بضعة مواد ابرزها المادة 38 التي بينت عناصر المتجر والمادة 39 التي تحيل على القوانين الخاصة بعناصر المتجر لبيان حقوق مستثمرة عليها . ويقصد المشرع الاردني بالتحديد كلاً من : قانون المالكين والمستأجرين رقم 29 لسنة 82 بشأن الحق في ايجار المكان (3) وقانون تسجيل الاسماء التجارية رقم 30 لسنة 1953 (4) بالاضافة الى المواد 40-50 من قانون التجارة بشأن الحق في الاسم التجاري كعنصر في المتجر وقانون العلامات التجارية رقم 33 لسنة 1953 بشأن الحق في العلامة وقانون امتيازات الاختراعات والرسوم رقم 22 لعام 1953 باعتبار ان البراءة تكون عنصراً في المتجر اذا كان منشأة صناعية والقانون المدني بشأن الحق على البضائع والمعدات الا اذا كانت من نوع السيارات او كانت الاخيرة جزءاً منها حيث يرجع في شأنها الى قانون السير الاردني رقم 13 لعام 1983 .
غير ان احكام القانون الخاص بأي عنصر في المتجر انما وردت لتبين الحقوق وتنظم التصرفات الواردة على ذلك العنصر باعتباره مالا منفصلاً ومستقلاً وليس مالا مرتبطاً مع غيره من العناصر الداخلة في تكوين المتجر ولا يعني التصرف – بيعاً او رهناً – في اي من العناصر التي وضع المشرع الاردني لحكمها قانوناً خاصاً تصرفاً في المتجر بالضرورة فلو افترضنا ان العنصر الرئيسي في المتجر هو براءة اختراع فإن التنازل عنها لا يستتبع حتماً التنازل عن المتجر اذا كان مالكه قد قصد من تنازله عنها استبدال تقنية اكثر حداثة بها تخص ذات الموضوع كذاك لو تعلق الامر بعلامة تجارية توقف التاجر عن استعمالها وتركها تسقط في الدومين العام (وهو احدى صور التصرف المادي) فإن ذلك لا يؤدي الى زوال المتجر اذا كان المقصود هو استخدام علامة تجارية اخرى اكثر شهرة واكثر جذباً للعملاء .
ان عناصر رهن المتجر كل حسب قانونه الخاص لا يتم بطريقة واحدة فمنها ما يتم رهنه رهناً حيازياً ومنها ما يتم رهنه تأمينياً ومنها ما لا يتم رهنه الا مع المتجر فمن عناصره ما يخضع للرهن الحيازي كالبضائع والمعدات والاثاث ومنها ما يخضع للرهن التأميني كالسيارات والسفن ، ومنها مالا يمكن رهنه بالاستقلال عن رهن المتجر ذاته كالاسم التجاري والعلامة التجارية اللذين لا يجوز التصرف في ايهما تصرفاً مستقلاً عن التصرف في المتجر المخصص له ذلك لأنه لو جاز بيع الاسم او العلامة بالاستقلال عن المتجر لقام خطر اللبس الذي تتميز منتجاته بالعلامة المبيعة .كذلك الحق في الايجار لا يجوز رهنه بغير موافقة المؤجر لأن الرهن قد ينتهي الى التنازل (مفهوم الموافقة للمادة 492/2 مدني مصري ، م5 من قانون المالكين والمستأجرين الاردني).
واخيراً هناك عناصر ليس لها قانون خاص يحكمها ولا يمكن رهنها بغير رهن المتجر كالسمعة التجارية وعنصر العملاء . ثم ان رهن عناصر المتجر لا يعني رهناً له لأن المتجر ليس تلك العناصر وانما هو مال نجم عن تآلفها متميز عنها وما دام هو مالاً واحداً فهل يعقل ان يرهن مرة رهناً حيازياً واخرى تأمينياً في الوقت ذاته ؟
ولو كانت احكام القوانين الخاصة بعناصر المتجر كافية لتنظيم وحكم تصرفات التاجر على متجره لما كان المشرع في حاجة الى تشريع مؤسسة المدن الصناعية الاردني رقم 82 لسنة 1983 ا لذي يمكن المستأجر من المؤسسة من رهن حقه في الايجار ضماناً لأي قرض كما سنرى – خصوصاً وان المشرع يدرك مدى حاجة التاجر الى الائتمان سواء اكان داخل مؤسسة المدن الصناعية ام خارجها .

ثانياً : عدم كفاية رهن عنصر الايجار :
يبدو ان المشرع الاردني قد ادرك الصعوبات الناجمة عن عدم وجود نظام قانوني خاص برهن المحل التجاري وادرك الاضرار التي تلحق بالائتمان والرواج التجاري والصناعي الذي يؤدي تجميده الى الاضرار – في النهاية – بالخزينة العامة . ذلك ِلأن تجميد نشاط التاجر او الصانع عند حد معين لعدم توافر الائتمان يؤدي الى التقليل من حصيلة ضريبة الدخل والحد من طموحات القائمين على التخطيط الاقتصادي في الدولة . كما يظهر ان هذا الشعور قد راوده بعد اصداره لقانون مؤسسة المدن الصناعية رقم 34 لعام 1980 حيث توجد في تلك المدن منشآت صناعية يحتاج تطويرها الى قدر من التسهيلات في الوقت الذي لم يستطع فيه التاجر الحصول على تلك التسهيلات بغير ضمان كما اثبت ذلك الواقع مما دفع بالمشرع الاردني الى تعديل قانون مؤسسة المدن الصناعية رقم 82 لعام 1983 بنص يمكن التاجر من التنازل على سبيل الرهن عن حقه في الايجار للمقترض .
فهل يعتبر ما جاء به هذا التعديل كافياً لتوفير الائتمان المطلوب وانه يغني عن البحث في ضرورة ايجاد تنظيم قانون خاص بالمتجر وبالتصرفات الواردة عليه بما فيها الرهن ؟
نتصور ان الاجابة على هذا التساؤل تحتاج الى مناقشة هذا التعديل والى بيان تقديرنا له .
1- قانون مؤسسة المدن الصناعية ورهن عنصر الايجار :
نفيد ابتداءاً بأن مؤسسة المدن الصناعية عبارة عن شخص اعتباري ذات استقلال مالي واداري غايتها تملك مساحات من الاراضي الواقعة خارج حدود المدن والبلديات وانشاء المباني عليها لتأجيرها الى التجار والصناع الذين يمكن جذبهم لاقامة منشآتهم الصناعية والتجارية في تلك المباني سواء اكانت تلك المنشآت جديدة تقام لأول مرة ام انها منشآت قديمة يتم نقلها من داخل حدود البلديات (5) .
وبعبارة اخرى لم يتم وضع هذا القانون لتنظيم تصرفات التاجر على منشآته الصناعية او التجارية وانما هو قانون ذو غاية تنظيمية ادارية فحسب قصد منه تفريغ البلديات مما يوجد داخل حدودها من منشآت صناعية ومنع اقامة منشآت جديدة داخل تلك الحدود بهدف منع تلوث البيئة وللمحافظة على جمال المدينة وهدوئها . اما التعديل رقم 82 لعام 1983 الذي ادخله المشرع على قانون المؤسسة فقد جاء – كما ورد في مذكراته التحضيرية – لتمكين المستأجر في اية مدينة صناعية من احالة حقه في الايجار ضماناً لأي قرض يحصل عليه من اية جهة لاستثماره في المنشأة . نعتقد ان التعديل رقم 82 لعام 1983 قد رتب الآثار التالية :
أ- أنه يشكل تعديلاً جزئياً للمادة الخامسة من قانون المالكين و المستأجرين الاردني تلك المادة من الباطن او التنازل عن الايجار احد تلك الاسباب اذا تمت هذه التصرفات بغير موافقة المؤجر .على أن يراعى أن هذا التعديل قاصر في حكمه على عقود الايجار المبرمة بين مؤسسة المدن الصناعية واصحاب المنشآت الكائنة في تلك المدن ولا يمس عقود الايجار الخاصة بالمنشآت والمتاجر الاخرى بدليل ما ورد في ذلك التعديل حيث ينص على انه (الموافقة على حوالة الحقوق التي يملكها المستأجر من المؤسسة في المأجور وذلك ضماناً لأي قرض يحصل عليه المستأجر من اية جهة لاستثماره في المشروع الصناعي المقام في المدن الصناعية دون ان تتحمل تلك المؤسسة اي مسؤولية او التزام مالي مترتب على ذلك) .
ب- أن للمستأجر من المؤسسة ان يرهن حقه في الايجار ضماناً لأي قرض يحصل عليه من اية جهة لاستثماره في المنشأة فهو اذن ليس حوالة حق وانما رهن له وهو رهن يخضع للقواعد العامة وللمادة 61/4 من قانون التجارة كلما كان المؤجر هو مؤسسة المدن الصناعية.
ج- لا يفيد التجار والصناع من التعديل المذكور اذا كان المؤجر شخصاً آخر غير المؤسسة المذكورة وبهذا فلو افترضنا ان للتاجر منشأتين تقع الاولى داخل منطقة مؤسسة المدن الصناعية وتقع الثانية خارج تلك المنطقة فإن هذا التاجر سيعامل بطريقتين الاولى – هي انه يستطيع الحصول على الائتمان – كما يتصور المشرع – برهن عنصر الايجار الثانية – انه لا يستطيع الحصول على الائتمان لعدم امكانية رهن عنصر الايجار .

2- تقديرنا لرهن عنصر الايجار :

لا شك ان لحق الايجار قيمة مالية معروفة في عالم التجارة تسمى (خلو الرجل Le pas de – Porte) ولذلك فلا شائبة على رهنه من الناحية القانونية على الاقل في ظل التعديل رقم 82 لعام 1983.(6) وبالرغم من ذلك فإن لنا عليه مجموعة من الملاحظات من شأنها ان تؤكد ان رهن عنصر الايجار انما هو رهن محدود الفائدة لأنه لا يحقق للمرتهن التأمين الكافي بالاضافة الى انه لا يغني عن وجود قانون خاص بالتصرفات على المتجر .
1- ان رهن الحق في الايجار ليس رهناً للمنشأة الصناعية او التجارية اذ لحق في الايجار انما هو عنصر عادي ان وجد في المتجر وليس المتجر ذاته وفارق كبير في محل الرهن بين رهن حق الايجار ورهن المتجر .وهو عنصر عادي لأن اهميته تبرز على غيره من عناصر المتجر اذا كان هو العنصر الرئيسي اللازم لتكوين عنصر العملاء بل ان الفقه والقضاء يريان ان المتجر لا يكون موجوداً اذا لم يتوافر فيه غير حق الايجار وبعض العناصر المادية لأن وجود المتجر يتوقف على وجود جميع العناصر المرتبة لعنصر العملاء (7) وليس على عنصر بمفرده .
2-نتصور ان تعميم الحكم الوارد في التعديل رقم 82 لعام 1983 ليشمل المؤسسات الصناعية والتجارية بغض النظر عن موقعها اي سواء اكانت داخل المدن الصناعية ام خارجها يؤدي الى الحالات المتباينة التالية :
قد نجد متجراً متجولاً لا ينطوي على عنصر الايجار فاذا ترك الامر على حاله اي اقتصر الامر على رهن الحق في الايجار فان خيار التاجر سيقتصر اما على رهن متجر – وهذا يواجه المشكلة التي نتولى عرضها – او على عدم رهنه فقط ، لانه ليس لديه حق ايجار يقترض ضمانه.

ذلك قد نواجه متجرا موجودا في عقار لمالك المتجر – وهنا لايتضمن المتجر عنصر الايجار- فلا يكون امام التاجر إلا امران : ان يرهن العقار او يرهن المتجر ، وفي ذلك عدم مساواة بين التاجر المستأجر الذي لايفقد بالتنفيذ الجبري غير حق الايجار في حين ان التاجر المالك لعقار سيفقد بالتنفيذ الجبري حق ملكيته على العقار، وفارق كبير في القيمة والاثر بين الحقين .
3- يؤدي حصر خيار التاجر الكائن متجره في عقار غير مملوك له – في حالة تعميم التعديل – بين رهن عنصر الايجار ورهن المتجر الى ان يختار رهن عنصر الايجار ، مما يستتبع النتائج السلبية التالية :-

أ- قد يكون الحق في الايجار موجودا ويتم الاقتراض بضمانه دون ان يكون المتجر موجودا بالمعنى الذي يستلزمه الفقه والقضاء مما يدل على عدم جدية التاجر في استمرار تجارته او صناعته مما يلحق الضرر بالمقرض لانه يكفي ابرام عقد الايجار للاقتراض بضمانه ثم التوقف عن عملية انشاء المتجر وعن دفع الاجرة للمؤجر حتى نتعرف على نتيجة هذه العملية.
ب- يستطيع الراهن ان يتصرف في جميع عناصر متجره باستثناء الحق في الايجار دون ان يكون في مقدور المرتهن استخدام الحق المقرر له بموجب المادة 1406 من القانون المدني الاردني التي تنص على انه (اذا كان المرهون مهدداً بأن يصيبه للمرتهن تأميناً آخر جاز لكل منهما ان يطلب من المحكمة بيع المرهون وحينئذ ينتقل حق الدائن الى الثمن).
ج- سيكون المركز القانوني لمرتهن حق الايجار ضعيفاً – في حالة تعميم التعديل – لأنه سيواجه بدفوع المؤجر باعتباره مدين بالدين الضامن للقرض اذ ان للمؤجر ان يستخدم في مواجهة المرتهن طائفتين من الدفوع الأولى/ دفوع الراهن المترتبه على عقد الرهن في مواجهة المرتهن ، الثانية / دفوعه الناجمة عن عقد الايجار التي كان يمكنه استخدامها في مواجهة المستأجر الراهن وذلك طبقاً لنص المادة 1415 من القانون المدني الاردني.
وعلى ذلك فإن للمؤجر ان يتمسك في مواجهة مرتهن الايجار بأوجه الدفع المتعلقة بصحة الحق المضمون بالرهن فلو كان عقد الايجار الذي نشأ عن الحق المرهون باطلاً لكان الرهن باطلاً.(8)

4- يؤدي رهن عنصر الايجار – في حالة تعميم التعديل – الى ادخال المؤجر في منازعات قانونية مع المرتهن على نحو يلحق الضرر بهما معا فقد رأينا منذ قليل ان بوسع الراهن ان يتصرف في عناصر متجره دون اعتراض من المرتهن لأن الايجار محل الرهن ما زال قائماً ولم يلحق به اي ضعف ولكن ما الحكم لو ان المستأجر الراهن قد اتبع تصرفه السابق بأن توقف عن دفع الاجرة للمؤجر او ان يكون قد استغل المأجور على نحو مخالف للنظام العام او حسن الآداب او استخدمه على نحو مخالف لغرض عقد الايجار ؟
النتيجة – في رأينا – ان المؤجر سيطالب بفسخ الايجار فينقضي الدين الضامن للرهن وينقضي تبعاً له الرهن لزوال محله مما يدفع بالمرتهن الى المطالبة ببيع حق الايجار جبراً والدخول في منازعات لا نهاية لها مع المؤجر .
5- يرى الفقه( ) ان عدم حصر المرتهن في بنك ما يؤدي الى اخضاع الراهن لسياسات كبار المقرضين من التجار ويحعل منه تابعاً لهم منفذاً لمطالبهم من حيث الانتاج والتسويق كما ان خضوع الراهن لضغوط المقرضين من غير البنوك قد تدفعه الى تمييز المرتهن عن بقية دائنيه مما يدفع الى المطالبة بشهر افلاسه اذا توقف عن دفع احد ديونه التجارية.

المطلب الثاني عدم ملاءمة قواعد المتجر التشريعية

اولاً : قصور القواعد التشريعية الخاصة بالمتجر :

تمهيد :

ورد – كما ذكرنا سابقاً – في قانون التجارة الاردني بعض النصوص المتصلة بالمحل التجاري ابرزها المادة (38) التي تبين ما يمكن ان يتضمنه من عناصر ، ومن بينها الايجار والمادة (35/1) التي تقرر نفاذ تصرفات التاجر على متجره في مواجهة الغير شريطة قيدها في سجل التجارة ومن المؤكد كما سنرى في الفصل الثاني من هذا المقال ان ما ورد في هاتين المادتين منسجم مع طبيعة المحل التجاري ومحقق لغايات التصرفات التي يمكن ان ترد عليه ومراع لمصلحة اطراف تلك التصرفات غير انه نظراً لغياب التشريع الخاص بالتصرفات الواردة على ا لمحل التجاري فإن علينا ان نعود الى القواعد العامة لنستكمل نصوص قانون التجارة المذكورة لعدم كفايتها الا اننا سنجد حالاً تعرضاً واضحاً بين النصوص التجارية السابقة والقواعد المدنية على نحو لا يمكن معه تحقيق اهداف المشروع التجاري .
وقد يقال ان القانون التجاري قانون خاص وهو لذلك مقدم على القانون المدني باعتباره شريعة عامة بحيث يتعين تطبيق القواعد التجارية ولو كانت متعارضة مع القانون المدني الا ان هذه القاعدة التفسيرية السليمة تصطدم مع نصوص مدنية صريحة تحول دون انطباقها على رهن المحل التجاري وتجعل من النصوص التجارية نصوصاً قاصرة مما يدل على ان النظام القانوني لرهن المحل التجاري يعتبر مشكلة حقيقية في القانون الاردني يلزم لحسمها تدخل المشرع بشكل يحقق مصلحة التاجر في الحصول على الائتمان .
ويظهر هذا القصور من خلال ابراز تعارض رهن المحل التجاري مع احكام ايجار المكان حينما يكون الايجار عنصراً فيه ومن خلال تعارض قواعد السجل التجاري مع احكام الرهن التأميني :

1- تعارض رهن المتجر مع احكام ايجار المكان :

تقرر المادة (38) من قانون التجارة الاردني امكانية اعتبار الحق في الايجار عنصراً معنوياً في المحل التجاري وتحيل المادة (39) من القانون ذاته في بيانها لحقوق مستثمر المتجر على عناصره الى احكام القوانين الخاصة بهذه العناصر والقانون الخاص بعنصر الايجار انما هو القانون المدني وقانون المالكين والمستأجرين . وتبين القواعد العامة التي تحكم ايجار الاماكن ان تصرف المستأجر بالايجار لا ينفذ في مواجهة مؤجر المكان بغير موافقته على ذلك التصرف بغض النظر عن غرض الايجار اي سواء أكان ايجاراً للسكن ام لافتتاح محل تجاري وذلك على اساس ان عقد الايجار يرتب حقاً شخصياً للمستأجر في ذمة المؤجر بالانتفاع بالعين المؤجرة ويرتب في ذمة المؤجر بالانتفاع بالعين المؤجرة ويرتب في ذمة المستأجر مقابلاً لذلك الانتفاع هو الالتزام بأداء الاجرة .
وبما ان التنازل عن الايجار يؤدي الى صيرورة المتنازل له مستأجراً مباشراً بدلاً من المستأجر المتنازل فيخلف الاول الاخير في حقوقه والتزاماته فإننا سنكون بالتنازل ازاء حوالة حق وحوالة دين في وقت واحد . واذا كان من اللازم لنفاذ حوالة الحق مجرد علم المحال عليه – او قبوله – الا ان حوالة الدين لا تنفذ بمجرد تحقق ذلك العلم وانما يلزم لنفاذها قبول المحال عليه ورضاه بها (م 996/2 من القانون المدني الاردني) .
واذا كانت قواعد الايجار الواردة في القانون المدني قد اغفلت حكم التنازل عن الايجار فإن ذلك لا يعني ان للمستأجر الحق في التنازل عن الايجار بدون موافقة المؤجر والا كان في ذلك اهدار للتحليل السابق لقد كان ممكناً اغفال التحليل السابق وتجاوز منطقة للوصول الى نتيجة منسجمة مع مفهوم المحل التجاري على اساس افتراض قبول المؤجر لو ان الامر قد توقف عند حكم القواعد العامة الا ان المشرع الاردني تجاوز الموقف السابق ونص صراحة على ضرورة حصول المستأجر على موافقة المؤجر الصريحة كي يكون التنازل نافذاً فقد نصت المادة (5/3) من قانون المالكين والمستأجرين الاردني على انه يكون سببا للتخلية ” اذا اجر المستاجر المأجور او قسم منه لشخص اخر او سمح له بأشغاله دون موافقة المالك الخطية او اخلاه لشخص اخر دون تلك الموافقة”.
وأيا كانت مبررات هذا النص فانه يعطل جزئيا حكم المادة (38) من قانون التجارة التى لايمكن تفسيرها الا على اساس انها تعترف بالمتجر باعتباره مالا او مجموعة من الاموال ، وهو لذلك دخل في دائرة التعامل ، ولمالكة ان يتصرف به في حدود النظام العام بالكيفية التي يراها بيعا أو تأجيرا او رهنا بغض النظر عن موافقة المؤجر او عدم موافقته .
كما تؤدي قواعد الايجار السابقة الى اضعاف ملكية المتجر بل وتهديد وجودها لانه يكفي ان لايوافق او ان يعترض على تصرفات التاجر المستأجر حتى تعتبر تصرفاته غير نافذه في مواجهة المؤجر مما يمكنه من المطالبة بفسخ الايجار واخلائه من المكان .ويؤدي التسليم بقواعد الايجار الى عدم استطاعة التاجر المستأجر رهن متجره (10) لعدم قدرته على التصرف في الايجار تبعأً للمتجر مما ادى بالعديد من القوانين المقارنة الى ابطال كل شرط في عقد الايجار يخل بحق التاجر المستأجر في الرهن (11) .
ذلك لأن قواعد الايجار لا يقتصر انطباقها على البيع الاتفاقي فقط وانما يشمل ايضاً البيع الجبري بالمزاد وعلى هذا النحو فإذا امتنع او عجز المدين عن الوفاء فإن المرتهن سيكون مضطراً الى بيع المتجر المرهون جبراً ذلك البيع الذي يتحقق برسو المزاد واذا تحقق ذلك توافر للمؤجر مبرر المطالبة بالاخلاء .

ثانياً : غموض قواعد السجل التجاري :

يتطلب المشرع الاردني في الرهن التأميني تسجيل التصرف عوضاً عن نقل حيازة المال المرهون على اساس ان التسجيل يحقق ما تحققه الحيازة من اشهار عقد الرهن ويوفر من ثم للمرتهن ميزتي الاولوية والتتبع غير ان للتسجيل المطلوب في الرهن التأميني دورين :
الاول اعتباره ركناً في عقد الرهن مما يجعل منه عقداً شكلياً حيث تنص المادة (1324) من القانون المدني على انه (لا ينعقد الرهن التأميني الا بتسجيله) فالرهن التأميني بغير التسجيل يعتبر عقداً باطلاً ولذلك لا ينشأ الحق العيني التبعي اذا لم يكن التسجيل ركناً في العقد اي اذا لم يجر العقد امام الموظف الرسمي في الدائرة المعينة وتم قيده في سجلها وذلك على اساس ان هذا العقد هو مصدر هذا الحق.

والثاني ، اعتباره شرطاً لنفاذ الحق العيني التبعي في مواجهة الغير وهذا ما نصت عليه المادة (1345) من القانون المدني الاردني التي تنص على انه (ينفذ الرهن التأميني في حق غير المتعاقدين من تاريخ تسجيله في دائرة التسجيل) . واذا اردنا تطبيق الرهن التأميني على المنقولات بما فيها المحل التجاري فإنه يتعين الاخذ بأحكام هذا الرهن ما لم يفصح المشرع عن حكم مغاير وهذا ما تؤكده المادة (1334) من القانون المدني الاردني التي تنص على انه (تسري احكام الرهن التأميني على المنقول الذي تقتضي قوانينه الخاصة تسجيله كالسيارة والسفينة) . ولقد دأب المشرع الاردني على اعطاء تسجيل الرهن الدورين السابقين بالنسبة لبعض المنقولات كرهن السيارة حيث بينت المادة 4/1 من قانون السير الاردني رقم (13) لعام 1983 وجوب رهن المركبات لدى دائرة الترخيص تحت طائلة البطلان ونصت المادة 5/ب من قانون سوق عمان المالي رقم (41) لعام 1986 بشأن الاسهم الاسمية (لا يجوز التعامل في المملكة بهذه الاوراق الا داخل القاعة) وحينما اراد المشرع الاردني جعل التسجيل شرطاً لنفاذ الرهن في مواجهة الغير دون استلزامه كركن في عقد الرهن افصح عن ذلك صراحة وذلك كما فعل بالنسبة للسفن في المواد في المواد (62،63،256 من قانون التجارة البحرية) حيث اكتفت المادة الاولى بأن يكون الرهن بإتفاق الطرفين واوجب ان يكون خطياً في المادة الثانية دون استلزام الرسمية بقوله (ان عقد الرهن البحري المتفق عليه يجب انشاؤه خطياً ويمكن اجراؤه بسند عادي) وقرر في المادة الاخيرة ان الرهن يتم بالتسجيل وانه لا يلزم نقل حيازة السفينة للمرتهن .
وإذا رجعنا الى قواعد السجل الواردة في قانون التجارة لوجدنا ان المادة 35/1 تنص على ان (البيانات المسجلة سواء اكانت اختيارية ام اجبارية تعتبر نافذة في حق الغير اعتباراً من تاريخ تسجيلها) وهذا يعني انه يحنج برهن المتجر في مواجهة الغير منذ تاريخ تسجيله ولكنه لا يعني ان التسجيل ركن في عقد الرهن فهل يلزم في رهن المحل التجاري رهناً تأمينياً ان يكون العقد شكلياً اي ان يكون التسجيل ركناً فيه ام انه يكفي تسجيل العقد العرفي ؟ وهل يغني تسجيل عقد رهن المحل التجاري عن نقل حيازة المرهون ؟

نعتقد ان اعتبار عقد ما عقدا شكلياً انما يقرر بقاعدة آمرة لا يجوز الخروج عليها فبالنسبة للرهن مثلاً لا يستطيع الافراد رهن عقار خضع لأعمال التسوية (المساحة العامة) رهناً رضائياً لأن القانون يجعل من التسجيل ركناً في عقد رهن هذا العقار ثم ان الرهن لا ينعقد صحيحاً ولا تترتب آثاره الا طبقاً لقانون او لائحة (نظام) ليبين بالتفصيل حقوق كل فرد من الراهن والمرتهن .
كما ان تساوي الدائنين في اقتضاء ديونهم او عدم تساويهم وترتيبهم وفقاً لأولويات معينة انما يتم وفقاً لأنظمة معينة تقررها قواعد الضمان العام وقواعد الرهن .

وكذلك فما دامت م35/1 من قانون التجارة لم تستلزم شكلاً معيناً في عقد رهن المحل التجاري فإننا نستطيع القول بأن عقد رهن المحل التجاري في القانون الاردني انما هو عقد عرفي رضائي مع الاعتراف بأن النتيجة السابقة تتعارض تماماً مع نص المادة (1334) من القانون المدني الاردني التي تشترط تسجيل الرهن كركن فيه وكشرط لنفاذ الرهن في مواجهة الغير حينما تقرر انه (تسري احكام الرهن التأميني على المنقول الذي تقتضي قوانينه الخاصة تسجيله كالسيارة والسفينة) نظراً لأن المادة (35/1) لم تتعرض للرهن بصورة صريحة وساوت بين البيانات الاختيارية والاجبارية .
اما التساؤل عن كفاية تسجيل عقد الرهن لنفاذ الحق العيني التبعي في مواجهة الغير دون حاجة الى نقل الحيازة ؟ فإننا نعتقد بكفاية تسجيل عقد الرهن الوارد على المحل التجاري لأن هذا التسجيل يغني عن نقل الحيازة الى المرتهن من حيث انه يحقق الغاية التي يحققها نقل الحيازة المتمثلة في الاشهار وفي توفير ميزتي الاولوية والتتبع للمرتهن .
بيد انه بالرغم مما تقدم وبالرغم من ان هذا هو ما تفرضه طبيعة المحل التجاري (كما سنرى) الا ان من يستعرض بعض قواعد الرهن التجاري وخصوصاً ما ورد في نص 62/2 من قانون التجارة الاردني يجد تعارضاً بينها وبين المادة 35/1 ذلك ان الاولى تتكلم عن رهن المحل التجاري رهناً حيازياً في حين انه يمكن استنتاج امكانية رهن المحل التجاري رهناً تأمينياً من الثانية .
حيث يظهر من بعض النصوص ان المشرع الاردني لم يخرج بشأن رهن المتجر عما ورد في القواعد العامة التي تتطلب لرهن المنقول انتقال حيازته من الراهن الى المرتهن او الى شخص ثالث يطمئن الاخير اليه ولذلك يعرف بالرهن الحيازي وهو ما قررته المادة 1372 من التقنين المدني الاردني التي تنص على انه (احتباس مال في يد الدائن او يد عدل ضماناً لحق يمكن استيفاؤه منه كله او بعضه بالتقدم على سائر الدائنين) وفي صيغة مقاربة وردت احكام الرهن الحيازي في المادتين 1399 ، 1405 من ذات القانون .

ومما يشير الى الموقف السابق ما رددته المادة 62/1 من قانون التجارة الاردني حين افقدت الرهن التجاري اثره اذا بقي المرهون في حيازة الراهن واوجبت تسليم المرهون الى المرتهن او ان يودعه الغير لحساب المرتهن دون استثناء رهن المتجر(12).
ومما يرجح الاتجاه السابق ما جاءت به الفقرة الثانية من المادة 62 لقانون التجارة حين قررت انه حتى (يعد التسليم حاصلاً ينبغي ان تسلم مفاتيح المحل المشتمل على البضائع والاشياء المرهونة مقفلاً بشرط ان يكون هذا المحل غير حامل للوجه باسم المدين) .
حيث يبدو ان المادة 62/2 من قانون التجارة تتكلم عن رهن المتجر وليس عن مجرد رهن منقولات مادية كالبضائع ويظهر ذلك من خلال عرض تفسيرها في النقاط التالية :
1- ان البضائع من المنقولات المادية ولم يكن رهنها رهناً حيازياً بحاجة الى النص عليه في قانون التجارة وكان ممكناً للمشرع تجنب التكرار والاكتفاء بما ورد في باب الرهن الحيازي وخصوصاً المواد 1372 ، 1399 ، 1405 من القانون المدني بالاضافة الى المادة 62/1 من قانون التجارة .
2- تكلم المشرع في المادة 62/2 من قانون التجارة عن رهن المتجر حين نص على ان التسليم يعد حاصلاً اذا تم تسليم مفاتيح المحل المشتمل على البضائع والاشياء المرهونة فهو لم يقتصر حديثه على البضائع فحسب وانما اضاف اليها عبارة الاشياء المرهونة مما يعني انه يقصد اشياء اخرى من عناصر المتجر كالاثاث التجاري والمعدات وغيرها من العناصر .
3- استخدم المشرع في المادة 62/2 من قانون التجارة عبارة (مفاتيح المحل) واضاف عبارة (بشرط ان يكون هذا المحل غير حامل للوحة باسم المدين وكلمة (محل) الواردة في العبارتين السابقتين انما تعني المكان الكائن فيه المتجر . واذا كان المشرع قد استخدم كلمة (مفاتيح) فإنما يقصد مفاتيح المكان الذي يوجد فيه المحل التجاري لانه لا يمكن ان تلقي عناصره على قارعة الطريق فمن المعروف ان حق التواجد في مكان معين يعتبر عنصراً في المحل التجاري وندلل على صحة هذا التفسير بما يأتي :
أ- استخدام تلك المادة لعبارة (غير حامل للوحة باسم المدين) واللوحة التي تحمل اسم المدين انما هي اللوحة التي تعلق على واجهة المكان الكائن فيه المحل التجاري حاملة اسماً تجارياً يغلب ان يكون اسم صاحبه ولقبه والاسم التجاري هو المميز لمحل تجاري عن غيره يدون على لوحة تعلق على واجهة المكان الكائن فيه المحل التجاري.
ب- قد يعتقد ان المشرع لا يقصد من كلمة (محل) ذلك المكان الذي يتم استيداع البضاعة فيه اي المخزن ولو كان يقصدها لاستخدامها في نص المادة 62/2 بدلاً من كلمة محل لان المشرع الاردني يعرف كلمة مخزن فقد وردت كلمة مخزن في تعليمات مخازن استيداع البضائع الصادرة عام 1947 والمعدلة بتعليمات المخازن العامة لاستيداع البضائع الصادرة عام 1967 استناداً للمادة 52 من قانون الجمارك والمكوس الاردني رقم (1) لعام 1962.

ثم ان المخازن التي تستوعب رصيد التاجر من البضائع لا تحمل عادة لوحة باسم التاجر لأنه لا يتعامل مع زبائنه من موقع المخزن وانما من الموقع الكائن فيه متجره ويهمه ان يتعرف عليه زبائنه في هذا المكان الاخير لا في موقع مخزنه فإذا اتفق التاجر مع عميل له على صفقة تستدعي احضار بضاعته من مخازنه بقي عميله ينتظر في محله التجاري الى ان يحضر عماله البضاعة من المخزن او ان يتفق مع عميله على التسليم في موقع المخزن .

ج- قد يقال بأن المشرع قد اورد الفقرة الثانية للمادة 62 لتفسير الفقرة الاولى من ذات المادة التي تتحدث عن انتقال الحيازة لبيان معنى الانتقال وربطه بالتسليم غير انه ليس من مهام المشرع تفسير نصوص القوانين الصادرة عنه الا اذا كانت نصوصاً غامضة تنطوي على خفاء او على لفظ مشكل وانتقال الحيازة عبارة مستقرة المعنى ليست بحاجة الى تفسير بواسطة نص تشريعي . ثم ان الرهن الحيازي قد يتم بغير انتقال فعلي لحيازة المرهون لعدم وجوده اصلاً في حيازة الراهن كما لو كانت البضاعة مودعة في مخازن المرتهن او في المخازن العمومية وانما تم بانتقال حكمي اي بتغييرالوصف القانوني فبعد ان يكون الحائز مودعاً لديه يصبح الرهن مرتهناً لها.

د- قد يقال بأن كلمة (محل) الواردة في م 62/2 غير كلمة متجر الواردة في المادة 38 من قانون التجارة الاردني التي تتحدث عن عناصر المتجر الا انه من المعروف ان كلمة متجر ترادف كلاً من عبارتي المحل التجاري والمؤسسة التجارية ثم ان المشرع الاردني كما يعرف كلمة (متجر) يعرف عبارة (محل تجاري) ولكل منهما نفس المعنى الذي يحمله الاخرى فقد وردت عبارة محل تجاري في المادة 26/1 من قانون التجارة الاردني وتحدثت عنه باعتباره احد اموال التاجر حيث نصت على انه (اذا توفي التاجر او انقطع عن تعاطي تجارته ولم يكن قد تفرغ لأحد عن محله التجاري) كما وردت كلمة محل تجاري في المواد 5/ج 6/6 7-9/ج من نظام سجل التجارة الاردني وكلها تتحدث عن المحل التجاري باعتباره مالاً تماماً كما هو معنى (متجر) لا شك ان التفسيرات السابقة معقولة الى حد كبير ان كانت لا تؤكد القول برهن المتجر رهناً حيازياً فإن ذلك عائد الى طبيعة المتجر التي تأبى هذا النوع من الرهن ولو اراده الطرفان – كما سنرى – لأن هذا الرهن ان تم فعلاً سيقع على منقولات مادية موجودة في المكان الكائن فيه المتجر وليس على المحل التجاري .

الفصل الثاني الرهن الذي تقبله خصائص المتجر

تمهيد :

بما انه لا غنى للحياة التجارية عن الائتمان ولا حياة للتجارة بغيره فإننا مطالبون بإلحاح بأن نوفر النصوص القانونية التي تمكن التاجر من النهوض بتجارته او صناعته من خلال اتاحة الفرصة له للحصول على الائتمان بضمان متجره او مصنعه بطريقة تبقيه على رأس تجارته وتحقق مصلحة المرتهن في الحصول على ضمان عيني على المتجر يوفر له ميزتي الاولوية والتتبع .
ويتوقف تدخل المشرع بنصوص تحدد طريقة رهن المتجر على خصائص هذا المال ذلك لأن لخصائصه آثاراً هامة على طريقة الرهن الى درجة اننا لا نستطيع ان نفرض رهناً تأباه هذه الخصائص .
ومن اكثر خصائص المتجر تأثيراً على طريقة رهنه هي انه منقول معنوي فبالاضافة الى ان هذه الخصيصة تحول دون انتقاله بالمناولة اليدوية بحيث لا تنطبق على هبته المادة 566/1 مدني اردني وتحول دون خضوعه لحق الارتفاق ودون خضوعه لسريان دعوى الحيازة ودون تملكه بموجب قاعدة الحيازة في المنقول بحسن نية وسبب صحيح (م1189 مدني اردني) ودون منح مؤجر العقار امتيازاً على المتجر وان عقد الايجار الوارد عليه (******** – gerance) لا يخضع لمبدأ الامتداد التلقائي (13) .
الا ان الذي يهمنا في هذا المقام هو تأثير هذه الخصيصة على طريقة رهن المتجر وعلى محل عقد رهنه فاعتبار المتجر منقولاً معنوياً يحول دون امكانية رهنه رهناً حيازياً بل يجعل من هذا الرهن اذا – افترضنا ابرامه- عقداً باطلاً لانعدام محله بالاضافة الى ما يرتبه هذا الرهن من مشاكل متعددة .
لذلك فإن اعتباره منقولاً معنوياً يفرض طريقة رهن ملائمة ولما كان المشرع لا يعرف الا اما الرهن الحيازي – وهذا متعذر – او الرهن التأميني – وهذا ممكن – فإنه لابد من البحث في مدى توافر الشروط التي يتطلبها الرهن التأميني في المتجر كي يمكن رهنه بهذه الطريقة .
لذلك نعتقد ان تحديد طريقة رهن المتجر تفترض ان ندرس في مطلبين متتاليين كلاً من اثر اعتبار المتجر منقولاً معنوياً على رهنه حيازياً وملاءمة اعتبار المتجر منقولاً معنوياً لرهنه تأمينياً .

المطلب الاول اثر اعتبار المتجر منقولاً معنوياً على رهنه حيازياً

تمهيد :

تتطلب دراسة المطلب بيان ان المتجر منقول معنوي ثم بيان اثر ذلك على عقد رهنه حيازياً واخيراً بيان اثر رهنه حيازياً على مصلحة اصحاب العلاقة .

اولاً : بيان ان المتجر منقول معنوي :

1- يجد من يقرأ نص المادة 38 من قانون التجارة انها تتحدث عن عناصر المتجر حيث تنص على انه (يشتمل المتجر على مجموعة عناصر مادية وغير مادية تحتلف بحسب الاحوال وهي خصوصاً الزبائن والاسم والشعار وحق الايجار والعلامات الفارقة والبراءات والاجازات والرسوم والنماذج والعدد الصناعية والاثاث التجاري والبضائع) .
ويجد القارئ ايضاً عبارة (يشتمل المتجر) مما يدل على المتجر ليس هذه العناصر جميعها او بعضها بل هو مشتمل عليها (كلها او بعضها) ناجم عن تآلفها وترابطها معاً . ولذلك فهو شيء لا يمكن ادراكه بالحس لو تمكنا من رؤية بعض عناصره كالبضائع والمهمات او ان نميز تلك البضائع بعلامة تجارية او ان تقرأ الاسم التجاري مكتوباً على واجهة المكان الكائن فيه المحل او نراجع بنود عقد الايجار او الوصف التفصيلي لبراءة الاختراع او ان نرى الزبائن وهم يتشرون فكل ذلك الذي امكننا ادراكه لا يعني اننا رأينا المحل التجاري (14) لأنه شيء منفصل عن تلك العناصر وهو مجموع منفصل عنها يخضع لقواعد مغايره لتلك التي تخضع لها عناصره ويحميه بدعوى التنافس غير المشروع في حين يحمي العناصر المادية بدعوى الاستحقاق ويحمي الاسم التجاري والعلامة التجارية وبراءة الاختراع بدعوى التقليد .
والنتيجة المترتبة على ما تقدم ان المتجر مال معنوي وما دام هذا وضعه فلا يمكن ان يكون إلا منقولاً وليس عقاراً فلم نسمع يوماً ان الاموال المعنوية يمكن ان تكون عقاراً خصوصاً وان العقار ليس احد عناصر المتجر فقد عرف المشرع العقار بأنه (كل شيء مستقر بحيزة ثابتة فيه لا يمكن نقله من دون تلف او تغيير هيئته وكل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول (م58مدني) ، فإنتفاء صفة العقار في المتجر جعل له صفة المنقول تبعاً لتعريف القانون .
2- نستطيع القول ان صفة المنقول المعنوي ملازمة للمتجر بغض النظر عن تكييفه ومجمع عليها لدى الفقه وفي احكام القضاء .
فقد قررت محكمة الاسكندرية (ان المحلات التجارية تتألف من جملة عناصر مادية كالبضائع ومهمات المحل وادواته وبعضها معنوية كالعملاء جملة والحق في التأجير واسم المحل وعلامات المصنع وشهادات الاختراع ومن المقرر ان هذه العناصر في شقيها تكون مجموعة قانونية واحدة تدخل في عداد الاموال المعنوية.(15)
وقد عرفته محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها بأن(المحل التجاري وعلى ما يقضي به القانون رقم 11 لسنة 1940 يعتبر منقولاً معنوياً منفصلاً عن الاموال في التجارة ويشمل مجموعة العناصر المادية والمعنوية المخصصة لمزاولة(16) المهنة).
وبالنسبة للفقه لا نجد شارحاً واحداً في الفقه اللاتيني ينكر على المتجر صفة المنقول المعنوي فإذا وجدنا بعض – الشرائح ممن يصفونه بأنه تجميع للأموال او ملكية معنوية فإن كلا من هذا التجمع وتلك الملكية انما هو منقول معنوي .(17)

ثانياً : اثر اعتبار المتجر منقولاً معنوياً على عقد رهنه حيازياً .

1- عدم خضوع المتجر للرهن الحيازي :

يجمع الفقه التجاري على ان اعتبار المتجر منقولاً معنوياً يؤدي الى عدم امكانية رهنه رهناً حيازياً فكما ان اعتبار منقولاً معنوياً يؤدي الى عدم اكتساب ملكيته بمقتضى قاعدة الحيازة فإنه يؤدي ايضاُ الى عدم خضوعه لما يتفرغ عنها من احكام وذلك لأن الحيازة تقتضي قيام الحائز بالاعمال المادية التي يقوم بها عادة صاحب الحق ولما كان المتجر منقولاً معنوياً اي لا يمكن ادراكه بالحس فإنه لا يمكن معه ان يباشر الحائز عليه اعمالاً مادية .
وذلك بعكس المنقولات المادية التي يمكن اكتساب ملكيتها بمقتضى قاعدة الحيازة .
ثم ان المتجر يحتوي على عناصر معنوية عديدة ذات اهمية بالغة لا تنتقل ملكيتها بالحيازة وانما تنتقل وفقاً لقواعد معينة ينص عليها القانون الخاص بكل عنصر كالاسم التجاري والعلامة التجارية وبراءة الاختراع لذلك فكما ان صفة المنقول المعنوي تأبى تملك المتجر بمقتضى قاعدة الحيازة فإن ذات الصفة تأبى ارتهانه رهناً حيازياًَ اذ ان كلاً من الملكية والرهن يعتبر حقاً عينياً ومبرر ذلك الحق العيني عبارة عن تسلط مباشر لشخص على شيء معين مما يستتبع ان تقريره بل وانشاءه يحتاج ان يكون الشيء محل الحق معيناً واذا لم يكن الشيء معيناً فلا وجود للحق وعلى هذا فإن وجود الحق العيني وعدمه مرتبط بتعيين الشيء محل الحق فلا وجود للحق وعلى هذا فإن وجود الحق العيني وعدمه مرتبط بتعيين الشيء محل الحق ولأن المنقولات المادية ليست معينة تعييناً ذاتياً فإن ممارسة حق دائن المرتهن عليها يتم بالحيازة باعتبارها وسيلة التعيين الوحيدة اما المتجر فإنه معين تعييناً ذاتياً – كما سنرى وبالتالي تتم ممارسة الحق العيني عليه بغير حيازة . والنتيجة المترتبة على ما تقدم انه كما لا يمكن اكتساب ملكية المتجر بالحيازة لايمكن كذلك ارتهانه حيازياً .

2- بطلان رهن المتجر رهناً حيازياً :

لأن المتجر منقول معنوي ولانه يلزم لوجوده توافر قدر من العناصر معظمها واهمها من العناصر المعنوية فإنه حتى يكون هناك رهن له فلا بد وان ينصب الرهن على العناصر التي تكفي بذاتها لوجود المحل التجاري اي وجود ذلك المنقول المعنوي والا كان الرهن باطلاً لانعدام المحل (18) .
وهذا يعني ان المتجر لابد وان يكون موجوداً قائماً وعلى استعداد لاستقبال الجمهور ويعني ايضاً ان الرهن حتى يكون صحيحاً فإنه لابد وان يرد على القدر اللازم من العناصر لوجوده، وانه اذا كان للاطراف علاقة فيما يدخل وما لايدخل من عناصره في محل الرهن ، فإنه هنالك حد ادنى لايجوز لهم النزول عنه وإلا كان رهن المتجر باطلا .
ولقد حرصت التشريعات المقارنة على بيان العناصر اللازمة لتشكيل الحد الادنى وهي ” العنوان والاسم التجاري والحق في الايجار والاتصال بالعملاء والسمعة ” (19) ، (20)،(21).
كما حرصت القوانيين المقارنة السابقة ، على بيان الحد الاقصى لتلك العناصر بصورة حصرية ، مع مراعاة ان ما يقع بين الحدين الادنى والاقصى متروك امر ادراجه في محل الرهن لارادة اطرافه شريطة مراعاة الاوضاع التى يستلزمها القانون بالنسبة لكل منهما .
ويتضمن الحد الاقصى العناصر التاليه : العنوان والاسم والحق في الايجار (22) .
والعملاء والسمعة والاثاث والمعدات (23) والرخص والاجازات والبراءات والرسوم والعلامات التجارية (24) . يتضح ان الفرق بين الحدين السابقين يؤدي الى النتائج التالية :
أ- ان العناصر المعنوية دون المادية تكفي وحدها لوجود المحل التجاري مما يستتبع صلاحيتها لتكوين محل عقد الرهن وبالعكس ان العناصر المادية لا تكفي وحدها لوجود المحل التجاري مما يؤدي الى الحكم بعدم صلاحيتها لتكوين محل عقد الرهن (25) .
ب- إن عنصر المعدات (وهو عنصر مادي) داخل في الحد الاقصى دون الحد الادنى استثناء بالرغم من خضوعها لقاعدة الحيازة ليس لانها لازمة لصحة الرهن وانما لانه لا يتوقع غيابها عن المتجر ولا يشكل رهنها قيداً على حرية التاجر في استثماره لمتجره .
ج- لا تدخل البضائع في الحدين الاقصى والادنى ولا ترهن برهن المتجر بل ومستبعدة تماماًَ من محل الرهن التأميني وذلك لأسباب اهمها : عدم امكانية ممارسة حقي الاولوية والتتبع عليها باعتبارها منقولاً مادياً تكتسب ملكيته بمقتضى قاعدة الحيازة مما يهدد حق المرتهن ثم لان البضاعة من الضمان العام للدائنين العاديين يتنافى مع ثبات الرهن وديمومته باعتبارها معرضة باستمرار للتبديل والنقض والزيادة مما يهدد حقوق المرتهن والخلف الخاص على حد سواء مما يعني ان البضاعة ترهن رهناً حيازياً فقط وليس مع المتجر(26).
د- رأينا ان الحد الادنى اللازم توافره للقول بوجود متجر صالح لان يكون محلاً للرهن يتطلب توافر العناصر التالية : الاسم التجاري والحق في الايجار والاتصال بالعملاء والسمعة فإذا اختفى اي من هذه العناصر كان وجود المتجر مشكوكاً فيه وكانت صحة الرهن الوارد عليه مثاراً للجدل ولما كان الرهن الحيازي لا ينصب الا على المنقولات المادية وبالتحديد البضائع والمهمات وبما ان البضائع والمهمات مستبعدة اصلاً عن الحد الادنى اللازم توافره في محل المتجر فإن رهن المتجر هنا حيازياً كما تقضي به القواعد العامة انما هو عقد باطل لتخلف ركن المحل في العقد لانه رهن لم يرد على المتجر وانما ورد على البضائع والمعدات مما يفسح المجال لانطباق المادة 159 من القانون المدني الاردني التي تقرر انه(اذا كان المحل مستحيلاً في ذاته وقت العقد كان العقد باطلاًَ).
ويقرر القضاء المصري في ذلك انه(لا تقوم فكرة المحل التجاري لمدلولها القانوني الا على اساس العناصر المعنوية كالاسم والسمعة التجارية وثقة الجمهور وما اليها اما البضائع والمهمات فلا تكفي وحدها لتكوين المحل التجاري فاذا وقع الرهن او البيع على مجموع العناصر المادية او احدها دون ان يشمل اي عنصر معنوي فلا يعتبر العقد منصباً على محل تجاري)(27). كما يقرر القضاء الفرنسي في ذلك(انه يمكن تقرير بطلان رهن المحل التجاري اذا لم يكن الاخير مستثمراً في الوقت الذي تقرر الرهن عليه ولم يكن من عناصره غير حق الايجار الذي يمكنه قانوناً ان يكون متجراً)(28).
وبما ان الرهن الذي جاءت به القواعد العامة يستوجب تسليم مفاتيح المكان الكائن فيه المحل واعتباره مقفلاً طيلة مدة القرض المضمون بالرهن فإن العقار الكائن فيه المتجر لا يعتبر مشغولاً طيلة هذه المدة مما يمكن المؤجر من المطالبة بالاخلاء اذا تساوت مدة الاقفال مع المدة المنصوص عليها في قانون المالكين والمستأجرين . ويؤيد ذلك حكمان صادران عن محكمة التمييز الاردنية حيث يقرر الحكم الاول (29) ان المقصود (بالاشغال) الوارد في المادة الرابعة فقرة (1) بند (د) من قانون المالكين والمستأجرين هو الاشغال الفعلي من قبل المستأجر وليس مجرد وضع بعض الاثاث او ادوات المهنة في المأجور . لأن ترك المأجور على هذه الحالة دون السكن فيه او العمل بالمهنة في المحل التجاري يتضمن تعطيلاً للانتفاع بالمأجور يتعارض مع الغاية التي ارادها المشرع في المادة المشار اليها وهو التخفيف من ازمة المساكن والمحال التجارية).
ويقرر الحكم الثاني(30)(ان قصد المشرع من حكم المادة 4/1/د من قانون المالكين والمستأجرين هو ان يقوم المستأجر بالاشغال الفعلي للمأجور كل الوقت المتعارف عليه بين اصحاب المهنة وانه اذا ما ترك المستأجر المأجور بدون السكن فيه او العمل في المحل التجاري كل الوقت فإن هذا التصرف من المستأجر يعتبر تعطيلاً للانتفاع بالمأجور ويتعارض مع الغاية التي ارداها المشرع في المادة المشار اليها) .

ثالثاً : اثر رهن المتجر حيازياً على مصلحة اصحاب العلاقة :

1- التعارض مع مصلحة الراهن:
تتعارض مصلحة الراهن مع رهن المتجر رهناً حيازياً من نواح عدة ابرزها ما يلي :
أ- لا يقبل التاجر الراهن ان تنتزع يده عن متجره لنقل الحيازة الى المرتهن لانه في الوقت الذي يرغب فيه – حين ابرم عقد القرض – دعم نشاطه التجاري والتوسع فيه ومواجهة ازمة اقتصادية ما تنتزع يده عن متجره وتنتقل حيازته الى شخص آخر مما يؤدي الى تجميد نشاطه ويؤدي الى حرمانه من اعادة رهنه مرة اخرى لأن رهنه مرة اخرى يستلزم نقل حيازته الى المرتهن الثاني وهذه مسألة مستحيلة قانونياً لأن الحيازة بيد المرتهن الاول ثم يؤدي ذلك الى منع الراهن من تأجير استغلال متجره بموجب عقد الادارة الحرة نظراً الى استحالة تمكين المستأجر من الانتفاع به نظراً لكونه في حيازة المرتهن .
ب- يؤدي الرهن الحيازي الى زوال المتجر المرهون اي الى زوال رأسمال التاجر الراهن لأنه اذا كانت ملكية الاموال المادية تبقى قائمة دون حاجة لأي استثمار ولا تتأثر بعدم استعمالها فإن ملكية الاموال المعنوية – على الاقل بالنسبة لتلك التي لا تنطوي على حق احتكاري – لا يمكن الاحتفاظ بها دون استمرار استثمارها لان فكرة الملكية هنا غير متحررة من فكرة العمل .
فالمتجر الذي يتوقف العمل فيه نتيجة قفله بالرهن الحيازي يفقد عنصر العملاء بالتدريج وتلاشي هذا العنصر يؤدي الى زوال المتجر(31).
ج- لا يؤدي الرهن الحيازي الى زوال المتجر كمنقول معنوي منفصل عن عناصره فحسب بل يؤدي ايضاً الى اضعاف العديد من عناصره المعنوية فقد رأينا – منذ قليل ان رهن المتجر رهناً حيازياً يؤدي بصورة او بأخرى الى اخلاء المأجور اي الى حرمان التاجر من الحق في الايجار كذلك نضيف ان انتقال الحيازة وغلق المتجر طيلة مدة الرهن يفقد الاسم التجاري بريقه ويزيل اثره من اذهان العملاء كما يجعل الراهن طرفاً ضعيفاً امام من ابرم معه ترخيص استغلال براءة الاختراع او تنازل عنها لان الراهن سيدفع التزامه النقدي لمالك البراءة دون ان يقوم باستغلالها بل ان البراءة اذا كانت ملكاً للتاجر فإن الرهن الحيازي للمتجر يعني عدم استعماله لها مما قد يعرضه الى مخاطر فرض الاستغلال الجبري بالاضافة الى تفويت فترة زمنية عليه من حياة البراءة التي نعلم ان عمرها محدد بنص القانون .

2- التعارض مع مصلحة المرتهن :
يتعارض رهن المتجر رهناً حيازياً مع مصلحة المرتهن ذاته لانه حينما يقدم على ابرام العقد فإنه يتوقع احراز ضمانة قوية تكفل له حصوله على كامل دينه من قيمة المرهون عند بيعه جبراً بالتقدم على دائني التاجر الراهن.
غير ان الذي يحصل هو انه لن يجد حينما يقدم على البيع الجبري غير المنقولات المادية ذات الاسعار المتقلبة وليس الامر قاصراً على البيع الجبري بل تلحق بالمرتهن افدح الخسائر لو اتحدت ذمته مع ذمة الراهن لانحصار الرهن في المنقولات المادية وانحساره عن العناصر المعنوية كعنصر الزبائن والحق في الايجار والاسم التجاري وحقوق الملكية الصناعية .
ولا نستطيع تفادي هذا الوضع بالسماح للمرتهن بإدارة المتجر المرهون اثناء فترة حيازته له للأسباب التالية :
أ- تعارض الآثار القانونية المترتبة على كل من عقد الرهن وعقد الادارة للمتجر فالادارة البسيطة لا تعبر عن الرهن وانما تعبر عن عقد عمل وفقاً لما يراه قضاء التمييز الاردني (32) مما يعني ان المدير المرتهن انما هو عامل لدى مالك المتجر الراهن مما يكون معه للأخير انهاء علاقة العمل مع الاول تبعاً لاحكام قانون العمل ويكون من حق المدير المرتهن المطالبة بجميع الحقوق التي يقرها له قانون العمل (كعامل) وقانون الضمان الاجتماعي .
وبالنسبة للادارة الحرة فإن مدير المتجر يكتسب صفة التاجر اذا لم تكن له هذه الصفة من قبل فهل يقبل المرتهن بهذه الصفة وما تستتبعه من آثار ؟ كأن يسأل في ذمته عن ديون نشاطه في المتجر المرهون او ان يشهر افلاسه ان ادى نشاطه الى توقفه عن اداء دين تجاري ؟ كما لا يجوز اغفال ان جانباً رئيسياً من العملاء يعتمد في تعامله – الى حد كبير – على صفات خاصة بمالك المتجر وليس بشخص آخر .
غير ان ما تقدم لا يحول دون ان يتفق الراهن مع المرتهن على ابرام اي من العقدين السابقين اذا كان المرتهن قابلاً لأن يخضع للآثار التي يرتبها اي من هذين العقدين وكان الراهن قابلاً لأن يحرم من رهن متجره مرة اخرى .
ب- يؤدي السماح بذلك الى استخدام الرهن الحيازي وسيلة يتم التستر بها على بيع المحال التجارية او تأجيرها والتخلص بالتالي من حكم المادة الخامسة لقانون المالكين والمستأجرين التي تقرر- كما رأينا سابقاً – ان بيع المتجر يعتبر سبباً لإخلاء العقار الكائن في المتجر اذا كان البيع قد تم بغير موافقة مؤجر العقار .

3- التعارض مع مصلحة الدائنين العادين :
تحرص القوانين المقارنة (33) على حماية الدائنين العاديين الذين نشأت ديونهم في ذمة التاجر المدين قبل تاريخ تقرير الرهن بسبب استثماره للمتجر المرهون وذلك باعطاء القاضي المختص سلطة اسقاط آجال ديونهم العادية بناء على طلبهم اذا ثبت لديه ضعف ضمانهم العام على خلال مقتضى القواعد العامة التي تقرر هذا الحق لأصحاب التأمينات الخاصة دون الدائنين العاديين .
اما القانون الاردني فإن لنا تقدير جسامة الضرر الذي يصيب الدائن العادي نتيجة لضعف الضمان العام .

المطلب الثاني ملاءمة اعتبار المتجر منقولاً معنوياً لرهنه تأمينياً :

تمهيد :

المحل التجاري مال منقول فالملائم لرهنه اذن هو الرهن الحيازي بيد انه منقول معنوي لا يخضع لقاعدة الحيازة ومن ثم لا يتم رهنه رهناً حيازياً والا ترتب عليه العديد من المشاكل السابق بيانها وادى الى وأد الغاية التي ارادها المشرع من تقريره للرهن الحيازي.
ويرى الفقه والقانون المقارن – في الدول اللاتينية- ان الوسيله الملائمة لرهن المتجر تتمثل في اخضاع المتجر لاحكام رهن شبيهه بأحكام الرهن التأميني (الرسمي) ، ويرى أن شروط وجود هذا الرهن تتوافر ، اذا امتنع المرهون بوسائل تعيين ذاتيه ، وتدخل المشرع بنصوص تنظيم الرهن. وبالرجوع للمتجر نجد انه يتمتع بما يسمى بوسائل التعيين الذاتية ، ويبقى ان يتدخل المشرع الاردني لحسم الموضوع ، ولمساعدته على التدخل نقدم له ابرز ملامح الرهن التأمينى للمتجر ونبين تقبله لفكرة رهن المنقول رهنا تأمينياً .

اولا : وسائل التعيين مبرر لرهن المتجر رهنا تأمينيا :
وندرس هنا نقطتين :
الاولى – تمتع المتجر بوسائل تعيين ذاتية حيث نناقش كيفية ادراك تلك الوسائل وبيان المقصود بالتعيين الذاتي واستعراض عناصر التعيين الذاتي في المتجر
الثانية – نبحث في مدى كفاية التعيين الذاتي لتقرير الرهن التأميني .
1- تمتع المتجر بوسائل تعيين ذاتية :

أ- ادراك وسائل التعيين الذاتي في المتجر :

لم يتم ادراك وسائل التعيين الذاتي في المتجر دفعة واحدة بالرغم من تواجدها فيه منذ بداية نشأته اي منذ تبلورت الفكرة القانونية للمتجر تلك الفكرة التي بدأت تظهر عندما استقر في الاذهان اهمية العناصر المعنوية وضرورة النظر اليها باعتبارها عناصر متآلفة في وحدة واحدة وذات هدف واحد وانتفت من الاذهان النظرة المادية البحته للمتجر تلك النظرة التي لم تكن تتجاوز الاشياء المادية كالسلع والآلات والمهمات والاثاث التجاري(34). ومع تطور فكرة المتجر تطورت الصياغة القانونية لرهنه فبالنظر الى تعذر رهنه رهناً حيازياً والى انه من غير المقبول ان لا يستفاد من استخدامه كضمان للحصول على الائتمان فقد اخذ التجار والقضاء ومن بعدهما المشرع يفكرون في خلق بديل عن الحيازة كأداة تعيين لمحل الحق العيني يمنع الراهن من التصرف في المرهون ويكفي لاخطار الغير بأن احد اموال المدين (وبالتحديد المتجر) قد اصبح محلاً لحق عيني تبعي تقرر ضماناً لدين في ذمته باختصار بديل يقوم مقام الحيازة ويؤدي دورها في الرهن.
ساد التفكير السابق في وقت كانت السيطرة فيه للرهن الحيازي على جميع المنقولات دون تفرقة وكانت النصوص القانونية تدعم تلك السيطرة مما دفع الى الابقاء على فكرة الحيازة مع الاكتفاء بنقل رمزي لها تمثل في تسليم سند ايجار العقار الكائن فيه المتجر الى المرتهن مع اخطار المؤجر بذلك (35) وعلى رأي آخر ان التسليم كان يشمل بالاضافة الى عقد الايجار مستندات ملكية الراهن لعناصرالمتجر(36) .
يلاحظ على الوضع المتقدم النقاط التالية :
1- ان الرهن المذكور كان يسمى رهناً حيازياً (Nantissement) بالرغم من عدم انتقال الحيازة الفعلية للمتجر وانتقال حيازة المستندات فقط مما كان يجب تسميته رهناً غير حيازي (Hypotheque) .
2- يلاحظ التراجع الهام عن النظرية المادية للمتجر واعطاء الاهمية للعناصر المعنوية ابتداء بحق الايجار .
3- ان النقل الرمزي للحيازة تناول عناصر تمتع بها ويتميز بها عن كافة المتاجر الاخرى كحق الايجار وهنا بدأ ادراك وسائل التعيين الذاتية فيه.
وبناء على طلب التجار اضاف القانون الفرنسي الصادر في اول آذار عام 1898 فقرة ثانية للمادة 2075 من التقنين المدني مؤداها ان رهن المتجر يكون صحيحاً دون نقل حيازته شريطة قيد الرهن في سجل عام يمسكه قلم كتاب المحكمة التجارية مع مراعاة ان ذلك التعديل قد ابقى على اصطلاح (Nantissement) الذي يستخدم للتعبير عن الرهن الحيازي ثم تدخل المشرع الفرنسي في مرحلة تالية بشكل حاسم في 17 آذار عام 1909 حين الغى قانون 1898 ونظم بيع ورهن المتجر اتفاقياً دون حاجة لانتقال الحيازة وموفراً لميزتي التتبع والاولوية(37).
وقد استمر الفقه من ذلك الوقت يبرر رهن المتجر رهناً مجرداً من الحيازة بمقولة انه ما دام المتجر منقولاً معنوياً لا تكتسب ملكيته بالحيازة فإنه اذن يتمتع بمركز ثابت يمكن شهر الاعباء العينية المقررة عليه بدونها وتم ترجمة ذلك بأن المتجر يتمتع بوسائل تعيين ذاتية(38).

ب- المقصود بالتعيين الذاتي :

يعرف جانب من الفقه التعيين الذاتي للمنقول بأننا نكون ازاء منقول خاص يحمل في داخله في كيانه ذاته دون حاجة الى عنصر خارجي وسائل التعيين التي تكفي لتمييزه عن غيره من المنقولات(39). وعليه يكون المنقول معيناً تعييناً ذاتياً اذا توافرت فيه بتدخل المشرع او بدونه اوصاف معينة الموصوف بها ملاصق للمنقول بل جزء منه لا ينفك عنه الا بتصرف قانوني ولا يتوافر في غيره وهو لذلك يكفي لتمييزه عن غيره من المنقولات .
فإذا طبقنا ما تقدم على المتجر ، نجد ان فيه عناصر معينة لكل عنصر منها وصف قانوني يتواجد في المتاجر الاخرى فلكل متجر اسم تجاري يميزه ويغلب ان يتواجد المتجر في عقار مأجور ولكل سلعة او خدمة علامة تميزها وكل منشأة صناعية تحتوي على تقنية يتم استغلالها في تلك المنشأة ولكن الموصوف مختلف من منشأة لأخرى فالاسم التجاري بالرغم انه وصف قانوني لابد منه في كل متجر الا ان الموصوف به مختلف من متجر لآخر فاسم منشأة ما يختلف عن اسم المنشأة المجاورة كذلك العقار المأجور يختلف اما في موقعه او مؤجره او مستأجره من منشأة لاخرى وهكذا . وتعين هذه الموصوفات المتجر ذاتياً دون تدخل مباشر من المشرع بمعنى ان تدخل المشرع لم يكن مقصوداً منه المتجر ذاته بل كان الموصوف هو جزء من المتجر فتنظيم حق الايجار في الاسم التجاري او في براءة الاختراع تم بتدخل مباشر من المشرع اما تعيين المتجر فقد تم من خلال تنظيم هذه العناصر .
من هنا يميز الفقه بين وسائل التعيين الذاتية الطبيعية والصناعية ويرى ان الاخيرة ما كانت لتحدث الا بتدخل مباشر من المشرع قصد به تعيين هذا المنقول دون غيره .
فالسفينة مثلاً يمكن ان تتشابه مع عشرات غيرها – كما يقول الفقه- في الحمولة والهيكل الخارجي وفي القسم الداخلي للعنابر والقمرات والآلات ولذلك فإن تمييز كل سفينة عن غيرها لا يقوم على العناصر الطبيعية لقصورها وانما يستلزم تدخل المشرع لاحداث التمييز فيعطي السفينة اسماً وجنسية ورقماً وحمولة ، الخ (40) .

ج- عناصر التعيين الذاتي للمتجر :

يتمتع المتجر اذن بمركز قانوني ثابت سببه ما ينطوي عليه من وسائل تعيين تخصه وتمنع اختلاطه بغيره من المتاجر وان مصدر هذه الوسائل هو عناصره فمن المعروف ان لكل متجر مجموعة عناصر وان كل عنصر منها ينطوي على مجموعة صفات ومجموع صفات جميع تلك العناصر (او على الاقل العناصر اللازم وجودها للقول بوجود المتجر) تميز ذلك المتجر عن غيره وبهذا فإن تحديد المتجر يتم من خلال تحديد شامل للعناصر الداخلة فيه.
فإذا اتحد مؤجر العقار الذي يتواجد فيه متجران فسيختلف احدهما عن الاخر من حيث المستأجر مالك المتجر كذلك يختلف المتجران من حيث الاسم التجاري حيث لا يجوز لتاجر ان يميز متجره باسم او عنوان يميز متجراً آخر وهذه مسألة ميسور التحقق منها اذ هناك سجل رسمي خاص لهذا الغرض كذلك فإن العلامة التجارية المميزة لسلعة او خدمة ما لا يجوز استخدامها من تاجر آخر لتمييز اية سلعة او خدمة مشابهة .
ولا يختلف الامر كثيراً بالنسبة لبراءة الاختراع فهي تعود – قطعاً – الى مالكها الثابت اسمه في سجل البراءات وله عليها حق احتكاري ، او ان من يقوم باستعمالها انما هو شخص مرخص له القيام بذلك، سواء كان الترخيص اتفاقياًَ او اجبارياًَ . واذا كنا ازاء تاجرين مرخص لهما اتفاقياًَ استغلال ذات البراءة فإن كل ترخيص يختلف عن الآخر اما من حيث النطاق الاقليمي او من حيث نوع التصرف الذي يقوم به . واذا كنا ازاء دار للنشر ، فإن المنشورات محل النشر ، تختلف وحداتها من حيث الموضوع والمؤلف . كل ذلك بالاضافة الى تعذر تطابق عنصر العملاء بين متجر وآخر والى اختلاف طريقة انشاء كل منهما واختلاف الترخيص الاداري.

ثانياً: مدى كفاية التعيين الذاتي لتقرير الرهن غير الحيازي :

يقرر جانب من الفقه ان تمتع المتجر بوسائل تعيين ذاتية يؤدي الى خروجه من نطاق تطبيق قاعدة الحيازة (41) على اساس انه اذا كانت الحيازة اداة تعيين لمحل الحق العيني على الشيء فانه لا يتم اللجوء اليها اذا كان الشيء محل الحق معيناً تعييناً ذاتياً ، ويقرر هذا الجانب من الفقه ان تحقق انحسار قاعدة الحيازة عن المنقول المعين تعييناً ذاتياً لا يتوقف على نص تشريعي خاص وذلك في الوقت الذي يقول فيه (واما المحل التجاري فهو منقول معنوي والمنقولات المعنوية(42) كلها لا تخضع لقاعدة الحيازة او ما يتفرع عن هذه القاعدة من احكام والامر لا خلاف فيه ومن ثم فان خضوع المحل التجاري لقاعدة الحيازة لا يتضمن في ذاته خروجاً ولا استثناء وانما هو تطبيق هادئ سليم للقاعدة العامة في المنقولات المعنوية )(43).
كثير من الامور السابقة نتفق فيها مع هذا الجانب من الفقه ، ونعتبرها من المسلمات مثل ان المتجر منقول معنوي معين تعييناً ذاتياًَ وهو ما ناقشناه في الفقرات السابقة وهو رأي لم يعارضه فيه احد من الشراح (44) مثل استحالة خضوع المتجر للرهن الحيازي ، وان محاولة ابرام رهن حيازي عليه ، ستسفر حتما عن عقد باطل. غير اننا نرغب في مناقشة النقطتين التاليتين ، وهما عدم كفاية التعيين الذاتي لتطبيق احكام الرهن غير الحيازي على المنقول المعنوي وضرورة تدخل المشرع لتوفير امكانية ذلك التطبيق.

أ- عدم كفاية التعيين الذاتي :

نعتقد ان انحسار قاعدة الحيازة عن المنقولات المعنوية ، لا يعود لمجرد كونها معينة تعييناً ذاتياً لأننا نجد اموالاً معينة تعييناً ذاتياً ومع ذلك تلزم الحيازة لنفاذ رهنها في مواجهة الغير وانما يعود الانحسار لأنها منقولات معنوية اذ نجد منقولات معنوية غير معينة ذاتياً ومع ذلك لا يلزم نقل حيازتها انفاذ الرهن الوارد عليها في مواجهة الغير.
1- فالاسهم الاسمية ، معينة تعييناً ذاتياً ومع ذلك ما زال المشرع في معظم الدول يستلزم لنفاذ رهنها في مواجهة الغير انتقال حيازتها من الراهن الى المرتهن وبالرغم من ان شهادة السهم الاسمي تصدر باسم شخص محدد ، وبرقم محدد بعد ان يتم تثبيت كل ذلك في سجلات الشركة المعنية بالاضافة الى التصرفات الجارية عليها . بل ان الارض التي يقال بأنها تتمتع بالثبات الطبيعي تخضع لقاعدة الحيازة وللرهن الحيازي اذا لم تجر عليها اعمال التسوية (اعمال المساحة العامة) (45)، ولم ينظم لها سجل عيني تدون فيه التصرفات القانونية الواردة على تلك الارض .
2- هناك فئة من المنقولات المعنوية وبالتحديد (الديون) لا تخضع لقاعدة الحيازة بالرغم من انتفاء وسائل التعيين الذاتي فهي ليست معينة ذاتياً لسببين هما:
الاول : ان شخص المدين ليس عنصراً ملازماًَ للدين لا ينفك عنه فقد يتغير الشخص بحوالة الدين .
الثاني : ان الدين الذي يشغل ذمة المدين ليس اكثر من مال مثلي يخضع الدائن في اقتضائه لمزاحمة بقية الدائنين (46) .
خلاصة القول ان فكرة التعيين الذاتي على درجة كبيرة من الاهمية وهي عدة المشرع لتحرير المنقولات الهامة من قاعدة الحيازة وتنظيم رهنها وفق احكام مشابهة لتلك الخاصة بالرهن التأميني (الرسمي) ولكنها لا تكفي لخروج المنقول عن قاعدة الحيازة ولامكانية شهر الحقوق العينية عليها بغير تدخل المشرع ووضع المتجر في القانون الاردني خير مثال على ذلك ولكن فكرة التعيين شرط لازم ومسبق لامكانية تدخل المشرع من اجل تنظيم الرهن غير الحيازي .

ب- ضرورة تدخل المشرع لتنظيم الرهن غير الحيازي :

مما تقدم نقدر اهمية التعيين الذاتي لتدخل المشرع من اجل شهر الحقوق العينية على المنقول بغض النظر عن واقع الحيازة مع الادراك سلفاً بأن انحسار الحيازة يعود اما لأن المنقول مال معنوي او لان المشرع قد تدخل بوضع نظام شهر للحقوق العينية المقررة عليه .
غير ان المشرع لا يتدخل عادة لتنظيم رهن المنقول رهناً غير حيازي الا اذا قدر ات المنقول المطلوب شهر الحقوق العينية عليه بغير حيازة انما يتمتع بأهمية اقتصادية واضحة وكان هناك ارتباط بين الحاجة للائتمان وضرورة استمرار استغلال المال المرهون .

1- تمتع المنقول بأهمية اقتصادية واضحة :

حينما نتكلم عن الاهمية الاقتصادية فإننا لا نقصد ان يكون للمنقول قيمة عالية فالمجوهرات ثمينة القيمة ومع ذلك فلأن اهميتها الاقتصادية محدودة ولانها منقولات مادية ، يجري رهنها حيازياً ، وانما نقصد تلك المنقولات التي يترك استثمارها او عدمه اثراً واضحاً في اقتصاد الدول (47) . فتزيده باستثمارها انتعاشاً وتحميه ويساهم عدم استثماره في كساده وجموده.
فلأن السفينة مثلاً اداة لازمة لنقل البضائع والركاب بين شواطئ الدول ويؤدي استثمارها الى خدمة كل من التجارة والصناعة وبالعكس يؤدي توقف استثمارها الى جمود التجارة والصناعة لعدم تصريف مخزون المنتجات من جهة ولعدم امكانية تلبية الحاجات المحلية من خلال استيراد المخزون الخارجي لذلك تدخل المشرع بقواعد قانونية تميز كل سفينة عن الاخرى بحدود لا يمكن تجاوزها وتمكن من شهر الحقوق العينية الواردة عليها بغير حيازة وما يقال عن السفينة ، يقال عن الطائرة في النقل الجوي ويقال عن المركبات في النقل البري – وذلك دون تفرقة بين سفينة كبيرة وصغيرة او طائرة كبيرة وصغيرة او شاحنة كبيرة وصغيرة وبغض النظر عن مجال استخدامها اي سواء لتجارة دولية او محلية .
واذا كانت تلك المنقولات أدوات تخدم التجارة والصناعة بنقل البضائع والركاب واذا علمنا ان البضائع عنصر في المتجر والركاب في معظمهم تجار يرتحلون لابرام الصفقات والترويج لبضائعهم وبما ان تلك المنقولات ذاتها تعتبر هي (عنصر معدات) والبضائع عنصران في المتجر فإن ذلك يثبت زيادة الاهمية الاقتصادية للمتجر باعتباره اصل عن الاهمية التي تتمتع بها تلك المنقولات باعتبارها فرعاً منه مما يعني انه اذا كانت الاهمية الاقتصادية للسفينة والطائرة والشاحنة مبرراً لرهنها تأمينياً فإن المتجر باعتباره اداة تنفيذ مشروع النقل يتمتع بأهمية اقتصادية واضحة تبرر – ومن باب اولى – تدخل المشرع لرهنه رهناً غير حيازي .

2- الارتباط بين الحاجة للائتمان وضرورة استمرار استغلال المال المرهون :

ويلزم كمبرر لتدخل المشرع من اجل تنظيم الرهن غير الحيازي بشأن المنقولات عموماً والمتجر خصوصاً ان يكون هناك ارتباط بين الحاجة للائتمان وضرورة استمرار استغلال المال المرهون وبدون توقف .
ولما كانت حاجة التجارة للائتمان لا تحتاج لإثبات فإننا سنقتصر على بيان اهمية الائتمان بطريقة موجزة بضرورة استمرار استغلالها مبرراً لتنظيم المشرع رهن تلك المنقولات رهناً غير حيازي ونرى ما اذا كان هذا الارتباط بين المسألتين قائماً ام لا بالنسبة للمتجر.
يتم استغلال كل من السفينة والطائرة والمركبة لتنفيذ مشروع تجاري ، وهو بالتحديد مشروع النقل الذي يتوقف نجاحه وتقدمه على عوامل عديدة اهمها وجود كفاءة للمنقولات المستخدمة في تنفيذه ويحتاج وجود تلك المنقولات ودوام كفاءتها الى توافر سيولة نقدية فورية وعالية لتغطية حاجات استغلالها من صيانة وتجهيز وتجديد واداء اقساط تأمين ودفع اجور عمال وفنيين وسداد رسوم موانئ ومواجهة ما يحل بها من كوارث لمواصلة انجاز الرحلات المطلوبة بسلام ودفع التعويضات الناجمة عن الاخلال بأي من الالتزامات المترتبة على العقود المبرمة بشأن استغلال تلك المنقولات …. الخ . ويعتبر توافر السيولة النقدية بالقدر الكافي لمواجهة كل ما تقدم مسألة متعذرة في اغلب الحالات لذلك يسعى مالك تلك المنقولات للاقتراض بضمانها اي بتقرير رهنها عليها . فإذا عوملت تلك المنقولات مجردة مما اسبغه عليها المشرع من وسائل تعيين ذاتي وما وفره للتصرفات الواردة عليها من نظام للشهر لكان الرهن الملائم لها هو الرهن الحيازي رهناً يتقرر على منقولات مادية (48) .
ومن شأن رهن تلك المنقولات رهناً حيازياً نقل حيازتها الى المرتهن او الى عدل بعيداً عن حيازة الراهن مما يؤدي الى توقف الدور الخاص بها وتعطيل جميع المصالح المرتبطة بها ايضاً ، ويفضي الى عجز الراهن عن السداد لأن مورد دخله قد توقف وبالتالي الى افلاسه باختصار يؤدي الرهن الحيازي لتلك المنقولات الى تفويت الغرض المقصود من الائتمان فيتعذر على المالك استغلالها بالمال الذي حصل عليه .

لأجل ذلك رأى المشرع ان يتم رهنها بمقتضى قواعد تشبه قواعد الرهن التأميني (الرسمي) كي تبقى في حيازة الراهن ويستطيع الاستمرار في الاستثمار والبقاء في الحيازة التجارية ويؤدي ما رتبه استغلاله لها في ذمته من الالتزامات .
لقد دفع ذلك الارتباط بين حاجتي الائتمان واستمرار استغلال تلك المنقولات بالمشرع الى تعيينها تعييناً ذاتياً بوسائل اصطناعية وايجاد سجل تشهر بقيد التصرفات الواردة عليها فيه جميع الحقوق العينية الاصلية والتبعية المقررة عليها.
الآن : اذا كان ارتباط حاجتي الائتمان واستمرار استغلال تلك المنقولات قد دفع بالمشرع الى اتخاذ الموقف السابق من الرهن الحيازي فماذا سيكون موقف اذا علمنا ان من شأن الرهن الحيازي الذي تفرضه الحاجة للائتمان ان يؤدي الى زوال المرهون من الوجود وليس مجرد التوقف عن استغلاله ؟ والمرهون المقصود هنا هو المتجر (39) .

الفصل الثالث الحل الذي يتبعه القانون المقارن

تمهيد :

يحتاج فك قيد القواعد العامة المفروض على التجارة والصناعة كي تتدفق الحياة فيها بشكل مضاعف ويتحقق الرواج التجاري والصناعي الى وضع نظام قانوني ملائم ينسجم مع حاجة كل من التجارة والصناعة الى الائتمان ويخلصهما من غموض النصوص الحالية وقصورها وتعارضها . ونرى ان سبيل المشرع الاردني الى ذلك لا يتم بحلول جزئية على غرار القانون المعدل لقانون مؤسسة المدن الصناعية رقم 82 لعام 1983 وانما يتم – في جزء منه – بوضع قانون للمحل التجاري يكمل ما بدأه في المواد 35،38،39 من قانون التجارة فينظمه ويبين القواعد التي تحكم التصرفات الواردة عليه من بيع ورهن وتأجير .
كما نرى انه لا غضاضة بل من المفيد الاطلاع على القواعد القانونية في القوانين المقارنة للاهتداء بتجارب المشرع في الدول الاخرى . وللمساعدة في تحقيق ما تقدم سنعرض في مطلبين متتاليين ابرز ملامح رهن المحل التجاري في القانون المقارن ثم رأينا الشخصي او الحل المقترح .

المطلب الاول قواعد القانون المقارن الخاصة برهن المتجر

يجد من يستعرض القوانين المقارنة الخاصة برهن المتجر انها تنطوي على الملامح التالية مع مراعاة انه لا يشترط توافرها جميعاً حتى يقال بأن الرهن المقصود انما هو رهن غير حيازي وانما يكفي ان لا تؤدي الرهن الى تجريد الراهن من حيازته بل يبقيه سيد تجارته ويحقق في الوقت ذاته الضمان الملائم للمرتهن .
1- لم تتعرض القوانين المقارنة للرهن وحده وانما تناولت كلاً من الرهن والبيع لتحقيق غايتين هما :
أ- ترتيب امتياز لبائع المتجر وتمكينه من رفع دعوى الفسخ واسترداد المبيع وذلك على نحو مخالف لما ورد في المادة 436 من قانون التجارة الاردني التي تنص على انه (اذا كان المشترى قد تسلم البضاعة قبل افلاسه فلا يجوز للبائع ان يحتج بدعوى الفسخ ولا بدعوى الاسترداد ولا بامتيازها) .
ب- تنظيم الرهن غير الحيازي للمحل التجاري.
2- تحاكي تلك القوانين قواعد الرهن التأميني الخاص بالعقارات لا من حيث عدم تجريد الراهن من حيازة المتجر المرهون فحسب وانما باسباغ الصفة الرسمية على عقد الرهن واعتبارها اما ركناً فيه او شرطاً لوجود الحق العيني(50).
فالمادة 11 من قانون بيع ورهن المحال التجارية المصري تنص على انه (يثبت الرهن بعقد رسمي او بعقد عرفي مقرون بالتصديق على توقيعات اواختام المتعاقدين) وتفسر غالبية الفقه المصري هذا النص بأنض المشرع قد جعل الكتابة ركناً في عقد الرهن وليس شرطاً للاثبات لانه اذا اريد تشبيه رهن المتجر برهن العقار فلا اقل من ان يتشابه الرهنان من حيث الاركان(51). وقد قصد من هذا التفسير تشبيه حكم المادة 11 السابق بيانه بحكم المادة 1031 من القانون المدني المصري التي تنص على انه (لا ينعقد الرهن الرسمي الا اذا كان بورقة رسمية) واذا كان جانب من الفقه المصري قد خالف التفسير المتقدم في شأن اعتبار الرسمية ركناً في عقد الرهن فإنه يرى ان الرسمية لا تقع على العقد وانما تقع على الحق العيني ذاته (52) . وما قيل عن القانون المصري يقوله الفقه عن القانون الفرنسي (م 10) حيث يرى الفقه الفرنسي ان رهن المحل التجاري انما هو رهن شكلي كما هو حال الرهن التأميني(53).
ويترتب الحق العيني عليه مباشرة باعتباره مصدراً له ، وينفذ الحق العيني التبعي في مواجهة الغير بالقيد في السجل التجاري ولا تقوم حاجة من ثم الى نقل الحيازة لان التسجيل يحقق الشهر والعلانية ويوفر للمرتهن ميزتي الاولوية والتتبع وان تصرفات الراهن الواردة على متجره لا تنفذ في مواجهة المرتهن الا بالقيد في السجل وان وفاء مشتري المتجر لا يعتبر مبرئاً لذمته بغير اتباع اجراءات النشر والاعلان .
كما يوفر ابقاء الحيازة للراهن استمرار الاخير في استثمار متجره والاستفادة من الائتمان الممنوح بتحقيق طموحه التجاري كما يمكنه من اعادة رهنه بل والقدرة على تأجير استغلاله .
3- تترك تلك القوانين ما يتعلق بأهلية الاطراف وشرط ملكية الراهن للمال المرهون وشرط عدم جواز تملك المرتهن للمرهون عند عدم وفاء المدين المضمون وشرط انطباقه على المؤسسات التجارية القائمة دون غيرها للقواعد العامة .
4- حددت بعض تلك القوانين مرتهن المتجر في ان يكون بنكاً او بيتاً للتمويل ولم تترك حرية اختياره للراهن فلا يجوز تحت طائلة البطلان ان يكون المرتهن غير الذي حدده القانون وذلك رغبة من المشرع في حماية الراهن من الوقوع في قبضة المرابين(54).
5- تعتبر القوانين المقارنة الحق في الايجار جزءاً من ملكية المتجر بحيث يتم التصرف فيه تبعاً للتصرف في المتجر لان عدم الوفاء بالدين المضمون سيدفع بالمرتهن الى بيع المتجر المرهون بالمزاد العلني مما يؤدي الى استبدال المستأجر الاصيل بمستأجر آخر يحل محله .
هذا ما يعتبره القضاء المصري احدى حالات الضرورة الملجئة التي تجيز للمستأجر التنازل عن حقه في الايجار (55) وتؤكد المادة 18 من القانون المصري ذلك حيث تقرر بطلان كل شرط في عقد الايجار يترتب