دراسة وبحث قانوني عن النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية وعلاقتها بتطبيق ظهير 24.5.1955

تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية .1 ويعرف بعض الفقهاء الاصل التجاري بانه مجموعة من الاموال المعنوية و المادية تكون للمتجر وحدة قانونية مستقلة معدة للاستغلال التجاري2. وتبعا لذلك يتكون الاصل التجاري من عناصر معنوية كالزبائن ومن عناصر مادية كالبضائع و التجهيزات3. لذلك يكتسي الاصل التجاري اهمية بالغة للحياة التجارية، فهو الذي يمكن التاجر و المقاولة من ممارسة النشاط التجاري، لذلك يعتبر منح الاختصاص للمحاكم التجارية للبت في النزاعات المتعلقة بالاصل التجاري ضمانة هامة للتجار.
لهذا يثار التساؤل حول المقصود بالنزاعات المتعلقة بالاصول التجارية؟

هل يقصد بها النزاعات ذات العلاقة بالعقود المتعلقة بالاصل التجاري كعقد بيع الاصل التجاري او رهنه او تقديمه حصة في شركة او التسيير الحر للاصل التجاري؟ أي النزاعات الناتجة عن تطبيق مقتضيات القسم الثاني من الكتاب الثاني من مدونة التجارة. ام انه من الممكن اقحام النزاعات الناتجة عنتطبيق ظهير 24 ماي 1955 المتعلق بكراء الاملاك و الاماكن المستعملة للتجارة او الصناعة او الحرف ضمن هذا الاختصاص4. ؟ مع العلم انه جاء في الفصل الاول من نفس الظهير انه ” يطبق على عقود كراء الاملاك و الاماكن التي يستغل فيها اصل تجاري سواء كان هذا الاصل يعود الى تاجر او صانع او رب حرفة”.

وتبعا لذلك سيكون تصميم هذا الموضوع على النحو التالي:
الفصل الاول: الاصل التجاري و العناصر المكونة له:
المبحث الاول: تعريف الاصل التجاري وتحديد طبيعته القانونية:
المطلب الاول: ماهية الاصل التجاري:
المطلب الثاني: عناصر الاصل التجاري:
المبحث الثاني: مجال اختصاص المحاكم التجارية في نزاعات الاصل التجاري:
الفصل الثاني: دعاوى الاكرية التجارية:
المبحث الاول: الاتجاه الرافض لاختصاص المحاكم التجارية:
المبحث الثاني: الاتجاه المؤيد لاختصاص المحاكم التجارية:
المبحث الثالث: الاتجاه المبرر لازدواجية الاختصاص:

الفصل الاول: الاصل التجاري و العناصر المكونة له:

المبحث الاول: تعريف الاصل التجاري وتحديد طبيعته القانونية:

المطلب الاول: ماهية الاصل التجاري:

* الفقرة الاولى: تعريف الاصل التجاري: على خلاف اغلب التشريعات كالتشريع الفرنسي و المصري عرف المشرع المغربي الاصل التجاري في المادة 79 من مدونة التجارة بان” الاصل التجاري مال منقول معنوي يشمل جميع الاموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري او عدة انشطة تجارية”5. الا انه لا يفهم من هذا التعريف ان المشرع قد حصر الاصل التجاري في ممارسة النشاط التجاري وحده، مسبعدا بذلك بقية الانشطة الاقتصادية الاخرى، بل قصد به بصفة عامة ممارسة أي نشاط من الانشطة التي يكتسب ممارستها صفة تاجر6. لذلك فالاصل التجاري يعتبر مالا منقولا حتى لو باشر المالك تجارته في عقار يملكه، ويترتب عن ذلك ايضا عدم خضوعه لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية. لانها تطبق على المنقولات المادية فقط، فما هي الطبيعة القانونية للأصل التجاري؟

* الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للاصل التجاري: اختلف الفقه فيتحديد الطبيعة القانونية للاصل التجاري وخاصة تحديد ما اذا كان يشكل مالا مستقلا او وحدة قانونية او واقعية.

الاصل التجاري مال منقول يتكون من مجموع اموال منقولة: ظهرت نظريتان تؤصل احداهما على اساس الواقع بينما تؤصل الثانية على اساس القانون.: – نظرية المجموعة القانونية مفادها ان الاصل التجاري شيء منفرد له ذاتيته الخاصة لذلك يشكل وحدة او مجموعة قانونية مرصودة مالية خاصة مستقلة عن ذمة التجار. عكس ما يذهب اليه الفقه اللاتيني و المشرع المغربي اللذان يرون ان الاصل التجاري لا يشكل وحدة قانونية وذمة مالية مستقلة عن شخص التاجر وبالتالي يعتمدان وحدة الذمة المالية. اما نظرية المجموعة الواقعية: مفادها ان الاصل التجاري مجرد تجمع للاموال تربط فيما بينها غايةمعينة هي الاتجار7.
* الفقرة الثالثة: الاصل التجاري منقول معنوي”م 79″: رغم احتواء الاصل التجاري على عناصر تختلف من حيث الطبيعة : عناصر مادية وعناصر معنوية، فان معظم الفقهاء اتفقوا على اعتبار الاصل التجاري مال منقول معنوي” م 79″.

المطلب الثاني:عناصر الاصل التجاري:

يشمل الاصل التجاري مجموعة عناصر معنوية واخرى مادية. وهذه المجموعة غير قابلة للتجزئة، وان تجزات فانها تفقد وصف الاصل التجاري8 وقد حدد المشرع المغربي في المادة 80 من مدونة التجارة العناصر الجوهرية للاصل التجاري.
* الفقرة الاولى: العناصر المادية: فالعناصر المادية هي : 1- البضائع وهي السلع المعدة للبيع 2-وبعض الالات الصناعية التي يستعين بها التاجر او الصانع في اداء وظيفته كسيارة النقل وتجهيزات المقهى والات المعمل وغيرها. 3-تجهيزات الاصل التجاري من الاثاث والمفروشات التي يستعملها التاجر لتجهيز مكتبه وصالة الاستقبال: كالمقاعد و الطاولات و الهاتف و الالة الكاتبة… وتشكل تجهيزات المتجر وادواته راس المال المتحرك القابل للتحويل و التجديد9.

* الفقرة الثانية: العناصر المعنوية وهي على نوعين:
1- العناصر المعنوية العادية: وتلعب دورا مهما في تحديد القيمة المالية للاصل التجاري وهي:
1.1- الزبناء: وهو اهم عنصر معنوي في الاصل التجاري ويقصد بالزبناء الاشخاص الذين يتكون منهم رواد الاصل التجاري الذين اعتادوا ان ياموه لقضاء حاجياتهم. كما ان عنصر الزبناء يرتبط بالاصل التجاري وينجدب اليه بفضل الخصائص التي يمتاز بها و التي تتكون في مجموعها: السمعة التجارية للمحل التي هي وليدة موقعه ونوعية الخدمات التي يقدمها10.
1.2- الاسم التجاري او العنوان التجاري: يطلق كل تاجر اسما خاصا على اصله التجاري قصد التعريف به في الوسط التجاري وبين زبنائه، ونقصد بهذا الاسم ذلك الذي يظهر عادة على واجهة المتجر وفي مطبوعات التاجر بحيث يكون عنوانه التجاري ويمضي به التاجر كافة معاملاته مع الغير، كما تجدر الاشارة هنا الى ان التاجر يملك اسمه التجاري او عنوانه بمجرد تسجيله في السجل التجاري11.
1.3- الشعار: الشعار التجاري هو الذي يميز الاصل التجاري عن غيره لذلك فهو يختلف عن الاسم التجاري من حيث انه يجب ان يكون مبتكرا ولا صلة له بالاسم المدني للتاجر عكس الاسم التجاري الذي يرجع اصله عادة الى اسم التاجر المدني، ويظهر الشعار على مطبوعات التاجر وبضائعه. كما ان الاسبقية في الاستعمال هي التي تعطي للتاجر الحق في ملكية الشعار، ويمكن للتاجر ان يتصرف في شعاره باستقلال عن عن الاصل التجاري وذلك بخلاف الحال بالنسبة للاسم التجاري12.
1.4- حقوق الملكية الصناعية و التجارية:

+ براءة الاختراع: يقصد بها تلك الشهادة التي تمنحها لمن اخترع اختراعا جديدا يتعلق بمنتوج جديد او اكتشافه لطريقة جديدة للحصول على انتاج قديم13. ويخول الاختراع لصاحبه الحق في استغلاله لمدة عشرين سنة وبعد ذلك يصبح ملكا مشاعا14.

+ الرسوم و النماذج الصناعية: يقصد بها تلك المبتكرات التي تتسم بالطابع الغني تعطي للمنتوجات الصناعية رونقا وجمالا. فالرسم مجرد مخطوط اما النموذج فهو جسم له حجم معين، كقالب الاحذية واوعية العطور و المشروعات وغيرها. والرسوم و النماذج تمنح لصاحبها الحق في استغلالها وبيعها شرط ان يكون قد وقع ايداعها على الشكل المتطلب قانونا في مكتب حماية الملكية الصناعية و الفنية15.
+ العلامات الفارقة او علامات الصنع: توضع على بضاعة التاجر تمييزا لها عن غيرها من البضاعات المنافسة لها. وقد تكون علامة الصنع عبارة عن اسم مميز او رمز او اثار او دمغة او طابع او نقش او حروف او ارقام… وكل العلامات الاخرى التي تميزمنتوج مصنع معين او استغلال زراعي او غابوي او استخراجي او مواد تجارية16. غير انه يمكن اثبات ملكية العلامة الفارقة باثبات اولوية استعمالها، وفي هذه الحالة لا يقبل الاثبات الا بالوسائل الكتابية17.

1.5- حق الكراء: حق معنوي قابل للتصرف فيه بالبيع ضمن عناصر الحق التجاري او بصفة منفردة اذ ينص الفصل 37 من ظ 24 مايو على انه” تكون الاتفاقات باطلة مهما كانت صيغتها اذا كان القصد منها منع مكتر توافرت فيه الشروط من التخلي عن عقد الكراء للغير”. اما الكراء من الباطن فان الفصل 22 يمنعه ما لم يتضمن العقد شرطا يقضي بجوازه او يوافق المكري على ذلك كتابة.

2- العناصر المستثناة من الاصل التجاري: 1- الديون و القروض 2- الدفاتر التجارية وغيرها من المستندات الحسابية 3- العقود و الصفقات 4- العقارات .
فالاصل التجاري لا يتكون الا بعد اكتساب المؤسسة التجارية لعدد كبير من الزبناء بفضل سمعتها التجارية وهو ما يتطلب مرور بعض الوقت بعد الافتتاح18.

المبحث الثاني: مجال اختصاص المحاكم التجارية في نزاعات الاصل التجاري:

تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية19. تثير صياغة البند الخامس من المادة الخامسة التساؤل حول المقصود باختصاص المحاكم التجارية في النزاعات المتعلقة بالاصل التجاري. فهل يقصد بهذه النزاعات تلك التي تهم العقود و التصرفات التي نظمها المشرع تحت عنوان الاصل التجاري ، وخاصة القسم الثاني من الكتاب الثاني المنظم للعقود المتعلقة بالاصل التجاري ؟ ام انها تتجاوز ذلك الى نزاعات اخرى يمكن ان تنصب على الاصل التجاري؟20

فالعقود المتعلقة بالاصل التجاري هي: بيع او رهن الاصل التجاري او تقديمه حصة في شركة او التسيير الحر ( كراء الاصل التجاري). حيث نظم المشرع لاول مرة كل من عقد التسيير الحر للاصل التجاري ( المواد152 الى 158 من نفس المدونة). الذي كان يخضع قبل ذلك للمبادئ العامة للكراء في قانون الالتزامات و العقود . وتقديم الاصل التجاري حصة في شركة كما قام المشرع بتجميع العقود المتعلقة بالتصرف في الاصل التجاري حيث اعاد تنظيم بعض العقود من جديد وهي بيع ورهن الاصل التجاري( المواد 81-103 الى 151 منمدونة التجارة). و التي كان يطبق عليها ظهير 31.12.1914.

وتجدر الاشارة هنا الى ان محكمة الاسئناف التجارية بفاس صرحت بان ” المشرع….قد عقد الاختصاص للمحاكم التجارية بما فيها من بيع ورهن او تسيير حر “. ” سواء كان الاصل التجاري موجودا اومنازعا فيه” ولو كان الطرف المدعي مدنيا ما دام طلبه انصب على ابطال عقد بيع اصل تجاري مخول الاختصاص فيه وبنص القانون القانون للمحاكم التجارية وحدها”21. لكن مع ذلك تبقى اشكالية اختصاص المحاكم التجارية للنظر في بعض النزاعات الناتجة عن تنفيذ العقود المتعلقة بالاصل التجاري قائمة خاصة في الحالة التي يكون فيها النزاع ذا طبيعة مدنية بالنسبة لاحد طرفيه.
فبيع الاصل التجاري من طرف شخص لا يستغل هذا الاصل او لم يعد يستغله، وكذا التصرفات الهادفة الى خلق اصل تجاري و التي يقوم بها غير التاجر من الصعب وصفها بالعقود او الاعمال التجارية22.

الفصل الثاني: دعاوى الاكرية التجارية:

نظم المشرع المغربي موضوع الاكرية التجارية بمقتضى ظهير 24 ماي 1955 لذلك يثار التساؤل التالي اثناء تطبيق هذا الظهير، هل يرجع الاختصاص للمحاكم التجارية المحدثة ام يبقى الاختصاص بيد المحكمة الابتدائية، ورئيسها بصفته قاضيا للصلح؟ وللاجابة على هذا التساؤل انقسم المهتمون في الوسط الفقهي و القضائي الى 3 اتجاهات : يرى الاتجاه الاول ان المحاكم التجارية ليست مختصة بالبت في هذه الدعاوى اعتمادا على المصدر التاريخي عكس الاتجاه الثاني الذي يؤيد الراي القائل باختصاص المحاكم التجارية بالبت في هذه الدعاوى اعتمادا على المادة 5 من قانون مدونة التجارة. والثالث يرى ان هناك ازدواجية في الاختصاص فتارة يكون للمحاكم الابتدائية وتارة يكون للمحاكم التجارية بحسب صفة طرفي النزاع.

المبحث الاول: الاتجاه الرافض لاختصاص المحاكم التجارية:

يستند انصار هذا الاتجاه الرافض لاختصاص المحاكم التجارية على المصدر التاريخي للتشريع المغربي أي التشريع الفرنسي الذي يتبين منه ان عقد كراء المحلات التجارية او الصناعية او الحرفية يخضع في تجديده لمرسوم 30 شتنبر 1953 الذي منح الاختصاص في المنازعات التي تتعلق بتطبيقه للمحكمة المدنية أي المحكمة الابتدائية، فاختصاصها من النظام العام تثيره المحكمة من تلقاء نفسها.

كذلك فالاختصاص العام للمحاكم المدنية فيما يخص الاكرية التجارية ينفي اختصاص المحاكم التجارية التي لا تعتبر مختصة بمنازعات الكراء ولو كان تجاريا نظرا للطابع المدني لعقد الكراء23. وقد ايدت محكمة الاستئناف التجارية بفاس هذا الاتجاه في عدة قرارات اصدرتها في الموضوع حيث اكدت في قرار لاحق ان:” المشرع بمقتضى قانون95.53 لم ينزع الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الابتدائية بمقتضى قوانين خاصة ومنها مقتضيات ظهير 24.5.1955 و المحاكم التجارية محاكم اشتثنائية لا يمكن التوسع في الاختصاصات المستندة لها، لان المشرع ضيق هذه الاختصاصات وجعلها في اطار محدود ولفائدة اشخاص معينين ولاغراض خاصة وبناء على نصوص واردة بمدونة التجارة”24. كما ان نفس المحكمة سارت في نفس الاتجاه في وقت لاحق واكدت في احد القرارات الصادرة عنها ان:” النزاعات التجارية المتعلقة بالاصول التجارية محصورة في بيع الاصل التجاري او رهن او تقديمه على وجه التسيير الحر او حص في شركة وليس منها طلب التعويض عن عدم استرجاع المحل المكتري وبالتالي فان المحكمة التجارية غير مختصة نوعيا للبت في الطلبات المدنية الصرفة”25.

ويعتقد بعض الفقهاء26 ان هذه الاحكام جاءت موافقة لبعض الاجتهادات السابقة للمحاكم المغربية في زمن ماض لم تكن فيه للتمييز بين العقود المدنية والعقود التجارية اهمية من حيث الاختصاص القضاي مستدلين على ذلك بحكم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء الذي يرجعتاريخه الى 29 نونبر 1949 بقولها” ان كراء الاماكن او المحلات لا يعتبر عملا تجاريا سواء بالنسبة للمكري او بالنسبة للمكتري ولو كانا تاجرين ما دام الكراء لا يتعلق باعمالهما التجارية”27.

المبحث الثاني:الاتجاه المؤيد لاختصاص المحاكم التجارية:

يرى القائلون بهذا الاتجاه 28 بان عبارة الاصول التجارية الواردة في المادة 5 الفقرة 5 غير محددة بالاضافة الى ان المشرع لو اراد حصر هذه النزاعات في العقود و التصرفات التي تتعلق بالاصل التجاري بجميع عناصره لاستعمل عبارة المنصبة بدلا من المتعلقة بالاصول التجارية29. وتبعا لذلك يرى البحثين المؤيدين لهذا الاتجاه ان الغاية من تنصيص المشرع على المحاكم التجارية تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالاصل التجاري منه عدم حصر اختصاصها في العقود المتعلقة بالاصل التجاري كتقديم الاصل التجاري حصة في الشركة وبيع ورهن وتسيير حر بل يمتد ليشمل كل النزاعات المتعلقة بهذا الاصل كما في حالة التعويض عنه المنصوص عليه في ظهير 24/5/1955.

لذلك فالظهائر الخاصة التي تنظم العمل التجاري لا تعني بالضرورة عدم خضوعها لاختصاص المحاكم التجارية كظهير 24/5/1955 لذلك فدعوى الصلح( ف 27 من ظهير 24/5/1955) و الشرط الفاسخ( ف 26 من نفس الظهير) يتعلق بعقد الكراء التجاري الذي يدخل في مفهوم المادة التجارية التي يرجع الاختصاص بها لرئيس المحكمة طبقا للمادة 20 من قانون احداث المحاكم التجارية30. وقد تبنت هذا المفهوم الواسع للاختصاص الذي يمتد ليشمل كل ما يتعلق بالاصل التجاري وعناصره محكمة الاستئناف بمراكش محاولة منها لتفسير مقتضيات الفقرة 5 من المادة 5 بان لفظة النزاعات الواردة في الفقرة المذكورة جاءت شاملة لجميع النزاعات سواء تعلق الامر بالعقود المنصبة على الاصل التجاري او المنازعات الرامية الى رفض او تجديد العقود في اطار ظهير 24/5/1955 او غيرها من المنازعات الاخرى وسواء تعلق الامر بنزاع حول الاصل التجاري برمته او احد عناصره، اذ ان مناط اختصاص المحاكم التجارية هو وجود نزاع يتعلق بالاصل التجاري بصرف النظر عن كون العقد مدني او تجاري.

وحيث انه تبعا لما ذكر فان المحكمة التجارية طبقا للمادة الخامسة الفقرة 5 من قانون احداث المحاكم التجارية تبقى هي المختصة للبت في القضية الشيء الذي يتعين معه الغاء الحكم المطعون فيه و الحكم الجديد باختصاص المحكمة التجارية بمراكش للبت في القضية31. ويرى بعض الفقهاء ان نية المشرع عندما منح الاختصاص فيما يتعلق بمنازعات الاصول التجارية اقتصرت فقط على العقود المتعلقة بالاصل التجاري المشار اليها في مدونة التجارة ولم يقصد بها المشرع ادخال منازعات الاكرية التجارية. مستندين في ذلك على ان المشرع لم ينظم الاكرية التجارية في مدونة التجارة مما يبين ان المشرع القى على الاختصاص المدني لمنازعات الاكرية التجارية32. لذلك يعارض هؤلاء الفقهاء ما ذهبت اليه محكمة الاسئناف التجارية بمراكش في قرارها اعلاه. وقد سارت الغرفة التجارية بالمجلس الاعلى في نفس الاتجاه.33

المبحث الثالث: الاتجاه المبرر لازدواجية الاختصاص: 

يعتمد اصحاب هذا الاتجاه على صفة طرفي النزاع وطبيعة الكراء التجاري بالنسبة لكل واحد منها كمعيار لتحديد المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات ذات العلاقة بالكراء التجاري. فاذا كان المكري و المكتري تاجرين فالاختصاص يكون للمحاكم التجارية لذلك فالعقد في هذه الحالة عقدا تجاريا. اما اذا كان المكري غير تاجر و المكتري تاجرا تكون المحكمة الابتدائية هي المختصة لان العقد في هذه الحالة عقد مختلط ما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على اسناد الاختصاص للمحكمة التجارية35. وقد ايدت محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء هذا الاتجاه في قراراتها اذ اعتبرت:” ان عقود كراء المحلات التجارية المنظمة بمقتضى ظهير 24/5/1955 لا تعد عقودا تجارية بطبيعتها الا اذا ابرمت بين تاجرين وفي هذه الحالة ينعقد الاختصاص للبت في النزاعات المتعلقة بشانها للمحاكم التجارية استنادا الى الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون احداث المحاكم التجارية، اما اذا ابرمت بين مكتر تاجر ومكر غير تاجر فنكونفي هذه الحالة امام عقد مختلط باعتباره تجاريا بالنسبة للاول و لو تعلق بالاعمال الاولية و التحضيرية لممارسة اعماله التجارية ومدنيا بالنسبة للثاني على اساس ان عقد كراء العقار يعد عملا مدنيا، وتبعا لذلك لا ينعقد الاختصاص للمحاكم التجاريةفي هذه الحالة الا باتفاق الاطراف طبقا للفقرة ما قبل الاخيرة من المادة الخامسة من نفس القانون36

ويبدو ان هذا الاتجاه هو اقرب الى الصواب لان عقد الكراء المنصب على محل ااتجارة عقد مدني بالنسبة لمالك الرقبة، وبالتالي يبقى لهذا الجانب الللجوء الى المحكمة الابتدائية او المحكمة التجارية سواء تعلق الامر بتطبيق مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 او ظهير 5 يناير 1953 37.

خاتمة:

تختلف المحاكم التجارية ومحاكم الاستئناف التجارية بشان تطبيق مقتضيات ظهير 24/5/1955 حيث اصبح الاختصاص بتطبيق هذا الظهير بالنسبة لبعض المحاكم التجارية وسلة لاثبات وجودها وحضورها حتى ولو لم يوجد سند قانوني صريح لاختصاصها واخرى اخذت تستبعد اختصاصها مطلقا بهذا الشان لتخفيف كاهلها من كم هائل من القضايا، وبين هذا وذاك فان التشريع غائب، اذ المطلوب ان يقوم المشرع بتحديد مضمون النزاعات المتعلقة بالاصول التجارية بدل اقتضابه او عموميته38. كما سيترتب على تضارب الاجتهاد القضائي ضياع للحقوق الشيء الذي ادى بالمتقاضين الى رفع دعاوى متزامنة في نفس الوقت امام المحاكم التجارية و امام المحاكم الابتدائية حتى لا يفوتهم الاجال الواردة في الفصلين 27 و 32 من ظهير ماي1955.
ومما يزيد الامور تعقيدا ان بعض المحاكم التجارية عند التصريح بعدم اختصاصها النوعي لا تقرر احالة الملف على المحكمة الابتدائية التي ترى انها مختصة لذلك على المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية ايجاد حل مشترك لاشكالية تطبيق ظهير 24 ماي 1955.
—————————————-
الهوامش:

1- البند الخامس من المادة 5 من مدونة التجارة.
2-علي العبيدي: القانون التجاري المغربي، مطبعة الامنية الرباط 1966.
3- المادة 79 و 80 من مدونة التجارة.
4- ذ محمد المجدوبي الادريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999 ص 128.
5- المادة 79 من مدونة التجارة.
6-ذ عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004 ص87. انظر ايضا ذ عبد العزيز توفيق: عناصر الاصل التجاري مقال منشور بمجلة المحامون ع6 س 1988 ص 67.
7-محمد نخلي: الوجيز في القانون التجاري.
8- محمود مختار احمد بربري: قانون المعاملات التجارية –ج1- الاعمال التجارية و التاجر. الشركات التجارية شركات القطاع العام و الخاص الاموال التجارية- دار الفكر العربي.1987 ص 724.
9- الحماية القانونية للكراء التجاري: دراسة نظرية تطبيقية للنصوص على ضوء قرارات المجلس الاعلى-ط3-1988- ص200.
10- محمد المجدوبي الادريسي، نفس المرجع السابق ص 200.
11- محمد المجدوبي الادريسي، نفس المرجع السابق ص 200.
12-محمد المجدوبي الادريسي، نفس المرجع السابق ص 201.
13-الفصل 24 من ظ 23 يونيو1916.
14-الفصل 26 من ظ 23يونيو 1916
15-محمد المجدوبي الادريسي، نفس المرجع السابق ص201.
16-الفصل 73 من ظ 13/6/1916.
17-الفصل 81 من نفس الظهير اعلاه.
18- فؤاد معلال- شرح القانون التجاري المغربي الجديد-ط1-1999-ص155.
19- البند الخامس من المادة الخامسة من مدونة التجارة.
20- عبد السلام زوير- المرجع السابق.
21- قرار عدد 240 صادر بتاريخ 14/12/1998 في الملف رقم 340/98 منشور بمجلة المعيار العدد 24 اكتوبر 1999 ص 173-181.
22- ذ محمد المجدوبي الادريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.
23- ذ محمد المجدوبي الادريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.
24- قرار رقم 98/58 بتاريخ 14/9/1998 في ملف عدد 98/98 منشور بمجلة المنتدى ع1- مرجع سابق ص 225. وراجع ايضا في نفس الاتجاه وبناء على نفس الحيثيات القرار رقم 98/227 بتاريخ 21/12/1998 في الملف ع 339/98 منشور بمجلة المنتدى ع1- مرجع سابق ص 230.
25- قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 72 بتاريخ 8/2/1999 في الملف ع 62/98 منشور بمجلة المعيار ع 24 اكتوبر 1999 ص 204-211.
26- ذ محمد المجدوبي الادريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.ص137.
27- ذ محمد المجدوبي الادريسي: عمل المحاكم التجارية : بدايته اشكاليته، ط 1 1999.ص 138. منشور بمجلة المحاكم المغربية بتاريخ 25/2/1955 ص30. واشر اليه ايضا محمد الكشبور الراء المدني و الكراء التجاري ص9.
28- عبد اللطيف تيجاني: هل تختص المحاكم التجارية بالنظر في الدعاوى الخاصة بالكراء التجاري؟ مقال منشور بجريدة العلم ليوم 16 غشت 1997 عدد17277.
29- ذ عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004. ص93.
30-محمد المجدوبي الادريسي الرجع السابق ص 138.
31-قرار رقم 98/105 بتاريخ 21/10/1998 في الملف 98/107 منشور بمجلة المحامي ع 34 ص198.
32- محمد المجدوبي الادريسي المرجع السابق ص140.
33- قرار عدد 2248 بتاريخ 14/11/2001 في الملف ع 00/2227 غير منشور.
34- احمد شكري السباعي.قراء في مدونة التجارة المغربية-جريدة العلم ليوم 6/1/1998 ع 17420. محمد لفروجي مدى اعتبار المحكمة التجارية مختصة وحدها بالنظر في الدعوى المتعلقة بالكراء التجاري –مجلة الاشعاع ع 2301.
35- عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004. ص96.
36- قرار رقم 98/162 بتاريخ 8/10/1998 في النلف 9/98/269 منشور لدى محمد المجدوبي الادريسي المرجع السابق ص 189-192 .
37- عبد السلام زوير: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية واشكالياته العملية-نونبر 2004. ص97. راجع في نفس الاتجاه قرار محمكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 99/181 في الملف عدد 99/7/134 ذكر محمد الفروجي في المرجع السابق.ص26.
38- محمد المجدوبي الادريسي المرجع السابق ص145.