بحث قانوني مهم حول بحث حق الولي و الحضانة

تختلف حقوق الولي في الولاية على النفس بإختلاف مراحل عمر المولى عليه. ففي مرحلة الحضانة، يثبت للولي الحق في رؤية المحضون، والحق في منع الحاضنة من السفر بالمحضون. أما في فترة ما بعد الحضانة، فيكون للولي الحق في ضم المولى اليه، وكذلك الحق في تزويجه إذا ما سنحت له فرصة الزواج، وهو ما يعرف بولاية التزويج.
ونظراً لكون حقوق الولي موزعة ما بين مرحلة الحضانة ومرحلة ما بعد الحضانة، لذا سنتناول دراسة هذه الحقوق في مبحثين، على النحو الآتي:

المبحث الأول: حقوق الولي أثناء فترة الحضانة
المبحث الثاني: حقوق الولي ما بعد فترة الحضانة

المبحث الأول حقوق الولي أثناء فترة الحضانة

تتمثل حقوق الولي أثناء فترة الحضانة بحقين أساسيين. الأول هو حق الولي في رؤية المحضون. أما الحق الثاني فهو مرتبط بالأول ومكمل له، وهو حق الولي في منع الحاضنة من السفر. وفيما يلي بيان لكل من هذين الحقين في مطلب مستقل على النحو الآتي:

المطلب الأول حق الولي في رؤية المحضون*

كما هو معروف ان المولى عليه في دور الحضانة يكون عند الحاضنة -سواء كانت الأم أو من يليها في هذا الحق من الحاضنات- وان وجود المولى عليه في يد الحاضنة، لا يغل يد الولي عنه ولا يحد من ولا يته الشرعية عليه. فمن الحقوق المقررة للولي في هذه المرحلة هو حقه في رؤية المولى عليه وتفقد أحواله والنظر في شؤونه. فحق الرؤية، حق ثابت شرعاً للأب وغيره من الأولياء -عند عدم الأب– لأنه من باب صلة الأرحام التي أمر الله تعالى بها بقوله: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)( ).
وقد نصت على هذا الحق صراحة المادة (20) من القانون المصري الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية( ) ، بقولها: (2- لكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين). وهو ما نص عليه أيضاً المشرع الأردني في المادة (163) من قانون الأحوال الشخصية( )، بقوله: (يتساوى حق الأم وحق الأب أو الجد لأب في رؤية الصغير عندما يكون في يد غيره ممن له حق حضانته).

وقد أشار المشرع العراقي الى هذا الحق في الفقرة الرابعة من المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية( )، حيث جاء فيها (للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه، حتى يتم العاشرة من العمر..). وسبق ان بينا ان المشرع العراقي لم يكن موفقاً في هذا النص، لأنه قصر ولاية النظر في شؤون المحضون على الأب وحده دون غيره عن الأولياء( ).
وينظم الاتفاق الجاري بين الحاضنة وصاحب الحق في الرؤية، ممارسة هذا الحق من حيث الزمان والمكان. حيث يعتبر حق الرؤية من أهم المسائل التي تثير النزاع بين الزوجين المنفصلين –أو بين الولي والحاضنة– وخاصة إذا اتخذه كل منهما سلاحاً للنكاية بصاحبه، ولو على حساب مصلحة الطفل.

فإذا تعذر تنظيم مواعيد الرؤية ومكانها عن طريق الاتفاق، نظمها القاضي بشرط ألا تتم في مكان يضر بالمحضون، كأقسام الشرطة. وعلى هذا نص المشرع المصري في المادة (20) من القانون الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية( )، بقوله: (2… إذا تعذر تنظيم الرؤية اتفاقا، نظمها القاضي على ان تتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسياً). كما نص في المادة (67) من القانون الخاص بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية( )، على انه: (ينفذ الحكم الصادر برؤية الصغير في أحد الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بعد موافقة وزير الشؤون الإجتماعية. وذلك
ما لم يتفق الحاضن والصادر لصالحه الحكم على مكان آخر. ويشترط في جميع الأحوال ان يتوفر في المكان ما يشيع الطمأنينة في نفس الصغير).

ولقد حدد المشرع العراقي مكان الرؤية في حالة عدم الاتفاق عليه، بفروع الاتحاد العام لنساء العراق، حسب ما جاء في قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) ذي الرقم 6 لسنة 1992، بانه: (1- تكون مشاهدة أحد الوالدين ولده في المكان المناسب الذي يتفق عليه الطرفان، وفي حالة عدم اتفاقهما على ذلك أو عدم النص في قرار المحكمة على تحديد مكان المشاهدة يكون أي من فروع الاتحاد العام لنساء العراق أو فرع الاتحاد في المكان الذي تقيم فيه الأم هو المكان المناسب للمشاهدة)( ).

وان للرؤية أهمية بالغة في حياة الطفل النفسية والعاطفية. وان أي إجراء يتخذ لتنفيذ حق الرؤية يجب ان يراعى فيه انه حق للطفل في المقام الأول، أو هو في الأقل حق متبادل بين الطفل وبين من يثبت له هذا الحق. بناء على ذلك فقد منع المشرع المصري، حماية لمصلحة المحضون، من تنفيذ حكم الرؤية جبراً وبالقوة. حيث أجاز للقاضي في حالة إمتناع الحاضنة عن تنفيذ الرؤية بغير عذر، وتكرار ذلك منها بعد إنذارها من قبل القاضي، نقل الحضانة مؤقتاً الى من يلي تلك الحاضنة في هذا الحق لمدة يقدرها. فنص في الفقرة الثالثة من المادة (20) الآنفة الذكر، على انه: (لا ينفذ حكم الرؤية قهراً، ولكن إذا إمتنع من بيده الصغير عن تنفيذ الحكم بغير عذر أنذره القاضي فإن تكرر منه ذلك جاز للقاضي بحكم واجب النفاذ نقل الحضانة مؤقتاً الى من يليه من أصحاب الحق فيها لمدة يقدرها)( ).

المطلب الثاني حق الولي في منع الحاضنة من السفر بالمحضون

الأصل ان مكان الحضانة هو ذلك الذي يقيم فيه الشخص الحاضن. ولا يثير تحديد المكان في ذاته عقبة ما، ما دام يؤمن فيه على المحضون. ولكن تغيير مكان الحضانة قد ينطوي على مساس بحقوق أشخاص آخرين، هم أولياء المحضون. فالولي حتى يتسنى له ممارسة حقوق الولاية على المولى عليه، لابد ان يكون هذا الأخير قريباً منه وتحت أنظاره. بناءً على ذلك فلا يجوز للحاضنة في الأصل السفر بالمحضون إلا بإذن من له حق الولاية عليه.
وقد ميز الفقهاء في هذا الصدد بين الحاضنة الأم وغير الأم من الحاضنات. فإذا كانت الحاضنة أم الطفل، وكانت زوجيتها قد انقطعت عن الزوج (أب الطفل) بخروجها من العدة، فلها ان تنتقل بالمحضون الى وطنها الاصلي الذي تزوجها فيه، قريباً كان أم بعيداً، طالما ليس فيه ضرر على المحضون( ).

أما إذا انتقلت الى غير وطنها، ولو كان العقد فيه، أو الى وطنها وكان العقد عليها في غيره، فليس لها ذلك إلا إذا كان البلد الذي تريد النقلة اليه قريباً. فإن كان بعيداً، فليس لها حق النقلة بالطفل إلا بإذن أبيه أو وليه، عند عدم الأب( ). أما إذا كانت الحاضنة غير الأم، كالأخت أو العمة أو الخالة، فانه لا يكون لها حق السفر بالمحضون مطلقا إلا بإذن وليه( ).
وهناك من الفقهاء، من ميز في هذا الخصوص بين سفر النقلة (السكنى) وبين سفر الحاجة. فإذا كان السفر للنقلة الى بلد بعيد، أخذ الولي المحضون من حاضنته. وإذا كان سفر النقلة الى بلد قريب، فإن الحضانة لا تسقط به لإمكان الولي الإشراف والتتبع لسير حضانة الطفل( ).
أما إذا كان السفر لحاجة كزيارة أو تجارة، فيرى بعضهم إنه لا تسقط الحضانة بهذا السفر، ويظل الطفل مع حاضنته( ). وذهب بعضهم الآخر الى ان المحضون في مثل هذه الحالة يبقى مع الولي المقيم ولا يحق للحاضنة أخذه معها، وذلك لإبعاده عن مخاطر السفر( ).
وقد إنقسم الفقهاء في بيان الأثر المترتب على عدم تقيد الحاضنة بمكان الحضانة، الى قسمين. فصرح قسم منهم( )، بان إنتقال الحاضنة بالمحضون الى مكان لا يجوز لها الإنتقال إليه، رغم معارضة الولي يسقط حقها في الحضانة. أما القسم الآخر من الفقهاء( )، فلم يبينوا بشكل واضح الأثر المترتب على مخالفة الحاضنة لمكان الحضانة. غاية ما قالوا هو وجوب بقاء الحاضنة في مكان الحضانة وعدم جواز إنتقالها بالصغير منه، وان للأب أو لغيره من الأولياء منعها من الإنتقال بالصغير الى مكان لا يجوز لها الإنتقال إليه.
لذلك فتحت هذه المسألة مجالا لإجتهادات قضاة المحاكم الشرعية، لا سيما في البلاد التي لم تنص قوانينها على حكم خاص بهذا الشأن، كالقانون المصري والقانون العراقي. ففي مصر ذهبت بعض المحاكم، الى ان إنتقال الحاضنة بالمحضون الى مكان لا يجوز لها الإنتقال إليه، لا يسقط حقها في الحضانة، بناء على ان الفقهاء لم يذكروا من بين شروط أهلية الحضانة إمساك الصغير في مكان الحضانة وعدم النقلة( ). في حين ذهب بعضها الآخر، الى ان إنتقال الحاضنة بالصغير يسقط حقها في الحضانة. لان النص على منع الحاضنة من الإنتقال بالصغير، يلزم منه سقوط حق الحاضنة في الحضانة، إذا انتقلت بالصغير من دون إذن( ).
أما بالنسبة للمشرع العراقي فانه كالعادة لم ينص على حكم هذه المسألة تاركاً إياها لأحكام الشريعة الإسلامية واجتهادات المحاكم. فقد قضت محكمة التمييز في هذا الخصوص بأنه: (للوالدة أخذ ولدها الذي في حضانتها الى المدينة التي يسكنها أهلها بعيداً عن مدينة والد الطفل الذي طلقها)( ). وفي قرار آخر لها جاء فيه: (ليس للحاضنة السفر بالمحضون الى بلد آخر لغرض الاستيطان بحيث يتعذر على أبي المحضون النظر في شؤونه وتربيته وتعليمه طبقاً للفقرة الرابعة من المادة 57 المعدلة من قانون الأحوال الشخصية ومبادىء الشريعة الأكثر ملاءمة لنصوص هذا القانون)( ).
وقد نص المشرع التونسي صراحة على سقوط حق الحاضنة في الحضانة إذا انتقلت بالمحضون الى بلد يصعب فيه على الولي القيام بواجباته نحوه. حيث جاء في الفصل (61) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية ما يلي: (إذا سافرت الحاضنة سفر نقلة لمسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظوره سقطت حضانتها). وهو ما نص عليه أيضاً المشرع المغربي في الفصل (107) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية، بقوله: (إذا استوطنت الحاضنة ببلدة أخرى يعسر فيها على أبي المحضون أو وليه مراقبة أحوال المحضون والقيام بواجباته سقطت حضانتها).
وإذا كان للولي الحق في منع الحاضنة من السفر بالمحضون، فانه هو أيضاً لا يملك السفر به الى أي بلد آخر ولو كان قريباً إلا بإذن حاضنته، حتى لا يفوت عليها حقها في الحضانة( ). ويرى فريق من الفقهاء ان الولي إذا أراد السفر الى بلد آخر لغرض الاستيطان، والبلد وطريقه آمنان، كان له أخذ المحضون من حاضنته، احتياطاً لحفظ النسب ولمراعاته في التعليم والصيانة( ).
وقد نص المشرع السوري في المادة (150) من قانون الأحوال الشخصية( ) ، على انه: (ليس للأب أن يسافر بالولد في مدة حضانته إلا بإذن حاضنته)( ). كما جاء في الفصل (62) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية( )، ما يلي: (يمنع الأب من إخراج الولد من بلد أمه الا برضاها ما دامت حضانتها قائمة وما لم تقتض مصلحة المحضون خلاف ذلك).

المبحث الثاني حقوق الولي ما بعد فترة الحضانة

يثبت للولي بعد إنتهاء فترة حضانة المولى عليه، الحق في ضم المولى إليه، وكذلك الحق في تزويجه إذا ما سنحت له فرصة الزواج، وهو ما يعرف بولاية التزويج. وفيما يلي بيان لكل من هذين الحقين في مطلب مستقل.

المطلب الأول حق الولي في ضم المولى إليه

إذا انتهت مدة حضانة النساء، سلم الولد ذكراً كان أم أنثى الى وليه العاصب، مع ملاحظة ان الأنثى لا تسلم الى عاصب غير محرم، لأنها تكون في سن تشتهى فيه وهي لا تحرم عليه فيكون في وجودها معه خطراً عليها. أما الذكر فلا خطر في ضمه الى العاصب غير المحرم، لان عدم المحرمية مع اتحاد الجنس لا يخاف منها الفتنة( ).
وتبدأ مرحلة الضم من حين إنتهاء حضانة النساء. وتعتبر هذه المسألة من أشد المسائل إثارة في الأوساط النسائية من جانب، ومن أكثرها جدلاً بين الفقهاء ورجال القانون من جانب آخر. وفيما يلي بيان لموقف الفقه ثم القانون من هذه المسألة البالغة الأهمية، مخصصين لكل منهما فرعا مستقلا، على النحو الآتي:

الفرع الأول موقف الفقه من حق الولي في الضم

لما كان الحد الفاصل بين إنتهاء حضانة النساء وحق الولي في ضم المحضون إليه أمراً إجتهادياً مبنياً على ما يغلب عليه الظن انه يحقق مصلحة المشمول بالولاية، وهذه المصلحة مما تختلف في تقديرها الأفهام، ويتفاوت فيها النظر، فقد إختلف الفقهاء في تحديد السن التي يضم فيها المحضون الى الولي.
حيث ميز الحنفية والإمامية والمالكية في هذا الصدد بين المحضون الذكر والمحضون الأنثى. فإذا كان المحضون ذكراً، ذهب الحنفية بأن حضانته تستمر حتى يستغني عن خدمة النساء، بأن يأكل وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده. وقدروا ذلك ببلوغه سن السابعة ، لان الغالب ان الغلام يستغني عن خدمة النساء في حاجاته الخاصة بعد هذه السن( ).
أما بالنسبة للأنثى، فحضانتها تنتهي حتى تبلغ مبلغ النساء، لأن الصغيرة بعد الإستغناء عن خدمة النساء تحتاج الى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أعرف، وبعد البلوغ تحتاج الى التحصين والحفظ والرجل على ذلك أقدر. وقدروا حد البلوغ بالنسبة للأنثى بتسع سنين، لأن أقل سن يجيء فيها الحيض للأنثى هي تسع سنين، وهو ما عليه الفتوى( ).
أما فقهاء الإمامية فالمشهور في مذهبهم، ان مدة حضانة الأم للذكر سنتان، وهي أقصى مدة الرضاعة، وبعدها يضم الى الأب إن كان موجوداً، فإن لم يكن موجوداً أو غير أهل للولاية بقي مع أمه، وكانت هي أحق به مطلقاً من جميع الأقارب الى أن يبلغ. أما الأنثى فمدة حضانة أمها لها تمتد الى سبع سنين، وفي قول غير مشهور ان حضانة الأم للذكر تمتد الى سبع سنين، وللأنثى الى تسع سنين( ).

ويلاحظ هنا إن سن الحضانة بالنسبة للأنثى يزيد على سن حضانة الذكر. وقد علل الفقهاء ذلك، بان الأنثى بعد بلوغها حد الإستغناء عن خدمة النساء، لا تزال بحاجة الى البقاء تحت إشرافهن من اجل تعلم آداب النساء والتخلق بأخلاقهن، والتدريب على مهام المرأة داخل البيت. فإن بلغت مبلغ النساء كانت في حاجة الى من يقوم بصيانتها والمحافظة عليها، والرجال على ذلك أقدر من النساء. أما بالنسبة للذكر، فإنه متى استغنى عن خدمة النساء، كان في حاجة الى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال، والأب أو غيره من الأولياء أقدر على ذلك من الحاضنة التي لو ترك الذكر في يدها بعد بلوغه حد الإستغناء، لتخلق بأخلاق النساء وتعود بشمائلهن، وفي هذا ضرر عليه( ).

ويرى المالكية ان المحضون الذكر يبقى لدى حاضنته حتى يبلغ، أما الأنثى فتبقى حتى تتزوج ويدخل بها الزوج( ). ولاشك ان هذا الرأي قد بالغ في مد أمد الحضانة ولا يحقق الأهداف والأغراض المقصودة من الضم، بخاصة ان المحضون بعد البلوغ تكون أكثر صفاته قد تجسمت وبرزت، وان فترة ما بعد البلوغ هي فترة مصاحبة ومصادقة، فإن إشتد الولي معه فقده، وإن تراخى معه ضيعه. وبالنسبة للأنثى فإنه يترتب عليه حرمانها من رعاية الولي لها من حيث صيانتها وحفظها وإرشادها( ).
أما بالنسبة لفقهاء الشافعية والحنابلة، فقد ساووا بين الذكر والأنثى في أمد الحضانة، فقدروها بسبع سنين، وبعد إنتهاء هذه المدة يخير الصغير بين البقاء لدى حاضنته أو إنتقاله الى وليه. وفي رواية عن الإمام احمد بن حنبل، انه يفرق بين الذكر والأنثى في التخيير، فيقول في الذكر انه إذا بلغ سبع سنين يخير بين البقاء مع الحاضنة أو إنتقاله الى الأب. أما في الأنثى، فانه يجب ضمها لأبيها بعد هذه السن( ). وقد استدل الشافعية والحنابلة على رأيهم هذا بما ورد في السنة النبوية الشريفة من: (إن النبي– صلى الله عليه وسلم- خير غلاماً بين أبيه وأمه. وفي رواية عن رافع بن سنان إنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي– صلى الله عليه وسلم- وقالت: ابنتي وهي فطيم، وقال رافع: إبنتي. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم– أقعد ناحية، وقال لها أقعدي ناحية، فأقعد الصبية بينهما ثم قال إدعواها فمالت الى أمها، فقال النبي– صلى الله عليه وسلم– اللهم إهدها فمالت الى أبيها فأخذها)( ).

وقد رد الفقهاء الذين لم يقولوا بالتخيير على ذلك، بأن الولد لو خير لإختار من يجد عنده الدعة والراحة وترك من يعني بتأديبه وتعليمه، وفي ذلك ضرر عليه. كذلك انه ورد في بعض أحاديث التخيير، ان النبي– صلى الله عليه وسلم– كان يدعو للولد بالهداية، ودعاء النبي– صلى الله عليه وسلم– مستجاب. لذا يرى هؤلاء الفقهاء بانه لا خيار لا للولي ولا للمولى عليه في الضم، بل يجبر المولى عليه على أن ينظم الى وليه العاصب، ويجبر العاصب على أن يضم الولد إليه، إذا ما انتهت مدة حضانته( ).
والحق إن ترك مثل هذا الأمر الخطير لإختيار الصغير فيه ضرر عليه، لأنه قاصر العقل، لا ينظر الى بعيد، فيميل الى من يجد عنده اللعب والراحة، وإتباع الصغير في هذا الميل لا يتحقق معه مقصود الشارع من النظر الى الصغير ورعاية شؤونه والأخذ بيده الى مراقي الصلاح.

ولابد من الإشارة هنا ، إلى إن الصغير إذا بلغ أقصى سن الحضانة وكان
مصاباً بالعته أو الجنون أو مريضاً بحيث لا يستطيع القيام بخدمة نفسه، فإنه يبقى لدى حاضنته حتى يستغني عن خدمة النساء( ). وان هذا الرأي كما يحقق مصلحة الصغير، فانه يتفق مع المعيار الذي وضعه الفقهاء لبداية مرحلة الضم، وهو الإستغناء عن خدمة النساء. فإذا كان المحضون في حالة لا يستغني فيها عن خدمة النساء، تكون مصلحته
في البقاء مع حاضنته الى أن يصل الى المرحلة التي يستغني فيها عن خدمة النساء.
وان تحديد الفقهاء المتأخرين لتلك المرحلة بسن معينة، مبنياً على ان الغالب في
هذه السن ان يستغني الصغير عن خدمة النساء، وهو بمثابة معيار مادي
لمنع النزاع والخلاف. فإذا جاوز الصغير هذه السن ولم يستطع القيام بخدمة نفسه، كان الواجب الرجوع الى المعيار الأصلي في ذلك، وهو الإستغناء عن خدمة النساء( ).

الفرع الثاني موقف القانون من حق الولي في الضم

نصت أكثر القوانين على إن الصغير إذا بلغ سن إنتهاء الحضانة، ضم الى الولي على النفس كقاعدة عامة، على انه يجوز إستثناءً أن تتجاوز الحضانة السن المقررة لها إذا اقتضت مصلحة الصغير ذلك.
فقد نصت المادة (20) من القانون المصري الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية( )، على ما يلي: (1- ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتي عشرة سنة، ويجوز للقاضي بعد هذه السن إبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج في يد الحاضنة من دون أجر حضانة، إذا تبين ان مصلحتهما تقتضي ذلك)( ).
إن هذا النص يكفل الرعاية الواجبة للصغار ويتيح لهم الاستقرار النفسي اللازم لسلامة نموهم وتربيتهم ويمنع الخلاف بين الأب والحاضنة على نزع الحضانة في سن دلت التجارب على إنها قد لا يستغني فيها الصغير والصغيرة عن الحضانة فيكونان في خطر من ضمهما الى غير النساء، خصوصاً إذا كان والدهما متزوجاً من غير أمهما( ).

ويكون للقاضي وفقاً لهذا النص، حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سن العاشرة والصغيرة بعد سن الثانية عشرة. فإن رأى ان مصلحتهما في بقائهما تحت حضانة النساء قضى بذلك حتى سن الخامسة عشرة في الصغير، وحتى الزواج بالنسبة للصغيرة. وان رأى ان مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما الى الولي( ).
وإن هذا النص المستحدث، وان كان قد بالغ في مد أمد الحضانة، أخذاً بمذهب الإمام مالك في هذا الخصوص، إلا انه لا يمنع الولي من ممارسة سلطاته في الولاية على المولى عليه ، وهو ما أكدته المذكرة الإيضاحية لهذا النص ، بقولها :(إن وجود الولد ذكراً كان أو أنثى في يد الحاضنة سواء قبل بلوغهما سن العاشرة أو الثانية عشرة أو بعدها لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما)( ).

كذلك أخذ المشرع المغربي برأي الإمام مالك في هذا الشأن، فنص في الفصل (102) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية( )، على ما يلي: (تمتد الحضانة حتى تدخل الأنثى ويبلغ الذكر). وما قيل في المادة (20) من القانون المصري( )، بخصوص المبالغة في أمد الحضانة، يقال هنا أيضاً، مع ملاحظة ان المشرع المصري، قد جعل مسألة تمديد الحضانة الى البلوغ بالنسبة للذكر، والى الزواج بالنسبة للأنثى، أمراً جوازياً يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع. في حين جعلها المشرع المغربي أمراً وجوبياً يتم بحكم القانون. وهذا يعني ان المشرع المصري قد أعطى للولي فرصة لممارسة حقه في الضم، إذا ما رأى القاضي إن مصلحة الصغير متحققة في هذا الضم، وإنه ليس بحاجة الى تمديد حضانته.

وقد نص المشرع السوري في المادة (146) من قانون الأحوال الشخصية( )، على انه: (تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام التاسعة من عمره والبنت الحادية عشرة). كما نص في المادة (147) من القانون نفسه، على إنه: (1. إذا كان الولي غير الأب فللقاضي وضع الولد ذكراً أو أنثى عند الأصلح من الأم أو الولي أو من يقوم مقامهما حتى تتزوج البنت أو تبلغ أو يبلغ الصبي سن الرشد).

كذلك نص المشرع الأردني في المادة (161) من قانون الأحوال الشخصية( )، على إنه: (تنتهي حضانة غير الأم من النساء للصغير إذا أتم التاسعة وللصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة). ونص في المادة (162) منه على إنه: (تمتد حضانة الأم التي حبست نفسها على تربية وحضانة أولادها الى بلوغهم). ويلاحظ على هذا النص إنه قد ميز بين الحاضنة الأم وغيرها من الحاضنات، فجعل حضانة الأم التي كرست نفسها على تربية أولادها تمتد الى البلوغ، أما غيرها من الحاضنات ، فتنتهي حضانتها للصغير إذا أتم التاسعة وللصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة، وذلك أخذاً بما ذهب إليه بعض الحنفية في هذا الخصوص( ).

أما بالنسبة للمشرع العراقي فقد نص في الفقرة الرابعة من المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية( ) ، على إنه: (للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه، حتى يتم العاشرة من العمر. وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير، حتى إكماله الخامسة عشرة، إذا ثبت لها بعد الرجوع الى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية، ان مصلحة الصغير تقضي بذلك) ( ). كما نص في الفقرة الخامسة من المادة نفسها، على إنه: (إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الإختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه، أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر، إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الإختيار)( ).

ويمكن أن نثبت ملاحظتين على ما جاءت به المادة (57) بهذا الخصوص:
الملاحظة الأولى- لقد أخذ المشرع العراقي برأي بعض الفقهاء ، فساوى بين الصغير والصغيرة ، وجعل مدة الحضانة لكل منهما عشر سنوات ، رغم الإختلاف الموجود بين مدة حضانة الأنثى ومدة حضانة الذكر( ).

الملاحظة الثانية – وتخص الفقرة الخامسة من المادة (57) آنفة الذكر، حيث أعطى المشرع العراقي للمحضون الذي أتم الخامسة عشرة من العمر حق الإختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة، وعندئذ له أن يستقل في إقامته حيث شاء. ومما لا شك فيه إن هذه الفقرة تهون من دور الولي وحقه في ضم المولى اليه إذا ما انتهت مدة حضانته، لا سيما وان المولى بعد فترة الحضانة يكون بأمس الحاجة الى كنف وليه لتربيته وتقويمه وغرس روح الجد والمثابرة في نفسه وتعويده على مشاق الحياة وخشونتها من حيث الدرس والسلوك ونحو ذلك.

وبهذا الصدد يقول أستاذ الشريعة الإسلامية- د.أحمد الكبيسي في معرض إنتقاده للمادة (57): (ان ولداً في سن المراهقة والإنفلات إذا خير بين أبيه وبين غيره، سوف يختار هذا الغير لانه يعلم بالفطرة إن أباه سيقسو عليه في سبيل الدراسة أو التربية أو السلوك. وحينئذ كيف تتوقع من مراهق ان يختار الأب وهو على هذه الصرامة والمسؤولية ويعزف عن جانب أمه أو عمه أو خاله وهم على جانب من روح التدليل وتحقيق الرغبات خيرها وشرها. ثم ماذا تتوقع من إنسان قضى خمسة عشر عاما مع أمه ثم قضى ثلاثة أعوام أخرى مع جده أو خاله أو خالته، ثم استقل بالحياة عن هؤلاء جميعاً. ماذا تتوقع من إنسان كهذا لم ينعم بصحبة أبيه ليتعلم ولم يحض بقسوته القدسية ليتأدب ، ولم يتذوق رحيق الأبوة ليتأصل ، وبالتالي فهو لم يعرف كيف يكون إحترام الأبناء للآباء ، ولا كيف تكون تربية الآباء للأبناء. فماذا يمكن لولد كهذا أن يعطي إذا أصبح زوجاً ، وماذا يمكن له أن يضحي إذا صار أباً ، وماذا يمكن له أن يقدم لأهله ووطنه وأمته…. )( ).

بناءً على ما تقدم نرى الأخذ بما جاء به المشرع المصري في المادة (20) من القانون الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية( ) ، من حيث إنتهاء مدة الحضانة ومن حيث تمديد الحضانة. مع إعطاء الولي الحق في ضم المولى اليه بعد إنتهاء مدة حضانته الأصلية أو الإضافية ، من دون أن يكون للمولى عليه الخيار في الإنضمام الى وليه أم لا. وهو ما كان عليه العمل قبل التعديل الثاني لقانون الأحوال الشخصية( ). على أن يراعى قبل الحكم بمد الحضانة، أو الحكم للولي بالضم، ظروف كل من الحاضنة والولي طالب الضم وانعكاس ذلك على مصلحة المولى عليه من الناحية الصحية والإجتماعية والثقافية وغير ذلك من العوامل التي تؤثر في نشأة الفرد.

المطلب الثاني حق الولي في تزويج المولى عليه (ولاية التزويج)

يتضمن هذا المطلب فرعين إثنين ، نتناول في الأول منهما ، أنواع ولاية التزويج. ونبين في الثاني ، أحكام تزويج الأولياء وموقف القانون من ذلك. على النحو الآتي:

الفرع الأول أنواع ولاية التزويج

تتنوع ولاية التزويج الى نوعين: ولاية جبرية ، وهي التي تخول صاحبها الإستقلال بإنشاء عقد الزواج من دون أن يكون للمولى عليه دخل فيه ، ولذا سماها بعض الفقهاء ،
ولاية إستبدادية ، لإستبداد الولي فيها بإنشاء العقد من دون مشاركة من المولى عليه.
وولاية إختيارية ، وهي التي تخول الولي تزويج المولى عليه بناء على إختياره
ورغبته فلا يستقل بالعقد ، لذا يسميها بعض الفقهاء بولاية الشركة ، أو كما يسميها بعضهم الآخر ولاية ندب واستحباب. ولكل من الولايتين أحكام تخالف الأخرى ،سواء من حيث الأشخاص الذين تثبت عليهم الولاية، أو الأشخاص الذين تثبت لهم الولاية ، لذا سنتناول
كلاً من هاتين الولايتين على حده.

أولاً- الولاية الإجبارية

وسنبين فيها على من تثبت هذه الولاية ولمن تثبت ، على النحو الآتي:

1- على من تثبت الولاية الإجبارية:
إختلف الفقهاء فيمن تثبت عليه ولاية الإجبار ، فتثبت هذه الولاية عند الشافعية والمالكية وكذلك الحنابلة في رواية عندهم ، وقسم من فقهاء الإمامية على الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة وعلى البكر الكبيرة( ).

وقال الحنفية ، والقسم الآخر من الإمامية ، وكذلك الحنابلة في الرواية الأخرى عندهم ، بثبوت ولاية الإجبار على الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ، أما البالغة العاقلة فلا تثبت عليها ولاية الإجبار بكراً كانت أو ثيباً( ).
وسبب إختلاف الفقهاء في ذلك ، هو إختلافهم في المناط الذي يدور عليه الإجبار.

حيث يرى المالكية والشافعية والحنابله ، ان المناط هو البكارة في الأنثى ، والصغر في الذكر ، والجنون فيهما. فإذا تحقق هذا المناط في الشخص المولى عليه ثبت لوليه ولاية الإجبار عليه. فيملك الولي تزويج المجنون والمجنونة جبراً عليهما ، سواء في ذلك ان يكونا كبيرين أو صغيرين. وكذلك البكر العاقلة ، يزوجها وليها من دون توقف على رضاها وإختيارها سواء كانت صغيرة أم كبيرة. وذلك لان البكر لا تعرف مصالح النكاح ، وادراك التفاوت بين الأزواج وفهم الرجال. فكانت البكارة عند هذا الفريق من الفقهاء علة الولاية تدور معها وجوداً وعدماً ، فحيثما كانت البكارة ولو بعد البلوغ فالولاية باقية. وان زالت البكارة قبل البلوغ زالت الولاية ، فإن تزوجت البكر قبل البلوغ ، ودخل بها ، ثم فرق بينهما لا يصح زواجها ثانياً حتى تبلغ ، وتشترك مع وليها في إختيار زوجها ، حيث تكون الولاية عليها إختيارية( ).

أما الحنفية ومن وافقهم فقالوا، إن علة الإجبار هي الصغر وما في معناه ، ولا دخل للبكارة أو الثيوبة في ذلك. فالبكر البالغة لا تثبت عليها الولاية لإنتفاء الصغر الذي هو مناط ثبوت الولاية، والثيب الصغيرة تثبت عليها الولاية لتحقق مناط ثبوتها وهو الصغر( ). وقد استدلوا بما ورد عن الرسول الكريم- محمد- صلى الله عليه وسلم- من أحاديث ، منها ما جاء في رواية أبي داود عن ابن عباس- رضي الله عنهما- ان رسول الله –صلىالله عليه وسلم- قال: (لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر إلا بإذنها). وفي بعض الروايات ان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: (تستأمر النساء في ابضاعهن، فقالت عائشة- رضي الله عنها- ان البكر تستحي يا رسول الله ، فقال-صلى الله عليه وسلم-: إذنها صماتها). وفي رواية أخرى: (سكوتها رضاها)( ). فهذه الأحاديث تدل على إنها في الكبيرة ، لان الصغيرة لا أمر لها ولا إذن.

ويجب ان نشير هنا الى رأي بعض الفقهاء ، الذي كان له أثر في بعض قوانين الأسرة في البلاد العربية. حيث قالوا ان ولاية الإجبار تكون على المجانين والمعاتيه فقط ، ولا تكون على الصغار قط ، فليست هناك ولاية زواج على الصغير ، لان الصغر يتنافى مع مقتضيات عقد الزواج إذ هو عقد لا تظهر آثاره إلا بعد البلوغ ، فلا حاجة اليه قبله( ).
على ان جمهور الفقهاء أجازوا– كما رأينا– تزويج الصغار بولاية أوليائهم ، مستدلين على ذلك بقوله- تعالى- في بيان العدة: (واللائي لم يحضن)( ). فدلت الآية الكريمة على صحة الزواج، إذ لا عدة الا من فرقة في زواج صحيح. كذلك استفاضت الأخبار الصحاح بجواز زواج الصغار. فالنبي- صلى الله عليه وسلم– تزوج عائشة– رضي الله عنها– وهي بنت ست سنوات، ودخل بها وهي بنت تسع سنوات( ). كما أضافوا الى هذه الأدلة، بأن الحاجة الى النكاح ثابتة في الصغر، لأن الكفء لا يتوافر في كل وقت، وعساه يتوافر في الصغر، ويفوت بعد البلوغ، فكانت المصلحة داعية لإثباته في الصغر( ).

2- لمن تثبت الولاية الإجبارية:
يختلف مدى الإجبار من حيث الولي المجبر بإختلاف المذاهب الفقهية. فالإمامية والشافعية يثبتونها للأب والجد لوفور شفقتهما، واضافوا الحاكم إليهما في ثبوت الولاية الجبرية على المجانين والمعاتيه. على ان الإمامية قد جعلوا الأب والجد في مستوى واحد في حق الولاية، فمن سبق تصرفه تصرف الآخر كان التصرف السابق هو النافذ، ولو كان تصرف الجد، في حين يلي الجد عند الشافعية الأب في حق الولاية( ).
والمالكية والحنابلة في المشهور عندهم يثبتونها للأب ووصيه، لأن الوصي قائم مقام الأب، وهو نائب عنه. فكما ان الوكيل نائبه في الحياة ، فكذلك الوصي نائبه بعد الوفاة( ). وقد إشترط الحنابلة في الوصاية بالزواج أن يكون الأب قد نص على الزوج، وإن هذا التخصيص معناه، إن عمل الوصي هو امتداد لإرادة الأب، وبذلك يعد الأب كإنه هو الذي زوج( ).
ويعتبر الحنفية من أوسع المذاهب في مدى ولاية الإجبار، حيث تثبت عندهم للعصبات جميعا،ً ولبقية الأقارب غير العصبة ، عند أبي حنيفة –رحمه الله- على نحو ما بيناه عند كلامنا عن تحديد الأولياء( ).
وقد قصر ابن حزم الظاهري ولاية الإجبار على الأب وحده، ونفاها عن غيره إطلاقاً. لأن الآثار الواردة في ذلك كانت في زواج الأب لإبنته، ولأنه وحده الموفور الشفقة، والذي يراعي المصلحة ويقدرها( ).

ثانياً- الولاية الإختيارية.

ونتبع هنا ما إتبعناه في الولاية الإجبارية. فنبين على من تثبت الولاية الإختيارية ولمن تثبت. على النحو الآتي:

1- على من تثبت الولاية الإختيارية:
تثبت هذه الولاية على المرأة البالغة العاقلة. وهذا القدر متفق عليه بين الفقهاء، ولكنهم إختلفوا فيما وراء ذلك. فالحنفية وبعض الإمامية لا يشترطون في هذه الولاية شيئاً، فهي تثبت عندهم على المرأة البالغة العاقلة بكراً كانت أو ثيبا، ويوافقهم الحنابلة في إحدى الروايتين عندهم( ). أما الشافعية فيشترطون فيها الثيابة، فإن كانت المرأة بكراً فالولاية عليها إجبارية. وهي رواية عند الحنابلة ويوافقهم كذلك الإمامية والمالكية في القول المشهور عندهم( ).

وقد ذهب الحنفية وقسم من فقهاء الإمامية الى ان للمرأة البالغة العاقلة حق تزويج نفسها من دون إذن وليها. فلها ان تنشىء العقد بعبارتها ويعتبر العقد صحيحاً، ولكن من المستحب أن يتولى العقد وليها( ). وقد استدل الحنفية على جواز عقد المرأة البالغة العاقلة لنفسها، بأن القرآن الكريم، اسند النكاح الى المرأة في أكثر من آية، كقوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)( ). وقوله تعالى: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)( ). كما استدلوا على ذلك بما روي عن الرسول– محمد– صلى الله عليه وسلم– قوله: (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها)( ). كذلك قالوا بالقياس على سائر العقود والتصرفات، بأن المرأة العاقلة البالغة تملك حق التصرف في جميع العقود والتصرفات المالية من دون حاجة الى إذن وليها، فأولى أن يكون لها الإستقلال بتزويج نفسها، وهو حق خالص لها( ).

في حين ذهب جمهور الفقهاء الى عدم جواز إنفراد المرأة بزواجها من دون الولي ، وقد استدلوا على رأيهم هذا ، بأن القرآن الكريم ، أضاف العقد الى الأولياء لا الى المرأة بقوله تعالى: (وإنكحوا الأيامى منكم)( ). وقوله تعالى: (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن)( ). فهذه الآية دليل على اعتبار الولي في النكاح ، وانه هو الذي يتولى عقده لموليته ، ولو كان الحق لها في عقد النكاح لنفسها لما كان لعضله معنى. كما استدلوا بقوله- صلى الله عليه وسلم-: (لا نكاح إلا بولي)( ) ، وبما روي عن السيدة عائشة- رضي الله عنها- ان النبي– صلى الله عليه وسلم- قال: (أيما إمرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما أصاب منها ، فإن اشتـجروا فالسلطان ولي من لا ولـي له)( ). كذلك اضافوا الى هذه الادلة ، بان عقد الزواج ، عقد له خطره وهو يختلف عن غيره من العقود فلا يصح قياسه عليها ، لان التصرفات المالية مناطها الخبرة وخطرها بالنسبة للزواج قليل ولان التخلص من آثارها سهل ، والغبن فيها لا يؤثر في سير الحياة واتجاهها ، وليس هناك ناحية إستهواء يضل فيها الفكر ، كالشأن في علاقة النساء بالرجال( ).

ولا يسعنا هنا الخوض في حجج الفقهاء وردودهم ، لذا نترك الكلام عنها الى الكتب الفقهية في هذا الخصوص( ). وكل ما يمكن قوله هنا ، ان الزواج ليس حق المرأة البالغة وحدها حتى تنفرد به ، كما انه ليس حق الولي وحده حتى يستبد به ، بل هو علاقات وروابط تنشأ بين أسرتين ، وتتوثق بين عائلتين ، ومن وراء ذلك يكون الاختلاط ويتم الاندماج. وأمر هذا شأنه عجيب ألا يشارك فيه الأولياء وهم من أصحابه ، وأعجب منه ان يتم دبر آذانهم ورغم أنوفهم. كذلك ان للمرأة به حق ، وهو بها ألصق ، فهي التي ستعيش في كنف زوجها وتربط حياتها بحياته ، فلا بد من أخذ رأيها فيه ، ولابد من إجتماع إرادة المرأة وإرادة أوليائها على إختيار الزوج الذي سيكون لها ولهم ، ومنها ومنهم( ).

2- لمن تثبت الولاية الإختيارية:
سبق ان بيّنا عند كلامنا عن تحديد الأولياء على النفس ، ان الحنفية ، لا يفرقون بين ولي مجبر وولي غير مجبر ، بل الولاية عندهم تثبت لمن تثبت لهم من غير تفرقة بين ولاية إجبارية وولاية إختيارية. كما سبق ان ذكرنا في المكان نفسه ، ان غير الحنفية ، يفرقون بين الولي الذي له ولاية الإجبار ، والولي الذي له ولاية الحفظ والصيانة وولاية الإختيار في الزواج. لذا نحيل الكلام في هذا الموضوع هنا الى ما ذكرناه هناك( ).

الفرع الثاني أحكام تزويج الأولياء وموقف القانون من ذلك

سنتناول في هذا الفرع أحكام تزويج الأولياء أولاً ، ثم نبين موقف القانون من هذا التزويج ثانياً. على النحو الآتي:

أولاً- أحكام تزويج الأولياء.

عرفنا ان الولاية شرعت للنظر في مصالح المولى عليه ، وإن الشارع قد أثبت هذه الولاية في الأصل للأقارب نظراً للشفقة الباعثة على رعاية مصالح ذويهم. ولما كان عنصرا الشفقة والحرص على المصلحة يختلفان من ولي الى آخر حسب درجة قرابته من المولى عليه وتبعاً لتفاوت رأي الولي كمالاً وقصوراً ، فقد إختلفت أحكام الزواج تبعاً لإختلاف الولي الذي تولاه. فقد يكون لازماً ، وقد يكون غير لازم، كما قد يكون غير صحيح أحياناً. لهذا قسم الفقهاء الأولياء في هذا الخصوص الى قسمين:

الأول: الأب والجد والإبن ، وهم بصورة عامة الأصول والفروع.

والثاني: من عداهم ، الأخ والعم وغيرهم من الأقارب ولو كانت الأم.

فإن كان الولي من النوع الأول ، ولم يعرف بسوء الإختيار ، إنعقد عقده صحيحاً نافذاً لازماً لا يثبت معه خيار فسخ للمولى عليه عند زوال سبب الولاية عليه. فلا خيار بلوغ بالنسبة للصغير ، ولا يثبت خيار إفاقة بالنسبة للمجنون ، سواء كان الزواج من كفء وبمهر المثل أم لم يكن. وذلك لان وفور شفقة هؤلاء الأولياء وعدم اشتهارهم بما يتنافى مع حسن الرأي ، ورعاية المصلحة ، جعل تزويجهم غير مقيد بأي قيد( ).

أما إذا كان الولي من النوع الأول معروفاً قبل العقد بسوء الإختيار مجانة وفسقاً ، فإن زوج بالكفء والمهر المناسب لزم العقد ، وان كان بغيرهما لم يصح العقد ، وقيل انه صحيح غير لازم. وهناك من ذهب الى ان العقد في هذه الحالة يكون موقوفاً على إجازة المولى عليه بعد تحقق أهليته سواء كان بالكفء ومهر المثل أو بغيرهما( ).

وان كان الولي المزوج من النوع الثاني ، كالأخ أو العم ، فإن الزواج لا يصح الا بكفء وبمهر المثل. ذلك لان نقص الشفقة في هؤلاء إقتضى التقيد بالمصلحة الظاهرة ولو كان المزوج الأم ، لأنها وان كانت موفورة الشفقة الى أقصى حد ، فإن تدبيرها غير كامل. فإذا كان الزواج من كفء وبمهر المثل ، كان صحيحاً نافذاً ، لكنه غير لازم، فللمولى عليه الخيار في إمضاء هذا العقد أو فسخه متى زال عنه سبب الولاية عليه. وهناك من يرى بأنه لو زوج الصغيرة غير الأب والجد وقف على رضاها عند البلوغ ، وكذا الصغير( ).
وقبل ان ننتقل الى بيان موقف القانون من تزويج الأولياء ، لابد من الإشارة الى مسألة إنتقال الولاية. فكما هو معروف ان ولاية الزواج تثبت للولي الأقرب فالأقرب ، فليس للبعيد مع وجود القريب صلاحية عقد العقد ، فإن فعل كان موقوفاً على إجازة الولي القريب. ولكن قد يوجد ما ينقل هذه الولاية من الولي القريب الى الولي البعيد ، كما لو غاب الولي القريب غيبة يخشى منها فوات الكفء إذا انتظر حضوره. فقد قال الفقهاء ، بإنتقال الولاية في مثل هذه الحالة الى من يليه في المرتبة من الأولياء ، ويكون عقده نافذاً ، وليس للولي الغائب إذا عاد بعد ذلك الحق في الإعتراض ، لأن ولاية التزويج صارت حقاً لمن يليه ، وأعتبر الغائب كالمعدوم( ).

كذلك إذا عضل الولي القريب من تحت ولايته عن الزواج من الكفء وبمهر المثل دونما سبباً معقول ، إنتقلت الولاية عنه الى الولي الأبعد ، وهو القاضي دون غيره، وذلك لان العضل مادام بغير حق ، فهو ظلم يجب رفعه. والقاضي دون غيره ، هو المكلف برفع المظالم عن الناس( ).
ويجدر التنبيه هنا، الى ان ولاية القاضي التي يتولاها باعتباره ولي الزواج ومرتبته آخر المراتب يثبت فيها خيار البلوغ أو الإفاقة. أما ما يتولاه القاضي من عقود رفعاً لظلم إمتناع الولي عن التزويج من غير مبرر شرعي، فهنا تتبع قوة ولايته ولاية الولي العاضل. فإن كان الممتنع الأب أو الجد أو الإبن لم يكن للمولى الفسخ عند زوال سبب الولاية عليه ، وان كان العاضل غير هؤلاء فللمولى الفسخ بخيار البلوغ أو الإفاقة( ).

ثانياً- موقف القانون من تزويج الأولياء.

بالنظر لخطورة الزواج لسريان آثاره على الإنسان مدى الحياة وعلى أولاده ، ومدى تبعاته الجسام. فقد قيدت أغلب قوانين الأحوال الشخصية الزواج بسن معينة. ففي مصر ، صدر سنة 1923 قانون تحديد سن الزواج ذي الرقم 56، الذي يقضي بمنع الموثقين من توثيق عقد الزواج إذا ثبت لديهم إن سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة ، أو إن سن الزوج تقل عن ثمان عشرة سنة ، كما منع القضاة من سماع دعوى الزوجية وما يتعلق بها إذا كانت سن الزوجين أو أحدهما وقت انشاء العقد دون هذه السن المحددة. ثم عدل هذا القانون سنة 1931، بأن قصر المنع من سماع الدعوى على حالة ما إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة أو سن الزوج تقل عن ثمان عشرة سنة وقت التقاضي، وذلك تيسيراً على الناس وصيانة للحقوق واحتراماً لآثار الزوجية( ).
وتناول المشرع السوري ، موضوع الولاية في الزواج وما يتعلق بها في الفصل الثاني والثالث والرابع من قانون الأحوال الشخصية. حيث نص في المادة (15) منه على إن: (للقاضي الإذن بزواج المجنون أو المعتوه إذا ثبت بتقرير هيئة من أطباء الأمراض العقلية ان زواجه يفيد في شفائه). ونص في المادة (18) على إنه: (1-إذا إدعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما وإحتمال جسميهما. 2- إذا كان الولي هو الأب أو الجد أشترطت موافقته). كما نص في المادة (20) على إن: (الكبيرة التي أتمت السابعة عشرة إذا أرادت الزواج يطلب القاضي من وليها بيان رأيه خلال مدة يحددها له فإذا لم يعترض أو كان إعتراضه غير جدير بالإعتبار يإذن القاضي بزواجها بشرط الكفاءة). وجاء في المادة (27): (إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤا لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح) ( ).

يتضح من هذه النصوص المتقدمة ، ان القانون السوري يشترط في زواج المولى عليه ان كان مجنوناً أو معتوهاً الحصول على إذن القاضي لتقدير ضرورة إجراء مثل هذا العقد ، على إن يكون إذن القاضي مقيدا برأي فني من هيئة أطباء مختصين يقررون فيما إذا كان في زواج هذا المريض عقلياً فائدة في شفائه أم لا.

أما إذا كان المولى عليه مراهقاً قد أكمل الخامسة عشرة من العمر ، وبالنسبة للمراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة من العمر ، فقد إشترط القانون في هذا الزواج إذن القاضي أيضاً ، وللحصول على هذا الإذن لابد من تحقق أمرين: الأول ، ان يتحقق القاضي من البلوغ وان الحالة الصحية والجسمية بطالبي الزواج تسمح بذلك. والثاني ، موافقة الولي إن كان أباً أو جداً.
فإذا أكمل المراهق تمام الثامنة عشرة من العمر أصبحت له الأهلية الكاملة للزواج. وبالنسبة للفتاة إذا أتمت السابعة عشرة من العمر ورغبت في الزواج أن تطلب من القاضي الإذن لها بذلك ، وعلى القاضي في هذه الحالة أن يطلب من وليها بيان رأيه خلال مدة يحددها له ، فإذا إنقضت المدة ولم يعترض الولي خلالها أو كان إعتراضه لا يستند الى مبرر شرعي معقول أجرى عقد الزواج ، على إن يتوافر في الزواج شرط الكفاءة( ).

ومع ذلك فقد أجازت المادة (27) الآنفة الذكر للفتاة الكبيرة ان تزوج نفسها من غير موافقة الولي، ولكن العقد لا يكون لازماً في هذه الحالة إلا إذا كان الزوج كفؤاً، فإن لم يكن الزوج كذلك، كان لولي الفتاة طلب فسخ النكاح( ).

وقد سار المشرع الأردني على منوال نظيره السوري فيما يتعلق بتزويج المولى عليه للجنون أو العته ، فإشترط الحصول على إذن القاضي لإجراء مثل هذا العقد ، إذا ثبت بتقرير طبي ان في زواجه مصلحة له. وهو ما نصت عليه المادة (8) من قانون الأحوال الشخصية الأردني بقولها: (للقاضي ان يأذن بزواج من به جنون أو عته إذا ثبت بتقرير طبي عن في زواجه مصلحة له).
كذلك منع المشرع الأردني زواج الصغير أو الصغيرة ، حيث إشترط في أهلية الزواج ان يكون كل من الزوجين بالغين عاقلين ، فنص في المادة (5) من قانون الأحوال الشخصية على إنه: (يشترط في أهلية الزواج ان يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وان يتم الخاطب السادسة عشرة وان تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر)( ).

كما إشترط المشرع الأردني في تزويج البكر التي أتمت الخامسة عشرة من عمرها رضا وليها ، فإن إمتنع الولي من غير الأب أو الجد من تزويجها بلا سبب مشروع أعتبر عاضلاً ، وللقاضي حينئذ أن يتولى العقد رفعاً للظلم. أما إذا كان العضل من قبل الأب أو الجد فلا ينظر في طلب الزواج إلا إذا كانت المولى عليها قد أتمت الثامنة عشرة من العمر وكان العضل بلا سبب مشروع. وعلى ذلك نصت المادة (6) من قانون الأحوال الشخصية الأردني بقولها: (أ- للقاضي عند الطلب حق تزويج البكر التي أتمت الخامسة عشرة من عمرها من الكفوء في حال عضل الولي غير الأب أو الجد من الأولياء بلا سبب مشروع. ب- أما إذا كان عضلها من قبل الأب أو الجد فلا ينظر في طلبها إلا إذا كانت أتمت ثمانية عشر عاماً وكان العضل بلا سبب مشروع).

وقد أجازت المادة (13) من قانون الأحوال الشخصية الأردني للمرأة العاقلة المتجاوزة من العمر ثمانية عشر عاماً ، تزويج نفسها من غير رضا وليها ، إذا كانت ثيباً. أما إذا كانت بكراً فقد أجازت المادة (22) من القانون نفسه للمرأة العاقلة البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً ، تزويج نفسها دون حاجة الى إذن وليها، ولكن بشرط الكفاءة في العقد. فإن زوجت نفسها من غير كفء ، كان لوليها طلب فسخ النكاح( ). وقد قيد القانون طلب الفسخ بعدم حمل الزوجة ، فإن حملت فلا مجال لطلب الفسخ حفاظاً على الولد. حيث جاء في المادة (23) من قانون الأحوال الشخصية الأردني، ما نصه: (للقاضي عند الطلب فسخ الزواج بسبب عدم كفاءة الزوج ما لم تحمل الزوجة من فراشه أما بعد الحمل فلا يفسخ الزواج).

أما بالنسبة للقانون التونسي ، فقد إشترط في زواج من لم يبلغ سن الرشد القانوني( )، سواء كان ذكراً أم أنثى الحصول على موافقة الولي، فإن إمتنع الولي عن هذه الموافقة لزم رفع الأمر الى القاضي( ). فإن بلغ المولى عليه تمام العشرين سنة فلا تكون ثمة ولاية تزويج عليه، وله أن يتولى زواجه بنفسه ، وهو ما أشار إليه الفصل (9) من مجلة الأحوال الشخصية التونسية( ).
ويلتقي القانون المغربي في بعض وجوهه مع القانون التونسي، فلا زواج قبل الخامسة عشرة للفتاة ، والثامنة عشرة للفتى. وبعد بلوغ هذه السن تكون الولاية للولي، ذكراً كان المولى عليه أم أنثى، حتى يبلغ الرشد ، فإن إمتنع الولي عن التزويج رفع الأمر الى القاضي. وبعد بلوغ الرشد تكون للفتى ولاية تزويج نفسه، وتكون الولاية الإختيارية على الفتاة. وقد نصت على ذلك المواد (8-12) من مدونة الأحوال الشخصية المغربية، حيث جاء في الفصل (8) منها ما نصه: (تكمل أهلية النكاح في الفتى بتمام الثامنة عشرة فإن خيف العنت رفع الأمر الى القاضي وفي الفتاة بتمام الخامسة عشرة من العمر). وجاء في الفصل الذي يليه ما يأتي: (الزواج دون سن الرشد القانوني متوقف على موافقة الولي فإن إمتنع عن الموافقة وتمسك كل برغبته رفع الأمر الى القاضي)( ). ونص الفصل (12/4) من المدونة على إنه: (لا يسوغ للولي ولو أباً أن يجبر إبنته البالغ ولو بكراً على النكاح إلا بإذنها ورضاها). وقد تعرض المشرع المغربي للكفاءة في الزواج فنص في الفصل (14) من المدونة على إن:

  • (أ- الكفاءة المشترطة في لزوم الزواج حق خاص بالمرأة والولي.
  • ب- الكفاءة تراعى حين العقد ويرجع في تفسيرها الى العرف).

والملاحظ على هذا النص، ان الكفاءة تثبت بالإشتراط، وأثرها أن تجعل العقد غير لازم بالنسبة للزوجة والولي إن تخلفت. وتفيد الفقرة الثانية منه، إن العبرة في الكفاءة بالعرف السائد في البلد.
ويتفق قانوننا للأحوال الشخصية مع الإتجاه العام لأكثر تشريعات الدول العربية، برفع سن الزواج، نظراً لما يتطلبه هذا العقد من إستعداد وأهلية. فنص المشرع العراقي في المادة (7) من قانون الأحوال الشخصية( )، على إنه: (1- يشترط في تمام أهلية الزواج العقل وإكمال الثامنة عشرة). وبموجب هذا النص لابد لمريد الزواج أن يكون قد أتم الثامنة عشرة من العمر، فإن أتم هذه السن غير مصاب بعاهة عقلية، كان له مباشرة عقد زواجه بنفسه وان كان أنثى، أخذاً بما ذهب إليه الحنفية ، من إعتبار الفتاة البالغة العاقلة كاملة الأهلية بتزويج نفسها( ).

ومع هذا فقد أجاز المشرع العراقي لمن أكمل الخامسة عشرة من العمر طلب الزواج، وللقاضي أن يجيبه الى ذلك بشرطين: 1- أن يتحقق القاضي من البلوغ وإن الحالة الصحية والبدنية لطالب الزواج تسمح بذلك. 2- موافقة الولي الشرعي، فإذا إمتنع الولي طلب إليه القاضي الموافقة خلال مدة يحددها له، فإن لم يعترض خلال هذه المدة، أو كان إعتراضه غير جدير بالإعتبار، اذن القاضي بإجراء العقد( ).

أما بالنسبة لزواج المولى عليه بسبب المرض العقلي فقد أجاز المشرع العراقي للقاضي ان يأذن له بالزواج إذا توافرت الشروط الثلاثة الآتية: الأول – أن يثبت بتقرير طبي إن زواجه لا يضر بالمجتمع( ). والثاني – أن يكون الزواج في مصلحة المصاب عقلياً، فإن كان فيه ضرر عليه، كإن تعتل صحته أو تستغل ثروته فلا يؤذن له بالزواج. والثالث– أن يكون الطرف الآخر عالماً بحالة المصاب موافقاً على الزواج منه موافقة صريحة( ).

وجدير بالذكر إن الشروط المذكورة في جميع قوانين الأحوال الشخصية العربية، وبضمنها القانون العراقي، هي شروط تنظيمية وليست شروطاً لإنعقاد الزواج، لأن الشريعة الإسلامية أجازت زواج الصغير والصغيرة إذا توافرت شروطه، وتلك القوانين لم تخالف هذه الشريعة الغراء، غير إنه في بعض الحالات إذا تخلف شرط السن يجوز لمن عمره دون السن المشترطة حق فسخ العقد( ).
وقد سار القضاء في العراق على ما هو سائد في الفقه الإسلامي في هذا الخصوص، حيث قضت محكمة التمييز بأن: (الفقه الإسلامي أقر صحة عقد النكاح الجاري من الولي الإجباري للبنت القاصرة ولم يكن نص صريح في قانون الأحوال الشخصية يمنع ذلك)( ). كذلك قضت بأنه: (إذا زوج الأب إبنته الصغيرة صح الزواج ونفذ ولزم وليس للزوجة خيار الفسخ عند البلوغ)( ). أما إذا كان المزوج غير الأب، فقد قضت محكمة التمييز بأنه: (إذا زوج الصغيرة الولي غير الأب فلها أن تختار نفسها عند البلوغ)( ).
ويسقط خيار البلوغ أو الإفاقة بالنسبة للمرأة الثيب والرجل، بكل ما يدل على الرضا بالزواج من قول أو فعل بعد البلوغ أو الإفاقة، كطلب الزفاف أو تسلم النفقة. أما البكر فإن كانت تعلم بالزواج وسكتت ولم تطلب الفسخ فور بلوغها أو إفاقتها، كان ذلك دلالة على رضاها بالزواج وليس لها بعد ذلك خيار. أما إذا كانت لا تعلم بالزواج فإن إختيارها لا يبطل ما دامت لا تعلم فإن علمت بعد ذلك وسكتت فور علمها سقط حقها( ).

وقد قضت محكمة التمييز في هذا الخصوص، بأن: (الدخول واستمرار الحياة الزوجية مدة أكثر من سنتين يعتبر موافقة من الزوجة على عقد الزواج وإسقاط لخيارها بالتفريق بموجب الفقرة 3 من المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية)( ).