بحث قانوني و دراسة عن الاهلية القانونية في التشريع الجزائري

الأهلية في اللغة هي الصلاحية والجدارة والكفاية لأمر من الأمور، فالأهلية للأمر هي الصلاحية له، ومنه قوله تعالى في حق المؤمنين

“وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها”( ).
وأيضا قوله تعالى:
“هو أهل التقوى وأهل المغفرة”( ).

وفي الاصطلاح، هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شانها إن تكسبه حقا، أو تحمله التزاما على وجه يعتد به قانونا( )، وهو تعريف مركب يدل على إن الأهلية نوعان:

أهلية وجوب ، وينطبق عليها الشق الأول من التعريف، وأهلية أداء، ويقصد بها ما جاء في الشق الثاني .

وقد وردت الأهلية في اصطلاح الأصوليين علي النحو التالي: ـ

يُقال في اللّغة: هو أهل لكذا، أي هو مستوجِب له.
ويقال: استأهله بمعنى استوجبه. فتكون بمعنى الاستحقاق.
وهي عند علماء أُصول الفقه بمعنى “الصلاحيَّة”.( )
أقسام الأهليَّة عند الأصوليون
قسَّم الأُصوليّون الأهلية إلى قسمين وعرَّفوا كلا منهما:
الأول: أهليَّة الوجوب: وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه.
الثاني: أهليَّة الأداء: وهي: صلاحية الإنسان لأن يطالب بالأداء، ولأن تعتبر أقواله وأفعاله، وتترتَّب عليها آثارها الشرعية.

ثم قسَّموا كلا من الأهليتين إلى قسمين: أهليَّة كاملة، وأهليَّة ناقصة.

1- فأهلية الوجوب الناقصة: وهي ما كانت فيها صلاحيته لوجوب الحقوق له فقط لا عليه. مثل الجنين الذي تثبت له بعض الحقوق، مثل حقِّه في الميراث وحقه في المحافظة عليه من التلف ( ).

2- وأهليَّة الوجوب الكاملة:هي ما تكون صلاحية الإنسان فيها لثبوت الحقوق له وعليه. كما في الصبي والبالغ حيث تثبت لهما حقوق مثل النفقة، وتثبت عليهما حقوق أيضا مثل نفقة الأقارب من مالِهما.

3- وأهليَّة الأداء الناقصة: هي صلاحية الإنسان لأداء بعض الأعمال وترتّب الأثر عليها دون بعض آخر. كالصبي المميِّز حيث يصلح لأداء العبادات وقد حَكَمَ الشارعُ بصحَّة عبادته ( ) ، كما حَكَمَ الشارع بصحة معاملته المأذون بـإجرائها من قبل وليّه مثل البيع والإجارة وغيرها مما يكون للصبي فيه مصلحة، بل حكم بصحَّة بعض معاملاته عن الغير وإن لم يأذن له وليّه كالوكالة عن الغير، وما يترتب عليها من تعامل نيابة عن الموكل فهي لا تحتاج إلى إذن الولي.
وفي أبواب علم الفقه تفصيلات كل ذلك.

4- أما أهلية الأداء الكاملة: فهي صلاحية الإنسان لأداء جميع الحقوق المشروعة له وعليه. سواء في ذلك عباداته أو معاملاته ، وتترتب على كل أقواله وأفعاله آثارها الشرعية من ثواب ومدح أو عقاب وذم، وتمليك وتملّك ونحوها، ما لم يعترضه ما يحدّ من هذه الصلاحية من العوارض، مثل عارض النوم والإغماء والسفَه والإكراه ونحوها.

نتيجة تعريف الأهلية وتقسيمها

نستفيد ممّا تقدَّم من تعريف الأهلية وتقسيمها خمسة أُمور:
1) إنَّ أهلية الوجوب الناقصة ثابتة لكل إنسان حتى لو كان جنيناً في بطن أُمه، لِما له من حقوق أوجبتها الشريعة المقدَّسة.
2) إنَّ أهلية الوجوب الكاملة ثابتة للإنسان منذ انفصاله عن بطن أمه، لأنها صلاحية لثبوت الحقوق له وعليه، سواء يؤدى بها بصورة مباشرة كالبالغ العاقل، أم تؤدّى عنه بالنيابة كدفع النفقة لوالدي المجنون والصغير من مالهما من قبل وليّهما.
3) إن قِوام أهلية الأداء الناقصة هو التمييز فقط، ولو كان المميز لصلاحيته لأداء العبادات، وصلاحيته للتعامل بـإذن وليّه.
4) إن أهلية الأداء الكاملة لا تثبت إلا لمن استجمع شروط التكليف الشرعي الأربعة (البلوغ، العقل، العلم، القدرة). مضافاً إلى خلوِّه من العوارض المؤثّرة على هذه الشروط.
5) إنّ أساس أهلية الأداء الكاملة هو شروط التكليف الشرعية الكاملة، وأساس أهلية الوجوب الكاملة هو إمكان أداء الحق ولو بالنيابة ، وأساس أهلية الأداء الناقصة هو التمييز، أما أساس أهلية الوجوب الناقصة، فقيل: إنه الحياة والراجح أنّ أهلية الوجوب الناقصة ثابتة للإنسان حتى بعد موته وعليه فأساس أهلية الوجوب الناقصة هو الذمة، وهي وصف شرعي يصيِّر الإنسان أهلا لما له وما عليه . وليس الحياة.

وعليه فإننا نرى أن …
أهلية الوجوب: هي صلاحية الإنسان لأن تثبت له حقوق وتجب عليه واجبات، أو بعبارة أخرى، أهلية الإنسان لأن يطالب ويُطلب، سواء كان بنفسه أم بواسطة من له الولاية عليه.
ومناط هذه الأهلية الحياة فتثبت لكل إنسان حي منذ ولادته إلى موته سواء أكان صغيراً، أم كبيراً، عاقلاً أم مجنوناً، وهذه هي أهلية الوجوب الكاملة، وقد تكون أهلية الوجوب ناقصة، وذلك في حالة الجنين في بطن أمه فانه تثبت له بعض الحقوق كالميراث، ولكنه لا تثبت عليه حقوق.
وأهلية الوجوب هذه أثر من آثار الذمة لا توجد إلا حيث توجد الذمة، لأن الذمة هي وصف شرعي اعتباري يصير به الإنسان أهلاً للوجوب له وللوجوب عليه.
أهلية الأداء: هي صلاحية المكلف لأن تعتبر شرعا أقواله وأفعاله بحيث إذا صدر منه عقد أو تصرف كان معتبراً شرعاً وترتبت عليه أحكامه، ومناط أهلية الأداء ثبوت العقل والتمييز، فغير المميز وهو الطفل والمجنون، يكون معدوم الأهلية، والمميز الذي لم يبلغ الحلم يكون ناقص الأهلية، ومن بلغ الحلم عاقلاً يكون كامل الأهلية .

واضح من هذا البيان أن مباحث الحكم التكليفي كلها تتعلق بالإنسان وأن أهلية الأداء لا يمكن أن تتحقق في غير الإنسان، ولو كانت ناقصة، وعلى هذا فإنها تكون معدومة بالنسبة للشخص الاعتباري وهذا لا نزاع فيه.

أما أهلية الوجوب التي تعتمد على وجود الذمة فقد اختلف الفقهاء في ثبوتها لغير الإنسان: فبعضهم لا يثبتها لغير الإنسان، فالحيوان وما لا حياة له ليس أهلاً لأن يملك، ولا ذمة له عندهم، وأثبتها بعضهم لغير الإنسان واستدلوا لرأيهم بالأحكام الثابتة للوقف والمسجد وبيت المال التي تقتضي أن لهذه الجهات حقوقاً قبل غيرها، وعليها واجبات مالية يقوم بها من يتولى أمرها. من ذلك أنه يجوز لناظر الوقف أن يستدين على الوقف، وأن يستأجر له من يقوم بعمارته، فيكون ما يستدينه وما يستحقه الأجير ديناً على الوقف، يطالب به الوقف من غلته، وإذا أجرت أعيان الوقف كانت الأجرة ديناً للوقف في ذمة المستأجر، ومن ذلك وجوب النفقة على بيت المال للفقير الذي ليس له قريب تجب نفقته عليه، ومن ذلك أيضاً جواز الهبة للمسجد ويقبلها الناظر نيابة عنه.

وفي هذا كان موجزاً لبعض الآراء الفقهية التي تعرضت لبحث مفهوم الأهلية بنوعيها

******
ولما كان هذا هو التعريف الأصولي للأهلية … فإن الأمر يدفعنا لتوجيه شراع البحث لإلقاء الضوء على مفهوم الأهلية في القانون المدني الكويتي وكذلك مفهومها في القانون الجزائي والتفرقة بينهما في دراسة مقارنة بسيطة استقينا سطورها من خلال ما قدمه أساتذتنا الباحثين في هذا العلم ، ولا نذكر ذلك لمقارنة بحثنا بمؤلفاتهم ومراجعهم ، بل إننا نري أنه يتوجب علينا ذلك من باب العرفان بالجميل لهم وليكون في بحثنا هذا الشكر والتقدير لما بذلوه في مراجعهم التي استهدينا بها والتي طالما كانت لنا نبراساً نحتذي به و مشكاة تضيء لنا الطريق علي مر الزمان …

المقصود بالأهلية القانونية : ـ

الأهلية لغة تعني الصلاحية فالقول بأن الشخص أهل لعمل ما يعني صلاحيته لهذا العمل ، والأهلية في مجال القانون تعني المعنى ذاته فهي تعني المعنى ذاته فهي صلاحية يعترف بها القانون للشخص ، هذه الصلاحية قد يقصد بها مجرد صلاحية اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وعندئذ نواجه ما يسمى بأهلية الوجوب ، أي وجوب الحقوق وتحمل الالتزامات ، وإنما القدرة على إنشاء الحقوق والالتزامات عن طريق مباشرة التصرفات القانونية المختلفة ، وعندئذ نواجه ما يسمى بأهلية الأداء ، وهكذا تنقسم الأهلية القانونية إلى نوعين وهما أهلية الوجوب وأهلية الأداء وسنستعرض كل منهما في فصل مستقل .

الأهلية القانونية :

تنقسم الأهلية القانونية إلى قسمين :ـ
الفصل الأول: أهلية الوجوب.
الفصل الثاني: أهلية الأداء.

الفصل الأول .. أهلية الوجوب..

عرف فقهاء القانون أهلية الوجوب بعدة تعريفات نذكر أهمها، فقد عرفها جانب من الفقهاء فقال: هي صلاحية الشخص لان يكتسب الحقوق ويتحمل الالتزامات ( ) .
بينما عرفها جانب آخر فقال: هي صلاحية لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه ( )، ويراها بعض الفقهاء علي أنها : قابلية الشخص لأن يكتسب حقاً أو يتحمل التزاماًُ ( ) ، بينما هي في نظر البعض : قدرة الشخص علي أن يكون أهلاً لثبوت بعض الحقوق له دون البعض كأن يكون أهلاً للميراث والوصية وإلحاق نسبه بوالديه دون أن يكون أهلاً للحق عليه فلا تلزمه أي التزام لأن الالتزام يثبت علي الشخص بفعله أو بعبارته وهو لا يتصور منه ذلك ( ).

وعلي ذلك … فأهلية الوجوب : هي صلاحية الشخص ، من الوجهة القانونية ، لتلقي الحقوق وتحمل الالتزامات أي صلاحيته لوجوب الحقوق له والالتزامات عليه ، وهي تمثل الأهلية القانونية في وجهها السلبي الذي يقتصر على تلقي الحقوق وتحمل الالتزامات دون تدخل إرادي من الشخص ولكنها لا تشمل وجهها الإيجابي المتمثل في المساهمة إيجابياً في إنشاء هذه الحقوق والالتزامات .

المبحث الأول

مناط أهلية الوجوب… أهلية تثبت لكل إنسان لمجرد انه إنسان وبمجرد ولادته حياً ، فمناط أهلية الوجوب هو الحياة أي ولادة الشخص حياً على الوجه الذي سبق أن عرضناه بالنسبة للشخصية القانونية ، وأهلية الوجوب مكفولة للجميع بصرف النظر عن السن أو الإدراك أو التمييز ، وإذا كان مناط أهلية الوجوب هو الحياة ، أي ولادة الشخص حياً ، فذلك يمثل الأصل العام، فقد تثبت أهلية الوجوب للشخص استثناء قبل ميلاده ، أي وهو جنين في بطن أمه .

وأهلية الوجوب ترتبط بمجرد ولادة الإنسان حياً فلا تتطلب شروطاً أخرى، وبصفة خاصة لا تتطلب في الإنسان بلوغ سن معينة، ولا تتطلب العقل أو الإدراك والتمييز، لذلك يتمتع الصغير غير المميز والمجنون وبصفة عامة عديم الإرادة بأهلية الوجوب.
لأن مناط أهلية الوجوب هو الحياة فإنها تنتهي وتزول من الشخص بوفاته .
وأهلية الوجوب تثبت للشخص كاملة بحسب الأصل غير أن ذلك لا يحول دون إمكان تقييدها بقيود معينة ، وعندئذ تكون أهلية الوجوب لدى الشخص غير كاملة وإنما مقيدة .

وإذا كان الأصل أن أهلية الوجوب تكتسب بتمام الولادة حياً، فإن المشرع منح الجنين وهو مازال في بطن أمه أهلية وجوب على سبيل الاستثناء وقصرها على حقوق والتزامات معينة، في هذه الحالة نواجه أهلية وجوب استثنائية وناقصة أو محدودة.

نتكلم إذن عن أهلية الوجوب الكاملة ثم تقييد هذه الأهلية، أي أهلية الوجوب المقيدة، وتنتهي بأهلية الوجوب الاستثنائية الناقصة أو المحدودة.

المطلب الأول ..[1]أهلية الوجوب الكاملة:

المقصود بها … صلاحية الشخص لاكتساب كل الحقوق ، فلا تكون أهليته منقوصة ولا مقيدة ، والأصل في أهلية الوجوب الكمال ، بمعنى أن الإنسان بمجرد ولادته حياً يكتسب أهلية الوجوب كاملة ويكون بمقتضاها أهلاً لاكتساب جميع الحقوق سواء تلك التي لا يحتاج سببها إلى قبول كالوصية ، أو التي يحتاج سببها إلى قبول ، فإن لم تتوافر لديه إرادة القبول ، كأن كان صغيراً ، قبل وليه نيابة عنه ، فيكتسب هو الحق وليس وليه .

كما يكون الشخص أهلاً لتحمل الالتزامات التي لا يكون مصدرها الإرادة كالالتزام بالتعويض عن الضرر الناجم للغير نتيجة فعلة غير المشروع ، أو الالتزامات التي تتوقف نشأتها على الإرادة ، أي التي تترتب نتيجة التصرفات القانونية فلا تنشأ إلا إذا توافرت لدى الشخص أهلية أداء هذه التصرفات ، أو ابرمها وليه نيابة عنه ، وفي هذه الحالة الأخيرة تنصرف هذه الالتزامات إليه فيتحملها الصغير وليس الولي.

المطلب الثاني ..[2]أهلية الوجوب المقيدة:

أوضحنا أن الشخص يكتسب بمجرد ميلاده حياً أهلية وجوب ، والأصل أن هذه الأهلية تكون كاملة ، غير أن المشرع يتدخل بالنسبة لحقوق معينة ، كالحقوق السياسية ، ويستبعد الأجانب غير المواطنين من التمتع بها ، كما أن بعض الحقوق تتطلب لاكتسابها شروطاً خاصة ، كحقوق الأسرة وواجباتها فهي مقصورة على أفرادها ، في مثل هذه الحالات نكون أمام تقييد جزئي لأهلية الوجوب ، فالأصل أن الشخص يكون ، بمجرد ولادته حياً قد اكتسب أهلية الوجوب ، ولكنها لا تمتد لتشمل حقوقاً معينة لاعتبارات خاصة تختلف باختلاف هذه الحقوق .

ومن تطبيقات أهلية الوجوب المقيدة …
• تقييد الأجنبي في التمتع بالحقوق السياسية .
• تقييد أهلية الأجنبي في اكتساب ملكية العقارات ، والمقصود هنا صلاحية الأجنبي لأن تؤول له ملكية العقارات دون تصرف قانوني منه ، كأن يتلقى العقار عن إرث أو وصية ، أما اكتسابه للعقار عن طريق التصرفات القانونية فيتعلق بأهلية الأداء ، ومن البديهي إذا كان الأجنبي لا يتمتع بأهلية وجوب في هذا المجال فلا يمكنه هو أو نائبة إبرام التصرفات القانونية المتعلقة بها ( ) .
• تقيد أهلية الأجانب في العمل بالتجارة ( ).
• تقييد أهلية النساء في التمتع بالحقوق السياسية في الكويت وذلك قبل صدور المرسوم بقانون رقم[9] لسنة 1999 بتعديل المادة [1] من القانون رقم [35] لسنة 1962 في شان انتخابات أعضاء مجلس الأمة ، والذي سمح للمرأة الكويتية بممارسة حقوقها السياسية في الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية بعد استكمال إجراءات القيد في جداول الانتخابات ، مع ملاحظة أن المرسوم المذكور يتعين لصحته ونفاذه إقراره من مجلس الأمة ، وهو معروض عليه الآن للموافقة عليه .

المطلب الثالث ..[3] أهلية الوجوب الاستثنائية:

أهلية الوجوب الاستثنائية هي تلك التي منحها المشرع الكويتي بنص المادة [10] مدني للحمل المستكن الذي مازال جنيناً في بطن أمه، حماية ورعاية لمصالحه التي ستكون له بعد ولادته.

وقد سبق لنا أن تعرضنا لهذه الأهلية وعرفنا أن المشرع منح الحمل المستكن أهلية وجوب ناقصة محدودة تقتصر على صلاحيته لاكتساب الحقوق التي لا يحتاج سببها إلى قبول ، كالحق في الإرث والحق في الوصية ، كما أجاز له الهبة الخالصة من القيود والتكاليف ، كما تقتصر هذه الأهلية الاستثنائية للحمل المستكن على تحمله الالتزامات التي تقتضيها إدارة أمواله .

والخلاصة … هي أهلية تثبت للإنسان من وقت ولادته حياً وتبقى معه إلى حين وفاته بغض النظر عن كونه عاقلاً أم غير عاقل صغيراً كان أم كبيراً ، وأن القول بتوافر أهلية الوجوب كاملة لدى الشخص معناه أن القانون يمنحه القدرة علي أن تظهر في ذمته كل أنواع الالتزامات والحقوق ، وهذا ما يسمى بالشخصية القانونية وبذلك فإن أعدم القانون أهلية الشخص أو أنقص منها ، فهو يمنع كل الحقوق أو حق منها مقابل الأهلية أو نقصها ، أي إن انعدمت الأهلية تنعدم معها صلاحية الشخص لكسب الحقوق ، وإن نقصت الأهلية تنقص معها صلاحية الشخص لكسب الحقوق ، وإن وجدت الأهلية كاملة فإن صلاحية الشخص تكون كاملة ( ) .

الفصل الثاني .. أهلية الأداء..

المبحث الأول طبيعة أهلية الأداء ..

تناول فقهاء القانون أهلية الأداء بالدراسة والتحليل وعرفوها بعدة تعريفات نذكر أهمها من حيث الشمولية فقد عرفها جانب من الفقهاء: فقال هي صلاحية الشخص لاستعمال الحق عن طريق التصرفات القانونية ( ).

بينما عرفها جانب آخر فقال: هي صلاحية الشخص لأن يباشر التصرفات القانونية التي تكسبه حقاً أو تحمله التزاماً ( ).

بينما نظر البعض علي أنها: صلاحية الشخص للالتزام بمقتضى تصرفاته الإرادية، أو صلاحيته لاستعمال الحقوق وأداء الالتزامات ( ).

بينما نظر البعض الآخر إليها علي أنها: عبارة عن صلاحية الشخص لإتيان التصرفات القانونية الصحيحة ( ).

وبمقارنة كل هذه التعريفات نجد أنها واحدة في الجوهر والمضمون فأهلية الأداء هي صلاحية الشخص للإلزام والالتزام قانوناً.

المبحث الثاني مناط أهلية الأداء ..

يرى الفقهاء: أن مناط أهلية الأداء هو التمييز ” العقل ” ( ).
وقد تثبت للصبي إذا كان يملك قدراً من التمييز بأن يعرف ماهية أفعاله ويقدرها ، ويتم له ذلك إذا أصاب قدراً من التمييز وبذلك يكون مناطها استواء العقل بنضجه وعدم اختلاله بأي مؤثر يؤثر فيه كالجنون والمرض مثلاً .( ) ، بينما يري بعض الفقهاء أن مناط أهلية الأداء ليس التمييز بذاته ، بل التمييز وسائر القوي الإنسانية الأخرى كالإدراك والاختيار والإرادة ونمو القوي البدنية ( ) فهي كاملة باكتمال العقل والبدن وقاصرة بقصورهما ( ).

ونحن نرجح هذا الرأي لقوة الحجج التي استند إليها فأهلية الأداء تكون كاملة باكتمال العقل والبدن وقاصرة بقصورهما حيث يكون مناطها التمييز وسائر القوي الإنسانية الأخرى كالإدراك والاختيار مثلاً .

.. المطلب الأول… الإرادة…

وهي القدرة على أن يكيف علاقته بالحياة علي نحو معين أو هي قدرة الذات علي أن تشق لها أسلوباً في الحياة ، أي أن يتخذ الإنسان موقفاً أو آخر من الظروف المحيطة به ولو عن طريق الألم والنضال ( ) وهي الحارس الأمين الذي يحمي العقل من تسرب الأفكار الأجنبية وولوجها إلى العقل وأحدقت بالمواهب فتشل الإرادة أو تضعفها ( ) فأهلية الأداء هي قدرة الشخص الإرادية علي إحداث الآثار القانونية ولكي ينتج عنها الآثار القانونية يجب أن تكون إرادة واعية بصيرة ، فليست كل إرادة قادرة على إنتاج الإرادة القانونية ( ) أي يجب أن تكون إرادة حرة ( ) ويري علماء النفس في تحليلهم للإرادة الكاملة أنها تمر بمراحل أربع :

المرحلة الأولى…
مرحلة التصور: وفيها يتصور الشخص العمل القانوني الذي يريد القيام به.

المرحلة الثانية …
مرحلة التدبير: وفيها يوازن الشخص بين شتى الاحتمالات.

المرحلة الثالثة…
مرحلة التصميم: وفيها يبت الشخص في الأمر.
” وهذه المرحلة هي جوهر الإرادة، أو هي الإرادة ذاتها ”

المرحلة الرابعة…
مرحلة التنفيذ : وهي التي ينقل فيها الشخص إرادته من كامن نفسه إلى العالم الخارجي فيفصح عن إرادة معينة نتيجة لإحداث أثر قانوني معين من القوى الذهنية ، وهذا لا يتوافر إلا ببلوغ الشخص سناً معيناً وأن يكون سليماً من سائر الآفات التي تؤثر على القوى المميزة ( ) .

ـ: مظاهر الإرادة:ـ

الإرادة حتى ولو كانت في نفس صاحبها وانعقد عزمه على إمضائها فهي تبقى مع ذلك مجرد حقيقة نفسية تكمن في نفس صاحبها لا يعلمها إلا هو ومن ثم لا يحفل بها القانون ، ولا يرتب عليها أثراً ، ولهذا لا مناص من أن تبرز الإرادة في نفس صاحبها بمظهر خارجي ليفصح عنها فيعتد بها القانون في حقل العلاقات بين الأفراد وهذا المظهر الذي تخرج فيه الإرادة وبه يعلم الغير هو الذي يسمى بالتعبير عن الإرادة .

والتعبير عن الإرادة قد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً ( ) ووجود الإرادة والتعبير عنها سواء كان إيجاباً أم قبولاً هو صدورها من صاحبها متجهة لإحداث أثر قانوني كالعمل التعاقدي مثلاً والإرادة المتجهة للتعاقد تقوم أولاً وأساساً بعمل عقلي ، ومن ثم فالمتعاقد يجب أن تتوافر فيه القدرة العقلية لكي يعقل التصرف الذي يجريه ، ويدرك ماهيته وان تتجه إرادته بحرية واختيار لإتيانه .

ولهذا فمعدوم التمييز لا يمكن أن تصدر منه إرادة قانوناً ، ولا ينعقد بينه وبين غيره عقد ، ومن فقد تمييزه فقد القدرة علي إرادته ( ) وهذا ما تنص عليه المادة (128 مدني ليبي ) يكون التعبير عن الإرادة باطلاً إذا صدر من شخص وهو في حالة غيبوبة أو كان مصاباً باضطراب عقلي ، ولو كان هذا الاضطراب وقتياً بحيث يفقد الشخص تمييزه ( ) .

وتنص المادة (63 عقوبات ليبي ) علي أنه: ترتكب الجناية أو الجنحة إذا كان مقترفها يتوقع ويريد أن يترتب علي فعله أو امتناعه حدوث الضرر أو وقوع الخطر.
كما ورد في نفس المادة … لا يعاقب علي فعل أو امتناع يعد جريمة قانوناً إلا إذا أرتكب عن شعور وإرادة ( ) وإلي هذا أشارت المادة 209 عقوبات سوري، والمادة 210 عقوبات لبناني، والمادة 132 عقوبات مغربي، والمادة 132 عقوبات مصري ( ) ، ومن ذلك يتضح أن مناط أهلية الأداء هو اكتمال التمييز وحرية الإرادة والإدراك ( ).

.. المطلب الثاني … الإدراك…

وهو ذات الملكة العقلية التي تؤهل الشخص لمعرفة الأشياء ، أي تجعله قادراً علي أن يدرك ماهية أفعاله ويقدرها ( ).

والمقصود بفهم ماهية أفعاله: هو فهمها من حيث كونها فعلاً يترتب عليه نتائجه العادية، وليست المقصود منها فهم ماهيتها في القانون.

فالقاعدة أن الشخص يسأل عن فعله ولو كان يجهل أن القانون يعاقب عليه لأنه لا يصح الاعتذار بالجهل في القانون ( ) والإدراك يتوافر في الشخص ببلوغه سناً معيناً من النضج العقلي ( ) والإدراك يعتبر من أهم وظائف العقل ، وإن كان يعتمد على الذاكرة فإنه لا يبدأ بولادة الشخص وإنما تنمو القدرة عليه بالحياة الاجتماعية واكتساب المعلومات التي تحفظها الذاكرة فتربط ماضيها بحاضرها ، وتيسر للشخص أن يعرف طبيعة ما يحدثه من أعمال ، ويقدر نتائجها ، ولهذا فالأهلية تناط بالقدرة الإدراكية للإنسان الوسط فلا يشترط القانون في ذوي الأهلية أن يكونوا علي ثقافة معينة ، أو ذكاء معين مثلاً ( ).

ولقد نصت معظم القوانين في العالم علي أن عديم الإدراك يكون غير أهلا لتحمل المسئولية الجنائية ( ) لأن الإدراك هو الشرط الأول للأهلية الجنائية ( ) فالشخص فاقد التمييز فاقد الإرادة ، وبالتالي فاقد الأهلية ، والشخص ناقص التمييز ناقص الإرادة وناقص الأهلية ، والشخص كامل التمييز كامل الإرادة وكامل الأهلية ( ) ومن ذلك يتضح أن أهلية الأداء تنقسم إلى عدة أقسام ، وهو ما يوضحه الفرع الثاني .

المبحث الثالث أنواع أهلية الأداء :

قسم القانون والفقه أهلية الأداء إلى ثلاثة أقسام علي النحو التالي : ـ

أولاً … أهلية الأداء المعدومة
فلا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقد التمييز لصغر سنه أو لإصابته بعته أو جنون.
وكل من لم يبلغ السابعة يعتبر فاقداً للتمييز ( ) .

ويري الشراح … أن أهلية الأداء تكون معدومة في كل شخص فاقد التمييز مثل الصبي غير المميز الذي لم يبلغ السابعة من عمره والمجنون ومن في حكمه ( ) وإلى لأن القانون افترض انعدام التمييز في هؤلاء ( ) حيث لا يستطيع أي منهم أن يدرك كنة أفعاله ، أو أن يتوقع أثارها ( ) .

ثانياً … أهلية الأداء القاصرة
تبدأ ببلوغ الإنسان سن التمييز ولم لم يبلغ سن الرشد، وكل من بلغ سن الرشد وكان سفيهاً أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية ( ) .

وفي ذلك يري الشراح أيضاً : أن أهلية الأداء تكون ناقصة في الشخص إذا بلغ سن التمييز “السابعة ” ولم يبلغ سن الرشد ( القوانين هنا محل خلاف حول ذلك فالبعض حددها بإحدى وعشرين سنة ، والبعض الآخر حددها بثمانية عشر سنة ) وتثبت أهلية الأداء القاصرة لكل شخص بلغ سن الرشد وكان سفيهاً أو ذا غفلة ( ) وبذلك فإن ناقص أهلية الأداء يمكنه أن يباشر بعض التصرفات دون الأخرى ( ) حيث تكون له أهلية الاغتناء كقبوله الهبة مثلاً . ولكن ليس له أهلية التبرع . أما أهليته للإدارة والتصرف فهما من الأعمال الدائرة بين النفع والضرر فلا يباشرهما ولكن يقوم نيابة عنه في مباشرتهما ممثله القانوني ( )

ثالثا .. أهلية الأداء الكاملة
تكتمل أهلية الأداء في الإنسان ببلوغه سن الرشد ( وقوانين العالم في خلاف حول ذلك ) ( ) .

فإذا أصبح الشخص رشيدا يصبح كامل الأهلية وبذلك يستطيع مزاولة جميع التصرفات القانونية ، وتنتهي الولاية عل أمواله ، وبذلك ربط المشرع بين اكتمال سن الرشد و اكتمال سن الرشد و اكتمال الأهلية ، وأضاف شرطاً آخر وهو أن يكون حين بلوغها ، أي بلوغ سن الرشد قد بلغها وهو متمتع بقواه العقلية غير محجور عليه ، فإن بلغها وهو محجور عليه فإنه يكون ناقص الأهلية رغم بلوغه سن الرشد ( )، فالقانون لا يمكنه في منح الأهلية أو منعها أن يربط ذلك بالتمييز العقلي لدى الأفراد بل يربط ذلك بضوابط في حالة الشخص الظاهرة حيث يأخذ منها دليلاً على قدرته وإدراكه ، ثم يفترض توافره ، أي توافر الرشد في الشخص ، ويجعل لصاحبها ما يتوافر مع هذا المقدار وقد يأخذ هذا الضابط من السن أو من الحالة العقلية للشخص ، والقانون المصري يقضي بأن الشخص يكون كامل الإدراك إذا بلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرون سنة كاملة ( ) ومتى بلغ سن الرشد ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية ( ).

الفصل الثالث العلاقة بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء :

تختلف أهلية الوجوب عن أهلية الأداء ، فكل منهما تقوم على أساس مغاير للأساس الذي تقوم عليه الأخرى مما يمكن معه فصل أهلية الوجوب عن أهلية الأداء فصلاً تاماً ، والحقيقة أن الأمر لا يعدو أن يكون وحدة في اللفظ لا وحدة في الجنس ( ) فأهلية الأداء تفترض لذات قيامها توافر أهلية الوجوب والعكس غير صحيح ، فمن الممكن أن تتوافر في الشخص أهلية وجوب كاملة في نفس الوقت يكون فيه معدوم أهلية الأداء كما في الشخص غير المميز مثلاً ( ).

كما تختلف أهلية الوجوب عن أهلية الأداء من حيث المناط فمناط أهلية الوجوب الحياة وهي تثبت لكل إنسان بمجرد ولادته حياً بغض النظر عن كونه عاقلاً أو غير عاقل صغيراً أم كبيراً ولا يوجد على هذه الأهلية عوارض ، بينما مناط أهلية الأداء التمييز “العقل” ويوجد على هذه الأهلية عوارض فقد يكون الشخص عديم الأهلية بالرغم من تمتعه بالحياة كما في الجنون والصبي غير المميز .

ومن هذا المنطلق يمكننا القول …
أن الإنسان يكتسب الشخصية القانونية بمجرد ميلاده وتظل لصيقة به حتى مماته، والمقصود بالشخصية القانونية هي تلك التي تعطيه الصلاحية لأن يكتسب الحقوق وأن يتحمل بالالتزامات، وهذا ما يعرف بأهلية الوجوب.

فأهلية الوجوب كما سبق وأشرنا هي الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، والناس جميعاً على قدم المساواة فيما يتعلق بالتمتع بهذه الأهلية، وهي لا تتأثر بمرض ولا بسن ولا بآفة عقلية تصيب الإنسان.

إلا أن تمتع الإنسان بها لا يعني انه يمكن أن يباشر حقوقه وأن يباشر الأعمال التي يترتب عليها تحمله بالالتزام، فالقدرة على مباشرة الأعمال القانونية التي يتولد عنها الحقوق أو يترتب عليها الالتزامات هي ما يعرف بأهلية الأداء.

فأهلية الأداء عبارة عن القدرة على مباشرة الأعمال القانونية بما ترتب من حقوق وما تولد من التزامات هي ” صلاحية الشخص للقيام بأعمال وتصرفات يرتب عليها القانون الآثار القانونية المناسبة ” ( ) .

مقارنة بين أهلية الوجوب وأهلية الأداء

م أهلية الوجوب أهلية الأداء

1 تبدأ كاملة بمجرد ميلاد الشخص حياً وتبقى كاملة طوال حياته ولا تتأثر بسن أو مرض ولا آفة عقلية. تتأثر حتماً بالسن حيث لا تكتمل إلا باكتمال سن معينة وعلاوة على تأثرها بما قد يعترض الشخص في حياته من عوارض.
2 تمثل في الشخص ، كما يرى البعض ، وضعاً ” إستاتيكياًَ ” عبارة عن مجرد الصلاحية لاكتساب حق أو التحمل بالتزام . فهي تمثل وضعاً ” ديناميكياً ” وهو القيام بالأعمال والنشاطات التي تكسبه حقاً أو تحمله التزاما( ).
3 عدم وجودها لا علاج له ، فلا يمكن أن يحل شخصاً محل آخر، فهو لهذا دائماً جزئياً أو نسبياً فلا يمكن أن يكون كلياً أو مطلقاً . أما انعدام أهلية الأداء فيمكن تعويضه بأن يقام مقام عديم الأهلية شخص يتصرف عنه، لهذا جاز أن يكون انعدام الأهلية مطلقاً ( ).

الفصل الرابع أطوار الأهلية وعوارضها وأحكام الولاية على المال في ضوء التقنين المدني

قلنا أن أهلية الأداء هي صلاحية الشخص بأن يقوم بالأعمال القانونية بنفسه ولصالحه أما الولاية فهي صلاحية الشخص لأن يقوم بالأعمال القانونية بنفسه وكن لمصلحة الغير.

فما يترتب على التصرف من حقوق والتزامات إنما يتحملها المتصرف أو الشخص ذاته وذلك في حالة أهلية الأداء، أما في حالة الولاية فإن آثار التصرف القانوني الذي يقوم به الشخص إنما تنصرف إلى ذمة الغير.

فالولي على القاصر عندما يباشر تصرفاً قانونياً عن هذا الأخير، تنصرف آثاره إلى ذمة القاصر لا إلى ذمته هو.

ويجب أن نلاحظ أن القواعد المنظمة للأهلية تعتبر من النظام العام سواء من حيث تحديد من يعتبر ناقص الأهلية أو كاملها أو فاقدها وسلطة الأولياء على مال هؤلاء الأشخاص ، ولذلك لا يجوز الاتفاق على ما يخالف ما وضعه المشرع من أحكام بهذا الخصوص .

وسوف نتناول بالدراسة أطوار الأهلية ثم عوارض الأهلية ، ثم أحكام الولاية على المال في ضوء التقنين المدني .

المبحث الأول .. أطوار الأهلية ..

تتدرج أهلية الأداء مع السن ، حيث يمر الإنسان منذ ولادته بثلاثة مراحل بين انعدام الأهلية واكتمالها .
• مرحلة يكون فيها الشخص غير مميز .. عديم الأهلية.
• مرحلة يكون فيها ناقص التمييز .. ناقص الأهلية.
• مرحلة يكتمل فيها تمييزه ببلوغه سن الرشد .. كامل الأهلية.
وسوف نتناول كل مرحلة من هذه المراحل تباعاً وفي مطلب مستقل على النحو التالي: ـ

.. المطلب الأول ..

المرحلة الأولى… الصبي غير المميز :ـ

تبدأ هذه المرحلة بميلاد الشخص حياً وتنتهي ببلوغه السابعة من عمره، وفيها يكون الصبي عديم التمييز أي عديم الأهلية، له أهلية وجوب كاملة وليست له أهلية أداء مطلقاً ، وبناء عليه لا يستطيع هذا الصبي أن يقوم بأي عمل من الأعمال القانونية بنفسه، وأي تصرف يجريه يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، أي هو والعدم سواء ، ويستوي في هذا أن يكون التصرف الذي يجريه نافعاً نفعاً محضاً أو ضاراً ضرراً محضاً أو دائر بين النفع والضرر ، وفي هذه الحالة يكون من حق الصغير ومن حق كل ذي مصلحة أن يطالب ببطلان هذا التصرف ، وللقاضي أن يقضي بالبطلان من تلقاء نفسه ، ولا يلحق هذا التصرف إجازة مطلقا، سواء من الصغير ، بعد بلوغه سن الرشد ، أو من وليه .

كذلك لا يصح الوفاء الحاصل للصبي غير المميز من مدينه ، ويرتب الفقه على ذلك أنه إذا سلم البائع المبيع إلى الطفل غير المميز كان وفاءً باطلاً فإذا هلك في يده ، كان الهلاك على البائع شأنه شأن الهلاك الذي يقع قبل التسليم ( ) ، كذلك إذا غصب مال الطفل المميز غاصب ثم رده للطفل فهلك في يده ، عٌد الغاصب ضامناً قيمة المال لأن تسليم الغاصب مال الطفل إليه يعد تسليم باطل( ).

ولا يقبل إثبات أن الصغير قد أدرك التمييز، رغم عدم بلوغه السابعة، وذلك بهدف تصحيح بعض أعماله، لأن انعدام التمييز فبل بلوغ هذه السن يٌعد قرينة لا تقبل إثبات العكس.

.. المطلب الثاني ..

المرحلة الثانية … الصبي المميز:ـ

تبدأ هذه المرحلة ببلوغ الصبي السابعة من عمره حتى بلوغ سن الرشد، ويعد الصبي في هذه المرحلة ناقص التمييز فهو لذلك ناقص الأهلية لأن التمييز هو مناط الأهلية ومعيارها.
أما عن حكم التصرفات التي يجريها الصبي في هذه المرحلة فإنه يجب التفرقة بين ثلاث أنواع منها.

(أ‌) التصرفات النافعة نفعاً محضاً:ـ
كقبول هبة غير مشروطة، ويترتب عليها ثبوت الحقوق دون التحمل بأي التزام فهي تزيد من الأموال أو تنقص من الديون دون أن يتحمل الصبي في مقابل ذلك شيء.
وتقع هذه التصرفات من الصبي المميز صحيحة بلا حاجة إلى موافقة القائم على أمره، فهو بالنسبة لهذه التصرفات كامل الأهلية.

(ب‌) التصرفات الضارة ضرراً محضاً :
يترتب عليها تحمل الالتزامات دون اكتساب حقوق كالهبة، أو سقوط حق في ذمة الغير دون مقابل، وتقع كل هذه التصرفات باطلة بطلاناً مطلقاً، لا يترتب عليها أي أثر فهو بالنسبة لهذه التصرفات عديم الأهلية.

(ت‌) التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع :
وفيها يحصل كلا الطرفين على مقابل لما أعطى، كالبيع والشراء والتأمين، ويعد التصرف كذلك حسب طبيعته بغض النظر عن نتيجة التصرف التي قد تكون جلبت ربحاً للقاصر.
وتقع هذه التصرفات قابلة للبطلان لمصلحة القاصر ، فله المطالبة ببطلان التصرف عند بلوغه سن الرشد ، على أن يرد ما تلقاه من عقد في حدود ما عاد عليه من نفع ، فإذا لم يكن قد أفاد شيئاً ، كأن يكون قد أنفق ما تلقاه من غير جدوى أو أشياء غير مشروعة ، فلا يلزم بالرد .

ومعنى قابلية التصرف للبطلان في هذه الحالة، أنه ينتج كل آثاره كالتصرف الصحيح تماماً حتى يقضى ببطلانه بواسطة القضاء بناءً على طلب القاصر بعد بلوغه أو طلب وليه.

ويسقط الحق في طلب بطلان هذا التصرف بالإجازة سواء من القاصر بعد بلوغه أو من الولي أو من المحكمة حسب الأحوال.

قلنا انه يترتب على الحكم ببطلان التصرف الذي صدر من ناقص الأهلية أن يزول أثر التصرف ليس بالنسبة للمستقبل فقط بل بالنسبة للماضي أيضاً بأثر رجعي ، فيسترد القاصر ما دفعه ولكن المتعاقد الآخر لا يسترد ما قبضه من ناقص الأهلية إلا بمقدار ما عاد عليه من نفع من تنفيذ العقد ، فإذا لم يكن قد عاد على ناقص الأهلية أي نفع لا يرجع عليه الآخر بشيء ، إلا أن هذه النتيجة قد تغري القاصر بأن يستعمل طرقاً احتيالية لإخفاء نقص أهليته ، حتى يصل إلى إبرام تصرفات سرعان ما يطالب بإبطالها إذا ما بلغ رشده ، إلا انه يلاحظ أن القاصر قد ارتكب تدليساً في هذه الحالة ، وهو فعل غير مشروع يستوجب التعويض استنادا إلى قواعد المسئولية التقصيرية .

فالمطالبة ببطلان التصرف من قبل القاصر لن يحول دون إمكان الحكم عليه بتعويض المتعاقد معه إعمالا لقواعد المسئولية التقصيرية التي يكفي لإعمالها أن يكون الشخص مميزاً ( ) .

ولقد أحسن المشرع المصري صنعاً عندما نص في المادة 119 من القانون المدني علي انه : ـ
” يجوز لناقص الأهلية أن يطلب إبطال العقد ، وهذا مع عدم الإخلال بالتزامه بالتعويض إذا لجأ إلى طرق احتيالية ليخفي نقص أهليته ، وبناءً عليه إذا لجأ القاصر إلى طرق احتيالية ليخفي نقص أهليته ، فإن لمن تعاقد معه أن يطالبه بالتعويض عن هذا العمل غير المشروع ، وقد يرى القاضي أن خير وسيلة لتعويض المضرور في هذه الحالة ، هي الإبقاء على العقد وإلزام ناقص الأهلية بتنفيذه ( ) .

حالات يعتبر فيها القاصر كامل الأهلية استثناء:
يظل القاصر ناقص الأهلية إلى أن يبلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة بالنسبة لكل المصريين ذكوراً وإناثاً مسلمين وغير مسلمين فإذا بلغ الصبي هذه السن رشيداً عد كامل الأهلية.

إلا أن المشرع قد خرج على هذه القاعدة على سبيل الاستثناء ، حيث أجاز للقاصر عموماً أو ذلك الذي بلغ سناً معينة أن يباشر ، رغم قصره ، بعض الأعمال القانونية التي تعتبر دائرة بين النفع والضرر أجاز في حالات أخري للمحكمة أو الولي أن يأذن للقاصر بمباشرة بعض هذه الأعمال ، وسوف نتناول هاتين الحالتين تباعاً .

الفرع الأول

[ أ ] القاصر المأذون له من القانون :
خروجاً على القواعد العامة التي ذكرناها سابقاً فقد أجاز المشرع للقاصر أن يباشر بعض التصرفات ولو لم يرتب عليها نفعاً محضاً ، فتع صحيحة رغم قصره وترتب جميع آثارها بلا حاجة إلى إذن من احد وبلا حاجة إلى إذن من أحد وبلا حاجة إلى أجازة ، وهذه الحالات منها ما اقتضته الضرورات العملية ومنها ما جاء نتيجة رغبة المشرع في أن يتعود القاصر الاحتكاك بالحياة العملية حتى يكون مستعداً لمجابهة الحياة عند بلوغه سن الرشد ، وهذه الحالات هي :

الحالة الأولي…. تتعلق بما يوضع تحت تصرف القاصر أو يسلم غليه من أموال لازمة لنفقته ، إذا أعتبر المشرع القاصر كامل الأهلية فيما يتعلق بالتصرفات القانونية التي ترد على هذه الأموال ، سواء كانت أعمال إدارة أم تصرفات فتقع هذه التصرفات صحيحة مرتبة لآثارها بغض النظر عن طبيعتها .

ولعله من الواضح أن المشرع عندما قرر هذا الحكم قد راعى اعتبارات الحياة العملية والتيسير على القاصر ومن يتعامل معه ، ولم يشترط المشرع لاعتبار القاصر أهلاً لإجراء هذه التصرفات ، أن يكون قد بلغ سناً معينة ، بل يكفي أن يكون قد صار مميزاً بأن يكون قد بلغ السابعة من عمره.

الحالة الثانية …. هي التي تتعلق بعقد العمل الذي يبرمه القاصر قبل سن الرشد ، إذ اعتبر المشرع هذا العقد صحيحاً مرتباً لآثاره ، على خلاف القاعدة العامة التي تعتبره قابلاً للبطلان ، لا أن المشرع لم يغفل مصلحة القاصر في هذه الحالة فأجاز للمحكمة ، بناءً على طلب الوصي أو أي ذي مصلحة أن ينهي العقد رعاية لمصلحة القاصر أو مستقبله أو أي مصلحة أخرى ظاهرة ، كأن تكون أمام القاصر فرص أفضل لتحسين مستواه بمواصلة الدراسة أو ممارسة فن معين ، أو مراعاة لصحته المعتلة التي قد تتأثر بمثل هذا العمل .

الحالة الثالثة…. تتعلق بالقاصر الذي بلغ السادسة عشر من عمره ، إذا أعتبره المشرع كامل الأهلية فيما يتعلق بما يكسبه من عمله ، فإذا كان القاصر الذي بلغ هذه السن يعمل فإن كل ما يجريه من أعمال وتصرفات تتعلق بالمال الذي يكسبه من عمله ، تعتبر أعمال وتصرفات صحيحة ترتب كل آثارها ، دون توقف على موافقة أحد ودون حاجة إلى إجازة.

وهنا أيضاً ورعاية لمصلحة القاصر، أجاز المشرع للمحكمة أن تقيد حق القاصر في ماله المذكور، فتجري عليه أحكام الولاية والوصاية، كأن يكون دخل القاصر من عمله كبير يخشى عليه من البذخ والإسراف.

الحالة الرابعة…. وتتعلق بالقاصر الذي أذنت له المحكمة بالزواج وكان له مال ، إذا أعتبره المشرع كامل الأهلية فيما يتعلق بالتصرف في المهر والنفقة ، وبقصد بالمهر الصداق الذي يقدمه الزوج لزوجته دون ” الدوطة ” التي قد تقدمها الزوجة للزوج في بعض الشرائع .

وللمحكمة رعاية لمصلحة القاصر أيضاً أن تأمر بغير ذلك ، سواء في الإذن بالزواج أو لاحقاً على ذلك ، أي أن للمحكمة أن تضيف المهر كله أو بعضه أو النفقة كلها أو بعضها إلى الأموال المشمولة بالولاية أو الوصاية ، إذا كانت مصلحة القاصر تقتضي ذلك .

الفرع الثاني

[ب] القاصر المأذون له من الولي أو المحكمة:
بجانب الحالات السابقة التي يأذن فيها المشرع بنفسه للقاصر بأن يباشر بعض الأعمال والتصرفات ، هناك حالات أخرى خول المشرع فيها الولي أو المحكمة أن يأذن للقاصر ناقص الأهلية أن يباشر بعض الأعمال والتصرفات القانونية ،فإذا حصل على هذا الإذن ، كانت تصرفاته صحيحة مرتبة لآثارها .

والحالة الأولي: تتعلق بالقاصر الذي بلغ الثامنة عشر من عمره، حيث أجاز المشرع لولية أن يسلمه أمواله كلها أو بعضها لإدارتها وهذا الإذن بتسليم الأموال يصدر من الولي ( الأب أو الجد ) أو من المحكمة حسب الأحوال.

ويترتب على حصول القاصر على الإذن بالإدارة أن تكون كافة الأعمال والتصرفات يجريها وتتعلق بإدارة الأموال صحيحة مرتبة لآثارها القانونية دون حاجة إلى إجازة ، فيعد كامل الأهلية بالنسبة لأعمال إدارة هذه الأموال رغم كونها دائرة بين النفع والضرر ، ورغم هذا فإنه ليس لهذا القاصر المأذون له أن يؤجر الأراضي الزراعية أو المباني لمدة تزيد على سنة .

وحماية لمصلحة القاصر أجاز المشرع للولي أن يسحب الإذن الذي سبق أن أعطاه للقاصر أو يحد من نطاقه ، وعلى القاصر أن يقدم حساباً سنوياً وللمحكمة أن تأمر بإيداع المتوفر من دخل القاصر خزانة المحكمة أو أحد المصارف ومتى تم الإيداع امتنع عليه السحب منه بإذن المحكمة .

وإذ قصر القاصر المأذون له في الإدارة أو أساء التصرف في إدارته أو قامت أسباب يخشى معها من بقاء الأموال في يده ، جاز للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب النيابة العامة أو أي من ذوي المصلحة أن تحد من الإذن أو تسلبه من القاصر بعد سماع أقواله .

أما الحالة الثانية : فتتعلق بالقاصر الذي بلغ الثامنة عشر من عمره وأذن له بالاتجار ، إذ أجاز المشرع للمحكمة أن تأذن للقاصر الذي بلغ هذه السن في أن يتجر ، واتجار القاصر يحتاج إلى إذن خاص ، كلا يكفي فيه الإذن بالإدارة لما يتسم به الاتجار من خطورة ومجازفة بأموال القاصر .

والإذن بالاتجار لا يصدر إلا من المحكمة، وبعكس الإذن بالإدارة الذي يصدر من الولي أو من المحكمة كما رأينا.

.. المطلب الثالث ..

المرحلة الثالثة…. البالغ الرشيد:
ببلوغ الشخص سن الرشد وهو إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة ( ) متمتعاً بقواه العقلية ويكون كامل الأهلية أهلاً لمباشرة كافة أنواع التصرفات القانونية .

وتزول الولاية عن الصبي المميز ، بحكم القانون ، ببلوغه سن الرشد ، أما إذا آنس الولي على المولى عليه انه سيبلغ غير رشيداً أي بنقص في قواه العقلية فله أن يطلب إلى القضاء استمرار الولاية عليه حتى إلى بعد بلوغه سن الرشد ، فإذا استوثقت المحكمة من صدق قول الولي ، أي من قيام العارض أو عدم إيناس الرشد ، تقضي باستمرار الولاية على الصبي .

أما إذا بلغ الصبي رشيداً ، فإن الولاية تنتهي عنه ، فإذا قام به عارض من عوارض الأهلية ، فلا سبيل لعودة الولاية عليه مرة أخرى وليس هناك من سبيل سوى إتباع إجراءات الحجر عليه .

وكذلك تنتهي الوصاية على القاصر ببلوغ سن الرشد إلا إذا تقرر استمرار الوصاية عليه قبل بلوغ هذه السن، أما إذا بلغ الشخص وهو غير متمتع بقواه العقلية أو بلغ ثم أصيب بعاهة تفقده عقله أو تنقصه ، كان معدوم الأهلية أو ناقصها وهو ما يسمى بعوارض الأهلية.

المبحث الثاني.. عوارض الأهلية ..

ما يعرض للأهلية من عوارض قد يعدمها أو ينقصها ، وهو قد يصيب العقل كالجنون والعته والسفه والغفلة وقد يصيب الجسم فيجعل الشخص غير قادر على القيام بأمر نفسه كإصابة الحواس ، وبعضها يحول بين الشخص والإشراف على أمواله وتصريف شئونه كالغيبة وسوف نتعرض لكل عارض من هذه العوارض على حده .

الجنون والعته والسفه :
المطلب الأول … الجنون… وهو آفة تصيب العقل فتذهب به ، ويؤدي الجنون إلى فقد التمييز ، ولا يفرق القانون الوضعي ، مثل ما فعلت الشريعة الإسلامية ، بين الجنون المطبق والجنون المتقطع ( ) ، فتصرفات المجنون تقع باطلة بطلاناً مطلقاً متى صدرت بعد تسجيل قرار الحجر عليه ، دون تمييز بين ما يصدر منه في فترة الجنون وما يصدر في فترة الإفاقة .

المطلب الثاني … العته

فهو أيضاً آفة تصيب العقل فتجعله مختلاً فهي لا تذهب بالعقل كالجنون، فيكون تصرف المعتوه مختلاً يشبه تصرف العقلاء أحياناً وتصرف المصابين بالجنون أحياناً أخرى.

ولقد سوى المشرع بين المجنون والمعتوه في الحكم فأعتبرهما عديمي الأهلية ( )، ويحكم بالحجر على المجنون والمعتوه إذا كان بالغاً ، ولا يرفع عنه الحجر إلا بحكم ، أما إذا ظهرت علامات الجنون أو العته قبل بلوغ سن الرشد ، أي قبل انتهاء الولاية أو الوصاية ، فإنه يجوز الحكم في هذه الحالة باستمرار الولاية أو الوصاية .

حكم تصرفات المجنون والمعتوه: ـ
نصت المادة 114 من القانون المدني المصري على أنه… ” يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر، أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر ، فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها .”( ) .

ويؤخذ من ذلك وجوب تسجيل قرار الحجر، وبطلان ما يقع بعد ذلك من تصرفات من المجنون أو المعتوه ولا فرق في ذلك بين ما إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو غير شائعة ، معلومة للطرف الآخر أو غير معلومة ، ولا بين ما إذا كان العته يذهب التمييز أو لا يذهب به مادام قرار الحجر لم يبين ذلك ، وقد أجازت المواد 1026 وما بعدها من قانون المرافعات المصري طلب الحجر ورتبت عليه إمكان الاحتجاج على الغير بقرار الحجر من وقت تسجيل الطلب ( ) ، أم التصرفات السابقة على تسجيل قرار الحجر ، أو على تسجيل طلب الحجر إن كان قد سجل ، فيشترط في بطلانها ثبوت حالة الجنون أو العته الذي يذهب بالتمييز وقت التعاقد وذيوع هذه الحالة أو علم الطرف الآخر بها (144) ، ويكتفي بثبوت أحد هذين الأمرين لإبطال التصرف ، ولا يشترط ـ كما هو الحال بالنسبة للسفيه وذي الغفلة ـ كون التصرف نتيجة استغلال أو تواطؤ ( ).

المطلب الثالث …. السفيه

 وهو من يبذر المال على غير مقتضى العقل والشرع ولو كان في سبيل الخير ( ).

وهما يشتركان بوجه عام في معنى واحد وهو ضعف بعض الملكات الضابطة للنفس ، إلا أن الصفة المميزة للسفه هي أنها تعتري الإنسان فتحمله على تبذير المال وإتلافه على خلاف مقتضى العقل و الشرع ، أما الغفلة فإنها تعتبر صورة من صور ضعف الملكات النفسية ترد على حسن الإدارة والتقدير ، وهي على هذا الوصف وغن كان يرجع في لإثباتها أو نفيها لذات التصرفات التي تصدر من الشخص إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من أن تستمد محكمة الموضوع أيضاً الدليل إثباتاً ونفياً من أقوال المحجور عليه في التحقيقات ومن مناقشتها له ( ) .

ويرى أبو حنيفة عدم جواز الحجر على السفيه وذي الغفلة ولكن الصاحبين والأئمة الثلاثة يرون جوازه .

وقد أخذ المشرع المصري بهذا الرأي الأخير حيث تنص المادة 113 مدني على أن ” المجنون والمعتوه وذو الغفلة والسفيه تحجر عليهم المحكمة وترفع الحجر عنهم وفقاً للقواعد وللإجراءات المقررة في القانون ” ، كما تنص المادة 65 من قانون الولاية على المال على أن يحكم بالحجر على البالغ للجنون أو العته أو للسفه أو للغفلة ولا يرفع عنه الحجر إلا بحكم.

ومتى أوقعت المحكمة الحجر عليهما صارا ناقصي الأهلية كالصبي المميز ، فيسري على تصرفاتهما التالية لتسجيل قرار الحجر ما يسري على تصرفات الصبي المميز من أحكام ( المادة 115 فقرة أولى ) أي تكون باطلة أو قابلة للإبطال دون حاجة إلى إثبات أن التصرف كان نتيجة استغلال وتواطؤ ( )، أما التصرفات السابقة على تسجيل قرار الحجر فلا تكون باطلة إن كانت من التبرعات ، ولا قابلة للإبطال إن كانت من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر، إلا إذا كانت نتيجة الاستغلال أو التواطؤ ( المادة 115 فقرة ثانية ) (152) ، ويزول حق التمسك بإبطال التصرفات الدائرة بين النفع والضرر إذا أجاز المحجور عليه التصرف بعد رفع الحجر عنه أو إذا صدرت الأجازة من القيم أو من المحكمة بحسب الأحوال وفقاً للقانون (153) ، وتكون أعمال الإدارة الصادرة من المحجور عليه لسفه أو غفلة المأذون له في تسلم أمواله (المادة 116 فقرة ثانية مدني مصري والمادة 67 من قانون الولاية على المال ) ( ) ويشترط في القيم ما يشترط في الوصي ( المادة 69 ) ( ) ويكون له ما للوصي من ولاية وتسري عليه الأحكام المقررة في شأن الأوصياء .

والعاهة الجسمية إما أن تكون مزدوجة كأن يكون الشخص البالغ العاقل أصم أبكم ( ) أو أعمى أبكم ، أو أعمى أصم ، ويتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته ، وإما أن تحدث بالشخص عجزاً جسمانياً شديداً يخشى معه من إنفراده بمباشرة التصرف في ماله.

وقد أجازت المادة 117 مدني في الحالة الأولى والمادة 70 من قانون الولاية على المال في كلتا الحالتين أن تعين المحكمة لهذا الشخص مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات التي يحتاج فيها الوصي إلى إذن المحكمة ( ) ويعتبر تعيين المساعد القضائي بمثابة الحجر على من عين له ولكنه حجر مقصور على التصرفات المذكورة ، ويكون قابلاً للإبطال كل تصرف من هذه التصرفات متى صدر من الشخص الذي تقررت مساعدته قضائياً بغير معاونة المساعد إذا صدر التصرف بعد تسجيل طلب المساعدة أو بعد تسجيل قرار المساعدة إن لم يكن الطلب قد سجل .

ولكن لا يجوز للمتعاقد الآخر أن يتمسك في دفع دعوى الإبطال بعدم تسجيل قرار المساعدة إلا إذا كان حسن النية أي إذا كان يجهل صدور هذا القرار ، وإذا انفرد المساعد بالتصرف يكون حكم تصرفه كحكم تصرف الولي أو الوصي خارج حدود ولايته أي أنه يقع موقوفاً على قبول من تقررت مساعدته قضائياً .

المبحث الثالث الفرق بين الأهلية وأحكام الولاية علي المال( )

تقدم أن أهلية الأداء هي صفة تقوم بشخص تجعله صالحاً لأن يباشر بنفسه عملاً من الأعمال القانونية المتعلقة بحق أو التزام تكون لهذا الشخص بالنسبة إليه أهلية الوجوب ، أو هي بعبارة أخرى صلاحية الشخص للقيام بالأعمال القانونية باسمه ولحساب نفسه بقصد إحداث آثارها في شخصه أو في ذمته المالية .

أما الولاية فهي صفة تقوم بشخص تجعل له سلطاناً على غيره في نفسه أو ماله أو فيهما جميعاً جبراً عنه ( ) ، أو هي بعبارة أخرى صلاحية الشخص للقيام بالأعمال القانونية باسم شخص آخر يكون هو نائباً عنه بحكم القانون ولحساب هذا الشخص أي بقصد إحداث آثارها في شخص الأصيل أو في ذمته المالية ، وجدير بالذكر أن نيابة الولي عن القاصر نيابة قانونية ويتعين حتى ينصرف أثر العمل الذي يقوم به القاصر أن يكون هذا العمل في حدود نيابته ، أما إذا جاوز الولي هذه الحدود فإنه يفقد صفة النيابة ولا ينتج العمل الذي قام به أثره بالنسبة إلى القاصر ، ولا يجوز الرجوع على هذا الأخير إلا بقدر المنفعة التي عادت عليه بسببها ( ) .

ونكتفي بهذه الإشارة إذ أن الاستطراد سيأخذنا إلى عالم القانون المدني الواسع ويبعد بنا عن مقصد بحثنا.

الفصل الأول تعريفات

وهي تتمثل في المسئولية الجنائية للشخص ، وقد أخذ المشرع المصري وغالبية التشريعات القائمة بفكرة المذهب التقليدي فالشخص الذي يلتزم بتحمل العقاب أو الذي يتحمل المسئولية الجنائية ليس هو كل آدمي فحسب ، بل هو الآدمي الذي تتوافر له صلاحية أو أهلية معينة ، وهي أهلية تتركب من العناصر التي يقوم منها أساس المسئولية الأدبية ، وهي الإدراك والإرادة .

وفي إشارة إلى هذه الأهلية ، تلجأ بعض التشريعات إلى النص عليها بطريقة إيجابية مباشرة ، كالقانون الإيطالي إذ نصت المادة 85 منه على أنه ” لا عقاب على من يرتكب فعلاً يعده القانون جريمة إذ لم يكن وقت ارتكابها أهلاً للتكليف ، ولا يكون كذلك إلا إذا توافرت له القدرة على الإدراك والإرادة ” .

كما لجأت بعض التشريعات الأخرى إلى النص عليها بطريقة سلبية بأن تحصر الحالات التي ترى أنها تمنع قيام المسئولية ، ومنها عدم توافر الأهلية للمسئولية ، كالقانون الفرنسي ، إلا أن المشرع المصري لم يسلك أحد السبيلين ، فهو قد تكلم عن حالة الضرورة في المادة 61 ، ثم وضع مبدأ عاماً في الفقرة الأولى من المادة 62 بقوله : لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل ، ثم نص في قانون الأحداث على أنه لا تقام الدعوى على الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنوات ولهذا يبدو أن المشرع المصري لم يشأ حصر موانع المسئولية ، بل وضع قاعدة عامة في المادة 62 تطبق على كل حالة مماثلة ، بيد أنه على الرغم من ذلك فإن مفهومه انه يشترط لتوافر المسئولية الجنائية بالنسبة للشخص أن يكون أهلاً لتحملها ، بأن يتوافر لديه الإدراك والإرادة ، ومن ثم فإذا انعدم أيهما امتنعت المسئولية لعدم الأهلية ، لذلك فإننا نعرض لكل منهما في مبحث مستقل .

الإدراك والعلم…

الإدراك باعتباره عنصراً من عناصر الأهلية للمسئولية ـ يقصد به ذات الملكة العقلية التي تؤهل الإنسان وتجعله قادراً على أن يعلم بالأشياء وطبيعتها ويعرفها ويتوقع الآثار التي من شأنها إحداثها ، أي تجعله قادراً على الإحاطة بالأمور والأحداث وتفهم الماهيات الحسية ، أي المعرفة بالمعاني والمفهومات الذهنية بحيث يستطيع التمييز بينها ويعلم بعواقبها ويقدر نتائجها ، وهذه الملكة أو هذا الاستعداد يتوافر لدى الإنسان ببلوغه سناً معينة من النضج العضوي والعقلي ، سنا قام المشرع بتحديدها في نصوص القانون ، يتميز بالعلم والمعرفة بالأحداث والوقائع وتطابق تلك المعرفة مع حقيقة موضوعها ، فهي عبارة عن ملكة الإدراك الذهني في حالة نشاطها وما عليها حيث يستعيض الإنسان في عقله عن المحسوسات برموزها ومعانيها ومفاهيمها أي بصورها الذهنية .

هذا العلم بمعناه السابق هو الذي يعتبر عنصراً من العناصر التي تتركب منها الصورة العمدية للركن المعنوي اللازم لقيام المسئولية الجنائية ، وليس عنصراً من عناصر الأهلية لتحمل التبعة الجنائية .

وفرق بين أمرين ، لأن الأهلية عبارة عن حالة أو وصف يقوم بشخص الجاني ، أي هي تكييف يتوافر بالشخص متى اتضح أن ملكاته الذهنية واستعداده العقلي قد خلقت فيه بحالة طبيعية وعادية وقت ارتكاب الجريمة ، ولهذا فإنه من المتصور أن يكون الشخص أهلاً لتحمل المسئولية بأن تتوافر فيه ملكة الإدراك والاستعداد للعلم ، ومع ذلك يثبت انه يجهل بتوافر عنصر من عناصر الجريمة ، وبذلك تمتنع مسئوليته لانعدام القصد الذي تتميز به الصورة العمدية لركنها المعنوي ، وعلى ذلك فالمجنون أو صغير السن يستطيع أن يرتكب القتل العمد أو القتل بإهمال ، وتمتنع مسئوليته الجنائية ، وذلك بسبب عدم توافر أهليته للالتزام بالعقاب ، ومن الأهمية بمكان تعيين أي السببين هو الذي حال دون قيام المسئولية ، فإذا كان هو انعدام العمد أو الخطأ ، فإن الفعل لا يدل على أن صاحبه يخشى منه خطر ، إنما إذا كان هو انعدام الأهلية ، فإن من الجائز اتخاذ التدابير الوقائية رغم امتناع المسئولية .

المبحث الأول الإرادة وحريتها…

أما الإرادة باعتبارها عنصراً من عناصر الأهلية للمسئولية ، فيقصد بها ذات القوة أو القدرة النفسية التي يستطيع بها الشخص أن يتحكم في سلوكا إيجابياً معيناً أو يمتنع عنه أو يعدل فيه ، فهي قدرته على تحديد الوجهة التي تتخذها إرادته ، هذه القوة أو القدرة النفسية لا تتوافر أيضاً لشخص إلا إذا كان قد بلغ سن النضوج ـ العضوي والنفسي ـ الذي حدده المشرع في نصوصه ، والذي يمكنه من التحكم الشخصي في سلوكه ومن السيطرة الذاتية على أفعاله ، أما نفس عملية التحكم والسيطرة الذاتية على السلوك والاختيار في حرية ، فهي عبارة عن ذات القدرة النفسية في حالة نشاطها وفاعليتها بحيث تستطيع أن تتحكم مراكز الإدارة في مراكز الحركة العضوية فيختار الشخص أن يكف عن حركة أو يعدل فيها أو يخرجها إلى حيز الوجود الواقعي بعيداً عن كافة المؤثرات التي تعدم تلك الحرية في الاختيار الذاتي أو تضيق نطاقها ، حرية الإرادة أو حرية الاختيار هي إذن الحالة التي يتمثل فيها العنصر الأساسي التي تتركب منه كل صور الركن المعنوي للمسئولية الجنائية العمدي منها وغير العمدي ( ) .

المبحث الثاني صغر السن في الشريعة الإسلامية

لما كانت الشريعة الإسلامية تعتبر أول شريعة في العالم ميزت بين الصغار والكبار من حيث المسئولية الجنائية تمييزاً كاملاً ، وأول شريعة وضعت لمسئولية الصغار قواعد لم تتطور ولم تتغير من يوم أن وضعت ولكنها بالرغم من مضي ثلاثة عشر قرناً عليها تعتبر أحداث القواعد التي تقوم عليها مسئولية الصغار في عصرنا الحاضر .

ولقد بدأت القوانين الوضعية تأخذ ببعض المبادئ التي وضعتها الشريعة لمسئولية الصغار بعد الثورة الفرنسية ، ثم أخذت تتطور باستمرار بتأثير تقدم العلوم الطبية والنفسية ، ولكن القوانين الوضعية بالرغم من تطورها تطوراً عظيماً لم تأت بعد بجديد لم تعرفه الشريعة الإسلامية .

ولا نستطيع أن نتصور مدى فضل الشريعة الإسلامية إلا إذا عرفنا ما كانت عليه حالة الصغار في القوانين القديمة التي كانت تعاصر الشريعة عند نزولها ، وأهم هذه القوانين القديمة هو القانون الروماني أساس القوانين الأوروبية الحديثة ، فهذا القانون كان بحق أرقى القوانين الوضعية كافة ، ولكنه لم يميز بين مسئولية الصغار والكبار إلا إلى حد محدود ، فقد كان يميز بين الطفل في سن السابعة وما بعدها ويجعل الصغير مسئولاً جنائياً إذا زاد سنه عن سبع سنوات ، ولا يجعله مسئولاً إذا قل سنه عن سبع سنوات إلا إذا كان قد ارتكب الجريمة بنية الإضرار بالغير ففي هذه الحالة يكون مسئولاً جنائياً عن عمله ، وشتان بين ما جاءت به الشريعة الإسلامية .

وتقوم المسئولية الجنائية في الشريعة الإسلامية كما بينا من قبل على عنصرين أساسيين : هما الإدراك والاختيار ، ولهذا تختلف أحكام الصغار باختلاف الأدوار التي يمر بها الإنسان من وقت ولادته إلى الوقت الذي يستكمل فيه ملكتي الإدراك والاختيار ، والإنسان حين يولد يكون عاجزاً بطبيعته عن الإدراك والاختيار ، ثم تبدأ ملكتا الإدراك والاختيار في التكون شيئاً فشيئاً حتى يأتي على الإنسان وقت يستطيع فيه الإدراك إلى حد ما ولكن إدراكه يكون ضعيفاً وتظل ملكاته تنمو حتى يتكامل نموه العقلي ، وعلى أساس هذا التدرج في تكوين الإدراك وضعت قواعد المسئولية الجنائية ، وفي الوقت الذي يكون فيه الإدراك ضعيفاً تكون المسئولية تأديبية لا جنائية ، وفي الوقت الذي يتكامل فيه الإدراك يكون الإنسان مسئولاً جنائياً .

ومؤدى ما سبق أن المراحل التي يجتازها الإنسان من يوم ولادته حتى بلوغه سن الرشد ثلاث مراحل كل منهما في مطلب مستقل :
الأولى: مرحلة انعدام الإدراك ويسمى الإنسان فيها بالصبي غير المميز.
الثانية: مرحلة الإدراك الضعيف ويسمى الإنسان فيها بالصبي المميز.
الثالثة: مرحلة الإدراك التام ويسمى فيها الإنسان فيها بالبالغ والراشد.

المطلب الأول

المرحلة الأولى… انعدام الإدراك…

تبدأ هذه المرحلة بولادة الصبي وتنتهي ببلوغه السابعة اتفاقا ، وفي هذه المرحلة يعتبر الإدراك منعدماً في الصبي ويسمى بالصبي غير المميز ، والواقع أن التمييز ليس له سناً معيناً يظهر فيه أو يتكامل بتمامه ، فالتمييز قد يظهر في الصبي قبل بلوغ السابعة وقد يتأخر عنها تبعاً لاختلاف الأشخاص واختلاف بيئاتهم واستعدادهم الصحي و العقلي ، ولكن الفقهاء حددوا مراحل التمييز أي الإدراك بالسنوات حتى يكون الحكم واحد للجميع ناظرين في ذلك إلى الحالة الغالبة في الصغار ، وقد كان هذا التحديد ضرورياً لمنع اضطراب الأحكام ، ولأن جعل التمييز مشروطاً بسن معينة يمكن القاضي أن يتعرف بسهولة إن كان الشرط تحقق أم لا ، لأن هذا الشرط وصف محسوس يسهل ضبطه والتعرف عليه .

ويعتبر الصبي غير مميز مادام لم يبلغ سبع سنوات ولو كان أكثر تمييزاً ممن بلغ هذه السن ، لأن الحكم للغالب وليس للأفراد ،وحكم الغالب أن التمييز يعتبر منعدما قبل بلوغ سن السابعة ، فإذا ارتكب الصغير أية جريمة قبل بلوغه السابعة فلا يعاقب عليها جنائياً ولا تأديبياً ، فهو لا يحد إذا أرتكب جريمة توجب الحد ولا يقتص منه إذا قتل غيره أو جرحه ولا يعزر .

ولكن إعفائه من المسئولية الجنائية لا يعفيه من المسئولية المدنية عن كل جريمة يرتكبها ، فهو مسئول في ماله الخاص عن تعويض أي ضرر يصيب به غيره في ماله أو نفسه ، ولا يرفع عنه انعدام التمييز المسئولية المدنية كما يرفع المسئولية الجنائية ، لأن القاعدة الأصلية في الشريعة الإسلامية أن الدماء والأموال معصومة أي غير مباحة ، وأن الأعذار الشرعية لا تنافي هذه العصمة أي أن الأعذار لا تهدر الضمان ولا تسقطه ولو أسقطت العقوبة .

المطلب الثاني

المرحلة الثانية … الإدراك الضعيف…

تبدأ هذه المرحلة ببلوغ الصبي السابعة من عمره وتنتهي بالبلوغ، ويحدد عامة الفقهاء سن الخامسة عشر عاماً فإذا بلغ الصبي هذه السن أعتبر حكماً ولو كان لم يبلغ فعلاً .

ويحدد أبو حنيفة شخصياً سن البلوغ بثمانية عشر عاماً ، وفي قول بتسعة عشر عاماً للرجل وسبعة عشر عاماً للمرأة ، والرأي المشهور في مذهب مالك يتفق مع رأي أبي حنيفة إذ يحدد أصحابه سن البلوغ بثمانية عشر عاماً .

وفي هذه المرحلة لا يسأل الصبي المميز عن جرائمه مسئولية جنائية ، فلا يحد إذا سرق أو زنى مثلاً ، ولا يقتص منه إذا قتل أو جرح ، وإنما يسأل مسئولية تأديبية فيؤدب على ما يأتيه من الجرائم .

والتأديب وإن كان في ذاته عقوبة على الجريمة إلا أنه عقوبة تأديبية لا جنائية ، ويترتب على اعتبار العقوبة تأديبا أن لا يعتبر الصبي عائداً مهما تكرر تأديبه ، وإن لا يوقع عليه من عقوبات التعزير إلا ما يعتبر تأديباً كالتوبيخ والضرب .

ويسأل الصبي المميز مدنياً عن أفعاله ولو أنه لا يعاقب عليها بعقوبة جنائية للأسباب التي ذكرناها من قبل عند الكلام على الصبي غير المميز.

المطلب الثالث

المرحلة الثالثة… مرحلة الإدراك التام…

وتبدأ ببلوغ الصبي سن الرشد، أي ببلوغه الخامس عشر من عمره على رأي عامة الفقهاء، أو ببلوغه العام الثامن عشر من عمره على رأي أبو حنيفة ومشهور مذهب مالك ( ).

وفي هذه المرحلة يكون الإنسان مسئولاً جنائياً عن جرائمه أياً كان نوعها فيحد إذا زنى أو سرق ، ويقتص منه إذا قتل أو جرح ، ويعزر بكل أنواع التعازير .

تحديد سن البلوغ : الأصل عند الفقهاء جميعاً في تحديد سن البلوغ
قوله صلى الله علية وسلم
” رفع القلم عن ثلاثة : الصبي حتى يحتلم ، والنائم حتى يستيقظ ، والمجنون حتى يفيق ” .
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومعنى رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم هو جعل الاحتلام غاية لارتفاع الخطاب، والأصل أن الخطأ بالبلوغ، فدل الحديث على أن البلوغ يثبت بالاحتلام، لأن البلوغ والإدراك عبارة عن بلوغ المرء كمال الحال، وذلك بكمال القدرة والقوة على استعمال سائر الجوارح السليمة ، وهذا يتحقق على الكمال عند الاحتلام .

وإذا كان البلوغ بالاحتلام فإن بلوغ الغلام يعرف بالاحتلام والاحبال والإنزال ، وبلوغ الجارية يعرف بالحيض والاحتلام والحبل ، فحدده أغلب الفقهاء بخمسة عشر عاماً للغلام والجارية جميعاً ، وحجتهم أن المؤثر في الحقيقة هو العقل وهو الأصل في المسئولية وبه قوام الأحكام ، وإنما جعل الاحتلام حدا للبلوغ شرعاً ولكن الاحتلام دليل على كمال العقل ، والاحتلام لا يتأخر عادة عن خمس عشرة عاماً ، فإذا لم يحتلم إنسان حتى هذه السن فذلك يرجع لآفة في خلقته ، والآفة في الخلقة لا توجب آفة في العقل ، فكان العقل دائماً بلا آفة ووجب اعتبار الشخص بالغاً تلزمه الأحكام .

وأما من يحددون البلوغ بثمانية عشر عاماً أو بتسعة عشر عاماً فحجتهم أن الشرع علق الحكم والخطاب بالاحتلام فوجب بناء الحكم عليه ، ولا يرتفع الحكم عنه ما لم يتيقن بعدمه ويقع اليأس عن وجوده ، وإنما يقع اليأس بهذه المدة ، لأن الاحتلام إلى هذه المدة متصور في الجملة فلا يجوز إزالة الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع الاحتمال، أي أنه مادام الاحتلام مرجوا وجب الانتظار ولا يأس خمس عشرة سنة إلى ثماني عشرة أو تسع عشر بل هو مرجو فلا يقطع الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع رجاء وجوده ، بخلاف ما بعد هذه المدة فإنه لا يحتمل وجوده بعدها فلا يجوز اعتباره في زمان اليأس عن وجوده ( ) .

المبحث الثالث عقوبة الصبي غير المميز :

عقوبة الصبي غير المميز هي كما قدمنا عقوبة تأديبية خالصة وليست عقوبة جنائية ، لأن الصبي ليس من أهل العقوبة .

ولم تحدد الشريعة نوع العقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها على الصبيان وتركن لولي الأمر أن يحددها على الوجه الذي يتراءى له ، ومن المسلم به لدى الفقهاء أن التوبيخ والضرب من العقوبات التأديبية .

وترك تحديد العقوبات التأديبية لولي الأمر يمكن من اختيار العقوبة الملائمة للصبي في كل زمان ومكان ، فيجوز لولي الأمر أن يعاقب بالضرب أو التوبيخ ، أو التسليم لولي الأمر أو لغيره ، أو بوضع الصبي في إصلاحية أو في مدرسة ، أو بوضعه تحت مراقبة خاصة ، إلى غير ذلك من الوسائل التي تؤدي إلى تأديب الصبي وتهذيبه ، وإبعاده عن الوسط الذي يعيش فيه .

واعتبار العقوبة تأديبية لا جنائية يؤدي إلى عدم اعتبار الصبي بعد بلوغه عائداً بما عوقب به من قبل البلوغ ، وهذا مما يساعده على سلوك الطريق السوي ويمهد لنسيان الماضي ( ).

المبحث الرابع قصور الملكات العقلية والذهنية

المطلب الأول قصور الملكات العقلية بسبب صغر السن :

يعتبر صغر السن من بين الأعذار القانونية المخففة للمسئولية، وهذا العذر القانوني له أهمية خاصة، إذ أنه يتعلق بفئة صغار السن الذين يتنكبون السبيل القويم في سن مبكرة، وليس هناك شك بأن الملكات العقلية والذهنية للإنسان هي التي يتوقف عليها وعيه كما تتوقف عليها إرادته ، كما أنه ليس هناك من يشك من ناحية أخرى في أن تلك الملكات لا تولد مع الإنسان في يوم مولده وإنما يتراخى ميلاد تلك الملكات فترة بعد الميلاد ثم تبدأ هذه الملكات في التطور والنضوج مع تقدم العمر وتعرض الطفل للخبرة والتجارب حتى يكتمل نضجها الطبيعي في سن معين ، وعلى هذا فإن صغر السن كما قد يكون سبباً في انتفاء الوعي كلية قد يكون سبباً في قصوره أو عدم كفايته ، والمسئولية الجنائية ينبغي أن تتعامل على أساس تلك الحقيقة ، ألا وهي أن الوعي والإرادة لا يتوافران للصغير دفعة واحدة وإنما تدرجا الأمر الذي يفرض ارتباط مسئولية الحدث الجنائية من حيث وجودها ومن حيث وجودها ومن حيث جوهرها وطبيعة الجزاء المترتب عليها بمدى نصيب الحدث من الوعي والإرادة وهو ما تسلم به كافة التشريعات .

المطلب الثاني معاملة الأحداث في القانون المصري والكويتي :ـ

انتهج المشرع الكويتي نهجاً مطابقاً لنهج المشرع المصري فيما يتعلق بمعاملة الأحداث فقد تقررت معاملة الأحداث أو القصر في القانون المصري بمقتضى قانون رقم (31/1974) بشأن الأحداث ،كما نص القانون الكويتي في قانون الأحداث الكويتي رقم( 3/1983 ) وقد حددت المادة الأولى منه المقصود بالحدث بأنه ” يقصد بالحدث في حكم هذا القانون من لم يتجاوز سنه ثماني عشر سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف “.

وهكذا دل القانون على أن العبرة في سن المتهم هي مقدارها ” وقت ارتكاب الجريمة”( ) بصرف النظر عن وقت اكتشاف الجريمة أو وقت الإحالة أو المحاكمة .

الفرع الأول سن الأهلية الجنائية …
يعتبر الشخص راشداً متمتعاً بالأهلية الجنائية كاملة وأهلاً بالتالي لأن يسأل مسئولية تامة وأن توقع عليه العقوبات إذا كان قد أتم سن الثامنة عشر وقت ارتكاب الجريمة ، وتظل أهلية الشخص قائمة مهما بلغ به العمر طالما لم يصيبه عارض من عوارض الأهلية الجنائية ، وهذا معناه أن الشيخوخة لا تأثير لها على الأهلية الجنائية اللهم إلا إذا تسببت في انحطاط الملكات العقلية للشيخ وحتى في هذه الحالة فإن أهليته الجنائية تتأثر بذلك الانحطاط لا بالشيخوخة ذاتها .

وهذا معناه أن الشارع المصري قد افترض أن الشخص رجلاًُ كان أم أنثى يستجمع ملكاته الذهنية والعقلية في حالتها الطبيعية الكافية لقيام المسئولية الجنائية إذا أتم الثامنة عشرة.

الفرع الثاني امتناع مسئولية القاصر الذي لم يتم السابعة من عمره:
كان المشرع المصري ينص في المادة 64 عقوبات قبل إلغائها بإصدار قانون الأحداث على أنه ” لا تقام الدعوى على الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة ” ، ورغم أن النص لم يرد له في قانون الأحداث المعمول به مقابلاً ، لأن حكمها منطق تفرضه طبيعة الأمور دون نص ، إذ لا يتصور أن يكون الصغير الذي لم يبلغ السابعة أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية دون أن يتوفر له التمييز ( ) ، ومن هنا نصت المادة الثالثة من قانون الأحداث على أن مثله يتعرض للانحراف ” … إذا صدرت منه واقعة تعد جناية أو جنحة ” ، وهو ما فسرته المذكرة الإيضاحية بقولها ” إن الحدث الذي تقل سنه عن سبع سنوات ويرتكب فعلاً مخالفاً لقانون العقوبات ينظر إليه بوصفه معرضاً للانحراف لا بوصفه مرتكباً لجريمة ، وذلك تمشياً مع سن التمييز الجنائي الذي أخذ به قانون العقوبات وهو السابعة ” .

وهذا معناه أن الصغير الذي لم يتم السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل تمتنع مسئوليته العقابية فلا يجوز توقيع العقوبة عليه ، لأنه لا تجوز ملاحقة مثله جزائياً ، وترجع العلة وراء امتناع مسئولية هذا الصغير وعدم جواز ملاحقته جنائياً إلى غياب الملكات الذهنية والعقلية لدى الصغير منذ ميلاده إلى سن السابعة أو بالأقل انحطاطها انحطاطا ضخماً الأمر الذي يترتب عليه انتفاء الوعي والإرادة لدى مثلهم على نحو لا يسمح بإدراك معنى الجريمة ومعنى العقوبة والاختيار بين الأقدام عليها و الإحجام عناه ، وهو أمر مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس .

والعبرة في تقدير سن الصغير هي بوقت اقتراف الفعل لا بوقت اكتشاف الجريمة أو تقديمه للمحاكمة.

الفرع الثالث مسئولية الولد بين السابعة والخامسة عشر :
لا توقع عقوبة في القانون المصري أو الكويتي على من لم يتم الخامسة عشر من عمره حين اقتراف الجريمة ، على ما نصت عليه قانون الأحداث ” فيما عدا المصادرة وإغلاق المحل ، ولا يجوز أن يحكم على الحدث الذي لا يتجاوز سنه خمسة عشر سنة ويرتكب جريمة ، أية عقوبة أو تدبير مما نص عليه في القانون .

وهذا معناه أن القاصر الذي لم أتم السابعة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة يجوز توقيع ” العقوبة ” عليه وذلك على أساس أن الملكات الذهنية التي تتوفر لمن في سنه لم تصل بعد إلى مرحلة النضوج التي تسمح له بإدراك مغزى العقوبة كألم مقصود من تذوقه زيادة مقاومته للجريمة ، كما أن توقيع العقوبة على مثله يحمل خطر التأثير السيئ على بنية الصغير وعلى نفسيته ، مما قد يؤدي إلى صيرورته بعد العقوبة على حالة صحية ونفسية مخربة والعبرة في تقدير سن الصغير هي بوقت اقتراف الفعل الجرمي ( )، ومع ذلك فإن هذا الصغير وإن أمتنع تطبيق العقوبة عليه إلا أنه يحكم عليه ـ على ما تقضي به المادة السابعة من قانون الأحداث بأحد التدابير الآتية:ـ
1ـ التوبيخ.
2ـ التسليم.
3ـ الإلحاق بالتدريب المهني .
4ـ الالتزام بواجبات معينة.
5ـ الاختبار القضائي.
6ـ الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية .
7ـ الإيداع في إحدى المستشفيات التخصصية .

كما انه إذا أرتكب الحدث الذي لا تزيد سنه على خمس عشرة سنة جريمتين أو أكثر وجب الحكم عليه بتدبير واحد مناسب ، ويتبع ذلك إذا ظهر بعد الحكم بالتدبير أن الحدث ارتكب جريمة أخرى سابقة ولاحقة على ذلك الحكم ، كما أن الحدث دون الخامسة عشر من عمره لا يسري عليه قانون العود للإجرام .

الفرع الرابع مسئولية الفتيان بين الخامسة عشر والثامنة عشر …
والوضع بالنسبة لهم مختلف عن الفئات السابقة حيث قرر المشرع أن ملكاتهم العقلية وإن اتجهت نحو النضوج إلا أنها لم تدرك بعد النضوج الكامل ، فقرر إخضاعهم لبدأ توقيع العقوبات العادية وإن خفضها وجوباً على نحو يتناسب مع النقص الذي لا يزال في ملكاتهم كما أجاز تطبيق بعض التدابير عليهم بدلاً من العقوبة .

وعليه فإذا أرتكب الحدث الذي يزيد سنه عن خمسة عشر عاماً ولم يتجاوز الثامنة عشر عام جريمة عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات وإذا كانت الجناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن ، تبدل هذه العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ، وفي جميع الأحوال لا تزيد على ثلث الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة ويجوز للمحكمة بدلاً من الحكم على الحدث بإحدى هذه العقوبات أن تحكم بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية مدة لا تقل عن سنة طبقاً لأحكام هذا القانون .

أما إذا ارتكب الحدث جنحة يجوز الحكم فيها بالحبس ، فللمحكمة بدلاً من الحكم بالعقوبة المقررة لها ،أن تحكم عليه بأخذ التدبيرين الخامس أو السادس من التدابير السالف الإشارة إليها .

وإيماناً من المشرع الكويتي بأهمية الأحداث ورغبة جازمة منه في الإفادة من معطيات التطور العالمي بهذا الشأن وحرصاً على رعاية مصالح هؤلاء الأحداث اللذين انحرفوا لظروف مختلفة ومتفاوتة ، فقد أفرد لهم قانوناً خاصاً مستقلاً وهو القانون رقم 3/1983 ، وقد جمع فيه كافة الأحكام الخاصة بالأحداث ، سواء كانت أحكام موضوعية أو إجرائية ، كما تبنى فيه أهم ما وصلت إليه التشريعات الجنائية المتطورة ، ولهدف معلوم وهو انتزاع الأحداث من الوسط المحيط بهم الذي جعلهم يصنفون كأحداث لتحيق الأمان الاجتماعي لهم وللمجتمع بأسره حتى يستقيم بهم الحال دون أن يؤثرون على مسيرة غيرهم من الأسوياء المحيطين بهم . ومن هذا المنطلق قسم المشرع الكويتي في القانون المشار إليه الأحداث إلى نوعين:
الأول.. الأحداث المعرضون للانحراف .
الثاني.. الأحداث المنحرفون.
وسنتناولهم بحثاً ثم نختتم البحث بتنظيم محاكم الأحداث .

الورقة الأولى

أولاً .. الأحداث المعرضون للانحراف ..
سنتناول في هذا المبحث تعريفهم وصور التعرض للانحراف وحكم الأحداث المعرضون للانحراف .

1ـ تعريف الأحداث المعرضون للانحراف ..

وهم صغار السن اللذين يوجدون في وضع يعرضهم للانزلاق في مهاوى الجريمة ، وبعبارة أخرى هم الأحداث المهددون بالوقوع في شباك الانحراف ، والأصل أن قوانين العقوبات لا تتدخل إلا بعد وقوع الجرائم ولكن الشارع الجنائي استفاد من تطور تشريع الأحداث الجنائي في عدد من البلاد الأجنبية والعربية ، كالقانون المصري رقم 31 لسنة 1972 ، والتشريع الفرنسي الحديث ، وقرر أن يخطو هذه الخطوة المتقدمة المتمثلة بأبعاد الحدث المعرض للانحراف ، قبل سقوطه في حماة الجريمة ، وذلك لم يعد بعد تدخل القضاء في شئون الأحداث تدخلاً جزائياً صرفاً بل أصبح رعائياً ووقائياً عندما يستدعي وضع الحدث العائلي أو الاجتماعي أو السلوكي اتخاذ تدابير معينة تبعده عن عوامل السوء المهيئة للانحراف وتخضعه إذا لزم الأمر لتدابير إصلاح وإن لم يرتكب فعلاً معاقباً عليه قانوناً ، وحسناً فعل المشرع الكويتي بهذا الإصلاح الهام .

2ـ صور التعرض للانحراف في التشريع الكويتي ..

صور التعرض للانحراف في التشريع الكويتي : ـ
نصت المادة الأولى من قانون الأحداث، فقرة (أ) على أن …

الحدث يعتبر معرضاً للانحراف إذا وجد في أي من الحالات الآتية: ـ

أ‌- إذا وجد متسولاً أو مارس عملاً لا يصلح مورداً جدياً للعيش ، وقد عرفت محكمة النقض الفرنسية التسول بقولها ” هو التقدم بطلب الإحسان من الغير بغية الحصول على مساعدة مجانية دون تقديم أي شيء مقابلها تكون لها قيمة تذكر ”

وقررت في أحكام أخرى أن التسول يتحقق سواء كان طلب الإحسان قد وجد مباشرة ( صراحة ) أو أخفى تحت ستار عمل تجاري لاشيء فيه عن الجد والحقيقة ( ).

ويكون هذا المعنى أكثر وضوحاً عند المقارنة بالحالة الثانية حيث استعمل المشرع للتعبير عنها لفظ مارس التي تفيد التكرار.

ولعل سبب عدم اعتبار التسول جريمة والنص على اعتباره حالة من حالات تعرض للانحراف أو خطورته الاجتماعية أنه بطبيعة سنه وبنيته ف حاجة إلى من يرعاه وينفق عليه، ولا يدفعه إلى التسول في الغالب إلا حاجته الملحة للطعام ( ) .

ب‌- إذا قام بأعمال تتصل بالدعارة أو الفجور أو القمار أو المخدرات أو المسكرات أو نحوها أو قام بخدعة من يقومون بها.

وهذا هو ما قرره أيضاً مشروع قانون الأحداث الجديد في مادته الأولى منه ، فقرة [ج] ، ويؤخذ على هذا النص أنه فضفاض تعوزه الدقة والتحديد وهذه الصورة من صور التعرض للانحراف تثير كثيراً من الصعوبات و أول ما يصادفنا في هذا الصدد هو العمل على فصل الأعمال المتصلة بالجريمة عن الجريمة ذاتها .

ت‌- إذا خالط المتردين أو المشتبه بهم أو الذي أشتهر عنهم سوء السيرة أو فساد الأخلاق، وبذلك أدرك المشرع الكويتي أهمية المخالطة للانحراف، وأولى هذه الناحية عنايته، فخصص لها فقرة مستقلة.

ث‌- إذا اعتاد الهروب من البيت أو من معاهد التعليم أو التدريب وتشير الدراسات إلى أن الهارب له علاقة بالجنوح الصريح في المستقبل ، ولذلك أدخل المشرع الكويتي مشكلة الهرب من البيت أو من معاهد التعليم أو التدريب في قانون الأحداث كسلوك معرض للانحراف .

ج‌- إذا كان مارقاً من سلطة أبويه، أو ولي أمره، أو وصيه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو الحكم بعدم أهليته، يعد في نظر القانون معرضاً للانحراف أو الانزلاق إلى الهاوية.

ح‌- إذا لم يكن له محل إقامة مستقر أو كان يبيت عادة في أماكن غير معدة للإقامة أو المبيت فيها.

وهذه الحالة ترشح لا شك تعرض الحدث للانحراف ، وذلك لأن عدم وجود المحل يعني فقدان الوسط الاجتماعي الذي يرعي الصغير ويوجهه ويقوم بالإنفاق عليه ، سواء كان هذا الوسط يتكون من والديه ، أم من أولياءه أو أوصياءه أو أحد أصدقاءه ، فغياب السكن المستقر يعني بالضرورة غياب هذا الوسط الاجتماعي ، والذي يكون الحدث في هذا السن أحوج ما يكون إليه إذ أنه في سن التلقي و بلوغ مرحلة الإدراك وتكوين الإرادة ، فما أحوجه لوسط اجتماعي ملائم ، وفيما سبق من صور عرضناها نجد أن المشرع الكويتي لم يختلف كثيراً عن المشرع المصري فقد شابهه لدرجة كبيرة ( )

3ـ حكم الأحداث المعرضين للانحراف ..

الحدث المعرض للانحراف لا يعرض مباشرة على نيابة الأحداث، بل يسلم عند ضبطه إلى الجهات المختصة بوزارة الشئون الاجتماعية والعمل، لاستضافته في مراكز الاستقبال لحين عرضه على هيئة رعاية الأحداث.

وللمحكمة أن تتخذ في حقه أحد التدابير الآتية :ـ

أ‌- تسليم الحدث لولي أمره مع أخذ التعهدات اللازمة بحسن رعايته.
ب‌- تسليم الحدث لعائل مؤتمن ـ إذا لم يكن لهولي أمر ـ مع أخذ التعهدات اللازمة بحسن رعايته.
ت‌- تسليم الحدث إلى إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية .

ويجوز لهيئة رعاية الأحداث اتخاذ إحدى هذه التدابير دون قرار من المحكمة إذا وافق على التدبير ولي أمر الحدث ( )

الورقة الثانية

ثانياً .. الأحداث المنحرفون ..

نبحث على التوالي، أولاً، التعريف القانوني للحدث والحدث المنحرف، وثانياً، المسئولية الجزائية والتقويمية.

أولاً .. التعريف القانوني للحدث والحدث المنحرف .

حدد المشرع الكويتي في المادة الأولى ، فقرة (أ) من قانون الأحداث الجديد بقوله “كل ذكر أو أنثى لأم يبلغ من السن تمام السنة الثامنة عشر وارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون”.

ومن هذا يتضح أن المشرع قد جعل سن الثمانية عشر عاماً (بلوغها بتمامها ) ، حدا فاصلاً بين الحداثة ، والبلوغ أو فيما بين الأشخاص الذين ينطبق بشأنهم أحكام هذا القانون وبين غيرهم من البالغين الذين ينطبق عليهم أحكام القوانين العامة ، وهو ما أتفق علي تسميته سن الرشد الجنائي فيعد من لم يبلغ هذه السن قاصر الإدراك والتمييز بما يقتضي تخفيف المسئولية الجنائية قبله نظرا لهذا القصور ، ويعتبر من تجاوز هذه السن من الأشخاص البالغين الذين تطبق بشأنهم أحكام القوانين العامة ويسألون مسئولية جنائية كاملة .

وبناء عليه فأننا يمكننا استخلاص معنى الانحراف من المادة المشار إليها، و بالنظر في هذا النص يتضح أن الانحراف لا يتحقق إلا بتوافر عنصرين :

العنصر الأول:
هو، ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون.
العنصر الثاني:
هو، أن يكون مرتكب هذا الفعل شخص أتم السابعة من عمره ولم يبلغ بعد تمام الثامنة عشر

وبناء عليه لا يتحقق وصف الانحراف بمجرد نسب جريمة ما إلى حدث أي اتهامه بارتكابه و أنما يجب أن يثبت ذلك أمام المحكمة المختصة بحكم نهائي.

والعبرة في تحديد سن الحدث هي بلحظة وقوع الجريمة ، أو الوقت الذي وجد به في أحدى حالات التعرض للانحراف ، لا بتاريخ رفع الدعوى أو بوقت صدور الحكم وهذا أمر يكاد يكون مجمعا عليه ( ) وعلي هذا أستقر قضاء محكمة النقض المصرية ( ) والفرنسية ( ) وذلك لأن التمييز مطلوب توافره في الوقت الذي يوجه الجاني فيه إرادته إلى ارتكاب فعله .

ثانيا .. المسئولية الجزائية والتقويمية للأحداث المنحرفين : .

يقسم المشرع الكويتي الأحداث إلى ثلاث فئات وفقا لانعدام أو تدرج عنصر الإدراك ( التمييز ) ، وعلي أساس هذا الانعدام أو التدرج يضع المشرع أحكامه .

أ) الفئة الأولى: وهي، تتميز بفترة عدم المسئولية المطلقة.
أعتبر المشرع كل من لم يبلغ السابعة من عمره عديم التمييز وبالتالي منعدم المسئولية الجزائية بصورة كلية إذ قضت المادة 5 من قانون الإحداث علي أنه ” لا يسأل جزائيا من لم يبلغ من العمر وقت ارتكاب الجريمة تمام السنة السابعة ”
ولذلك لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية ضده عن الفعل الذي أرتكبه مهما بلغت خطورته ، ومع ذلك فأن إعفائه من المسئولية الجزائية لا يعفيه من المسئولية المدنية عن الجريمة التي أرتكبها ، فهو مسئول في ماله الخاص عن تعويض أي ضرر يصيب غيره في ماله أو في نفسه ، فأن لم يكن له مال يدفعه عنه وليه أو وصيه ( )

ب) الفئة الثانية :
خص المشرع الكويتي الحدث الذي أتم السابعة ولم يكمل الخامسة عشر من عمره وفقا خطة تنطوي علي محاولة تهذيبه وتأهيله لحياة شريفة ، عن طريق اتخاذ بعض التدابير التقويمية .

والتدابير التي يجوز اتخاذها في شأن الأحداث من الحداثة هي :

1) التوبيخ

وقد أخذ بهذا الإجراء التقويمي كثير من القوانين الجنائية الحديثة ، نذكر منها القانون الفرنسي ( ) والألماني ( ) والمصري ( ) وقد عرف المشرع الكويتي التوبيخ في المادة [ 7 ] من قانون الإحداث بقوله : ” يكون التوبيخ بتوجيه اللوم والتأنيب إلى الحدث علي ما صدر منه وحفه علي السلوك القويم وسلطة القاضي في تطبيق هذا الإجراء تمتد إلى جواز فرضه من أجل أي جريمة أرتكبها مهما كان نوعها جناية أو جنحة .

2) التسليم:

ويقصد به ، تسليم الحدث المنحرف إلى أحد أبويه ، أو لولى النفس أو الوصي ، وكل شخص ضم إليه الحدث بقرار أو حكم من جهة الاختصاص والغرض من هذا الإجراء التقويمي ، تهذيب الحدث وتربيته ، وإصلاحه ، والاهتمام به ورعايته ومراقبته مراقبة جدية ومنعه من ارتكاب أفعال مخالفة للقانون ( ) الأمر الذي يؤدي إلى القول بأنه يجب على القاضي أن لا يأمر بتقرير هذا الإجراء إن لم ير من ظروف الحال ما يوصل إلى تلك النتيجة .

3) الاختبار القضائي :

عرفت المادة [9] من قانون الأحداث هذا التدبير بقولها ” يكون الاختبار القضائي بوضع الحدث في بيئته الطبيعية تحت إشراف وتربية وتوجيه مراقب السلوك ، وذلك بأمر من محكمة الأحداث يحدد فيه الشروط الواجب مراعاتها ومدة الاختبار على أن لا تتجاوز السنتين ، وعلى أن تتم إجراءاته بمكتب المراقبة الاجتماعية ”

والاختبار القضائي، كتدبير وقائي وعلاجي، في مجال الأحداث المنحرفين، بمقتضاه يظل الحدث في بيئته الطبيعية مستمتعاً بحريته، تحت رعاية ساهرة ممن تسلمه، وتحت ملاحظة شخصية من أحد المتخصصين في الخدمة الاجتماعية يطلق عليه، مراقب السلوك.

4) الإيداع في مأوى علاجي :

عرفت المادة [11] من قانون الأحداث هذا التدبير بقولها ” إذا تبين لمحكمة الأحداث أن الحالة الصحية للحدث المنحرف أو المعرض للانحراف تستدعي الرعاية أو العلاج الطبي ، فلها أن تقرر إيداعه مؤسسة صحية مناسبة لهذا الغرض للمدة التي تستدعي حالته الصحية البقاء فيها تحت الإشراف الطبي المطلوب وفقاً للتقارير الطبية والاجتماعية على أن يعاد النظر في أمر هذا التدبير إذ تبين للمحكمة أن حالته الصحية أصبحت تسمح بذلك ” .

ويتبين من هذه المادة أن المشرع الكويتي أجاز للمحكمة أن تودع الحدث في مأوى علاجي ، إذا وجدت أن حالته الصحية تستدعي الرعاية أو العلاج الطبي وعلى هذا فمن حق القاضي أن يستعين ، في فحص حالة الحدث ، برأي أهل الخبرة من الأطباء العقليين والأخصائيين النفسيين ، قبل إيداعه في مأوى علاجي لتلقي العناية التي تدعو إليها حالته .

5) الإيداع في مؤسسة لرعاية الأحداث :

نص المشرع الكويتي في المادة [10] من قانون الأحداث على أن ” لمحكمة الأحداث أن تأمر بإيداع الحدث في إحدى المؤسسات المناسبة المعترف بها من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لغرض إيواء ورعاية الأحداث ذا عاهة يكون الإيداع في مؤسسة مناسبة لتأهيله “.

ومهمة هذه المؤسسة الأساسية، العمل على توجيه الحدث وتهذيبه وإصلاحه، بهدف انتزاع الجريمة من نفسه وتنقيتها وإعادة تأهيله، ليصبح قادراً على التكيف مع المجتمع المحيط به ويصبح عنصراً مفيداً ، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث قد تكون تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية والعمل أو لجهات أخرى معترف بها ، ويجب وضع الحدث ف المؤسسات التي تتناسب وقدراته ودرجة تهذيبه ، ويعتمد كل ذلك على الإدارة التي تقوم عليها وطريقة العمل فيها ، والأنظمة التي تحدد دور المؤسسة وعلاقتها بالحدث من وقت إرساله إليها حتى بعد خروجه من المؤسسة واندماجه في المجتمع .

ب) الفئة الثالثة :

وفيها يكمل الحدث سن الخامسة عشر ولم يكمل الثامنة عشرة من العمر ، وكانت الجريمة المنسوبة إليه جناية أو جنحة يكون القاضي مخيراً في شأنه بين المسئولية العقابية والمسئولية الوقائية .

وفي هذه المرحلة من السن، افترض المشرع الكويتي بالنسبة لهم توافر الأهلية الجنائية الناقصة وإن كان يقرر عذراً مخففاً وحوبيا إذا كانت الجريمة المرتكبة جناية أو جنحة.

ثالثا .. المسئولية العقابية :

بينت المادة [14] من قانون الأحداث ، المسئولية العقابية للأحداث في هذه السن بقولها:
1. إذا ارتكب الحدث الذي أكمل الخامسة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من العمر جناية عقوبتها الإعدام أو الحبس المؤبد حكم القاضي عليه بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات.
2. إذا ارتكب الحدث جريمة عقوبتها الحبس المؤقت حكم القاضي عليه بالحبس مدة لا يجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانونا.
3. لا يعاقب الحدث بالغرامة سواء اقترنت هذه العقوبة بالحبس أو لم تقترن إلا بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة التي ارتكبها الحدث.”

ومن هذا النص يتضح أن الحدث في هذه السن ، إذ ارتكب جريمة عقوبتها الإعدام أو الحبس المؤبد ، فإن هذه العقوبة تصبح بالنسبة له الحبس الذي لا تزيد مدته عن عشرة سنوات ، فإذا وجدت المحكمة أن ظروف المتهم أو التهمة تستدعي الرأفة بالحدث فيجوز ـ في تقديرنا ـ النزول عن العشر سنوات إلى الثلث أي إلى ثلاثة سنوات وأربعة أشهر ، وذلك بمقتضى قواعد الرأفة المنصوص عليها في المادة [83] من قانون الجزاء الكويتي ، ولذلك يتعين إعمال قواعد الرأفة في حالة ارتكاب الحدث جريمة عقوبتها الحبس المؤقت ، فللقاضي أن يحكم عليه بـ 1/3نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة المسندة إلى الحدث ، وله أن يحكم بما يقرره من الغرامة بشرط عدم تجاوز الحد الأقصى المقرر قانوناً للجريمة ، وإذا لم يوجد حد أدنى خاص للغرامة فله النزول إلى الحد الأدنى العام دون التقيد بالثلث لأن القيد إنما يتعلق بالحبس وحده دون الغرامة فلا تقاس عليه ، ومعنى ذلك أنه يمكن الجمع في ظل قانون الجزاء الكويتي بين التخفيف المرتب على صغر السن والتخفيف المرتب على الظروف المخففة إن وجد في الدعوى ظروف وأسباب رأى القاضي في حكمه أنها تدعوا للرأفة بالحدث .

رابعاً .. المسئولية الوقائية:

تنص المادة [16] من قانون الأحداث الجديد على أنه:
” يجوز لقاضي الأحداث – فيما عدا الجرائم التي عقوبتها الإعدام أو الحبس المؤبد – بدلا من توقيع العقوبات المنصوص عليها في المادة الرابعة عشر أن يتخذ في شأن الحدث التدابير المنصوص عليها في الفقرات ( ج ، د ، هـ ) من المادة السادسة من هذا القانون ” .

وعلى هذا فللقاضي الخيار بين أن يحكم على الحدث بالعقوبة المقررة للجريمة أصلاً أو أن يتخذ في شأنه تدبيراً وقائياً إن رأى فيه الكفاية فإذا آثر صرف النظر عن عقاب الحدث بسبب الجناية أو الجنحة مسئولية وقائية ، فإن قاضي الأحداث له اختيار أحد التدابير المنصوص عليها في الفقرات (ج ، د ، هـ ) من المادة السادسة والتي يري أنها تتناسب مع الحالة الإنحرافية المعروضة وتؤدي إلى علاجها وشفائه ، وسلطته في ذلك مطلقة ، بيد أن الوضع لا يشمل الجرائم المعاقبة بالإعدام أو الحبس المؤبد ، لصراحة المادة .

المبحث الخامس محكمة الأحداث

وجديراً بالإشادة والذكر مسلك المشرع الكويتي في إنشاؤه محاكم خاصة لمحاكمة الأحداث، ويعد من أهم المنجزات التي حققها التشريع الكويتي المعاصر، وقد استحدث قانون الأحداث الكويتي الجديد إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الأحداث فلا يمثلون أمام محكمة البالغين ويتعين إعداد قضاتهم بحيث تكون لديهم خبرة كافية لنفسية الحدث وعوامل انحرافه والأسلوب الملائم لمعاملته .

لذلك نعرض محاكم الأحداث في ثلاث مطالب ، ويتعلق أولهما بتشكيل المحكمة واختصاصها ومكان انعقادها في حين ينصب الثاني على الإجراءات الخاصة بمحاكمة الأحداث ، والثالث يتعلق بالمحاكمة نفسها .

المطلب الأول 1 ـ تشكيل محاكم الأحداث واختصاصها: ـ

نستعرضها في فرعين :
أ‌- تشكيل المحكمة.
ب‌- اختصاصها.

الفرع الأول أولاً … أ ـ تشكيل محاكم الأحداث …
لم يكن المشرع الكويتي ينظم محاكم خاصة للأحداث قبل صدور قانون رقم 3/1983 في شأن الأحداث ، وبصدور هذا القانون استحدث المشرع إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة الأحداث ، لها صلاحية النظر في جميع الجرائم ـ جنايات وجنح ـ التي يرتكبها الأحداث الجانحون أو المعرضون للانحراف ، والهدف من ذلك جمع قضايا الأحداث الجانحون أو المعرضون للانحراف ، والهدف من ذلك جمع قضايا الأحداث الجانحون أو المعرضون للانحراف ، والهدف من ذلك جمع قضايا الأحداث لدى قاض واحد يقوم بنظرها في جلسة خاصة فيتسع له الوقت لفحصها ، ويتخصص في هذا النوع من القضايا فيكسب خبرة في معاملة الأحداث بما يمكنه من أن يتخذ في شأن كل حدث العقوبة أو الإجراء الذي يناسبه ، وإذا كانت التشريعات الجنائية الحديثة قد بدأت في مسايرة التفكير المتطور، واتجهت إلى إنشاء محاكم خاصة ، لمحاكمة الأحداث ، فإنها تختلف فيما بينها اختلافاً بيناً في أمر تشكيلها واختصاصها .

و تنص المادة {25} علي أن.. ” تنشأ في نطاق التنظيم القضائي محكمة أحداث واحدة أو أكثر تشكل من قاض واحد ” .

ونرى … أن المشرع الكويتي تجنى في تشكيل محكمة الأحداث من قاضي منفرد ، وفي رأينا الأخذ بنظام تعدد القضاة ، حيث أن الحدث دائماً ما يحتاج للرأفة ، والتي تتأتى فرصة حدوثها مع التعدد ، كما أن التعدد يدل على الدراسة والتمحيص في الأوراق بشكل يحقق مصلحة العدالة والهدف المنشود ( ).

الفرع الثاني ثانياً … ب ـ اختصاص محاكم الأحداث…
أصبح قضاة الأحداث ، في معظم التشريعات الحديثة في العالم ، يجمعون بين كلا الصفتين الوصائية والقضائية .

1ـ من حيث الصفة الوصائية لقضاء الأحداث :ـ
وعلى هذا النهج سار المشرع الجزائي الكويتي مؤكداً الدور الوصائي لقضاء الأحداث في المادة {26} بقولها …
” أـ لمحكمة الأحداث سلطة قضائية جزائية في جميع قضايا الأحداث المنحرفين .
ب ـ وسلطة وصائية للنظر في ظروف الأحداث المعرضين للانحراف الذين ترى هيئة رعاية الأحداث عرضهم على المحكمة عن طريق نيابة الأحداث طبقا للمادة 19 “.

2ـ وأما من حيث الصفة القضائية لقضاء الأحداث :ـ
تتولى محاكم الأحداث صلاحية النظر في جميع الجرائم التي يرتكبها الأحداث المنحرفون الذين بلغوا من العمر تمام السابعة ، ولم يكملوا الثامنة عشر سنة ، في جناية ، أو جنحة ، وقد أكد المشرع الكويتي الدور القضائي لمحاكم الأحداث في المادة {26} فقرة {أ} التي نصت بقولها ” لمحكمة الأحداث سلطة قضائية جزائية في جميع قضايا الأحداث المنحرفين …”

المطلب الثاني

2 ـ الإجراءات الجنائية الخاصة في شأن الأحداث :ـ

أخضع المشرع الكويتي الإجراءات الجنائية في شأن الأحداث لقواعد خاصة تميزها في بعض جوانبها عن الإجراءات التي تتخذ في شأن البالغين ، والهدف من وضع هذه القواعد هو تبسيط إجراءات المحاكمة للحدث ، بصورة سرية حتى لا تتأثر نفسيته بمناظر المحاكمات العادية ومشاهدة الناس يرمقونه بما يلقي في روعه أموراً قد تكون مغبتها ضارة به ، وحتى لا يلقى الذعر في نفسه وتحدث عنده خوفاً وفزعاً مما يزيد في صعوبة المحاكمة ويجعل مهمة المحكمة في الوقوف على حقيقة وفهم الطفل فهماًُ صحيحاًُ ، عسيرة للغاية ، ومصدر هذه القواعد الخاصة التي يخضع لها الأحداث الجانحون أن معاملة الأحداث تغلب فيها التدابير التقويمية والعاجية على العقوبات ،أن معالجة ما بهم من انحراف سواء اتخذ هذا الانحراف صورة ارتكاب جريمة أو أي مظهر آخر من مظاهر الانحراف أو التعرض له .

لذلك نستعرض بإيجاز في فقرات ثلاثة أهم ما تتميز به محاكمة الأحداث عن أحكام خاصة تتعلق أولى الفقرات بالتحقيق، والثانية، بالمحاكمة، في حين تنصب الفقرة الثالثة على تنفيذ العقوبات.

الفرع الأول أ ـ التحقيق الابتدائي :
وقد نصت المادة {31} من قانون الأحداث على أن …
” تتولى شرطة الأحداث تقديم الحدث المنحرف إلى نيابة الأحداث، وتتولى النيابة مباشرة الدعوى الجزائية في كافة مراحلها بالنسبة للجنايات والجنح التي يرتكبها الحدث المنحرف.”

ومفاد النص السالف أن المشرع قد أعطى لشرطة الأحداث سلطة التحقيق الاجتماعي في الجرائم التي يرتكبها الأحداث الجانحون.

الفرع الثاني ب ـ الحبس الاحتياطي :
وهو من إجراءات التحقيق الابتدائي المهمة ، لما ينطوي عليها من سلب لحرية المتهم ، وذلك عند إيداعه الحبس لفترات زمنية معينة ، سواء من أجل تأمين سير التحقيق وسلامته أو ضمان تنفيذ العقوبة بالمتهم بعد صدور حكم بإدانته ، ومع ذلك أجاز المشرع الكويتي المساس بحرية الفرد قبل أن تثبت إدانته بحكم نهائي ، وذلك بتقييدها بالحبس الاحتياطي والمبررات التي من أجلها أجاز المشرع حبس المتهم احتياطيا ، أساسها مصلحة التحقيق ، فقد نصت المادة {69} إجراءات في صدرها على أنه : إذا رؤي أن مصلحة التحقيق تستوجب حبس المتهم احتياطياً لمنعه من الهرب أو من التأثير في سير التحقيق …” .

وانسجاماً مع هذه القواعد ، فقد نص قانون الأحداث الجديد في المادة {22} منه على أنه ” إذا رؤي أن مصلحة التحقيق أو مصلحة الحدث نفسه تستوجب حبس المنحرف احتياطياً جاز لنيابة الأحداث حبسه احتياطياً لمدة تزيد على أسبوع من تاريخ القبض عليه ” .

ولكن لما الحبس الاحتياطي في طبيعته قيداً على الحرية الفردية ومشابها الحبس البسيط ، فإن مؤدى هذا انه في الأحوال التي يمتنع فيها الحكم على المتهم بالحبس الاحتياطي ، من أجل الحرية ، فلا يجوز حبسه احتياطياً ، فلا يصح الأمر بالحبس الاحتياطي ، على الحدث المنحرف الذي أكمل السابعة من عمره ولم يبلغ الخامسة عشر ، لأن الحدث في هذه المرحلة من الحداثة بما لا يجوز الحكم عليه بالعقوبة المقررة لجريمته ، بل يعامل بأحد التدابير المنصوص عليها في المادة السادسة من قانون الأحداث والتي سبق وأشرنا إليها سلفاً .

المطلب الثالث المحاكمة

عمد المشرع الكويتي خلافاً للمبادئ القانونية المقررة في القضاء العادي ، إلى تبسيط إجراءات المحاكمة المطبقة على الأحداث ، بغية الوصول إلى إعادة تربيتهم بما يكفل تكيفهم الاجتماعي ، وتحقيقاً لهذه الغاية أوجب المشرع الكويتي إحالة الحدث المنحرف أو المعرض للانحراف إلى مكتب المراقبة الاجتماعية لوضع تقرير عن حالته الاجتماعية والنفسية والصحية ، لمعرفة سبب انحرافه أو تعرضه للانحراف قبل الفصل في أمر الحدث الخاضع لأحكام هذا القانون {المادة 32} ، وهذا التحري هو في الواقع من الأعراض التي تلاءم حالة الصغير ، ويكون من شأنه أن يحول بينه وبين الاسترسال في سبيل الجريمة .

كما ميز المشرع محكمة الأحداث بأحكام خاصة ، فيما يتصل بسلطتها في إعفاء الحدث في الدفاع ، وفي وجوب إحالته إلى مكتب المراقبة الاجتماعية للتحقق من حالته الجسمية والنفسية والاجتماعية المتصلة بأسباب انحرافه أو تعرضه للانحراف قبل الفصل في أمره ، ومن حق المحكمة التي أصدرت الحكم في إعادة النظر فيه ( دون التقيد في ذلك بقاعدة قوة الشيء المقضي فيه ) ، وفي تعيين مراقب للسلوك .

الفرع الأول … عدم علانية الجلسة…
ويقصد بعلانية الجلسة ، عقدها في مكان يجوز لأي فرد أن يدخله ويشهد المحاكمة ، بغير قيد إلا ما قد يقتضيه حفظ النظام إلا أن الشارع الكويتي أوجب على المحكمة ، استثناء أن تقرر إجراء المحاكمة بغير علانية ، ولا يجوز أن يحضرها إلا الحدث وأقاربه والشهود والمحامون ومراقبوا السلوك ومن تجيز لهم المحكمة الحضور بإذن خاص .

وهذا يعني أنه إذا كان لأفراد الجمهور الحق في حضور جلسات المحاكمة دائماً باستثناء طبعاً بعض القضايا إذا كان ذلك ضرورياً لظهور الحقيقة أو مراعاة النظام العام أو الآداب العامة ، إلا انه ليس لهم حق حضور محاكمة الحدث، رعاية لمصالحه ، وحرصاً على مستقبله ، خشية أن تناقش المحكمة مسائل لا يليق عرضها على مسامع الجمهور فيكون من الأوفق أن تكون بغير علانية فمثلاً في جريمة هتك العرض تسمع أقوال المجني عليه في جلسة سرية .

الفرع الثاني … إجراء المحاكمة في غيبة الحدث المتهم …

فمن المتعارف عليه في قواعد الإجراءات الجنائية أن المحاكمة تجرى علناً وفي حضور المتهم ، إذ يقف طرفاً في الخصومة الجنائية يتصدى بدفاعه ويفند الإدعاء العام إدعاءاته ويضع أمام المحكمة الحقائق التي من شأنها إدانة المتهم والجرائم المنسوبة إليه وله في ذلك الرد متى أُذن له من المحكمة ، وله الحق في مناقشة كل دليل يطرح أمام المحكمة .

ورغم ذلك نصت المادة {29} من قانون الأحداث في الفقرتين {ب،ج } على أنه : ـ
” ب – لمحكمة الأحداث إعفاء الحدث من حضور المحاكمة بنفسه والاكتفاء بحضور وليه أو وصيه نيابة عنه، على أن يحضر المحاكمة مراقب السلوك.
ج – لمحكمة الأحداث – عند الضرورة – نظر القضية في غيبة الحدث على أن يجري إفهام الحدث بما تم في غيبته من إجراءات ” .

وذلك متى رأت المحكمة ضرورة لذلك أو رأت أن مصلحة الحدث تتعارض مع حضوره الجلسات.

الفرع الثالث … الاستعانة بمحام أمام محكمة الأحداث…

تنص المادة {30} من قانون الأحداث على انه:ـ
” للحدث المنحرف المتهم في جناية أو جنحة أو لوليه الحق في أن يوكل من يدافع
عنه إذا كان الحدث متهما بارتكاب جناية ولم يوكل هو أو وليه محاميا للدفاع عنه وجب على المحكمة أن تنتدب من المحامين من يقوم بهذه المهمة ، أما إذا كان متهما بارتكاب جنحة فيكون ندب محام للدفاع عنه جوازيا للمحكمة ” .

الفرع الرابع … شمول التدابير بالنفاذ الفوري …

تنص المادة {34} من قانون الأحداث على أنه:ـ
” يجري تنفيذ الأحكام والتدابير الصادرة من محكمة الأحداث على الحدث المنحرف الخاضع لأحكام هذا القانون مشمولا بالنفاذ الفوري “.

ومفاد هذا أن المشرع لم يجز للقاضي أن يأمر بوقف تنفيذ التدابير الصادرة من محكمة الأحداث على الحدث المنحرف ، ومرد ذلك أن التدابير التقويمية تستهدف بالدرجة الأولى الإصلاح والتقويم مع تجنب الإيلام بقدر الإمكان ، مما يجعلها تتميز إلى حد ما عن العقوبات التقليدية التي جوهرها عنصر الإيلام ، وبالتالي يلزم عدم إخضاعها لنظام وقف التنفيذ أصلاً .

الفرع الخامس … جواز رجوع المحكمة في حكمها خلافاً لقاعدة قوة الشيء المقضي فيه

القاعدة العامة في التشريع الجنائي هي أن الأحكام النهائية التي أصبحت غير قابلة للطعن فيها وذلك إما باستنفاذ كافة طرق الطعن بشأنها ، عادية كانت أو غير عادية كالمعارضة أو الاستئناف أو النقض ، وإما بفوات مواعيد الطعن فيها ، وتحوز على حجية الأمر المقضي فيه ، بحيث لا يجوز للخصم المحكوم عليه أن يعيد طرح النزاع على القضاء من جديد ، بل يتحتم الأخذ بما يتضمنه الحكم في هذا النزاع ، والهدف من ذلك هو استقرار الأحكام الصادرة في المواد الجنائية لأنها تمس حياة وشرف وحرية أفراد المجتمع .

ولكن بعض التشريعات تنص استثناء من قاعدة قوة الأحكام النهائية واستقرارها على جواز إعادة النظر في الحكم الصادر من محاكم الأحداث ، وللمحكمة في هذه الحالة أن تعدل عن حكمها إلى ما تراه ملائماً لحالة الحدث في التدابير الأخرى المنصوص عليها.

ولهذا جاء نص قانون الأحداث الكويتي في المادة {33} علي الآتي : ـ
” للمحكمة التي أصدرت الحكم على الحدث أن تعيد النظر في أي وقت في الحكم أو الأمر الصادر منها بإنهائه أو تعديله بناء على طلب نيابة الأحداث على أن يرفق بهذا الطلب التقارير التي ترفع إليها من الجهات المختصة برعاية الأحداث متى رؤى أن التدبير المحكوم به لا يلاءم حالة الحدث . ولا يجوز عند إعادة النظر الحكم بغير التدابير الواردة في هذا القانون “.

وهنا القاضي مفوض وله السلطة التقديرية في جواز إعادة النظر في الحكم الصادر منها على الحدث، وبالتالي لها أن تعدل الحكم بناء على طلب نيابة الأحداث وفقاً لما تراه مناسباً للحدث وللمجتمع ( ) .

الفرع السادس … عدم سريان أحكام العود المنصوص عليها في قانون الجزاء على الحدث إطلاقاً…

تنص المادة رقم {4} من قانون الأحداث الكويت علي انه:ـ
” لا تسري أحكام العود المنصوص عليها في قانون الجزاء على الأحداث الخاضعين لأحكام هذا القانون”.
كما نص أيضاً في المادة رقم المادة {15}:ـ
” لا تحسب أحكام محكمة الأحداث ضمن السوابق في صحيفة الحالة الجنائية ” .
لذلك فإن نص المادة {4} ينصرف إلى العقوبات العادية التي يحكم بها على الحدث دون التدابير التقويمية التي لا تعتبر من السوابق.

الفرع السابع …نظام مراقبة السلوك…
ونكتفي بسرد نصوص المواد التي تنظم نظام مراقبة السلوك في قانون الأحداث الكويتي علي النحو التالي ، حيث أنها تتسم بالبساطة وعدم التعقيد والوضوح : ـ
المادة رقم 39
يعين مراقب السلوك بقرار من وزير العدل بناء على ترشيح من وزير الشئون الاجتماعية والعمل ، ويحلف قبل مزاولة عمله اليمين أمام قاضي الأحداث بأن يؤدي واجبات وظيفته بكل أمانة وإخلاص .
المادة رقم 40
يتولى مراقب السلوك : –
1. تنفيذ متطلبات الاختبار القضائي وذلك وفقا لقرار محكمة الأحداث الصادر بوضع الحدث تحت الاختبار القضائي ، وله في هذا الشأن استدعاء الحدث الذي تحت رقابته ، أو ولي أمره إلى مكتب المراقبة الاجتماعية وتقديم النصح والمشورة والمساعدة والمعونة الأدبية ، لحل مشكلاته ، وعليه أن يقدم تقريرا دوريا مرة في كل شهر عن حالة هذا الحدث وإخطار محكمة الأحداث بكل مخالفة لشروط الاختبار وله أن يطلب من المحكمة عند الضرورة إنهاء تدبير الاختبار القضائي أو تعديل شروطه أو اتخاذ تدبير آخر في حق هذا الحدث .

2. تنفيذ متطلبات التحقيق الاجتماعي، لأن التحقيق الاجتماعي لا يقتصر فقط على معرفة الوقائع المادية للجريمة المنسوبة للحدث، وإنما يمتد لمعرفة شخصية الحدث، وإلى البحث في مصادر متعددة لها علاقة بالحدث ونشأته، ومركزه العائلي، والاجتماعي والصحي.

3. تنفيذ متطلبات الإفراج تحت شرط .

4. تنفيذ أي تدبير آخر تعهد به إليه محكمة الأحداث.
المادة رقم 41
إذا تعذر على مراقب السلوك أداء واجبات وظيفته لأي سبب من الأسباب، جاز لمحكمة الأحداث تكليف مراقب سلوك آخر .

المادة رقم 42
على الشخص المسئول عن الحدث إخبار مراقب السلوك المختص في حالة وفاة الحدث أو مرضه أو تبديل مسكنه أو غيابه عن السكن بدون إذن ، وعن كل طارئ آخر يطرأ على هذا الحدث .

الفرع الثامن … الإفراج تحت شرط …
المادة رقم 43
يجوز لنيابة الأحداث الإفراج تحت شرط عن الحدث المنحرف ، المحكوم عليه بالحبس وفقا لأحكام هذا القانون ، وذلك بشرط أن يكون هذا الحدث قد أمضى نصف المدة المحكوم بها عليه ، وان يكون قد سلك سلوكا حسنا خلال الفترة التي قضاها في هذه المؤسسة وكان من المتوقع أن يسلك سلوكا حسنا بعد الإفراج عنه .
يكون الإفراج تحت شرط للمدة الباقية من العقوبة.
المادة رقم 44
يقدم طلب الإفراج تحت شرط إلى نيابة الأحداث من الحدث المنحرف أو من ولي أمره أو من هيئة رعاية الأحداث، وتتحقق نيابة الأحداث من توافر الشروط المنصوص عليها في المادة السابقة من التقارير المقدمة من المؤسسة عن الحدث المنحرف.
لنيابة الأحداث أن تشترط إلزام الحدث المفرج عنه بأن يسلك سلوكا حسنا بعد الإفراج عنه ، ولها أن تضع هذا الحدث تحت إشراف مراقب السلوك وفقا للشروط التي تعينها.
المادة رقم 45
إذا ساءت سيرة الحدث المفرج عنه ، خلال المدة التي أفرج عنه فيها ألغى الإفراج بقرار من نيابة الأحداث وأعيد الحدث إلى مؤسسة الإيداع ليمضي المدة التي كانت باقية من الحكم يوم الإفراج عنه .
المادة رقم 46
إذا لم يلغ الإفراج تحت شرط، حتى انقضاء مدته، أصبح الإفراج نهائيا.

الفرع التاسع …أحكام ختامية…
المادة رقم 47
تلغى الأحكام الخاصة بالأحداث المنصوص عليها في قانون الجزاء وقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية المخالفة لأحكام هذا القانون .
المادة رقم 48
تحال بحالتها إلى محاكم الأحداث جميع الدعاوى المنظورة أمام جهات قضائية أخرى والتي أصبحت بموجب هذا القانون من اختصاص محاكم الأحداث .
ما يجري تنفيذ أحكام الحبس التي صدرت في شأن الأحداث قبل نفاذ هذا القانون في المؤسسة العقابية المنصوص عليها في المادة الأولى وذلك عن باقي المدد المحكوم بها.
المادة رقم 49
على رئيس مجلس الوزراء والوزراء – كل فيما يخصه – تنفيذ هذا القانون، ويعمل به بعد شهرين من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

*****

تم بحمد الله