بحث قانوني ممتاز عن شروط حظر الاتفاقات المقيدة للمنافسة

المقدمة:

رغم انتهاج الجزائر سابقا للنظام الاشتراكي هيمنت من خلاله و لفترة مُعتبرة من الزمن على المجال الاقتصادي، إلا أنَه فرضت عليها ظاهرة العولمة تحولات جذريَة أرغمتها على فتح المجال للمبادرة الخاصة للمؤسسات و ذلك من خلال تكريس مبدأ حرية المنافسة.

تُعرَف المنافسة بأنَها “ تسابق أو تضارب المصالح بين عدَة أشخاص يتَبعون نفس الهدف”. و تعتبر المنافسة من المتطلَبات الجوهريَة التي يرتكز عليها الاقتصاد الحر، و ركيزة لتطوير الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها الجزائر منذ أواخر الثمانينات، و هذا ما يُفسر اهتمام المشرع الجزائري بها حيث كرَس مبدأ المنافسة الحرة من خلال الأمر رقم 95-06. فجاء هذا الأخير من أجل وضع قواعد و أسس المنافسة بدل التشريع القديم المُلغى والمُتعلق بالأسعار، و يعتبر من النصوص الرسميَة التي تبنَت بصورة ضمنيَة مبدأ حرية المنافسة قبل أن يتبنَاه بصراحة دستور 16 نوفمبر 1996. و لكن أمام النقائص التي تضمَنها هذا الأمر، لاسيما في مجال الممارسات المقيدة للمنافسة، أصبح لزاما على المشرع تعديله لكي يتماشى مع التطورات الراهنة في المجال الاقتصادي. و هذا ما تم فعلا من خلال الأمر رقم 03-03، المُعدَل و المُتمَم بموجب القانون رقم 08-12 الذي نظَم قواعد المنافسة الحرة و وسائل حمايتها من الممارسات المُقيدة لها، و أخيرا القانون رقم 10-05 الذي رغم التعديلات الطفيفة التي جاء بها، إلا أنَه سدَ بعض الفراغات.

و لقد نص المشرع الجزائري على الاتفاقات المقيدة للمنافسة لأول مرة في المادة السادسة من الأمر 03-03 حيث تنص على أنَه ” تحظر الممارسات و الأعمال المُدبَرة و الاتفاقيات و الاتفاقات الصريحة أو الضمنية عندما تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة حرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها في نفس السوق أو في جزء جوهري منه.

و يلاحظ من استقراء نص المادة أنَه لم يُعرف المشرع الاتفاقات المقيدة للمنافسة، و إنَما اكتفى بتعداد أشكال الاتفاقات التي يمكن ممارستها من قبل بعض الأعوان الاقتصاديين. يُعرَف الفقه الاتفاق بأنه تعبير عن إرادة مشتركة من قبَل مؤسسات مستقلة بعضها عن بعض، من أجل إمكانية التقرير عن سلوكهم في السوق. . كما أنَه لا يتم حظر الاتفاقات بمجرد اكتشافها في السوق، و إنَما يتوجب توافرها على بعض الشروط.

I-شروط حظر الاتفاقات في قانون المنافسة

يفترض حظر الاتفاقات المقيدة للمنافسة وجود تواطؤ بين مؤسستين أو عدة مؤسسات تمارس نشاطا اقتصاديا بصورة مستقلة عن بعضها البعض، بهدف تقييد المنافسة في السوق المعنية سواء من خلال موضوعها أو أثرها المنافي للمنافسة.

1. التواطؤ بين عدة مؤسسات

تُعتبر الاتفاقات ظاهرة جماعيَة حيث تفترض تعدد المساهمين فيها، سواء تعلَق الأمر بأشخاص طبيعيَة أو معنويَة، مع الأخذ بعين الاعتبار ممارستهم للنشاط الاقتصادي . و لكن تجدر الملاحظة أنَه إذا تعلَق الأمر بشخص معنوي، فيُشترط في هذه الحالة تمتّعه باستقلاليّة قانونية و اقتصاديّة

و بالتالي تكمن الشروط المتعلقة بالمؤسَسة في عامليْن أساسيْن: ممارسة المؤسسة لنشاط اقتصادي من جهة و استقلاليتها القانونية من جهة أخرى.

أ. ممارسة المؤسسة لنشاط اقتصادي

تُعتبر المُؤسَسة مفهومًا أساسيًّا في قانون الأعمال بصفة عامة و في قانون المنافسة بصفة خاصة، بما أنّها تُحدّد ميدان تطبيق هذا الأخير. فهي تُعد حقيقة اقتصادية تتمثَل في أشكال مُختلفة: مجموعة من الشركات، مؤسسة صناعية كبيرة، مؤسسة عمومية، مؤسَسات صغيرة أو متوسطة…الخ…، و لكن بالنسبة لرجال الاقتصاد تُشكل المؤسَسة مفهوما جوهريا لعلم الاقتصاد مهما كان شكلها، حيث تُعد المؤسسة وحدة إنتاج للسلع و الخدمات مما يؤدي إلى اعتبارها عميلا اقتصاديا يتدخَل في السوق و يقوم بمعاملات اقتصادية مع مؤسَسات أخرى و ذلك من خلال الوسائل المادية و البشرية التي تتضمنها باعتبارها هيئة، و لكن سرعان ما اتبع رجال القانون نفس الموقف بتعريفهم للمؤسَسة بأنَها تتكوَن من هيئة من الوسائل البشرية و الماديَة من جهة و نشاط اقتصادي من جهة أخرى. و بالتالي يُشترط لحظر الاتفاقات ممارسة المؤسسات المعنية لنشاط اقتصادي.

كما لا يرتكز مفهوم المؤسسة على تحقيق الربح، حيث يمكن تكييف هيئات غير موجهة لتحقيق الربح بمؤسسات نظرا لقيامها بنشاط اقتصادي كالجمعيات. فيُطبق قانون المنافسة على هذه الأخيرة في حالة ممارستها لنشاطات الإنتاج أو التوزيع.

ب. استقلالية المؤسسة

تُمارس الاتفاقات من قبل وحدات اقتصاديّة بإمكانها التواجد في وضعيّة تنافسيّة فيما بينها، و عليه يُشترط أن تتمتّع كلّ مُؤسّسة باستقلاليّتها الاقتصاديّة.أو بمعنى آخر، أن تتمتّع باستقلاليّة كافية في اتخاذها لقرارات متعلّقة بتبيان سلوكها في السّوق. فيجب أن تكون مُستقلّة قانونيّا و اقتصاديّا و أن تتحمّل مخاطر العمليّات التي تُبرمها . و هذا ما يؤدي إلى التساؤل حول إمكانية التمييز بين المؤسسة و الشخص الذي يمتلكها أو يستغلها، أو بمعنى أخر الاتفاقات المُبرمة بين شركات تنتمي إلى نفس المجموعة.

تُشكّل مُختلف الشركات التابعة إلى مجموعة واحدة كيانا واحدا في حالة عدم تحديد الشركات المعنيّة لسلوكهم في السوق بصورة مُستقلّة. فنكون في هذه الحالة في إطار مجموعة من الشركات و التي يعتبرها البعض بأنها مجموعة تربطها مصالح مُشتركة، تتمتَع من خلالها الشركة الأم بسلطة على باقي الفروع و تمارس رقابة عليها فتضمن بذلك وحدة القرار. كما يؤكد بعض الفقه أنه عندما يستحيل على مؤسَسة البحث عن مصلحتها الخاصَة، و عندما تكون تصرفاتها مجرد تنفيذ لتعليمات مؤسَسة أخرى فنكون بصدد التعامل مع كيان واحد و يرجع ذلك إلى انعدام استقلاليتها و ضرورة تخليها عن هدفها من أجل إتباع ذلك المنشود من قبل الشركة الأم.

2. ضرورة المساس بالمنافسة في السوق

بالإضافة إلى توافر شرط التواطؤ ينبغي البحث عن الآثار المُترتّبة عن هذا الأخير، فلا يُحظر الاتفاق إلا في حالة إخلاله بالمنافسة في السوق المعنيّة. و يعتبر هذا الشرط ضروريا حيث يُمثل عاملا موضوعيا في تحديد مدى عرقلة السير التنافسي في السوق، مما يسمح بتطبيق الأحكام التي تهدف إلى معاقبة الآثار الضَارة بالمنافسة. و بالتالي ” يجب أن يكون المساس بالمنافسة محل تقدير شامل بالنظر إلى المنافسة المُمارسة “.

و لقد نصّ المشرّع الجزائري في المادّة السّادسة من الأمر 03-03 السّالف الذكر، على أنّه: ” تُحظر الممارسات و الأعمال المُدبّرة و الاتفاقيّات و الاتّفاقات الصّريحة أو الضمنيّة عندما تهدف أو يُمكن أن تهدف إلى عرقلة حريّة المنافسة أو الحدّ منها أو الحدّ منها أو الإخلال بها في السّوق أو في جزء جوهريّ منه…”. و بالتالي لا يمكن حظر الاتفاقات إلاَ في حالة تقييدها للمنافسة في السوق. و يتجسَد تقييد المنافسة من خلال معيارين تناوبيَين ألا و هما موضوع و/أو أثر الممارسة أخذا بعين الاعتبار الآثار الاحتمالية.

يظهر شرط المساس بالمنافسة كعنصر تناوبيّ، فتُعتبر الممارسة منافية للمنافسة عندما يكون أثرها مقيّدا للمنافسة، و لكن كذلك إذا كان موضوعها فقط منافي للمنافسة. فلا يُؤخذ أثر الممارسة بعين الاعتبار عند توافر الموضوع المؤدي إلى نفس النتيجة.

.أمثلة عن الاتفاقات المحظورةII

لا يمكن إعطاء قائمة حصريَة للاتفاقات المنافية للمنافسة بشكل عام، بل يمكن التركيز على أهمها. و لقد تطرّق المشرع الجزائري ، إلى مختلف أشكال التقييدات على سبيل المثال لا الحصر.

1. الاتفاقات التي تهدف إلى تقليص عدد المتنافسين

تتمثّل أهمّ التقييدات التي ترمي إلى تحديد عدد المتنافسين في : المقاطعة، اقتسام الأسواق

أ.المقاطعة

تُعد المقاطعة من أبرز الممارسات الشائعة و التي تهدف بصورة جليَة إلى إقصاء أحد العملاء الاقتصاديين من السوق. وتتمثّل هذه الممارسة في رفض جماعي للتّعامل مع مؤسّسة ما تعرض منتوجاتها أو خدماتها في السّوق، و يعتبر الطّابع الجماعي للرّفض محل الحظر. حيث يعتبر الرّفض الجماعي للتعاقد مع الغير تصرّفا محظورا سواء تعلّق الأمر برفض تموين زبون أو رفض اللّجوء إلى مورّد معيّن، إذا كان الهدف منه إقصاء مؤسّسة من السوق. و بالتالي تظهر المقاطعة كتصرف عمدي يهدف إلى استبعاد عميل اقتصادي من السوق، و لذلك تُعتبر هذه الممارسة محظورة بطبيعتها بغض النظر إلى أثرها المنافي للمنافسة. و يمكن أن تُطبَق المقاطعة على الصعيد الأفقي، أي بين عملاء اقتصاديين متواجدين في نفس السلسلة الاقتصادية، كما يمكن أن تمارس على الصعيد العمودي، أي بين عملاء اقتصاديين متواجدين على مراحل مختلفة من السلسلة الاقتصادية.

ب. اقتسام الأسواق

تُشكل الممارسات التي يتقاسم من خلالها الأعضاء الأسواق فيما بينهم شكلا تقليدياَ لعرقلة المنافسة.،وتهدف المؤسّسات من خلال اقتسام الأسواق إلى تعزيز وضعيّتها الاقتصاديّة و بالتالي عرقلة دخول منافسين جُدد.

قد تكون هذه الممارسة متعدّدة الأطراف، أو قد يتعلّق الأمر بتواطؤ بين مؤسّستيْن فقط، يبقى من خلاله كلّ طرف في إقليمه الوطني و يمتنع عن منح رخصة إنتاج أو توزيع منتوجات معيّنة في إقليم آخر.

و تختلف أشكال هذه الممارسة، فقد تتجسّد من خلال تجميد حصص السوق أو تطبيق نظام مقاصة للأرباح أو الخسائر المتعلقة بحصص السوق المحققة من قبل هذه المؤسّسات على مدار عدة سنوات …

وبالتالي يمكن أن يتجلّى اقتسام الأسواق إمّا من خلال تحديد منطقة جغرافيّة، اقتسام الزبائن، أو من خلال تحديد النصاب.

ج. التواطؤ بمناسبة اللجوء إلى عروض عمومية

يعتبر قطاع الأسواق المُعدّة من خلال العروض العموميّة السّاحة المُفضّلة للاتفاقات المقيّدة للمنافسة، و تتجسّد هذه الممارسة من خلال تواطؤ غير علني بين مؤسّسات. و تعتبر العروض التواطئيّة منافية للمنافسة، لأنّها ” تتعارض مع الغرض المنشود من الدعوة إلى تقديم عروض و المتمثّل في شراء سلع أو خدمات بأسعار و شروط مناسبة”. كالتواطؤ المتعلق بتقديم عروضا متطابقة أو الاتفاق على قواعد مشتركة في حساب الأسعار و تحديد الشروط المتعلّقة بالعروض. كما يرى بعض الفقه أنَه تشتمل هذه التواطؤات حول الأسعار من جهة و اقتسام الأسواق من جهة أخرى، و لكن تكتسي طابعها الخاص بها و المُتمثل في خداع الإدارات و الجماعات المحليَة التي تلجأ إلى المنافسة من أجل تنفيذ أعمالا أو توريدات معيَنة، حول حقيقة هذا التنافس الاقتصادي و تحرمهم من حرية اختيار شركائهم.

و يمكن أن تتجلّى هذه الممارسة من خلال عدّة طرق، نذكر منها:

.تبادل المعلومات و المساهمة في اجتماعات تواطئيّة قبل إيداع العروض

في إطار هذه الممارسة يقوم كلّ متعهّد إمّا بعرض سعر مرتفع لزيادة فائدته، و إمّا بعرض سعر منخفض لزيادة فُرص التّحكّم في السوق، و ذلك على أساس المعلومة المُشتركة الناتجة عن قائمة الشروط المتعلّقة بالعروض التي يتقاسمها كلّ عملاء السوق، و كذلك على أساس المعلومات المتعلّقة بالوضعيّة الخاصة بالمتعهّد، بالتالي تكمن هذه الممارسات في تبادل المعلومات المتعلّقة بالعروض المُقدّمة من قبل المؤسّسات المُنافسة أو حول عددها ووضعيّتها

.عروض الضّمان

يمكن أن يؤدّي التواطؤ إلى التعيين المُسبق للمؤسسة التي ستحصل على حصّة من السوق، و عليه يقوم المنافسين بإيداع عروضا تسمّى ب “عروض الضّمان”. و لا تتحقّق مصلحة المؤسسات من هذا التواطؤ إلاّ في حالة حصولها على مقابل تحت شكل هذه العروض.

تعدّ الأدلّة في هذا المجال صعبة الاقتناء، و لكن يمكن أن ترتكز سلطات المنافسة على مجموعة من الأدلّة كالتّشابه غير المُبرّر بين عدّة عروض لمؤسّسات مُتعهّدة في نفس السوق، أو تصريحات مكتوبة تدلّ على التبادلات المعلوماتيّة بين المؤسّسات.

2.الاتفاقات التي تهدف إلى الحدّ من حريّة المتنافسين

تتنوّع الأمثلة حول الاتفاقات التي ترمي إلى المساس بحريّة المتنافسين المتواجدين في نفس السوق، ولكن من بين التقييدات المتداولة في هذا المجال نجد الممارسات التي يلجأ إليها الأطراف من أجل تحديد الأسعار ، أو البنود التي قد تُفرض من قبل إحدى المؤسّسات لاسيما تلك التي تجد مصدرها في شبكات التوزيع.

أ.تحديد الأسعار أو الهوامش

يُعتبر السعر العامل الرئيسي لهذه الاستقلاليَة حيث يتجسَد من خلال قدرة المؤسسة في تحديد أسعار البيع بصورة حُرَة، فتقوم المؤسَسة بتوقَع الاستراتيجيَات المُمارسة من قبل مُنافسيها و تتَبع سياستها الخاصَة بها دون وجود أيَ تواطؤ فيما بينها أو تبادل المعلومات. و بالتالي تُمارس المنافسة أساسا من خلال الأسعار، وأيّ تقييد لهذه الأخيرة يُؤدّي بالضّرورة إلى المساس بالمنافسة و لذلك يُحظر أي تحديد للأسعار. و يتعلَق الأمر بالتواطؤ حول وضع سعر بالنسبة لمنتوج معيَن و التزامهم بتطبيق هذا السعر كما يعتبر هذا النّوع من أهمّ التقييدات الأفقية المنافية للمنافسة. و يُقصد به ” كلّ اتفاق يكون غرضه أو أثره رفع أو تحديد أو تقييد أو تثبيت أسعار المنتجات”. و غالبا ما تتَخذ هذه الممارسة شكل الأعمال المُدبَرة بدلا من الاتفاقات الصَريحة تهدف إلى عرض نفس المنتوجات بنفس الأسعار و في نفس السوق.

ب. بند عدم المنافسة

يحتل بند عدم المنافسة حيّزا كبيرا في ميدان التعاملات الاقتصادية، بما أنّه قد يمس بالمنافسة بصورة عامة، و بحريّة المتنافسين بصفة خاصة. فيؤدي هذا البند إلى تقييد حرية عميل اقتصادي من جهة، و تقييد المنافسة من جهة أخرى.

يعتبر بند عدم المنافسة حكما يلتزم من خلاله أحد المتعاقدين بعدم ممارسة نشاطا مهنيّا منافسا للطرف الآخر، فيُعتبر المُلتزم في وضعية المدين و يتمثل التزامه في الامتناع عن القيام بعمل ألا و هو منافسة الطرف الآخر الذي يكون في وضعية الدائن. و بالتالي يكمن الحدّ من حريّة المتنافس في منعه من ممارسة نشاطا معيّنا من خلال هذا البند. و يرى بعض الفقه أنَه يؤدي بند عدم المنافسة إلى الإقصاء التعاقدي لخطر المنافسة، حيث يلجأ المساهمين في الاتفاقات و الأعمال المُدبَرة إلى هذه الطريقة من أجل إقصاء مخاطر المنافسة من السوق.

رغم تقييد هذا البند لحرية أحد الأطراف إلا إنَه قد يضمن وجود الزبائن من جهة، و يُسهل عملية إبرام العقد الرئيسي من جهة أخرى بما أنَه يُعد بندا تابعاً، بل قد يُعتبر الطابع ” التبعي” لهذا البند سببا لمشروعيته. و لذلك لا يشكّل بند عدم المنافسة شرطا محظورا في كلّ الحالات، بل يجب توافر بعض الشروط لإبعاد هذا البند عن نطاق الحظر و هي كالآتي:

.وجود مصلحة مشروعة

لا يكون هذا البند مشروعا إلاّ في حالة حمايته لوضعية قانونية و المُتمثلة في حماية مصالح المستفيد منه، و عليه يجب على القاضي التأكّد من وجود تناسب معقول بين مصالح المدين و الدّائن فلا يجب أن يتجاوز البند الهدف المنشود منه. و يرى بعض الفقه أنّه لا يكتسب بند عدم المنافسة مشروعيّته بمجرّد اتفاق الأطراف عليه، بل يجب أن يكون ضروريّا لحماية الحقوق المشروعة للمؤسّسة المُرخّصة.

. المحافظة على الحريّة الاقتصادية للمدين

حتى في حالة مشروعيّته، لا يجب أن يؤدي هذا البند إلى إلغاء حريّة تصرّف المدين و إنّما يقيّدها، و لذلك تتوقّف مشروعيّة هذا البند على عنصرين أو ما يُسمّى ب ” التحديد المُزدوج “. من جهة يجب أن يكون النشاط معيّنا، و من جهة أخرى يجب أن يكون البند محدّدا في الزّمان و المكان أن يكون موضوع البند معيّنا، لا يجب أن يؤدي البند إلى المنع من كلّ نشاط ، و لكن فقط النشاط المتعلّق بذلك المُمارس من قبل المستفيد من البند. و بالتالي يستوجب تحديد الأعمال المحظورة على المدين بصورة واضحة و دقيقة، و في حالة وجود غموض يتعيّن على القاضي تفسير البند.

ج. شبكات التوزيع

تحتل عملية التوزيع مكانة جوهريّة في المبادلات الاقتصادية، حيث أنّها تساهم في ترويج سلع أو خدمات المُنتج من جهة، و إيصالها للمستهلكين من جهة أخرى. و لذلك تُعد شبكة التوزيع وسيلة تسويق مُوجَهة إلى تحسين الاتصال بين منتوج معيَن و مُشتريه الاحتماليين. و عليه، يظهر التوزيع كمرحلة من مراحل النشاط الاقتصادي متواجدة بين الإنتاج و الاستهلاك.

فيعتبر التوزيع نشاطا اقتصاديّا جماعيّا يُمارس من قبل المُنتج نفسه، أو من قبل وسطاء مُتخصّصين تابعين لشبكة أو تجمّع من أجل وضع المنتوجات بحوزة المستهلك النهائي. و بالتالي يسمح نظام التوزيع بإيصال المنتوجات أو الخدمات إلى المستهلكين النهائيين و في مناطق مختلفة.

كما يُعرّف بعض الفقه أنّه” يُقصد بالتوزيع عملية إيصال المنتجات إلى المستهلك النهائي، و ذلك عن طريق مجموعة من المؤسّسات. و يعتبر من وظائف التسويق الرئيسيّة، و يهدف إلى توصيل السلع بعد الانتهاء من إنتاجها إلى المستهلك الأخير، و يُطلق على الطرق التي تسلكها من المنتج إلى المستهلك أو المستعمل شبكات التوزيع” .

و تشكل شبكات التوزيع تقييدا عموديا للمنافسة، لأنَها تؤدي إلى الحد من عدد الموزعين لمنتوج معيَن و بالتالي التخفيف من المنافسة فيما بينهم. و يمكن أن تتخذ هذه الشبكات طابعا حصريا فنكون بصدد توزيع حصري، أو طابعا اختياريا فنكون بصدد توزيع انتقائي.

.التوزيع الحصري

يعتبر نظام ” التوزيع الحصري ” وسيلة من الوسائل التي تتعاون من خلاله عدة مؤسّسات مستقلّة، و يمنح هذا النظام علاقة امتيازيّة بين الأطراف والمُتمثّلة في امتياز التوزيع الحصري، و تتجلّى فعاليّة هذا النظام من خلال احترامه من قبل أطرافه من جهة و الغير من جهة أخرى.

و يُعرَف التوزيع الحصري بأنَه التقنيَة التعاقديَة التي يمنح من خلالها المنتجين لبعض الموزعين الحق الحصري في توزيع منتوجاتهم في إقليم معين و لمدة مُحدَدة. و عليه، يلتزم المنتج بتوريد المنتوج المعني إلى موزع حصري دون سواه في إقليم معين، و يمكن أن يكون الموزع إما بائع بالتجزئة أو بائع بالجملة و ذلك حسب مساحة الإقليم الحصري .

و بالتالي يتميَز نظام التوزيع الحصري بخاصيَة أساسيَة تتمثَل في ” التوزيع الاقليمي الحصري “، حيث يلتزم المُنتج بتوريد المنتوجات المعنيَة للموزع في إقليم معيَن، و يجب أن يكون هذا الإقليم مُحدَدا بصورة دقيقة أما إذا تعلَق الأمر بتحديد دولة بأكملها فنكون بصدد مستورد حصري. و لكن يمكن أن يكون الموزع في وضعيَة تنافسيَة مع غيره من الموزعين أعضاء الشبكة شريطة عدم تضمن الاتفاق على بند حصريَة الزبائن.

و لقد نص المشرع الجزائري على أنّه: ” يعتبر عرقلة لحرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها و يحظر كل عمل و/أو عقد مهما كانت طبيعته و موضوعه يسمح لمؤسسة بالاستئثار في ممارسة نشاط يدخل في مجال تطبيق هذا الأمر”، و من المُلاحظ أنّه تطرّق المشرع إلى حظر هذا النظام دون تبيان مفهومه.

. التوزيع الانتقائي

يعتبر التوزيع الانتقائي اتفاقا يلتزم من خلاله الصانع بتوريد منتجاته إلى مُوزّعين يختارهم، و لا تكون هذه التقنيّة مشروعة إلاّ في حالة قيام الاختيار على أساس معايير موضوعية مُعدّة مُسبقا ككفاءتهم التقنيّة أو التجارية، دون التدخّل في السياسة التجارية المُتّبعة من قبل المُوزّعين في تسويق المنتجات. فيتميّز هذا النظام عن التوزيع الحصري في عدم وجود بند الحصر الإقليمي.

و تتمثَل هذه الكيفيَة في اقتناء الموزعين حسب المعايير المطلوبة من قبل المُنتج، فيتم توزيع منتوجات هذا الأخير في مراكز البيع التي يختارها و يراها مناسبة لمميزات منتوجاته، فنكون بصدد سوق مفتوحة نظرا لتعدد الموزعين و بالتالي تعدد مراكز بيع المنتوج المعني. و يُستعمل عادة نظام التوزيع الانتقائي بالنسبة للمنتوجات التي تتمتَع ببعض التعقيدات التقنيَة و التي تتطلَب بعض الشروط من أجل بيعها في أحسن صورة.

و تتعلّق الأسباب الرئيسية للنزاعات الناتجة عن التوزيع الانتقائي بكيفيات اختيار المُوزّعين من قبل المُورّد، حيث قد يتّبع هذا الأخير طرقا تمييزية في عملية الانتقاء.

و لقد تطرّق مجلس المنافسة الجزائري إلى هذا النظام من خلال القضيّة المتعلقة بالمؤسسة الوطنية للصناعات الالكترونية، حيث عاقب المجلس هذه المؤسسة بغرامة مالية بعد التماسه من قبل مجموعة من العملاء الاقتصاديين الذين كانوا ضحايا التوزيع الانتقائي المُطبّق من قبل المؤسسة بصورة تعسّفية.

و عادة ما يُستعمل هذا النظام في مجال المنتوجات ذات الجودة العالية، بل ترى المحكمة الابتدائية للمجموعة الأوروبية ضرورة تبرير التوزيع الانتقائي بطبيعة المنتوجات، في حين أكَدت محكمة عدل المجموعة الأوروبيَة على ضرورة استناد نظام التوزيع الانتقائي على معايير موضوعية بحتة، و نفرّق بين التوزيع الانتقائي النوعي و التوزيع الانتقائي الكمّي.

يتمثّل التوزيع الانتقائي النّوعي في اختيار المُوزّعين حسب معايير موضوعيّة على أساس طبيعة المنتوج المعني، في حين يضيف التوزيع الانتقائي الكمّي معايير أخرى متعلّقة بتحديد كميات محدّدة من المبيعات، أو تحديد عدد المُوزعين حسب المناطق. و يساعد الانتقاء الكمّي على تجنّب انتشار مراكز بيع مُتعددة لنفس المنتوج ممّا يُنقص من جودته.

و يظهر تقييد الحرية من خلال حرمان بعض المُوزعين من تسويق بعض المنتجات لعدم استيفاءهم لشروط الانضمام إلى الشبكة. و تُطرح في هذا المجال إشكالية مهمّة ألا و هي: هل يمكن للمُورّد أن يمنع توزيع منتجاته عبر الأنترنيت؟

تطرّق مجلس المنافسة الفرنسي لهذه الإشكالية لأول مرّة عام 2006 حيث تم التماسه من قبل إحدى المؤسَسات المُختصة ببيع المجوهرات و الساعات عبر الانترنيت، ضد المؤسسة المُنتجة لهذه المنتوجات لرفض إدراجها ضمن شبكة التوزيع الانتقائي المُنظمة من قبلها. و لقد أكّد المجلس أنّه تعتبر الانترنيت عاملا اقتصادياّ فعّالا في التوزيع لاسيما عندما يتعلَق الأمر بمنتوجات يسهل وصف محتواها و وظائفها ( كالكتب، و تذاكر السفر…) ، و لكن توجد بعض السلع أو الخدمات التي لا يمكن إعادة بيعها عبر الانترنيت نظرا لخصائصها و التي تتطلب التجريب قبل اقتناءها ، كما لا يمكن بيع بعض المنتجات عن بُعد لأسباب أمنيّة. و بالتالي تتوقف إمكانية التوزيع عبر الانترنيت حسب طبيعة المنتوج.

في حين اعترفت لجنة المجموعة الأوروبية بإمكانية توزيع المنتجات أو الخدمات عبر الانترنيت مهما كانت طبيعته، حيث اعتبرت أنّه: ” يجب أن يكون كلّ مُوزّع حرّا في اللّجوء إلى الانترنيت للقيام بالإشهار أو بيع منتجاته”،حيث تعتبر الانترنيت وسيلة للوصول إلى كل الزبائن. و لكن أكَدت اللجنة أنَه يمكن أن يفرض المورد شروطا تتعلَق بجودة المنتوج تسمح باستعمال الموقع من أجل بيع هذا الأخير، كتلك الشروط التي يفرضها في حالة بيع منتوجه في محلات تجاريَة.

بينما يرى بعض الفقه أنَه تعتبر الانترنيت قبل كل شيء وسيلة عالمية لعرض المنتوجات أو الخدمات، و بالتالي ليس من المعقول منع المُوزع من ممارسة وظيفته من خلال هذه الوسيلة الفعَالة شريطة احترام قواعد المنافسة.

الخاتمة:

تُشكل الممارسات المُدبَرة خطرا على المنافسة، لاسيما طابعها الضمني الذي يجعل منها ممارسات خفيَة يصعب التعرف عليها و كشفها بسهولة. و يُستلزم لتقدير وقائعها و تكييفها خبرة كافية في هذا المجال، لذلك يمكن القول أنَه من أهم التعديلات القانونية التي قام بها المُشرع الجزائري إنشاء هيئة إدارية مُستقلة و مُتخصصة في كشف و ردع الممارسات المقيدة للمنافسة بصفة عامَة و المُتمثلة في ” مجلس المنافسة “.

فبالرغم من الدور الأساسي الذي تلعبه الجهات القضائية في هذا السياق، إلا أنه يبقى دورها أقل فعاليَة مقارنة بالصلاحيات المُخوَلة لمجلس المنافسة بصفته هيئة مُتخصصَة في ضبط و تنظيم المنافسة في السوق. و لكن رغم المجهودات المبذولة من قبل المشرع الجزائري في تطوير مجلس المنافسة، إلا أنَه يبقى هذا الأخير مجهولا في واقعنا الاقتصادي مما يُترجم قلة – إن لم نقل انعدام – القرارات الصَادرة عنه. و يُعد هذا أمرا مؤسفا للغاية بالنسبة لدولة تسعى إلى ترقية اقتصادها الوطني و تحقيق الفعالية الاقتصادية من خلال تطبيق قواعد المنافسة الحرَة.

و قد يؤدي غياب مجلس المنافسة في الواقع، رغم حضوره بين النصوص القانونية، إلى عدم إمكانية بلوغ الهدف المنشود من قواعد المنافسة أو بالأحرى عدم المحافظة على السير المنتظم للسوق بشكل فعلي و فعَال، و يرجع هذا إلى عدم تطبيق هذه القواعد من قبل جهة مختصة.

قائمة المراجع:

قائمة المراجع باللغة العربية

1– ع. ر. بن حبيب، اقتصاد و تسيير المؤسسة، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الرابعة، 2009.

2- أ. م. شلبي، التنظيم القانوني للمنافسة و منع الاحتكار ” دراسة مقارنة “، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة 2008.

3- م. فندي الشناق، الاحتكار و الممارسات المقيدة للمنافسة في ضوء قوانين المنافسة و الاتفاقيات الدولية، دار الثقافة للنشر و التوزيع، الطبعة الأولى، 2001.

Bibliographie en langue française

1- A. BRUN, A. GLEISS, M. HIRSCH, Droit des ententes de la communauté économique européenne, Dalloz 1967.

2- F. JENNY, A.P. WEBER, L’entreprise et les politiques de concurrence : ententes, cartels, monopoles, les éditions d’organisation Paris 1976.

3. M. C. BOUTARD LABARDE, G. CANIVET, E. CLAUDEL, V. MICHEL-AMSELLEM, J. VIALENS, L’application en France du droit des pratiques anticoncurrentielles, L.G.D.J. 2008

4. L. ARCELIN, Droit de la concurrence : les pratiques anticoncurrentielles en droit interne et communautaire, PUR 2009

5. R. HOUIN, M. PEDAMON, Droit commercial: Actes de commerce et commerçants, Activité commerciale et concurrence, 8 ème, éd. Dalloz 1985