مدارس التفسير
تقديم:

لاشك أن النصوص القانونية التي يراد تفسيرها تكون معبر عن إرادة واضعيها، والمفروض في الوقت نفسه أنها وضعت في المجتمع لتحكم تصرفات أفراده ولقد اختلفت مذاهب التفسير باختلاف النظرة إلى حقيقة الدور الذي يقوم به المسرع في وضع القواعد القانونية، وظهور المدارس مرتبط ارتباطا وثيقا بأساس القانون، فادا انعقد القانون بإرادة الدولة وانحصرت مصادره في التشريع أصبحنا أمام مدرسة التزام النص في التفسير، أما إدا اعتبر القانون بأنه انبعاث من ضمير الجماعية ومن الظروف المختلفة المحيطة بها توجد المدرسة التاريخية ومن الظروف المختلفة المحيطة بها توجد المدرسة العلمية.

ولتناول هذا الموضوع سوف اتبع المنهجية التالية:

المبحث الأول: مدرسة الشرح على المتون

المطلب الأول: الأسس التي تقوم عليها هده المدرسة

المطلب الثاني: نقد هده المدرسة

المبحث الثاني: المدرسة التاريخية

المطلب الأول: حسنات هده المدرسة

المطلب الثاني: مساوئ هده المدرسة

المبحث الثالث: المدرسة العلمية

المطلب الأول: الأسس التي تقوم عليها هده المدرسة

المطلب الثاني: تقدير هده المدرسة

المبحث الأول: مدرسة الشرح على المتون

وتسمى أيضًا “مدرسة التزام النص” وقد ظهرت هده المدرسة في مستهل القرن التاسع عشر ،وهو تاريخ صدور التقنينات الفرنسية الكثيرة التي لم يكن للناس عهد بها ،وأصل تسميتها بمدرسة الشرح علي المتون، يعود إلى مادرج عليه شراح تلك التقنينات من إحاطتها بقدر كبير من التقديس وانصرافهم إلى شرح النصوص  بشكل التعليقات عليها ،بحيث يجعلون النص متنا يبدل الجهد في شرحه وتوضيحه يفعلون دلك غير خارجين حتى على الترتيب الشكلي للقانون ،فهم يتقيدون بترتيب نصوص التقنينات وأرقام موادها.

وهده المدرسة تقوم على أسس كما أنها لم تسلم من النقد.

المطلب الأول: الأسس التي تقوم عليها هده المدرسة

تقوم هده المدرسة على تقديس النصوص التشريعية ،حيث يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون ،وانه لا جوز أن ينشأ عرف يخالف التشريع إلا حيث يسمح هو ذاته بدلك ،وان التشريع لا يلغيه العرف ،كما انه لا توجد قاعدة قانونية إلا ومرجعها النصوص التشريعية وخاصة مجموعة نابليون ، وقد ركز على “بنيه” احد زعماء المدرسة هدا الشعار في عبارته المشهورة: أنا لا اعرف القانون المدني ،وإنما اشرح مجموعة نابليون ،كما أنها تقوم على تغليب قصد المشرع عند تفسير التشريع ،وهدا يتبن لنا مما قاله “دمانت” :إن إرادة المشرع هي أساس القانون ،فروح التشريع هي خير مرشد لنا ،فيتعين علينا أن نغلبها على عبارته،بمعنى أننا نسلم بكل النتائج المستنتجة من حرفية النصوص،ولا نغفل كل ها تيك التي لا تستنتج منها في صراحة ووضوح ، وكدا احتكار المشرع إنتاج القانون ،وهدا من الطبيعي أن يؤدي إلى تقديس النصوص وتغليب قصد المشرع إلى هده الخاصية التالية لدلك، نجد من شراح المتون من يذهب إلى حد القول بان من حق القاضي إلى عاتية  الوسائل للاهتداء إلى قصد المشرع أن يحكم برفض وجود نص لحكم الحالة المعروضة عليه ،بل منهم من يذهب إلى حد ادعاء العصمة للمشرع ،ويرون لدلك انه لا يمكن أن يكون هناك فكر أسمى من فكره ،ولا عدالة فوق عدالته .

ولإن كان مذهب هده المدرسة يؤدي إلى استقرار القواعد القانونية وثباتها ومنع تحكم القاضي، إلا أنها لمتسلم من النقد

المطلب الثاني: نقد مدرسة الشرح على المتون

ارتكز أهم نقد زجه إلى هده المدرسة إلى أنها تصيب القانون بالجمود وان البحث عن إرادة المشرع نفسه المفترضة عند وضع النص يمكن أن يصل إلى أن ينسب للمشرع إرادة وهمية لا أساس له من الواقع، كما أنها تصيب القانون بعدم المرونة وتحوله دون تطوره بما يتمشى مع ظروف المجتمع وحجاته، وأنها لم تقوى على الصمود أمام النقد الدى وجهه إليها فاضمحلت واختلفت مند أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لكن لا يمكن القول بأن مدرسة الشرح على المتون قد انتهى وجودها تماماً،فهي ما زالت موجودة في بعض جوانبها الصحيحة في تفسير النصوص القانونية.

المبحث الثاني: المدرسة التاريخية أو الاجتماعية

ظهرت هده المدرسة في ألمانيا على يد “سافيني وبوشتا”  في أوائل القرن التاسع عشر ولم يجد له في فرنسا إلا بعض الأنصار ومنهم “سالي” ويطلق علي هده المدرسة أيضا اسم “المدرسة الألمانية” أو “مذهب مدرسة سافيني”.

ويذهب أنصار هده المدرسة إلى أن تفسير القانون يجب أن يتم حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة وقت تفسير النص، وتقوم هده المدرسة على أساس أن القانون ليس وليد إرادة واعية مدبرة بل هو وليد عوامل اجتماعية وحاجات المجتمع المتطورة، وأن إرادة المشرع ليست الأساس في تحديد مضمون القاعدة القانونية .ولدراسة هده المدرسة لا بد من التطرق إلى حسنات ومساوئ هده المدرسة.

المطلب الأول: حسنات هده المدرسة

من حسنات هده المدرسة أنها تبيّن لنا أن القانون ليس مجرد تعبير عن مشيئة الحاكم أو المشرع، كما ذهبت إلى دلك مدرسة التزام النص، وإنما هي تثير تم تشيد بما للمجتمع من آثر مبين في تكوين القوانين، كما أنها تعتمد على السير بالتشريع جنبًا إلى جنب مع التطور الجماعة، كما أنها تمتاز بإعطاء النصوص التشريعية مرونة تجعلها تتمشى مع تطور الظروف الاجتماعية، نظرًا لأن تفسيرها يتطور مع تطور ظروف المجتمع فهي تبيح لمن يتصدى للتفسير أن يدلى برأيه الشخصية بحسب نظرته إلى الظروف القائمة في المجتمع.

المطلب الثاني: مساوئ هده المدرسة

رغم احتوائها على حسنات فإنها لا تخلوا من العيوب المتمثلة في كونها تخرج التفسير عن معناه الحقيقي أي أنها لم تضع قواعد ثابتة للتفسير يتقيد بها المفسر، بل تركت الباب مفتوحة للقضاء يقوم به حسب الظروف والمقتضيات مما يترتب عليه أن المفسر بتعديل القانون والبعد عما أراده المشرع تحت ستار التفسير ويفتح الباب للتحكم مما يفقد القانون الثبات والاستقرار اللازمين لثبات واستقرار المعاملات كما أن فيه توسيع غير مأمون لسلطة القضاء ،وإذا لا يعرف لتفسير القانون وتطبيقه قاعدة ثابتة.

المبحث الثالث: المدرسة العلمية

ظهرت هده المدرسة في فرنسا على يد الفقيه الفرنسي “فرانسوا جيني” وهو احد كبار الفقهاء الفرنسيين، في مطلع القرن العشرين في مؤلفه {طرق التفسير ومصادر القانون الخاص الوضعي}، وهي مدرسة تأسست على أنقاض مدرسة الشرح على المتون، حيث اعتبر النصوص القانونية مجرد عمل من أعمال البشر التي تعتبر ناقصة دوما، ونادت بوجوب تفسير النصوص القانونية تفسيرًا علميًا حرًا،وتتفق هده المدرسة في تفسير النصوص التشريعية وفقا لنية المشرع الحقيقية وقت وضع التشريع، ولكنها تختلف عنها بالنسبة للحالات التي لا يوجد فيها نص تشريعي يحكم الحالة المعروضة. ولا بد من التطرق في هده المدرسة إلى الأسس التي تقوم عليها وتقديرها.

المطلب الأول: الأسس التي تقوم عليها هده المدرسة

تقوم هده المدرسة على أسس كثيرة منها أنها لاتحمل النصوص القانونية أكثر من طاقتها ولا تستخلص إلا للإرادة الحقيقية للمشرع وتنفي نفيًا باتًا الإرادة المفترضة وهو عمل مخالف تمام المخالفة لما قمت به مدرسة التزام النص، ويرى أنصار هده المدرسة أنه إذا تخلّف الشكل فيجب الرجوع إلى الجوهر لسد نقص المصادر الرسمية الأخرى، ويجب على القاضي أن يضع نفسه موضع المشرّع إذا كان يريد بالتشريع العثور على حل لنزاع معين ومحدد، فهو بهذا لا يخلق قواعد قانونية جديدة على غرار فعل المشرع، وإنما يفسر القانون المتعلق بحل النزاع المعروض عليه، كما أنها اتخذت لها مكان الوسط بين المدرستين.

المطلب الثاني: تقدير هده المدرسة

بيمكن القول في هده المدرسة أنها المدرسة السائدة في التفسير في الوقت الحاضر، وإن كان من اللازم التنبيه إلى أنه ليس من الضروري الوقوف في التفسير، عند الإرادة الحقيقية للمشرع وقوفًا جامدًا، بل يجب أن يكون التفسير وسيلة إلى مد حكم النص إلى أية مسألة ولو لم يقصد الشارع فعلا أن يطبق عليها الحكم، ما دام إخضاعها له يتفق مع النص وروحه، كما أن هده المدرسة تمتاز بسلامة الأساس الذي تقوم عليه تبرأ من العيوب التي تؤخذ على المدرستين الأخريين.

خاتمة:

ختامًا يمكن القول بأن رغم اختلاف المدارس الثلاث في طريقة التفسير لكنهم يعتبران من اهم الإنجازات في تفسير النصوص القانونية، ولكن يمكن القول كذلك بان المدرسة العلمية أو مدرسة البحث العلمي تعتبر من أهم المدارس والسائدة في الوقت الراهن لأنها اتخذت لها مكانة الوساطة بين المدرستين الأخيرتين.

المراجع المعتمدة:

* عبد السلام احمد فيغو،المدخل الى العلوم القانونية –نظريتا القانون والحق -، مطبعة مطبعة دار وليلى لطباعة والنشر مراكش، الطبعة الأولى 1997

* فكري إبراهيم،المدخل لدراسة القانون، نظريتا القانون والحق، الطبعة الأولى 2001

* اشحشاح نور الدين، محاضرات في تفسير النصوص القانونية، مطبعة أسبارطيل –طنجة، الطبعة الأولى 2006/2007،ص

* بنحساين محمد، مدخل لدراسة القانون الوضعي، مطبعة الرباط نيت، الطبعة الأولى 2006

* الفصايلي الطيب، المدخل لدراسة القانون، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الخامسة 2002