بحث قانوني رائع حول الحماية القانونية للحقوق الفنية والأدبية في السودان – دراسة مقارنة

مُقدِّمة:

إن موضوع الحماية القانونية للحقوق الأدبية والفنية في هذا الظرف من منعطفات التاريخ أصبح أكثر الموضوعات شاغلة الرأي العام العالمي والإقليمي والمحلي، وذلك لأن طبيعة هذه الحماية اقتضت البحث عن قواعد قانونية إضافية جديدة لتستوعب صون الحقوق المستجدة في مجال الآداب والفنون وتحيط بمشروعية استخدام الوسائل المتطورة وإنْ كان الأمر لم يكن خارج عن أحكام الشريعة الإسلامية في مجمله ولكنه يحتاج إلي منظار فقهي مجتهد، باعتبار أن القضية من نوازل هذا العصر.

أسباب اختيار الموضوع:

البحث في هذا الموضوع له أسباب: أولها عندما كلفتُ بتدريس مادة: “نظرية الحق” لطلاب الدراسات العليا شعرتُ بحاجة الطلاب إلي معرفة حماية الحقوق من وجهة نظر قانونية غير معارضة لأحكام الفقه الإسلامي.
ثانياً: حاجة هذا الحقل العلمي الجديد إلي دراسات تأصيلية متخصصة فأردت أن أدفع بهذا الاتجاه إلى الأمام بإذن الله تعالي.
ثالثاً: ثقافة المجتمع العامة تحتاج إلي تبصيرهم وتوعيتهم بهذا النوع من الحقوق الحديثة وطرق حمايتها.

أهداف البحث:

يهدف البحث على جعل دراسة القانون مقارناً بالفقه الإسلامي غاية لابد لأبناء المسلمين في مواقعهم القانونية المختلفة من بلوغها التزاما بأحكام الاعتقاد الصحيح، ويهدف البحث أيضاً إلى تقعيد الأحكام القانونية في السودان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها الكلية.

أهمية البحث:

تبدو أهمية البحث في إبراز أن الأصل في التشريعات الإنسانية هو الوحي الإلهي وما عداها من تشريعات يجب أن تدور في فلكه وتنضبط بأصوله، ومن أهميته كذلك أنه يكشف عن صلاحية أحكام الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، ومنها كذلك أن الموضوع جدد الذكري لأعمال العقل الإنساني فيما يتعلق بفقه النوازل في حياة الإنسان العصرية الحديثة من خلال قواعد قانونية تعمل على حماية الحقوق الأدبية والفنية .

الدراسات السابقة:

لم أقف على دراسة تشرح تفصيلاً حماية الحقوق الأدبية والفنية على النحو الذي أعددت به هذا البحث وذلك من فضل الله.

مشكلة البحث:

تكمن مشكلة البحث في أن الحقوق الأدبية والفنية المطلوب حمايتها بالقانون هي موضع خلاف بين الفقهاء في طبيعتها مثل اختلافهم في مشروعية حق الموسيقار في كون الموسيقي حرام أم حلال؟ وكذلك اختلافهم في شأن حق المصور في أن النحت هل هو من قبيل الأصنام أم لا؟ واختلافهم في هل الغناء مشروع جملة وتفصيلاً أم هنالك غناء دون غناء؟ وغير ذلك من الحقوق الأدبية والفنية التي نتحدث عن قواعدها في هذا الموضوع بين المؤيد لها والمعارض، ويرجع سبب اختلافهم لاستخدام القانون كلمة (مؤلف) بمعنى أوسع مما هو متعارف عليه في السابق حيث ينحصر معناها في أعمال الكتاب والأدباء فقط.

حدود البحث:

يقتصر البحث على دراسة حماية الحقوق الأدبية والفنية من خلال شرح قواعد قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م، بالإضافة إلي معرفتها في قواعد قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م، وما يقابل تلك القواعد من نصوص الكتاب والسنة، وقواعد الفقه الكلية، ومقاصد الشرع الإسلامي وأراء فقهاء المسلمين في هذا الخصوص.

منهج البحث:

اتبعت في هذا البحث المنهج الوصفي التحليلي للقواعد القانونية التي سبقت الإشارة إليها، بالمقارنة مع أحكام الفقه الإسلامي، وعزو المعلومات والآراء على مصادرها ومراجعها الأصلية، مستخدماً أسلوب المناقشة والنقد والترجيح والاستنتاج وإبداء الرأي وابتكار المصطلحات في الموضع المناسب في ثنايا البحث.

هيكل البحث:

يقوم هيكل البحث على توطئة وخطة قوامها أربعة فصول:
الفصل الأول يوضح مفهوم الحق والحماية القانونية للحقوق الفنية والأدبية وضوابطها، ويأتي الفصل الثاني ليتحدث عن أصحاب الحق على المصنفات الأدبية والفنية وأنواعها. ويتناول الفصل الثالث أنواع المصنفات الأدبية والفنية من حيث حمايتها، وخصصت الفصل الرابع للكشف عن حق المؤلف في استغلال مصنفه والقيود الواردة عليه، والفصل الخامس يحتوي على تحديد مدة حماية حق المؤلف وكيفية انتقاله، وآثار الاعتداء عليه، وأخيراً نتائج البحث والخاتمة والتوصيات ثم فهرست الموضوعات.

توطئه:

أدى تطور حركة النهضة العلمية في القرون الأخيرة إلى ظهور المصنفات أدبية وفنية لم تكن معهودة بهذا التنوع في العصور القديمة، وقد أسهم في انتشار هذه المصنفات والمؤلفات استخداماً وسائل تقنية وتكنولوجية حديثة في نشرها لم تكن مستخدمة من قبل في هذا المجال، كاستخدام جهاز الحاسوب، وشبكة المعلومات، والفاكس، والأقمار الصناعية وغيرها من وسائل نقل المعلومات الفضائية، فعند استخدام هذه الوسائل تجارياً ونتج عنها حقوقاً أطلق عليها حقوق الملكية الفكرية الأدبية والفنية وسميت بذلك لأنها حصيلة للجهد الذهني والفكري الذي بذله مخترعوها، فلذلك لجأت دول العالم المختلفة إلي سن تشريعات وطنية وأخري إقليمية وعالمية بغرض حماية تلك الحقوق بقواعد قانونية تختلف من قطر لآخر متأثرة بما يسمي بنظام العولمة في مجال المال والاقتصاد( )، فالحماية القانونية تعني منع الغير من استقلال تلك الحقوق إلا بإذن من منتجيها، فنريد أن نقف في هذا البحث على حقيقة تلك الحماية من حيث الشكل والمضمون في التشريع السوداني الخاص بحماية الحقوق الأدبية الفنية مسترشدين بمبادئ قانون أصول الأحكام القضائية السوداني لسنة 1983م الذي تقضي قواعده بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها عند سن أي تشريع في جمهورية السودان، فقد جاء في نص المادة 2/أ: (في تفسير النصوص التشريعية وما لم يكن النص مفسراً أو قاطع الدلالة يستصحب القاضي أن المشروع لا يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية، تفصيلاً لواجب قطعي أو إباحة لمحرم بيِّن وأنه يراعي توجيهات الشريعة في الندب والكراهة( )، هذا مع مراعاة أحكام الدستور السوداني الانتقالي لسنة 2005م الخاص بتطبيق اتفاقية نيفاشا لحل مشكلة جنوب السودان( ).
أما عن حقوق المؤلفين للمصنفات الأدبية والفنية من ناحية تاريخية فإن أول حق تم الاعتراف به في القانون هو حق التمثيل حيث تقرر هذا الحق على جميع المصنفات القابلة للتمثيل في فرنسا عام 1791م، ويليه تقرير حق النشر في عام 1793م ثم تولدت على هذين الحقين حقوق أخري مباشرة وغير مباشرة أطلق عليها فيما بعد بالحقوق المولدة (المجاورة) في منتصف القرن التاسع عشر نشأ عن حقاً التمثيل حقاً آخراً سمي بحق الأداء العلني، علماً بأن الفرق بينهما أن حق التمثيل يقع على المصنف كاملاً من غير تجزئة بالإضافة إلى أنه يدرك بالسمع والبصر، بينما حق الأداء يقتصر على جزء من المصنف كأداء أغنية أو قصيدة شعرية، كما أنه يقتصر على السمع دون البصر، فقد يسمع الإنسان أغنية ويكتفي بذلك دون حاجة إلى رؤية المغني كما يحدث الآن في الأشرطة المسجلة والراديو. أما حق النشر فقد نشأ عنه حق النقل عن طريق الطبعات والنماذج وكان ذلك في القرن التاسع عشر أيضاً بالرغم من الاعتراف بهذا الحق كان منذ 1777م بالنسبة للفنون التخطيطية والتصويرية فلم يشمل جميع الفنون الأخرى كما هو الآن بعد تطور وسائل الطباعة وأساليبها، فهذين النوعين من الحقوق المولدة تسمي عند جمهور فقهاء القانون بحقوق الدرجة الأولي، وتتميز بأنها ترد على مصنف معين دون تعديل فيه أو تغيير، والنوع الثاني من الحقوق المولدة تسمي حقوق الدرجة الثانية( ) وهي تشمل الآتي:

أولاً: حق التعديل، وهو الحق الذي يعطى صاحبه حق تعديل المصنف دون أن يخرج به من مضمونه الأصلي. والثاني هو حق التحويل من لون فني إلى لون آخر، فمن أعطي حق التحويل لقصة أدبية على سبيل المثال، جاز له أن يعمل منها سيناريو للسينما أو يحولها إلي تمثيلية مسرحية. والحق الثالث هو حق الترجمة، فيجوز لمن أعطي هذا الحق أن يترجم المصنف من لغة إلي أخري، فهذه الحقوق الثلاثة تعطى صاحبها على المصنف المعدل أو المحول من لون آخر أو المترجم من لغة إلي أخرى حقوقاً مادية وأدبية خاصة، لأن عملية تعديل المصنف أو تحويله أو ترجمته من لغة إلي أخري تستغرق وقتاً وجهداً، وبذل مواهب شخصية وذاتية مستقلة عما بذله صاحب المصنف الأصلي من جهد، فمن أجل ذلك كله كان لا بد أن يكون كل منهما صاحب حق على المصنف فيلزم أن يتفقا على تحديد حقوقهما المالية، وإلا تولت المحاكم تحديد تلك الحقوق، وهناك نوع آخر من أنواع الحقوق الأدبية والفنية يسمي بالحق المختلط مثل حق التسجيل الآلي على اسطوانات والأشرطة المسجلة فسميت بالحقوق المختلطة أو المشتركة لأنها تجمع بين طابع النشر والنقل في آن واحد.
وللمؤلف أن ينقل حقه إلي الغير لمباشرة حقوق الاستقلال في أي من حقوقه التي سبق ذكرها، ولكن يشترط لإتمام التصرف في الحق المنقول أن تكون عملية النقل مكتوبة وأن يحدد المكتوب بصراحةً وبالتفصيل، كل حق يصلح أن يكون محل للتصرف على حده، مع بيان مدة التصرف والغرض منه ومكان تحديد حقوق الاستغلال، وإلا كان التصرف باطلاً إذا لم تشتمل عملية النقل على هذه الشروط( ).

وفي سبيل تهذيب ممارسة المؤلف لحقوقه اهتمت التشريعات القانونية بوضع قواعد مشددة تعاقب على الإخلال بالنشر الذي قد يصبح وسيلة لقذف الآخرين، عن طريق النشر في الجرائد أو المطبوعات الأخرى فعله تشديد العقوبة لأن القذف عن طريق النشر يحمل الناس على التصديق بالمنشور علناً، وفي ذات الوقت ينتشر خبر القذف على نطاق واسع بين المجتمع على المستوى المحلي والإقليمي، فلا بد من العقوبة الرادعة( ).
ولكن بالرغم من انقضاء ثلاث قرون على التشريعات الخاصة بالحقوق الأدبية والفنية، ما زال الاختلاف و الصراع قائم بين واضعو القوانين بين موسع أو مضيق لحقوق المؤلف بالنظر إلي التطور التكنولوجي الخاص بوسائل وضروب النشر وما يترتب عليها من حقوق للمؤلف لاسترداد قيمة المؤلفات، وكذلك الخلاف بين القضاة في تعريف حق المؤلف ظل قائماً بعضهم يتوسع في تعريف هذا الحق ليتمكن المؤلف من حماية حقوق التكنولوجيا الجديدة المستخدمة في الأسواق، والبعض الآخر يتمسك بالقانون القديم لحق المؤلف، وكذلك الحال الاختلاف بين أساتذة الجامعات في تفسير حق المؤلف حيث مواقفهم متباينة، فبعضهم ينضم إلي غلاة المؤيدين لحماية حق المؤلف، والبعض الآخر من الداعين إلي تخفيف الحماية( ).
وكذلك ظل الصراع يتنقل بين الدول الصناعية الكبرى في أوربا والدول النامية حيث تتجه المعسكرات الأوربية عن طريق نظام العولمة. بغرض السيطرة على الدول النامية من قبل هذه الحقوق في مجال منتجاتها الصناعية لتظل الدول الكبرى هي صاحبة الحق الأصيل في التطور التكنولوجي والاستفادة من حقوقه على حساب الدول النامية( ).

الفصل الأول

مفهوم الحق وحمايته القانونية

أثار مفهوم معنى الحق من الناحية الإصلاحية جدلاً واسعاً بين علماء القانون من جهة، وبين فقهاء المسلمين من جهة أخري، فظل بعضهم يوجه انتقاداً للبعض الآخر في مضمون ذلك المعني، ثم يتراجع فريق ويتقدم آخر على نحو ما سنري في مباحث هذا الفصل بإذن الله، وعليه يشمل هذا الفصل على شرح معني الحق بصفة عامة، علاوة علي معرفة معني الحماية القانونية وضوابطها.

المبحث الأول
المعني اللغوي والاصطلاحي للحق

يتناول هذا المبحث بيان الحق من الناحية اللغوية بالإضافة إلي المعني الاصطلاحي له في المذاهب القانونية المختلفة، وذلك بجانب معرفة معناه عند فقهاء المسلمين وعلماء الأصول.

المطلب الأول : الحق في اللغة

معنى الحق في اللغة هو ضد الباطل، وجمعها حقوق، وقد استعملت هذه الكلمة بلفظ (حاقة) أي خاصمه وأدعى كل واحد منهما الحق فإذا غلبه قبل (حقه) وسميت القيامة (بالحاقة) لأن فيها حواق الأمور. فجاء قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ}( )، وعندما يقال (تحققه) بمعنى صار منه على يقين( ).

المطلب الثاني: الحق في الإصلاح

اختلفت مدارس ومذاهب القانون في تفسير معني الحق إلي آراء كثيرة هذا من جهة، ومن جهة أخري كذلك اختلف معهم فقهاء الشريعة الإسلامية في كشف هذا المعني إلي أقوال أيضاً . فأما في الجانب القانوني فقد برزت للحق ثلاثة تعريفات:

أولاً: معنى الحق في المذهب الشخصي:

هذا المذهب من أقدم المذاهب القانونية التي عرفت الحق . فالحق عندهم هو (قدرة أو سلطة إدارية يخولها القانون لشخص معين ويرسم حدودها) ( )، فالقانون في وجهة نظرهم هو الذي يمنح الشخص هذه القدرة ويتمتع بها صاحبها متى كانت إرادته في حدوده، فبهذا المفهوم يلتقي هذا المذهب مع مفهوم المذهب الوضعي الفردي الذي يقر العمل بمبدأ سلطات الإرادة حيث يتمتع الفرد في ظله بحرية وسلطة مطلقة في إنشاء الحقوق وتعديلها بلا تحفظ ولو يترتب عليها ضرر على الغير ( )، ما دام ذلك يتم وفقاً لإرادة العاقدين، المحضة فنلاحظ أن مفهوم الحق بهذه الكيفية في المذهب الشخصي لا تتفق مع المبدأ الذي يقوم عليه الفقه الإسلامي إذ الذي يمنح القدرة مطلقاً هو الله عز وجل وذلك استناداً إلي النص القرآني (وما تشأءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) ( ).
هذا ويتمتع صاحب الحق بتلك القدرة في نظر الفقه الإسلامي متى كانت إرادته لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ومنضبطة بها شكلاً ومضموناً، ومن أوجه النقد الذي وجه لهذا التعريف الاصطلاحي للحق، إذ أنه ربط ثبوت الحق للإنسان بتوافر عنصر الإرادة فيه، علماً أن الحق قد يثبت لعديم الإرادة كالمجنون والصبي غير المميز، فعدم ثبوت الإرادة لديهما لا يمنع ثبوت الحق لهما، وعليه فأن تعريف الحق بأنه قدره أو سلطة إرادية تثبت لصاحب الحق غير معبر عن المعني الحقيقي عند علماء القانون قبل فقهاء الشريعة، واتفق معهم في ذلك .

ثانياً: الحق في المذهب الموضوعي:

سلك أنصار المذهب الموضوعي في تعريف الحق مسلكاً آخراً حتى يتفادوا الخطأ الذي وقع فيه جماعة المذهب الشخصي في تعريفيهم للحق حسب زعمهم، فقالوا أن الحق هو: (مصلحة يحميها القانون) ( )، فقد اعتمد هذا التعريف على عنصرين أساسيين، فالأول هو العنصر الجوهري في وصف الحق بأنه مصلحة وهو الفائدة أو المنفعة ـ والثاني هو عنصر شكلي وهو حماية المصلحة، فالمصلحة التي يهدف إلي حمايتها القانون قد تكون مصلحة مادية أو أدبية، والمصلحة المادية هي التي تعود على الشخص من ما يملكه من عقارات أو نقود أو غيرها ـ أما المصلحة الأدبية هي التي تعود على الشخص في حماية حق الحرية والشر ف وغيرها.
لم يسلم هذا التعريف كذلك من النقد حيث أنه تناول تعريف الحق من حيث هدفه وغايته، ولم يكن في بيان ماهية الحق في ذاته فالحق في وجه نظر المنتقدون ينبغي أن لا يخلط بينه وبين المصلحة في التعريف؟ فمال الحق إلا وسيلة لحماية تلك المصلحة أو الفائدة وهذا يستلزم بالضرورة أن يكون الحق شيئاً آخر. وكذلك إن هذا التعريف جعل من الحماية القانونية عنصراً في الحق، ولكن يجب أن يراعى أن الحماية تأتي دائماً نتيجة للتسليم بوجود الحق الذي يسبق وجودها، إذاً هي ليست الحق. فإذا قارنا المصلحة في هذا الموضع بآراء علماء أصول الفقه نجدها لا تتفق مع هذا النقد الذي يرى أن المصلحة هي ليست الحق المراد تعريف ماهيته، فالإمام الغزالي عرف المصلحة بأنها (جلب منفعة أو دفع مضرة)( ).
ثم يمضى قائلاً: (ولسنا نعني بها ذلك ـ أي المصلحة ـ من أن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم ولكننا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلم ومالهم فكل ما يتضمن هذه الأصول فهو مصلحة وكل ما يفوت هذا الأصول فهو مفسدة ودفعه مصلحة)( ).
وأيضاً ذهب عز الدين عبد السلام إلي شرح مفهوم المصلحة بأنها ضربان أحدهما حقيقي وهو الأفراح واللذات، والثاني مجازي وهو أسبابها، وربما كانت أسباب المصالح مفاسد ويؤمر بها أو تباح لا لكونها مفاسد بل لكونها مؤدية إلى المصالح، مثل قطع الأيدي المتآكلة من الجسد حفظاً للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد عند قتال أعداء إقامة للدين. وكذلك من ناحية أخري إن العقوبات ليست مطلوبة لكونها مفاسد بل للمصلحة المقصود منها شرعاً كالقتل والقطع والرجم، فقد أوجب الشارع ذلك لتحصيل ما يترتب على هذه العقوبات من المصالح الحقيقية . والمفاسد ضربان: أحدهما حقيقي وهو الغموم والآلام، والثاني مجازي وهو أسبابها، وربما كانت أسباب المفاسد مصالح لبعض الناس فينهي الشرع عنها لا لكونها مصالح بل لأدائها إلى المفاسد( )، فبالمقارنة بين آراء الأصوليين والقانونيين في بيان مفهوم الحق أرى أن الفريق الذي يري بأن المصلحة ليست حق جملة وتفصيلاً هذا غير سليم، وأن الحماية عنصر ملازم للحق أينما وجد وليست عنصراً داخلاً في ماهية الحق كما زعم النقاد، والشاهد أن قانون حقوق الإنسان ما سمي بهذا الاسم إلا لأن حقوق الإنسان في مفهوم هذا القانون تعني المحافظة على حق الإنسان بذات المفهوم عند علماء أصول الفقه الإسلامي فيما يتعلق بالمحافظة على الأصول الخمسة التي سبق ذكرها . ويؤيد ذلك ما ذهب إليه أحد علماء أصول الفقه أن للمصلحة اصطلاحين: أحدهما اصطلاحي عرفي الذي عرف المصلحة هي (السبب المؤدي إلي الصلاح والنفع كالتجارة المؤدية إلي الربح).
والثاني اصطلاحي شرعي حيث عرف المصلحة بأنها (السبب المؤدي إلي مقصود الشارع عبادةً أو عادة) ( ). فهذا المفهوم يشمل المصلحة المادية والمعنوية في المصطلح الحديث.

ثالثاً: معنى الحق في المذهب المختلط:
المذهب المختلط جمع بين تعريف الحق من المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي، ويرى هذا الفريق، إذا كان الحق (قدرة إرادية) كما هو في المذهب الشخصي، وكذلك (مصلحة يحميها القانون) كما جاء في المذهب الموضوعي، والجدير بالذكر أن للحق في هذا المذهب المختلط تعريفين فمن غلب جانب عنصر المصلحة من أنصار هذا المذهب عرفه بأنه: (مصلحة شخص أو مجموعة من الأشخاص يحميها القانون ويقوم على تحقيقها والدفاع عنها قوة معترف بها لإرادة ما) ( )، ومن غلب جانب الإرادة منهم عرف الحق بأنه: (قدرة أو سلطة تقوم على خدمة ذات مصلحة اجتماعية).
فإذا كانت تعريفات الحق الثلاثة التي سبق شرحها هي من إصلاح النظريات القانونية القديمة، فخرجت إلينا نظرية القانون الحديثة بتعريف آخر وهو أن الحق: (استنشار وتسلط) ( ).
وخرج إلينا فقهاء المسلمين المعاصرين بتعريف معاصر للحق بأنه: (اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً) ( ). ومثال ذلك كحق الولي في التصرف على من تحت ولايته، فإنها سلطة لشخص على آخر، وكحق البائع على طلب الثمن من المشتري فهو تكليف الثاني لمصلحة الأول، وكحق الوارث في ملكية الأعيان الموروثة، وحق الإنسان في منفعة العقار.

رابعاً: معنى الحق في التشريع السوداني:
لم أقف على معنى الحق من الناحية الاصطلاحية في القانون السوداني، ولكن بالضرورة أن يكون معناه متفق مع ما ذهب إليه علماء الفقه وأصوله الذي سبق شرحه، وذلك عملاً بمقتضى أحكام قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م حيث جاء في نص المادة (3): “تسترشد المحاكم في تطبيق أحكام هذا القانون والعبارات الواردة فيه:، وكذلك في حالات غياب النص بالمبادئ الشرعية، وتتبع القواعد المنصوص عليها في قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م”( ).
مع العلم أن قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م الذي أوجب قانون المعاملات تتبَّع أحكامه والالتزام بها نصت المادة (2/ب) منه بقولها “يفسر القاضي المصطلحات والألفاظ الفقهية على ضوء القواعد الأصولية واللغوية في الفقه الإسلامي”( ). نلاحظ أن أحكام المادتين أعلاه، أوجبت على الجهات المختصة بالتشريع وبتطبيق القانون في السودان الالتزام بتفسير وفهم الألفاظ والمصطلحات القانونية وفقاً لما هو مقرر في الفقه الإسلامي.
خلاصة القول بعد استعراض المعاني الاصطلاحية للحق المختلفة أرى أن تعريفه “لا يكون جامعاً مانعاً إلا بالجمع والتوفيق بين جميع التعريفات الاصطلاحية السابقة للحق، وعليه سوف اقترح بناءً على ذلك تعريفاً للحق بأنه: “قدره ومصلحة واختصاص يحكم بها الشارع لمستحقها”( ). فهذا التعريف أرى أنه قد تلاقى الأخطاء السابقة في تقديري في جوانب عديدة لأنه يدخل في مفهوم الحق كل معاني المفردات التي أشتمل عليها التعريف المقترح فمن أوصاف الحق أنه قدره ومصلحة واختصاص يحكم بها أو يقررها من تؤول إليه بواسطة التشريع في الدولة.

المبحث الثاني
مفهوم الحماية القانونية لغة واصطلاحاً

يتناول هذا المبحث بيان معنى الحماية في اللغة بالإضافة إلى توضيح مقتضى مفهومها في الاصطلاح القانوني.

المطلب الأول: الحماية في اللغة:

الحماية في اللغة العربية اسم من الفعل حَمىَ، فيقال حَمىَ الشيء حَمْياً وحَمَىً وحمايةً، وعندما يقال حمى الشيء معناه منعه من الناس أو دفعهم عنه، وحَمَى المريض بمعنى منعه مما يضرُّه، وحَمَى أَهله أي دافع عنهم في حرب أو نحو ذلك( ). وقد تأتي الحماية بمعنى النُّصرة فمنها حَمَيْتُ القوم حمايةً بمعنى نَصرٌتُهم( ).

المطلب الثاني: الحماية القانونية في الاصطلاح

الحماية القانونية في مقتضى مفهوم القانون تعني “منع الأشخاص من الاعتداء على حقوق بعضهم البعض بموجب أحكام قواعد قانونية”( ). فالحماية بهذا المعنى تختلف من نوع لآخر تبعاً لاختلاف الحقوق المحمية، فقد تكون الحماية متعلقة بالحقوق المدنية أو الجنائية أو غيرها …الخ. غير أنّ موضوع الحماية القانونية في هذا البحث متعلق بالحقوق الأدبية والفنية، وعليه سوف نقف على أحكام حماية تلك الحقوق في التشريع السوداني وبصفة أساسية من خلال قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م بالإضافة إلى قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م، غير أن التطور والانتشار السريع في تكنولوجيا المعلومات وضع تحديات جسيمة أمام القانون العام والخاص في جوانب مختلفة بسبب ميلاد منتجات فكرية جديدة في مجال الصناعة والحاسب الآلي وغيرها من الوسائل المتعددة مما يستدعي خلق مبادئ وقواعد قانونية جديدة كذلك( )، وكذلك كشفت الاتجاهات المتعلقة بحماية برامج الكمبيوتر عن التردد والتنازع في تطبيق قانون حق المؤلف وعدم كفايته لحماية الأعمال الأدائية.

المبحث الثالث
ضوابط حماية الحقوق الأدبية والفنية

لكي يتمتع أيَّ صاحب حق بالحماية القانونية يجب أن يلتزم بالضوابط القانونية التي شرعت لحماية حقوق الأشخاص في دولته، سوء أكان تلك الحقوق مادية كما هو معلوم في حماية الحقوق العينية، أو حقوق معنوية كما هو في حقوق الملكية الفكرية بجميع أنواعها الأدبي والفني والصناعي، وذلك لاتساع معنى الملكية الفكرية التي عرفت بأنها : “ما يبدعه فكر الإنسان”( ). فتشمل الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور المستعملة في التجارة فمن ضوابط حماية هذه الحقوق في التشريع السوداني منها ما يختص بالتسجيل، ومنها ما جاء في شأن التداول والنشر والطبع، وأخرى متعلقة بمزاولة أعمال التصنيف على نحو المطالب الآتية:

المطلب الأول: ضوابط التسجيل

جعل المشرع في السودان القيام بواجب التسجيل شرطاً في إضفاء الحماية القانونية لكل حق من الحقوق المعنوية.
فقد أوجت المادة (24) من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة أن يقوم طالب حماية الحق بإعداد طلب التسجيل في الاستمارة المخصصة لذلك وفقاً لقواعد هذا القانون فيجب أن يدون طالب التسجيل في هذه الاستمارة أسمه وعنوانه بالكامل، وإذا كان طالب التسجيل يقيم خارج السودان يجب أن يحدد وكيله بداخل السودان للقيام بهذا الواجب نيابة عنه، وعليه كذلك أن يرفق مع الطلب صورة طبق الأصل من المصنف أو العقد الخاص بذلك، وأن يودع بياناً يوضح رغبته في نسبة المصنف إلى نفسه بالشكل المقرر بمقتضى هذا القانون، مبيناً تاريخ إعداد المصنف أو نشره أو تاريخ إبرام عقده، بالإضافة إلى أي بيانات أساسيات أخرى قررها التشريع( ). فإذا لم يقم طالب التسجيل بهذه الإجراءات الخاصة بالتسجيل يكون حقه غير محمي من اعتداء الغير، في جميع أنواع المصنفات الأدبية والفنية.

المطلب الثاني: ضوابط تداول ونشر وطبع المصنفات

يشرط قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م الالتزام التام عند استيراد أو نشر أو طبع أي مصنفات أو تداولها بأي طريقة من طرق التداول أو التعامل فيها، عدم الإخلال بالقيم الدينية أو الآداب العامة، وعدم الإساءة إلى المعتقدات أو الأعراف أو الأديان لدى كل أفراد المجتمع في السودان، وبالضرورة كذلك عدم الإساءة إلى اللون أو الجنس أو تفضيل أي لون على آخر، وأن لا تتعارض المصنفات مع سياسة الدولة وأمنها القومي، كما يجب الامتناع عن التعامل بأي نوع من أنواع المصنفات الأدبية والفنية التي يصدر قرار من مجلس المصنفات بمنع دخولها السودان، فعقوبة الإخلال بهذه الأحكام مصادرة المصنف بموجب أحكام هذه القانون أو بموجب أي قانون آخر معمول به عند ارتكاب المخالفة( ). فالجدير بالذكر أن أحكام تداول ونشر وطبع المصنفات الأدبية التي ورد ذكرها تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية استناداً إلى النص القرآني: “مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”( ). جاء في تفسير هذا النص أن كل شيء يتكلم به الإنسان في هذه الحياة الدنيا يكتب عليه، بل يكتب عليه حتى الأنين في مرضه( ). فهذا يوجب على أصحاب المصنفات الأدبية والفنية الحذر من إيذاء الغير بما ينتجون من مصنفات أو مؤلفات، وأن يعملوا بما جاء في نص الحديث الشريف الذي يمنع التفاضل بين الناس بسبب اللون أو الجنس أو الجاه، ” لا فضل لعرب على أعجمي إلا بالتقوى”( ).

المطلب الثالث: ضوابط مزاولة أعمال التصنيف:

لا يسمح القانون لأي شخص باستيراد أو تصدير أو تسجيل أو طباعة أو نشر مصنفات مرئية أو مسموعة أو مقروءة، سواء أكانت اسطوانة أو كاسيت أو فيديو أو فيلم أو كتاب بغرض التجارة، أو بغرض ممارسة العمل الفني إذا لم يحصل على التصديق الخاص بذلك من الجهات المختصة، وفقاً للإجراءات المتبعة في قواعد القانون، ويجوز لمجلس المصنفات إلغاء تصديق مزاولة العمل الفني والأدبي متى ما ارتكبت مخالفة هذه الضوابط، كما لا يجوز لأي شخص مُنح تصديقاً أن يحوله أو يتنازل عنه لشخص آخر، أو يتصرف فيه بأي كيفية ما لم يوافق المجلس على ذلك.
أما إذا كان المُصنَّف قد صدر بغرض التجارة فقد يفقد حق الحماية إذا لم يُطبع فيه اسم المؤلف أو المنتج أو الشركة أو العلامة التجارية المميزة، ومكان الطبع وتاريخه( )، كما يشترط في الأفلام السينمائية أن لا تَعْرِض ما هو مخالف للآداب العامة والأخلاق ومصلحة البلاد، ومن حق المجلس( ) أن يأمر بإيقاف أي فيلم سينمائي لم يراع تلك المبادئ السامية( )، فهذه الضوابط القانونية لنشر الأفلام السينمائية تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية عملاً بأحكام النص القرآني في قوله تعالى: “وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً”( ). جاء في تفسير الآية بيان مسئولية الإنسان من الحواس، فلا تقل رأيتُ وأنتَ لم تر، وسمعتُ وأنت لم تسمع وعلمت وأنْتَ لم تعلم، ولا تذم أحداً بما ليس لك به علم( ).
ولكن قد يفهم أنّ المشرع قد استثنى الأفلام السينمائية من شرط الالتزام بالضوابط القانونية للنشر بما جاء في نص المادة (22) من قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م: “يستثنى من أحكام هذا الفصل الأفلام السينمائية التعليمية الجادة التي تعرض داخل أي مؤسسة تعليمية”( )، فهذا النص لم يبرز نية المشرع بجلاء من حقيقة الاستثناء في هذه المادة فقد توحي بأن نشر الأفلام السينمائية لأغراض التعليم جائز ولو كانت مخالفة للآداب والأخلاق، فهذا قطعاً ما لا يقصده المشرع؟ فلذلك أرى أن نص المادة (22) في حاجة إلى إعادة صياغة لتوضح بجلاء قصد المشرع لإزالة اللبس الذي قد يشكل على القضاة عند التطبيق، فقد يفهم كل منهم المعنى من زاوية مختلفة عن الآخر، فتنتج عنه أحكاماً مختلفة في المسألة الواحدة، علماً بأن المطلوب هو الحكم بما أنزل الله عملاً بموجب نص الآية في قوله تعالى: “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ”( )، جاء في التفسير أن أحكام هذه الآية نزلت في المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل( ).

الفصل الثاني
أشخاص الحق في المصنفات الأدبية والفنية وأنواعها:

يتناول هذا الفصل تحديد أصحاب الحق الأدبي والفني في وجهة نظر المشرع السوداني، وكذلك أوضح فيه ماهية المصنفات الأدبية والفنية، وذلك من خلال المبحثين الآتيين:

المبحث الأول
أصحاب الحقوق الأدبية والفنية:

أصحاب الحق الأدبي والفني في التشريع السوداني طائفتين الطائفة الأولى تشمل أصحاب الحق الأصيل، والثانية طائفة أصحاب الحق المجاور، وقد رتب الشارع أحكاماً لكل طائفة على النحو التالي:

المطلب الأول: صاحب الحق الأدبي أو الفني الأصيل:

صاحب الحق الأدبي أو الفني الأصيل هو: “مؤلف المصنَّف الأدبي أو الفني ابتداءً”( ). فيدخل في هذا المصطلح كل من تطلق عليه لكمة (المؤلف) الواردة في قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م، فمعنى المؤلف في هذا القانون تشمل أي شخص طبيعي ابتكر مصنفاً ثم نشره باسمه أو منسوباً إليه بأي طريقة من الطرق المتبعة في نسبة المصنفات لمؤلفيها، أو بطريقة يتم اختراعها في المستقبلـ ما لم يقم الدليل على غير ذلك، وكذلك مفهوم لفظ مصنَّف لا يقتصر على تأليف الكتب وحدها بل يشمل كل عمل أدبي أو مسرحي أو موسيقي أو غنائي، أو أي لوحة وزخرفة، ونحت تصميم أو شريط مسجل أو اسطوانة أو أغنية أو فيلم سينمائي لم يسبق نشره، فبهذا المعنى الشامل للكلمة مُصنَّف يتسع المجال لحقيقة معنى المؤلف فيعتبر الكاتب والأديب والشاعر، والفنان والموسيقار، والمصور الفوتغرافي، والمصور التشكيلي ومنتج الأفلام السينمائية، وفنان رسم اللوحات الملونة، فكل هؤلاء مؤلفين وأصحاب حق أصيل في نظر القانون فيما يقومونه به من تأليف لمصنفات بهذا المعنى الواسع( ).
ولكن تجدر الإشارة في هذا المقام أن أعمال الأدب والفن التي يقوم بها أي مؤلف من المؤلفين الذين ورد ذكر في القانون السوداني لا تكتسب أهمية في نظر الفقه الإسلامي( )، إذا جاءت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية فبناءً على ذلك يصبح الحق الأدبي والفني المدعى به غير مشروع، فيترتب عليه بطلان الدعوى، فهذا ما أكده المشرع في قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م من خلال أحكام المادة (15) التي تشترط عدم الإخلال بالقيم الدينية أو الآداب العامة عند تداول ونشر وطبع أي من المصنفات الأدبية والفنية( )
فهذا موضع اهتمام القضاة في محاكم جمهورية السودان نرجو أن يعضوا عليه بالنواجز.
أما فيما يتعلق بالحقوق التي قررها التشريع السوداني للمؤلف تقع في قسمين:
القسم الأول خاص بالحقوق المعنوية فيشمل حق المؤلف في كشفه مصنفه للجمهور ونسبه مصنفه إلى نفسه باسمه الحقيقي أو باسم مستعار أو نشرة بدون اسم، ومن حق المؤلف أيضاً أن يعترض على أي تحريف أو تشويه لمصنفه أو لأي مصنف آخر مشتق منه، وكذلك له الحق في سحب مصنفه من التداول لأي اعتبار يراه مناسباً.
والقسم الثاني من حقوق المؤلف هو الحق المالي فيشمل حق نشر المصنف على الجمهور عن طريق البيع أو الإيجار أو التسليف على أساس تجاري وله أن يفوض بحقه المالي إلى من يقوم بتمثيله أو أدائه أو نشره تجارياً بواسطة الإذاعة أو بوسائل الاتصال الفضائي، أو يفوض بالحق المالي من يقوم بترجمة المؤلف إلى لغات أجنبية، أو غيرها من ضروب التفويض بهذا الحق بالطرق المشروعة قانوناً.
وفي حالة اشتراك عدة أشخاص في ابتكار مصنف، بحيث يتعذر تمييز إسهام كل منهم في إيجاد المصنف، فيعتبر الجميع شركاء في ملكية حق المؤلف على المصنف، ولا يجوز لأحد منهم أن يتفرد بمباشرة حقوق المؤلف المقررة بمقتضى أحكام هذا القانون، ما لم يتفق الشركاء فيه كتابةً على غير ذلك، أما إذا كان مقدوراً علي تمييز إسهام كل من الأشخاص الذين اشتركوا في إخراج المصنف المشترك، يجوز لكل منهم الحق في استغلال الجزء الخاص به بشرط أن لا يترتب على استغلاله ضرر يقع على بقية الشركاء، كما يجوز لأي منهم مباشرة حقوق المؤلف المقررة في هذا القانون مع عدم الإخلال بحقوق الشريك أو الشركاء في العائد المادي، أما إذا أمتنع أحد المؤلفين عن إتمام ما يليه في المؤلف المشترك، فلا يترتب على ذلك حرمان بقية الشركاء من استغلال المصنف، مع وجوب الاحتفاظ للشريك الممتنع بقدر ما أنجزه من عمل قبل امتناعه.
فاستناداً إلى نص المادة (11/2) “إذا امتنع أحد المؤلفين عن إتمام ما يخصه في المؤلف المشترك فلا يترتب على ذلك منع بقية الشركاء من استغلال الجزء الذي أنجزه وذلك مع عدم الإخلال بما للشريك الممتنع من حقوق مترتبة على اشتراكه في التأليف”( )، كما تكفل الفقرة (3)، الحق للممتنع أن لا يحرم من العائد المالي بقدر ما أنجزه قبل توقفه عن العمل. فتأتي المحافظة على حقوق الشركاء بهذه العناية القانونية الفائقة في التشريع السوداني متفقة مع أحكام السنة الشريفة كما جاء في نص الحديث “عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : يقول الله عز وجل: “أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما”( )، ويتفق كذلك مع تحذير النص القرآن في قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} ( ).
ثم تقرر الفقرة (4) من المادة (11) بأيلولة الحق المالي في المصنفات للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي بادر ثم تحمل بالإضافة إلى المبادرة المسئولية المالية لابتكار المصنف الجماعي كالموسوعات والمعاجم وما شابه ذلك.
أما عن حماية حقوق صاحب الحق الأصيل الأدبية فأنها تستمر مدى حياة المؤلف، بينما تستمر حماية الحقوق المالية مدى حياته ولمدة خمسين بعد وفاته، وهناك ثلاثة أنواع من المصنفات مدة حمايتها خمسة وعشرين عاماً من تاريخ نشرها وهي:
{أ} الصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية والمصنفات السمعية والبصرية الأخرى.
{ب} المصنفات التي تنشر لأول مرة بعد وفاة المؤلف، فإذا كان المصنف مكوناً من مجلدات أو عدة أجزاء بحيث تنشر منفصلة أو على فقرات فيعتبر كل جزء أو مجلداً مصنفاً مستقلاً عن الأجزاء أو المجلدات التي سبق نشرها فيما يتعلق بحساب مدة الحماية.
{ج} المصنفات التي تنشر باسم مستعار غير معروف، أو تنشر بدون أسماء مؤلفيها يبدأ حساب مدة الحماية من أول نشر للمصنف دون النظر إلى تاريخ إعادة نشرها، إلا في حالة قيام المؤلف بإدخال تعديلات جوهرية على المصنف نجعله مصنفاً جديداً فعندها يكون حساب المدة من تاريخ إعادة المصنف، وبالنسبة إلى حماية المصنفات التي يشترك فيها أكثر من شخص تحسب مدة حمايتها من تاريخ وفاة آخر من بقي حياً من مؤلفيها( )، مع مراعاة حماية الحقوق الأدبية والمالية المقررة للمؤلف بموجب أحكام المادة (8) بشأن عدم السماح للغير باستغلال مصنفه تجارياً إلا بتفويض من المؤلف فيما يختص بالنشر والتسجيل والأداء العلني والترجمة والاقتباس، فبجانب ذلك أباح المشرع للصحف والمجلات والنشرات الدورية والإذاعة والتلفزيون استغلال جزء من المصنف بدون تفويض من المؤلف إذا كان ذلك الاستغلال يحقق أغراضاً لها فائدة عامة منها.
إذا كانت تلك الهيئات تنشر من المصنف معلومات مقتبسة أو مختصرة أو بياناً موجزاً بغرض التحليل والدراسة أو التثقيف أو لزوم الأخبار، أو كان النشر لصور أخذت لحوادث وقعت علناً لأشخاص رسميين أو مشهورين بشرط في هذه الحالة أن يذكر اسم المؤلف وعنوان مؤلفه الذي نقلت عنه، ومن جانب آخر جوَّز القانون للفرق الموسيقية التابعة لقوات الشعب المسلحة والشرطة والمحليات والمسرح المدرسي أن تقوم بإيقاع أو تمثيل أو أداء أي عرض لأي مصنف سبق نشرة، بشرط عدم أخذ مقابل مالي من وراء ذلك، كذلك يجوز أخذ مقطفات مثيرة من مصنفات سبق نشرها كالكتب المدرسية أو كتب التاريخ والأدب والفنون، ولا بأس بنقل رسومات أو صور أو تصميمات أو خرائط على أن يقتصر النقل على ما هو ضروري( )، ويجوز أيضاً لأصحاب المكتبات العامة وخدمات الأرشيف.
نقل مصنف منشور لأغراضهم الداخلية مثل تحديد النسخ التالفة واستعاضة النسخ والمخطوطات المفقودة، ويجوز ذلك في التبادل الداخلي بين المكتبات ودور الأرشيف.
ومن خلال العرض المتقدم يتضح لنا أن أصحاب الحقوق الأدبية والفنية الأًصيلة اثنان، هما صاحب الحق الأدبي والفني الأصيل ابتداءً، والثاني صاحب الحق الأدبي والفني غير الأصيل (المجاور) وهو الذي كسبه بقوة القانون كما هو في الهيئات والمؤسسات العامة التي سبق ذكرها، فإنها ليست في حاجة إلى تفويض من صاحب الحق الأصيل لنشر ما هو في خدمة المجتمع وفي حدود الأخذ المعتبر حسب ما تبينه قواعد القانون.

المطلب الثاني: صاحب الحق الأدبي والفني المجاور:

صاحب الحق الأدبي والفني المجاور: هو “صاحب الحق المتولِّد عن الحق الأدبي أو الفني ابتداءً”( )، فيدخل في هذا المصطلح بموجب قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م: فنانوا الأداء ومنتجي التسجيلات المسموعة والمرئية، وهيئات البث الإذاعي (إذاعة وتلفزيون) وتشمل كذلك الممثل والمغني والموسيقار أو الراقص عندما يكون الدور الذي يقوم به أحد منهم ينحصر في الأداء فقط دون التأليف، كأن يقوم شخص بالتمثيل في مسرحية مؤلفيها شخص آخر، وكذلك تشمل من يقوم فقط بالإنشاد ومؤلف الأناشيد شخص آخر على سبيل المثال القصائد التي ألفها الشيخ عبد الرحيم البرعي، فيؤديها أبناء البرعي أو مثل ما تقوم به فرقة الصحوة من إنشاد لكلمات شعرية للبرعي أو لمؤلفين آخرين( ).
فصاحب الحق المجاور هو ليس مؤلف ولكن أسهم في نشر المؤلف بأدائه مثل قيام المنتج بتنظيم وتمويل إنتاج المصنف السمعي البصري أو التسجيل الصوتي( )، فمبدأ العدالة القانونية يقتضي أن يُشترط له من الحقوق وعليه من الواجبات أي بمعنى آخر يشترط عليه أخذ الإذن من صاحب الحق الأصيل في المصنف عند القيام بأدائه بأي وجه من وجوه الأداء، ويشترط له في ذات الوقت حقاً يتفق عليه مع صاحب الحق الأصيل بالتراضي بينهما، كما عليه الالتزام بأحكام هذا القانون كوجوبها على صاحب الحق الأصيل، علماً أن مشروعية الأعمال الأدبية أو الفنية في أداء المصنف من قبل صاحب الحق المجاور مرهوناً بالابتعاد عن الانحراف والمجون وتجاوز حدود الله( )، وذلك عملاً بمبادئ قانون أصول الأحكام القضائية التي أشرت إليها سابقاً، والتي تتفق مع ما جاء في سنة النبي  حيث جاء فيها أنه “لم يكن سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً”( )، وكذلك يجب على صاحب الحق المجاور الالتزام بالشروط الواردة في عقد النشر، وعقد التمثيل والأداء، علماً بأن عقد النشر هو: “اتفاق مكتوب بين المؤلف والناشر لنشر عمل (ما) وتوزيعه للجمهور بغرض مكافأة المؤلف”( )، أما عقد التمثيل والأداء العام هو عقد يقوم المؤلف بموجبه بالتنازل عن حقه في العمل لأي شخص طبيعي أو اعتباري في مقابل مكافأة مالية كذلك” وعليه عند انتقال ملكية حقوق المؤلف الأدبية والمالية لطرف آخر يجب على المستعمل لتلك الحقوق الالتزام التام باستغلال المصنف وفقاً لشروط وبنود عقد انتقال تلك الحقوق، وعلى المؤلف أن يمتنع من القيام بأي عمل من شأنه تعطيل استعمال الحق المأذون به بموجب العقد المشار إليه ومع ذلك يجوز للمؤلف سحب مصنفه من التداول، لإجراء أي تعديل أو حذف أو إضافة فيه بعد الاتفاق مع الشخص المأذون له بمباشرة الحق، وفي حالة عدم وجود اتفاق يقضي بذلك يلزم المؤلف بتعويض الشخص المأذون له تعويضاً عادلاً تقدره المحكمة إذا تضرر من سحب المؤلف مع مراعاة بطلان التصرفات الخاصة بانتقال حقوق المؤلف في المصنفات المستقبلية( ).
ومن ناحية أخرى مثلما أعطى القانون صاحب الحق الأصيل حقوقاً أدبية ومالية كذلك منح صاحب الحق المجاور حقوقاً أدبية ومالية، فمن حقوق فنان الأداء الأدبية: له أن يذكر اسمه في كل مرة يتم فيها أداء لمصنف بعينه إذا كانت هناك ضرورة لذكر اسمه، ومن حقه الاعتراض على أي إهانة أو استخفاف أو زرية وجهة لأداء أعماله، أما الحقوق المالية لفنان الأداء تكون بالقدر المتفق عليه بينه وبين صاحب الحق الأصيل، كما أوجب القانون مكافأة المنتجين عند تسجيل الأعمال، ويجوز لمنتجي التسجيلات المسموعة والمرتبة تفويض غيرهم، لإعادة إنتاج التسجيلات أو استيراد التسجيلات لأغراض التوزيع، ويكون لهيئات البث الحق في تفويض من يقوم بإعادة إذاعة أي مصنفات أو إعادة إنتاجها كذلك( ).
فحماية حق فنان الأداء التي قررها له القانون ضد من يستخف بأدائه أو بشخصه هذا مكفول له بعموم النص القرآني في قوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} ( ).

المبحث الثاني
أنواع المصنفات الأدبية والفنية من حيث حمايتها:

المصنفات الأدبية والفنية هي من أنواع الحقوق المعنوية غير المادية لأنها من إنتاج الفكر والذهن، حيث يرى فريق من علماء القانون أن حق المؤلف بمفهومه الشامل الذي سبق شرحه من أقدس حقوق الملكية بصفة عامة، لأن ملكية الشخص لإنتاج فكرة وذهنه ومبتكراته العلمية تبرز فيها قدراتها الشخصية وبذل الجهد غير الطبيعي في ما ينتجه، فلذلك يرون أن هذا الحق المعنوي أولى بالحماية من حقوق الملكية المادية( )، فنظراً لأهمية حماية الحقوق المعنوية قسم المشرع في السودان المصنفات إلى نوعين قسم تشمله الحماية القانونية، والآخر لا تشمله وهما موضوع هذا الفصل ويأتي الحديث عنهما في المطلبين على نحو ما يلي:

المطلب الأول: المصنفات التي تشملها الحماية القانونية:

المصنفات الأدبية والفنية التي لا تشملها الحماية القانونية حددتها المادة (5/1) من قانون حماية حق المؤلف لسنة 1996م في نصها “مع مراعاة أحكام الفصل الرابع من هذا القانون تطبق الحماية المقررة بموجب هذا القانون دون التقيد بأي شكليات مقررة للحماية على أي مصنف مبتكر أصيل في مجال الآداب والعلوم والفنون أياً كانت طريقة التعبير فيه أو قيمته أو غرضه ويشتمل ذلك بصفة خاصة:
{أ} المصنفات المكتوبة كالكتب والنشرات والدوريات والمقالات ونحو ذلك.
{ب} مصنفات الفنون الجميلة بحثاً كان أو رسماً أو تلويناً أو زخرفة أو من أعمال الفنون التطبيقية والمصنفات من الفنون الحرفية”
أهم ملاحظة على هذه المادة نلاحظ أن المشرع أوجب الحماية القانونية للمصنفات المذكورة أعلاه بلفظ مطلق دون مراعاة لأي قيد على وجه الخصوص في نص المادة السابق: “… أياً كانت طريقة التعبير فيه أو قيمته أو غرضه …” فهذا الإطلاق يتعارض مع أحكام المادة (15) من قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م حيث جاء فيه: “لا يجوز استيراد أو إدخال أو نشر أو طبع أو تداول أي مصنفات أو التعامل فيه في أي من الحالات التالية:
{أ} الإخلال بالقيم الدينية والآداب العامة.
{ب} الإساءة إلى المعتقدات أو الأعراف أو الأديان.
{ج} الإساءة إلى اللون أو الجنس أو تمجيد أو تفضيل جنس على آخر.
{د} التعارض مع سياسة الدولة أو أمنها القومي.
{هـ} الإنتاج المشترك إذا كان مع دولة معادية أو دعاية لدولة معادية.
{و} المصنفات التي يصدر قرار من المجلس بمنع دخولها.
فإذا نظرنا إلى المادتين نلاحظ أن لا يتسق جواز الحرية المطلقة في التعبير من خلال المصنفات الواردة في نص المادة (5) من قانون حماية حق المؤلف لسنة 1996م، مع القيود الواردة عليها في نص المادة (15) من قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م التي سبق ذكرها.
ومن ناحية أخرى نلاحظ كذلك أن أحكام المادة (5) من قانون حق المؤلف لسنة 1996م تتعارض مع أحكام قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م الذي تقتضي قواعده بعدم معارضة أي تشريع صادر في السودان لأحكام الشريعة الإسلامية، فالإطلاق في حرية التعبير الذي جاء في تلك المادة لم يستثنى التعبير غير المشروع عبر المصنفات المنشورة في السودان فهذا يجعله أيضاً بالضرورة معارضاً لنصوص القرآن الكريم منها قوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} ( ).

المطلب الثاني: المصنفات التي لا تشملها الحماية القانونية:

القسم الثاني من أنواع المصنفات يحتوي على المصنفات التي لا تشملها الحماية القانونية، وقد رأى المشرع أن من بينها المصنفات التي آلت إلى الملك العام، عملاً بأحكام المادة م (2/1)( )، أنه إذا توفى المؤلف دون أن يترك وصية تحدد الكيفية التي يتم بها استغلال مصنفه وفي ذات الوقت لم يكن له وارث، فيجوز للوزير أن يأمر بتحويل المصنف أو الحقوق المتعلقة به إلى الملك العام، وذلك بعد انقضاء مدة الحماية التي يتمتع بها المصنف قبل وفاته حسب أحكام قواعد هذا القانون، ويترتب على تحويل حقوق المصنف للملك العام استغلاله بالمجان، وكذلك الشأن في المصنفات التي لا تحمل اسماً محدداً لأي مؤلف، أو كانت تحمل اسماً مستعاراً، أو نشرت بدون ذكر اسم مؤلفها، فإن من ينشرها يعتبر مالكاً لحقوق المؤلف المالية إلى حين ظهور المؤلف الحقيقي والكشف عن هويته. والنوع الثاني الذي لا تشمله الحماية القانونية هو الوثائق الرسمية التي تصدرها الدولة أو إحدى الهيئات أو المؤسسات أو الوحدات التابعة لها مثل نصوص القوانين والقرارات الجمهورية أو الإدارية والاتفاقيات الدولية والأحكام الفضائية، فهذه الوثائق لعامة الجمهور الحق في الأخذ منها لأي غرض من الأغراض المشروعة قانوناً، بينما لا تدخل في زمرة الوثائق الرسمية الوثائق العسكرية والمعاهدات الرسمية، ومداولات جلسات المحاكم والهيئات التشريعية إذا كانت ذات طابع سري، فهذه الأخيرة الخوض فيها يضر بمصلحة الدولة وأمنها القومي أو يضر بمصالح المجتمع. والنوع الثالث مما هو خارج نطاق الحماية القانونية المعلومات التي تنشرها الصحف اليومية والمجلات والنشرات الدورية، والأخبار التي تبث عبر الإذاعة و التلفزيون، أو الحوادث ذات الصفة الخبرية، فهذا النوع هو من قبيل الملك العام فيما يتعلق بالأخذ منه في مجال المصنفات الأدبية والفنية، كما يجوز للمصنف الاستفادة من الأفكار والمناهج وشعارات الدول ورموزها في ما يخدم أغراض مؤلفه.
فنلاحظ أن الأحكام التي أوردها المشرع في شأن المصنفات التي لا تشملها الحماية القانونية يأتي من باب السياسية الشرعية في نظر الفقه الإسلامي، فللدولة الحق أن تحظر استخدام بعض المصنفات وتسمح بأخرى ما دام مصلحة الرعية تقضي ذلك استناداً إلى القاعدة الفقهية التي تنص على “التصرف على الرعية منوط بالمصلحة”( )، فالسياسة الشرعية عند فقهاء المسلمين هي: “القانون الموضوع لرعاية الآداب وانتظام الأحوال”( ). وعليه فإن موضوع علم السياسة الشرعية يبحث فيه عما تدبر به شئون الدولة من القوانين والنظم التي تتفق وأصول الإسلام وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص، فهذا المفهوم يتفق مع تشريع الحقوق الأدبية والفنية في هذا العصر الحديث.

الفصل الثالث
حق المؤلف في استغلال مُصنَّفه والقيود الواردة عليه:

كشف المشرع عن الكيفية التي يستغل بها المؤلف مصنفه في من الناحية الأدبية والمالية، سواء أكان ذلك المصنف مؤلَّفه شخص واحد أو أكثر من شخص، كما جاء في قواعد هذا القانون التي نوردها في هذا الفصل، وبجانب ذلك وضَّح القانون حدود هذا الاستغلال تجاه الغير بما أسماه قيود على حق المؤلف كما سنرى في مباحث هذا الفصل.

المبحث الأول
أحكام استغلال المؤلِّف لمصنَّفه:

الأحكام الخاصة باستغلال المؤلف لمصنفه تنقسم إلى قسمين: الأولى خاصة بالمصنف غير المشترك أي الذي ألفه شخص واحد، والثانية خاصة بالمصنف المشترك وهو الذي شارك في تأليفه شخصان فأكثر.

المطلب الأول: حقوق استغلال المصنف غير المشترك:

المادة (8) كفلت للمؤلف حقوقاً أدبية ومالية مقابل ما ينتجه من مؤلفات بذل فيها جهداً ذهنياً وأنفق في ابتكارها وقتاً ومالاً، فمن حقوقه الأدبية: له حق عرض مصنفه للجمهور بأي كيفية من طرق العرض المشروعة، ويصح منه أن ينسب المنصف لنفسه وأن ينشره باسمه الحقيقي أو تحت اسم مستعار، أو بدون اسم، كما له حق الاعتراض على أي تحريف أو تشوبه لمصنفه سواء كان الذي شابه التحريف هو المصنف الأصلي أو أي مصنف آخر مشتق منه، وله حق سحب مصنفه من التداول، إذا رأى أن تداوله لا يعكس أو يتطابق مع ما يحمله من معتقدات فكرية، بشرط أن يحدد الأطراف الذين قد يتضررون من عملية سحب المصنف من التداول حتى لا يقع عليه الضرر.
أما فيما يختص بحقوق المؤلف المالية على مؤلفه له حق عرضه للبيع أو الإيجار أو التسليف على أساس تجاري، كما له أن يفوض بهذا الحق المالي آخرين في مجالات مختلفة مثل تفويضه بالتمثيل والأداء العلني أو إذاعة المصنف عبر وسائل الاتصال والتوابع الصناعية أو ترجمته إلى لغات أخرى، أو الاقتباس والتحوير، وغيرها من الأفعال الأخرى مما يجوز فيه التفويض بالحق المالي للمصنف بقصد استغلاله تجارياً بأي وسيلة من الوسائل( ).

المطلب الثاني: حقوق استغلال المصنف المشترك:

أوجب المشرع في المادة (11) من قانون حماية حق المؤلف لسنة 1996م إذا اشترك عدة أشخاص في ابتكار مصنف بحيث لا يمكن تمييز مساهمة أي منهم عن الآخر في إعداد المصنف، فيعتبر الجميع شركاء بالتساوي في ملكية حق المؤلف المكفولة له بموجب أحكام هذا القانون، وبالتالي لا يجوز لأي منهم أن ينفرد بمباشرة حقوق المؤلف دون الآخرين ما لم يتفقوا كتابةً على خلاف ذلك، أما إذا كان بالإمكان تمييز دور كل شريك في إعداد المصنف المشترك، كان لكل منهم الحق في استغلال الجزء الخاص به شريطة أن لا يضر بالآخرين، أو الإخلال بحقوقهم المادية من عائدات المصنف المشترك، هذا مع مراعاة عند امتناع أحد المؤلفين عن إتمام ما يليه في المؤلف فلا يترتب على ذلك حرمان بقية الشركاء من استغلال المصنف تجارياً، ولكن يجب الاحتفاظ بحقوق الشريك الممتنع بقدر ما أنجزه قبل الامتناع.
كما قررت قواعد هذا القانون بأيلولة الحقوق المادية للمصنفات الأدبية والفنية للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي بادر وقام بتحمل المسئولية المالية لابتكار المصنف الجماعي كالموسوعات العلمية والمعاجم المختلفة ونحوها.

المبحث الثاني
القيود الواردة على استغلال حق المؤلف:

قررت أحكام المادة (14) على المؤلفين وأصحاب المصنفات المختلفة عدم الاعتراض على الصحف والمجلات والنشرات الدورية، والإذاعة والتلفزيون، والفرق الموسيقية التابعة للقوات المسلحة، والمختصين في التربية والتعليم والمكتبات العامة إذا أقدمت أي هيئة من هذه الهيئات أو تلك الجهات المختصة إلى النشر أو الاقتباس من مصنافتهم الأدبية والفنية بدون أخذ الإذن متى ما كان ذلك وفقاً لأحكام القانون على نحو ما يأتي:

المطلب الأول: حق الهيئات والفرق الرسمية على المصنف:

الفقرة (1) من المادة (14) أعطت الحق للصحف والمجلات والنشرات الدورية والإذاعة والتلفزيون في استغلال أي من المصنفات الأدبية والفنية على الأوجه الآتية:
أولاً: لها الحق في أن تنشر من المصنف مقتبساً أو مختصراً أو بياناً موجزاً متى ما كان ذلك بغرض تحليل المعلومات للدراسة والتثقيف أو كان ذلك لضرورة الأخبار.
ثانياً: لهذه الهيئات أيضاً الحق في نقل المقالات والمحاضرات، أو المناقشات السياسية أو الاقتصادية أو العلمية أو الدينية بشرط أن تكون تلك المعلومات المنشورة محل اهتمام الرأي العام في وقتها.
ثالثاً: يجوز أن تنشر أو تنقل أي صور أخذت لحوادث وقعت علناً، أو أخذت لأشخاص رسميين مشهورين، ولكن يجب في كل حالة تم فيها النشر أو النقل أن تذكر عنوان المصنف المنقول عنه واسم مؤلفه.
رابعاً: يجوز للفرق الموسيقية التابعة لقوات الشعب المسلحة أو الشرطة، أو إذا كانت تابعة للمحليات أو المسرح المدرسي أن تقوم بإيقاع أو تمثيل أو أداء عرض أي مصنف تم نشره من قبل، بشرط أن لا تحصل على أي مقابل مالي من وراء ذلك النشر أو العرض( ).

المطلب الثاني: حق دُوْر العلم والاستعمال الشخصي على المصنف:

الفقرة (3/5) من المادة (14) منحت الحق للجهات المختصة في مجال التربية والتعليم حقوقاً لاستغلال المصنف تتلخص في الآتي:
أولاً: يجوز لها أن تنقل مقتطفات قصيرة من مصنفات سبق نشرها لتدوينها في كتب التاريخ والأدب والفنون.
ثانياً: لها كذلك أن تنقل أي رسومات أو صور أو تصميمات أو مخطوطات أو خرائط لأغراض التعليم بشرط أن يقتصر النقل من المصنفات على ما هو ضروري لتوضيح المطلوب في الكتاب التعليمي المحددة مع وجوب ذكر اسم المصنف المنقول عنه وكذلك اسم مؤلفه.
أما الفقرة (5) من المادة (14) أجازت للمكتبات العامة وخدمات الأرشيف نقل أي مصنف منشور سابقاً، إذا كان ذلك النقل بغرض أعمال المكتبة الداخلية، مثل تجديد النسخ التالفة، واستعاضة النسخ والمخطوطات المفقودة، ويجوز ذلك في التبادل الداخل بين المكتبات ودور الأرشيف، كما يجوز لأغراض الاستعمال الخاص أو الشخصي النقل من المصنف أو ترجمته أو الاقتباس منه، ما عدا برامج الحاسوب وبنوك المعلومات وتقليد المصنفات الموسيقية فلا يصح نقلها أو ترجمتها أو الاقتباس منها. فإذا تدبرنا أحكام المادة (14) التي تضع قيوداً على حق المؤلف في استغلال مصنفه، نجدها لا تتعارض مبادئ قواعد الفقه الإسلامي الكلية التي تقرر تقديم: “المصطلحة العامة على المصلحة الخاصة”، فلا شك أن القيد المفروض على استغلال المؤلف لمصنفه كفرد يحقق مصلحة تعود على عامة المجتمع، فهذا ما يرمى إليه فقهاء المسلمين وعلماء الأصول من وضع قواعد فقه كلية. وعليه فإن أفعال المكلفين إذا تعلقت بها الأحكام الشرعية فإن كان المقصود منها مصلحة المجتمع عامة فحكمها حق خالص لله وليس للمكلف فيها خيار، وتنفيذه يقع على عاتق أولى الأمر، وإن كان المقصود منها مصلحة المكلَّف فحكمها حق خالص وله الخيار في تنفيذه بأي كيفية( ).

الفصل الرابع
حماية حق المؤلف وانتقال ملكيته والاعتداء عليه

اهتم التشريع بتحديد قيد زمني لحماية حق المؤلف من أجل التمتع باستغلال هذا الحق على وجه يحفظ للمؤلفين حقوقهم العامة على مصنفاتهم الأدبية والفنية، ومن ناحية أخرى حدد المشرع أيضاً الكيفية التي ينتقل بها ذلك الحق إلى الغير، فهذه موضوعات هذا الفصل الذي بين أيدينا من خلال مباحثه التالية:

المبحث الأول
حماية الحقوق المالية والأدبية للمؤلف

تناول هذا المبحث مدة الحماية القانونية لحق المؤلف بالنظر إلى أنواع الحقوق الأدبية و الفنية، من حيث أنها إما أن تكون حقوق مالية للمؤلف على مصنفه أو حقوق أدبية وذلك من خلال المطالب الآتية:

المطلب الأول: حماية حقوق المؤلف المالية:

توجب أحكام المادة (13) من قانون حماية حق المؤلف لسنة 1996م استمرار حماية الحقوق المالية في المصنف مدى حياة المؤلف ولمدة خمسين عاماً بعد وفاته، غير أن مدة حماية حقوقه المالية تكون خمسه وعشرين عاماً اعتباراً من تاريخ النشر في بعض المصنفات:
أولاً: الصور الفوتوغرافية والأفلام السينمائية والمصنفات السمعية والبصرية الأخرى.
ثانياً: المصنفات التي تنشر لأول مرة بعد وفاة المؤلف مع مراعاة إذا كان المصنف يتكون من أجزاء أو مجلدات وأن نشرها يكون على فترات زمانية مختلفة فيعتبر كل جزء أو مجلد مصنفاً مستقلاً بالنظر إلى حساب مدة الحماية اعتباراً من تاريخ نشره.
ثالثاً: بالنسبة للمصنفات التي تنشر باسم مستعار، أو بدون ذكر مؤلفيها يبدأ حساب مدة الحماية لها من أول نشر للمصنف، ولو أعيد نشره مرة أخرى، إلا إذا أدخل المؤلف على مصنفه عند إعادة نشره تعديلات جوهرية فهنا يرتقى إلى درجة المصنف الجديد فتحسب مدة حمايته من أول تاريخ نشره بعد تلك التعديلات الجوهرية، أما المصنفات المشتركة تحسب مدة حمايتها من تاريخ وفاة من بقي حياً من مؤلفيها( ).

المطلب الثاني: حماية حقوق المؤلف الأدبية:

الفقرة (1) في المادة (13) توجب استمرار حماية الحقوق الأدبية للمؤلف مدة حياته، ومن ذلك حماية حقه في كشف مصنفه للجمهور ونسبه مصنفه لنفسه باسمه الحقيقي أو باسم مستعار، وحماية حق في الاعتراض على تحريف أو تشويه مصنفه من قبل الغير أو تشويه وتحريف لأيَّ مصنف آخر مشتق منه، وكذلك حماية حق المؤلف في سحب مصنفه من التداول مع ضمان ما يترتب عليه من أضرار قد تقع على الآخرين علماً بأن القانون يوفر الحماية لحقوق المؤلف الأدبية متى ما كان عليه قيد الحياة( ).

المبحث الثاني
أحكام انتقال ملكية حق المؤلف

بين المشرع أحكام انتقال ملكية حق المؤلف لأسباب مختلفة: فأما أن يكون ذلك الانتقال بإذن من المؤلف مباشرة، أو بسبب موته، أو ينتقل الحق بقوة القانون بقرار من الجهات المختصة، وعليه سوف نعرف في هذا المبحث، أحكام انتقال ملكية حق المؤلف من الناحية الأدبية أو المالية قبل أو بعد وفاته، علماً بأن جميع الحقوق الأدبية والمالية للمؤلف لا تخضع للتقادم بموجب البند (1) المادة (15) من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م.

المطلب الأول: انتقال ملكية حق المؤلف قبل وفاته:

تقضي أحكام الفقرة (2) من المادة (15) بأن للمؤلف أن ينقل بإذنه لأي شخص حقوقه الأدبية والمالية متى ما كان ذلك مكتوباً وموقعاً عليه من قبل مالك الحق أو ممن ينوب عنه قانوناً، بل ويكون مسجلاً بمكتب المسجل المختص، كما يجب أن يتضمن صيغة عملية الانتقال بالنص الصريح على التفاصيل اللازمة للحق المنقول، وتحديد مدة النقل ومكان استغلال الحق، ومقدار مكافأة المؤلف، على أن يشتمل كذلك على الشروط الضرورية الأفضل لإجراءات النقل( ).
نلاحظ مما تقدم أن المشرع قد أكد ضرورة توثيق عملية نقل ملكية حق المؤلف للغير، فهذا التوثيق يتفق مع العمل بأحكام نصوص الكتاب والسنة في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوه”( )، وكذلك يوافق حديث العمل بأحكام الحديث “عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: قال رسول  المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو شرطاً أحل حراماً”( ).

المطلب الثاني: انتقال ملكية حق المؤلف بعد وفاته:

توجب أحكام المادة (19) انتقال حق المصنف إلى ورثته الشرعيين إلا إذا أوصى بانتقاله إلى أشخاص آخرين، فعندها يجب تنفيذ وصية بانتقال الحق إلى من أوصى له به، مع مراعاة الشروط الآتية في الحالتين أي في حالة انتقال ملكية الحق إلى الورثة أو إلى الموصى لهم:
الشرط الأول: إذا أبرم المؤلف قبل وفاته عقداً مع طرف ثالث فيثبت له بموجب ذلك العقد استعمال الحق، بل يجب تنفيذ الالتزام المضمن في العقد حسب الاتفاق المبرم بينهما، فلا يسقط حق الطرف الثالث الثابت بالعقد بوفاة المؤلف.
الشرط الثاني: إذا أوصى المؤلف برفض نشر المصنف أو حدد كيفية معينة لنشره فتكون تلك الوصية واجبة التنفيذ في نطاق تلك الحدود الموصى بها.
الشرط الثالث: إذا كان المؤلف المتوفى ليس له وارث، فيؤول نصيبه إلى الدولة، مالم يكن هناك اتفاق مكتوب يقضي بخلاف ذلك.
الشرط الرابع: لا يعني تحوير “الإنتاج” المادي لأعمال المصنفات من لون إلى آخر تحويلاً ضمنياً للحقوق المالية الخاصة بصاحب الإنتاج ما لم ينص على تحويلها بموجب عقد( ).
نلاحظ أن المشرع التزم تطبيق أحكام الوصية عند انتقال ملكية حق المؤلف بعد وفاته إلى الغير حفاظاً على حقوقهم بموجب تنفيذ عقد الوصية الواجب بنص القرآن في قوله عز وجل: “فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ”( )، بناءً على هذا الواجب ذهب المشرع في السودان إلى أحكام تحديد الورثة حيث نصت المادة: (655/2) من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م: “تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم في الإرث وانتقال التركة يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة للمسلمين ومن يرضون انطباق في أحكامها”. “فيما عدا الأشخاص المنصوص عليهم في البند (2) يطبق قانون الوصايا وإدارة والتركات لسنة 1928م أو أي قانون آخر”( ).

المبحث الثالث
الاعتداء على حقوق المؤلف وآثاره

قرر التشريع أن بعض الحالات عند حدوثها تعتبر جريمة اعتداء على حقوق المؤلف يجب الانتصار له بمعاقبة المعتدين على تلك الحقوق الأدبية أو الفنية فهي موضوعات مطالب هذا المبحث:

المطلب الأول: حالات الاعتداء على حق المؤلف:

باستثناء ما قرره المشرع في المادة (11) من حقوق لعدة أشخاص تقع على المضيف الذي يشترك في تأليفه شخصان فأكثر، وما قد يترتب على ذلك من نزاع تقتضيه الشراكة وما شابه ذلك من نزاع قد يحدث عندما يمتنع أحد أولئك الشركاء عن إتمام ما يليه في المصنف المشترك، فبخلاف ذلك النزاع المحتمل في هذه الحالات، يعتبر مرتكباً لجريمة الاعتداء على حق المؤلف بموجب أحكام المادة (34) من قانون حماية حق المؤلف لسنة 1996م كل شخص يقوم بدون وجه حق، وهو عالماً بذلك بعرض مصنف مملوك لغيره إلى الجمهور أو نسبه لنفسه أو قام بسحب أي مصنف من التداول من غير أذن مؤلفه أو قام بأداء وتمثيل المصنف بدون تفويض من صاحبه، هذا فضلاً عن قيامه بإذاعة المصنف أو ترجمته، أو العمل على إعادة وتوزيع المصنف أو تحويره، أو قام باستغلاله تجارياً، فكل هذه الحالات تقع في دائرة الاعتداء على حق المؤلف الأدبي والفني إلاّ إذا ثبت العكس، وكذلك يعتبر معتدياً من قام بتأجير أو استيراد المصنف لأغراض التجارة أيضاً( ).

المطلب الثاني: آثار الاعتداء على حق المؤلف:

أوجبت المادة (36) من قانون حماية حق المؤلف معاقبة كل من يرتكب جريمة اعتداء لمدة لا تتجاوز ثلاثة سنوات، أو بالعقوبتين معاً، ومن السلطات المخولة للمحكمة مصادرة أو إبادة أي نسخه لمصنف نسخ بطريق غير مشروع، أو في حالة أخرى من حالات الاعتداءً على حق المؤلف، إذا رأت المحكمة ذلك ويجوز كذلك للمحكمة مصادرة جميع المواد التي اُستخدمت في ارتكاب الجريمة، وللمحكمة أيضاً حق مضاعفة الغرامة إذا تأكد لها أن مرتكب جريمة الاعتداء على حق المؤلف، قد تلقى عائداً مادياً من تلك المخالفة، ولها أن تنشر حكمها في الصحف على نفقة المحكوم ضده في الجريمة.

هذا وتطبق ذات العقوبات المنصوص عليها في المادة (36) في حالة الاعتداء على حقوق أصحاب الحقوق المجاورة.
ومن ناحية أخرى أجازت المادة (38) لمالك حق المؤلف أن يطالب بالتعويض المدني من جراء الاعتداء على حقه إذا ترتب عليه فوات كسب العائد المادي من المصنف، أو أدى ذلك الاعتداء إلى إشانة سمعة مالك الحق( ).

الخاتمة:

الحمد لله بتوفيقه الذي أعانني على شرح الأحكام القانونية لحماية الحقوق الأدبية والفنية بإيضاح الغامض من هذه الأحكام وبيان المتعارض منها مع القواعد القانونية الأخرى مع الاستشهاد بنصوص الكتاب والسنة والعمل بأحكامها، فإن هذه الدراسة إن لم تكن كافية لطلاب العلم والمهتمين بهذا الشأن إلا أنها قد نبهت إلى مواطن الخلل فعلى جهات الاختصاص مراعاة ذلك.
النتائج:
من أهم النتائج التي توصل إليها البحث ما يلي:
[1] إن العمل بأحكام مجموعتين من القواعد القانونية في موضوع تشريعي واحد مثل حماية الحقوق الأدبية والفنية للمؤلف أمر لا يتسق مع الأعراف القانونية مما أدى إلى التنازع بين قواعد قانون حماية حق المؤلف لسنة 1996م، قواعد قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م.
[2] من شواهد التنازع في بعض مواد المجموعتين من قواعد القانونين كالتنازع بين أحكام المادة (5/أ) من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م، مع المادة (15) من قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م.
[3] أحكام بعض المواد تتعارض مع مبادئ قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م فأقرأ نص المادة (5/أ) من قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة مع المادة (2/أ) من قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م.
التوصيات:
[1] أوصي بضم مجموعة قواعد قانون المصنفات الأدبية والفنية لسنة 2001م إلى مجموعة قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م حسماً للتنازع.
[2] مراجعة نصوص المواد القانونية لتتوافق تماماً مع مبادئ قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م.
[3] أوجِّه الدعوة لأساتذة الشريعة والقانون بالجامعات أن يقدموا على الشرح التفصيلي لجميع قواعد القوانين لتتماشى مع قواعد قانون أصول الأحكام القضائية السوداني لسنة 1993م من أجل تأصيلها وحسم المفارقات إن وجدت.

قائمة المصادر والمراجع:

أولاً: القرآن الكريم.
ثانياً: كتب التفسير.
[1] الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي.
[2] تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
[3]
ثالثاً: كتب الحديث:
[1] مختصر صحيح البخاري، المسمى التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، تأليف الإمام زين الدين محمد بن عبد اللطيف الزييدي.
[2]
[3]
[4]
رابعاً: كتب الفقه وأصوله:
[1] شفاء الغليل، للغزالي.
[2] المستصفى. من علم الأصول. للغزالي.
[3] قواعد الأحكام في مصالح الأنام. للعز بن عبد السلام.
[4] المصلحة في التشريع الإسلامي. لنجم الدين الطوف.
[5] المدخل الفقهي العام. مصطفى أحمد الزرقا.
[6] الإسلام والفن. للدكتور. يوسف القرضاوي.
[7] السياسة الشرعية، د. عبد الوهاب خلاف.
[8] علم أصول الفقه، د. عبد الوهاب خلاف.
خامساً: كتب القانون:
[1] قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1983م.
[2] دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م.
[3] حق المؤلف، د. مختار القاضي.
[4] جرائم الصحافة والنشر. عبد الحميد الشواء.
[5] حقوق المؤلف – جولد تشابن وآخرون.
[6] المدخل للعلوم القانونية – للدكتور. توفيق حسن فرج.
[7] قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م.
[8] قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 1996م.
[9] قانون المصنفات الأدبية لسنة 2001م.
[10] حقوق الملكية الفكرية – كارلوس م كورنيا.
[11] حقوق المؤلف والحقوق المجاورة – د. جلال الدين بانقا.
[12] أحكام الملكية الفكرية – د. حاج آدم الطاهر.
سادساً: كتب اللغة:
[1] معجم متن اللغة للشيخ أحمد رضا.
[2] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد بن علي المغربي الفيومي.
[3] مختار الصحاح. محمد أبي بكر الرازي.