دراسة وبحث قانوني قيم عن التسرب حسب قانون الإجراءات الجزائية الجزائري

المقدمة :

– بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام علي اشرف المرسلين أما بعد:
تعرف المجتمعات المعاصرة تطورا ملحوظا علي كافة المستويات منذ النهضة الصناعية وصولا إلى الثورة التكنولوجية الرقمية الحاصلة لكن لم يكن لذلك آثارا ايجابية فحسب بل تصاعدت بالمقابل نسبة ارتكاب الجرائم و استغل منفذوها هذه القفزة العلمية لتنفيذ أغراضهم الإجرامية فكان لزاما علي المجتمع أن يساير التشريع مع كل المستجدات المحلية أو حتى العالمية باعتبار أن العالم أصبح قرية صغيرة بعد هذا الكم الهائل من التطور التكنولوجي و عليه أصبحت الأساليب الكلاسيكية في التحري لا تفي الغرض المطلوب و بالأخص بعد مصادقة معظم الدول علي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كفل حماية كاملة لسلامة الفرد و حمايته من التجاوزات التي كانت سائدة و التي ما تزال تحدث في شكل ضيق عند مباشرة التحقيق في الجريمة و جدير بالذكر أن بعض الأساليب الحديثة كانت تستعمل حتى زمن قريب لكن بدون إطار قانوني يضبطها إلى أن أصبحت الجريمة المنظمة تعبر الحدود مما أدى إلى تنسيق كامل ما بين الدول و البحث عن الحلول القانونية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تشكل كيانا مستقلا بذاته داخل دولة كما هو الحال ببعض دول أمريكا اللاتينية و في بحثنا هذا سنتطرق إلى إحدى الوسائل أو الطرق الحديثة التي استحدثها المشرع الجزائري في قانون الإجراءات الجزائية بالتعديل المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المنصوص عليه بالباب الثاني الفصل الخامس ألا و هو التسرب و سوف تتعرض له بشيء من التفصيل و لو أن التطبيق القضائي له ينعدم تقريبا لحداثة التشريع و عدم صدور اجتهادات بشأنه لكن سنحاول الاستعانة بالقانون المقارن و الاجتهادات الأجنبية لتوضيح بعض النقاط .

المبحث الأول : عناصر أعمال الشرطة .

قبل الحديث عن التسرب سنتطرق إلى أعمال الشرطة و للحديث عن ذلك ارتأيت الاستعانة بالمفكر ” غاري ماركس” gary marx عالم اجتماع أمريكي الأصل (1) في كتابه الشهير undercover تحت الحماية الذي قسم أعمال الشرطة القضائية في البحث عن الجرائم إلي نوعين :
– أعمال تحتاج إلى سرية و /أو تحتاج إلى حيل و خلص في تقسيمه إلى أربعة أنواع أساسية حسب الجدول المبين أدناه:

غير سرية سرية
بدون استعمال الحيل أ ب
باستعمال حيل ج د

المطلب الأول : النوع (أ).

يجمع وظائف الشرطة المعلنة الغير مقترنة بالحيل و هو أكثر الأعمال بالنسبة لهم كالبحث عن جرائم التلبس و كذا التحقيقات الكلاسيكية ( الاستجواب، التفتيش، المواجهة….).

المطلب الثاني : النوع (ب).

في هذا النوع يخفي أعضاء الشرطة وظائفهم عند مباشرة أعمالهم لكن بدون استعمال حيل كالدوريات العادية بالزي المدني بسيارات عادية ، المراقبات ، الملاحقات .

المطلب الثالث : النوع (ج).

يضم الأعمال المعلنة لكن باستعمال الحيل للحصول على اعترافات أو شهادات أو أي معلومة مفيدة مثلا التعهد بتخفيف العقوبة أو عفو أو إطلاق صراح و لو أنهم يعلمون جيدا عدم استطاعتهم الوفاء بها أو التهديد بشيء ليس بقدرتهم القيام به أو الإيحاء بأن أحد الشركاء المتهمين اعترف أو أن البصمات المرفوعة من ساحة الجريمة مطابقة لبصمات المتهم .

المطلب الرابع: النوع (د).

هذا النوع يجمع إستراتجية undercover تحت الحماية بمعنى أن أعمال الشرطة تجمع السرية و الحيل و عمليات هذا النوع من الأعمال مرتبة على ثلاثة أقسام حسب الهدف المطلوب و هي :
-1- أعمال الهدف منها الحصول علي معلومات لوقائع حدثت أو في مرحلة التحضير أو محتملة الوقوع.
-2- أعمال تهدف إلى تحريك عمل فرقة الجرائم.
-3- أعمال تهدف إلى تفادي ارتكاب الجريمة أو الضرر الممكن حدوثه.
و يمكن مباشرة هذه الأعمال إما بواسطة أفراد الشرطة أو بواسطة أشخاص ليسوا من سلك الشرطة و في هذا النوع الأخير يميز بين أعوان تحت الحماية (sous couverture) و بين مخبرين (informateurs) فالأعوان يمكن لهم التسرب في المحيط المطلوب للغرض المطلوب أما المخبرين متسربين أصلا يبلغون الشرطة بالمعلومات المطلوبة مقابل مزايا يحصلون عليها و بخصوص القانون الجزائري في هذه النقطة بالذات المتعلقة بالمخبرين سكت عن ذكره بالاسم لكن نعتقد أنه ذكره كناية بقوله ” الأشخاص الذين يسخرونهم لهذا الغرض” حسب نص المادة 65 مكرر 14 من قانون إجراءات الجزائية .

المبحث الثاني : الأصول التاريخية لنظام التسرب .

عرف نظام التسرب منذ زمن بعيد لكن مفهومه لم يكن متبلورا بشكل دقيق سوف نتطرق بشكل موجز للمرشد و المتسرب.
المطلب الأول : المرشد.
تشير الدراسات التاريخية إلي اعتماد الشرطة في العصر الفرعوني على الكثير من المرشدين اللذين كانوا ينتشرون كعيون للسلطة الحاكمة و تم الإشارة إلى ذلك من خلال قصة موسى عليه السلام باستعانة فرعون بهم لجمع معلومات عن صبية اليهود الذكور (2) و تطور دوره عبر التاريخ إلى درجة أن وزير الداخلية الفرنسي الأسبق روجي فراي صرح سنة 1966 أمام الجمعية الفرنسية “أنه بدون الاستعانة بالمرشدين لن يكون هناك شرطة ولن تكون هناك عدالة قادرة على تنفيذ القانون العقابي” ولقد صدرت عدة قرارات قضائية تبيح العمل مع المرشدين منها القرار الصادر عن محكمة النقض المصرية في 09/06/1980 الذي جاء فيه ” يستطيع مأمور الضبط أن يستعين بمعاونيه من رجال السلطة العامة أو المرشدين السريين الذين يندسون بين المشتبه فيهم بقصد كشف الجرائم و مرتكبيها و لا يعيب الإجراءات أن تظل شخصية المرشد مجهولة”(3).

المطلب الثاني : مفهوم المرشد السري.

المرشد السري هو مصدر للمعلومات الأمنية المتصلة بمنع أو ضبط الجريمة تحاط شخصيته غالبا بالسرية على أن يؤدي عمله بمقابل أو بدون مقابل يكون في الغالب من المواطنين و بالتالي ليس موظفا و عليه لا يجوز له القيام بأعمال الضبطية القضائية و ينحصر دوره في جمع المعلومات و نقلها للمحقق .

المطلب الثالث: التسرب.

إن الإمعان في استعمالات نظام تسرب في بداية عهده وظف لأغراض سياسية أكثر منها قانونية خصوصا خلال الحرب الباردة و عرفت الدول الأجنبية نظام التسرب منذ زمن بعيد في بلجيكا مثلا سنة 1875 عرضت قضية علي محكمة gandعلى مستوى الاستئناف ملخص القضية قام احد أفراد الشرطة بالتسرب إلى مطعم لمعاينة جريمة على أساس انه مستهلك بعد التأكد من معلومات وصلت إلى جهاز الشرطة على أن هذا المطعم يقدم أطباق لحم صيد خارج المواسم المسموح بها للصيد ، و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية استعانت الولايات المتحدة الأمريكية بعدة متسربين للعمل لصالحها بقارة أوروبا و ابتدءا من الستينات ظهرت فرقة خاصة لدى المكتب الفدرالي للتحقيقات تعرف باسم فرقة مكافحة المخدرات و في بلجيكا أنشئت سنة 1973 لدى القيادة العليا للدرك فرقة خاصة لمكافحة المخدرات تحت قيادة العقيد فرونسوا من بين مهامها التنسيق ما بين الفرق الإقليمية في مجال مكافحة المخدرات حتى انه يمكن لها ربط علاقات بالمخبرين و الإشراف على الملاحقات لكنه منذ 1975 بدأ العمل بنظام التسرب متعديا بذلك على صلاحيات المكتب الوطني للمخدرات ( 4) و في سنة 1980 تم إيداع قائدها الحبس و بعد تحقيق دام سنتين في 1982 تمت إدانته رفقة أعضاء فرقة الدرك الذين يعملون معه بتهمة المتاجرة بالمخدرات و تم حل الفرقة نهائيا و العمل بها.

المطلب الرابع :مفهوم التسرب :

لغة : يعني دخول (5)أما اصطلاحا فقد عرفته المادة 65 مكرر 5 من قانون الإجراءات الجزائية ” يقصد بالتسرب قيام ضابط أو عون الشرطة القضائية تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية بمرافقة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو جنحة بإيهامهم انه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف ” .
إذن التسرب عملية في الغالب معقدة تتطلب أن يدخل العون المكلف بالعملية في اتصال بالأشخاص المعنيين و يربط معهم علاقات ضيقة و يحافظ على السر المهني لغاية تحقيق الهدف النهائي من العملية و هي تتطلب على الخصوص المشاركة مباشرة في نشاط الخلية الإجرامية التي تسرب إليها و الذي يكون أحيانا ضرورة لقبوله و تتطلب العملية مواردا مادية و بشرية .

المبحث الثالث :الأحكام القانونية الضابطة لعملية التسرب :

لقد نظم المشرع الجزائري أحكام التسرب في الفصل الخامس من قانون الإجراءات الجزائية من المادة 65 مكرر 11 إلى المادة 65 مكرر 18 و تم الإشارة أيضا إلى المادة 65 مكرر 05 فيما يخص الجرائم المرتبطة بهذا النظام من الطرق الخاصة و عليه لابد دائما احترام مبدأ الشرعية المنصوص عليه بالمادة الأولى من قانون العقوبات ” لا جريمة و لا عقوبة و لا تدبير أمن بغير نص ” و هو يدخل ضمن أعمال الضبط القضائي المشار إليه بالمادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية و ما بعدها .فما هي إذن شروط التسرب؟ هذا ما سنتعرض إليه في مطلبين.

المطلب الأول: الشروط الشكلية:

كما سبق ذكره و عملا بمبدأ الشرعية يجب أن تتوفر في عملية التسرب الشروط التالية:
-الأول : صدوره بإذن قضائي و هذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 11 فالجهة المختصة لإصداره إما وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق حماية للحقوق الأساسية المكرسة دستورا و عليه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم ضابط الشرطة القضائية بالعملية بمفرده دون المرور على الجهاز القضائي .
-الثاني: أن يكون مكتوبا و هذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 15 ق ا ج .بقولها “يجب أن يكون الإذن المسلم طبقا للمادة 65 مكرر 11 أعلاه مكتوبا… تحت طائلة البطلان “و ذلك أن الأصل في العمل الإجرائي الكتابة .
-الثالث : ذكر اسم الضابط المشرف على العملية و هويته الكاملة .
-الرابع : المدة المطلوبة لعملية التسرب و قد جاءت حسب نص المادة 65 مكرر 15 الفقرة الثالثة على أن لا تتجاوز أربعة أشهر يمكن تجديدها حسب المقتضيات و الظروف إلى أربعة أشهر أخرى المادة 65 مكرر 17 ق ا ج .أي أن أقصى مدة 12 شهرا باحتساب مدة الأربعة أشهر التي يحتاجها المتسرب لانسحابه من الخلية الإجرامية بدون إثارة شكوك حوله و حفاظا على سلامته.
-الخامس : إبقاء الإذن بالتسرب خارج ملف الإجراءات إلى غاية الانتهاء من العملية حفاظا على السرية المطلوبة التي حصرها المشرع بين القاضي الآمر بها ( وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ) و ضابط الشرطة القضائية المشرف على العملية و كذا العون المتسرب .
-السادس : وجود تقرير مسبق محرر من طرف الضابط عن الجريمة بشكل مفصل لاطلاع القاضي بشكل تام عن ظروف القضية و متطلباتها .
-السابع: الصفة نصت المادة 65 مكرر 12 ق ا ج على أن المخولين قانونا للعمل بنظام التسرب هم ضباط وكذا أعوان الشرطة القضائية و كذا الأشخاص المسخرين لذلك المادة 65 مكرر 14 ق ا ج .

المطلب الثاني : الشروط الموضوعية :

يمكن إيجاز الشروط الموضوعية لعملية التسرب في شرطين أساسيين :

1- التسبيب : يعتبر التسبيب أساس العمل القضائي و من ثم كان لزاما عند إصدار الإذن بالتسرب سواء من طرف وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق إظهار الأدلة القانونية و الموضوعية بعد تقدير جميع العناصر المعروضة عليه من طرف ضابط الشرطة القضائية .

2-نوع الجريمة: و قد حصرتها المادة 65مكرر5 من ق ا ج في سبعة أنواع هي جرائم المخدرات, الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية, الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات, جرائم تبييض الأموال, الإرهاب, الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف, جرائم الفساد.و عليه يجب أن تكون الجريمة جناية أو جنحة لكن السؤال المطروح هو ماذا لو اكتشف المتسرب جرائم خارج تلك المذكورة على سبيل الحصر ؟ لم يشر المشرع إلى ذلك في أحكام التسرب غير انه بالرجوع للمادة 65 مكرر 6 من ق ا ج نص على “…إذا اكتشف جرائم أخرى غير تلك التي ورد ذكرها في إذن القاضي فان ذلك لا يكون سببا لبطلان الإجراءات العارضة” و رغم أن هذه المادة ذكرت بالفصل المتعلق باعتراض المراسلات و تسجيل الأصوات و التقاط الصور إلا أننا نرى أن الحلقة المشتركة بينها و بين أحكام التسرب هي المادة 65 مكرر 5 من ق ا ج المشار إليها بالمادة 65 مكرر 11 من ق ا ج المتعلقة بالجرائم المطلوبة لتطبيق أحكام هذه الطرق الخاصة في التحقيق و من ثم يمكن القول أن اكتشاف جريمة عند مباشرة العملية يخضع لإجراءات عارضة كما ذكر سالفا و لا يمكن أن يكون سببا للبطلان فإذا اكتشف المتسرب بخلية متاجرة بالمخدرات جناية قتل يمكن له رفع تقرير بذلك إلى المشرف عليه إداريا غير إن التساؤل المطروح هو هل يمكن اتخاذ إجراءات خاصة للمتابعة القضائية ضد المتهم بعيدا عن المهمة الأساسية ؟ و ما مدى تأثير تلك المتابعة على سير العملية برمتها ؟ إذ يمكن أن يكون القاتل هو المتهم الرئيسي لعصابة المتاجرة بالمخدرات فتشل العملية في منتصفها و هذه من الإشكالات العملية التي تطرح بالميدان و ما دام تطبيق أحكام التسرب ما يزال في بداية عهده سيكون مستقبلا إجابة عن هذا السؤال.

المطلب الثالث: آثار التسرب.

بعد صدور الإذن بالتسرب من طرف القضاء يباشر العون المتسرب عمله حسب المقتضيات المطلوبة منه و من ثم هناك أثارا ستترتب عن ذلك منها:

البند 1: تسخير الوسائل المادية و القانونية.
قد نصت علي ذلك المادة 65 مكرر 14 ق أ ج علي أنه يمكن اقتناء أو حيازة أو نقل أو تسليم أو إعطاء مواد أو أموال أو منتوجات أو وثائق أو معلومات متحصل عليها من ارتكاب الجرائم أو مستعملة في ارتكابها و كذا استعمال أو وضع تحت تصرف مرتكبي هذه الجرائم الوسائل ذات الطابع القانوني أو المالي و كذا وسائل النقل أو التخزين أو الإيواء أو الحفظ أو الاتصال و بالتالي يمكن للعون المتسرب استعمال الأموال المتحصل عليها من ارتكاب الجرائم المذكورة بنص المادة 65 مكرر 5 من ق أج و عليه يمكن القول أن هناك استثناءا في هذه الحالة لأحكام المادة 2 من القانون 05/01 المتعلق بالوقاية من تبيض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما التي جاء في نصها ” يعتبر تبيضا للأموال:
أ‌- تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر الغير مشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي حصلت منها هذه الممتلكات علي الإفلات من الآثار القانونية لأفعاله.
ج- اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها أنها تشكل عائدات إجرامية” و من ثم فان المتسرب يمكنه تسخير الوسائل المادية لفائدة الخلية الإجرامية من نقل، تسليم، حيازة، إيواء…أما بخصوص الوسائل القانونية فالمقصود منها توفير الوثائق الرسمية إن كان هناك ضرورة لذلك كاستخراج بطاقة تعريف أو رخصة سياقه أو بطاقة رمادية وبالتالي يحتاج إلى جهاز خاص لتزوير الوثائق الرسمية دون المرور على الإدارة المختصة لإبقاء أعماله ضمن السرية المطلوبة خلاصة القول دور المتسرب داخل العصابة محصور بتقديم الدعم بكافة أشكاله .

البند 2:الإعفاء من المسؤولية .
سنتحدث هنا على نوعين من المسؤولية المسؤولية الجزائية و المسؤولية المدنية
1-المسؤولية الجزائية :نصت المادة 65 مكرر 14 ق أ ج علي أن الضباط و أعوان الشرطة القضائية المسخرين في عملية التسرب لا يكونوا مسئولين جزائيا حسب الحالات التي ذكرت أعلاه و هذه الحالة ما هي إلا تكريسا للمادة 39 من قانون العقوبات التي نصت ” لا جريمة .
1- إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.
2- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء “.
و عليه يمكن إدخال نظام التسرب ضمن أسباب الإباحة باعتبار أن القانون أذن بذلك مما يجعل المتسرب معفى من المسؤولية الجزائية هذا من جهة و من جهة ثانية نصت المادة 65 مكرر 12 ق ا ج علي انه لا يجوز له و تحت طائلة البطلان أن تشكل الأفعال المسموح له القيام بها تحريضا على ارتكاب جرائم و نظرا لما يحمله هذا المصطلح من إشكالات عند التطبيق سنتطرق إليه بشيء من التفصيل .

أ/ مفهوم التحريض:
يقصد بالتحريض دفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة بالتأثير في إرادته و توجيهها الوجهة التي يريدها المحرض (6) و عليه يكون المحرض فاعلا أصليا في الجريمة بمفهوم نص المادة 42 من قانون العقوبات و قد نص عليه المشرع الجزائري صراحة بالمادة 45 من قانون العقوبات بقوله ” من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية علي ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبة المقررة لها .

ب/ شروطه:
نص المشرع في قانون العقوبات علي جملة من الشروط يجب توفرها في التحريض حتي يدخل دائرة العقاب و هي كالتالي :
1- الوسيلة: نصت علي ذلك المادة 41 من قانون العقوبات و يمكن إيجازها كالتالي : الهبة ، الوعد ، التهديد ، إساءة استعمال السلطة ، التحايل ، التدليس الإجرامي .
2- أن يكون مباشرا ( صراحة ).
3- شخصيا.
و مما سبق ذكره نخلص إلى أن التحريض يكون بفعل ايجابي و ليس سلبي و قد قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها مؤرخ في 14/02/1967 بأن تصرفات رجال الضبط أثناء قيامهم بالبحث و التحري يجب ألا تتجاوز الإجراءات المشروعة لاستقصاء الجريمة و جمع الاستدلالات المتعلقة بها فكل إجراء يقومون به في سبيل كشف ملابسات الجريمة و البحث عن أدلتها يعتبر صحيحا طالما أنهم لم يتدخلوا في خلق الجريمة أو التحريض عليها (7) غير أن الإشكال المطروح هو أن التحريض المنصوص عليه قانونا ينحصر في التأثير علي إرادة الفاعل أي وجود فعل ايجابي فما هو الحل بالنسبة للتحريض بالامتناع ؟ أي أن المتسرب يكون شاهدا على الجريمة غير تلك المحددة في مهامه و يمتنع عن تقديم المساعدة أو التدخل لمنعها .

2- المسؤولية المدنية :
و يقصد بها كل التصرفات المدنية أو حتى التجارية التي يقوم بها كإبرام عقود ترتب التزامات كعقد بيع أو توريد أو مقاولة أو حتى عقود تمس الحالة الشخصية للمتسرب نفسه كعقد زواج إن تطلبت الضرورة ذلك فما هو الحل في هذه النقطة بالذات و للإشارة فان المشرع ضمن المواد المذكورة سالفا لم يشر للمسؤولية المدنية و عليه يبقى السؤال مطروحا فإذا انتهت المهمة الموكلة إليه ما مصير تلك العقود؟هل هي حالة وقتية أم دائمة ؟

البند 3 : إحاطة العملية بالسرية التامة :
تتطلب عملية التسرب إحاطتها بالسرية التامة و قد نص قانون الإجراءات الجزائية على جزاءات عقابية مشددة في حالة إظهار الهوية الحقيقية لضباط أو أعوان الشرطة القضائية في المادة 65 مكرر 16 ق ا ج و قد تعدت الحماية حتى لأفراد عائلة المتسرب و تتراوح هذه العقوبات من سنتين إلى عشرين سنة حبس و غرامة من خمسين ألف دينار إلى مليون دينار حسب الحالات الثلاث المذكورة بالمادة و عليه يبقى العون أو الضابط المتسرب في سرية تامة حتى أن القانون منع سماعه و أجاز سماع الضابط المشرف على العملية بوصفه شاهدا كما ورد بالمادة 85 مكرر 18 ق ا ج غير أن ذلك يطرح عدة إشكالات قانونية سبق و أن عرضت أمام محاكم دول سباقة في هذا النوع من طرق التحري فصدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرار بخصوص سرية الشاهد العميل المتسرب ووضعت شروطا للعمل بهذه الطريقة :
أولا :عدم ذكر الاسم يكون بأسباب وجيهة و كافية .
ثانيا: أن يقدر القاضي الحالة حسب كل قضية.
ثالثا : لا يمكن أن تؤسس الإدانة على أساس شهادة مجهولة لوحدها .
و بالتالي يكون القاضي و حتى المحامي على حد سواء غير قادرين الاطلاع على بعض جوانب الملف بشكل يضمن حق الدفاع و المحاكمة العادلة .
أما الهوية المستعارة فهي من متطلبات السرية لكن استعمالها جاء بشكل عام غير مضبوط و قد أثارت هذه النقطة أيضا في قضية عرضت على محكمة شارل روا الغرفة 11 ببلجيكا بتاريخ 27/03/1997 ملخصها عند إجراء الاستجواب بالجلسة تبين أن المخبر دركي يدعى كريستوف و ليس جون كما ورد بمحضر التحقيق الابتدائي و صرح المتهمين انه كان يقدم نفسه على انه جون و رفض المشرف على العملية إعطاء أي معلومة حول المدعو كريستوف (8) و عليه يكون المشرع مطالبا بإصدار قانون يوازن بين متطلبات الدفاع و المحاكمة العادلة من جهة و حماية امن موظفي الضبط القضائي من جهة ثانية .

المبحث الرابع : دور القضاء في عملية التسرب و ضوابطه :

لقد نص قانون الإجراءات الجزائية على أن وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق هما المخولين قانونا بإصدار الإذن بالتسرب حسب ما نصت عليه المادة 65 مكرر 11 و بالتالي يكون الجهاز القضائي هو الضابط لهذا النوع من العمليات .

المطلب الأول : الإذن و المراقبة :

كما سبق ذكره يصدر الإذن بالتسرب من طرف وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق و بالتالي يكون الضابط المشرف على العملية ملزما بتحرير تقرير يتضمن العناصر الضرورية لمعاينة الجرائم ما عدا التي تعرض للخطر امن المتسرب كما نصت المادة 65 مكرر 13 ق ا ج و عليه يقوم الضابط بالإشراف على العملية تحت مراقبة القاضي المصدر للإذن لكنها رقابة إدارية فقط و تعود الرقابة التقنية للضابط باعتباره أكثر معرفة و دراية لتقنيات البحث و التحري .

المطلب الثاني : تقدير عناصر الملف :

ذكرنا سابقا أن القاضي يراقب عملية التسرب إداريا و بالتالي يكون على اطلاع تام بالملف و في هذا المجال يزداد دوره بشكل واضح فإذا تشكلت له صورة واضحة يمكن اتخاذ الإجراءات المناسبة و من ثم يكون التقدير في العناصر التالية :

البند الأول : من حيث المدة : نصت المادة 65 مكرر 15 ق ا ج على أن الإذن بالعملية لا يمكن أن تتجاوز مدته أربعة أشهر ثم استدركت المادة 65 مكرر 17 على انه عند وقف العملية أو انقضاء المدة القضائية يجوز للعون المتسرب مواصلة نشاطاته حماية لأمنه على أن لا تتجاوز مدة أربعة أشهر وإن لم تكن كافية لضمان سلامته يمكن للقاضي الترخيص له مجددا لمدة 04 أشهر على الأكثر و من ثم أقصى مدة للتسرب حسب المادة تكون اثني عشرة شهرا (12 شهرا ) فالسلطة التقديرية لإنهاء العملية من حيث المدة وزعها المشرع بين القاضي و العون المتسرب بالنسبة لهذا الأخير قيدها بضمان سلامته و أمنه فقط و ليس صلاحية بحد ذاتها .

البند الثاني : من حيث المكلف
نصت المادة 65 مكرر 11 ق ا ج على أن المخول قانونا لإصدار الإذن بالتسرب هو قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية و رغم صراحة النص فانه بالرجوع للفقه و الاجتهاد المقارن نميز بين قضاة الحكم و قضاة النيابة و يظهر جليا في قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أصدرت قرار في 16/02/2000 و التي ألزمت أن يكون قاض و ليس مدع عام أو من يمثله من يحدد عناصر الملف و بطبيعة الحال الشرطة القضائية باعتبارها تحت إدارة و إشراف النيابة .

البند الثالث : من حيث الأدلة
لم يحدد المشرع الجزائري الأولويات في اللجوء إلى الطرق الخاصة للبحث و التحري و تجدر الإشارة إلى انه أقر نوعين هي اعتراض المراسلات و تسجيل أصوات و التقاط الصور بالفصل الرابع من ق ا ج و التسرب بالفصل الخامس منه غير انه بالرجوع إلى القانون المقارن كالقانون البلجيكي المؤرخ في 06/01/2003 المتعلق باللجوء إلى الطرق الخاصة للتحقيقات نص في مادته 47 على أنه لا يتم اللجوء إلى التسرب إلا إذا كانت الوسائل الأخرى قد استنفذت و غير كافية لإظهار الحقيقة ( 9)و من ثم يكون التقدير هنا بالاشتراك بين الشرطة القضائية و القضاء و على ذكر تلك الوسائل الخاصة تستعمل ببلجيكا طرقا بفعالية كبيرة صدرت بالمرسوم الملكي 09/04/2003 المتعلق بتقنيات التسرب نذكر من بينها :
Pseudo –achat
يقدم المتسرب نفسه على أساس انه بائع خدمة أو سلعة
vente confiance
يقدم المتسرب نفسه على أساس انه بائع خدمة أو سلعة غير أنه قد قام مسبقا بنقل الملكية للشخص لربح ثقته
livraison controlee
التسليم المراقب تتبع الشرطة عملية النقل ( بضاعة )لغاية الوصول إلى هدفها و يقوم المتسرب هو شخصيا بعملية النقل .
Livraison assistee controlee
تشبه الحالة السابقة لكن الفرق بينهما أنه يوجد تدخل للشرطة أثناء نقل البضاعة و تسلم البضاعة محل الجريمة دون مراقبة لاحقة عليها .
Le frontstore
تتضمن التقنية استغلال و إنشاء مؤسسات فعلية التي تقوم بدورها تقديم دعم للخلايا الإجرامية على شكل أموال أو خدمات.
غير أن المشرع الجزائري لم يحدد الأولويات في اختيار الطرق الخاصة و عليه يكون للقاضي و أعضاء الشرطة القضائية السلطة التقديرية في تقديم وسيلة على أخرى .

المطلب الثالث : ضوابط اللجوء إلى نظام التسرب

لقد أظهرت الدراسات المتخصصة بعلم الاجتماع المتخصص في عمل الشرطة أن كشف القضايا يعتمد على كمية و نوعية المعلومات المتاحة و أكثرها مصدرا الجمهور في حين أنه في الواقع العملي يكون الضحية في أغلب الأحيان المصدر الوحيد للمعلومة.

البند الأول : عدم كفاية الأدلة .
كما سبق ذكره أن الحاجة إلى المعلومة أدت بالمشرع إلى إصدار طرق أخرى أكثر فعالية للحد من الجريمة المتنامية بشكل متواتر و طريقة إجازة الدليل كلاسيكيا تعتمد على ثلاث شرائط
1- : الشرعية 2- أن يكون ذو قيمة اثباتية 3- أن يكون محل نقاش .

البند الثاني : النسبية :
إن تقنية التسرب تتطلب الاندماج الكلي ضمن الخلية الإجرامية لجمع أكبر قدر من المعلومات غير انه من جهة ثانية يمكن أن يشكل هذا مساسا للحياة الخاصة للأفراد المضمون قانونا و موثق باتفاقيات و معاهدات دولية و بالتالي يتعين على المتسرب احترام حدود مهمته إلى ابعد الحدود و الاكتفاء بالحاجة للمعلومة المطلوبة و بالرجوع إلى القانون المقارن كالقانون البلجيكي شدد على اللجوء للوسائل الخاصة في التحقيق و التحري فمنع التصنت على المكالمات الهاتفية لمدة 05 أيام متتالية و من ثم يكون المشرع مطالبا بوضع ضوابط جد صارمة ضمانا للحقوق الأساسية و الحياة الخاصة على وجه الخصوص .

المطلب الرابع :الإشكالات العملية التي تطرحها مسألة التسرب :

من خلال استعراض أحكام التسرب يمكن إثارة بعض المشاكل العملية التي قد تثار عند التطبيق العملي لإستراتيجية التسرب منها مدى استعمال المتسرب للأموال التي أجاز له القانون استغلالها رغم عدم شرعية مصدرها و قد تتجاوز مهمة المتسرب الحدود الوطنية و المعروف أن الجريمة المنظمة تتشكل من شبكة قد تتجاوز حدود عدة دول و في هذه الحالة ما مدى سلطة القاضي المصدر لإذن عملية التسرب ؟
و هناك مسألة التنسيق بين مصالح الأمن فكل تدخل لجهة أمنية دون علمها المسبق قد يشكل ضربة للعملية برمتها و بالتالي السرية المنصوص عليها قانونا التي جعلها المشرع في دائرة مغلقة بين القاضي و الضابط و العون المتسرب تكون نسبية أخيرا مسألة تكوين أفراد متخصصين في عمليات التسرب و هذا يقع على عاتق المديريات العامة لكل من الشرطة و الدرك لمسايرة كل التقنيات المستعملة عالميا وعليه يكون المشرع مطالبا بمراجعة بعض الأحكام أو إصدار مراسيم من طرف الجهات المختصة لضبط التقنيات بشكل يضمن الحصول على المعلومات الكافية و الحفاظ على الحقوق و الحريات من جهة ثانية .

بحث مقدم من طرف القاضي : سيدهم محمد

خطة البحث :
المقدمة
المبحث الأول : عناصر أعمال الشرطة
المطلب الأول : النوع أ
المطلب الثاني : النوع ب
المطلب الثالث : النوع ج
المطلب الرابع : النوع د
المبحث الثاني : الأصول التاريخية لنظام التسرب
المطلب الأول : المرشد السري
المطلب الثاني : مفهوم المرشد
المطلب الثالث : التسرب
المطلب الرابع : مفهوم التسرب
المبحث الثالث :الأحكام القانونية الضابطة لعملية التسرب
المطلب الأول : الشروط الشكلية
المطلب الثاني : الشروط الموضوعية
المطلب الثالث :أثار التسرب
البند الأول : توفير الوسائل المادية و القانونية
البند الثاني : الإعفاء من المسؤولية
البند الثالث : السرية
المبحث الرابع : دور القضاء في عملية التسرب و ضوابطه
المطلب الأول : الإذن و المراقبة
المطلب الثاني : تقدير عناصر الملف
البند الأول : من حيث المدة
البند الثاني : من حيث الأدلة
البند الثالث : من حيث المكلف
المطلب الثالث : ضوابط اللجوء لنظام التسرب
البند الأول : عدم كفاية الأدلة
البند الثاني : النسبية
المطلب الرابع :الإشكالات العملية التي تطرحها مسألة التسرب

المراجع :
1- تحت الحماية قاري ماركس
2- القواعد الحاكمة لتعامل الباحث الجنائي مع المرشد السري ( صالح محمد حمد بالحارث 2003)
3- مجموعة أحكام النقض المصرية
4- قانون الشرطة ( كريستيان دوفالكنار 1991)
5- لسان العرب ( ابن منظور )
6- الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ( د/ ابراهيم الشباسي 1981)
7- ضمانات الحرية الشخصية أثناء التحري و الاستدلال (د/ محمد علي السالم عياد الحلبي )
8- الوسائل الخاصة و أنظمة التحقيق ( مايتي دوري / كريستيان دوفالكنار 2004)
9- الحيلة في الدليل الجنائي ( كريستيان دوفالكنار )

المصادر :
1- قانون الإجراءات الجزائية الجزائري
2- قانون العقوبات الجزائري
3- قانون الوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتهما.

الهوامش.
1- تحت الحماية قاري ماركس
2- القواعد الحاكمة لتعامل الباحث الجنائي مع المرشد السري ( صالح محمد حمد بالحارث 2003)
3- مجموعة أحكام النقض المصرية
4- قانون الشرطة ( كريستيان دوفالكنار 1991)
5- لسان العرب ( ابن منظور )
6- الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام ( د/ ابراهيم الشباسي 1981)
7- ضمانات الحرية الشخصية أثناء التحري و الاستدلال (د/ محمد علي السالم عياد الحلبي )
8- الوسائل الخاصة و أنظمة التحقيق ( مايتي دوري / كريتيان دوفالكنار 2004)
9- الحيلة في الدليل الجنائي ( كريستيان دوفالكنار )