مبدأ اللامركزية الإدارية وإلغاء المجالس المحلية للنواحي في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 67/اتحادية/2018 في 28/5/2018
القاضي سالم روضان الموسوي
مبدأ اللامركزية الإدارية وإلغاء المجالس المحلية للنواحي

في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 67/اتحادية/2018 في 28/5/2018

القاضي / سالم روضان الموسوي

المقدمة

ورد مبدأ اللامركزية الإدارية في الدستور العراقي في نص المادة (122/ثانياً) التي جاء فيها الآتي (تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزيةالإدارية، وينظم ذلك بقانون) وهذا النص جاء ضمن الباب الخامس الذي نظم سلطات الأقاليم لكنه عمد إلى جعل الأمر بفصلين الأول يتعلق بالأقاليم والفصل الثاني يتعلق بالمحافظات التي لم تنتظم بإقليم وهذا الأمر اعتقد بأنه لم يكن عبثاً من كاتب الدستور وإنما لابد من فلسفة تقف خلفه وأثار العديد من الكتاب المختصين في القانون الدستوري عدة أسئلة حول هذا الباب، منها لماذا كان العنوان يتعلق بسلطات الأقاليم بينما تضمن تنظيم للمحافظات التي لم تنتظم بإقليم وهل جعل الباب في فصلين يعني جعل المحافظات التي لم تنتظم بإقليم بمستوى الإقليم وتكون نداً له في كل شيء وهل تعتبر المحافظات بحكم الإقليم وتعد من مكونات العراق الاتحادي (الفدرالي) وأسئلة أخرى لم يجد لها البعض جواب واحد متفق عليه وإنما عبارة عن استنتاجات استدلوا عليها من طبيعة الأحكام الواردة في ذلك الباب لكن ساترك الأمر على ما عليه لان الموضوع لا يتعلق بنقد كتابة الدستور وصياغته وانما يتعلق بموضوع إلغاء المجالس المحلية ودى تعارضه او تطابقه مع مبدأ اللامركزية الإدارية التي أشير إليها في المادة (122/ثانياً) من الدستور واعتبرت الاساس في عمل المحافظات غير المنتظمة بإقليم لان المشرع (مجلس النواب) اصدر القانون رقم (10) لسنة 2018 قانون التعديل الثالث لقانون المحافظات غير المنتظمة باقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل وألغى بموجبه المجالس المحلية للنواحي، وكان هذا النص القانوني محل طعن أمام المحكمة الاتحادية العليا من بعض ذوي المصلحة فيه والذين يحق لهم الادعاء والترافع أما المحكمة الاتحادية العليا والمحكمة الاتحادية ردت تلك الطعون واعتبرت ذلك التعديل دستوريا ويتفق مع أحكام الدستور النافذ وانه خيار تشريعي لمجلس النواب ويقع ضمن سلطته التقديرية لذلك سيكون عرض الموضوع بوصفه تعليقاً على قرار المحكمة الاتحادية العليا أعلاه وسيكون في بيان مفهوم اللامركزية الإدارية التي اعتمدها الدستور أساس لعمل المحافظات غير المنتظمة بإقليم ثم مقدار السلطة التقديرية التي يتمتع بها المشرع العراقي في إلغاء بعض مكونات سلطة المحافظات مع توضيح مفهوم الخيار التشريعي بمقدار حاجة البحث وعلى وفق الآتي .

الفرع الاول

نص قرار المحكمة الاتحادية العليا 67/اتحادية/2018

في هذا الفرع سوف أشير إلى الفقرة الحكمية وحيثياتها فقط وبإمكان القارئ الكريم الاطلاع على نص قرار الحكم أعلاه في الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا[1] وعلى وفق الآتي:

قرار الحكم

لدى التدقيق والمداولة من المحكمة الاتحادية العليا وجد ان الدعوى الأصلية حسب قدم تقديمها المرقمة (67/اتحادية/2018) والدعويين الموحدتين معها المرقمتين (73/اتحادية/2018 و 74/اتحادية/2018) تتأدى بالطعن بعدم دستورية ما ورد في القانون رقم (10) لسنة 2018 قانون التعديل الثالث لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المتضمن إلغاء (مجلس الناحية) وبموجب المواد التي وردت بقانون التعديل المذكورة في عرائض الدعاوى الثلاث ، وقد أورد المدعون أسباب الطعن دققتها المحكمة ووقفت على ما إذا كان التعديل مخالف للدستور من عدمه ووجدت بعد التدقيق والمداولة ان التعديل لا يمس النظام الاتحادي في جمهورية العراق المنصوص عليه في المادة (116) من الدستور والمتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية ولا يمس مكونات المحافظات المنصوص عليها في المادة (122/اولاً) من الدستور وحسب الاقضية والنواحي والقرى وهي أسس اللامركزية الإدارية وان وجوب وجود (مجلس الناحية) في كل ناحية كما يريد المدعون لا أساس له من الدستور ذلك ان الوجوب الوحيد الذي نص الدستور عليه هو وجوب وجود مجلس المحافظة وذلك بموجب المادة (122/ رابعاً) منه . وتجد المحكمة الاتحادية العليا مما تقدم إن إلغاء مجلس الناحية بموجب التعديل الثالث لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم جاء خياراً تشريعياً يملكه مجلس النواب بموجب صلاحيته التشريعية المنصوص عليها في المادة (61/اولاً) من الدستور وليس فيه أي مخالفة للدستور . وبناء عليه تكون الدعوى الأصلية والدعويين الموحدتين معها غير مستندة على سبب من الدستور فقرر بالاتفاق ردها وتحميل المدعين المصاريف وأتعاب محاماة وكيل المدعى عليه إضافة لوظيفته ومقدارها مئة ألف دينار ، وصدر الحكم باتاً ملزماً استنادا للمادة (94) من الدستور والمادة (5) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 وافهم علناً في 28/5/2018

الفرع الثاني

مفهوم اللامركزية الإدارية

إن الدستور العراقي قد سعى لمشاركة جميع العراقيين في العمل والمشاركة السياسية وغيرها، وكان بمثابة ردة فعل تجاه ما كان عليه العراق قبل عام 2004 يستدل على ذلك بما جاء في ديباجة الدستور، التي تعد جزء لا يتجزأ منه على وفق ما يراه بعض فقهاء القانون الدستوري[2]، وفي تلك الديباجة وردت بعض التراكيب اللغوية والجمل التي تعبر عن حالة المعاناة التي تعرض لها الشعب العراقي مثال ذلك عندما تضمن العبارة الآتية (زَحَفْنا لأولِ مَرةٍ في تاريخِنَا لِصَنادِيقِ الاقتراعِ بالملايين، رجالاً وَنساءً وَشيباً وَشباناً في الثَلاثين منْ شَهرِ كانُونا لثَانِي منْ سَنَةِ أَلْفَين وَخمَس مِيلادِيَة، مُستذكرينَ مَواجِعَ القَمْعِ الطائفي) ونجد فيها الأساس الذي دعا كاتب الدستور إلى التأكيد على الحقوق الأساسية والسياسية والاجتماعية للجميع، وافرد لها باب خاص بها وهو الباب الثاني، كذلك ما جاء في ذات الديباجة (فَسَعينَا يَدَاً بيَدٍ، وَكتِفاً بِكَتفٍ، لِنَصْنَعَ عِراقَنَا الجَديدَ،عِراقَ المُسْتَقبلِ،منْ دونِ نعرةٍ طَائِفِيةٍ، وَلا نَزْعَةٍ عُنْصُريةٍ، وَلاعُقْدَةٍ مَنَاطِقِيةٍ، وَلا تَمْييز، وَلا إقْصَاء) ويلاحظ إن توزيع السلطات كان من منطلقات هذه الجملة التركيبية، التي تعد الأساس من اجل تفكيك مركزية القرار الذي كان بيد الحاكم فقط ، وإنما جعل المشاركة هي الأساس بين مكونات الشعب عبر مؤسساته الدستورية، لذلك حينما تعلق الأمر ببيان طبيعة النظام السياسي الذي هو مجموعة المبادئ والقواعد التي تتعلق بشكل الحكم في الدولة[3] فاتجه إلى جعل النظام برلماني وجعل شكل الحكم اتحادي تعددي وعلى وفق ما جاء في المادة (1) من الدستور التي جاء فيها الآتي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذ االدستور ضامنٌ لوحدة العراق) ولضمان مشاركة الجميع دون إقصاء على وفق ما ورد في ديباجة الدستور التي استمدها من الواقع الذي كان عليه العراق فاتجه إلى جعل سكان المناطق يتشاركون في إدارة شؤونهم وقسم العراق إلى سلطات اتحادية وأخرى محلية بفرعين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم وعلى وفق ما ورد في الباب الخامس من الدستور النافذ وهذا هو الاتجاه الحديث السائد في العالم والذي أخذت به معظم الدساتير حيث شهد العالم منذالربع الأخير من القرن العشري نتغيرات متسارعة سواء من الناحية السياسية، الاقتصادية أو الإدارية وحتى على مستوى المفاهيم، غيرأن الشيء البارز هو التحول نحو احترام خصوصيات المجتمعات، وذلك نتيجة ما عرفته هذه المرحلة من إفرازات ظاهرة العولمة وظهور قضايا جديدة، لا سيما في بلدان العالم الثالث مستعصية الحل على المستوى الوطني كالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة والفقر والتي تحتاج إلى حل أعمق من تلك التي تتم على مستوى الحكومة المركزية[4]، وعلى هذا الأساس وزع الدستور السلطات على أساس سياسي وإداري (جغرافي) وفي الجانب السياسي وزع السلطات إلى ثلاث تشريعية وتنفيذية وقضائية وكل سلطة جعل منها جناحين لضمان اكبر قدر ممكن من المشاركة وعدم تركيز السلطة بجهة واحدة، كما وزع السلطات على أساس جغرافي (إداري) حينما جعل بعض السلطات التشريعية للأقاليم عندما أتاح لها وضع دستور ومجلس تشريعي وسلطة قضائية مستقلين عن المركز وعلى وفق ما جاء في المادة (120) من الدستور النافذ التي جاء فيها الآتي (يقوم الإقليم بوضع دستورٍ له، يحدد هيكل سلطات الإقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على أن لا يتعارض مع هذا الدستور) والمادة (121/ثانياً) من الدستور التي جاء فيها الآتي (لسلطات الأقاليم،الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لأحكام هذا الدستور، باستثناء ماورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية( بينما جعل للمحافظات غير المنتظمة بإقليم سلطات إدارية على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية الذي ورد ذكره في المادة (122/ثانياً) من الدستور (تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية،وينظم ذلك بقانون) والملاحظ على ذلك التقسيم إن الدستور العراقي وان وازن بين الإقليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم حينما جعل لكل واحدة فصل خاص في الباب الأول من الدستور، إلا انه فرق بينهما من حيث الاختصاصات والسلطات التي تمارسها فنجد بأنه أعطى للإقليم اللامركزية السياسية التي هي عبارة عن تنظيم دستوري، بموجبها تم توزيع السلطات السياسية مثال ذلك التشريعية والقضائية ويطلق عليها في بعض كتب المعاجم الدستورية بالإدارة الحرة للجماعات الإقليمية[5]، بينما في المحافظات غير المنتظمة بإقليم فانه عمد إلى العمل باللامركزية الإدارية التي يمنح بموجبها تلك المحافظات أسلوب التنظيم الإداري[6] وهو توزيع الوظائف الإدارية وحدها وهي جزء من وظائف السلطة التنفيذية وليس من بينها وظائف السلطتين التشريعية والقضائية، والتوزيع يكون بين السلطة التنفيذية المركزية والمجالس المحلية لتلك المحافظات غير المنتظمة بإقليم، على خلاف توزيع السلطات في الأقاليم حيث يتقاسم الإقليم كافة السلطات السياسية التشريعية والقضائية والتنفيذية[7]. وعند الرجوع الى فقه القانون الدستوري والقانون الإداري نجد إن مفهوم اللامركزية الإدارية عبارة عن توزيع المهام والوظائف على التراب الوطني حسب عدد السكان مثل القرية والناحية والقضاء والمحافظة، ويمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية و مكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العامة، أو في تعريف آخر وكذلك تفهم الإدارة اللامركزية بأنها عدد من الامتيازات والصلاحيات يضمن الدستور ممارستها لسلطة جماعات إقليمية مختلفة (محافظات ، مناطق ، دوائر سكانية) وليس في علاقات هذه السلطات مع الدولة وإنما أيضاً في علاقات بعضها مع البعض الآخر وهذا الأمر ناجم من تسمية وصف التنظيم الإداري للمحافظات غير المنتظمة بإقليم (باللامركزية الإدارية) لان السلطة الإدارية هي الهيئة الأولى في الدولة المسؤولة عن تنفيذ القوانين وإدارة المرافق العامة وتحتل جانب كبير ومهم من جوانب السلطة التنفيذية ويتولى قيادة السلطة التنفيذية رئيس الوزراء وعلى وفق المادة (78) من الدستور أو الرئيس الأعلى على حسب النظام السياسي وشكل الحكم المتبع في الدولة ويتولاها الى جانب عدد كبير من الموظفين على اختلاف مستوياتهم وتخصصاتهم[8] ولغرض سير العمل التنفيذي لابد من وجود تنظيم إداري وهو تحديد نوع الإعمال اللازمة لتنفيذ السياسة العامة للدولة وتوزيع الأعمال بين أقسام الإدارة والعاملين فيها وتعتبر عملية التنظيم الإداري من أهم الأمور لضمان حسن العمل وقيام الإدارة التنفيذية بأداء عملها ووظائفها المكلفة بها[9] ، و ولتحقيق هذا الغرض وجدت عدة أساليب منها الإدارة المركزية والإدارة اللامركزية وأساليب أخرى لا محل لذكرها في هذه الدراسة، لذلك فان (اللامركزية الإدارية) التي اخذ بها الدستور العراقي تجاه عمل المحافظات غير المنتظمة بإقليم المقصود بها وجود عدد من السلطات الإدارية المستقلة المحلية او المرفقية ويقصد بالمرفقية بعض المرافق مثل الهيئات المستقلة التي تتولى نشاط معين بعيداً عن السلطة التنفيذية وهي بالأصل جزء منها، وهذا ما أشار إليه الباب الرابع من الدستور المسمى بالهيئات المستقلة ومنها هيئة النزاهة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وغيرها، أما عن المحافظات غير المنتظمة بإقليم فإنها تمثل الإدارة المحلية المستقلة وليس المرفقية، أما اللامركزية الإدارية التي هي نقيض المركزية الإدارية، فان فقه القانون كان قد عرفها بأكثر من تعريف منها (إن اللامركزية الإدارية هي الاعتراف بالشخصية المعنوية لجزء من اقليم الدولة كالمحافظة او المدينة بما يترتب على ذلك من استقلال في رعاية المصالح التي اقرها الدستور او القانون لهذا الجزء من اقليم الدولة عن طريق إدارة مرافقه المحلية التي ذكرها الدستور او القانون وتدار عن طريق مجالس محلية منتخبة من سكان تلك المناطق)[10] ، وكان الدستور قد منح تلك المحافظات صلاحيات غير محدودة لأنه جعل صلاحيات المحافظات هي كلما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم،والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم،في حالة الخلاف بينهما على وفق ما جاء في المادة (115) من الدستور، كما لابد من الإشارة بان المادة (80) من الدستور قد حددت صلاحيات مجلس الوزراء بوصفه السلطة التنفيذية الاتحادية، وكذلك حددت حصراً الصلاحيات المشتركة بين السلطة التنفيذية الاتحادية من جهة وبين الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم من جهة أخرى وعلى وفق المادة (114) من الدستور، ويرى بعض الكتاب إن اللامركزية الإدارية لها مزايا وعيوب ومن هذه المزايا انه يخفف العبء عن السلطة التنفيذية المركزية والمساهمة في زيادة كفاءة الأجهزة التنفيذية التي تتولى إدارة المرافق العامة بينما عيوبها يرى الكتاب والشراح إنها نتيجة سوء التطبيق وليس لان المبدأ بالأصل معيب ويكون ذلك من خلال ضعف الرقابة وقلة الإمكانيات الفنية للأجهزة التنفيذية المحلية[11]، ويرى اغلب فقهاء القانون العام (الدستوري والإداري)[12]بان مبدأ اللامركزية الإدارية حتى يتحقق لابد من توفره على ثلاثة أركان وعلى وفق الآتي :

1. وجود وحدات إدارية مستقلة تمثل مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية العامة للدولة.
2. قيام مجالس محلية منتخبة.
3. استقلال المجالس المحلية في عملها لكن تحت رقابة وإشراف السلطة المركزية.

والركن الثالث المشار إليه أعلاه نجد إن المحكمة الاتحادية كانت قد قررته وأكدته في قرارها التفسيري رقم 80 لسنة 2017 في 15/8/2017 الذي له قوة الإلزام فإنها قررت فيه الآتي (لمجلس النواب توجيه الأسئلة النيابية إلى المحافظ والى رئيس مجلس المحافظة) وهذا هو نوع من أنواع الرقابة التي يمارسها مجلس النواب وهذا القرار اوجد مبدأ لم يكن واضح المعالم في النصوص الدستورية النافذة وأصبح ملزم للجميع حيث جعل امتداد رقابة مجلس النواب إلى المحافظ مع إن المحافظة تعمل بمبدأ اللامركزية الإدارية وقرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق اعتمد في أسلوبه التفسيري على وضوح النص وإطلاقه لان النص يكون مطلق إلا إذا تم تحديده بنص مماثل وحيث ان نص المادة (61/ثانياً) من الدستور جاء مطلق عندما جعل الرقابة النيابية على السلطة التنفيذية ولم يرد أي نص آخر في الدستور يحد من حدود هذه الرقابة تجاه كل مفردات السلطة التنفيذية سواء كانت اتحادية أو محلية وكان للقاعدة الفقهية والقانونية التفسيرية المطلق يجري على إطلاقه حضور في منهج المحكمة الاتحادية العليا عند تفسير نص المادة (61/ثانيا) من الدستور.

الخاتمة

ومن خلال العرض المتقدم نجد ان مبدأ اللامركزية الإدارية من المبادئ الدستورية التي اقرها دستور عام 2005 إلا ان تجربة العمل في العراق على وفق هذا المبدأ لم تكن بمستوى ما وصل إليه فقه القانون الدستوري أو الإداري مما أدى إلى صدور تشريعات تسعى لمعالجة الأوضاع القائمة في التنظيم الإداري لهيكل الدولة وفي توزيع الصلاحيات بين المركز والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم وهذه التشريعات لابد ان تكون على وفق نهج الدستور والمبادئ التي وردت فيه لذلك كان البعض يرى إن تلك التشريعات فيها تجاوز على تلك المبادئ وقام بالطعن في النصوص القانونية أمام القضاء الدستوري ممثلاً بالمحكمة الاتحادية العليا في العراق وتصدت المحكمة إلى هذه الطعون بما تملك من حيادية ومهنية وخبرة قضاتها وسعة افقها الدستوري والقانوني وأصدرت عدة أحكام منها الحكم القضائي الدستوري محل البحث ولم تكتفي ببيان الحكم تجاه دستورية النص او عدم دستوريته وإنما أوضحت المفاهيم الدستورية التي وردت في الدستور سعياً منها لنشر الثقافة والوعي الدستوري لدى العامة لان قرار الحكم الذي تصدره لم يبقى حبيس الأدراج وإنما ينشر بكامل نصوصه على موقعها الالكتروني والمتاح للجميع فضلا عن كونه يمثل مادة علمية للباحثين والكتاب في الشأن الدستوري وغيره من أوجه المعرفة القانونية والدستورية وبقرار الحكم الذي أصدرته بالعدد 67/اتحادية/2018 في 28/5/2018 كانت قد رسمت الطريق لمن يسعى لإصلاح الخلل الذي اعترى العملية التشريعية في بدايات تكوين المؤسسات التشريعية بشكلها القائم حاليا حيث إنها اعتبرت إن الدستور حينما قضى بالعمل بالإدارة اللامركزية كان فقط تجاه المحافظات غير المنتظمة بإقليم ولم يتطرق الدستور الى تقسيمات تلك المحافظات (القضاء والناحية) واعتبر وجود مجالها او هياكلها التنظيمية هي من خيارات المشرع المتاحة له فان شاء أبقاها وان شاء ألغاها وجدير بالذكر إن للمشرع أيضاً سلطة إلغاء مجالس الاقضية لان حكم المحكمة الاتحادية العليا المشار إليه وكذلك نصوص والدستور لم يرد فيها ذكر لمجالس الاقضية مثلما كان عليه الحال في مجالس النواحي وانما فقط مجالس المحافظات وعلى وفق المادة (122/رابعاً) من الدستور التي جاء فيها الاتي (ينظمبقانونٍ،انتخابمجلسالمحافظة،والمحافظ، وصلاحياتهما( ومطلق النص يتعلق بمجالس المحافظات ولم يرد ذكر للاقضية او النواحي وبذلك فان إلغاء المجلس المحلي للناحية لا يمثل خرق لمبدأ دستوري لعدم وجود نص بذلك وإنما يبقى خياراً تشريعياً لمجلس النواب وعلى وفق ما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا محل البحث ويقصد بالخيار التشريعي هو الخيارات المتاحة لحول وبدائل عدة تطرح أمام المشرع إلا إن هذه الخيارات لابد وان تكون ابتدأً من ضمن سلطة المشرع التقديرية.

المصادر

1. الدكتور إسماعيل صعصاع غيدان ـ اللامركزية الإدارية الإقليمية في العراق ـ في مجلة رسالة الحقوق التي تصدر عن كلية القانون في جامعة كربلاء ـ السنة الرابعة العدد الخاص بالمؤتمر القانوني الوطني الاول عام 2012
2. أوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الأولى عام 1996ـ
3. الدكتور ربيع أنور فتح الباب متولي ـ النظم السياسية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط1 عام 2013
4. الدكتور ماجد راغب الحلو ـ القانون الإداري ـ منشورات دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية عام 1996
5. مصطفى أبو زيد فهمي ـ النظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة ـ منشورات دار المعارف في الإسكندرية ـ طبعة عام 1966

[1] نص قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 67/اتحادية/2018 في 28/5/2018 في الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا في العراق https://www.iraqfsc.iq/krarat/1/2018/67_fed_2018.pdf

[2] لابد من الإشارة إلى إن القيمة القانونية للديباجة لم يتفق عليها بل بعض الفقهاء والشراح الفقيه (اسمان) والفقيه (لافريير) حيث اعتبرها مجرد إعلان مبادئ وإنها ليس بذات إلزام بينما بعض الفقهاء يرون بقوتها الملزمة وهذا منهج غالبية الفقه الفرنسي وللمزيد انظر مصطفى أبو زيد فهمي ـ النظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة ـ منشورات دار المعارف في الإسكندرية ـ طبعة عام 1966 ـ ص 66

[3] الدكتور ربيع أنور فتح الباب متولي ـ النظم السياسية ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ ط1 عام 2013ـ ص18

[4] للمزيد انظر اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ المعجم الدستوري ـ ترجمة منصور القاضي ـ منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ طبعة بيروت الاولى عام 1996ـ ص 1058

[5] اوليفيه دوهاميل و ايف ميني ـ مرجع سابق ـ ص 35

[6]للمزيد انظر الدكتور إسماعيل صعصاع غيدان ـ اللامركزية الإدارية الإقليمية في العراق ـ في مجلة رسالة الحقوق التي تصدر عن كلية القانون في جامعة كربلاء ـ السنة الرابعة العدد الخاص بالمؤتمر القانوني الوطني الاول عام 2012 ـ ص 23

[7]الدكتور إسماعيل صعصاع غيدان ـ مرجع سابق ـ ص24

[8]للمزيد انظر الدكتور ماجد راغب الحلو ـ القانون الإداري ـ منشورات دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية عام 1996 ـ ص89

[9]الدكتور ماجد راغب الحلو ـ مرجع سابق ـ ص 91

[10]الدكتور ماجد راغب الحلو ـ مرجع سابق ـ ص100

[11]الدكتور ماجد راغب الحلو ـ مرجع سابق ـ ص101

[12]للمزيد انظر الدكتور إسماعيل صعصاع غيدان ـ مرجع سابق ـ ص 28

إعادة نشر بواسطة محاماة نت