بحث قانوني حول لجنة المقاولة من خلال مدونة الشغل

مقال حول: بحث قانوني حول لجنة المقاولة من خلال مدونة الشغل

لجنة المقاولة في ظل مدونة الشغل

محمد العماري

طالب باحث ماستر الشراكة:عام-خاص كلية الحقوق سطات‎

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

مقدمة :

يعتبر صدور مدونة الشغل الجديدة حدثا تشريعيا اجتماعيا بكل المقاييس لما جاءت به من مستجدات تساير التطور التشريعي والاجتماعي ببلادنا ، ومن بين هذه المستجدات نجد مؤسسة تمثيلية أطلق عليها لجنة المقاولة، التي تعتبر مؤسسة شريكة لرب العمل في كل ما يهم مسار المقاولة و أفاقها المستقبلية، و الدفاع عن مصالح العاملين بها ، بحيث تقوم هذه اللجنة بدراسة و إبداء رأيها في الخطة الإنتاجية للمقاولة، و في وسائل رفع المر دودية ووضع مشاريع اجتماعية والسهر على تنفيذها لمصلحة الأجراء كما تعمل على الاعتناء بالتدريب من أجل الإدماج و التكوين المستمر للأجراء.
وقد جاء النص على هذه اللجنة لأول مرة في مشروع مدونة الشغل لسنة 1998، وذلك استجابة للطلبات الملحة، والصيحات المتعددة التي نادت بها مختلف الفعاليات المعنية بالقانون الاجتماعي، من باحثين وممارسين ونقابيين، خاصة بعد انتقال بلادنا من منطق طلب المساعدة إلى طلب الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بعد مؤتمر الأورومتوسطي بين المغرب ودول السوق الأوروبية المشتركة ، كما أن إحداث هذه المؤسسة الجديدة ببلادنا تأتى، من اجل خلق نوع من التوازن لتحقيق الازدهار الاقتصادي والسلم الاجتماعي،

و إنجاح الحوار البناء، ومواكبة ما يعرفه عالم الشغل من تغيير مستمر، وتقلب بوثيرة سريعة بفعل التطورات المتنامية في المجال التكنولوجي، كما يأتي أيضا إحداث هذه المؤسسة في سياق الترسانة القانونية، التي تعرفها بلادنا مع بداية التسعينات انطلاقا من إصلاح النظام البنكي، وبورصة القيم المنقولة وصولا إلى تشجيع المقاولات الصغيرة والمتوسطة بالقروض التي تحتاج إليها، وتشجيع الصادرات، وتهيئ المقاولات لتكون في مستوى المنافسة، التي هي مقبلة عليها في إطار العولمة .
وإذا كان إحداث هذه المؤسسة يعتبر جديدا في التشريع المغربي فإن التشريعات المقارنة عرفتها من وقت مبكر كألمانيا و فرنسا…

فبالنسبة لفرنسا أحدثت هذه اللجنة سنة 1945 من اجل إشراك الأجراء في تسيير المقاولة اقتصاديا و اجتماعيا وثقافيا بلورة لدمقرطتها، و تحقيقا لاستقرارها الداخلي ، أشار الأمر الصادر في22 فبراير1945المتعلق بمدونة الشغل إلى أن إحداث هذه اللجنة بالمقاولات، التي تشغل أكثر من خمسين عاملا تعتبر إلزامية، كما أن نفس النص يشير إلى تنظيمها، وقد وقع تغيير هذا الأمر و إتمامه عدة مرات، وحل محله قانون الشغل 1982 الذي وسع مجال تكوين هذه اللجنة واختصاصاتها، وعمل على تقوية وسائل عملها وتنويع اختصاصاتها، معتبرا أن إشراك الأجراء في تسيير المقاولة لا يمكن أن يؤدي إلى عرقلة النظام القانوني التقليدي لسلط في المقاولة، وهكذا ظل الجزء الأكبر من الأدوار التي تطلع بها لجنة المقاولة الفرنسية استشاريا ، ولم يخول لها القانون سلطة القرار إلا استثنائيا.
أما في ألمانيا فان لجنة المقاولة تعتبر بمثابة “دستور اجتماعي للمقاولة” يعتمد على فكرة التعاون بين المشغل وهذه اللجنة، التي ينص القانون الألماني على إحداثها لمجرد توفر المقاولة على خمسة أجراء، وتستشار في كل القرارات التي يمكن أن يكون لها اثر على وضعية العاملين بالمقاولة ، كما يمكن لها الاعتراض على اتخاذ القرار، أو إلغاء قرار المشغل الانفرادي، وتكون لجنة المقاولة الألمانية مسؤولة أمام العاملين بالمقاولة، وعليها التزام بإخبارهم ويمكن المطالبة بذلك من طرف كل من يعنيه الأمر من الأجراء .

كل هذا يعتبر بمثابة تاريخ للجنة المقاولة في التشريعات المقارنة، أما بالنسبة لتاريخه في المغرب فهو غير موجود على اعتبار كون مشاريع مدونة الشغل لسنوات 1983و1992و1994و1995 لم تتطرق لهذه اللجنة إلى أن جاء مشروع 1998، الذي خصص لها ستة مواد من464_470 كما جاءت المدونة الجديدة للشغل (11/9/2003) التي خصصت لها المواد من 464 الى469.
ومنه يمكن القول أن تنظيم المشرع المغربي لهذه المؤسسة جاء مشوبا بقصور كبير حيث نجده خصص لها أحكام جد ناقصة بالمقارنة مع التشريعات المقارنة .
وبالتالي إذا كانت لجنة المقاولة لم تنل إلا قسطا صغيرا من اهتمام المشرع المغربي بالرغم من أهميتها داخل كل مقاولة لا يقل عدد أجراءها عن خمسين أجيرا، فما هي الإشكاليات التي تثيرها هذه اللجنة من خلال الكيفية التي تطرق بها المشرع المغربي لها؟
لإجابة عن هذه الإشكالية سوف نعتمد مبحثين:

المبحث الأول: الأحكام العامة للجنة المقاولة
المبحث الثاني: الأحكام الخاصة للجنة المقاولة

المبحث الأول: الأحكام العامة للجنة المقاولة

لتناول هذا المبحث سنعمد تقسيمه إلى الإطار القانوني للجنة المقاولة من خلال ( المطلب الأول )، ثم إلى تأسيسها من خلال ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: الإطار القانوني للجنة المقاولة
لقد سبق واشرنا في مقدمة هذا العرض بان لجنة المقاولة تعتبر من أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الشغل الجديدة، فهذا لا يعني بأن المشرع المغربي لم يعرف هذه الوسيلة التي ترمي إلى إشراك الأجراء في تدبير المقاولة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وإنما تضمنتها نصوص قانونية قبل دخول مدونة الشغل حيز التطبيق . لذلك سوف نعمد إلى تحديد الطبيعة القانونية من خلال ( الفقرة الأولى ) ثم التحدث عن أهليتها القانونية في ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للجنة المقاولة

على خلاف العديد من التشريعات ، التي أخذت منذ وقت طويل بنظام لجنة المقاولة، فإن المشرع المغربي لم يعرف هذا النظام إلا بعد صدور مدونة الشغل رقم 65.99 لسنة 2003 ، وقد عرفه المشرع بشكل واسع على خلاف السنوات الماضية التي تم فيها تعريف هذا النظام بشكل ضيق ، والملاحظ في هذه النقطة أن واقع علاقات الشغل بالمغرب كان على خلاف ذلك، حيث أن العديد من الاتفاقيات الجماعية للشغل التي أبرمها أطراف الإنتاج تشمل ضمن مقتضياتها بنودا خاصة بهذه اللجان.
وعلى أي حال مع صدور مدونة الشغل الجديدة ودخولها حيز التطبيق صار هذا النظام شاملا بقوة القانون مما أعطاه حجية مطلقة في اتجاه جميع المقاولات التي تشغل اعتياديا خمسين أجيرا على الأقل، بحيث لم يعد الأمر في حدود ضيقة كما لم يعد رهين بإرادة الأطراف، فقد تضمنت الفصول من 464 إلى 469 الأحكام التي تنظم لجان المقاولة، وبالرغم من عدم تنظيم هذه النصوص لتلك اللجان بشكل مدقق ومفصل وكبير إلا أننا نتنبأ برغبة شديدة ببناء قانون مغربي للشغل حديث و متطور .

الفقرة الثانية: الأهلية القانونية للجنة المقاولة

يؤدي توفر لجنة المقاولة على الشخصية المدنية إلى التساؤل حول مدى أهليتها القانونية و الآثار المترتبة عنها.
إن المهام تبقى واضحة من خلال الأهداف التي ترومها اللجنة ، والتي وردت أساسا في المادة 466 من مدونة الشغل ، وبالرغم من تعدد هذه المهام فان ذلك لا يمنع من أن تكون هذه اللجنة طرفا مدنيا عندما يعرقل المشغل مهامها. وبالرغم من ذلك فان المشرع المغربي لم يتحدث عن الشخصية المدنية للجنة المقاولة وبالتالي لا يمكن لها تجاوز مهامها المخولة لها قانونا، فالأهلية القانونية للجنة تقاس بالدور الاجتماعي الذي أنيط بها. وإذا كانت لجنة المقاولة تتميز بتخصص معين، فان شخصيتها المدنية نجد لها حدود في هذه المسائل لان دورها لا يقتصر فقط على المساهمة في سير عمل المقاول بل كذلك تحديد مصالح الأجراء .
من تم لا ينبغي إنكار الشخصية المدنية للجنة المقاولة في كل ما يرتبط بمهامها، ونستشف ذلك من الفقرة الأخيرة من المادة 466 من مدونة الشغل.
ولا يمكن الحديث عن الشخصية المدنية، دون التحدث عن آثارها المتمثلة في إبرام العقود طبقا للمادة 466 من مدونة الشغل، وذلك بوضع مشاريع اجتماعية لفائدة الأجراء والسهر على تنفيذها، هذا ما يترتب عليه قيام مسؤولية عندما يكون عملها سببا في التعويض، وهو يختلف تبعا للمخالفات المرتكبة.

المطلب الثاني: تأسيس لجنة المقاولة

إذا كان المشرع المغربي قد الزم من خلال المادة 464 من مدونة الشغل كل مقاولة تشغل اعتياديا ما لا يقل عن خمسين أجير بإحداث لجنة استشارية تسمى لجنة المقاولة فان هذا الشرط و الشروط الأخرى تثير مجموعة من الإشكالات إضافة إلى ما قد يطرحه تكوينها من تساؤلات ، وبالتالي كان لا بد من التطرق لشروط إحداثها (الفقرة الأولى) ثم إلى مكوناتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: شروط إحداث لجنة المقاولة

تنص المادة 464 من مدونة الشغل على ما يلي “تحدث في كل مقاولة تشغل اعتياديا خمسين أجيرا على الأقل لجنة استشارية لجنة المقاولة”.
يتبين من خلال هذه المادة بأنه لا بد من تشغيل المقاولة لعدد من الأجراء لا يقل عن خمسين أجير، بحيث يجب أن يشتغل هؤلاء الأجراء على وجه الاعتياد وليس بشكل متقطع.
الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن:

أولا: ما هي المقاولات التي تحدث فيها هذه اللجنة ؟ “

أشارت المدونة إلى نوع المقاولات التي يمكن أن تحدث فيها هذه اللجنة، ولم تكتفي بالمعيار العددي، المتمثل في الخمسين أجيرا، بل اعتمدت في المادة الأولى من مدونة الشغل إلى الإشارة للمقاولات الصناعية والتجارية، ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلاليات الفلاحية …
ولم تشير مدونة الشغل المغربية إلى كيفية احتساب هذا العدد من العمال، والمدة الزمنية التي تحتسب فيها هذا العدد .

ثانيا: ما المقصود بالأجراء ؟ “

فالأجراء منهم الدائمون ومنهم غير الدائمين، فهذا التساؤل يخلق لنا عندما نتحدث عن المقاولات المتوفرة على الحد الأدنى القانوني من الأجراء ، وبالتالي هل يدخل الأجراء غير الدائمين ضمن التعداد أم لا ؟
و من تم فالأمر لا يتعلق بالضرورة بأجراء دائمين وإنما يمكن أن يكونوا أجراء مؤقتين، خاصة وأن المادة 464 من مدونة الشغل تتحدث عن التشغيل الاعتيادي للمقاولة و ليس عن الأجراء الاعتياديين مما يفيد بان كل أجير تشغله المقاولة في إطار التبعية مقابل اجر أيا كان نوعه وطريقة أدائه ، يدخل في النسق القانوني لإحداث لجنة المقاولة سواء أن كان دائما أم مؤقتا.

ثالثا: ما هي وضعية لجنة المقاولة بالنسبة للمقاولات التي تتوفر على فروع ؟ “

مقتضيات المادة 464 من مدونة الشغل لا تسعفنا في الإجابة على هذا الإشكال، إلا أن هناك جانب من الفقه المغربي ، يرى على أنه في حالة توفر المقاولة الواحدة لأكثر من فرع تتوفر جميعها على الحد الأدنى من عدد الأجراء فانه لا يمكن إنشاء لجان مؤسسة بنفس طريقة إنشاء لجان المقاولة، إلا أن المادة 466 من مدونة الشغل تفيد أن إحداث هذه اللجنة مشروط بكون المقاولة عبارة عن وحدة تقنية واقتصادية مستقلة إداريا، ثم ضم ما لا يقل عن خمسين أجيرا .
ونشير في الأخير على أن المقاولة التي لا تشغل خمسين أجيرا وبكيفية اعتيادية يمكنها مع ذلك أن تعمل مع ممثلي الأجراء داخلها على إحداث هذه اللجنة الاستشارية من خلال إبرام اتفاقيات جماعية ، يكون من بين مقتضياتها خلق لجنة المقاولة كصورة لإشراك الأجراء لتدبير الجانب الاقتصادي والاجتماعي للمقاولة.

الفقرة الثانية: مكونات لجنة المقاولة

تنص المادة 465 من مدونة الشغل الجديدة على لجنة المقاولة تتكون من:
-“المشغل أو من ينوب عنه.
– مندوبون للأجراء يتم انتخابهم من قبل المندوبين المنتخبين.
– ممثل أو ممثلين نقابين بالمقاولة عند وجودها.”
من خلال هذه المادة يتضح لنا أن تكوين لجنة المقاولة هو تكوين ثلاثي حيث تتكون من الرئيس ثم مندوبين اثنين ليتم انتخابهما والممثلين النقابين بالنقابة ، ويشترط في تشكيل هذه اللجنة بان لا تتجاوز خمسة أشخاص على الأكثر، و ألا يقل عن ثلاثة أشخاص، هذا التشكيل لم يكن موفقا للمهام والاختصاصات الجد المهمة الملقاة على عاتق هؤلاء الأطراف، وأهم ما يعاب على المشرع المغربي في هذه المادة هو انه لم يراعي أثناء التشكيل التوازن بين طرفي الإنتاج ذلك أن الإدارة كطرف مهم لا تمثل إلا شخص واحد وهو المشغل أو من ينوب عنه في حين أن الأجراء يمثلون بعضوين أو بثلاثة أعضاء بل وقد يصل إلى أربعة أعضاء من خلال بعض التشريعات المقارنة ، التي تلزم على تشكيل لجنة المقاولة مناصفة بين طرفي العلاقة التشغيلية ، كما يلاحظ في هذه المادة عدم تحديد من يترأس هذه اللجنة هل المشغل أم احد المندوبين، أم ممثلي المنظمات النقابية، كذلك لم يتطرق لأحكام عضوية أعضاء لجنة المقاولة ولم يحدد مدة العضوية والى حالة نقص عدد الأعضاء لأي سبب من الأسباب، كذلك لم يتطرق لحالة رفض أعضاء ممثلي الأجراء أو الممثلين النقابين للترشيح للعضوية، وعن الحالة التي لا يكون فيها ممثلين للعمال بالمقاولة، كل هذه النواقص تؤثر على أعضاء هذه اللجنة وبالتالي يجب تداركها من طرف المشرع.
كما أن أعضاء لجنة المقاولة لا يتوفرون على أية حماية رغم جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وعلى اعتبار كون هؤلاء الممثلين هم في نفس الوقت أعضاء ممثلون للعمال بنفس المقاولة ويتوفرون على الصفتين معا فإنه يمكن أن نطبق عليهم نفس الضمانات التي يتوفر عليها ممثلو الأجراء ، غير أن هذه الحماية لا تعني أنهم أحرارا في تصرفاتهم تجاه المشغل، وفي حالة ارتكباهم لخطا جسيم فهم يتعرضون للعقوبة كالفصل من العمل، وقد أوردت المدونة الضمانات التي يتوفر عليها هؤلاء الأعضاء أي ممثلو الأجراء انطلاقا من الترشيح مرورا بالفوز أو عدم الفوز وبعد انتهاء مأمورياتهم .

وقد يحدث أن يتم تعديل شكل المقاولة وذلك بالتنفيذ في الوضع القانوني الذي توجد عليه كاتحادها مع شركة أخرى أو إدماجها معها، من هاتين الحالتين يمكن التساؤل حول مصير أعضاء لجنة المقاولة في غياب نص يتطرق لهذه الحالة، وهو ما يقتضي تداركه من خلال ما يكرس الاجتهاد القضائي في هذا الشأن .
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن هذه اللجنة تجتمع كل ستة اشهر وكلما ادعت الضرورة إلى ذلك مع إمكانية دعوتها للمشاركة في أشغالها لكل شخص ينتمي إلى المقاولة تتوافر فيه الكفاءة والخبرة في مجال اختصاصها .

المبحث الثاني: الأحكام الخاصة للجنة المقاولة

كما سبق القول بان خلق لجنة المقاولة جاءت لأول مرة في مدونة الشغل إلا أن هذه الأخيرة لم تعطيها حقها في التنظيم الكامل بحيث خصص لها أحكام جد قليلة و غير متناسبة مع أهميتها ومع أهمية مهامها، و منه فان أحكامها الخاصة المنصوص عليها في الفصول من 466 و469 من مدونة الشغل يعتبر مشوبا بالكثير من النقصان والتي تتمثل أي الأحكام الخاصة في تنظيم سير عمل لجنة المقاولة (المطلب الأول) وأثار العضوية داخلها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: تنظيم سير عمل لجنة المقاولة

نظم المشرع المغربي سير عمل لجنة المقاولة من خلال الفصلين 466 و467 من مدونة الشغل الذي يستنتج منهما مشاركة الأجراء في تسير وتدبير المقاولة هذه المشاركة تتمثل في تخويل اللجنة مجموعة من المهام والنص على كيفية مزاولته لها، ومنه سوف نحاول تفصيل مهام لجنة المقاولة من خلال( الفقرة الأولى) والى كيفية مزاولة لجنة المقاولة لهذه المهام (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مهام لجنة المقاولة

من خلال المادة 466 من مدونة الشغل يتبين لنا على أن لجنة المقاولة قد اسند لها مجموعة من المهام الاستشارية، وذلك فيما يتعلق بالجانبين الاقتصادي و الاجتماعي، ومن تم يقتصر دورها على المهمة الاستشارية فقط دون المهمة التقريرية، وبالتالي فهي تصدر قرارات ولا يحق لها الاعتراض عليها ، كما نلاحظ أن المشرع المغربي لم يتحدث عن هذه المهام بشكل مفصل وإنما أتى بها عبارة عن محاور كبيرة لها عناوين عامة، وذلك مثل التغيرات الهيكلية والتكنولوجية أو الإستراتيجية الإنتاجية للمقاولة…
كما يلاحظ عدم منح المشرع المغربي- على غرار بعض التشريعات المقارنة ، وعلى خلاف عدد مهم من الاتفاقيات الجماعية ، وعلى خلاف جانب من الفقه المغربي – لجنة المقاولة صلاحيات تأديب الأجراء المقترفين لأخطاء تدينهم بارتكابهم لمخالفات تأديبية تاركا هذه السلطة للمشغل، وسوف نحاول التطرق للمهام المنوطة بلجنة المقاولة والمتمثلة في المهام ذات الطابع الاجتماعي (أولا) ثم المهام ذات الطابع الاقتصادي (ثانيا).

أولا: المهام ذات الطابع الاجتماعي

من خلال مقتضيات المادة 466 من مدونة الشغل نلاحظ على إن المهام ذات الطابع الاجتماعي تتمثل في العناصر التالية:

أ- الاستشارة في تدبير الحصيلة الاجتماعية للمقاولة عند إقرارها.

تتمثل هذه المهمة الاستشارية في تدبير ومناقشة الحصيلة الاجتماعية للمقاولة ،بحيث يستنتج من خلال هذا العنصر عدم تبيان لماهية ولا مضمون هذه المهام الاستشارية الخاصة بالجانب الاجتماعي، كما لم يتم ذكر الجهة التي يقع عليها الالتزام بتقديمها .

ب- الاستشارة في وضع تأهيل الموارد البشرية.

في إطار المهام الاستشارية المنصوص عليها في المادة 466 من مدونة الشغل نجد مشاركة لجنة المقاولة في وضع مشاريع اجتماعية لفائدة الأجراء مع السهر على تنفيذها، كذلك وضع برامج التدريب من اجل الإدماج المهيمن ومحو الأمية، والتكوين المستمر للأجراء .

ثانيا: المهام ذات الطابع الاقتصادي

من خلال الفقرتين الأولى والثانية من المادة 466 من مدونة الشغل فإننا نجد مهام أخرى للجنة المقاولة ذات الطابع الاقتصادي وتتجلى فيما يلي:

أ-الاستشارة في التغييرات الهيكلية والتكنولوجية للمقاولة.

المشرع المغربي لم يحدد ماهية وتعريف هذه المهمة بالرغم من أهميتها، إلا أن بعض الفقه حاول إعطاء تعريف لهذه المهمة حيث قال على انه يقصد بها أدوات واليات العمل واسالبيه التي تدرجها المقاولة في وسائل الإنتاج، هذا التطور التكنولوجي ينتج عنه إقصاء لبعض الأجراء بسبب محدودية تكوينهم العلمي.

ب-الاستشارة في الإستراتيجية الإنتاجية للمقاولة ووسائل رفع المر دودية.

الهدف من هذه المهمة هو إحاطة اللجنة بكل الوسائل المتعلقة بتنظيم وتدبير السير العام للمقاولة على المستويين الاقتصادي والمالي، وذلك من خلال تقديم المقاولة لأعضاء اللجنة تقريرا شاملا ودقيقا حول نشاطها مع مراعاة ما تراه أسرارا خاصة، ويدخل في هذا الإطار تقديم لجنة المقاولة لاقتراحات بخصوص سير عمل المقاولة للرفع في الإنتاجية من خلال تحفيز العمال بفرض جوائز.

الفقرة الثانية: كيفية مزاولة لجنة المقاولة لمهامها

لم تحظ الكيفية التي تمارس من خلال لجنة المقاولة لمهامها باهتمام المشرع المغربي على خلاف ما قام به بالنسبة لمندوبي الأجراء ، حيث خصص لها مادة واحدة تنص على دورية اجتماع لجنة المقاولة كل ستة اشهر، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك مع إمكانية دعوة اللجنة من اجل المشاركة في أشغالها لكل شخص ينتمي إلى المقاولة ويتوفر على الكفاءة والخبرة في مجال الاختصاصات المحددة في المادة 467 من مدونة الشغل .
ويلاحظ أن المشرع المغربي لم يتطرق إلى المكان الذي تمارس فيه لجنة المقاولة اجتماعها، ولا للوسائل المادية المرصدة لخدمتها ، بخلاف ما نص عليه التشريع المقارن ، الذي ينص على كافة التسهيلات التي تسمح للجنة المقاولة بأداء مهامها لاسيما مكان الاجتماعات.

و يمتد قصور المشرع المغربي في هذه المادة إلى عدم التحدث عن الجهة التي تترأس هذا الاجتماع، وقد ذهب بعض الفقه في هذا الإطار إلى ضرورة أن يكون المشغل أو من ينوب عنه هو الذي يترأس اجتماعات لجنة المقاولة.
كما أن المشرع المغربي لم يتطرق في هذه المادة إلى كيفية استدعاء الأعضاء لهذا الاجتماع، ومدى حق أعضاءها من عدمه في إدراج بعض النقط المدرجة في جدول أعمالها، كما انه لم يتطرق إلى كيفية التصويت على هذه النقط والأغلبية المتطلبة في هذا التصويت والى كيفية تحرير المحاضر المنجزة على اثر ما تعقده من اجتماعات والى كيفية تدوينها وترقيمها.
وبالرغم من سماح المشرع المغربي للجنة المقاولة بإمكانية عقد اجتماعين في السنة إلا انه لم يشر إلى الطرف الذي يحق له الأمر بعقد اجتماعات استثنائية كلما ادعت الضرورة لذلك، وتجدر الإشارة إلى أن الاجتماعات الاستثنائية تعقد في الظروف الطارئة والتي من شأنها عرقلة المهام الاستشارية للجنة المقاولة .

المطلب الثاني: أثار العضوية داخل لجنة المقاولة

أثناء ممارسة أعضاء لجنة المقاولة لمهامهم من خلال المشاركة في تدبير سير عمل لجنة المقاولة قد تعترضهم بعض الصعوبات، وفي بعض الأحيان قد يقومون بخروقات، لهذا وجب التطرق لحقوقهم (الفقرة الأولى) والالتزامات الملقاة على عاتقهم (الفقرة الثانية) وذلك بغية توضيح ما للأعضاء من حقوق وما عليهم من التزامات.

الفقرة الأولى: حقوق أعضاء لجنة المقاولة

المشرع المغربي لم يشر إلى الحقوق التي يمكن للأعضاء لجنة المقاولة التمتع بها باستثناء ما نص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة466 من مدونة الشغل، التي أوردت على أنه من حقهم التزود بجميع الوثائق والبيانات الضرورية والتي تمكنهم من القيام بالمهام الموكولة إليهم ، ونعلم أن أعضاء لجنة المقاولة إما مندوبين الأجراء منتخبين وإما ممثلين نقابين، وإما المشغل أو من ينوب عنه، هؤلاء جميعهم يتمتعون بمجموعة من الحقوق تتمثل أساسا في وضع مكان لاجتماعهم، وتخصيص أماكن بياناتهم كذلك ومنحهم الوقت لأداء مهامهم ، إعطاءهم أجرا عن ذلك، كل هذا مع تجريم المس أو محاولة المس بحرية انتخابهم، أو بأداء مهامهم بكيفية صحيحة ، هذا التدخل أي الجمع بين وظيفتين يطرح مجموعة من الإشكاليات خاصة فيما يتعلق الوقت الذي يتيحه المشغل لأجراء لأداء مهامهم هل يتقاضى في حالة القيام بمهام لصالح لجنة المقاولة ويأخذ عليه نفس الأجر الذي يقوم به في التمثيلية أم يتم منحه أجرين.
وتجدر الإشارة في أخر هذه الفقرة على أن كل من مندوبي الأجراء والممثلين النقابين يتمتعون بحماية قانونية خاصة من الجزاءات التأديبية التي تمتد إلى مركزهم القانوني داخل المقاولة بصفتهم أعضاء في اللجنة وليس بصفتهم مندوبين وممثلين، وبالتالي فان كل إجراء تأديبي عند الإنذار والتوبيخ يعتزم المشغل اتخاذه في حق أي عضو يكون باطلا ما لم يتعلق الأمر بارتكاب العضو لخطا جسيم .

الفقرة الثانية: التزامات أعضاء لجنة المقاولة

في مقابل الحقوق نجد الالتزامات وهذه الالتزامات تتمثل في الالتزام حفظ السر المهني ، حيث أن استشارتهم في الإستراتيجية الإنتاجية للمقاولة، وكذلك استشارتهم في مختلف الوسائل الكفيلة برفع المر دودية وتحسينها، فيتم إطلاعهم على كل البيانات والوثائق المتعلقة بسيرها العام على المستويين الاقتصادي والمالي، ويفرض عليهم المحافظة على كل ما يتفقون عليه من أسرار أثناء قيامهم بمهامهم، كما يجب عليهم في هذا الإطار ألا يقوموا بتأويل ما يمكن البوح به من عدمه، وبالتالي فنحن أمام علاقة تبادلية بين مدى الحق في المعلومة بالنسبة للجنة المقاولة وبين الالتزام بالسر المهني الذي يكون واجبا على أعضاءها .
وفي حالة مخالفة احد الأعضاء لهذا الالتزام، فان المخالف يتعرض إلى عقوبة من1000 إلى 2000درهم ، مع اعتبار هذا الإفشاء خطا جسيم، إذ ينتج عنه ضررا للمقاولة قد يؤدي إلى الفصل .
كما أن عدم احترام عضو لجنة المقاولة لهذا الالتزام في المؤسسات الصناعية لا يثير فقط مسؤوليته المدنية بل أيضا مسؤوليته الجنائية.

خاتمة :

من خلال هذه القراءة يتضح مدى النقص الذي يعتري القسم الثالث من الكتاب الثالث المخصص للجنة المقاولة، والذي ستفرز معه الممارسة فيما بعد جوانب أخرى لم يقع التنبه لها في هذه القراءة، ومع ذلك فان إخراج هذه اللجنة إلى حيز الوجود يعتبر ايجابيا في حد ذاته وتبقى إمكانية تدارك النقص الذي يعتريه وارد .
ومع ما لهذه اللجنة من أهمية فان هناك بعض أرباب العمل الذين قد يعارضون فكرة إحداثها، ويتخوفون من هذه الشراكة ويعتبرونها تدخلا في شؤونهم الخاصة .
والواقع أن استساغة فكرة إحداث هذه المؤسسة تتطلب توعية كبرى، وتفهما لحدود اختصاصات كل طرف على حده، فإما أن تتوج بتعاون بناء بين الأجراء والمؤاجرين، وإما أنها ستتحول إلى مواجهة دائمة ومستمرة.
كما أن نجاح هذه المؤسسة رهبن بكيفية فهم الطرفين لهذه الشراكة الاجتماعية، وفي تقبل اختصاص كل طرف، وفي الانسجام الذي يمكن أن يسود أطراف هذه العلاقة بشان الأهداف، والتي نراها في الدفاع قبل كل شئ عن المصلحة المشتركة للمقاولة على غرار ما أقدم عليه المشرع المغربي في مدونة التجارة عندما أحدث المسطرة الودية والتسوية والتصفية القضائية والتي راعى فيها الحفاظ على مناصب الشغل ومد المقاولة بالعلاج اللازم، لان في الحفاظ عليها حفاظ على مناصب الشغل والاقتصاد الوطني في نفس الوقت.
ولذلك ينبغي أن لايفهم من إحداث هذه اللجنة أنها جاءت للمس بسلطة رب العمل، أو خلق جو من الصراع بينه وبين العاملين عنده، بل ينبغي النظر إليها كمتنفس جديد، وشراكة من نوع خاص لتحفيز العاملين في المقاولة وإشراكهم في كل ما يهم المقاولة من ربح أو خسارة، وان يكونوا على علم بكل ما يجري بها، والتعايش مع رب العمل، بنوع من الشفافية والنصح والإرشاد، وتقديم الخبرة التي يتوفرون عليها لشغلهم الذي بنجاحه ينجحون ويحققون الرفاهية التي ينشدونها .

لائحة المراجع:

الكتب باللغة العربية:
 أحمد حسن البردعي :”الوسيط في القانون الاجتماعي(قانون العمل
و التأمينات الاجتماعية)القاهرة،دار النهضة العربية 1992.
 عبد اللطيف الخالفي : “الوسيط في مدونة الشغل”،”علاقات الشغل الفردية”، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 2004.
 عبد اللطيف الخالفي:”الوسيط في مدونة الشغل”،”علاقات الشغل الجماعية”، الجزء الثاني،الطبعة الأولى، 2009.
 محمد سعيد بناني:”قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل”، علاقات الشغل الفردية، الجزء الرابع، المجلد الأول، الطبعة والسنة غير مذكورة.
 محمد سعيد بناني:”قانون الشغل في ضوء مدونة الشغل”، “علاقات الشغل الجماعية”، الجزء الثاني، المجلد الأول، الطبعة و السنة غير مذكورة.
 محمد بنحساين:”شروح في القانون المتعلق بمدونة الشغل”،الطبعة الثانية 2007.
 محمد الشرقاني:”علاقات الشغل بين تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل”،الطبعة الأولى 2003 .
 محمد علي عمران:”شرح قانون العمل و التأمينات الاجتماعية”، الطبعة الأولى 1970 .
الأطروحات والرسائل :
• ميمون الوكيلي :”المقاولة بين حرية التدبير ومبدأ استقرار الشغل،دراسة مقارنة” أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق،جامعة الحسن الثاني،عين الشق كلية الحقوق 2006-2007 .
• فاطمة الزهراء ابا تراب:”لجنة المقاولة بين التكوين والاختصاص،دراسة مقارنة”، رسالة لنيل دبلوم الماستر، المقاولة التجارية، جامعة الحسن الاول، 2011-2010.
المجلات:
 محمد برادة غزيول:” الإشكاليات التي تطرحها نصوص مدونة الشغل فيما يخص لجنة المقاولة “، المجلة الإلكترونية لندوات محاكم فاس، العدد الرابع، يونيو 2006.
 فوزية محمد أبو العيد: “التدريب وتنمية القوى العاملة”، مجلة للعلوم الاجتماعية والإنسانية، العدد6، لسنة 2006.
الندوات:
بلعيد كرومي:”لجنة المقاولة من خلال مقتضيات مدونة الشغل الجديدة”مداخلة ألقيت في ندوة حول مستجدات مدونة الشغل رقم99.65 بجامعة الحسن الثاني 23- 24 ابريل2004.
الكتب باللغة الفرنسية:
André Brun et Henri Galland : « Droit du travail, tome II, les rapports collectifs de travail»,1978.
Di Maggio : «Le bilan social des entreprises »,DS Mai 1977.
Gérard Couturier : « Droit du travail, les relations collectives de travail »DS juin 2002.
Jean savatier :« l’obligation de discrétion des membres du comité d’entreprise», DS Février 1985.
Marie Laure Marin : « Des titulaire du droit a la négociation collective », DS janvier 1988.
Raymond Soubie : « Observation sur l’évolution du comite d’entreprise » DS juin 1998.

التصميم:

 مـــقـــــدمـــــــــــــــــــة:
 المــــبحث الأول: الأحكام العامة للجنة المقاولة
 المطلب الأول: الإطار القانوني للجنة المقاولة
 الفقرة الأولى: الطبيعة القانونية للجنة المقاولة
 الفقرة الثانية: الأهلية القانونية للجنة المقاولة
 المطلب الثاني: تأسيس لجنة المقاولة
 الفقرة الأولى: شروط إحداث لجنة المقاولة
 الفقرة الثانية: مكونات لجنة المقاولة
 المبحث الثاني:الأحكام الخاصة للجنة المقاولة
 المطلب الأول: تنظيم سير عمل لجنة المقاولة
 الفـقــرة الأولــى: مهام لجنة المقاولة
 الفــقـرة الثـانـية: كيفية مزاولة لجنة المقاولة لمهامها
 المطلب الثاني: أثار العضوية داخل لجنة المقاولة
 الفـقــرة الأولــى: حقوق أعضاء لجنة المقاولة
 الفــقـرة الثـانـية: التزامات أعضاء لجنة المقاولة
 خــــــاتـــمـــــــــــــــــــــــــة :

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.