دور وسائل الدفع الإلكترونية في عمليات تبييض الأموال

الأسـتاذة لـعوارم وهيـبة / جامعة عبد الرحمان ميرة،بجاية

ملخص

تلـعب وسائل الدفع بصفة عامة دورا رئيسيا في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية ، وقد ارتبطت هذه الوسائل ارتباطا وثيقا بظهور حاجة الأفراد إلى وسيـط ملائم يمكنهم من تسـوية معاملاتهم والوفاء بالتزاماتهم ، إذ الـفرض أن جميع المعاملات التجارية تتضمن شكلا من أشكال الدفع .

و مع التطور المذهل الذي شهدته حياتنا المعاصرة على جميع الصعد،لا سـيما على الصعيد التقني ظهرت تقنيات جديدة لم تكن معروفة من قبل قدمت خدمات مهمة للإنسان، فيسرت عليه التعامل سيما على الصعيد المالي ولكن رغم أهمية هذه التقنيات وفائدتها إلا أنها لم تترك لتمارس دورها الإيجابي الذي وجدت من أجله بل أفرزت بعض المساوىء أهمها إستعمالها بشكل غير مشروع لغرض إرتكاب جريمة تبييض الأموال ،

Résumé

Les méthodes de paiement jouent généralement un rôle clé dans tous les aspects de la vie sociale, économique et juridique, ont été associés à ces méthodes est étroitement liée à l’émergence d’un besoin des individus de négocier une pratique qu’ils peuvent régler leurs transactions et remplir leurs obligations, puisque l’hypothèse que toutes les transactions d’affaire sin culent un mode de paiement.

Avec le développement étonnant vu dans notre vie contemporaine tous les niveaux, en particulier au niveau technique est apparu de nouvelles technologies n’étaient pas connus avant fourni des services importants pour les humains ,a facilité l’accort notamment sur ​​le plan budgétaire, mais en dépit de l’importance de ces technique set leur utilité, ils n’ont pas quitté d’exercer son rôle positif qui l’a trouvé elle sont produit quelques inconvénient s’être utilisés illégalement dans le but de commettre le crime de blanchiment d’argent,

مقدمة

تتحدد وسائل الدفع وتتنوع أشكالها تبعا لتطور النشاط الإقتصادي في المجتمع ، ففي ظل التجارة الصامتة ،حيث لا يوجد إتصال مباشر بين المتعاملين، ظـهرت المقايضة كوسيلة لتيسير التبادل بينهم، وفي مرحلة تالية إستخدم الأفراد صـورا مختلفة من السلع الوسيطة كوسيلة للدفع وتحديد القيمة ، إلى أن قادت مسيرة التطور إلى ظـهور النقود في صورتها الحالية ، فأحدثت طفرة في مجال التعاملات التجارية، وظـلت هذه النقود وسيلة الدفع الرئيسة والمفضلة لدى الأفراد في تسوية معاملاتهم خاصة صغيرة القيمة.

و بالنظر للتقدم المذهل الذي بلغته التكنولوجيا إدى إلى ظهور التجارة الإلكترونية، وما يتطلب ذلك من وسائل دفع إلكترونية .

وكأي جديد لم تحمل وسائل الدفع الإلكترونية في طياتها ميزات إيجابية فقط ، بل حملت معهامساويء وصلت إلى حد الإجرام ، فالتطور الذي شهدته التجارة رافقه تطور وسائل ارتكاب الجريمة من قبل المنظمات الاجرامية ،اذ حاولت هذه المنظمات تسخير كل الإمكانيات العلمية في سبيل ممارسة أنشطتهاغير المشروعة بقصد الحصول على اكبر قدر ممكن من الارباح وتبييض أموالها القذرة،ومن أهم هذه التقنيات والوسائل ، النقود الإلكترونية، التحويل الإلكتروني للنقود ،البنوك الإلكترونية أو الإفتراضية والكارت الذكي.

لذا سوف نتعرض في هذا المقام إلى :

دور النقود الإلكترونية في تبييض الأموال في مبحث أول،

دور التحويل البرقي للنقود في تبييض الأموال في مبحث ثان،

دور وسائل دفع أخرى في عمليات التبييض في مبحث ثالث.

المبحث الأول : دور النقود الإلكترونية في تبييض الأموال

النقد ظاهرة حضارية تتغير أشكاله ونماذجه تبعا لتطور المجتمعات، بعدما كان يستخدم نظام المقايضة، ومع ظهور التجارة الإلكترونية، ظهرت النقود الإلكترونية التي وفرت إمكانية إبرام الصفقات وتسوية قيمتها والشخص القائم بها موجود أمام حاسبه الإلكتروني وخفضت من نفقات إستخدام النقود التقليدية التي تحتاج إلى مصارف وموظفين وغيرها.

ظهرت فكرة النقود الإلكترونية في تسعينات القرن العشرين إنطلاقا من ضرورة تقليص التعامل

بالسيولة النقدية بإختزالها في وضعية رقمية يتم تخزينها في الحاسوب أو كرت ذكي يتم الحصول على الخدمات وإقتناء السلع بمجرد التعامل الرقمي دون حاجة لإبراز السيولة النقدية، فما المقصود بها وما علاقتها بجريمة تبييض الأموال ؟؟

للإجابة على هذا السؤال، سنتعرض ضمن هذا الـمبحث إلى كل من :

المقصود بالنقود الإلكترونية في مطلب أول ،

تأثير النقود الإلكترونية في جريمة تبييض الأموال في مطلب ثان.

المطلب الأول : المقصود بالنقود الإلكترونية

دأبـت الأدبيات الحديثة على إستخدام مصطلحات مختلفة للتعبير عن مفهوم النقود الإلكترونية ، فقد إستخدم البعض إصطلاح النقود الرقمية أو العملة الرقمية ، بينما إستخدم البعض الآخر مصطلح النقدية الإلكترونية .

وبغض النظر عن الاصطلاح المستخدم فإن هذه التعبيرات المختلفة تشير إلى مفهوم واحد وهو النقود الإلكترونية هذا المصطلح الذي سنستخدمه في هذه الدراسة لشيوع إستخدامه ودلالته في نفس الوقت على مضمون ومعنى هذه النقود.

وكما إختلف الفقهاء حول الإصطلاح ، فقد إختلفوا أيضا حول وضع تعريف محدد لها فقد أثير نقاشا بين الفقه ، فبينما أعطاها البعض تعريفا واسعا بإعتبارها ” مستودع للقيمة النقدية يحتفظ به بشكل رقمي بحيث يكون متاحا للتبـادل الفوري في المعاملات”، أو ” تلك النقود التي يتم تداولها عبر الوسائل الإلكترونية دون التمييز في ذلك بين وسائل الدفع الإلكتروني – الشيك والبطاقة البنكية – والنقود الإلكترونية ” ، أعطاها جانب آخر مدلول ضيق وإعتبرها” قيمة نقدية مخزنة على وسيلة إلكترونية مدفوعة مقدما غير مرتبطة بحساب بنكي ، وتحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها وتستعمل كآداة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة ” .

أو : ” أنها معالجة رقمية للمـدفوعات عبر الأنترنيت حيث تحل قيمة النقد محل السيولة النقدية، ويتم ذلك بإستخدام الحوسبة والرقمية بأشكالها المختلفة من حواسيب وهواتف نقالة وكروت ذكية أو أية وسيلة أخرى تحتوي على ذاكرة حاسوبية وقدرات تشفيرية ” .

ومن وجهة نظرنا فإن النقود الإلكترونية عبارة عن القيمة النقدية لعملة إلكترونية تتم بلإستخدام جهاز إلكتروني تؤدي نفس وظائف النقود التقليدية.

من خلال التعاريف السابقة، يمكن تحديد خصائص تتمتع بها هذه النقود و التي تتمثل في:

1 – قيمـة نقدية مخزنة إلكترونيا،

2 – ثنائية الأبعاد إذ يتم نقلها من المستهلك إلى التاجر دون الحاجة لوجود طرف ثالث بينهما كمصدر هذه النقود مثلا،

3 – ليست متجانسة حيث يقوم كل مصدر بخلق و إصدار نقود إلكترونية مختلفة من ناحية القيمة أو عدد السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بها،

4 – سهلة الحمل و الاستعمال نظرا إلى صغر حجمها وخفة وزنها ،

5 – مـعرضة لأخطار وقوع أخطاء بشرية وتكنولوجية،

6 – تعد نقودا خاصة فيتم إصدارها عن طريق شركات أو مؤسسات خاصة.

7 – إستخدامها يؤدي إلى تحقيق سرعة تسوية المدفوعات و سهولتها وتقليص الحاجة إلى الإحتفاظ بالنقود السائلة .

ولما كان إستخدام هذا النوع من النقود يعتمد بالدرجة الأولى على أجهزة الكمبيوتر والتي قد تتعطل سواء هذا العطل مقصودا نتيجة أعمال جرمية أو عطلا تلقائيا وفي هذه الحالة يصبح من المستحيل مراقبة العمليات التي تتم بإستخدام النقود الإلكترونية ومن ثم يخلق المجال واسعا إرتكاب جريمة التبييض،لذا سنتعرض لمدى تأثيرها في هذه الجريمة.

المطلب الثاني : تأثير النقود الإلكترونية في جريمة تبييض الأموال

في الواقع إن النقود الإلكترونية تتشابه مع النقود العادية في صلاحية كلا منها كوسيلة

للدفع، علاوة على تمتعها بقدر واسع من القبول وإن كانت العادية منها تتمتع بقبول أكثر نظرا لحداثة الأولى و اعتمادها على تكنولوجيا متقدمة، ومن ميزات هذه النقود أنها سهلة الحمل والاستخدام لخفة وزنها وصغر حجمها، فهي خطوة إيجابية في تقدم الحياة الاقتصادية، لكن وللأسف فمجرمي تبييض الأموال لم يرحموا هذه التقنية ولم يتركوها تؤدي الغرض الذي وجدت من أجله، لذا سوف تكون دراستنا لهذا المطلب من زاويتين :

1- النقود الإلكترونية تسهل ارتكاب تبييض الأموال،

2- النقود الإلكترونية توسع محل جريمة تبييض الأموال .

1. النقود الإلكترونية تسهل إرتكاب جريمة تبييض الأموال

إن التكنولوجيا الحديثة واعدة في إحداث ثورة في الممارسات والنظم المصرفية الحالية، ومع نجاح إستخدام هذه التكنولوجيا تزداد بشدة فرص نجاح مبيضوا الأموال في القيام بعملياتهم المشبوهة، إذ يتم التعامل بالنقود الإلكترونية دون الحاجة إلى ظهور الهوية الحقيقية للمتعاملين مما يخلق فرصة لدى المبيضون لإستخدامها في جرائمهم، كما أن طابع السرية الذي تتميز به هذه النقود يجعل مهمة السلطات المختصة بمراقبة الجريمة مهمة صعبة، لصعوبة مراقبة السجلات والعمليات المالية التي تتم بإستخدامها.

إذ تعد النقود الإلكترونية وسيلة مثالية لإختزان قيمة نقدية لأموال متحصلة من مصدر غير مشروع تمهيدا لتبييضها، وهنا يبرز الجانب السلبي لهذه الوسيلة المتطورة من وسائل الدفع، بحيث تتحول إلى وسيلة لارتكاب الجريمة على إعتبارأن مراقبتها في غاية الصعوبة،فهي ليست مادية محسوسة يمكن مراقبة حركتها، و لا تظهر الهوية الحقيقية للمتعاملين بها، وبهذه الطريقة يستطيع المجرم القيام بما يشاء من العمليات المالية للوصول إلى غايته الحقيقية في إخفاء حقيقة أمواله غير المشروعة إذن توجد إمكانية كبيرة لتبييض الأموال بإستخدام النقد الرقمي من خلال مرحلتي الإيداع والدمج ، ففي المرحة الأولى يبدأ حائز المال المراد تبييضه بتدوير هذا المال عن طـريق إيداعه في المؤسسة المالية، سـواء في العالم المادي أو الإفتراضي بطريقة الإيـداع الرقمي، وبذلك يتفادى القيود المحـاسبية الورقية ، وفي مرحلة الدمج يقوم الحائز بإجراء تحـويلات رقمية إلى دول ليس فيها عمـليات تبييض الأموال، ثم يعـيد تحويلها إلى أماكن أخرى وإدخالها في حركة الإقتصاد العالمي دون أن تتعرض لخطر كشف مصدرها الحقيقي .

وهكذا نجد أن النقود الإلكترونية هي وسيلة من الوسائل التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة من أجل تسوية المعاملات التجارية والمالية دون الحاجة لوجود النقود السائلة التقليدية، وتتمتع هذه النقود بعدد من الميزات التي تمكن أصحاب الأموال غير المشروعة من إستخدامها كوسيلة لإرتكاب جريمة تبييض الأموال، وهنا يظهر خطر إستخدام هذه النقود بشكل غير مشروع بقصد إرتكاب هذه الجريمة خلافا للغاية الحقيقية التي وجدت من أجلها.

ومن جهة أخرى فمن المعروف أن المصارف المركزية تؤدي دورا لا يستهان به في منع إرتكاب جريمة التبييض وذلك

من خلال مراقبتها للأسواق المالية، وهذا يبرز خطر نمو النقود الإلكترونية التي تؤدي دون شك إلى التأثير في ميزانية

المصارف المركزية، ومن ثم تقلص هذه الميزانية بسبب إنخفاض القاعدة النقدية، وهذا يفقد المصارف المركزية قدرتها على مراقبة الأسواق النقدية.

وإلى جانب هذا الدور للنقود الإلكترونية فإنها تؤثر أيضا في جريمة تبييض الأموال من خلال تأمين الأموال غير المشروعة محل التبييض كما يلي:

2. النقود الإلكترونية توسع محل جريمة تبييض الأموال

يتمثل محل جريمة تبييض الأموال في الأموال غير المشروعة الناتجة عن إرتكاب الجرائم، وقد تساعد النقود الإلكترونية في تأمـين هذه الأموال غير المشروعة التي تحتاج إلى التـبييض، فمثلا يؤدي إستخدام هذه النقود إلى زيادة حالات التهرب الضريبي حيث يصعب على الجهات المكلفة بتحصيل الضرائب مراقبة الصفقات التي تتم عبر شبكة الانترنيت باستخدام هذه النقود، ويصعب من ثم فرض الـضرائب عليها، ولا شك أن الأموال التي تنتج عن التهرب الضريبي تعد أموالا غير مشروعة تحتاج إلى التبييض ، ومن جهة أخرى فإن طبيعة النقود الإلكترونية الخاصة تجعل من الصعب التحقق من صحتها عند إبرام الصفقات، فقد يكشف بعد إتمام الصفقة أن النقود الإلكترونية التي سويت بها هذه الصفقة مزيفة، ومن ثم فإن الأموال الناتجة عنها هي أموال غير مشروعة تحتاج إلى التبييض، ويضاف إلى ذلك أيضا أنه توجد إمكانية حقيقية لاستخراج نسخ مزيفة من النقود الإلكترونية من خلال معرفة تفاصيل النقود الإلكترونية الأصلية، وإذا تحقق ذلك فإن هذه النقود تعد أموالا غير مشروعة.

كما أن هذه النقود معرضة للسرقة من خلال الدخول غير المشروع إلى أجهزة وأنظمة الحساب الشخصي المحفوظة على أجهزة الكمبيوتر عن طريق ما يعرف بفك التشفير غير المشروع ، وهذه السرقة لا تختلف عن سرقة النقود التقليدية فحصيلة كل من السرقتين تعد أموالا غير مشروعة .

المبحث الثاني : دور التحويل الإلكتروني للنقود Wire Transfer في عمليات تبييض الأموال

ظهر في الـحقبة الأخيرة وبخاصة بعد إندلاع ثـورة تقنيات الإتصالات مجموعة من الخدمات التي تقدمها المصارف المحلية والدولية لزبائنها ، وهي تستعين في توصيل هذه الخدمات بشبكة الأنترنيت ، وتهدف البنوك من إستعمال هذه التقنيات إلى خدمة زبائنها وتسهيل تنفيذ إجراء العمليات المصرفية المختلفة، كتحويل الأموال، ومما لاشك فيه أن تـحويل الأموال ضمن جريمة تبييض الأموال من خـلال الأنترنيت يضمن السـرية لهذه المعاملات ولهذه الصورة أهمـية خاصة من حيث تدويل جـريمة تبييض الأموال والملاحقة الجـنائية للمصرف الذي يقوم بالتحويل، الأمر الذي أدى إلى ظهور ظاهرة التحويل الإلكتروني للنقود عبر الأنترنيت، لذا سوف نتطرق إلى :

– التحويل الإلكتروني للنقود كنشاط إجرامي في مطلب أول ،

– أنظمة التحويل الإلكتروني للنقود وعلاقتها مع جريمة تبييض الأموال في مطلب ثان .

المطلب الأول : التحويل الإلكتروني للنقود كنشاط إجرامي

هناك صعوبات تعترض الملاحقة الجنائية لمبيضي الأموال متى تمت هذه التحويلات بطريق إلكتروني أو البرقي، ذلك أنه يمكن شل فاعلية أكثر النظم المعقدة التي تتعلق بالإبلاغ عن الودائع المحلية عن طريق سهل- إلى حد ما – يتمثل في تبييض الأموال المتحصلة من هذا النشاط بإخراجها من البلاد بطريق التحويلات البرقية، ولذلك تصنف هذه الطريقة بوصفها الطريقة الأولى لدى المبيضين في سلوكهم الإجرامي.

وحقيقة السلوك الإجرامي في هذه الحالة تتمثل في أن الجناة وبعد إيداع أموالهم لدى البنوك بطريقة آمنة في البنك، يقومون بتحويلها برقيا إلى حسابات شركات وهمية خارج الدولة في بلدان تمارس هذا النشاط من ذلك بنما، وجزر الكايمن .

ونظرا لوجود قوانين تتعلق بالسرية المصرفية في هذه البلدان، فإنه من المستحيل تعقب النقود، ويصبح مبيض الأموال في مأمن،يمارس حياته حرا طليقا، وفي هذه الحالة يمكن إستخدام النقود النظيفة لدفع مقابل شحنة الكوكايين التالية لتمويل إحتياجات الحياة الخرافية التي يحياها ملوك المخدرات والكوكايين أو لشراء عقارات في أي مكان بالعالم،ويحصل مبيضو الأموال على نسبة لا تقل عن 3 بالمائة من قيمة الصفقة في صورة عمولة، وليس من المستغرب أن تجد بعض المصارف تمارس هذا النشاط .

وحسب النظام البرقي للتحويلات النقدية فإن كثيرا من البنوك ليست أعضاء في نظام يسمى Fedwire وعدد قليل منهم عضوا في نظام Chips أو ما يطلق عليه Clearing House For International Payement System وهو عبارة عن عملية غرفة مقاصة للتسوية في نهاية اليوم، ويترتب على ذلك أنه يجب على معظم البنوك إستخدام نظام يسمى Swift وذلك لأجل التصريح بإجراء المعاملات المالية برقيا ، أي إستخدام نظام المراسلة لإتمام عملية التحويل Society ForwordwhdeInternatinal Financial Telecommunication وتسمى إختصاراSwhift.

ووفـقا لنظام سويفت فإن البنك الذي يقوم بتنفيذ التحويل لا يعلم الغرض من عملية التحويل ذاتها ذلك أن البنك المصرح هو وحده الذي يقع عليه واجب التحري عن غرض العميل من هذا الإستخدام، وعليه فإن التحويلات الصادرة من بنوك أجنبية غالبا ما تكون خالية من إسم العميل المنشيء إذ تقتصر على ذكر عبارة ” إن عميلنا يرغب في تحويل … إلى عميلكم” .

المطلب الثاني : أنظمة التحويل الإلكتروني للنقود وعلاقتها مع جريمة تبييض الأموال

إن نظام التحويل البرقي أو الإلكتروني للنقود ثلاثة :الأول وهو نظام الفيدواير Fedwire، هو نظام التحويلات البرقية المحلية، فوري لايقبل الرجوع فيه، والثاني هو نظام الشيبس Chips و يعني غرفة المقاصة لنظام الدفع الدولي تسوى في نهاية اليوم،يستخدم في التحويلات البرقية الدولية، أما الثالث فهو نظان سويفت Swift وهو يعني كما سبق جمعية الإتصالات السلكية واللاسلكية المالية الدولية عبر العالم،وهذاإختصارالـSociety ForwordwhdeInternatinal Financial Telecommunication.

والنظامان الأول والثاني يعدان من الآليات الفعلية لتسوية وإتمام التحويلات ، على حين أن النظام الثالث، يحرر جهاز للرسائل و يستخدم للإخطار في شأن التحرك الفعلي للأموال أو التصريح به،وذلك ما قد يتم في نهاية الأمر بإستخدام نظام Fedwire أو نظام Chips.

وبالنظر إلى أن كل التسويات تتم بالدولار الأمريكي في الولايات المتحدة ، فإن نظام رسالة Swift غالبا ما يستخدم للتصريح بالمعاملات البرقية ، وهناك حوالي 80 بالمائة من تحويلات Chips يتم التصريح بها من خلال رسائل.

ويقوم غاسلو الأموال بعد إيداع النقود – بشكل قانوني كما سبق – لدى أحد البنوك ، بتحويلها برقيا مرة أخرى إلى حساب إحدى شركات المراجعة في دولة ما خارج دولتهم التي تطبق نظام السرية المصرفية، ثم تقوم شركات المراجعة بالإقتراض من أحد البنوك بضمان ما سبق إيداعه بحسابها، وذلك بغرض إعادة الأموال مرة أخرى إلى المهربين ، لكن بعد تمام تدويرها وتبييضها، حيث لا يسمح لأحد بالإطلاع على دفاتر المصارف أو الكشف عن حقيقة عملاء هذا البنك أو تتبع الحسابات داخل البنوك.

وواضح مما تقدم أن الجناة يستخدمون البنوك المراسلة في عملية التبييض ذلك أنها لا تدرى عن الغرض التجاري من تحويل هذه النقود، ولذلك يرى جانب من الفقه القانوني أن البنك المصرح وحده – الآمر بالتحويل – هو الذي تقع عليه مسؤولية فهم إستخدام أموال العميل.

وتبدو خطورة التحويل البرقي للنقود، أن مبيضي الأموال قد إستغلوا قيام سلطات مكافحة تبييض الأموال التي تتم بطريقة مادية كإنشاء شركات واجهة أو تبييض الأموال في حقل المناسبات الرياضية أو حفلات الزفاف أو الحفلات الغنائية وغيرها ، وقام الجناة في جريمة تبييض الأموال بإعتماد التحويلات النقدية البرقية كوسيلة لتبييض الأموال، وهي وسيلة لا تسمح بالتعرف على طبيعة العملية موضوع التحويل ويتدخل في إتمامها أكثر من بنك مراسل correspondant bank، حتى أن البنك المراسل أو البنك الأخير نفسه لا يدري شيئا عن موضوع العملية ، وذلك بالنظر للسرعة الفائقة التي تتم بها عمليات التحويل البرقي للنقود ، وهو ما يشجع مبيضو الأموال على إستخدام هذه الوسيلة لنقل أموالهم عبر المؤسسات المالية.

وقد أدرك ملوك المخدرات هذه الثغرة في المعلومات لذلك فقد قاموا بنقل عملياتهم المتعلقة بتبييض الموال، من الولايات المتحدة على سبيل المثال إلى الخارج، حيث يمكنهم إيداع النقود من دون أن تعلم أسماؤهم وذلك لدى البنوك ثم يرسلونها برقيا من إحدى الشركات إلى الأخرى ، في حين أن النقود يمكن أن تحول ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الواقع أنها كانت في العادة تحول من خلال عدد كاف من العمليات المعقدة ، بحيث يتم تبييضها بنجاح قبل وصولها إلى النقطة المرسلة إليها في الولايات المتحدة ، وبالإضافة إلى ما سبق فإنه كان يتم كذلك إقامة شركات خارج الولايات المتحدة الأمريكية وتشغيلها بالأموال القذرة فيتم تبييضها من خلال ذلك ثم تفرض كنقود نظيفة ثانية إلى المجرمين الأصليين في الولايات المتحدة.

وقد يحدث أن يمون البنك المتلقي لأمر التحويل من البنوك الصغيرة ، كذلك فإنه سوف يستعين ببنك مراسل يعمل كوسيط لإستكمال تنفيذ أمر التحويل في بلد آخر ، ومما لا شك فيه أن إستخدام البنك المراسل يضيف صعوبة بالنسبة لعملية مكافحة تبييض الأموال، بل يزداد المر تعقيدا في حالة ما إن كان البنك المراسل نفسه ليس عضوا في إحدى شبكات التحويل البرقي لأن البنك الوسيط سوف يستعين هو الآخر ، ببنك آخر يكون عضوا في الشبكة .

ويرى جانب من الفقه القانوني أن محاولات غسيل الأموال عن طريق التحويل البرقي للنقود يمكن مكافحته بوسيلة أو أكثر مما يلي :

أولا : إشتراط وجود سجل أو تقرير لدى المؤسسة المالية التي يصدر عنها التحويل البرقي الدولي للأموال لعميل ما.

ثانيا : وضع شرط مؤداه أن تحتوي جميع وسائل التحويل البرقي الدولية على معلومات الغير مثل أرقام الحسابات والعناوين وأسماء منشيء التحويل أو المستفيد من المدفوعات .

ثالثا :إشتراط أن تطبق المؤسسات المالية ، قبل إجراء الدفعات الدولية لحساب العميل ، سواء من خلال تحويلات في صورة قيود في الدفاتر أم من خلال تحويلات برقية دولية للأموال وبعبارة أخرى تطبيق قاعدة إعرف عميلك دوليا بدلا من إقتصار تطبيقها على دولة بعينها ، وحسب اللوائح المنظمة للبنوك في الولايات المتحدة الأمريكية ، الإحتفاظ بالسجلات تقيد فيها كل عملية تحويل برقي للنقود تزيد قيمتها عن عشرة آلاف دولار ، وهذا الإلتزام مقرر على عاتق البنك المصدر أو المنشيء للمعاملة البنكية وكذلك بنك المستفيد .

وهذا التنظيم القانوني للتحويلات البرقية تم بموجب الفصل 4A من التقنين التجاري الموحد، والذي لا يلزم وضع معلومات عن المستفيد من أوامر التحويل ، الأمر الذي قد ينذر بإمكانية حصول غش في أوامر التحويل الإلكتروني للنقود.

ولمعالجة هذا الوضع أًصدر بنك الإحتياطي الفدرالي الأمريكي في 03 جانفي 1995 لوائح وتعليمات بهدف التوفيق بين إعتبارين هامين، اولهما تلبية حاجة السلطات المختصة في إيجاد وسائل فعالة لتعقب عمليات التحويل البرقي المشكوك في أمرها وثانيهما الإبقاء على الكفاءة والسرعة الازمة للعمليات المصرفية ، وقد بدأ سريان هذه اللوائح إعتبارا من الأول من جانفي 1996.

ولمؤازرة ولتأكيد أهمية الحصول على المعلومات التي تتعلق بهوية المرسل في عملية التحويل البرقي فقد إبتكرتSwift نموذجا جديدا MTI 03والذي بدأ العمل به إعتبارا من نوفمبر 1997، ويعمل هذا النموذج في ظل نظام بث معين ، كما يحتوي على البيانات المتعلقة بالمرسل والمتلقي أو المستفيد ، كما أصدرت Swift دليل إرشادات للبنوك والمؤسسات المالية لكيفية إستخدام نظام التحويلات البرقية.

المبحث الثالث : دور وسائل دفع أخرى إلكترونية في تبييض الأموال

نتيجة لتضخم حجم المعاملات التجارية وتعدد مجالاتها ، بالإضافة إلى تزايد المخاطر الإقتصادية والقانونية المرتبطة

بإصدار النقود الإئتمانية ،فقد ظهرت الحاجة إلى ظهور وسائل دفع جديدة تكفل تيسير إنتقال وتداول رؤوس الأموال بشكل آمن وسريع، ولهذا ظهرت نقود الودائع كوسيلة دفع تتناسب مع المعاملات التجارية كبيرة القيمة .

وقد تزايدت أهمية وسائل الدفع مع بداية التحول إلى عصر المعلوماتية وما أحدثه من تغـيير في مجال العمل التجاري، فقد أدى إستخدام شبـكات الحاسب الآلي في إبرام التصرفات إلى ظهور شـكل جديد من أشكال المعامـلات التجارية أطلق عليه التجارة الإلكترونية ، وقد إستلزم ظهور هذا النمط الجديد من أنماط النشاط التجاري إحداث تطـوير مماثل في مجال الخدمات المصرفية لإيجاد وسائل دفع إلكترونية تتماشى مع الطبيعة الإفتراضية أو الامادية للتـجارة الإلكترونية ، فنجاح هذا النوع من المعاملات مرهون بإيجاد وسائل دفع تكفل أقصى درجات الأمان الملائمة من الناحيتين الفنية والقانونية، حيث ينبني عليها ثقة المستهلك، ومن وراء ذلك صرح التجارة الإلكترونية برمته، فقد ظهر مايسمى بالبنوك الإفتراضية، الكارت الذكي وحافظة النقود الإلكترونية.

المطلب الأول : بنوك الإنترنت

هي من أخطر الوسائل التكنولوجية الحديثة ما يعرف بنظام E.Banking أو البنوك عبر الأنترنيت ، وهي في الواقع ليست بنوكا بالمعنى الفني الشائع والمألوف، إذ هي لا تقوم بقبول الودائع مثلا أو تقدم التسهيلات المصرفية أو غيرها من العمليات المصرفية المعتادة ، لكنها عبارة عن وسيط في القيام ببعض العمليات المالية وعمليات البيوع، حيث يقوم المتعامل مع هذا النظام بإدخال الشفرة السرية من أرقام او خلافه وطباعتها على الكمبيوتر، ومن ثم يستطيع تحويل الأموال بالطريق التي يأمر بها الجهاز.

1. كيفية عملها :

إن هذا البنك يقدم خدمة بنكية ممتازة عن بعد، وفي جميع الأوقات ، وطوال أيام الأسبوع بلا إنقطاع ، وذلك بإستخدام الإتصال التليفوني عن طريق الأنترنيت حيث يقوم العميل من محل إقامته أو من سيارته أو من مكتبه بطلب رقم معين، ويقوم جهاز خاص محمول ، عليه برنامج معلومات بالرد عليه، ويطلب منه إدخال الرقم السري ، الذي سبق أن أعطاه البنك له، ثم يقوم هذا الجهاز بتحويل المكالمة إلى موظف يطلق عليه – خادم العملاء – يوجد داخل مـركز الإتصال ، وفي هذه اللحظة تظهر صورة العمـيل الحية على شاشة الكمـبيوتر الموجود أمام الموظف، كما تـظهر صفحة بها كل البيانات هذا العميل ، ويحصل على الخدمة التي يريدها فورا.

ورغم حداثة البنك المحمول،إلا أنه ثبت أن هذا البنك يحقق أرباحا تعادل ستة أضعاف ما يحققه البنك في تعاملاته التقليدية، لإستخدامه التكنولوجيا لتحسين علاقات وتوسيع مجال تعاملاته مع العملاء، وذلك عن طريق التعامل مع البيانات الشخصية التي لديه عن طريق العـميل بطريقة ذكية لكي يقوم بتسويق خدمات من نوع جديد للعـملاء لم تكن تدخل من قبل في إطار الخدمات البنكية.

وعلى سبيل المثال لو كانت بيانات العميل تشير إلى أن لديه إبنا قد بلغ سن الزواج فإن البنك المحمول يستخدم هذه المعلومة تلقائيا ويعرض على العميل عروضا جديدة مثل شراء سيارته لإبنه أو شراء شقة لزواجه، أو حتى الحصول على وثيقة تأمين بإسمه .

وقد يعرض عليه البنك تمويل دراسة الإبن بعد التخرج وحتى الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، وهذا الأسلوب يوسع من نشاط الإبن أو يزيد أرباحه بدرجة كبيرة من خلال التعامل الذكي مع البيانات الشخصية للعملاء الأمر الذي يساعد على إشباع معظم إحتياجات العملاء، ويضمن رضاءهم عن البنك و إستمرار تعاملهم معه .

وهذا البنك المحمول له مزايا ومخاطر ، ومن أهم مزاياه أنه يخفف كثيرا من التكاليف عن عاتق البنك ذلك أن يرفع عن البنك عبء فروع جديدة وكثيرة في أماكن مختلفة داخل أو خارج الدولة،وذلك لأجل تقديم الخدمة إلى عدد كبير من العملاء،والقضاء على الزحام الشديد أمام المقر الرئيسي للبنك ، وذلك لأن نظام البنك المحمول ينقل البنك وخدماته المتنوعة إلى كل عميل حيثما كان، كما أن هذا البنك يحقق وفرا في الوقت والجهد .

وقد أثبتت التجارب الدولية أن الدول التي إنتشرت فيها هذه النوعية من البنوك، قد قامت البنوك الكبرى لديها بإغلاق معظم فروعها بسبب إعتماد الخبراء والمختصين على شبكة الانترنيت ، ومن ثم إعتماد النظام البنكي الجديد .

كما يوفر هذا النظام البنكي الجديد مزيدا من الراحة للعملاء حيث يوفر عليهم عبء الذهاب إلى مقر البنك للحصول على الخدمة ، كما يوفر له الوقت ويتيح له خدمات جديدة كسداد فواتير السلع والخدمات التي يحصل عنها دون عناء ، والخدمات الجديدة الأخرى التي قد تتناسب مع ظروفه ، كما يحقق سرية الحسابات التي يرغب فيها عدد كبير من العملاء.

2. علاقة البنك مع تبييض الأموال

فبنوك الأنترنيت تتيح لمبيضي الأموال نقل أو تحويل كميات ضخمة من الأموال بسرعة وأمان ، فهذه البنوك تعمل في محيط من السرية الشاملة ، إذ لا يكون المتعاملون فيها مـعلومي الهوية ، أضف إلى ذلك أن هذه البنوك غير خاضـعة لأية لوائح أو قوانين رقابية ،ويرتفع الأمر إلى أقصى درجات الخـطورة إذا علمنا أن الحدود الوطنية ليست عائـقا أمام إجراء أي حجم من المعاملات المالية عن طريق هذه البنوك بطريقة فورية ودون إمكانية تعقبها.

ومن مخاطر هذا النظام، أمكن للجناة في جريمة تبييض الأموال القيام بمرحلتي الترقيد والإدماج بطريقة أكثر يسرا وسهولة ، فهذه الوسيلة التكنولوجية الحديثة تمكن مبيضو الأموال من تحويل أرصدتهم عدة مرات يوميا في أكثر من بنك عبر العالم ، ومع ذلك يكون تعقبهم أو كشف أمرهم شيئا مستحيلا ، ومما يزيد من الأمر خطورة أن البنوك عبر الانترنيت يمكن أن تعمل لفترات طويلة مع الانتقال دوريا خارج الحدود الوطنية ، ودون أن تتوقف وذلك من خلال بعض لرسائل الإلكترونية السريعة وذلك بهدف تجنب اي ملاحقة أو إنفضاح أمرها .

ويضاف إلى مخاطر البنك المحمول في شأن جريمة تبييض الأموال ، مخاطر أخرى تتعلق بالتكنولوجيا الجديدة ، ذلك أن هناك أخطار محتملة من جراء التكامل بنظام البنك المحمول ومنها المخاطر الناجمة عن إتساع الهوة في علاقة الـبنك بالعميل ، وما يمكن أن يترتب عليه من عمليات إقتراض دون ضمانات كافية، وكذلك إمكانية تعرض البنوك لعمليات نصب ، ذلك أن الخدمة البنكية عبر الأنترنيت من الصعب مراقبتها بصورة دقيقة ، وهناك كذلك تأثيره على الإقتصاد القومي من جانب حجم السيولة في الإقتصاد ذلك أن نظام البنك المحمول يعطي العميل فرصة لأن يقوم بتحويل أمواله وبأي مبالغ بمجرد أن يضغط على زر الكمبيوتر أو التليفون ،خارج حدود الدولة ، وذلك إلى دولة أخرى أو بالعكس ، وفي هذه الحالة يكون من الصعب على البنك المركزي مراقبة حجم السيولة في هذه الحالة ، الأمر الذي يجعل الدولة معرضة للتأثير بأزمات السيولة النقدية ، سواء كان ذلك بالزيادة أو بالنقصان.

ونظرا لخطورة موضوع بنوك الأنترنيت فقد إهتمت الحكومة الأمريكية به ،وفي عام 1993 إقترحت خطة لإنشاء نظام Encryption موحد على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية يعرف بإسمChipper-Chip وذلك لأجل تعميمه على جميع أجهزة الحاسب الآلي التي تقوم بنقل البيانات، وبمقتضى هذا النظام يمكن السماح لإشارات encreption بالمرور عبر الأنترنيت وبحيث تحتفظ الحكومة الفدرالية بمفتاح لفك الشفرة للعمليات المشكوك في أمرها ، والتي تمر عبر شبكة الأنترنيت ، ولكن هذه الخطة فشلت فجأة لقيام شخص أمريكي بإبتكار برنامج آخر يطلق عليه إختصاراPGP أي Pretty Good Privacy وهو ما يعني نظام الخصوصية الحاكم ، وهو نظام لا يمكن لأي شخص أو الحكومة الفيدرالية نفسها فك رموزه ، ولقد إنتشر البرنامج بصورة كبيرة في جميع أنحاء العالم على الأنترنيت.

يذكر كذلك أن الحكومة الأمريكية كانت قد أنشأت قوة عمل حتى تتعامل مع هذه المشكلة وتواجهها ، ويمكن لهذه القوة التعامل والتعاون مع الهيئات الصناعية المختلفة من أجل إيجاد وسائل بديلة فعالة لفك رموز PGP ولكن هذه الجهود لم تنجح حتى الآن.

وإذا كان الأمر كذلك ، فمعنى هذا أن الفرصة لا زالت سانحة لمبيضي الأموال في ممارسة نشاطهم عن طريق بنوك الأنترنيت دون خوف لأن تقوم الأجهزة الحكومية بتتبعهم، لعدم وجود القدرة المعلوماتية على ذلك ، وحتى إن وجدت فالمجرم المعلوماتي يطور نفسه بصورة سريعة ومتلاحقة على نحو يحدث إرباكا لأجهزة العدالة الجنائية .

المطلب الثاني : البطاقة الذكية أو الكرت الذكي : Smard Card

كانت البطاقات الذكية محل إهتمام وتطوير على مدى أكثر من عشرين عاما، ومنذ سنوات قليلة مضت، كانت تكنولوجيا الحاسب الآلي والذاكرة كبيرة للغاية ، تتسم بالتكلفة العالية وعدم المرونة متى أريد خفض أحجامها إلى حجم البطاقة الإلكترونية ، وذلك خلال السنوات الماضية، حيث وصل هذا التطور إلى نقطة أصبحت معها البطاقة الذكية حقيقة عملية، وقد نجم شركة AT&T كرائدة عالية في تكنولوجيا البطاقات الذكية التي طرحتها في حجم يماثل بطاقة الإئتمان تقريبا، إلا أنها تحتوي على معالج دقيق وذاكرة مصاحبة له Associated Memory وهي مزودة بنظام آمان فريد خاص لحمايتها ضد إستخدامها من الأشخاص غير المرخص لهم.

وهذا الأسلوب التكنولوجي والذي يعرف بإسمSmart Card هي تكنولوجيا نشأت في إنجليتراوإمتد العمل بها في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويعتبر الكارت الذكي كثير الشبه بكارت الدين Debit Card والفارق بينهما أن الكـارت الذكي يقوم بصـرف النقود التي كان قد سبـق تحميلها من العميل مباشرة إلى القرص المغناطيسي عن طـريق

ماكينة تحويل آلية Automatic transfer machine ويشار له إصطلاحا بـATM أو عن طريق أي تليفون معد لهذا الغرض .

1. كيفية عملها

هذه البطاقات تعمل بطريقة مبسطة ، فهي تعمل دون تلامس، بمعنى أن الإلكترونيات مغلقة تماما في نطاق البطاقة لكنها محصورة بين شريحتين رقيقتين من اللدائن.

تحمل البطاقة صفحات عديدة من المعلومات الشخصية لمستخدم البطاقة ، ويتم إنتقال البيانات بين البطاقة ومركز القراءة/ الكتابة ، بمجرد إدخال البطاقة في المركز الخاص بالمعاملة المصرفية ،لذلك فهي قريبة الشبه كثيرا ببطاقة الصرف الإلكتروني القياسية .

وهذه البطاقة الذكية تتسم بأنها قوية ومتينة وتقاوم عوامل التلف، ولا يتطلب إنتقال البيانات والمعلومات منها أو إليها تلامسها معدنيا كالبطاقات الذكية الأخرى، لذلك أن التجهيزات الإلكترونية مثبتة على سطح البطاقة ، بينما التلف وخطر التلوث والتلف بسبب الكهرباء الساكنة يقل عندما تكون تجهيزات البطاقة وتكوينها مخبأ داخل البطاقة ذاتها.

ومن خطورة إستخدام هذا الكارت الذكي أن له خاصية الإحتفاظ بملايين الدولارات مخزنة على القرص الخاص به، ثم يمكن بسهولة نقل هذه الأموال إلكترونيا على كارت آخر بواسطة التلفون المعد لذلك وبدون تدخل أي بنك من البنوك، وبهذا يكون نظام الكارت بمنأى عن تدخل إشراف أو مراقبة أي جهة .

ومن المتوقع أن تكون تكنولوجيا الكارت الذكي مكملة لنظام بنوك النترنيت، وبذلك تكون قد وفرت لمبيضي الأموال الأساليب المحكمة للقيام بعملياتهم المشبوهة .

2. خصائصها ودورها في تبييض الأموال

يمكن القول بأن الكارت الذكي له مجموعة من الخصائص أو السمات يتفرد بها عن بطاقات الإئتمان في كافة صورها ، الأمر الذي يغري مبيضي الأموال بإستخدامها، وهذه السمات تخلص في الآتي :

1- هذه البطاقة الذكية تشبه حافظة النقود الحقيقية التي يحملها الشخص وتضم أوراقا نقدية وعملة حقيقية ، ذلك أن هذه البطاقة تنطوي على نقود إلكترونية ، ويمكن لمستخدم البطاقة أن يقوم بتحميل بطاقته إلى نقود عادية وهو ما يطلق عليه عملية إستعراض النقد من أي صراف آلي Top up.

يمكن لحامل البطاقة سحب إعتمادات مالية ورقية paper funds إذ يمكنه أن يسحب إعتمادات مالية إلكترونية، وعندما تتم عمليات الشراء فإن ما يدفعه مستعمل البطاقة يخصم من النقود الموجود قيمتها في البطاقة ، فإذا ما قاربت على النفاذ فمن الممكن إعادة شحنها في أي منفذ إلكتروني.

ومما لاشك فيه أن هذه الوسيلة سهلة لتبييض الموال إذ يمكن لحامل البطاقة إستهلاك قيمة الكارت الذكي في مشتريات باهضة القيمة ، ثم يقوم بإعادة شحنها بأموال مودعة لدى مصرفه الإلكتروني، وذلك بالمال الذي يرغب في تدويره وتبييضه .

وقد إستخدم العملاء في فرنسا ، البطاقات الذكية منذ بداية الثمانينات ، في وجوه عديدة كدفع قيمة عداد الإنتظار الخاص بالسيارة أو إستخدمها في الهاتف لإجراء المكالمات، ويمكن القول أن هذه البطاقة تلغي النفقات غير المباشرة الناتجة عن تداول النقد العيني في معاملات ضئيلة القيمة.

2- يمكن للبطاقة الذكية أن تؤدي في وقت واحد أدورا متعددة من ذلك بطاقة الإئتمان المدنية وبطاقة السحب من الصراف الآلي ، ويمكن للعملاء الحصول على البطاقات من منافذ الصرف الإلكترونية وأجهزة التليفون وكذلك مراكز البيع التجارية.

3- يمكن للكارت الذكي أن يقوم بدور الشيك، ذلك أن المصارف ليست هي المستفيدة من هذه البطاقات ، بل هناك المستهلك الذي يمكنه التعامل بهذه البطاقات بوصفها نقدا أو شيكات، فهذه البطاقة تفي بالوظائف ذاتها، ولذلك يقول أحد مسؤولي الشركة التي تنتج هذه البطاقة ، كلما نظرنا قدما ، سنجد أن البطاقة الذكية قد تصبح دفتر شيكات في المستقبل، حيث تعكس معاملات العميل المالية و مدفوعاته، وسيكون لدى المستهلكين القدرة على إدارة سنداتهم وأوراقهم المالية في أي وقت وفي أي مكان تقريبا .

ولذلك فهذه السمة تعزز دور هذه البطاقة الذكية في جريمة تبييض الأموال من خلال تحرير شيكات مسحوبة على هذه البطاقة ثم سحب قيمة الشيك من النقود المخزنة في البطاقة وإعادة شحنها مرة أخرى من قبل المصرف الإلكتروني الخاص بصاحب البطاقة وذلك بأموال يرغب حامل البطاقة في تبييضها أو تدويرها ، وجعلها أموالا مشروعة بعدما كانت متحصلة من مصدر غير مشروع .

4- يمكن إستخدام الكارت الذكي كسجل مالي لجميع المعاملات المالية التي تمت حديثا ، وكذلك موازنات الحساب الجاري، ولن يكون على العميل بعد ذلك سوى أن يحرر شيكا بنفسه، وبدون بيانات عن المعاملة المالية التي تمت ويتم الرد على إخطار المصرف الوارد إليه كل شهر ، فكل ذلك موجود في البطاقة.

5- تساعد البطاقة الذكية المسافر على أداء مهام عديدة ، ذلك أن إستعمالها لا ينحصر في مجرد تنظيم تداول النقد فعن طريق البطاقة يمكن تخزين ومعالجة بيانات حول شركات الطيران التي يتعامل المسافر معها ، وإجراءات تأجير السيارة وحجز الفنادق، كما يمكنها أن تعمل كوسيط في مختلف أنظمة الحاسب الآلي التي لا تتوافق مع الشركات، وذلك أن توصيلها بحاسب آلي من نوع المرشد الرقمي الشخصي Personal digital advisor ويشار له إصطلاحا بـ PDA سوف يمكن المسافر أن يراجع خط رحلته ويغير ما يريده بطريقة تلقائية أوتوماتيكية وهو ما يطلق عليه نظام الأتمتة.

كما يمكن كذلك إستخدام البطاقات الذكية لتتبع وإدارة وإسترجاع المواقع والأماكن التي تردد عليها المسافر إذا ما أراد الإشتراك في مسابقات الجوائز، ففي إمكانية تسجيل رحلة الطيران ، وما إستخدمه من فنادق وما إستأجره من سيارات ذلك ذلك أن البيانات تتراكن بشكل إلكتروني.

6- البطاقة الذكية تقلل معدل الجريمة عن البطاقات الممغنطة، فالبطاقة الممغنطة سهلة التقليد ، يمكن قراءتها ، لكن البطاقة الذكية لا يمكن قراءتها الأمر الذي يحقق قدرا كبيرا من التأمين الشخصي.

7- يمكن سداد الرسوم بطريقة إلكترونية ، كما يمكن للشركات تحديد هوية الموظفين لضمان تأمين الدخول إلى أنظمة الحاسب الآلي المشتركة ، فمثلا تستخدم الحكومة الإيطالية نظاما إلكترونيا على أساس البطاقة الذكية لتنظيم مستحقات المحالين إلى المعاش.

الخاتمة

وهكذا نجد في ختام هذا البحث أن تطور الحياة المعاصرة قدم للإنسان وسائل جديدة تمكنه من إتمام معاملاته ولا سيما المالية منها بكل يسر وسهولة، لكن ومما لاشك فيه أن التكـنولوجيا على النحو السابق، قد فتحت الباب على مصراعيه للجناة ، بمن فيهم الذين يعملون في تبـييض الأموال، في تـسخير هذه التكنولوجيا في نماذج وأنماط إجرامية مسـتحدثة، لذلك يجـب على السلطات المختصة بمـكافحة الجريمة أن تكون على درجة عالية من الحيـطة والحذر لمنع مبيض الأموال بصورة خاصة أو المجرم المعلوماتي بصفة عامة من الاستفادة من ميزات هذه التكنولوجيا المتطورة ، وهو أمر يتطلب حذر مشرعنا الجزائري وسرعة تدخله لتجريم أمثال هذه النماذج من الجريمة المعلوماتية.

(1)أنظر :محمد إبراهيم محمود الشافعي، النقود الإلكترونية ( ماهيتها ، مخاطرها وتنظيمها القانوني )،مجلة الأمن والقانون، أكاديمية شرطة دبي ، السنة الثانية عشر ، العدد الأول ، يناير 2004، ص 146.

(2)أنظر : نادر عبد العزيز شافي، المصارف والنقود الإلكترونية ، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، 2007، ص 83.

(3) أنظر : محمود محمد أبو فروة، الخدمات البنكية الإلكترونية عبر الأنترنيت ، الطبعة الأولى ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الأردن 2009، ص 62-63.

(4)أنظر : يوسف أمين شاكر،عمر محمد بن يونس،غسل الأموال عبر الأنترنيت( موقف السياسة الجنائية )، الطبعة الأولى، دون دار النشر ، القاهرة ، 2004، ص 28.

(5)أنظر :محمد إبراهيم محمود الشافعي ، المرجع السابق ، ص 11-12.

(6)أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية ونصوص التشريع، دار الكتب القانونية ، القاهرة ، 2007 ، ص 51.

(7)أنظر : نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق، ص 89.

(8) أنظر : جلال وفاء محمدين، دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 2001، ص 34.

(9))أنظر: بسام أحمد الزلمي،دور النقود الإلكترونية في عمليات غسل الأموال،المجلد 26، العدد الأول، مجلة جامعة دمشق للعلوم الإقتصادية والقانونية ،2010،ص

548 .

(10)أنظر: بسام أحمد الزلمي،المرجع السابق ، ص 559.

(11)أنظر : ماجد عبد الحميد عمار،مشكلة غسيل الأموال وسرية الحسابات بالبنوك في القانون المقارن والقانون المصري،دار النهضة العربية،القاهرة ، 2002، ص 96.

(12)أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية ونصوص التشريع، المرجع السابق ، ص 64.

(13)أنظر : ماجد عبد الحميد عمار ، المرجع السابق، ص 97.

(14)أنظر : جلال وفاء محمدين ، المرجع السابق ، ص27.

(15)أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي ، جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية ونصوص التشريع، المرجع السابق ، ص 65.

(16)يقدر المختصون أن ما يقارب من تريليون دولار أمريكي تتحرك يوميا خلال نظامي الفيدواير والشيبس وهو مبلغ يساوي الناتج القومي الإجمالي في الوم أ كل أربعة أيام ، أنظر : ماجد عبد الحميد عمار ، المرجع السابق ، ص 98.

(17)حين يرغب منتج إيطالي تسديد ثمن مواد خام لدى شركة بريطانية بالدولار الأمريكي فإنه يتصل بمعرفة البنك الإيطالي لإجراء المدفوعات، ويرسل البنك الإيطالي رسالة Swift إلى مراسله بالولايات المتحدة يصرح فيها بتحريك الدولار من حساب المنتج الإيطالي إلى حساب المورد البريطاني أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي،جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية،المرجع السابق،ص 67.

(18)أنظر : جلال وفاء محمدين ، المرجع السابق، ص 28.

(19)أنظر : ماجد عبد الحميد عمار ، المرجع السابق ، ص99.

(20)أنظر:عبد الفتاح بيومي حجازي،جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية،المرجعالسابق،ص71

(21)أنظر : جلال وفاء محمدين ، المرجع السابق، ص 35.

(22)أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي،الحكومةالإلكترونية،الكتابالاول،دار الفكر الجامعي، الاسكندرية ، 2004، ص 223-224.

(23)أنظر:عبد الفتاح بيومي حجازي،جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية،المرجعالسابق،ص73.

(24)أنظر : رأفت رضوان ، عالم التجارة الإلكترونية،منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية،القاهرة ، 1999، ص 20.

(25)مثال ذلك ما تم في بريطانيا حيث أغلقت العديد من البنوك فروعها هناك، الأمر الذي أدى إلى غضب العاملين في البنوك التقليدية ، وهو ما حدا بمدير الأنشطة في

بنك باركليز أن يعلن أن مزيدا من الأفرع مرشحة لأن تغلق أبوابها ، حيث سبق لهذا البنك أن أغلق 171 فرعا في أفريل 2000 وذلك بسبب زيادة إعتماد عملاء هذا البنك ، على البنك المحول عبر الأنترنيت ،أنظر :عبد الفتاح بيومي حجازي ،جريمة غسل الأموال بين الوسائط الإلكترونية ، المرجع السابق ، 74.

(26)أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي،الحكومة الإلكترونية ، المرجع السابق ،ص 425.

(27)أنظر : رأفت رضوان ، المرجع السابق ، ص 20.

(28)أنظر : جلال وفاء محمدين ، المرجع السابق ، ص 36.

(29)أنظر : فرانك كيلش، الوسائل المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك ، ترجمة حسام الدين زكريا و عبد السلام رضوان، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، عدد 253

(30)أنظر : جلال وفاء محمدين ، المرجع السابق ، ص 37-38.

(31)أنظر : عبد الفتاح بيومي حجازي ، الحكومة الإلكترونية ، المرجع السابق ، ص 418.

(32)أنظر : فرانك كيلش ، المرجع السابق ، ص 323.