دراسة وبحث قانوني كبير عن إشكالات انعقاد الزواج وآثاره.

إشكالات انعقاد الزواج وآثاره.doc

خطــة الموضــوع

مقدمــة
الفصل الأول : إشكالات انعقاد الزواج وآثاره.
المبحث الأول : مقدمات الزواج وآثارها.
المطلب الأول : الخطبة.
المطلب الثاني : الفاتحة.
المبحث الثاني : أركان عقد الزواج وشروطه.
المطلب الأول : أهلية الزواج.
المطلب الثاني : تعدد الزوجات.
المطلب الثالث : الولي.
المبحث الثالث : آثار عقد الزواج.
المطلب الأول : الذمة المالية.
المطلب الثاني : النسب وطرق إثباته ونفيه.
الفصل الثاني : إشكالات إنحلال عقد الزواج وآثاره.
المبحث الأول : حالات إنحلال عقد الزواج.
المطلب الأول : الطلاق.
المطلب الثاني : التطليق.
المطلب الثالث : الخلع.
المبحث الثاني : آثار إنحلال عقد الزواج.
المطلب الأول : النفقة.
المطلب الثاني : الحضانة ومسكن ممارستها.
خـاتمـة

مقدمة

قال تعالى « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجـا لتسكنوا إليهـا وجعـل بينكــم مـودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقـوم يتفكـرون ».
وقال أيضـا: “الطـلاق مرتــان فإمســــاك بمعروف أو تسريح بإحسان”.
يدرك الجميع أن حجر الزاوية و عنصر القوة الوحيد الباقي في العالم الإسلامي بــل الحبل المتين الذي يشد هذه الأمة إلى دينها ورسالتها إنما هو الأسرة ونظامها، فالأسرة كما بناها الإسلام بقيت تمثل حجر الزاوية في البناء الإسلامي كله وهي التي حافظت علــى مـا بقـي من عناصره، وكل ما بقي من روابط وعلاقات بين المسلمين وبهذا تصبح الأسرة الهدف المنشود والمقصود بالتنظيم، و هذا الأخير ما يعبر عنه بقانون الأسرة أو قانون الأحوال الشخصية،ويقصد به مجموعة القواعد المنظمة لحالة الأشخاص وعلاقاتهم المالية و غير المالية مع أسرهم ومجتمعهم وقد ارتكزت الحركة التشريعية في مجال التدوين والتقنين في الوطن العربي والعالم الإسلامي على أساس الفقه المقارن لوضع قانون عام شامل يعتمد على الشريعة الإسلامية ويستقي من المذاهب المختلفة تيسيرا على الناس وتماشيا مع روح التشريع الإسلامي الذي يدعو إلى رفع الحرج ودفـع الضرر على الأسرة بعيدا عن التقليد و الجمود وعدم التقيد بمذهب معين والاستفادة بالمذاهب الاجتهادية كلها.

و بالرجوع إلى المجتمع الجزائري نجده كان يطبق أحكـام وقواعد الشريعة الإسلامية إلى غاية احتلاله سنة 1830 من قبل المستعمر الفرنسي الذي لم يعمد مباشرة إلى إلغاء هذه الأحكام والأعراف المحلية لعلمه بمدى تعلق الشعب الجزائري بها. لكنه لم يبق مكتوف الأيدي اتجاهها بل عمد إلى إلغائها عبر مراحل تمثلت أولها في تعويضها بقضاء مدني أوربي مع استمرار مجلس القضاء الشرعي بالجامع الكبير بالعاصمة فقط، واستبدال قوانين المحاكم الشرعية بنظام الجماعات الأهلية التي تتبنى أحكام العرف والتقاليد مقصية بذلك أحكام الفقه الإسلامي وبهذا راهنت فرنسا علـى سياسة الخطوة خطـوة، ورتبت أولوياتها حسب نظرية التنصير ثم التغيير من خلال إصدارهـا لمجموعة من القوانين و المراسيم تتعلق بحالة الأشخاص وأهليتهم.

ولكن الشعب الجزائري كعادته انغلق على نفسه ولم يسمح بتطبيق تلك المراسيم والقوانين، وظل يحكم أحكام الشريعة الإسلامية بعيدا عن الإدارة الفرنسية لسبب واضـح وهو أن الشعب الجزائري متمسك بدينه وعقيدته.
وقد عرفت الجزائر أول قانون مكتوب بشكل منظم يتعلق بالزواج والطلاق ويهتم بتنظيم الأسرة وهو الأمر رقم 56/274 المؤرخ في 04 فيفري 1959.
وبعد الاستقلال استمر العمل بهذا القانون تطبيقا للقانون رقم 62/157 الصادر في 31/12/1962 الذي نص على ضرورة إستمرارية العمل بالقانون الفرنسي فيما عدا مواده الإستعمارية والعنصرية أو المخالفة للحقوق والحريات العامة.
وفي 29/06/1963 صدر القانون رقم 224/63 المتعلق بتحديد سن الزواج وتسجيله، ورغم هذا لم ينل الشعب الجزائري جزءا من إستقلاله التشريعي وظل طوال مدة 21 سنة بلا قانون للأحوال الشخصية إلى أن صادق البرلمان الجزائري على قانون للأسرة مستمدا من الشريعة الإسلامية وأصبح ساريا في 09/06/1984 وهو القانون رقم 84/11. الذي اشتمل على أربعة كتب، عالج الكتاب الأول منها عقد الزواج وانحلاله، والثاني النيابة الشرعية، والثالث الميراث، و الرابع التبرعات.

وما يلاحظ أنه لم يكن قانونا في مستوى الواحد والعشرون سنة من الدراسة، حيث اشتمل على ثغرات عديدة كانت محل نقد ونقاشات حادة بين رجال الدين والقانون والسياسة. ذلك ما استدعى حتمية التعديل لسد هذه الثغرات، وأسندت هذه المهمة للجنة تتكون من 52 عضوا باشرت عملها في شكل ورشات على مستوى المحكمة العليا. كانت ثمرتها وضع مشروع تمهيدي لتعديل قانون الأسرة مازال محل مناقشة ولم يصادق عليه البرلمان بعد.

وهذا المشروع جاء بعد عشرين سنة أخرى من معاناة ساحة القضاء من إشكالات إستحال حلها تحت ظل هذا القانون. فهل هذا المشروع سوف يكون بمستوى هذه المدة من الإنتظار. لاسيما ما تعلق منها بالزواج وانحلاله، وهذا ما جعل واضعي المشروع يقصرون إقتراحاتهم على هذا الجانب. وذلك ما دفعنا إلى حصر دراستنا عليه تحت عنوان: إشكالات قانون الأسرة بين التشريع الساري و التعديلات المقترحة –الزواج والطلاق-
وإن غايتنا المنشودة من موضوع البحث هي معالجة فقهية وقانونية لأحكام الزواج والطلاق، وإبراز أهم الإشكالات في الواقع العملي، ومدى فعالية التعديلات المقترحة لحلها، منتهجين في ذلك الأسلوب المقارن، التحليلي والنقدي.
وفي ظل أهمية قانون الأسرة في تنظيم المجتمعات عموما والمجتمع الجزائري خاصة، فالسؤال الذي يطرح بهذا الصدد : هل وفق المشرع الجزائري فيما ذهب إليه من أحكام في تنظيم الزواج والطلاق؟ ثم هل توافق في ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية؟ وما هو مرجعه في ذلك؟
ومتى كانت إجابتنا بلا فما هي المقترحات البديلة؟ وهل أصاب واضعوها في تدارك ما أغفله المشرع؟
لمعالجة هذه الإشكالات إرتأينا تقسيم البحث إلى فصلين، الفصل الأول خصصناه لإشكالات عقد الزواج وآثاره، وضمناه ثلاث مباحث، المبحث الأول تعلق بمقدمات الزواج، والمبحث الثاني بأركان عقد الزواج، والمبحث الثالث بآثار عقد الزواج، أما الفصل الثاني فخصصناه لانحلال عقد الزواج وآثاره وذلك في مبحثين الأول عالج حالات انحلاله والثاني لآثار هذا الانحلال.

المبحث الأول : مـقــدمـات الزواج.

إن كل عقد من العقود المهمة ذات الشأن و الخطر تسبقها مقدمات، يبيّن فيها كل واحد من المتعاقدين مطالبه و رغباته، فإذا ما تلاقت الرغبات أقدما و تفاهما فيتم العقد بتلاقي الإراديتين و وجوب الإيجاب و القبول.
و عقد الزواج هو أخطر عقد لأن موضوعه الحياة الإنسانية، إذ يعقد على نية الدوام و البقاء ما بقي كلا الزوجين على قيد الحياة. لهذا كانت مقدماته لها شأنه و أهميته. و قد إختصت الشريعة الإسلامية و كذا قانون الأسرة الزواج بأحكام خاصة، و لم تعن بمقدمات أي عقد من العقود سواه، و هي ما يسمى عند العرب و في لسان الشرع الإسلامي بالخطبة.
و في دراستنا لهذه المقدمات سنتطرق في مطلب أول إلى تعريف الخطبة و طبيعتها القانونية ،و حكم العدول عنها و آثاره. و في مطلب ثاني إلى الفاتحة و إقترانها بالخطبة و حكمها.

المطلب الأول : الخطبة

أولا : تعريف الخطبة
الخطبة لغة : تعني طلب النكاح.
و اصطلاحا : هي التماس التزويج و المحاولة عليه.
و قد عرفها البعض بأنها : « عقد النيّة بين طالبيّ الزواج أو المختطبين على أن يجتازا معا تجربة شخصية خلال فترة تسبق الزواج، فيختبر فيها كل منهما الآخر تمهيدا للزواج به مع الاعداد و التجهيز خلالها لتأسيس العائلة التي تتطلبها أحكام الزواج » .
و قد عرفها الإمام أبو زهرة : “بأنها طلب الرجل يد امرأة معينة للتزوج بها والتقدم إليها أو إلى ذويها ببيان حاله، و مفاوضتهم في أمر العقد و مطالبه و مطالبهم بشأنه” .
-و بالنظر إلى هذه التعريفات نجد جلها تتكلم عن تقدم الرجل و طلبه يد المرأة قصد الزواج بها، بينما حقيقة ذلك التقدم أو الطلب الشرعي قد يكون منها أو من وليها، و ذلك ما بيّنه القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة.
و قد أجاز الفقهاء عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح رغبة في صلاحه و إذا رغب فيها تزوجها بشروطه.
و بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجده لم يعرّف الخطبة، تاركا ذلك للفقه, و المحكمة العليا في العديد من قراراتها عرفت الخطبة و أكدت على التعريف الفقهي لها فقضت بأنه :
” من المقرر كذلك أن الأصل في الخطبة و في غالب الأحيان هي مقدمة للزواج و ليست زواجا” .
و نفس الإشكال بالنسبة للتعديل المقترح فهو لم يعرف الخطبة، لكنه لما نص عليها أدرجها تحت عنوان : مقدمات الزواج، و بذلك فهو يعتبرها مقدمة للزواج.

ثانيا : حكمة الخطبة
الخطبة طريق لتعرف كل من الخاطبين على الآخر، إذ أنها السبيل لدراسة أخلاق و طبائع و ميول الطرفين، و لكن بالقدر المسموح به شرعا. فإذا وجد التلاقي و التجاوب أمكن إبرام عقد الزواج الذي هو رابطة دائمة في الحياة، و إطمأن الطرفان إلى أنه يمكن التعايش بينهما بسلام و أمان و سعادة و وئام، و هي غايات يحرص عليها كل الشبان و الشابات و الأهل من ورائهم.
و الخطبة ليست فرضا و لا واجبا، بل هي مستحبة قبل انعقاد الزواج لأن وجودها أحرى لدوام العشرة لتمكينها كلا من الخاطبين معرفة الآخر و مدى احتمال البقاء معه أو عدمه.
فالزواج ميثاق غليظ و عهد قوي و مؤبد و حتى يتبيّن كل من الزوجين الصفات التي يرغبها و ينشدها الآخر، ندبت له الخطبة.

ثالثا : شروط الخطيبة
لقد وضعت الشريعة الاسلامية صفات و بينّت مقاييس للزوجة الصالحة التي يمكن أن يجد الانسان معها الراحة و الاطمئنان و السكينة، و حسن إخيتار المرأة له هدفين : إسعاد الرجل و تنشئة الأولاد نشاة صالحة تتميز بالاستقامة و حسن الأخلاق، لقوله صلى الله عليه و سلم : ” تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء، و أنكحوا إليهم “.
و من هذه الصفات أو المستحبات نذكر ما يلي :
– أن تكون المرأة ديّنة، لقوله صلى الله عليه و سلم : “فعليك بذات الدين”. و قوله : ” .. فأظفر بذات الدين تربت يداك”.
– أن تكون ولودا، لقوله صلى الله عليه و سلم : “تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”.
– أن تكون بكرا، لقوله : “فهلا بكرا تلاعبها و تلاعبك”.
– أن تكون من الغر يبات عن الخاطب، غير ذات قرابة قريبة، و قد قيل : “إن الغرائب أنجب، و بنات العم أصبر”. و لأنه لا يأمن الطلاق فينتج عنه قطيعة للرحم المأمور بصلتها. لقوله صلى الله عليه و سلم : “لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويا”. أي يخلق نحيفا.
و قد أثبتت التجارب العلمية أن الزواج بين الأقارب غالبا ما يخلق نسلا ضعيفا، حيث تشيع الأمراض الخلقية و العضوية.
– أن لا تكون المرأة مما يحرم الزواج بها سواء حرمة دائمة أو حرمة مؤقتة.

رابعا : النظر إلى الخطيبة :
لقد أجاز الشرع الإسلامي النظر إلى الخطيبة، و ذلك حتى يكون كل من العاقدين على علم قاطع أو ظن راجح بحال العاقد الآخر و ما عليه من عادات و أخلاق، ليكون العقد على أساس صحيح. و هذا العلم يتحقق بالرؤية.
و يروى أن رسول الله قال : “إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل”.
و القدر المباح النظر إليه هو الوجه و الكفان و القدمان عند غالبية الفقهاء, و لابد أن لا تكون رؤية الخاطب لمخطوبته في خلوة، لأن الخلوة بين الرجل و المرأة حرام و لم يرد من الشارع ما يبيحها لأجل الخطبة فيبقى النهي قائما لذلك قال صلى الله عليه و سلم : “لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان”. و عليه لابد من وجود محرم مع المخطوبة وقت النظر.
و في مجتمعنا الحاضر نجد من لا يسمح بالنظر بل تعطى للخاطب صورة شمسية للمخطوبة أو العكس، و قد تخفي الصورة عيوبا قد تكون بصاحبها. و كثيرا من لا يسمح حتى بالصور، بل تخطب الفتاة و تزوّج دون أن تعرف الخاطب حتى ليلة الزفاف، مما يؤدي إلى مآسي كثيرة كالشقاق و الطلاق نظرا للمعلومات المبالغ فيها عن الطرف الآخر.

و العكس نجد أسر أخرى تدعي التفتح و حرية المرأة فتسمح للفتاة بالتعرف على الشاب، و تختاره ثم تقدمه لأهلها، و تتطور العلاقات بينهما باسم التطور و التفتح، فتتجاوز حدود المعقول مما يؤدي إلى وقوع ما لا يحمد عقباه.

و بالرجوع إلى قانون الأسرة نجده لم يتطرق إلى مسألة النظر إلى المخطوبة و لا يعتبر سكوته إهمالا و إنما اكتفى بالإحالة على الشريعة الإسلامية بموجب نص المادة 222 من قانون الأسرة.

خامسا : طبيعة الخطبة

أ- من الناحية الشرعية :
الخطبة شرعا ليست عقدا، و إلا لكانت ملزمة إلزاما يستتبع حتمية عدم العدول عنها، و من ثم فإنها تعتبر وعدا بالزواج، و هذا الوعد لا يزيد شيئا عن مرتبة الإلتزام الأدبي المطلوب للوفاء بالعهد.
و ذلك لأن الإلزام بالتصرفات يجب أن يكون بحكم الشارع لأنه هو الذي يعطي القوة الإلزامية للتصرفات أو يكون التراضي كاملا على الالتزام، و ما نراه هو أن الخطبة تخلو من هذا الإلزام، فقد كان التراضي بين الخاطب و المخطوبة و أهلها على أساس أن هذا كان تمهيدالعقد هو عقد الحياة. و كما نعلم فالالزام يكون بوجود العقد لا في التمهيد له, و عليه فإنه مادام لم يتم نهائيا بين الطرفين فإنه يمكن لكل واحد من الطرفين أن يعدل عن ما وعد به.

يقول الدكتور مصطفى شلبي : “لا تخرج الخطبة عن كونها وعد بالزواج و الوعد ليس عقدا فلا يكون ملزما كالعقد، فيصبح لكل من الطرفين أن يعدل عنها بفسخها لأننا لو قلنا بإلزامها لحملنا الخاطبين على ما لا يريدانه و في هذا من الضرر ما لا يخفى”.

فجمهور الفقهاء متفقين على أن الخطبة ليست أكثر من وعد تمهيدي للزواج و في هذا الصدد يقول الدكتور السهوزي : “لا يجوز أن يتقيد شخص بوعد أن يتزوج، و من باب أولى أن يتزوج بشخص معين، فمثل هذا التقييد يكون مخالفا للنظام العام”.

ب- من الناحية القانونية :
المادة الخامسة من قانون الأسرة نصت صراحة على أن : “الخطبة وعد بالزواج و لكل من الطرفين العدول عنها”.
فالخطبة من الناحية القانونية عندنا كالناحية الشرعية فهي لا تعدو أن تكون وسيلة للتعرف وفق أحكام الشرع و تحديد الشروط الموضوعية و الشكلية لإبرام عقد الزواج.
إذن فالإيجاب و القبول اللذين تمت بهما الخطبة ما هما إلا مجرد إجراء تمهيدي و وعد بزواج لاحق.
ولقد كانت المادة الرابعة من الأمر الصادر في 4 فبراير 1959 تنص على أن : “الوعد بالزواج من طرف واحد أو من الطرفين لا يعتبر زواجا ولا ينشأ أي إلتزام بعقد الزواج ” .
وفي مجلة الأحكام الشرعية الجزائرية الصادرة عام 1907 نجد أن المادة الأولى منها نصت على أن : “الوعد بالنكاح في المستقبل ومجرد قراءة الفاتحة دون إجراء عقد صحيح ,كل منهما لا ينعقد به نكاح و للخاطب العدول عمن خطبها, وللمخطوبة أيضا رد الخاطب الموعود بتزويجها منه “.

ففي هذا النص المشرع تكلم عن الوعد بالنكاح في حد ذاته مبينا بأنه لا يمكن أن يكون عقد زواج و لا ينعقد به نكاح ؛ وعليه يمكننا القول أن النص أراد أن يخلع عن الخطبة صفة الزواج ،لا صفة العقدية بوجه عام ،مما جعل البعض يقول أن الوعد بالزواج لايعتبر حقا عقد زواج ولكن يمكن إعتباره عقدا من نوع خاص ، كأن يسمى عقد خطبة مثلا . ويجعل من مقتضياته الإلتزام ببذل عناية قصد الوصول إلى عقد الزواج، لكن إذا كان بالإمكان الأخذ بهذا القول سابقا فإنه غير ممكنا حاليا في ضوء قانون الأسرة الحالي لأن نص المادة 5 تكلم عن الخطبة وإعتبرها وعدا بالزواج ولم يتكلم عن الوعد غير معتبر إياه عقد زواج .

فالمادة 5 نصت على أن : “الخطبة وعد بالزواج”. و لم تنص على أن :” الوعد بالزواج لا يعتبر زواجا”، كما جاء في بعض القوانين الأخرى.
و عليه نصل إلى أن الوصف القانوني للخطبة هو أنها وعد بالزواج لا أكثر. و قد ذهبت المحكمة العليا في العديد من قراراتها إلى أن الخطبة وعد بالزواج لا أكثر، و بالنسبة للتعديل المقترح لقانون الأسرة فالمادة الخامسة عرفت الخطبة بأنها وعد بالزواج و بذلك أبقت على الوصف القانوني الذي أعطاه لها المشرع في القانون الساري العمل به.

سادسا : العدول عن الخطبة
بما أن الخطبة ليست زواجا، و إنما هي وعد بالزواج فإنه يجوز في رأي أغلب الفقهاء للخاطب أو المخطوبة العدول عن الخطبة، إذ ما لم يوجد العقد فلا إلزام و لا التزام. و لكن من الأخلاق ألا ينقض أحدهما وعده إلا لضرورة أو حاجة شديدة مراعاة لحرمة البيوت و لكرامة الفتاة.
و من المستحسن شرعا وعرفا التعجيل في العدول إذا بدا سبب واضح يقتضي ذلك عملا لقوله تعالى : “و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا”.فمن وعد عليه الوفاء بوعده إلا إذا وجد عارض قوي.
و قال صلى الله عليه و سلم : “إضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : أصدقوا إذا حدثتم، و أوفوا إذا وعدتم، و أدّوا إذا إئتمنتم، و إحفظوا فروجكم، و غضوا أبصاركم، و كفوا أيديكم”.
و بالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجده يجيز العدول عن الخطبة بنصه في المادة الخامسة على أن : “الخطبة وعد بالزواج و لكل من الطرفين الدول عنها “. فكلا الطرفين أي الخاطب والمخطوبة لهما الحق في العدول عن الخطبة، و بذلك فالمشرع أخذ بالمذهب المالكي.
و إذا ما عدنا إلى نص المشروع أو التعديل المقترح نجده ينص في المادة الخامسة على أنه : “يجوز للطرفين العدول عن الخطبة”.

آثار العدول عن الخطبة :

لا يترتب على العدول عن الخطبة أي أثر ما دام لم يحصل عقد، لكن قد يكون الخاطب قد دفع المهر كله أو بعضه أو تبادلا الهدايا، فما مصير تلك الأموال ؟ كذلك قد ينجم عن العدول ضرر للطرف المعدول عنه فهل يستحق التعويض أولا ؟

أ- بالنسبة للصداق :
المهر أو الصداق هو ركن من أركان عقد الزواج طبقا لنص المادة 9 من قانون الأسرة و كذا المادة 15.
م9 : “يتم عقد الزواج، برضا الزوجين و بولي الزوجة و شاهدين و صداق”.
م15 : “يجب تحديد الصداق في العقد سواء أكان معجلا أو مؤجلا”.
و لم يحدد المشرع وقت دفع الصداق فقد يكون أثناء فترة الخطوبة أي قبل إبرام العقد أو في مجلس العقد أو يكون مؤجلا.
و ما يهمنا هو إذا ما قبضت المخطوبة المهر المتفق عليه أثناء فترة الخطوبة فإنها إذا ما تم العدول عن الخطبة سواء من طرفها أو من طرف الخاطب قبل إبرام العقد، ملزمة برده للخاطب لأنه ليس لها الحق في أخذه، بل أن الشرع و القانون لا يجيزان لها إلا نصف الصداق إذا ما تم العقد و افترقا قبل الدخول.
و في حالة الهلاك أو الاستهلاك فإن المهر يرجع بقيمته إن كان قيميا و بمثله إن كان مثليا، أيا كان سبب العدول، و هذا متفق عليه فقها.
و من خلال الواقع العملي نجد أن ذلك صعب التطبيق لأنه من عاداتنا أن المخطوبة عندما تتسلم المهر فإنها تتصرف فيه لتحضير جهازها و ما يلزم من فراش و لباس و حلي و قد يتم العدول من أحدهما، فيستحيل عليها إرجاعه. فما العمل ؟
المشرع الجزائري لم يتكلم على هذه المسألة بل أنه لم يتطرق إلى الصداق أصلا عندما نص على جواز العدول و كان الأولى به أن يضع حلا كما وضعه بالنسبة للهدايا، و هذا ما دعى القضاة إلى محاولة إيجاد حلول فذهب البعض منهم إلى إلزام المخطوبة بإرجاع قيمة الصداق و البعض الأخر ذهب إلى إلزامها بتسليم الأشياء التي إشترتها إلى الخاطب مقابل مبلغ المهر الذي تصرفت فيه.
و في نظرنا فالحل الذي يبدو معقولا هو تحميل تبعات المهر لمن كان عادلا، فإن كان الخاطب هو الذي عدل عن الخطبة ألزمه تسلم الأشياء التي حوّل إليها مبلغ الصداق، ذلك أن المخطوبة لا مبرر لإجبارها على تملك هذه الأشياء التي كان الخاطب بخطبته لها دافعا في تملكها إذ لولا تلك الخطبة و الوعد و الدفع ما تصرفت هذه التصرفات، و على العكس، إذا كانت هي التي عدلت عن الخطبة فعليها أن ترجع المهر للخاطب كما دفعه لها أو مثله إن كان مثليا، و لا يرغم على تقبل الفراش أو اللباس أو الحلي الذي إشترته المخطوبة و المصاريف التي صرفتها عليه لأنه قد يجد من لا ترغب فيه، و يضطر إلى بيعه و إنقاص قيمته، مما يجعله يجمع بين ضررين، ضرر العدول عنه و ضرر إنقاص قيمة المهر.
و مجمل القول أن المهر يعد من متطلبات الزواج لا من متطلبات الخطبة فعلى الخطيبة إذا فسخت الخطبة رده للخاطب.

ب- بالنسبة للهدايا :
لقد اختلف الفقهاء في حكم الهدايا، هل ترد أو لا ترد ؟
الحنفية : قالوا أنه يمكن إسترداد الهدايا متى لم تستهلك أو تتصل بزيادة لا يمكن فصلها عنها وهذا قياسا على الهبة، إذ يجوز للواهب الرجوع في هبته ما لم يوجد مانع بالعين الموهوبة يحول دون ذلك. مثلا : لباس أخيط أو بلى أو ساعة تكسرت … فلا تعاد.
الشافعية و الحنابلة : قالوا أنه يجوز رد الهدايا التي يتقدم بها الخاطب إلى مخطوبته ذلك لأن الباعث على هذه الهدايا هو إتمام الزواج دون شك و هو أمر مشروع لذا عدت من ضمن هبات الثواب التي يحق لصاحبها طلب ردها متى لم يتحقق ذلك المقابل، هذا ما لم تتغير تلك الهدايا بالزيادة أو النقصان أو الاستهلاك.
المالكية : فصلوا بين ما إذا كان الـعدول من جانب الخاطب أو من جانب المخطوبة.
فإذا عدل الخاطب فلا حق له في إسترداد ما أهداه إلى مخطوبته و لو لم يستهلك و يستنفذ. و إن كان العدول من جانب المخطوبة فإن الخاطب يسترد ما أهداه إليها إن كانت قائمة بعينها أي الهدايا، و إن هلكت فله مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها إن كانت عينية.

في قانون الأسرة : لقد نص المشرع الجزائري في المادة 5 عن الهدايا و كيفية إستردادها و قد أعطاها عناية و تفصيلا، ذلك لأنه من النفقات التي تنفق أثناء الخطبة و بعدها و قبل العقد ما يكون هاما، لأن الخاطب خاصة في مجتمعنا الجزائري كثيرا ما تكلفه الخطبة آلاف الدنانير إلى جانب الهدايا التي يقدمها لمخطوبته في المناسبات و الأعياد، و أغلبها من الذهب و اللباس الفاخر، لذا نصت المادة 5 على أنه:

“لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه، و إن كان العدول من المخطوبة فعليها رد ما لم يستهلك”.
فالمشرع في هذه الفقرة تكلم عن الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة و لم يتكلم عن الهدايا التي تقدمها المخطوبة للخاطب لأنه قد تكون المخطوبة موظفة أو ميسورة الحال فتقدم هدايا ثمينة للخاطب. فهل تفقد حقها في إسترجاع هذه الهدايا إذا عدل الخاطب عن الخطبة، أو هل نطبق حكم الفقرة السابقة عليها أي أن يلزم الخاطب برد الهدايا التي قدمتها له المخطوبة إذا عدل هو عن الخطبة ؟
فحسب نص المادة 5 فالخاطب إذا عدل عن الخطبة فإنه يفقد حقه في إسترجاع الهدايا التي قدمها للمخطوبة. و إذا كان العدول من المخطوبة فإنها ملزمة برد الهدايا التي قدمها لها الخاطب ما لم يستهلك بمعنى أنها تعفى من هذا الالتزام إذا كانت هذه الهدايا قد استهلكت.
و ما يمكننا ملاحظته أن المشرع الجزائري في هذه المسألة لم يأخذ بالمذهب المالكي الذي يغرم العادل عن الخطبة و يلزمه بإرجاع الهدايا إن كانت قائمة بذاتها. أم استهلكت فيرجع قيمتها إن كانت قيمية أو مثلها إن كانت مثلية، و ذلك حتى لا يجمع المعدول عنه بين ألمين، و هذا ما يجري به العمل في المجتمع الجزائري.
بل أن المشرع قد أخذ بالمذهب الحنفي في عدم رد ما أستهلك باعتباره أن ما يتبادله كل من الخاطبين هو من قبل الهبات و الهبة لا يجوز إرجاعها إن هلكت.
و الهدايا التي هي محل النصوص التشريعية هي تلك التي لم يلحق بها عقد فإن عقد على المخطوبة فالغاية المبتغاة من تلك الخطبة و هي الاستمرار على ذلك الموعد حتى الزواج و قد حصل ،و من ثم لا محل للمطالبة بها.
مثلا : لو أهدى الخاطب لمخطوبته أقراطا من ذهب و مأكولات و أقمشة فإنه إن عدل فلا يسترد سوى الأقراط لأن الطعام و الملبوس أستهلك.

و لكن يبدوا لنا منطقيا ربط استرجاع الهدايا بالعدول عن الخطبة و سهلا لكنه في الواقع الجزائري صعب التطبيق، إذ أن العدول عن الخطبة لا يتم بدون سبب إلا نادرا، فغالب ما يقترن العدول بسبب كعدم احتمال أهل الخاطب لشروط أهل الخطيبة من مسكن منفرد و مهر مرتفع أو إطالة الخاطب في مدة الخطوبة لسنوات مما يظطر أهل الخطيبة إلى العدول… أو أن المخطوبة ترفض العيش مع حماتها… و هكذا.

و كان على المشرع تحري سبب العدول وليس النظر إلى من أعلن العدول أولا لأنه أحيانا كثيرة نجد الراغب في العدول يملي شروطا صعبة التحقيق تظطر الطرف الآخر إلى الانسحاب والعدول، و غالبا ما تكون هذه الشروط مفتعلة ليستأثر لنفسه بالهدايا. و حسنا فعل المشرع عندما استعمل لفظتي الخاطب والمخطوبة في المادة5.
و لم يقل الزوج أو الزوجة، ذلك لأنه بعد العقد يصبحان زوج و زوجة و إذ ذاك لا نتكلم عن الهدايا بل على الصداق، و لو طلقت الممنوحة هدايا و صداقا قبل الدخول، فلا كلام عن الهدايا و لو عظمت قيمتها بل لها زيادة على ذلك نصف الصداق إن كان مقدرًا، و سميت بذلك مطلقة لا معدولا عنها و قد قضت المحكمة العليا في قرار لها بأنه : “من المقرر شرعا أنه لا رجوع للهدايا إذا كان فسخ الخطوبة من الخاطب بعدما تحقق أنه أصبح عاجزا جسميا على الزواج على إثر حادث مرور أفقده قدرة ممارسة العلاقات الجنسية.
حيث أن الشريعة الإسلامية قررت بأن الزوجة لها الحق في نصف صداقها إذا طلقت قبل البناء بها و ذلك بدون شروط، كما أنها قررت بأن الزوج الذي قدّم لزوجته شيئا و سماه هدية لا يسوغ له أخذه منها بأي وجه كان إلا إذا أصدر فسخ عقدة نكاحهما كذلك قبل البناء بها فيرد له ما يبقى من تلك الهدية”.
بالنسبة لمشروع التعديل : فالمادة 5 المعدلة نصت على أنه : ” لا يسترد الخاطب شيئا مما أهداه إن كان العدول منه و عليه رد مالم يستهلك أو قيمته.

و إن كان العدول من المخطوبة فعليها رد مالم يستهلك من هدايا أو قيمته”.

فهذا المشروع خصّ الاسترجاع بالهدايا فقط دون أن يتطرق للمهر، و لكنه ذكر الهدايا التي يقدمها الخاطب للمخطوبة و كذا الهدايا التي تقدمها المخطوبة للخاطب و بذلك فهو أكثر توضيحا للأمور.
و عليه فالخاطب إن عدل عن الخطبة فلا يسترد شيئا من الهدايا التي قدمها للمخطوبة و عليه هو برد الهدايا التي قدمتها له المخطوبة ما لم تستهلك أو قيمتها. و إذا عدلت المخطوبة عن الخطبة فعليها رد الهدايا التي قدمها لها الخاطت مالم تستهلك أو قيمتها.
و الاشكال المطروح هو أن أصحاب هذا المشروع لم يبينوا هل المخطوبة عندما تعدل تسترجع الهدايا التي قدمتها هي للخاطب بما أنها تلزم برد الهدايا التي قدمها هو لها؟ أو هل نطبق عليها نفس حكم الخاطب الذي يعدل و بذلك لا تسترد الهدايا التي قدمتها للخاطب إذا عدلت؟
و الاشكال الثاني يكمن عندما أضاف التعديل لفظ “أو قيمتها” فهل يقصد يها قيمة الهدايا التي قدمت أو قيمة الهدايا التي قدمت و استهلكت؟
فالمادة نصت : ” … و عليه رد ما لم يستهلك أو قيمته.” و في الفقرة الثانية : ” … فعليها رد ما لم يستهلك من هدايا أو قيمتها.” بمعنى هل المادة أعطت للعادل أو العادلة الخيار بين رد الهدية ذاتها و بين رد قيمتها نقدا؟ ما دامت المادة تضمنت حرف التخيير “أو” أو أنه يقصد أن الطرف العادل يلزم برد الهدايا التي لم تستهلك و أما الهدايا التي أستهلكت فيقدم قيمتها نقدا.
و ما يمكننا ملاحظته هو أن المشرع في المادة 5 من القانون الساري فيما يخص رد الهدايا بعد العدول عن الخطبة كان يحذو حذو المذهب الحنفي الذي يقول برد الهدايا ما لم تستهلك أي ربط العدول بالاسترجاع. و نجد أصحاب التعديل في المشروع المقترح أخذوا بالمذهب المالكي الذي يقول أن الطرف المعدول عنه يسترد الهدايا سواء كانت قائمة أم هلكت فإن هلكت أو استهلكت وجب رد قيمتها.

التعويض عن الأضرار :

المشروع و القانون يجيزان لكل من الخطيبين حق العدول عن الخطبة و منه فالعدول ذاته لا يرتب على أي منهما تعويض لكن التعويض يكون نتيجة ما صاحب العدول من أفعال أحدثت أضرار مادية أو معنوية بالمعدول عنه، و هذه الأضرار قد تكون ناتجة عن تصرفات غير أجنبية و قد تكون ناتجة عن تصرفات أجنبية :
أ- الأضرار التي تنتج عن تصرفات أجنبية عن الخطبة. فالمضرور منها يستحق التعويض و منها كأن ينسب لأحد الطرفين إلى الآخر إحدى الأفعال التي تعتبر قذفا أو يفشي سرًا من أسراره و ما إليه.

ب- الأضرار التي تنتج عن تصرفات غير أجنبية عن الخطبة فيوجد خلاف بين الفقهاء حول استحقاقها التعويض ، ويقصد بها تلك الأعمال التي يقوم بها الخاطبان أو أحدهما فيما يدور حول الخطبة أو أعمال تحضيرية لعقد الزواج ككراء الفندق استعدادا لليلة الزفاف، أو تحضير الحلويات أو إعداد بيت الزوجية على الشكل الذي طلبته الخطيبة أو ترك العمل أو الدراسة تلبية لطلب الخاطب.
أولا الضرر المادي : و هو كل ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله. و لقد نصت المادة 5 من قانون الأسرة على أنه : “إذ ترتبت عن العدول ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض”. فيفهم من هذا النص أن القاعدة العامة أن الخطبة ليست عقد ملزما، و لا تتضمن أي التزام، فلا تعدو أن تكون وعدا شفهيا متبادلا بين شخصين من جنسين مختلفين أو بين عائلتين لابرام عقد الزواج مستقبلا. و أنه يجوز لكل واحد من الطرفين العدول عن الخطبة بمحض إرادته بسبب أو بدون سبب و لا يمكن اللجوء إلى القضاء لإجبار من يستعمل حقه في العدول أن لا يتعسف فيه و إلا جاز للطرف الآخر أن يطلب التعويض إذا ما أصابه ضرر نتيجة خطأ صاحب العدول فتقوم المسؤولية. و قد وصفها الفقهاء بأنها تغرير بالطرف الآخر نشأ عنه ضرر ، بمعنى أنه إذا صاحب الوعد بالزواج و العدول عنه فعال مستقلة عنهما استقلالا تاما و ألحقت ضررا ماديا لأحد المتواعدين وجب التعويض باعتبارها أفعالا ضارة. و هذا ما دفع الكثير من رجال القانون إلى تأسيس مبدأ التعويض على نظرية التعسف في استعمال الحق عملا بقوله صلى الله عليه و سلم “لا ضرر و لا ضرار” و عملا بالقاعدة الفقهية : ” التغرير يوجب الضمان”

و الإمام مالك و تلاميذه متفقون على أن التسبب في الضرر يوجب التعويض و يعتبرون أن كل وعد كان سببا في تصرف الموعود بما ألحق به الضرر يجب ضمانه يقول الدكتور السنهوري ” فإذا انحرف الخطيب و هو يفسخ الخطبة عن السلوك المألوف للشخص العادي في مثل الظروف الخارجية التي أحاطت بالخطيب كان فسخ الخطبة خطأ يوجب المسؤولية التقصرية”.

إذن لكي يحصل تعويض لا بد من توافر شرطين و هما:
– ألا يكون لمن عدل مبرر ينزع عن أفعاله صفة السلوك الخاطئ المعتبر أساسا للتعويض. و ذلك كأن يتوفى أحد الخطيبين فيصيرتنفيذ الزواج مستحيلا، و لا دخل لارادة الطرف الباقي على قيد الحياة في عدم تنفيذه، أيضا إكتشاف مانع من موانع الزواج كان مجهولا قبل الخطبة…
– أن تكون للعادل يد في إحداث الضرر الحاصل للمعدول عنه : كالأمر بإجراء تصرف على وجهة معينة و فجأة تنقلب الموازين رأسا على عقب، فأحدث ذلك ضررا ماليا للمتصرف وفق ذلك الرأي، كأن يخبر الخاطب خطيبته بتاريخ الدخول و عليها التخلي عن عملها و بعد إستقالتها بيوم يلغي الموعد و يفسخ الخطبة، فالخاطب هو سبب الضرر، بتصرفه أما إن تخلت هي عن عملها برغبة منها فليس لها التعويض لعدم تسببه هو في هذا الضرر .

ثانيا الضرر المعنوي : هو تلك الآلام التي تمس عاطفة الإنسان عن طريق الطعن في سمعته أو شرفه، فيكون على شكل شعور بالحزن و ضيق الصدر و انعدام الطمأنينة.

و لم يتطرق الفقهاء سابقا للأضرار الأدبية لأنها ظهرت حديثا نتيجة لانحراف الناس في سلوكهم أثناء الخطبة و تأثرهم بالظواهر المادية للمجتمعات الأوروبية.
مثلا : التعرف على الخطيبة الذي أصبح مألوفا تجاوز النطاق التقليدي السليم للنظر إلى المخطوبة، وفاق الحدود حيث صار الانفراد بها و استصحابها للمحلات العامة… و ما ينتج عنه. فهو يلحق بها ضرر لا محالة، فالخاطب هنا ملزم بالتعويض عن الضرر المعنوي في المادة الخامسة، ذلك لأن الخطيبة في مجتمعنا هي التي تتأذى من عدول الخاطب عنها لما يلحقها من أقوال و إشاعات بخلاف الأمر إذا ما عدلت هي عن الخطبة فالخاطب لا يتأذى مثلها.
و أغلب القوانين العربية لم تنص على التعويض عن هذه الأضرار المعنوية و لا المادية.
و ما نلاحظه على المادة 5 أن المشرع الجزائري لم يجعل التعويض واجبا و إنما جعله جائزا لأنه ليس معقول أن كل عدول عن الخطبة يصاحبه ضرر، فالمشرع كقاعدة عامة أباح العدول، فهو حق الطرفين لكنه جعل التعويض عن الضرر الذي ينتج عن استعمال هذا الحق استثناءا و جائزا.
فالمادة 5/ف2 نصت على أنه : “جاز الحكم بالتعويض” فالقانون هنا أعطى للقاضي السلطة التقديرية في تقديم الضرر و تقديم التعويض.
فقد يكون الطرف العادل قد أراد تفادي ضرر أكبر بعدوله فهل هنا يلزم بالتعويض أيضا؟
و ما يمكننا قوله أن المشرع الجزائري عندما نص على التعويض عن الضرر المادي و المعنوي معا فهو حقق نتيجتين هما :
1- أنه ساير العصر و أعطى حكما ظلت الشريعة في عهودها الأولى مستغنية عنه لنزاهة تصرفات الأولين.
2- أنه سد الفراغ الذي كان موجودا في القانون المدني الذي لم ينص على التعويض عن الضرر المعنوي.
كيفية التعويض عن الضرر :
يخضع التعويض عن الضرر للقواعد العامة في القانون المدني، و ذلك بإدخال الظروف المصاحبة للأفعال التي كانت مصدرا للضرر و ثقافة الطرفين و مراكزهم الاجتماعية، و كذلك السن و الوظيفة.
مثلا لو أصاب المعدول عنها ضررا ماديا كفقدها وظيفتها، و ضرر معنويا كأن جرحها في سمعتها و شرفها، فهنا تستحق التعويض عن الضررين.
فالقاضي عليه أن يتبين سبب العدول و الظروف الملابسة لرفع دعوى التعويض حتى يكون اقتناعه باستحقاق المعدول عنه التعويض أو بعدم استحقاقه.
فمثلا الخاطب الذي يؤثث بيته تحضيرا للزواج بما أنه في مرحلة الخطوبة لا يعني أنه لحقته خسارة و ضرر مادي إذا عدلت المخطوبة لأنه كان لا محالة سيؤثث منزله، سواء كان خاطبا أو لا، و سواء كان خاطبا هذه الفتاة أو غيرها فلا يمكنه طلب التعويض.

بالنسبة لمشروع التعديل : المادة الخامسة الفقرة الثانية لم يغير فيها شيئا بل أصبحت الفقرة الثالثة و تنص على أنه : “إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض”. فأصحاب التعديل أضافوا عبارتي : ” عن الخطبة ” و ” لـه ” لكن لا ندري إلى ماذا يهدفون من وراء ذلك هل لجعل الفقرة أكثر وضوحا، أو يقصدون شيئا آخر؟

أيضا بقي الإشكال السابق فكان عليهم أن يوضحوا بأن للقاضي السلطة التقديرية لتقرير الضرر و التعويض عنه في ذات الفقرة فتكون على النحو التالي : “إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له بالتعويض، و للقاضي تقدير حصول الضرر و التعويض”.
و بالرجوع إلى القضاء نجد المحكمة العليا في قرار لها تؤكد على حق المتضرر من العدول عن الخطبة في الحصول على تعويض فجاء فيه أنه :
” من المقرر قانونا أن الإقرار القضائي هو اعتراف الشخص بواقعة قانونية مدعى بها عليه أمام القضاء، و هو حجة قاطعة على المقر، و من المقرر أيضا أنه إذا ترتب على العدول على الخطوبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم بالتعويض.
و من ثَمَ فإن القضاء بما يخالف هذين المبدأ ين يعد خرقا للقانون، و لما كان من الثابت في قضية الحال، أن المجلس القضائي بإلغائه الحكم المستأنف و رفضه الدعوى المتضمنة طلب تعويض من الطاعن على الضرر الذي أصيب به بالرغم من إقرار المطعون ضدها بفسخ الخطوبة أمام القضاء يكونوا قد خالفوا القانون و متى كان ذلك استوجبَ نقض القرار المطعون فيه”.
إضافة إلى ما قلناه فإن المادة 5 سواء في القانون الساري به العمل أو في مشروع التعديل تنص على أنه: “… جاز الحكم بالتعويض…”.

و نحن نعلم أن القانون المدني و هو يعتبر الشريعة العامة نص في المادة 124 تحت عنوان المسؤولية عن الأعمال الشخصية على أنه : ” كل عمل أيا كان، يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض”.

فالمادة 5 من قانون الأسرة استعملت لفظ “جاز” و المادة 124 استعملت لفظ “يلزم” و دون أن نتغاضى على أن التعويض يكون نتيجة حتمية على وقوع الضرر فإنه
للقاضي السلطة التقديرية في تقدير وقوع الضرر و في تحديد مبلغ التعويض دون أن تكون له هذه السلطة في ضرورة التعويض أو عدمه. فكان يجب أن يتضمن نص المادة 5 لفظ الإلزام حتى يكون متماشيا مع القانون المدني و ليس متناقضا معه.

المطلب الثاني : الفاتحة

أولا : مفهوم الفاتحة :
كما سبق أن قلنا ففي الخطبة تجري عملية تعارف بين عائلتين ، يختلف شكلها من منطقة لأخرى وتتفق، في جوهرها فيما روته كتب السنة من أن الخاطب ينظر لمخطوبته في بيت أهلها بحضور محرم.
والخطبة في مجتمعنا الجزائري هي عبارة عن اتفاق يسبق قراءة الفاتحة ويقع غالبا في مجلس المواعدة بالزواج بين والدي الخطيبين أو أوليائهما وينتهي بايجاب وقبول المصاهرة بين العائلتين دون إبرام أي عقد وقد يتوج ذلك الاتفاق بقراءة فاتحة القرآن الكريم للدلالة على أنهما اتفقا مبدئيا عازمين على إبرام عقد الزواج فكأن تلاوتها تدل على أن جميع الإجراءات قد تمت ولم ينازع شأن الأمور الهامشية والشروط التي تكون في شكل إشعار بالعادات والتقاليد للطرفين دون المساس بالأمور الجوهرية، وسواء حضر شهود على ذلك أو لا.

وقد جرى العرف على أن تطلق تسمية فاتحة على هذا الاتفاق، وفي الواقع أنها تقرأ للتبرك لا أكثر.
وبعض الفقهاء عرفها بأنها عبارة عن مجلس أو اجتماع يحضره عادة ولي الزوجة والزوج أو وكلاؤهما، وجمع من الناس من أقارب الخطيبين وأصدقائهما ومن أعيان الجماعة، وينتهي بإبرام عقد زواج شفهي لصالح الخطيبين يتم فيه تحديد الصداق، تليه قراءة الفاتحة متبوعة ببعض الدعوات للزوجين، وبتقديم الصداق كله أو بعضه في نفس المجلس أحيانا.
في قانون الأسرة : المشرع الجزائري نص في المادة 6 على الفاتحة على أنه :
“يمكن أن تقترن الخطبة مع الفاتحة أو تسبقها بمدة غير محدودة.
تخضع الخطبة والفاتحة لنفس الأحكام المبينة في م 5 أعلاه”.
فالمشرع أجاز إمكانية إقتران الفاتحة بالخطبة وإمكانية أن تسبق الخطبة الفاتحة بمدة زمنية غير محددة، فهو بذلك جعل الفاتحة منفصلة عن الخطبة أي عن الاتفاق التمهيدي، إذ يصح أن تتأخر الفاتحة إلى ليلة الزفاف مادامت في المرحلة بين الاتفاق المبدئي وعقد الزواج، وأجاز أن تتلى الفاتحة مصاحبة للقاء الخطبة وهي الحالة المعمول بها في الغالب في المجتمع الجزائري.

ثانيا : الطبيعة القانونية للفاتحة :
إن الفاتحة بتقديمها أو تأخيرها عن مجلس الخطبة لا يغير القيمة القانونية للوعد بالزواج أي الخطبة، ذلك لأن المشرع الجزائري قد أخضع آثار الفاتحة إلى نص المادة 5 الفقرة الأولى كما نص على ذلك في المادة 6. بمعنى أن الفاتحة والخطبة لهما على السواء حكم واحد، وهو أن كل منهما يعتبر قانونا وعد بالزواج وينتج عنه أنه يمكن لكل واحد من الخطيبين أن يتراجع عن وعده ويعدل عنه في أي وقت شاء قبل إبرام عق الزواج بصفة رسمية أمام الموظف المختص والمكلف قانونا بتحرير عقود الزواج في البلدية أو الموثق أو المحكمة.
وبالطبع ينتج على العدول عن الفاتحة ما ينتج عن العدول عن الخطبة، وما يتعلق بالتعويض عما يمكن أن يصيب الطرف الآخر من ضرر يمكن أن يترتب عن العدول عن الفاتحة.

ثالثا : أثر إقتران الفاتحة بالخطبة :
لقد سوى قانون الأسرة بين الخطبة والفاتحة وأجاز إقترانهما معا، ولكن سواء أكانتا مقترنتين أو متفرقتين وسواء أكانتا متحدتين، من حيث عناصرهما وآثارهما أو مختلفتين فإنهما لايرتقيان إلى درجة العقد في نظر قانون الأسرة ومادامتا كذلك فإن العدول أو الرجوع عنهما ممكن، وأنه إذا ترتب ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين المتخاطبين نتيجة للعدول بعد الفاتحة أو الخطبة جاز الحكم بالتعويض للطرف المتضرر، وهذا هو إذن وجه إخضاع كل من الخطبة والفاتحة إلى أحكام واحدة هي أحكام المادة 5 رغم ما قد يبدو من اختلاف بينهما.
لكن هناك من يعتبر الفاتحة بأنها تلك الصيغة التي تتم بها وهي : “زوجني ابنتك فلانة على صداق قدره كذا”، و “زوجتك إياها” أو : زوجت موكلك ابنتي أو موكلتي على مهر قدره كذا”، ولكن من باب تسمية الأصل بالفرع أو الكل بالجزء صار يطلق على العقد الذي تقرأ فيه الفاتحة بالفاتحة ، ألا تعد هنا عقدا شرعيا؟

إذن كان على المشرع الجزائري أن يراعي ما تعارف عليه المجتمع الجزائري من عادات وتقاليد ففي الكثير من المناطق تعتبر الفاتحة عقد شرعي إذ تتم بحضور الخاطب أو من ينوبه من ولي، أو وكيل، وولي المخطوبة إلى المسجد ومعهم جمع غفير من الرجال بينهم من نفقة في أمر الدين ويتم في هذا المحضر التزويج، ذلك لأن الصفة التي يتم بها التخاطب بين كل من ولي الخاطب والمخطوبة هي صفة الزواج لا الخطبة مع تعيين المهر، وبعدها يقرؤون الفاتحة ويدعون للزوجين وفقا لما جاءت به السنة النبوية الشريفة.

فهي في الواقع عقد زواج شرعي مرتب لجميع الآثار والأحكام حيث به تصير المخطوبة زوجة والخاطب يصير زوجا وإن توفي أحدهما قبل الدخول ورثه الثاني واعتدت المرأة عدة وفاة من توفي عنها زوجها. وثبت لها النصف الثاني من المهر عند المالكية، كما أنه لا يحق لها أن تتزوج إلا بعد طلاق.

فالاشكال يبقى مطروح أمام القضاء فهل يطبق القاضي القانون الذي يعتبرها مجرد وعد ولا ترقى إلى مستوى العقد أو أنه يعتبرها عقدا مادامت شروط العقد التي نص عليها القانون متوفرة، لذلك يجب رفع الالتباس المنصوص عليه في هذه المادة وجعل الفاتحة التي تتم في شكل عقد الزواج لها نفس أحكامه من حيث الآثار سواء كانت هذه الآثار نسبا أو ميراثا وإذا تمت الفاتحة دون توافر هذه الأركان فإنها تخضع لأحكام المادة 5 من قانون الأسرة. فهذه المادة إذن بحاجة إلى تعديل.

وبالرجوع إلى قضاء المحكمة العليا نجده يعتبر الفاتحة التي تتوفر فيها شروط الزواج عقدا شرعيا كما جاء في القرار التالي :
“ومن المقرر كذلك أن الأصل في الخطبة وفي غالب الأحيان هي مقدمة للزواج وليست زواجا، غير أنها قد تتجاوز مرحلة إلتماس النكاح إلى النكاح الشرعي وتصبح فعلا زواجا شرعيا إذا واكبها تحديد شروطه وتحققت أركانه، ومن ثم فإن القضاء بما يتفق مع هذا المبدأ يعد قضاء صحيحا”.
بالنسبة لمشروع التعديل : لقد نصت المادة 6 من التعديل :
“إن اقتران الفاتحة بالخطبة لا يعد زواجا.
غير أن اقتران الفاتحة بالخطبة بمجلس العقد تعتبر زواجا متى توافرت أركانه و شروطه طبقا لأحكام المادتين 9 و 9 مكرر من هذا القانون”.
فهذه المادة المعدلة تجيز اقتران الفاتحة بالخطبة من جهة سواء سبقتها أو صاحبتها، و من جهة أخرى اعتبرت أن هذا الاقتران ليس عقدا.

و منه نستشف أن الخطبة يعتبرها أصحاب التعديل و عدا بالزواج و كذلك الفاتحة و يخضعهما لحكم المادة الخامسة من حيث العدول عنهما و آثاره و ذلك نفهمه بمفهوم المخالفة فهذه المادة نصت على أن اقتران الفاتحة بالخطبة لا يعد زواجا بل يعد وعدا بالزواج فقط و هي القاعدة العامة. و بالنسبة للفقرة الثانية فنصت على أنه كاستثناء من القاعدة العامة فإن اقتران الخطبة بالفاتحة يعتبر عقد شرعي و ذلك إذا توافرت أركان الزواج المحددة قانونا في المادتين 9 و 9 مكرر من هذا القانون و هي الولي و الشاهدين و الرضا و الصداق و أهلية الزواج و انتقاء الموانع الشرعية حسب المشروع.
فأصحاب التعديل يكونوا بذلك قد حذو حذوَ المحكمة العليا التي قضت في عدة قرارات بأن الفاتحة إن اقترنت بالخطبة فهي تتجاوز مرحلة الوعد بالزواج إلى الزواج الشرعي إذا ما توفرت أركانه و شروطه.
و مجمل القول أن المادة السادسة في مشروع التعديل تضمنت قاعدة عامة و استثناء و بذلك تكون قد حلت مشكلا كان قائما منذ زمن و هو اعتبار الفاتحة المقترنة بالخطبة وعدا بالزواج رغم توافر شروط الزواج و بذلك زال هذا الإشكال.

المبحث الثاني : أركان عقد الزواج و شروطه :

إن المقومات الأساسية والأسباب الحقيقة لوجود الشيء هو أركانه وشروطه ، وعقد الزواج كغيره من العقود يتطلب أركان وشروط تتجلى هذه الأخيرة في الأهلية وخلو المرأة من موانع الزواج ، والتعدد.
أما أركانه فهو ما نصت عليه المادة 9 من قانون الأسرة وهي : الرضا، الولي، المهر والشاهدين ولعلى أهم النقاط التي أثارت الجدل واستقطبت النقاشات من الشروط هي الأهلية والتعدد ، ومن الأركان الولي ،فما هي الاشكالات التي تثيرها هذه النقاط ؟ وما هو الجديد الذي أتى به دعاة التعديل ؟
للإجابة على هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب هي :

المطلب الأول : أهلية الزواج

يعرف عبد العزيز سعد العقد الصحيح بأنه : “العقد الذي يكون قد استوفى كل أركانه و شروط انعقاده، و توفرت في المتعاقدين أهلية عقد الزواج”.
و عليه فإن شرط أهلية الزواج يجب توافره لصحة عقد الزواج بحيث انعدامها يرتب بطلان العقد بطلانا مطلقا.
و للتفصيل أكثر في هذا الشرط سنتعرض إلى تعريف أهلية الزواج موقف الفقه منها كعنصر أول، ثم أهلية الزواج في قانون الأسرة الساري كعنصر ثاني، و كعنصر أخير نتناول أهلية الزواج في التعديلات المقترحة.

أولا : تعريف أهلية الزواج و موقف الفقه منها.
تعرف الأهلية بأنها : “صلاحية شخص لتلقي الحقوق و التحمل بالواجبات”. و هذا التعريف القانوني يقترب من التعريف الفقهي إذ يعرفونها بأنها : ” صلاحية شخص لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه”.2
و الأهلية نوعان :
1- أهلية وجوب : ” و هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له و عليه. ” و بهذا التعريف نعلم أن كل إنسان حر هو شخص تتوافر له أهلية الوجوب. و تثبت له هذه الأهلية من وقت ميلاده بل و قبل ذلك عندما يكون جنينا في بطن أمه إلى وقت موته، بل و بعد ذلك إلى حين تصفية تركته و سداد ديونه. و هي لا تعنينا في التصرفات القانونية المرادة هنا.
2- أهلية أداء : ” و هي صلاحية الإنسان لاستعمال الحق.” و يحصل أن تتوافر للإنسان أهلية الوجوب دون أهلية الأداء، فيكون مستمتعا بالحق و هذه أهلية الوجوب دون أن يستطيع استعماله بنفسه و هذه هي أهلية الأداء.
و من هنا أمكن فصل أهلية الوجوب عن أهلية الأداء. و الأهلية التي تعنينا في هذا المجال هي أهلية الأداء، فمتى توافرت للشخص الأهلية الكاملة “بأن يكون بالغا، عاقلا، خاليا من الموانع الشرعية” كان صالحا لمباشرة كافة العقود و من بينها عقد الزواج.

و لم يحدد الفقهاء بصفة قاطعة سن البلوغ الذي تتم فيه أهلية الفتى و الفتاة للزواج. و قالوا بأن مرحلة البلوغ هي تلك الفترة الزمنية التي تأتي بين مرحلتي الطفولة و التمييز. و هي تظهر طبيعيا بعلامات توجد في الفتى كالاحتلام، و في الفتاة كالحيض. و رغم هذا قدر جمهور العلماء سن البلوغ بالخامسة عشر للذكور و الإناث، في حين ذهب الفقه المالكي إلى أن نهايته هي ثمانية عشر عاما في الفتى و الفتاة.

و على هذا فالصغير غير المميز لا ينعقد الزواج بعبارته قولا واحدا. و أما الصبي المميز فينعقد عند أغلب الفقهاء و لكن يكون موقوفا على اجازة و ليه. على أنه متى ظهرت فيه إحدى علامات البلوغ الطبيعية جاز له أن يعقد الزواج بنفسه، و هذا طبقا لقوله تعالى : “و ابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم”.
و هنا دلالة على أن بلوغ سن النكاح هو علامة انتهاء الصغر.
– بالنسبة للعقل فإن جمهور الفقهاء لا يشترطونه لصحة عقد الزواج، فيجوز عندهم أن يزوج الولي (أبا أو غيره) المجنون أو المجنونة، و كذا المعتوه أو المعتوهة. و لا فرق في الجنون بين أن يكون أصليا أو طارئا عند أبي حنيفة و أصحابه، و قال الإمام زفر : “إذا بلغ عاقلا ثم طرأ عليه جنون فلا يملك أحد تزويجه”. و قال الجعفري: “بل الولاية حينئذ للقاضي لا للأولياء”.
و يترتب على زواج الصغير أو المجنون حق البلوغ بالنسبة للأول فيختار عند بلوغه فسخ زواجه أو إمضاؤه، و مثله خيار الإفاقة لكل من المجنون أو المعتوه.

ثانيا : أهلية الزواج في قانون الأسرة الساري
إذا كان الزواج في الفقه الإسلامي لم يكن موقوفا على سن معينة، و لا معلقا على شرط بلوغ عدد من السنين مضبوط و متفق عليه. فإن النصوص القانونية الوضعية تناولت المسألة بالتنظيم، باعتبارها تحافظ بقوانينها على سلامة الفرد و المجتمع و تحميهما مبررة عملها بما أثبته، الأطباء و علماء الاجتماع من أن زواج الصغار يترتب عليه كثيرا من الأضرار الجسمانية و النفسية و الاجتماعية. و كم نشأت من جراء ذلك من مآسي اجتماعية و أضرار خلقية و اضطرابات عائلية، و ذلك لتعقد الحياة و صعوبة طرق المعيشة، فالزوج مطالب بتأمين النفقة على الأسرة الناشئة، و الزوجة تنال من جسمها و صحتها العلاقة الجنسية و تبعات الزوجية، وفوق هذا. و ذلك فإن الزواج أبدي به تنشأ الأسرة و تكون رعاية الأولاد و كل هذه التبعات التي يفرضها عقد الزواج تفترض أن يكون المتعاقد جسميا قادرا على تحملها و متمتعا بقدر كاف من التمييز يستطيع معه إدراك نتائج و عواقب ما هو مقدم عليه. و هذه الأمور كلها لا تكون إلا ببلوغ الشخص سنا معينة رأى المشرع أن يجعلها 18 سنة للمرأة و 21 سنة للرجل.

و لعل أهم نص نظم أهلية الزواج قبل صدور قانون الأسرة الحالي هو القانون رقم 224-63 الصادر في 29/06/1963 و المتعلق بتحديد سن الزواج حيث تضمن ستة مواد، فنص في المادة الأولى منه على أنه : “لا يجوز للرجل الذي لم يكمل الثامنة عشر سنة و لا للمرأة التي لم تكمل السادسة عشرة أن يعقدا زواجا و يجوز لرئيس المحكمة الابتدائية الكبرى أن يعفيهما من شرط السن إذا رأى لذلك أسبابا خطيرة، و ذلك بعد استطلاع رأي وكيل الدولة”. كما نص في بقية المواد على معاقبة الأشخاص الذين يخالفون أحكام المادة الأولى، و لا يحترمون السن القانونية المحدودة.

أما قانون الأسرة الحالي فقد نص في المادة السابعة منه على أنه : “تكتمل أهلية الرجل للزواج بتمام الواحد و العشرين سنة، و المرأة بتمام الثامنة عشر سنة و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك للمصلحة أو للضرورة”.
دون أن ينص على أية عقوبة يمكن ترتبها على مخالف هذا السن، و دون أن يرتب أي أثر على إبرام عقد الزواج قبل هذه السن و هذا على عكس القانون السالف الذكر.

و من خلال تحليلنا للمادة 7 من قانون الأسرة و مناقشتها، نجد أنها أتت بقاعدة و استثناء.
فالقاعدة تضمنت عدم السماح للفتى قبل 21 سنة و لا للفتاة قبل 18 سنة أن يتزوجا معا أو مع أجنبي أبدا مهما كانت إمكانيات قابليتهما الجسدية لهذا الزواج.
أما الاستثناء فأجاز لكل من لم يبلغ السن المحددة لأهلية الزواج قبل ذلك إذا أثبت أن هناك ضرورة أو مصلحة في ذلك الزواج المراد إبرامه، و استطاع أن يحصل نتيجة لذلك على إعفاء من السن المطلوب و ذلك بموجب إذن أو رخصة يطلبها من رئيس المحكمة التي يسكن بدائرة اختصاصها المعني نفسه أو وليه. جاعلا بهذا القاضي رقيبا غير مباشر لهم و أمينا على مصالحهم و مقدرا عادلا لظروفهم الخاصة، و لما يجابههم من ضرورات تخصهم هم أنفسهم، و ليست فيها مصلحة لآبائهم و أمهاتهم. و لتحقيق هذه الغاية فإن المشرع أعفى القاضي من تسبيب قبوله أو رفضه لطلب الإعفاء من سن الزواج، و أن ما يقرره في هذا المجال لا يقبل أية طريق من طرق الطعن أو المراجعة.

و بهذا فإن المشرع لم يأخذ الناس جميعا مأخذا واحدا سواء أكانوا ذكورا أو إناثا، و إنما أعطى للقاضي السلطة التقديرية في السماح و الإذن بالزواج لمن كانت ظروفه و أحواله تستدعي ذلك و لو قبل اكتمال السن القانونية.مراعيا بهذا العادات السائدة في بلادنا و ما تعود عليه الناس في مجتمعنا و في و معظم المجتمعات الشرقية من تزويج الفتيان و الفتيات في سن مبكرة قبل السن المحددة للزواج خوفا مما قد يترتب عن تأخير الزواج من آثار لا تحمد عقباها.

و لكن و رغم أن المادة السابعة قد تصدت بالتنظيم لأهلية الزواج، و كذا لاستثناء الإعفاء منها، إلا أنه تبقى المادة الوحيدة في قانون الأسرة التي نظمتها، مغفلا بذلك تنظيم حالة خرقها، حيث قد يتم العقد شرعا قبل بلوغ الفتى أو الفتاة السن القانونية و هذا دون الحصول على إذن من رئيس المحكمة، و دون سبب جدي. و بعد مدة من العقد الشرعي يقومون بطلب تسجيله قضائيا أمام المحكمة بعد اكتمال السن القانونية، و القاضي قد يحس و يلمس بأن عقد الزواج قد أبرم شرعا قبل بلوغ السن القانونية، و لكن ليس في وسعه توقيع عقوبة على أي منهما، فرغم أن المشرع وضع نصب عينيه مصلحة الفرد و المجتمع عند تحديده لسن الزواج إلا أنه لم يعطه القيمة القانونية اللازمة لها ذلك أن نهيا دون جزاء قد لا يجد نفعا لدى البعض خاصة عند علمهم بما تنص عليه المادة 22 من قانون الأسرة من إمكانية تسجيل العقد بحكم أمام القضاء إذا اكتملت أركانه، و الأهلية كما نعلم ليست ركن بل شرط .و على العكس من هذا القانون ما كان يقضي به القانون رقم 224-63 في المادة الثانية التي تنص : “يعاقب كل من ضابط الأحوال المدنية و القاضي و الزوجين و ممثليهما و الشركاء الذين لم يراعوا شرط السن المنصوص عليها في المادة الأولى بالحبس من 15 يوما إلى 3 أشهر و بغرامة من 400 إلى 1000 فرنك جديد أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

و بهذا يكون القانون رقم 224-63 قد حقق المصلحة المرجوة من وراء تحديد سن الزواج. و في هذا الإطار نجد أن الدكتور عبد العزيز سعد قد ناقش في كتابه الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري هذا النقص في قانون الأسرة حول الأهلية و متعرضا بالتفصيل إلى مواد القانون 224-63 أين خلص في الأخير إلى أن قانون الأسرة لم يتضمن نصا يلغي صراحة جميع أحكام القانون رقم 224-63 و إنما تضمن عبارة تقول “تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون”. أي قانون الأسرة، و بهذا تلغى فقط المادة الأولى التي تخالف المادة 7 منه و تبقى باقي المواد لأنه لا يوجد في قانون الأسرة ما يماثلها و لا ما يخالفها، أو يتعارض معها، و بالتالي فهي إذن ما تزال سارية المفعول، و مازالت قابلة للتطبيق.

و نخلص في الأخير من خلال هذه الدراسة البسيطة للمادة 7 من قانون الأسرة إلى أن المشرع كان عليه لزاما أن يأخذ احتياطاته اللازمة لضمان تطبيق هذه المادة، و تفادي الاعتماد على قانون سابق اشتمل قانون الأسرة على معظم أحكامه، و يعتبره الأغلبية ملغى. فالمادة السابعة جاءت ناقصة، حيث لم تتناول بالتنظيم عدة نقاط هامة معرضا بهذا المشرع إياها و كذا تطبيقها إلى الخرق. و أهم هذه النقاط :
– منح سلطة الإعفاء من السن المحددة لأهلية الزواج دون أن تعين حدا أدنى لذلك، مما يحمل على الاعتقاد بأن القاضي حسب ظاهر النص يمكن أن يمنح الإعفاء أو الإذن حتى للفتاة التي لم تبلغ سن العاشرة من عمرها. عكس القانون السوري الذي اعتبر الحد الأدنى للزواج هو 15 سنة للفتى و 13 سنة للفتاة.
– كما أن المادة لم توضح ما إذا كان طلب الترخيص يجب تقديمه من الولي أو يكفي أن يقدمه المعني و يوافق عليه الولي أو لا يوافق.
– إن انتهاك هذه المادة بدا واضحا، و يؤكد ذلك الدعاوى الكثيرة التي ترفع إلى المحاكم بغرض تسجيل عقود الزواج في الحالة المدنية و هذا لكونها لم ترتب أي أثر قانوني على من يخالفها.
– لم تعط المادة 7 من قانون الأسرة أي دور لوكيل الجمهورية في مجال الإعفاء من السن القانونية المقررة لأهلية الزواج عكس المادة الأولى من القانون 224-63 و التي تم إلغاؤها بموجب المادة السابقة الذكر من قانون الأسرة و الذي يتمكن من خلاله الإطلاع على حالات الإعفاء التي يكون الدافع إليها إخفاء فعل إجرامي أو مصلحة أو ضرورة غير متوفرة.كما أن منح الرخصة لإمكانية إبرام عقد الزواج يدخل ضمن المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص و النظام العام مما يتوجب إطلاع النيابة العامة و تدخلها عند اللزوم.
و تبقى هذه المادة السابعة و المتعلقة بأهلية الزواج بحاجة إلى النظر و التعديل لحسم هذه النقاط التي تعتبر تغيرات تتيح إفلات و تملص الأشخاص من حكمها.

ثالثا : أهلية الزواج في التعديلات المقترحة
من بين مواد قانون الأسرة التي مسها التعديل المقترح نجد المادة 7 من قانون الأسرة. المتعلقة بأهلية الزواج، حيث تم تعديل المادة ذاتها بموجب المادة الرابعة من مشروع التعديل و كذا استحداث مادة أخرى تحت رقم 7 مكرر.و هذا بموجب المادة الخامسة منه، و هما ما سنتناولهما بالدراسة لمعرفة ما أتيا به من جديد.
فتنص المادة 7 من التعديل المقترح “تكتمل أهلية الرجل و المرأة في الزواج بتمام 19 سنة و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة متى تأكدت قدرة الطرفين علىالزواج.
و يكتسب الزوج القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات”.
حيث من خلال قراءة و تحليل هذه المادة نجدها تتكون من فقرتين عكس ما كانت عليه . أين في الفقرة الأولى تم تحديد سن الزواج للرجل و المرأة و هو 19 سنة و كذا تم الإبقاء على صلاحية القاضي منح ترخيص للزواج قبل ذلك متى تأكدت قدرة الطرفين عليه .
أما الفقرة الثانية فتضمنت منح القاصر أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج و التزاماته، أي منحته الترشيد بقوة القانون.
و قد ورد في عرض الأسباب أن السن المقترح تم تحديده ليتطابق مع سن الرشد المدني، و يتساوى بهذا الرجل و المرأة.
أما في إطار تقييم هذه المادة نقول أنه بعد أن كان سن الزواج في القانون رقم 224-63 هو 18 سنة للفتى و 16 سنة للفتاة، و هو ما يوافق سن التمييز في القانون المدني، لكي يتفادى المشرع الوقوع في حالة تصرف عديم التمييز و الذي يترتب عليه البطلان المطلق. أصبح في قانون الأسرة الساري المفعول رقم 84/11 محدد ب : 18 سنة للفتاة و 21 سنة للفتى. و هو ما يوافق بالنسبة للفتاة سن البلوغ عند الإمام مالك، و يتناسب بالنسبة للرجل مع انتهاء واجب الخدمة الوطنية و تفرغه لإنشاء عائلة و التكفل بالتزاماتها.
أما التعديل المقترح فقد جعل سن الزواج 19 سنة بالنسبة للرجل و المرأة ليوحد بهذا بين سن الرشد المدني و سن الزواج و هذا ما يؤكده عرض الأسباب المرفق بالمادة، لكن نتساءل ما جدوى هذا التوحيد بين سن الرشد المدني و سن الزواج، بل أكثر من هذا ما جدوى مساواة سن الرجل بالمرأة خاصة إذا علمنا أنه :
– فيما يخص مساواة الرجل بالمرأة في سن الزواج، فإنه لا يخدم مصلحة المرأة، حيث أنه من الثابت علميا و فقها أن المرأة تبلغ قبل الرجل و تصبح مؤهلة للزواج قبله، إضافة إلى عاداتنا و أعرافنا السائدة عندنا و في كل الدول العربية و التي تميل كلها إلى زواج الفتاة قبل الفتى و إلى الزواج المبكر بصفة عامة لتفادي الانحرافات الأخلاقية و الاجتماعية.
– و فيما يخص توحيد سن الرشد المدني مع سن الزواج، فإنه يعتبر مبالغ فيه كونه و بالنظر لأغلب بلدان العالم نجد أن سن الزواج فيها يختلف عن سن الرشد المدني، و هذا لما يتميز به عقد الزواج من خصائص عن بقية العقود حيث أنه يفترض البلوغ و العقل أكثر من الرشد، و قد أكد الفقهاء على صحة زواج المميز.
كما أنه ورد في تعديل المادة 7 من قانون الأسرة أن الزوج القاصر يكتسب أهلية التقاضي فيما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق و التزامات، و هو ما يجعل إشكالية اختلاف سن الرشد عن سن الزواج غير قائمة، حيث أنه يصبح راشدا بقوة القانون في حدود عقد زواجه و ما يرتبه من آثار.
و منه يكون مشروع التعديل قد حل إشكالية اختلاف سن الزواج عن سن الرشد بمجرد نصه على الترشيد القانوني سابق الذكر، و عليه لم يكن ملزما أن يساوي بين الرجل و المرأة من حيث سن الزواج، و لم يكن مجبرا أن يساوي بين أهلية الزواج و سن الرشد المدني. فلا يخضع تحديد سن الزواج سوى لدراسة إجتماعية للبيئة الجزائرية، يقوم بها علماء الاجتماع و أطباء و علماء الشرع و رجال القانون و هذا للوصول إلى الأفضل و تفادي الحالات العديدة التي يلجأ فيها إلى الزواج رغم عدم توافر السن القانونية و لما يتبع ذلك من مشاكل بالنسبة لأبناء هؤلاء.
و منه يكون التعديل المقترح بدل التطرق إلى ما أشرنا إليه من انتقاد للمادة 7 من قانون الأسرة أضاف إشكاليات أخرى، نلخصها فيما يلي :
– يصبح الاستثناء قاعدة و القاعدة استثناء، و هذا ما يجعل رئيس المحكمة و كأنه من يأذن بالزواج من خلال منحه لترخيص بصفة كبيرة.
إضافة إلى إشكالية الضرورة و المصلحة التي تقدر لمنح الترخيص و التي حتما تختلف من قاضي لآخر، فما يعتبر عند واحد ضرورة لا يعتبر كذلك عند الآخر دون الإشارة إلى اختلافها من منطقة إلى أخرى و من عرف لآخر و بهذا نكون في مواجهة حالة من تفاوت في منح التراخيص لكي لا نقول تناقض، حيث يصدر أمر يبرر منح التراخيص، و يصدر أمر آخر في نفس الحالة في مكان آخر يبرر رفض منحه ؟!
– و بالنتيجة على ازدياد طلب التراخيص بسبب رفع سن الزواج يزداد رفض منحها لأن الأسباب غالبا ما تتعلق بعرف المنطقة (خاصة الزواج المبكر للفتاة) و تزداد دعاوى تسجيل الزواج في الحالة المدنية، أين لا تشترط المادة 22 من قانون الأسرة سوى ضرورة توافر الأركان، و أهلية الزواج كما نعلم ليست كذلك.
و فيما يخص المادة 7 مكرر من مقترحات التعديل على أنه : “يجب على طالبي الزواج أن يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن الشهرين تثبت خلوهما من أي مرض يتنافى مع الزواج.
يتعين على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يتأكد قبل تحرير عقد الزواج من خضوع الطرفين للفحوصات الطبية و من علمهما بما قد تكشف عنه من أمراض.
تحدد شروط و كيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم”.
و قد وردت هذه المادة التي نحن بصدد تحليلها و مناقشتها في مقترحات التعديل متكونة من ثلاث فقرات، حيث تضمنت الفقرة الأولى النص على شرط جديد من شروط الزواج، و هو تقديم وثيقة طبية تثبت خلوهما من أي مرض يتنافى مع الزواج، لا تزيد مدة إستخراجها عن شهرين. و في الحقيقة فإن هذا الشرط ليس بجديد فعلا عن عقود الزواج عندنا، كونه كان متوفر كشرط خاص يخص بعض الفئات الاجتماعية بالنظر إلى طبيعة وظيفتهم و هم أفراد الجيش.
و المتصفح كذلك لقانون الأحوال الشخصية السوري رقم 34 الصادر بتاريخ 31/12/1975 نجده أورد هذا الشرط في الفصل السادس (معاملات الزواج الإدارية) في المادة 40 : فأوردت : “…ج : شهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية و من الموانع الصحية للزواج. و للقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره” . فهو من بين الشروط التي وضعها القانون السوري و سماها الدكتور عبد الرحمن الصابوني بالشروط القانونية لأن الفقهاء لم يشترطوها و لا تؤثر على صحة العقد و انعقاده، و لكنها ضرورية لتوثيق العقد و تسجيله و التأكد من شخصية الزوجين.
أما الفقرة الثانية فإنها تناولت إلقاء التزام على عاتق الموثق و ضابط الحالة المدنية للتأكد من قيام الطرفين بالفحوصات، و هذا من خلال الوثيقة المقدمة و باعتبارهم المكلفين بتحرير عقود الزواج.
أما الفقرة الأخيرة فقد أحالت على التنظيم لتطبيق هذا الشرط .
و كتقييم لهذه المادة نقول أنها أتت لتدعم شرط الأهلية الكاملة في الزواج، فأضافت شرط تقديم شهادة طبية تثبت أن الطرفان خاليان من أي مرض يتنافى مع الزواج، لأن إصابة أحد الزوجين بمرض معد ينتقل للزوج الآخر فيه من الضرر ما لا يخفى كما أن فيه تغرير للسليم منهما إذ ربما لو علم بمرض زوجه لما وافق على الزواج به.
و قد أوكل مهمة تجسيد هذا الشرط إلى الموظف المكلف بتحرير عقود الزواج و هما الموثق و ضابط الحالة المدنية اللذان يعتبران أكثر الناس ضمانا لها و لتطبيقها.
و في الأخير نشير أنه من خلال الإطلاع على مؤلف الصابوني نجده قدم اقتراح أن يضيف مشرعهم إلى جانب الشهادة الطبية تقريرا يتضمن فحص لدم كل من الزوجين لأن الطب الحديث بما توصل إليه المخبر من دقة في التحليل على أن فصيلة دم الزوجة إذا لم تكن على وفاق مع فصيلة دم الزوج، فقد يحصل تشويه في الجنين أو إجهاض قبل الأوان أو ينشأ الولد مريضا إلى غير ذلك من الأمور. و لابأس من تبني اقتراحه ليضاف إلى مقترحات التعديل.

المطلب الثاني : تـعـدد الزوجات

ارتأينا أن نتناول موضوع التعدد ضمن المبحث الثاني، و هذا لورود التعدد في المادة 8 من قانون الأسرة، و التي تشترط ليتم عقد الزواج أن يتم إعلام الزوجة السابقة و اللاحقة في حالة تعدد الزوجات، و بالتالي فهو بشكل أو بآخر شرط من الشروط العامة لعقد الزواج مثله مثل إشتراط أهلية الزواج و إن كانت معظم القوانين العربية لا تتناول هذه النقطة منفردة بل ضمن شرط حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الإقتران بها، و الذي يعتبره الفقه كله من شروط صحة عقد الزواج إضافة إلى الشاهدين.
بحيث أنه عند تفصيل شرط حل المرأة للتزوج بالرجل الذي يريد الإقتران بها نجد ضمن المحرمات من النساء مؤقتا الزواج بالخامسة و عنده أربع في عصمته و لو حكما.
و يعتبر تعدد الزوجات، و ما إشترطه المشرع من شروط لجوازه من بين أهم مواضيع قانون الأسرة و أكثرها جدلا، بين مؤيد و معارض و متحفظ في إبداء رأيه.
و هذا ما أدى إلى اعتبارها من ضمن اشكالات قانون الأسرة سواء لصياغة المادة 8 الغامضة أو لأحكامها وأصبح من الضرورات الملحة للتعديل . وقدمت المقترحات لتعدل المادة 8 من قانون الأسرة بموجب المادة 6 منه.¨ وتضاف مادتان جديدتان وهما المادة 8 مكرر و 8 مكرر 1 و هذا بموجب المادة 7 من مقترح التعديل.
و لنقف على هذه المسألة بالتفصيل قسمنا المطلب إلى :

أولا : تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية و الشرائع الأخرى و القوانين المقارنة:
إن نظام تعدد الزوجات هو شكل من أشكال الزواج، و هو أن يجمع الرجل في عصمته أكثر من زوجة واحدة.
و قد أباح الإسلام للرجل أن يتزوج أربع زوجات ليس بينهن قرابة محرمة، و حرم عليه الزواج بالخامسة حتى يطلق إحدى زوجاته و تمضي عدتها سواء أكانت العدة من طلاق رجعي أو بائن و هو ما جعل مسألة تعدد الزوجات ترتبط به و كأنه من أوجدها و كرسها، و إعتبرت المنفذ لمهاجمته خاصة بعد أن ساء تطبيق هذا المبدأ.
و الحقيقة أن تاريخ تعدد الزوجات قديم قدم المجتمعات و ما تبنته من شرائع و قوانين مختلفة، و الإسلام قام فقط بتنظيمه و تقييده. و عليه سندرسه بالتفصيل في الشريعة الإسلامية في جزء منفصل، ثم في مختلف الشرائع الأخرى و القوانين المقارنة في الجزء الأخر.

1- التعدد في الشريعة الإسلامية :
يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، إذ أن في الأربع الكفاية و في الزيادة عليها تفويت الإحسان الذي شرعه الله لصلاح الحياة الزوجية.
و قد ورد ذلك في القرآن الكريم و السنة النبوية و الإجماع. ففي القرآن الكريم قوله تعالى : ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة “.
أما في السنة النبوية فقد وردت عدة أحاديث تمنع الرجل الزواج بما زاد على أربع زوجات، و من ذلك أن غيلان الثقفي أسلم و له عشر نسوة أسلمن معه، فقال عليه السلام : “إمسك أربعا و فارق سائرهن”.
كما إنعقد إجماع الأمة على ذلك دون خلاف منذ نزول القرآن حتى عصرنا الحاضر.
و بهذا فقد أباحت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات، و تبدو لنا حكمة ذلك إذا عرفنا أن هذه الشريعة جاءت عامة شاملة لكل الأمم و لمختلف العصور، فكان لا بد لتشريع هذه صفاته من أن يوجد الحلول لكل أمر واقع أو متوقع و لو كانت نسبة وقوعه واحد من ألف أو مرة واحدة لكل جيل من الناس أو لقوم دون قوم في فترة من الزمان.
و الزواج كما شرعه الله فيه سكن للنفس و راحة للضمير و القلب و إستقرار للحياة و الوجدان، قد تعترضه بعض العقبات على نطاق الأفراد و الجماعات، فقد تصاب الزوجة بعقم أو مرض مزمن، أو تبتلى الأمم بكوارث و نكبات تفقد فيها شبابها فيزيد عدد الإناث على الذكور.
فما هو الحل لمثل هذه الحالات ؟
الأمم الأجنبية وجدت الحل الرخيص حين أباحت معاشرة النساء من دون قيد أو شرط فسدت باب التعدد و فتحت أبوابا أخرى.
أما القرآن الكريم فقد ذكر حلا واضحا حين الحاجة إليه فأباح تعدد الزوجات الذي كان معروفا لدى العرب دون قيد فجاءت حكمة التشريع الإسلامي بثلاث قيود أو شروط :

أ- شروط التعدد :
لقد جعل القرآن الكريم التعدد مباحا حين تدعو إليه الضرورة، فلم يجعله واجبا أو أمرا مستحبا لأن الزواج الأمثل هو الزواج المفرد، لهذا لم يترك التعدد للممارسة العشوائية، حيث وجدت القيود الشرعية الثلاث :
– حصر العدد بأربع زوجات فقط : جاء في الآية الكريمة : ” مثنى و ثلاث ورباع “. فبموجب الآية الكريمة هذه يجب عدم الزيادة على الأربع، و المرأة الزائدة على الأربع هي من قبل النساء المحرمات. و هو شرط ثابت بالقرآن و السنة كما رٍأينا.
و في حكم من زاد على أربع قال مالك و الشافعي عليه الحد إن كان عالما، و قال الزهري : يرجم إذا كان عالما، و إن كان جاهلا أدى الحدين الذي هو الجلد و لها مهرها و يفرق بينهما و لا يجتمعان أبداً.
– شرط العدل : من الشروط التي قيد الله سبحانه و تعالى بها إباحة التعدد هو العدالة بين الزوجات، قال تعالى : ” فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة “.
و قد فسر أبو بكر الرازي هذه الآية في كتابه أحكام القرآن : ( أمر الله تعالى بالإقتصار على واحدة، إذا خاف الجور و مجانبة العدل، إنها إباحة للتنثين إذا شاء، و للثلاث، فإن خاف ألا يعدل إقتصر على إثنتين فإن خاف ألا يعدل بينهما إقتصر على واحدة.
و العدل المطلوب هو العدل الظاهر و هو القسم بين الزوجتين، و المساواة في الإنفاق و المساواة في المعاملة الظاهرة، و ليس هو العدل في المحبة الباطنة فإن ذلك لا يستطيعه أحد و لا يكلف الله إلا ما يكون في الوسع.
و كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يسوي بين أزواجه في المحبة القلبية، و لذلك كان يقول عند قسمه بين أزواجه : ” اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك
و لا أملك”.
– شرط القدرة على الإنفاق : لا يحل شرعا الإقدام على الزواج سواء من واحدة أو من أكثر إلا بتوافر القدرة على مؤن الزواج و تكاليفه، و الاستمرار في آداء النفقة الواجبة للزوجة على الزوج، لقوله صلى الله عليه و سلم : ” يا معشر الشباب من استطاع منكم، الباءة فليتزوج…” و الباءة مؤنة النكاح.
و قد اتفق جميع العلماء على أن شرطي العدل و القدرة على الإنفاق لا بد من توافرهما لكل من يرغب في الزواج. فإذا خاف الجور و عدم الوفاء بما عليه من تبعات حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة، بل إذا خاف الجور بعجزه عن القيام بحق المرأة الواحدة حرم عليه أن يتزوج حتى تتحقق له القدرة على الزواج، فبهذا التعدد ليس واجبا، و لا مندوبا، و إنما هو أمر أباحه الإسلام لمقتضيات و مبررات.

ب- حكمة تعدد الزوجات :
إن نظام وحدة الزوجة هو الأفضل و هو الغالب. و أما تعدد الزوجات فهو إستثنائي لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، و لم تجبه الشريعة على أحد بل و لم ترغب فيه. و إنما أباحته لأسباب عامة و خاصة.
– فالأسباب العامة : تتمثل في :
– معالجة حالة قلة الرجال و كثرة النساء، سواء في الأحوال العادية بزيادة نسبة النساء كشمال أوربا، أم في أعقاب الحروب كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى قامت النساء الألمانيات بمظاهرات يطالبن بنظام تعدد الزوجات بعد أن قتلت الحرب معظم الرجال.
وحينئذ يصبح نظام التعدد ضرورة إجتماعية و أخلاقية تقتضيها المصلحة
و الرحمة و صيانة النساء عن التبدل و الإنحراف، و الإصابة بالأمراض الخطيرة و الإيواء في ظل بيت الزوجية الذي تجد فيه المرأة الراحة و الطمأنينة، بدلا من البحث عن الأصحاب الوقتيين، أو حمل لافتات في مواطن إشارات المرور يعلن فيها عن الرغبة في الإتصال الجنسي أو العرض الرخيص في واجهات بعض المحلات في الشوارع العامة.
– إن مسلك التعدد هو مسلك الشريعة التي تخاطب كل الأجناس، و كل الأجيال، فهي تخاطب أهل أروبا و أهل المناطق الحارة، و تخاطب المعتدل المزاح و المعتدل في شهواته، و تخاطب الحاد المفرط في شهواته ، من غير أن يضيق القيد فينخلع من الربقة. إنه بلا ريب الإقتصار على واحدة هو الزواج الأمثل في الجماعة، و هو البعيد عن نطاق الظلم، و لكن لا يرضى به إلا أمثل الرجال، فهل الناس جميعا على هذا الطراز. و إنه لو أغلقنا على ذوي الشهوات الحادة باب الزواج، لفتحوا لأنفسهم باب الفساد فتهتك الستور، و يكون الأولاد الذين لا آباء لهم. و لو خيرنا بين زواج معيب و بين الزنا لإخترنا الأول إن كنا نسير على هدى العقل ونوره.
– لقد كان لهذا التشريع و الأخذ به في العالم الإسلامي فضل كبير في بقائه نقيا بعيدا عن الرذائل الإجتماعية و النقائص الخلقية التي تفشت في المجتمعات التي لا تؤمن بالتعدد و لا تعترف به. فقد لوحظ في المجتمعات التي تحرم التعدد :
* شيوع الفسق و إنتشار الفجور حتى زاد عدد البغايا عن عدد المتزوجات في بعض الجهات.
* و تبع ذلك كثرة المواليد من السفاح حتى بلغت نسبتها في بعض الجهات 50%ففي الولايات المتحدة حسب إحصائيات 1959، يولد كل عام مائتي ألف ولادة غير شرعية.
* انتشار الأمراض الخبيثة و العقد النفسية و الإضطربات العصبية.
* تسربت عوامل الضعف و الإنحلال في النفوس.
* إنحلت عرى الصلات الوثيقة بين الزوج و زوجته و إضطربت الحياة الزوجية
و إنفكت روابط الأسرة حتى لم تعد شيئا ذا قيمة، و ضاعت الأنساب.
– أما الأسباب الخاصة : و أهمها هي :
– أن تكون الزوجة عقيما لا تلد أو مريضة مرضا لا يرجى شفاؤها منه و هي مع ذلك راغبة في إستمرار الحياة الزوجية، و الزوج راغب في إنجاب الأولاد و في الزوجة التي تدبر شؤون بيته.
فهل من الخير للزوج أن يرضى بهذا الواقع الأليم، فيصطحب هذه العقيم دون أو يولد له، و هذه المريضة دون أن يكون له من يدبر أمر منزله، فيحتمل هذا الغرم كله وحده ؟… أم الخير في أن يفارقها و هي راغبة في المعاشرة فيؤذيها بالفراق؟.
أم يوفق بين رغبتها و رغبته فيتزوج بأخرى و يبقى عليها فتلتقي مصلحته
و مصلحتها معا ؟ و نعتقد أن الحل الأخير هو أجدى الحلول و أحقها بالقبول و لا يسع صاحب ضمير حي، و عاطفة نبيلة إلا أن يتقبله و يرضى به.
– قد يتطلب عمل الزوج، السفر الطويل و المستمر، و هو لا يستطيع أخذ زوجته كلما سافر، و في هذه الحالة قد تستغرق إقامته في غير بلدته شهورا لا يستطيع أن يصبر على عيشه وحيداً. و هنا إما أن يتصل بإمرأة ثانية إتصالا غير شرعي و يتحمل نتائج ذلك من مشاكل ومخاطر، و إما أن يتزوج إمرأة ثانية لها حقوقها و لأولادها أيضا، ليجنب نفسه و المجتمع المآسي و الأولاد غير الشرعيين و كذا ظاهرة الإنحلال الخلقي.

و بهذا نخلص إلى أن نظام تعدد الزوجات هو علاج و وقاية في آن واحد يجنب المجتمع مشكلات لا حل لها بدونه، فمن رحمة الله بعباده أن أباحه بعد أن قيده بالقدرة على العدل و قصره على أربع لأن ثمة مقتضيات و ضرورات لا يجمل بالمشرع إغفالها، و لا ينبغي له التغاضي عنها.

ج- حق المرأة في مقابل التعدد :
– إذا كان الإسلام أباح التعدد فإنه لم يجعله واجبا و لا مندوبا، و يبقى الزواج المفرد هو الزواج الأمثل و الأحسن في الإسلام.
– إذا كان الإسلام قد أباح التعدد، فإنه جعل من حق المرأة أو وليها أن يشترط ألا يتزوج الرجل عليها. فلوا شرطت الزوجة في عقد الزواج على زوجها ألا يتزوج عليها صح الشرط و لزم، و كان لها حق فسخ الزواج، إذا لم يف لها بالشرط، و لا يسقط حقها في الفسخ إلا إذا أسقطته و رضيت بمخالفته.
و إلى هذا ذهب الإمام أحمد، ورجحه إبن تيمية و إبن القيم. إذ الشروط في الزواج أكبر خطرا منها في البيع و الإجازة و نحوهما.و قد يكون المشروط لفظا أو عرفا، فسيان بين أن يشترط بالقول عند إنعقاد الزواج أو عرفا كفرض أن المرأة من بيت لا يتزوج الرجل على نسائهم ضرة، و لايمكنونه من ذلك وعادتهم مستمرة بذلك كان كالمشروط لفظا.
و قد جاء في هذا المقام ما روي عن عبد الله بن أبي مليكة أن الميسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر يقول : ” إن بني هشام بن المغيرة إستأذنوني أن ينكحوا إبنتهم من عليّ بن أبي طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد إبن أبي طالب أن يطلق إبنتي و ينكح إبنتهم، فإنما إبنتي بضعة مني، يريبني ما أربها و يؤذيني ما آذاها ” و في رواية : ” إن فاطمة مني و أنا أتخوف أن تفتن في دينها ”
و معلوم قطعا أنه صلى الله عليه و سلم إنما زوجه فاطمة رضي الله عنها على ألا يؤذيها و لا يربيها، و لا يؤذي أباها صلى الله عليه و سلم و لا يريبه، و إن لم يكن هذا مشترطا في صلب العقد فإنه من المعلوم بالضرورة إنه إنما دخل عليه .
– إذا كان الإسلام أباح التعدد فإن الفقهاء أجازوا للزوجة الأولى إذا تضررت بزواج زوجها أو قصر بواجبه نحوها أن تطلب الطلاق و للقاضي أن يجيبها لطلبها هذا إذا كانت لم تشترط حين عقد الزواج ألا يتزوج زوجها عليها، و إلا لها شرطها في هذه الحالة و طلب فسخ العقد إن تزوج ثانية.

و كذلك للمرأة التي تفاجأ بأن زوجها متزوج دون أن يخبرها بذلك، فلها أن تطلب التفريق للتغرير لأنها تزوجته على أنه غير متزوج عرفا. و المعروف عرفا كالمشروط شرطا.

2- التعدد في الشرائع الأخرى والقوانين المقارنة
إن نظام تعدد الزوجات كان سائدا قبل ظهور الإسلام في شعوب ومجتمعات كثيرة وهذا دون قيد أو شرط، فالرجل يتزوج كما يشاء من النساء دون رقيب من تشريع أو ضمير. وأن القرآن أتى ليبقى على ما هو موجود بعد تنظيمه وتقييده، ومنه ليس صحيح ما يدعو من أن الإسلام من أتى بهذا النظام. والحقيقة أيضا أن تعدد الزوجات لا يزال إلى الوقت الحاضر منتشرا في عدة شعوب لا تدين بالإسلام. والحقيقة كذلك أنه لا علاقة للدين المسيحي في أصله بتحريم التعدد، و لتأكيد كل هذا نفصل هذا الجزء كما يلي:

أ- التعدد في الأديان السماوية : وهي اليهودية والمسيحية
– في الشريعة اليهودية : عند تناولنا للتعدد في الشريعة الإسلامية لاحظنا مدى ربط المستشرقين والمستغربين للأول بالثانية، وارتأينا أن نتناول التعدد في الشريعة اليهودية ونتساءل لماذا لم يرتبطا ؟
فقد أباح اليهود تعدد الزوجات عند توافر مسوغ شرعي و لهذا قالوا في المادة 55 من كتاب شمعون : إذا كان الرجل في سعة من العيش ويقدر أن يعدل أو كان له مسوغ شرعي جاز له أن يتزوج بأخرى .
وقد يكون التعدد حكما إلزاميا كما لومات زوج دون إنجاب فتعتبر زوجته زوجة لأخيه حكما دون رضاها.
– في الشريعة المسيحية : إنه لا علاقة للدين المسيحي في أصله بتحريم التعدد، وذلك أنه لم يرد في الإنجيل نص صريح يدل على هذا التحريم. وإذا كان السابقون الأولون إلى المسيحية من أهل أوربا قد ساروا على نظام وحدة الزوجة فما ذلك إلا لأن معظم الأمم الأوروبية الوثنية التي إنتشرت فيها المسيحية في أول الأمر – وهي شعوب اليونان والرومان – كانت تقاليدها تحرم تعدد الزوجات المعقود عليهن وقد سار أهلها – بعد إعتناقهم المسيحية- على ما وجدوا عليه آباءهم من قبل وبعدها إستقرت على هذا النظم الكنسية المستحدثة.

ب – التعدد في مختلف المجتمعات :
من بين الشعوب الكثيرة التي عرفت هذا النظام منذ القدم نذكر « العبريون » و « العرب » في الجاهلية، وشعوب « الصقالبة أو السلافيون » وهي التي تنتهي إليهم معظم أهل، البلاد التي نسميها الآن : روسيا، ليتونيا، ليتوانيا، إستونيا، بولونيا، تشيكوسلوفاكيا، يوغسلافيا، وعند بعض الشعوب ” الجرمانية والسكسونية ” التي ينتمي إليها معظم أهل البلاد التي نسميها الآن : ألمانيا ، النمسا، سويسرا، بلجيكا، هولندا، الدانمارك. ولا يزال إلى الوقت الحاضر منتشرا في عدة شعوب لا تدين بالإسلام كـإفريقيا التي أعلنت كنيستها الإستقلال على الكنيسة الأوروبية بسبب إباحة التعدد الذي هو معروف عندهم و في عاداتهم منتشرا ، وكذا : الهند، والصين، واليابان.

ج- التعدد في القوانين المقارنة :
إذا كانت الدول الغربية قد منعت التعدد بنص صريح كفرنسا في المادة 147 من القانون المدني، وألمانيا في المادة 1326 من القانون المدني وسويسرا في المادة 101 من القانون المدني.
فإن الدول العربية نجدها إنقسمت حول هذه المسألة، فنجد أن أغلب دول المشرق والخليج تأخذ بهذا النظام دون قيد أو شرط ومثالها : الكويت، السعودية، الجمهورية اليمنية، ليبيا، السودان، ودول أخرى أخذت به مع التقييد ومثالها : المغرب، العراق، سوريا، مصر، الجزائر.
وأما المثال الوحيد للدول التي منعت التعدد نجد تونس، وهذا من خلال الفصل 18، مجلة الأحوال الشخصية التي تعاقب بسنة حبس وبغرامة قدرها 240 دينار لكل من يخالف هذا المنع.

ثانيا : تعدد الزوجات في قانون الأسرة الساري والتعديلات المقترحة :
في الجزائر وبصدد القانون رقم 84/11 المؤرخ في 9 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة، نجد أن المشرع الجزائري قد أجاز تعدد الزوجات وابقاه، لكن أورد عليه قيود إضافية وهذا من خلال نص المادة 8 فما هي هذه القيود؟ وماهي الإشكاليات التي تثيرها المادة 8 ؟ وما أضافه التعديل إليها ؟

1- قيود إباحة التعدد في التشريع الجزائري :
نصت المادة 8 من قانون الأسرة على أنه : «يسمح بالزواج بأكثر من واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي و توفرت شروط و نية العدل ويتم ذلك بعد علم كل من الزوجة السابقة واللاحقة، ولكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة لغش والمطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضى ».
فمن خلال دراسة هذه المادة نجد أن المشرع إلى جانب ما أقرته الشريعة من قيود لإباحة التعدد وهي : العدد، والقدرة على الإنفاق ، أوجد قيود قانونية أخرى لضمان أحسن لتطبيق التعدد في إطار شرعي.
أ- القيود الشرعية : وهي نفسها القيود التي سبق أن درسناها، والمتمثلة في :
– شرط العدد : لقد نص المشرع على أنه يسمح بالزواج بأكثر من واحدة، دون أن يبين العدد، ولكنه ذكر أن يكون في حدود الشريعة الإسلامية، وهذه الأخيرة حسمت الأمر بأربع زوجات كما سبق تفصيله.
– القدرة على الإنفاق : لم ينص المشرع الجزائري عليه صراحة في المادة 8 من قانون الأسرة، وبالتالي علينا أن نرجع إلى الشريعة الإسلامية لتفصيل هذه النقطة لأن القدرة على الإنفاق أمر واجب يقتضيه الشرع وعلى الزوج أن يوفر لزوجاته السكن اللائق وغيره.
– نية العدل : اشترط المشرع في المادة 8 من قانون الأسرة «نية العدل » بدل اشتراط العدل ، وبهذا يكون قد خالف الشريعة الإسلامية، وما ذهبت إليه القوانين العربية الأخرى، إذ كيف يشترط نية العدل على الرغم من أنها من خفايا النفس البشرية دون أن يبين ما إذا كان يجب توافرها قبل زمن إبرام العقد أو بعده أي أنه من ينوي العدل قبل العقد ثم يغير رأيه من بعد جائز في القانون .
لهذا كان على المشرع الاكتفاء بعبارة العدل، دون الدخول في متاهة النية خاصة أن القاضي يقدر هذا الشرط حسب الظاهر أي الجانب المادي .
ب- القيود القانونية : لقد تدخل المشرع لتنظيم التعدد بقواعد قانونية من أجل ضمان العدل، لهذا أوجد إلى جانب القيود الشرعية، قيود قانونية هي :
– وجود المبرر الشرعي : إن اشتراط المبرر الشرعي قبل الزواج بأكثر من امرأة واحدة يعني أنه ليس من الجائز للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة بدون توفر هذا الشرط إلى جانب بقية الشروط .
لكن ما نوع هذا المبرر الشرعي وما شكله. خاصة أنه بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية لا نجدها قد وضعت مبررات لإباحة التعدد، بل كل ما هنالك مجرد مبررات وضعها الناس، في شكل قواعد قانونية وألزموا أنفسهم بتطبيقها.
ولكثرة التساؤل والغموض الذي تكتنف شرط المبرر الشرعي، أصدرت وزارة العدل منشورين لمعالجة هذه القضية، فطبقا للمنشور رقم 102-84 الذي جاء يبين كيفية تطبيق الشروط الواردة في المادة 8 من قانون الأسرة، وضح بأنه على الموثق أو ضابط الحالة المدنية عند إبرام عقد الزواج بزوجة ثانية أن يتحقق من توفر شرط المبرر الشرعي، إذ يكتفي في إثباته بشهادة طبية من طبيب إختصاصي تثبت عقم الزوجة الأولى أو مرضها العضال فإذا لم يثبت هذا، رفض الموثق أو ضابط الحالة المدنية تلقي العقد.
وأضاف المنشور الوزاري رقم 14 المؤرخ في 22/08/1985 أنه خارج حالة المرض العضال أو عقم الزوجة الأولى يستوجب أخذ رأي القاضي في تقرير سبب الزواج الثاني سيما في حالة رفض الزوجة الأولى، وللقاضي السلطة التقديرية في الترخيص بالزواج الثاني أو رفضه بمجرد أمر على عريضة غير قابلة للطعن.
ومع هذا نجد أن هاذين المنشورين بقيا طي النسيان، ولا يتم العمل بهما، ويبقى المبرر الشرعي يطرح التساؤل عن مفهومه.
– علم الزوجة السابقة واللاحقة : أي أنه يجب على الزوج أن يطلع زوجته الأولى عن عزمه الزواج ثانية، ويخبر زوجته الثانية عن زواجه الأول، وهذا ليس بقصد المشورة لأن لهما حق طلب التطليق فيما بعد، بل لكي لا يبقى زواجه سواء الأول أو الثاني طي الكتمان خاصة أن أغلب شهادات الميلاد يغفل ضابط الحالة المدنية أن يسجل عليها زواج صاحبها، ولنمكن كل واحدة من ممارسة حقها في طلب التطليق.
ولكنه لم يبين كيفية القيام بالإجراء، ومن يقوم به ؟
ولسد الفراغ الحاصل في المادة والذي يعطل تطبيقها تم اللجوء إلى المنشور رقم 102-84 السابق الإشارة إليه، فأوضح أن الإعلام يتم بالتبليغ الرسمي عن طريق محضر قضائي، فإذا حضرتا سجل في صلب العقد رضا كل منهما أو إعتراض الزوجة السابقة ليكون حجة يرجع إليه عند التنازع فإذا لم تحضر هذه الأخيرة أثبتت غيبتها وأبرم العقد.

2- الإشكاليات التي تثيرها المادة 8 قانون الأسرة :
إنه من خلال تحليل المادة 8 من قانون الأسرة نجد أن هذه الأخيرة تتميز بثلاث مبادىء :
– المبدأ الأول : هو الإبقاء على نظام تعدد الزوجات كما حددته الشريعة الإسلامية فحافظ على احترام القواعد العامة الثابتة للشريعة الإسلامية ، وهو بهذا يكون قد أقر أن
للرجل حق الزواج بأكثر من واحدة في حدود الشريعة الإسلامية
– المبدأ الثاني: هو وضعه لشروط تضمن حماية نظام التعدد وضمان حسن تطبيقه، حيث إضافة إلى القيود الشرعية وهي : نية العدل والعدد والقدرة على الإنفاق، أورد قيود القانونية وهي المبرر الشرعي وكذا إعلام الزوجة السابقة واللاحقة.
– المبدأ الثالث : فتضمن ما يمكن القيام به عند مخالفة أحد الشروط لكن هذه المبادئ الثلاثة عند تحليلها نجد أنها تطرح إشكاليات أكثر مما تشرع أمرا، فالمشرع رغم حفاظه على نظام التعدد، فإنه وضع عراقيل في طريق ممارسته. وذلك بوضع شروط غامضة ومبهمة وهو ما نجده في النقاط التالية :

* النص على المبرر الشرعي دون أن يحدد نوعه أو شكله، ورغم أنه صدر المنشور الوزاري رقم 14-85 ونص على حالة العقم وكذا المرض العضال لكنه نص أيضا على أنه خارج الحالتين السابقتين يعود أمر تقدير المبرر الشرعي إلى القاضي. لنبدأ بهذا من جديد التساؤل : ما هو نوع أو شكل المبرر الشرعي وأي المقاييس يعتمدها القاضي لتقرير ذلك.
* النص على نية العدل بدل العدل، لأن الأول يدخل في باطن النفس، وأما الثاني فيستشف من المظاهر الخارجية المادية، حيث ا لأول مستحيل التأكدمنه و الثاني يمكن التأكد منه من طرف القاضي.
ثم إن العدل يتحقق منه بعد الزواج وليس قبله، وهو بهذا لا يشكل قيدا أو شرطا مسبقا للتعدد، وإنما يشكل مطلب من مطالب ومقاصد الشريعة الإسلامية لهذا يبقى تحري العدل لإباحة التعدد أمر بين العبد وربه ولا مجال للرقابة القبلية عليه.
* إغفال المشرع لأحد الشروط المهمة التي تبيح التعدد، ألا وهو القدرة على الإنفاق رغم ما لهذا العنصر من أهمية في إباحة التعدد، حيث هو الوسيلة التي يلجأ إليها للتأكد من أحقية الرجل في إعادة الزواج وعكس العدل أو نية العدل، فإن هذا الأخير ظاهر للعيان يمكن التحقق من وجوده.
ورغم أنه إفترضنا عودتنا للشريعة فإنه نقول أنه كان على المشرع أن يذكر شرطي، العدل والقدرة على الإنفاق معا في المادة أو يحيلنا على الشريعة وفقط.
* اشترط المشرع علم الزوجة السابقة واللاحقة متغاضيا عن كيفية الإعلام وكذا المكلف بها. وإضطر بعدها لإصدار منشورين وزاريين هما 102-84 و14-85
ليوضح الحل، لكن التطبيق يبقى نادر.
لهذا على المشرع تدارك الأمر إما بالنص في المادة على كيفية الإعلام، أو يشير إلى أن التطبيق يحدده تنظيم لاحق ليضفي عليه صفة القوة، ولا يحتج أحد بجهل وجوده.
* بالنسبة للمبدأ الثالث والذي نص على ضمانات المادة 8، حيث أعطت حماية قانونية لكل من الزوجة السابقة واللاحقة. وهذا للموازنة بينها وبين الرجل وحقه في التعدد، كون المرأة الأولى تزوجت على أساس أنها الوحيدة والمرأة الثانية تتزوجه على أساس أنه غير متزوج عرفا، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا لهذا نصت المادة 8 من قانون الأسرة على أنه : «ولكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة الغش، والمطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضى » فنجد أن تدخل المشرع جاء محتشما حيث إكتفى بمنح الزوجة المتزوج عليها والزوجة المتزوج بها حق الإلتجاء إلى القضاء لطلب الحكم بتطليقها في حالة الغش أو عدم الرضا. متناسيا بهذا أن يرتب على مخالف شروط المادة 8 أية عقوبة جزائية أو حتى مدنية، أو يرتب على إغفالها أو إهمالها أو فقدانها مجتمعة أي أثر، ولم يجعل منها شروط صحة للزواج الثاني، كما لم يجعل من فقدانها وعدم إحترامها سببا من أسباب الفسخ أو البطلان قبل الدخول أو بعده.
* وفي ختام هذه المادة نشير إلى أن المشرع عند منح المرأة حق التطليق لم يبين أبسط شيء فيه وهو متى يسقط أم أنه يبقى حقها قائما تطالب به بعد شهر، سنة، عشر سنوات…من يوم العلم بالزواج الخفي أو الزواج الذي لم ترض به وهذا من شأنه أن يهدد العلاقات الأسرية القائمة.
وبهذا تكون المادة 8 من قانون الأسرة المادة الأكثر غموضا وإبهاما ولا تصمد في وجه النقاشات التي ماتفتأ أن تثور على مبدأ التعدد.

3 – ما أضافه التعديل المقترح للمادة 8 من قانون الأسرة :
لقد كان سوء التطبيق وعدم مراعاة تعاليم الإسلام وقانون الأسرة جزء منها حجة ناهضة للذين لا يريدون تعدد الزوجات، حيث أن بعض الأفراد يسيئون فهم هذا الحق ويتعسفون في تطبيقه، وللحيلولة دون ذلك وسد الثغرات التي تشوب المادة 8 من قانون الأسرة ومن خلالها تعدد الزوجات مس تعديل قانون الأسرة المقترح المادة 8 والمتعلقة بالتعدد و هذا بموجب المادتين 6 و7. وفي هذا المقام نتساءل ماذا أضاف التعديل للمادة 8 ؟ وإلى أي مد وفق في حل الإشكالات التي تطرحها ؟
وللإجابة على هذا نتطرق إلى دراسة وتحليل المادة المعدلة و المواد المقترحة ثم إلى تقييمها.
لقد جاء مشروع التعديل بالمواد 8، 8 مكرر، 8 مكرر1 التي تناولت في مجملها موضوع تعدد الزوجات وعليه سندرسها معا لوجود إرتباط وثيق بينها.
فالمادة 8 تنص على أنه : « يسمح بالزواج بأكثر من زوجة واحدة في حدود الشريعة الإسلامية متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل.
وفي هذه الحالة يجب على الزوج إخبار كل من الزوجة أو الزوجات السابقة والمرأة التي يرغب في الزواج بها وأن يقدم طلب الترخيص بالزواج إلى رئيس المحكمة لمكان مسكن الزوجية.
و يمكن لرئيس المحكمة أن يرخص بالزواج الجديد إذا تأكد من موافقتهن أو موافقتهما واثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية »
وتنص المادة 8 مكرر أنه « في حالة الغش يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالتطليق ».
وتنص المادة 8 مكرر 1 أنه : « يفسخ الزواج الجديد قبل الدخول إذا لم يستصدر الزوج ترخيصا من القاضي وفقا للشروط المحددة في المادة 8 أعلاه »

إنه من خلال دراسة هذه المواد نجد أن التعديل إلى جانب إحتفاظه بالقيود الشرعية والقانونية الواردة في المادة 8، وكذا الضمانات المتمثلة في حق الزوجتين في طلب التطليق عند الغش أو عدم الرضا، نجد أنه أضاف :
– شرط طلب الترخيص من رئيس المحكمة.
– كما جعل موافقة الزوجة السابقة واللاحقة تلعب دورا في منح الترخيص.
– و أسقط حق المرأة في التطليق لعدم الرضا، حيث أبقى فقط حقها في التطليق عند الغش.
– كما رتب على عدم إستصدار الترخيص، من القاضي فسخ الزواج الجديد قبل الدخول.
وهي النقاط التي سنحاول تفصيلها وتقييمها على النحو التالي:
لقد أضاف التعديل المقترح شرط طلب الترخيص من رئيس المحكمة لإباحة التعدد، و اعتد بموافقة الزوجتين لمنح الترخيص، وهذه كلها تعتبر قيودا على حق الزوج في التعدد، كما أضاف التعديل المقترح ضمانات أخرى للزوجة الأولى، أين رتب على عدم استصدار الزوج لترخيص من القاضي وفق للشروط المحددة في المادة 8 عقوبة فسخ الزواج الجديد قبل الدخول ، مع التساؤل هل إسقاط عبارة « في حالة عدم الرضى » يعني إسقاط حق المرأة في التطليق إذا أعلمها زوجها بزواجه الثاني وحصل على ترخيص من رئيس المحكمة ؟

أ- القيود المضافة بالتعديل المقترح : والمتمثلة في :

– شرط طلب الترخيص من رئيس المحكمة لإباحة التعدد : إن الجزائر من بين البلدان العربية التي قيدت التعدد فلم تبحه إطلاقا ولم تمنعه إطلاق. وهذا لضمان إحترام الناس لمبدأ التعدد المنصوص عليه في الشريعة الإسلامية ، وكذا حسن تطبيقه. فنصت على العدل والقدرة على الإنفاق وكذا وجود المبرر الشرعي، وإعلام الزوجة السابقة واللاحقة.
لكن التعديل المقترح أضاف شرطا آخر هو طلب الترخيص من رئيس المحكمة مسايرا بهذا المشرع السوري الذي نص في المادة 17 أنه : «للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي وكان الزوج قادرا على نفقتهما ، فالقاضي من يتولى التأكد من تحقق ما إشترطه المشرع لإباحة الزواج، وهذا للحد من الجهلة الذين أساءوا إستعمال رخصة التعدد المأذون بها شرعا لغايات إنسانية كريمة.
لكن يبقى هذا القيد وإشتراطه محل نظر خاصة ان الفقهاء عارضوا هذا القيد وأكدوا أنه مرفوض لأن شرطي التعدد منوطة بالراغب في الزواج دون غيره كما أن إشراف القاضي على الأمور الشخصية أمر عبث إذ قد لا يطلع على السبب الحقيقي فإذا إطلع على الحقائق كان إطلاعه فضحا لأسس الحياة الزوجية وتدخلا في حريات الناس وإهدار لإرادة الإنسان.
ثم إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة المخيفة وإنما بالعكس فهو محدود .
– موافقة الزوجة السابقة واللاحقة ودورها في منح الترخيص : نصت الفقرة الثالثة من المادة 8 انه يمكن للقاضي منح الترخيص إذا وافقت الزوجة أو الزوجات السابقة واللاحقة على هذا التعدد وأثبت الزوج المبرر الشرعي وقدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية.
وبهذا تكون هذه الفقرة قد أتت لتجعل موافقة كل من الزوجة السابقة والمرأة المراد التزوج بها سببا لمنح رئيس لمحكمة للرخصة بعد التأكد من قدرة الزوج على توفير، العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية.
ونتساءل هنا : عن سبب وجود عبارة « وأثبت الزوج المبرر الشرعي »، وما هو محلها من الإعراب ؟
فما دام المشرع قد ذكر في الفقرة الثانية أن القاضي يمنح الترخيص بعد إخبار ) و ليس موافقة ( الزوجة السابقة واللاحقة، والتأكد من المبرر الشرعي وباقي الشروط ثم ذكر أنه في حالة موافقة ) وليس إخبار( الزوجة السابقة واللاحقة يمنح القاضي رخصة. فهذا يعني أن الموافقة تحل محل المبرر الشرعي، ولا يتأكد القاضي سوى من باقي الشروط.
ومنه نقترح أن يكون التعديل :
– إما بحذف الفقرة الثالثة كلية، ما دام أن الزوج ورغم موافقة الزوجتين ملزم على تقديم المبرر الشرعي، والاكتفاء بالفقرة )1( و )2(
– وإما بحذف عبارة « بعد إثبات الزوج للمبرر الشرعي » وإعتبار الموافقة تكفي.

ب- الضمانات المضافة بالتعديل المقترح : والمتمثلة في :

– حق المرأة في طلب التطليق عند الغش : نلاحظ في المادة 8 مكرر أن التعديل قد أسقط عبارة «في حالة عدم الرضى » مكتفيا بحالة الغش أي إخفاء أمر زواجه الثاني عن زوجته الأول أو إخفاء زواجه الأولى عن زوجته الثانية، أي عدم تحقق شرط العلم فرتب حق التطليق، متغاضيا بهذا عن حالة إعلام الزوجة السابقة ورفضها للزواج هنا هل يثبت لها حق التطليق ؟ وإذا كان كذلك لماذا تم إنقاصها ؟
وبهذا يكون التعديل المقترح قد فصل جزءا من المادة 8 من قانون الأسرة وخصص لها مادة دون تدقيق وقد كان أولى به أن يعين مدة محددة لسقوط حق المرأة في طلب التطليق بدل خلق إشكال آخر بنزع حالة علم الزوجة ورفضها.
– معاقبة مخالف شرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة : إن المادة
8 مكرر 1 قد نصت على جزاء مخالفة شرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة وهذا لجعل المادة 8 أكثر فعالية ولكي لا نقول أكثر إلزامية فالمادة التي لا ترتب جزاءا على مخالفتها نجدها أكثر عرضة للخرق.
ولهذا رتب على مخالف شرط الحصول على ترخيص من رئيس المحكمة وفقا للشروط المحددة في المادة 8 جزاء الفسخ للزواج الجديد لكن قبل الدخول، ونسطر على عبارة قبل الدخول، فرغم ما تهدف إليه من حماية ما ينتج عن الزواج الجديد من أولاد، فإنها تعود بنا إلى نقطة البداية قبل ترتيب الفسخ، خاصة أن عقود الزواج عند نا تتم بصفة شرعية وبعد الدخول يتم اللجوء إلى القضاء لتسجيلها، وبالتالي يتم الإفلات من عقوبة الفسخ.
لهذا كان على التعديل المقترح أن يضيف للمادة 8 مكرر 1 : ” أنه في حالة الدخول فإنه تفرض على الزوج المخالف ولو عقوبة مالية “، هذا إذا سلمنا بضرورة وأهمية الحصول على إذن من القاضي وإعتمد ا الشرط أصلا.

المطلب الثالث : الولي

يعد الولي أحد العناصر الجوهرية لإبرام عقد الزواج و الذي أخذ حصة الأسد في استقطاب النقاشات الحادة حول ضرورة وجوده من عدمه في إبرام عقد الزواج و بصيغة أدق الموقف الحقيقي و الفعلي في الوجود القانوني للعقد و آثار تخلفه و أمام الثورة القانونية حول هذا العنصر ارتأينا تسليط الضوء على الولي من خلال تحديد مفهومه و أنواعه وتحديد موقف المشرع الجزائري من خلال قانون الأسرة الساري المفعول و أصحاب التعديلات المقترحة .2

أولا: تعٍٍريف الولاية :
الولاية لغة : الولاية بكسر الواو هي المحبة و النصرة و نقول ولى الرجل و الرجل يليه و ولى عليه و ذلك إذا نصره و أعانه أو قام بأمره و تولى شؤونه و الولي الوصف منه فللولي في اللغة معنيان : أحدهما الناصر و المعين و ثانيهما القائم بأمر الشخص و المتولي لشؤونه.
و الولاية في الشريعة : هي تنفيذ القول على الغير و الإشراف على شؤونهم أو هي القدرة على إنشاء العقد نافذ غير موقوف على إجازة أحد ، أو هي حق منحته الشريعة لبعض الناس ليكتسب به صاحبه تنفيذ قول على غيره رضي ذلك الغير أو لم يرض و سببه أحد الأمرين أولهما : عجز الذي ينفذ القول عليه و ثانيهما : قصور أهليته عن التصرف بنفسه.

ثانيا : أنواع الولاية :
يختلف تقسيم الولاية باختلاف نظرة الفقهاء إليها فهناك من قسمها إلى قسمين مثل الشيخ أبو زهرة حيث قسمها إلى ولاية قاصرة و ولاية متعدية و هناك من قسمها إلى ثلاث أقسام مثل الدكتور العربي بلحاج و رمضان السيد اللذان قسماها إلى ولاية على النفس، و ولاية على المال و ولاية على النفس و المال معا، و هناك من ارتأى أن يجعل تقسيمها وفقا لمنظور المذاهب الأربعة و هو ما أقدم عليه الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي و أدلته – الجزء السابع – الأحوال الشخصية و الدكتور محمد محدة و قد ارتأينا الأخذ بالتقسيم الأخير لأنه سيساعدنا أكثر في تحديد موقف المشرع الجزائري من الولي.

I- الولاية عند فقهاء الشريعة الإسلامية :

1- فالولاية عند الحنفية : على ثلاثة أقسام تتمثل في: الولاية على النفس و الولاية على المال و الولاية على النفس و المال معا و ما يهمنا هنا هي الولاية على النفس .
– و الولاية على النفس : هي الإشراف على شؤون القاصر الشخصية كالتزويج و التطبيب و التعليم و التشغيل و هي تثبت للأب و الجد و سائر الأولياء و هي على نوعين :

أ‌- ولاية الإجبار :
و تسمى الولاية الكاملة و هي تلك الولاية التي يكون فيها للولي حق الاستبداد بإنشاء العقد و التزويج من كانت تحت ولايته دون مشاركة له في الاختيار أو العقد، أو هي تنفيذ القول على الغير بما يشاء.
و أسباب هذه الولاية أربعة هي :
– القرابة : و تعني الرابطة الدموية التي أساسها عمود النسب و حاشيته و يدخل فيها كل من يرث بالتعصيب و ذلك بناءا على ذلك الأساس .
– الملك : و يعني ملك رقبة العبد أو الأمة حيث بهذا الملك يصير المملوك عاجزا عن التصرف كما أخبر المولى سبحانه و تعالى ” كعبد مملوك لا يقدر على شيء”، حيث المقدرة المقصودة هي المقدرة الحكيمة هي مقدرة إبرام العقود و المشاركة فيها.
– الولاء : و المقصود به ولاء العتق و سبب هذه الولاية هي الإنعام بالحرية من السيد على العبد.
–الإمامة : و المقصود بها هي ولاية الحاكم أو السلطان أو من يقوم مقامهما من القضاة .
– لمن تثبت هذه الولاية عند الحنفية ؟ تثبت هذه الولاية للصغر و ضعف العقل المؤدي إلى العجز و من ثم فهي تكون على الصغار القاصرين و من في حكمهم فاقدي الأهلية لجنون أو عته و هذا لعدم مقدرتهم على التصرف و عجزهم على إدراك معالم العقد المرجوة منه، فسبب ولاية الإجبار عند الأحناف هي الصغر لا البكارة و لا الجهالة بأمور النكاح. و تثبت هذه الولاية عند الأحناف لكل العصبة و هي مرتبة حسب ترتيبهم في الميراث فيقدم الأقرب منهم على الأبعد وفق قواعد الحجب و ثمة أولاهم بالولاية هو الابن و ابن الابن و إن نزل و إن كان هذا خاصا بالمعتوه و المعتوهة ثم يليه في المرتبة الأب و الجد ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم أبن الأخ الشقيق ثم لأب ثم العم الشقيق ثم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب ثم أعمام الأب ثم أبنائهم على الذين لأب و هكذا ،فإذا تقدم العصبة من النسب على الترتيب السابق انتقلت لمولى العتاقة ثم لعصبته على ذلك الترتيب ثم بعد ذلك و عند فقدهم تثبت الولاية للأم ثم للبنت إن كانت أمها مجنونة ثم لبنت الابن ثم لبنت البنت و هكذا.

ب- ولاية الاختيار أو ولاية الاستحباب :
و هي تلك الولاية التي تكون على البالغة العاقلة بكرا كانت أم ثيبا حيث يستحب للمرأة أن تفوض الأمر إلى وليها لئلا تنسب إلى الوقاحة ، فإذا كان الحنفية أطلق للمرأة في تزويج نفسها دون إشراك الولي إلا أنه قيدها وفق شروط هي :
الكفاءة : فقد اشترط الحنفية أن يكون الزوج كفء و أن يكون المهر مهر المثل و إلا ترتب عليه حق اعتراض الولي.

2- أما المذهب الشافعي : فقد ذهب إلى تقسيم الولاية في الزواج إلى قسمين : ولاية الإجبار و ولاية إذن و اختيار .

أ- ولاية الإجبار : و هذه الولاية تثبت في حق الذكر كما تثبت في حق الأنثى و إن اختلف المناط أو العلة في حق كل منهما حيث جعلوها في الذكر قائمة و مؤسسة على الصغر فمن كان صغيرا تثبت في حقه ولاية الاختيار أما من بلغ النكاح زالت عنه تلك الولاية و صار من حقه الزواج بنفسه و أن ينفرد بعقد الزواج لوحده أما الأنثى فلقد جعلوا علة قيام الولاية عليها هي البكارة سواء كانت المرأة صغيرة حقا أم كبيرة فما دامت المرأة بكرا تبقى ولاية الإجبار قائمة في حقها فإن تزوجت سقطت عنها و إن طلقت و هي لا زالت صغيرة لم تستطع التزوج بعد ذلك ، لسقوط ولاية الأب عليها، و أساس تزويج المطلقة الصغيرة هو أنها تنتظر حتى تبلغ 0 ذلك أنه قد زالت عنها ولاية الإجبار فيتولى وليها زواجها و هي أصلا لا تستطيع أن تنشئ عقد الزواج بنفسها بل لا بد لها من ذكر يتولى أمرها و هذا يكون بعد إذنها و اختيارها و هي لا رأي لها في اختيار الزوج لصغرها و على هذا تنتظر حتى بلوغها لصلاح اختيارها، كما تثبت هذه الولاية على المجانين و المعاتيه ذكورا و إناثا و هذا متى وجدت المصلحة الداعية إلى زواجهم و لا فرق في ذلك بين الكبير منهم و الصغير، الثيب و البكر و على هذا فإن ولاية الإجبار عند الشافعية تعود إلى واحد من الأسباب التالية :

– الصغر عند الذكور.
– البكارة في الإناث.
– الجنون و العته في كليهما دون تحديد سن أو صنف لما اعتراهم من ضعف.
و تثبت هذه الولاية عند الشافعية بحسب من كان مجنونا أو معتوها و من كان سليم العقل و لكن فرضت عليه ولاية الإجبار لصغر أو بكارة حيث قصروا ولاية الإجبار على الصغيرة و المرأة البكر في الأب و الجد ، و أضافوا الحاكم أو السلطان فيما يخص المجنون و المجنونة متى وجدت المصلحة و دعت إلى ذلك الحاجة و في هذا يقول الشافعي ” ولا يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أحد غير الآباء و إن زوجها فالتزويج مفسوخ و الأجداد آباء إذا لم يكن الأب يقوم مقامه الآباء في ذلك و لا يزوج المغلوب على عقلها أحد غير الآباء ، فإن لم يكن الآباء رفعت إلى السلطان وعليه يعلم الزوج ما اشتهر عنده أنها مغلوبة على عقلها “.
و يكون نكاح الولي المجبر ساريا في حق المرأة أو الصغيرة متى كان الزواج بكفء فإن زوج الولي ابنته بغير كفء كأن يكون الرجل مجنون لم يمض العقد في حقها و لم يجز ذلك لأنها لو كانت بالغة ما استطاع وليها تزويجها به إلا بعد خيارها و تخييرها له.

ب- ولاية إذن و اختيار : لقد ذهب الشافعية إلى أن ولاية الاختيار تثبت في حق من كانت ثيب كبيرة بالغة لكونها قد صارت تعرف المقصود من الزواج ولا تجهل أمر النكاح و عاقبته ، أما من كانت ثيبا لكن صغيرة فلقد ثبت القول أنها لا تزوج حتى تبلغ عند الشافعية.
هذه الولاية تثبت لكل العصبة فيجوز بها لأي منهم تزويج المرأة الثيب بعد إذنها ورضاها، و إقصار هذه الولاية على العصبة دون سواهم من الأوصياء و ذوي الأرحام راجع إلى مشاركتهم لها في العار أو الفخار إذا ما تزوجت بكفء أو غيره .

3- و الولاية في المذهب الحنبلي و المالكي : تقسم كغيرها في المذاهب الأخرى إلى ولاية إجبار و ولاية إذن و اختيار و لكن اختلفوا معهم فيمن تكون و لمن تكون.

أ – ولاية الإجبار : لقد أقام الملكية و الحنابلة ولاية الإجبار على أساس الصغر و البكارة معا فقالوا بالنسبة للصغر ذكرا كان أم أنثى يستطيع وليه إجباره متى لم يبلغ و يزوجه دون إذنه و رضاه فإن بلغ فالذكٍر يملك أمر نفسه و يتزوج بمحض إرادته، أما المرأة فالبكر أيضا كبيرة كانت أم صغيرة لوليها جبرها و تزويجها دون إذن ما لم ترشد على المشهور، و العانس فهي محل خلاف و الأصح أنه يجبرها و في رواية عن مالك أنه يجبرها و إن عنست و بلغت أكثر من أربعين سنة يتحقق علة إجبارها و هي البكارة هذا كله ما لم يزوجها من مجبوب أو أبرص أو نحوهما فإن كان كذلك فلا حق له في جبرها و من تثيبت قبل بلوغها بقي لوليها حق جبرها لاستمرار علة الصغر قائمة في حقها، وعليه فإنه تثبت الولاية في الزواج في حق المرأة ما دامت بكرا و إن كانت بالغة ما لم ترشد وفي حق الصغيرة و إن كانت ثيبا، و إلى جانب أولئك الذين أجبروا لصغر أو بكارة قال المالكية و الحنابلة بإجبار من اتصف بجنون أو عته و ذلك لقصورهم على مواجهة الحياة .

– لمن تثبت هذه الولاية ؟ لقد أثبت الحنابلة و المالكية للأب سلطة إجبار الصغير و البكر على الزواج سواء كان عاقلين أم لا و قصروا الأبوة على المباشرة منها فقط دون امتداد إلى الأجداد ذلك لأن الأب يختلف في كثير من الأحكام عن الجد حيث لا ينزل منزلته في الغراوين كما أنه يحجب كغيره من الوارثين بالتعصيب و ما دام يحجب مثلهم فإنه يأخذ حكمهم، كما أثبتوا هذه الولاية للوصي أي وصي الأب ذلك لأن الوصي كما يقول ابن المفلح في النكاح بمنزلة الموصي لأن ولاية الأب ثابتة فجازت الوصية بها كولاية المال و لأن له أن يستنيب في حياته فكذا بعد مماته كالمال فعلى هذا يجبره من ذكر أو أنثى و هذا القول مشهور عند المالكية أيضا، و روي رأي آخر للمالكية في الوصي و هو المعتمد و الراجح أن الوصي لا يستطيع تزويج الصغير و الصغيرة حتى يبلغا إلا إذا أمره الموصي، و عليه فإن ولاية الإجبار في الزواج تكون للأب أصلا حيث باستطاعته تزويج الصغار من أبنائه و بناته دون إذن أو استشارة عاقلين كانوا أو مجانين. كما تكون هذه الولاية أيضا لوصيه من بعده و إن قلصت قليلا وفق الراجح و المعتمد في البالغ و غير البالغة إذا لم يوصه الأب بالإجبار أو أوصاه بالإجبار سواء كان صريحا كقوله أجبرها أو ضمنيا كزوجها صغيرة فإن له حق تزويجها و جبرها قبل البلوغ و لا خيار لها بعده هذا كله بالنسبة للعاقل و العاقلة ، أما المجنون و المجنونة فإن كان جنونهما قائما معهما منذ الصغر و استمر حتى بعد البلوغ كان للأب و الوصي إجبارهما على الزواج و إن تثيبـت المرأة و أنجبت الأولاد أما إن بلغ عاقلين راشدين ثم جنا فلا ولاية عليهما من طرف الأب أو وصيه لانقطاع الولاية عليهما و إنما تؤول حقيقة و حكما للحاكم.

ب- ولاية إذن و اختيار : و يختص أصحاب هذه الولاية بتزويج من لهم عليهن ولاية بإذنهن و رضاهن لأنه لا حق لأصحاب ولاية الإذن و الاختيار في إجبار من كن تحت ولايتهم و ذلك لورود النصوص الدالة على طلب الإذن و وضوحها و من النسوة اللائى لا حق لأوليائهن في تزويجهن دون رضاهن و اختيارهن الثيب البالغة حيث مثل هذه المرأة هي أحق بنفسها من وليها و أنه ليس له إجبارها على النكاح و إنكاحها بغير إذنها و إنما له أن يزوجها بإذنها ممن ترضى و أن تعرب في إذنها ذلك بصريح قولها، كما أن من هؤلاء النسوة البكر المرشدة حيث لا يجوز للأب تزويجها إن لم تأذن له بصريح لفظها بذلك و الترشيد للمرأة يكون متى حس الأب أو الوصي برجاحة عقلها و سلامته و حسن تدبيرها و تصرفها بعد بلوغها أو قبله بشرط أن تكون إرادة التزويج بعد البلوغ ، و هذا الترشيد يتم بإعلان أي منهما بأنها رشيدة مرفوعا عنها الحجر و ذلك كقول الأب أو الوصي رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك أو نحو ذلك و ثبت هذا بإقرار من المرشد أو ببينة عند إنكاره.

ثالثا – دليل شرعية الولاية في الزواج :
لقد ذهب جمهور من الشافعية و الحنابلة و الظاهرية و المالكية و أبو يوسف من الحنفية للقول بأن النكاح لا ينعقد بلفظ المرأة لأن المشرع أراد إبعادها عن كل ما يمكن أن يسيء إليها و لو تعلق هذا بزواجها محافظا بذلك على كرامتها و مانعا من التصادم بينها و بين عائلتها نتيجة لزواج قد يلحق بها و بعائلتها العار أو الفخار و دليل ذلك ما جاء في قوله تعالى : ” و لا تنكح المشركين حتى يؤمنوا و لعبد مؤمن خير من مشرك و لو أعجبكم ” و المخاطب بهذا الكلام هو الولي. و من السنة قوله صلى الله عليه و سلم : ” لا نكاح إلا بولي ” و قوله صلى الله عليه و سلم في حديث ثاني : ” لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل ” و قال أيضا : “أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، باطل ، باطل و إن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ” و قوله صلى الله عليه و سلم : ” لا تزوج المرأة المرأة و لا المرأة نفسها فإن الزانية التي تزوج نفسها “.
– أما الرأي الثاني فهو رأي أبو حنيفة الذي يرى أن المرأة البالغة العاقلة التي أصبحت لها القدرة على مباشرة و إنشاء العقد بصيغتها فلها أن تزوج نفسها بنفسها، و لها أن تولي وليها زواجها و أن يكون راضيا عنه و دليلهم في ذلك قوله تعالى: “فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره “. فحسب هذه الآية أن الله تعالى قد أسند النكاح للمرأة مما يدل على جواز توليها له دون الرجوع إلى وليها، غير أنه رد على هذا القول بأن هذه الآية يحتمل أن يكون المقصود و المراد منها النكاح بمعني الوطء لا العقد و كذلك قوله تعالى : “و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعظلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ” .
و من السنة قوله صلى الله عليه و سلم : ” الأيم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأمر في نفسها و إذنها سكوتها “.

2 – موقف المشرع الجزائري :
بالرجوع إلى المواد 9-11-12-13-32-33 من قانون الأسرة يتبين لنا موقف المشرع الجزائري جليا ، فالمادة 9 نصت أنه “يتم عقد الزواج برضى الزوجين و بولي الزوجة …” أي أن هذه المادة جعلت الزواج لا تقوم له قائمة إلا بوجود الولي و هذا ما يدفعنا للتساؤل عن مكانة الولي في قانون الأسرة الجزائري فهل هو ركن بغيابه لا تقوم له قائمة أم هو شرط في الزواج لا يصح بغيابه العقد ؟ مع العلم أن المشرع الجزائري في تبويبه للولي ضمن قانون الأسرة كان تحت عنوان أركان الزواج .
و للإجابة على هذا التساؤل يجدر بنا أولا تحديد مفهوم الركن و الشرط ثم ثانيا نصدق هذا المفهوم على ما ورد في قانون الأسرة الساري المفعول و مقترح التعديل.

أ‌- تحديد مفهوم الركن و الشرط :
– الركن : لغة : يطلق على الجانب القوي في الشيء الذي له حيز فنقول عن زوايا البيت أركانها مناطق التقاء الجدران بعضها ببعض و بدونه لا يوجد البيت إطلاقا، كما أننا حين نطلقه على شخص من الأشخاص في المجتمع فإننا نعني به شريفا من أشراف الأمة .
و اصطلاحا : ما يقوم به الشيء فهو من التقويم إن قوام الشيء بركنه لا من القيام و إلا لزم أن يكون الفاعل ركنا للفعل و الجسم ركنا للعرض و الموصوف للصفة و قيل ركن الشيء ما يتم به و هو داخل فيه بخلاف شرطه فهو خارج عنه، و قد عرف الحنفية و بعض من الحنابلة الركن بأنه ما يتوقف عليه وجود الشيء و يكون جزئا داخلا في الماهية الحقيقية له بحيث لا يوجد العقد إلا به، فحقيقته اللفظية قائمة به و عليه و ذلك كالإيجاب و القبول في العقد و على هذا نجدهم ذهبوا إلى تقليص أركان الزواج إلى الإيجاب و القبول فقط .أما جمهور الفقهاء فقد عرفوا الركن بأنه ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به أو ما تتوقف عليه حقيقة الشيء سواء كان جزءا منه أو خارجا عنه و لقد اعتمد الجمهور على الماهية الشرعية كمعيار لتمييز الركن عن غيره لا على الماهية الحقيقية التي وضع لها اللفظ لغة فقط .
– فإذا كان هذا هو الركن فما هو الشرط ؟

ب- الشرط :
لغة : هو إلزام الشيء و التزامه في البيع و نحوه و جمعه شروط من باب و نصر .
– أما اصطلاحا : فقد عرف على أنه ” ما يلزم من عدمه عدم المشروط و لا يلزم من وجوده وجود المشروط و لم يكن جزءا منه بل هو في حقيقته خارجا عنه فالإيجاب و القبول مثلا هما ركنين بالاتفاق في عقد الزواج و لكن الرضى شرط فيه و كذلك الشهادة أمر خارج عن ماهية الزواج و حقيقته و لكن يتوقف عليها نفاذه و ترتيب آثاره.
و ينقسم الشرط إلى أربعة أقسام من حيث النوع و ثلاثة من حيث الأثر ذلك أن غيابها قد يؤدي إلى البطلان و الفساد و منها ما يؤدي إلى وقف التنفيذ و منها ما يؤدي إلى عدم اللزوم و جواز الفسخ، هذا الترتيب روعي فيه مقدار ما لكل شرط من أثر و قوة على العقد و من ثم كان الانعقاد هو الأساس فإن تحقق و وجد ينظر في الصحة فإن توافرت يبحث في النفاذ فإن ثبت هو أيضا يبحث هل هو لازم أم لا ؟
– شروط الانعقاد : و هي تلك الشروط التي يلزم توافرها في أركان العقد أثناء انعقاده و إنشائه و ذلك لارتباطها ارتباطا كليا بالأركان المكونة للماهية كانعدام الأهلية، موافقة الإيجاب للقبول و مطابقته إياه أو كون المرأة حلالا و ما إلى ذلك و فقدان أي من هذه الشروط يؤدي إلى بطلان العقد عند كل الفقهاء.
– شروط الصحة : و هي تلك الشروط التي استلزمها الشارع لترتيب الأثر الشرعي على ذلك العقد حيث بدونها لا يعتبر العقد موجودا وجودا يحترمه الشارع و هذا كمن لم يدفع المهر أصلا و فقد هذا النوع من الشروط يؤدي إلى بطلان العقد.
– شروط النفاذ : هي تلك الشروط التي توقف أثر العقد بعد انعقاده و صحته و عليه فإنه يلزم وجودها لترتيب آثارها .
– شروط اللزوم : و هي تلك الشروط التي يتوقف عليها بقاء العقد مستمرا مرتبا لجميع آثاره و عليه فمتى تخلف أحدها أصبح العقد غير لازم و جاز لمن له حق الخيار فسخه و نقضه من أساسه و أصله سواء كان أحد الزوجين أم غيره.
و عليه فإذا قلنا أن الولي في المادة 9 هو ركن فإنه يترتب على غيابه البطلان أي أنه بمفهوم الركن في حكم العدم، غير أنه إذا رجعنا إلى المادتين 32 و33 من قانون الأسرة نجد أنه نحى نحوا آخر و ذلك بترتيبه الفسخ في حالة اختلال أحد أركان الزواج قبل الدخول أما بعد الدخول فإنه يثبت ، و البطلان في حالة اختلال أكثر من ركن مما يدفعنا بالقول أن المشرع الجزائري في المادة 9 من قانون الأسرة جعل الولي ركن مثلما ذهب إليه جمهور الفقهاء و جعله شرط في المادتين 32 و33 و ذلك بترتيب الفسخ، و الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل و الغرابة و الموقف الذي تبناه المشرع في المادة 33 من قانون الأسرة فقرة 2 عندما رتب البطلان في حالة غياب ركنين أو اكثر فإننا لم نجد له محلا لا في موقف الفقه و لا في عالم القانون ؟! .

و ما يمكن قوله أن الإشكال لا يكمن في نص المادة 9 أو 11 أو 12 أو 13 و إنما في نص المادتين 32 و 33 و ذلك من خلال خلط المشرع في مفهوم الفسخ و البطلان ذلك أن الفسخ يترتب عليه إنهاء العقد مع إبقاء آثاره السابقة بينما البطلان يترتب عليه أن العقد يكون في حكم العدم نتيجة لتخلف ركن واحد فهو بهذا يكون قد خالف ما ذهب إليه فقه الشريعة الإسلامية و فقه القانون .

فالمشرع الجزائري ذهب إلى ما ذهب إليه المالكية من خلال جعل الولي ركن و ذلك بأنه لم يسمح للمرأة أن تبرم العقد بنفسها، و ذهب إلى ما ذهب إليه الحنفية فيما يخص مجانبة ولاية الإجبار و ذلك بجعل سن رشد الزواج لدى الفتاة 18 سنة و في نفس الوقت سلك مسلكا جديدا و بعيدا عما ذهب إليه أصحاب المذاهب الأربعة و ذلك بجعل الولي يتولى تزويج من في ولايته و في نفس الوقت منعه من جبرها على الزواج و أعطى لها الحق في اختيار الزوج الملائم و هذا ما نلمسه من خلال نص المادتين 12 فقرة 1 و 13 حيث جاء في الأولى أنه ” لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه و كان أصلح لها و إذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 9 من هذا القانون ” و نصت المادة 13 ” لا يجوز للولي أبا كان أو غيره أن يجبر من في ولايته على الزواج و لا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها ” و هذا ما كرسته المحكمة العليا من خلال القرار رقم 90468 الذي جاء فيه ” من المقرر قانونا أنه لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه و كان أصلح لها، و إذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 12 من هذا القانون.

و متى تبين – في قضية الحال – أن الأب امتنع عن تزويج ابنته دون توضيح الأسباب التي بني عليها هذا الامتناع فإن القضاة بقضائهم بإذن المدعية للزواج طبقوا صحيح القانون، و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن ” .

– بالرجوع إلى المادة 12 فقرة 2 من قانون الأسرة التي تنص على أن ” غير أن للأب أن يمنع بنته البكر من الزواج إذا كان في المنع مصلحة للبنت ” نلاحظ أن المشرع الجزائري في هذه الفقرة وضع استثناء الفقرة الأولى من المادة 12 يتمثل في عدم إمكانية منع الأب من في ولايته من الزواج وتدخله في الوقت المناسب لمنعها من الزواج من شخص ليس فيه مصلحة لها و هو ما ذهب إليه الحنفية غير أن المشرع الجزائري لم يأخذ برأي الأحناف على إطلاقه ذلك أنهم قيدوا تدخل الولي بشرطين هما الكفاءة و ألا يكون المهر أقل من مهر المثل على عكس المشرع الجزائري الذي ترك الباب مفتوح لتدخل الولي و تقييد حرية البنت في اختيار زوجها بنصه على أن يكون المنع في مصلحة البنت و لم يحدد الحالات التي تقتضي تدخله، و ما هي معايير تحديد الأصلح للبنت و ما هي الزاوية التي يجب النظر منها للقول أن شخصا ما هو أصلح للبنت هل هي زاوية الأب فإن كان كذلك فهذا قد يؤدي باستبداده و تعسفه في حق ابنته أم هي زاوية القانون أم الشرع الإسلامي ؟ ! .

3- بالنسبة لمشروع التعديل المقترح :
إن موقف أصحاب مشروع التعديل يبرز من خلال استقراء المادة 10 التي تعدل المادة 11 من قانون 84 – 11 التي جاء فيها ما يلي ” الولاية حق المرأة الراشدة تمارسه بنفسها أو تفوضه لأبيها أو لأحد أقاربها.
مع مراعاة أحكام الفقرة 2 من المادة 7 من هذا القانون يتولى زواج القاصر وليه و هو الأب فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له ” .
من خلال دراسة هذه المادة نجد أنها جعلت المرأة الراشدة بمفهوم هذا القانون الحق في تولي تزويج نفسها بنفسها بغض النظر لرأي الولي و منحها حرية التنازل عن هذا الحق و تفويضه للأب ولأحد الأقارب المقربين ، ما يمكن أن يستشف من الموقف الذي تبناه أصحاب التعديل ما يلي :
– أنهم ذهبوا إلى ما ذهب إليه الحنفية و ما أخذ به القانون المصري فيما يخص ترك حرية تزويج المرأة الراشدة بنفسها باعتبارها أصبحت عاقلة قادرة على مباشرة عقد الزواج بنفسها و مدركة لمغباته و حرية تفويض هذا الأمر لأبيها أو أقربائها، غير أنهم لم يأخذوا بموقف الحنفية على إطلاقه بل أنهم تغاضوا عن حق الولي في التدخل لإبطال الزواج في حالة كون الزوج غير كفء أو أن المهر ليس بمهر المثل.
– الأصل أن أي تعديل يتدارك سلبيات قانون سابق له غير أنه ما يلاحظ على هذه المادة من مقترح التعديل زادت الأمر تعقيدا ذلك أنها بعيدة كل البعد عن روح مجتمعنا بكل ثقافاته فهي تولد الشقاق داخل الأسرة و ذلك بخلق العداوة بين الأب و ابنته و بالتالي التأثير على المجتمع مع العلم أن أي تشريع يستمد من وحي مجتمعه بتقاليده و أعرافه لكن هذه المادة بعيدة كل البعد عن عرف و تقاليد المجتمع الجزائري ؟ ! .

– كذلك الإشكالات التي يمكن أن تطرحها هذه المادة في المدى البعيد هي مشكلة الزواج العرفي و إثباته و خاصة في غياب الأهل و الولي على خلاف الزواج العرفي في القانون الساري المفعول . فلو خيرنا بين إشكالات الزواج العرفي بحضور الولي في ظل التشريع الساري المفعول و بين مقترح أصحاب التعديل في غياب الولي لاخترنا الأول على الثاني ، ذلك أنه في الأول تكون المرأة برعاية الأب و احترامه لها و احترام الزوج و بالتالي سهولة إثباته حتى في غياب الزوج و وفاته بعكس الثاني الذي تنفرد المرأة بتزويج نفسها و غياب وليها و أهلها و هروب الزوج و بالتالي يصعب إثباته حتى في وجوده فما هو الحال في غيابه أو وفاته ؟! و هذا الأخير تنجر عليه عواقب وخيمة تكون المرأة فيه المتضرر الوحيد ، فتصبح كالمعلقة فهي لا متزوجة و لا مطلة و تصبح بين مشاكل إثبات زواجها و بين إشكال الحصول على الطلاق من شخص أنكر حتى وجود هذا الزواج و بالتالي النتيجة الحتمية التي سنراها في النقطة التالية :

– إن هذه المادة لها أثر بليغ في إعطاء مفهوم آخر للأمهات العازبات تحت ستار اختيار حرية المرأة لشريك حياتها بمنأى عن أهلها و خصوصا بجعل سن الرشد في الزواج للمرأة هو 19 سنة في ظل مجتمع يكثر فيه عبيد شهواتهم، وأصدق دليل على سلبيات هذه المادة التجربة التي يعايشها المجتمع المصري.
و بالرجوع إلى المادة 11 فقرة 2 من مقترح التعديل نجد أنها جاءت بجديد فيما يخص زواج القاصر حيث نصت على أنه “مع مراعاة أحكام الفقرة 2 من المادة 7 من هذا القانون ، يتولى زواج القاصر وليه و هو الأب فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له “.
و بالرجوع إلى المادة 7 الفقرة الثانية من مقترح التعديل نجدها تنص على ” … و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك للمصلحة أو الضرورة، و يتأكد من قدرتهما على ذلك”، فهذه المادة جعلت القاضي يرخص للقاصر ذكرا كان أو أنثى بالزواج فقط و المادة 11 فقرة 2 أوكلت للولي مهمة مباشرة عقد الزواج و ذلك بجعله شرطا فيه و هذا ما يدفعنا للتساؤل عن الشخص الذي يتولى زواج القاصر في ظل التشريع الساري المفعول؟ و خصوصا إذا علمنا أن المادة 7 فقرة 2 من القانون الساري المفعول جعل الترخيص بالزواج يكون بيد القاضي و أن المادة 9 منه تكلمت عن الولاية بالنسبة للمرأة و المادة 11 من القانون السابق تكلمت عن مباشرة العقد من قبل وليها سواء كانت بالغة أو قاصرة و أهملت القاصر الذكر و بما أنه لا يوجد نص يمنع القاصر الذكر من مباشرة عقده بنفسه فيمكننا القول بأن القاضي يرخص بالزواج و الذكر القاصر يزوج نفسه بدون وليه !!.

رابعا – ترتيب الأقرباء حسب أولوية حصولهم على الولاية :
تكمن أهمية ترتيب أقارب المرأة المراد تزويجها في مجانبة الوعود بالزواج لكل واحد يعتقد أنه صاحب الولاية عليها و الانفراد بفكرة تزويجها و التآمر عليها و الفصل في مسألة صاحب الكلمة في تزويج المرأة فمن هو حسب الفقه و حسب القانون ؟
1- حسب الفقه : لقد اختلف أصحاب المذاهب الأربعة في ترتيب الأولياء فقد ذهب المالكية و بعض من الحنفية إلى اعتبار أن :
– الابن مقدم على الجميع شريطة ألا يكون من زنا لم يسبقه نكاح فإذا كان هذا الابن من زنا لم يسبقه النكاح فإن الولاية لأب باقية ، و تقديم الابن على الأب قائم على أساس أنه أقوى تعصيبا بدليل أنه إذا اجتمع تعصيبهما بطل تعصيب الأب و قد خرج عن هذا الشافعية و الحنابلة حيث يرى هذا الأخير بأن أولى الناس و أحقهم في إنكاح المرأة هو أبوها ثم أبوه و إن علا أي الجد النسبي الذي لا تفصل بينه و بين المراد تزويجها أنثى ثم يأتي بعد ذلك الابن و هذا لأن الأب هو أكمل نظرا. و أشد شفقة على ابنته فوجب تقديمه على غيره في الولاية.

أما الشافعية فقد ذهبوا إلى أن الابن لا يزوج أمه أصلا ذلك لأنه لا مشاركة بينه و بينها في النسب إذ انتسابها إلى أبيها و انتساب الابن إلى أبيه فمثله مثل الخال و أخ لأم و من ثم فهو قد لا يعتني بدفع العار عن نسبها و يزوجها من غير كفء. و قد جمع القرافي أدلة الشافعية و حججهم في عدم ولاية الابن على أمه فيما يلي :
أ– قوله صلى الله عليه و سلم ” أيما امرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ” و الابن لا يسمى مولى .
ب- أنه يدلي بها فلا يزوجها لأن تزويجه كتزويجها لنفسها ذلك لأن الفرع لا يكون أقوى من الأصل و لما أدلى بها صار في معناها.
ج – أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية فلا تصح منه هو أيضا و حاله كحال ابن الخال مع الخال .
ويلي الابن في الترتيب ابنه – أي ابن الابن – و ذلك لتقدمه عليه في التعصيب إذ لو وجد ابنا و ابن الإبن كان الميراث كله للابن و لا شيء لابن الإبن.
– الأب : و المقصود به هو الأب الشرعي فإن كانت أبوته نتيجة زنا فلا ولاية له عليها ذلك أن الزنا لا يثبت به نسب و لا يكون صاحبه معصبا .
– الأخ الشقيق كان أو لأب : أما الأخ لأم فلا لأنه ليس بعاصب و أن كان هناك من فقهاء من قدم الشقيق وفق المشهور على الذي لأب لكون الأول أشد قوة في قرابته بالمولى عليها بالرغم من اتحاد الدرجة و الجهة مما جعله أولى بالتعصيب منه، و تقديم المالكية للأخوة على الجد أساسه أن الجد يدلي بأبوة الأب و الأخوة ببنوته و من يدلي بالبنوة مقدم على من يدلي بالأبوة.
– ابن الأخ الشقيق كان أو لأب : حيث هم أيضا من العصبة المتعصبين بأنفسهم و يعتبرون حاشية قريبة للمولى عنها و هم مقدمون على الجد في الترتيب و إن كانت قواعد الميراث تقتضي تقديم الجد عليهما.
– الجد من النسب : وقيل جيء بكلمة من النسب تحرزا من الذي لأم و هو الجد الرحمي حيث لا ولاية له على بنت ابنته لأنه غير عاصب .
و قدم جمهور الفقهاء عن الاخوة الأشقاء أو لأب و هذا التقديم راجع إلى تقدمه عليهم في الميراث و ذلك لأن جهة الأصول مقدمة على الحاشية و لو قرب .
– العم الشقيق كان أم لأب : حيث له الحق في تولي من لم يكن لها واحد مما ذكروا لأنه من العصبة و هو من يليه في المرتبة يسمون بالحاشية ، البعيدة و ذلك مقابلة لهم بالحاشية القريبة و هم الاخوة الأشقاء أو لأب و أبنائهم.
– أبناء الأعمام : أشقاء كانوا أو لأب الأقرب منهم فالأقرب و الشقيق يقدم على الذي للأب وفق القول بالتعصيب في الميراث.
– الكافل : و هو يكون في مرتبة بعد انعدام كل من ذكروا سابقا عند المالكية ،ذلك أن الكفالة تلك تكون لليتيمة التي لا محرم لها و يتولى أمرها أجنبي عنها، و المالكية اشترطوا لقيام الكافل بالولاية بان يكفلها مدة لا تقل عن 04 سنوات أو ما يقاربها ذلك أن مكوثها معتمدة أربع سنوات فاكثر تصير هي تعامله معاملة الأب ويعملها هو معاملة البنت مما يجعله يبحث عن مصلحتها ويريد صلاحها في تولي زواجها وذلك بحصول الشفقة عليها، وكذلك اشترطوا أن لا تكون شريفة والشرف هنا هو المال والجمال وشرف الأسرة.
– القاضي : وهو ولي من لا ولي له، وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم : ” السلطان ولي من لا ولي له ” ، فان عضل الولي من كانت تحت ولايته عن الزواج أو لم يكن لها وليا أصلا بان كانت طارئة فالقاضي من حقه أن يزوجها باعتباره ذا ولاية عامة.
-عامة المسلمين : وهم أيضا لهم حق الولاية على المريدة للزواج إذا انعدم جميع من سبق ذكرهم من الأولياء وكانت المرأة دنيئة ويتصور وجود هذه الحالة في المرأة التي تنزل على أهل البادية أو في أعماق الصحاري حيث لا يوجد قاضي يتولى زواجها فان أي واحد من المسلمين على حسب ما ذهب إليه المالكية له حق في تولي زواجها .
إذا كان هذا هو موقف الفقه الإسلامي من ترتيب الأولياء فما هو موقف المشرع الجزائري ؟
موقف المشرع الجزائري في ظل قانون الأسرة الساري المفعول :
نصت المادة 11 على أنه ” يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين والقاضي ولي من لا ولي له “، يستشف من قراءة هذه المادة أن المشرع الجزائري قدم ولاية الأبوة على ولاية أقارب المرأة وترك فيما يخص أسبقية الأقارب في تولي رواحها يكتنفه الغموض وذلك من خلال تنصيصه في المادة على انه ” يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين”.
فماذا يقصد بأحد أقربائها الأولين وما هو الحل إذا اجتمع عدد منهم وتمسك كل واحد منهم بولايته؟ فكان على المشرع أن يوضح، ماذا يقصد بهذه العبارة ؟ وقد اختتم المشرع المادة بجعل القاضي ولي من لا ولي له و هذا خاصة في ما يتعلق باليتامى وعديمي النسب، ولكن الإشكال يطرح بقوة في ما يخص المناطق النائية التي تبعد عنها المحاكم بمئات الكيلو مترات كما هو الحال عليه في صحرائنا الشاسعة حيث يتعذر على الأشخاص التنقل إلى أقرب محكمة فما هو الحل ؟
فكان الأجدر بالمشرع الجزائري أن يذهب إلى ما ذهب إليه الفقه الإسلامي بجعل الولاية إلى عامة المسلمين.
وهناك نقطة مهمة يجدر الإشارة إليها وهي مسألة الكفيل ، فالمشرع في المادة 116 من قانون الأسرة رقم 84-11 جعلها التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية ورعاية قيام الأب بابنه وتتم بعقد رسمي مجحفا عليه حق الولاية على الشخص الذي رباه واعتبره ولده عند زواج هدا الأخير حارما إياه من فرحة الأب بزواج ولده ولعب الدور المهم فيه في إتمام زواجه بل تحميله مشقة الحصول على إذن من القاضي وإجراءاته الطويلة ومضيعة للوقت.
– فإذا كان هذا موقف المشرع الجزائري من ترتيب الأولياء فيما يخص الولاية فما هو موقف أصحاب مشروع التعديل ؟.

– موقف أصحاب التعديل :
بالتطلع إلى المادة 11 المعدلة بالمادة 10 من مقترح مشروع التعديل نجد أنها في الفقرة 2 حافظت على صياغة المادة 11 من قانون الساري المفعول ولم تتجنب إشكالاتها، بل أن أصحاب التعديل زادوا الأمر تعقيدا عندما نصوا في المادة 87 منه “بأنه يمارس الأب و الأم بصفة مشتركة الولاية على أولادهما القصر في حالة الطلاق يمنح القاضي الولاية إلى الزوج الذي تمنح له حضانة الأولاد ” .فهم استعملوا لفظ الولاية على عمومه دون تحديد المقصود بها، ذلك أن الولاية بمفهومها الموضح سابقا تصنف إلى أنواع : ولاية على المال وولاية على النفس، فهل أرادوا بها الولاية على النفس أم على المال أو كليهما ؟
وإذا كان المقصود بها الولاية على المال فالأمر لا يطرح إشكالا، أما إذا كان المقصود بها الولاية على النفس فهنا قمة الإشكال وخصوصا إذا آلت الحضانة إلى الأم فكيف للمرأة أن تتولى مباشرة عقد زواج محضونها خصوصا إذا كان المشرع الجزائري قد جعل الولاية للقصر بيد الولي وهو الأب فأحد الأقارب والقاضي ولي من لا ولي له وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء اعتمادا على قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فالزانية هي التي تزوج نفسها “. فأي المادتين نطبق المادة 11 أو المادة 87 من مشروع التعديل ؟
لقد رأينا فيما سبق مفهوم الولاية وأنواعها وترتيب الأولياء في الزواج فما هي الشروط التي يجب توافرها في الولي ؟
لكي يكون الشخص أهلا لتولي عقد الزواج فيجب أن تتوفر فيه جملة من الشروط نص عليها فقهاء الشريعة الإسلامية أغفلها المشرع الجزائري مما يتعين الرجوع إلي نص المادة 222 من قانون الأسرة و تتجلى هذه الشروط في :
– أن يحتكم على الأهلية اللازمة : أي أن يكون بالغا السن القانونية المطلوبة في الزواج فلا تثبت للمجنون والمعتوه وغير المميز ذلك أنه ليس له الولاية على نفسه، وفي هذا يقول صاحب المعنى فأما العقل فلا خلاف في اعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى سواء في هذا لمن لا عقل له لصغر كالطفل، ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ .
– أن يكون ذكرا : ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تزويج المرأة المرأة أو المرأة نفسها وقال بأن الزانية هي التي تزوج نفسها، وهو ما أخذ به جمهور الفقهاء على عكس الحنفية الذين اثبتوا للأم ولاية الإجبار على البنت وبنت الإبن والأخت وغيرهن من النساء، إذا لم يكن لهن عصبات من الرجال وذلك بناءا على ما ذهبوا إليه من أن الولاية تكون لعامة الأقارب ذكورا و إناثا أما ولاية الإختيار فلا تثبت عندهم لأنه لا ولاية بعد البلوغ.
– أن يكون مسلما : قال سبحانه و تعالى : ” ولن يجعل الله للكافرين سبيلا” من خلال هذه الآية نجد أنه لا يتولى عقد زواج مسلم إلا مسلما، أما إذا كان غير مسلم فيتولاه الشخص الذي يدين بدينه لقوله تعالى : ” والذين كفروا بعضهم أولياء بعض “.
– بالإضافة إلى الأهلية والذكورة و الإسلام يجب توفر شرط رابع هو العدالة، وقد اشترطها الكثير من الفقهاء وذلك لأن الولي مطلوب منه البحث و السعي عن مصلحة المولى عليها وغير العدل لا يوثق منه في تقصي مصلحتها وتحريها، لكن الإمام مالك ومن وافقه من الحنفية و غيرهم ذهبوا إلى أن العدالة ليست مشروطة في الولي لعدم تصريح النص بها.
ويمكن تلخيص شروط الولي في الأبيات الشعرية التالية :

شروط الولي لعقد النكاح تلوح بخير كضوء الصباح
فـأولـهـن ذكـوريـة فإياك إحذر وقوع السفـاح
ومنـها بلـوغ وحـرية وإسـلام ديـن هدى للعلاج
وتمليك نفس وعقل وعدل ورشد أتاك كنظم الوشاح .

هذه هي الشروط الواجب توافرها في الولي ، وخلاصة القول أن مشكلة الولي في القانون الجزائري لا تكمن في مصطلح الولي في حد ذاته و إنما في تصنيفه ضمن خانة الركنية أم الشرطية وفي فهم مصطلح البطلان والفسخ وكذلك في الدور الحقيقي للولي، المتمثل في مباشرة عقد الزواج وليس داخل في المعنى الحقيقي للزواج أي الوطء، لأن الشخص الوحيد الذي بيده أن ينشئ الزواج بما له من آثار هو الزوج والزوجة ، فالولي والشاهدين والمهر لا يعطوا إلا القالب الشكلي لوجود هذا العقد في عالم القانون وكما أن مباشرة الولي لإبرام عقد الزواج يحيط الزوجة بالحماية الكافية في مجتمع إذا غابت عنه هذه الحماية غابت عنه أسسه و ذهبت أخلاقه ومعالمه والأمثلة كثيرة أمامنا في دول شقيقة، فكان على المشرع أن يجعل الولي شرط صحة لإبرام عقد الزواج وليس ركنا فيه مثلما ذهب إليه المشروع الموحد للدول العربية، ولكي يتجنب استبداد الولي بولايته وحرمان مواليته من الارتباط بالشخص المناسب لها يجب أن يعطي للقاضي سلطة الرقابة على ذلك عند لجوء المولى عليها إليه للحصول على إذن لتزويج نفسها.

المبحث الثالث : أثار الزواج

إذا اكتملت أركان وشروط الزواج، وانتفت موانعه، انعقد العقد، و ترتبت عليه بالتالي آثار، و الأصل في هذه الآثار أنها تكون وفقا لما رتبه القانون و الشرع على العقد من آثاره الملزمة للطرفين، إلا أنه يجوز لأحد العاقدين أن يشترط شرطا في العقد لا ينافي هذه الآثار و لا يخالف طبيعة العقد أو أحكام قانون الأسرة.
وأهم هذه الآثار هي : النسب و الذمة المالية بين الواقع العملي، و من يدعون إلى ضرورة تعديل النصوص المتعلقة بهما، و الإشكالات التي يطرحها هذين الموضوعين.
وعليه و من جملة الإشكالات المثارة في هذا المجال ما هي الذمة المالية للزوجة؟ خاصة إذا سلمنا بحق الزوجة المكرس في إنفاق الزوج عليها و ما مدى إمكانية إعمال الذمة المالية المشتركة للزوجين ؟ و ما هو النسب ؟ و ما هي طرق إثباته؟ و ما الجديد في هذين المجالين ؟ سنحاول معالجة هذه الإشكالات من خلال التركيز على ما هو مكرس في القانون الساري المفعول ، و مشروع التعديل المقترح .

المطلب الأول : الذمة المالية للزوجة :

إن ما في ذمة الإنسان من أموال يمكن أن يسبب له متاعب مع الآخرين أثناء تعامله معهم ، فهل الأمر سيان بين الزوجين ؟ خصوصا إذا كانت الزوجة صاحبة مال، فهل للزوج نصيب في أموالها ؟ و هل الزوجة مجبرة على مساعدة الزوج في تكاليف الحياة الزوجية ؟
فلا بد لنا في هذا المقام أن نتطرق لمفهوم الذمة المالية ، و كيف عالجها القانون، و ما هي الإضافات التي سوف يأتينا بها المشروع التمهيدي المعدل و المتمم للقانون رقم 84-11 المتضمن قانون الأسرة.

أولا – مفهوم الذمة المالية : من الخصائص المميزة لشخصية الإنسان، ذمته المالية و هي مجموع ما للشخص من حقوق و ما عليه من التزامات ذات قيمة مالية .
و قد اختلف حكمها في الديانات السماوية، ففي الديانة اليهودية و التي انقسم متتبعوها إلى طائفتين، القراؤون الذين يفصلون أموال كل من الزوجين على الآخر مع استفادة الزوج من مال زوجته الذي حصلت عليه بكدّها بعد الزواج، و في ما عدا ذلك فلا بد له من الحصول على إذنها، أما الربانيون فلا يسمحون للزوجة بالتصرف في أموالها إلا بإذن زوجها، و إلا كان تصرفها باطلا، و لقد نصت المادة 85 من كتاب حاي بن شمعون :” ممنوعة المرأة من التصرف في أموالها بلا إذن زوجها”.
و في الديانة المسيحية ، فبالرغم من ارتباط الزوجين ارتباطا وثيقا كأنهما ، جسد واحد كما ذكر في الإنجيل ، إلا أن هذا لا يعني اختلاط أموالهما، فلكل منهما حق الاستقلال بأمواله مع استحسان استشارة الزوجة لزوجها في إدارة أموالها و التصرف فيها، إذ نصت المادة 85 من قانون الحق العائلي الخاص بالروم الأرثوذكس : ” كل واحد من الزوجين هو سيد ثروته الخاصة، و له أن يتصرف فيها كما يرى ما لم يكن قد جرى الاتفاق بينهما على غير ذلك …”
كما نصت المادة 46 من مجموعة الأقباط الأرثوذكس : ” الارتباط الزوجي لا يوجب اختلاط الحقوق المالية، بل تظل أموال كل من الزوجين مملوكة له دون الأخر”.
و تجدر الإشارة إلى أن الدول الغربية حاليا تأخذ باشتراك الذمة المالية للزوجين.
أما في التشريعات العربية على العموم فيظل الزوجان شخصان مستقلان في التصرف الكامل في التجارة و اقتناء الأملاك، و لا ولاية للرجل على زوجته في أموالها، و هي تنفذ عقودها بلا توقف على إجازة زوجها، و مهما كانت غنية فلا يلزمها شيء من النفقة المتوجبة في الأصل على زوجها.

ثانيا – الذمة المالية في القانون و الشرع :
تعتبر حرية تصرف المرأة في مالها ، من حقوق الزوجة وفقا للمادة 38 من قانون الأسرة الجزائري، و قد أجمع فقهاء الإسلام على حرية تصرف الزوجة في مالها الحاصلة عليه من طرق مشروعة، و ليس للزوج حق فيه إلا برضاها الصريح ،و هذا الأمر قرر للمرأة منذ 14 قرنا عندما نزلت الآية الكريمة : ” للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن”، حيث أصبح باستطاعة المرأة أن تكسب المال و أن تحوزه كالرجال ، تبيع و تشتري و تهب لمن تشاء، كما أخبر بذلك المولى بقوله : “فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا”.

فلا سلطان للزوج على أموال زوجته شرعا و قانونا، الأمر الذي يجعل تصرفها في جميع أموالها بلا إذن زوجها ورضاه تصرفا شرعيا و نافذا، كما لها أن تقبض غلة أملاكها، و توكل غير زوجها لا دارة مصالحها و تنفيذ عقودها دون أدنى إجازة أو توقف على إرادته.

و مع ذلك فيمكن أن نتساءل بعدما دخلت المرأة الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فأصبح بإمكانها الاستغناء عن الرجل كزوج فيما يتعلق بالجانب المادي، فهل عليها أن تستأذن زوجها إن أرادت أن تمارس مهنة أو عملا يعود عليها بالربح الوفير، و أن تتصرف فيه بحرية دون التزام بالاشتراك مع زوجها في الإنفاق على الأسرة و تقاسم الأعباء المالية.
إن الجواب على هذا التساؤل ينقسم إلى رأيين فقهيين، الفقهاء الأولون الذين يرون أن وظيفة المرأة بالطبيعة و الفطرة هي وظيفة منزلية بالدرجة الأولى، و أن المرأة المتزوجة إذا منعها زوجها من الخروج للعمل و خالفته يسقط حقها في النفقة لأنها تستحقها مقابل احتباسها في بيت الزوجية ، و بما أنها رفضت ذلك فإن احتباسها يصبح ناقصا، أما إذا رضي زوجها بالعمل فقد رضي بالاحتباس الناقص الذي تجب معه النفقة للزوجة العاملة .

في حين أن الفقهاء المحدثين يرون أن لا مانع أن تتوسع دائرة وظيفة المرأة من ربة بيت إلى سيدة عاملة في جميع ميادين الحياة، لأنه ليس من حق الزوج أن يمنع الزوجة من المساهمة في بناء الدولة و تنمية البلاد، و لا يجوز له أن يحرم المجتمع من قدراتها العملية و طاقتها الاقتصادية و المهنية.

و يلاحظ بعض الشراح أن الفقهاء القدامى أغفلوا حكم المرأة العاملة قبل الزواج و لذلك يرون أن الحل العادل و المنطقي لهذه المسألة هو أنه إذا تزوج رجل بامرأة يعلم أنها تعمل و لم يشترط عليها في العقد أن تتوقف عن العمل فقد رضي ضمنيا بإنتقاص الاحتباس و تجب عليه النفقة ، و لقد جاءت الفقرة الثانية من المادة 38 من قانون الأسرة صريحة بشأن تصرف الزوجة في مالها من تجارة أو عمل أو هبة أو ميراث و ليس للقاضي في ذلك اجتهاد و الحل متروك لتراضي الزوجين أو اشتراطهما في العقد طبقا للمادة 19 من قانون الأسرة التي تنص أن للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ما لم تتناف مع هذا القانون .

أما بشأن حرية التصرف في مالها الذي تكسبه من وراء العمل الذي تقوم به، فلا بد من تقييده، و ذلك أن مقتضيات الزواج تحتم على الزوجة أن تتفرغ لتدبير شؤون المنزل و تربية الأولاد، و أن يتفرغ الزوج للعمل، ليؤمن حاجيات الزوجة و الأولاد، و إذا حصل أن طرأ تغيير على هذا الوضع بأن غيرت المرأة وضعها الطبيعي لكسب المال، لأنها ستصرفه حتما في أمور جانبية و يبقى الزوج ملزما بالإنفاق عليها، وملزما بإطعامها و اكسائها و إ سكانها هي و أولادهما من المال الذي يحصل عليه بكدّه، و قد لا يكفي وحده ولا يفي بحاجياتهم الكثيرة .
ورغم كل هذا الجدال يبقى الزوج ملزما شرعا وقانونا بالإنفاق على زوجته، من غذاء وكساء وعلاج وسكن أو أجرته وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة و هذا طبقا لنص المادة 78 من قانون الأسرة.

ثالثا – الذمة المالية في المشروع التمهيدي لتعديل قانون الأسرة :
لعل أول بادرة لتقييد حرية المرأة في التصرف في أموالها جاء في مقترح تعديل المادة 36 من قانون الأسرة بإضافة الفقرة الثالثة والتي جاء فيها : “التعاون على مصلحة الأسرة بالمساهمة المادية والمالية ..”
و تحدد المادة 36 ككل واجبات الزوجين وتجعل منها واجبات مشتركة و متبادلة قائمة على أساس المساواة من أجل مصلح أ سرتهما .
وتجدر الملاحظة أن مقترحي التعديل جعلوا من الواجبات والحقوق التي كانت بين الزوجين، واجبات فقط بموجب تعديل المادة 36، وألغت واجبات الزوج الواردة بالمادة 37، وحقوق الزوجة الواردة بالمادة 38 وواجباتها الواردة بالمادة 39 وعبر عنها ب “يجب على الزوجين ” و ضمنها بالمادة 36 على أنها مشتركة و متبادلة بينهما ، رغم أن الأصل في الإنفاق انه من واجب الزوج و ذلك بالكتاب و السنة و الإجماع و القياس.

فأما الكتاب فقوله تعالى : “و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف”.
و قوله أيضا : ” فلينفق ذو سعة من سعته, ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها” .
و أما الحديث فقوله صلى الله عليه و سلم : “اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذ تموهن بأمانة الله ،و استحللتم فروجهن بكلمة الله، لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحدا تكرهونه ، و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف”
و في القياس فانه من القواعد المقررة في النفقة إن من حبس لحق غيره، فنفقته واجبة عليه، فلقد حبست الزوجة نفسها للقيام على البيت ورعاية شئونه فحقت لها النفقة جزاء الاحتباس .و لقد انعقد إجماع المسلمين على ذلك من عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلى الآن لم يخالف في ذلك أحد .فمخاطبة الزوجة في هذه الفقرة للمشاركة في الإنفاق هو خروج عن الأصل ، خصوصا و أن الفقرة جاءت ضمن واجبات الزوجين و كأن الزوجة يجب عليها الإنفاق على زوجها، فإن كان واضعوا التعديل يقصدون المرأة العاملة وجب عليهم إبراز هذا الجانب.

ثم أتى المشروع التمهيدي بالنقيض في المادة 37 منه بتأكيده على استقلال الذمم المالية لكل من الزوجين و هذا كأصل عام مما كانت تنص عليه المادة 38 من حرية المرأة في التصرف في أموالها، و الاستثناء الذي جاء به المشروع أن الزوجان يمكنهما أن يتفقا على خلاف ذلك بموجب عقد رسمي، و ذلك حين إبرام عقد الزواج أو بعده بأن تكون الأموال التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية مشتركة بينهما، حسب النسب التي يتفقان عليها و لكن هذا يوحي بأن الحياة الزوجية مجرد صفقات ، يتم فيها احتساب النسب و ما إلى ذلك، و تنتفي معها حلاوة الحياة الزوجية من ثقة و اطمئنان للطرف الآخر .

و نحن نعتقد أن واضعي التعديل أرادوا أن يلفتوا انتباه الزوجة إلى إمكانية مشاركة الزوج في الإنفاق إذا كانت صاحبة مال، و هذا لجعل الحياة الزوجية أكثر ميسرة و ذلك من باب حسن العشرة و الأخلاق، و لكن لا يمكن جعل هذه الإمكانية في باب الواجبات لأن الزوجة في النهاية غير مجبرة على الإنفاق مع الزوج و هذا ما أكدته المادة 37 من مشروع التعديل.
و ما يدعم رأينا بأنها غير مجبرة على الإنفاق مع زوجها ، أنه إذا رفع الزوج دعوى طلاق وبرر طلبه بان الزوجة لم تقم بالمساهمة المادية و المالية من أجل مصلحة الأسرة ، فهل يحكم القاضي بالطلاق مع تظليم الزوجة، أم أنه طلاق تعسفي ؟
فالزوج مثلا إذا لم تعامل زوجته والديه معاملة حسنة، فيكون الطلاق مع تظليم الزوجة بسبب الضرر الذي ألحقته به .
فنحن نرى أنه من غير المنطقي تظليم الزوجة بسبب عدم الإنفاق، لان هذا يتنافى مع الشرع، و ما الحل إذا ما دفع الزوج بفسخ عقد الزواج إذا تضمن شرط حرمان المرأة من الإنفاق عليها أو شرط التنازل له عن راتبها الشهري ؟ .
فهناك احتمالان:

– إما بناءا على المادة 19 من القانون الأسرة الذي تتيح إمكانية اشتراط ما يراه الزوجان بالعقد ما لم يتناف مع هذا القانون، و منه اعتبار أن التنازل عن النفقة و التنازل عن الراتب مخالف للشرع و القانون مما يؤدي إلى إبطال الشرط و إبقاء العقد صحيح ، و ذلك باعتبارها شروط مخالفة لمقتضى العقد.
– و إما فسخ عقد الزواج لعدم التزام الزوجة بمقتضيات العقد ، و تفريقها عن زوجها لمجرد أنها لم ترض بالإنفاق، و هذا حسب اعتقادنا إجحاف في حق المرأة .
و لم نجد في الواقع العملي حالة وقع فيها فسخ عقد الزواج لعدم التزام الزوجة ، بما ورد في العقد و هذا راجع حتما إلى أنه لا يمكن أن تتنازل الزوجة عن حق من حقوقها أصلا، أي لا توقع العقد أساسا إذا كان سيحرمها من ثمرة جهدها أو حقها في قيام الزوج بواجباته تجاهها .
و لكن ورغم كل هذه الإشكاليات و الجدال حول الذمة المالية للمرأة غير أننا نعلم أن المرأة المسلمة عموما إذا كانت صاحبة مال فهي لا تبخل بأن تساهم في مصاريف الحياة الزوجية ولا أن تفك ضيقة لزوجها، و هذا من طباع المؤمنين الذين ألف الله بين قلوبهم بالإيمان .
إذا كانت الذمة المالية وهو الموضوع الذي يبدو اكثر بساطة في قانون الأسرة الجزائري ، قد أثار كل هذه الاشكالات، فما هو الحال بالنسبة للنسب باعتباره الأثر الثاني للزواج ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الثاني : النسب و طرق إثباته

يقول تعالى في كتابه العزيز الحكيم : “و هو الذي خلق الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربك قديرا”.
يعتبر النسب كأثر مترتب عن الزواج حقا أساسيا و أصليا، بواسطته تثبت للشخص جميع حقوقه الشخصية الأخرى، ذلك أن أول سؤال يطرح للطفل هو: من أنت …. ؟ أو ابن من أنت ؟، فإذا ما ثبت نسبه ثبتت له سائر الحقوق الأخرى بصورة تلقائية و طبيعية و شرعية، و منها : الاسم و اللقب و الموطن، أما إذا لم يثبت نسبه أو لم يعلم له نسب فان هذه الحقوق تتقرر للطفل، و لكن على أساس آخر غير أساس ثبوت النسب، فتثبت له جنسيته مثلا على أساس المكان الذي ولد فيه، أو عثر عليه فيه، كما تثبت ديانته على أساس الدين الغالب في ذلك المكان، أما حقوقه الأسرية و غيرها من الحقوق الخاصة كالحضانة و النفقة، فتتحول من حقوق خاصة إلى حق اجتماعي عام تتولى الدولة تقريره للطفل المجهول نسبه، عن طريق المؤسسات التي تنشأ تحت إشرافها لهذا الغرض.

و أمام هذه الأهمية الكبرى للنسب، و سعيا للمحافظة على الأنساب و الروابط الأسرية سعت الشريعة الإسلامية إلى سد جميع سبل اختلاط الأنساب بتحديدها تحديدا دقيقا و واضحا سبل إثباته، و هو نفس النهج الذي سار عليه المشرع الجزائري في المواد من 40 إلى 46 من قانون الأسرة، و قبل التحدث على هذه الطرق و جب علينا أولا و قبل كل شيء إعطاء تعريف جامع مانع للنسب، فما هو النسب ؟

عرف النسب الشرعي بأنه القرابة الناشئة من صلة الدم بالتناسل، و البنوة هي نسبة الولد إلى أبيه .
و عرف أيضا : بأنه إلحاق الولد بأبيه قانونا و دينا و اعتباره الأصل الذي تفرع عنه ذلك الولد، فالنسب إذن هو إحدى أهم قواعد تشريع الأحوال الشخصية لأهمية دوره في ضمان انسجام التشريع مع آثاره، و قبل أن يتصف هذا الإلحاق بأية صفة أخرى فهو إحقاق للحق و إبطال للباطل، لأنه إثبات لواقعة اللقاء الجنسي بين ذكر و أنثى كان سببا في هذا النتاج من جهة، و لأنه رفع للظلم الذي يتعرض له طفل بريء بجهل نسبه و لم يفعل ما يجلب له ظلم الظالمين .
و عرف أيضا بأنه هو الذي يتبع فيه الولد أباه في القانون و الدين و الحضارة و ينبني عليه الميراث، و ينتج عنه موانع الزواج، و يترتب عليه حقوق و واجبات أبوية و بنوية، أما النسب غير الشرعي فلا يترتب عليه شيء من ذلك إطلاقا، و هو بالنسبة للأم كالشريعة لأنه ولدها .

وعليه و إذا كان تعريف النسب لا يثير أي إشكالية، و هو متفق عليه في كل التشريعات، فان الحال غير ذلك في طرق إثباته، و هو ما دعا كل التشريعات الإسلامية و الدولية إلى إعطائها أهمية خاصة و متميزة، فهل وفق المشرع الجزائري في تحديد طرق إثبات و نفي النسب ؟ خاصة مع التطور العلمي المذهل الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة ؟

فمتى كانت الإجابة بلا أو بنعم إلى حد ما، فما هي الطرق المكملة لذلك ؟ ثم ما جدواها في حل الإشكالية التي يثيرها إثبات النسب ونفيه أمام القضاء ؟
وذلك ما سنحاول معالجته من خلال تركيزنا على تبيان كل من طرق إثبات ونفي النسب الشرعية، وكذلك الطرق المستحدثة فيه، ومدى استفادة المشرع والقضاء منها.

أولا : الطرق الشرعية في إثبات النسب ونفيه:

1- طرق إثبات النسب : تنص المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري على أنه: ” يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة، و بنكاح الشبهة، و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول، طبقا للمواد 32، 33 و 34 من هذا القانون “.
و بالتمعن في أحكام هذه المادة يمكننا تقسيم طرق إثبات النسب إلى طريقتين أو سببين : سبب منشئ، بمعنى أنه لا يحتاج إلى دليل، و هذا السبب تدخل تحت طائلته كل أنواع النكاح، و سبب كاشف له فقط، أي يعيد إدماجه إدماجا قانونيا، و هذا الأخير يدخل تحت طائلته الإقرار و البينة و هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي :
أ – الأسباب المنشئة للنسب : ينشأ النسب بالنكاح سواء كان صحيحا أو فاسدا، و كذلك بنكاح الشبهة، و قبل التطرق إلى الشروط الواجب توافرها في هذه الأنكحة و التي هي تقريبا مشتركة بينها – كما حددت ذلك المادة 41 – لا بد أن نعرف بهذه الأنكحة و ذلك وفقا لما يلي :
* الزواج الصحيح : و يقصد به الزواج الذي تتوافر فيه أركان الانعقاد و شروط الصحة طبقا لمقتضى المواد 9 و 23 و ما بعدها .
إذن إذا كان الزواج كامل الشروط و الأركان عد زواجا صحيحا و صالحا لإثبات النسب، دون اشتراط بينة أو طلب اعتراف ممن سيثبت نسب الولد إليه، و هذا متى كان تصور مجيء الولد من هذه الزوجية القائمة ممكنا حتى يكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” الولد للفراش و للعاهرالحجر ” .
* الزواج الفاسد : لقد ورد في المادة 40 من قانون الأسرة على أنه : ” يثبت النسب ….. و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32، 33 و 34 من هذا القانون “.
و من مراجعة أحكام هذه المواد يتضح لنا بجلاء أن الأولى نصت على فسخ النكاح أي فساده إذا اختل أحد أركانه، أو اشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد، أو ثبتت ردة الزوج، و أن الثانية قد نصت على أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو صداق أو شاهدين يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه، و يثبت بعد الدخول بصداق المثل، و يبطل إذا اختل أكثر من ركن واحد، و أن الثالثة نصت على أن الزواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول و بعده.
* نكاح الشبهة : و يقصد به النكاح الذي يقع خطأ بسبب الغلط الذي يقع فيه الشخص كأن يتزوج الشخص بإحدى المحرمات عليه معتقدا أنها حل، و بعد الدخول تبين أنها أخته مثلا.
و لكن يجب الحرص كل الحرص على ثبوت غلط الشخص فان كان عالما بالغلط أو الشبهة و تعمدها فالزواج باطل و لا أثر له، و الولد في هذه الحالة يعتبر ولد زنا.
و عليه و متى نتج عن إحدى هذه الأنكحة ولد فان نسبه يثبت لأبيه، و لكن بتوافر ثلاث شروط أساسية و هي المحددة في المادتين 41 و42 من قانون الأسرة، و هذا بيانها :
– إمكانية الاتصال الجنسي : أي إمكانية التلاقي الجنسي بين الزوجين بصورة فعلية، لأنه إذا ثبت أو تأكد عدم الاتصال و عدم التلاقي فلا يثبت النسب، و يتحقق هذا الشرط بالخلوة الصحيحة لأنها قرينة على تسليم المرأة نفسها لاعتبار العقد شرعيا – هذا في الزواج الصحيح – أما النكاح بشبهة و النكاح الفاسد فالدخول فيه شرط أساسي لتحقق هذا الشرط .
– عدم نفي الولد بالطرق الشرعية : بمعنى أن لا ينفيه الزوج عنه بالطرق المشروعة، سواء قبله قبولا ضمنيا أو صريحا، و الطرق المشروعة في نفي النسب هو اللعان، و هو عبارة عن اتهام الزوج زوجته بالخيانة الزوجية أثناء قيام الرابطة الزوجية بعقد صحيح مع إمكانية الاتصال، و صورته حددتها الآيات 5، 6، 7 من سورة النور.
و دعوى اللعان كما هو ثابت قضاء يجب أن تباشر في مدة لا تتجاوز 8 أيام طبقا لقرار المحكمة العليا المؤرخ في 23/11/1993، ملف رقم 99000، و الذي جاء فيه أنه ” من المقرر قانونا أن الولد ينسب لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة .
و من المستقر عليه قضاء ، أن مدة نفي الحمل لا تتجاوز 8 أيام .
و متى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يبادر بنفي الحمل من يوم علمه به و خلال المدة المحددة شرعا و تمسك بالشهادة الطبية التي لا تعتبر دليلا قاطعا و لأن الولد ولد بعد مرور أكثر من ستة اشهر على البناء.
و أن قضاة الموضوع بقضائهم بصحة الزواج العرفي مع رفض إلحاق نسب الولد بأبيه عرضوا قرارهم للتناقض مع أحكام المادة 41 من قانون الأسرة، و أخطأوا في تطبيق المادتين 41 و 42 من قانون الأسرة فيما يخص إلحاق النسب .
و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ”
و نفس الشيء جاء به القرار رقم 165408 المؤرخ في 08/07/1997 ، و أيضا القرار رقم 172379 المؤرخ في 28/10/1997 3.
– ولادة الولد بين أقل و أقصى مدة للحمل : و أقل مدة للحمل محددة بـ 6 أشهر ، أما أكثر مدة له فإنها محل خلاف بين الفقهاء و المسلمين، إلا أن الرأي الراجح يميل إلى الأخذ بتسعة (09) أشهر، و المشرع الجزائري و حرصا منه على اجتناب الشبهات جعلها 10 أشهر ( المادة 43 من قانون الأسرة ) .
و قد ورد في قرار المحكمة العليا المؤرخ في 19/05/1998، ملف رقم 193825 بأنه : ” من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل، و من المقرر قانونا أن أقل مدة للحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة اشهر .
و متى تبين في قضية الحال، أن الزواج وقع على امرأة مازالت في عدة الحمل و أن الحمل وضع بعد أربعة أشهر من تاريخ الزواج الثاني، و أن قضاة الموضوع بقضائهم باعتبار الطاعنة بنت للزوج الثاني اعتمادا على قاعدة * الولد للفراش* مع أن الزواج الثاني باطل شرعا فانهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا القانون و خرقوا أحكام الشريعة الإسلامية .

و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه بدون إحالة ” .
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الشروط يجب أن تكون مجتمعة ليمكن الحكم بإثبات النسب، و متى اختل شرط انتفى النسب، و هذا طبعا فيما يتعلق بالأسباب المنشئة للنسب، و لا شك أن هذه الأحكام تختلف في الأسباب الكاشفة للنسب فما هي أحكام هذه الأخيرة ؟ هذا ما سنحاول بيانه فيما يلي :
ب – الأسباب الكاشفة للنسب : إذا انتفت أسباب النشوء – المشار إليها أعلاه -، أمكن إثبات النسب إما عن طريق الإقرار أو البينة، و سنوضحهما تباعا فيما يلي :
* الإقرار : اللفظة في أصلها كانت تطلق على حمل النسب على الغير فقط، واستعملت أخيرا للجمع بين ما كان إقرارا بثبوت النسب على النفس أو الغير، و من ثمة جمعت لنا القسمين معا .
و قد سماه الإمام أبو زهرة بثبوت النسب بالدعوى، بمعنى أن النسب يثبت بالإقرار وحده من غير أن يقرن به ما بين وجهه لأنه إن بين الوجه كان ذلك هو السبب دون الإقرار المجرد .
و الإقرار بالنسب قسمين و هما :
– الإقرار بالنسب على النفس : وهو ما كان يطلق عليه فقهاء الشريعة الإسلامية اسم الإستلحاق، و يعرف بأنه ادعاء المدعي أنه أب لغيره، و من ثمة خرج لنا ادعاء من لم يكن أبا كالأم اتفاقا .
و للإقرار بالنسب على النفس شروط و هي :
– أن يولد لمثله، بأن يكون المقر في سن تسمح له بأن يكون مثل المقر له ابنا له .
– أن يكون المقر له مجهول النسب، لأنه إن كان معلوم النسب لا يصادف الإقرار محلا للتصديق فيكذب، و لأنه لا يمكن ثبوت نسب ولد من رجلين، بل لا بد أن ينتفي أحدهما، و لا يكفي مجرد الإقرار لنفي نسب الآخر.
– أن لا يذكر أنه ولده من زنا لأنه الزنا لا يصلح سببا للنسب– كما ذكر قبلا– لقوله صلى الله عليه وسلم:” الولد للفراش “، و لأن نعمة النسب لا تثبت بجريمة الزنا.
– أن يصدق المقر له إن كان من أهل التصديق بأن كان مميزا و لا حاجة إلى التصديق إذا كان الولد غير مميز.
– الإقرار بالنسب على الغير : أي تحميل النسب على الغير ، بمعنى أن الإقرار في هذا النوع لا ينسب فيه الشخص المقر له بالنسب إلى النفس، و لا ينتسب هو إلى غيره، و إنما شخص ثالث يحمل نسبه على غيره، و من ثمة قيل بأن النسب فيه متعد متى توافرت شروطه الأربعة.
و لكن لكي ينتج هذا النوع من الإقرار أثره فلا بد من الإضافة إلى شروط الإقرار بالنسب على النفس الشرط التالي :
– تصديق المحمول عليه النسب لهذا الادعاء، و هذا وفق ما جاء في نص المادة 45 من قانون الأسرة، و من هذا يتضح جليا أن الإقرار بالنسب على الغير لا يملكه المقر، و لا يملك غيره إلا بالتصديق له، كما أن الآثار الناتجة عن هذا الإقرار منصرفة إليه دون غيره من الأقارب، بخلاف الإقرار بالبنوة فانه بثبوت نسبه من أبيه تثبت الأخوة بينه و بين بقية الأبناء، و يشاركهم في الميراث من أبيهم و إن توفى أحدهم ورثه و لا يستطيع غيره رده أو منعه من ذلك .
إضافة إلى هذا فان المالكية اشترطوا لكي يتم النسب بهذا النوع أيضا شهادة شخصين عدلين أو قيام بينة فان لم يكن هذا و لا ذاك لا يثبت النسب ، غير أن هذا الرأي غير مأخوذ به في قانون الأسرة الجزائري .
و لقد جاء في قرار المحكمة العليا المؤرخ في 15/12/1998، ملف رقم 202430 ما يلي : ” من المقرر شرعا أنه يثبت النسب بالإقرار لقول خليل في باب بيان أحكام الإقرار – ….. و لزم الإقرار لحمل في بطن المرأة …… -الخ .
كما أن إثبات النسب يقع التسامح فيه ما أمكن لأنه من حقوق الله فيثبت حتى مع الشك و في الانكحة الفاسدة طبقا لقاعدة إحياء الولد .
و متى تبين في- قضية الحال – أن المطعون ضده أقر بحمل الطاعنة بشهادة جماعة أمام الموثق بتاريخ 06/04/1997، فان هذه الشهادة لا تعتبر صلحا بل هي توثيق لشهادة جماعة عن إقرار المطعون ضده بحمل الطاعنة، كما أن المادتين 341 و 461 من القانون المدني لا تنطبق على قضية الحال التي هي من قضايا الحالة التي يحكمها قانون الأسرة .
كما أنه لا يمكن الجمع بين الإقرار بالحمل و بالدفع بالمادة 41 من قانون الأسرة التي تحدد مدة الحمل، لان الإقرار في حالة ثبوته يغني عن أي دليل آخر و لا يحق للمقر أن يثير أي دفع لإبطال مفعول هذا الإقرار .
كما أنه لا يمكن الجمع بين الإقرار بالحمل و طلب الطلاق قبل الدخول قصد الوصول إلى استرداد نصف الصداق، رغم أن الصداق المدفوع في قضية الحال يغلب عليه معنى التعويض أكثر منه مقابل الصداق.
و عليه فان القضاة لما لم ينتبهوا إلى وجوب سماع جماعة الشهود الذين حضروا إقرار المطعون ضده أمام الموثق، فانهم خالفوا الشرع و القانون و عرضوا قرارهم للقصور في التسبيب ” .
و من آثار الإقرار أنه حجة قاصرة على المقر دون غيره معنى ذلك أن أثر الإقرار لا يتجاوز المقر من أحكام، و لهذا كان للإقرار آثاره بالنسبة للمقر فقط دون غيره .
و إذا كان ثبوت النسب عن طريق الإقرار يعتبر من الأحداث الخطيرة التي يمكنها قلب الموازين و خلط الصالح بالطالح، و ذلك بالحضور و الادعاء أن ولدا ما ولده و لو كان ولد زنا، فإنه وجد طريق آخر أكثر موضوعية يثبت به النسب و هو البينة، كما أننا نرى أن الإمام مالك كان محقا عندما اشترط في إقرار النسب على الغير وجود بينة، فما هي البينة باعتبارها طريقا لإثبات النسب و ما هي أحكامها ؟
هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي :
* البينة : و يقصد بها كل حجة أو دليل يؤكد وجود واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الإثبات القانونية و الشرعية مما ورد النص عليها في قوانين الإجراءات أو لم يرد .
و عرفت أيضا بأنها : الحجة و يطلقها جمهور الفقهاء على معنى مرادف و هو الشهادة، و يعلق ابن القيم على هذا فيقول :” البينة اسم لكل ما يبين الحق و يظهره، و من خصها بالشاهدين لم يوف مسماها، و لم تأت البينة في القرآن قط مرادا بها الشهادة، و إنما أتت مرادا بها الحجة ” .
و يكون الإثبات بالبينة الكاملة عن طريق شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين
عدول .
والإقرار كما أكد أغلب الفقهاء يقوم على التصديق بين المقر و المقر له بينما البينة لا يلزم لإثبات النسب بها إقرار المراد إثبات نسبه أو تصديق للمدعي .
و عليه فانه يبدو جليا من خلال ما تم عرضه أن المشرع الجزائري اعتمد قاعدة أن إثبات النسب يقع التسامح فيه ما أمكن لأنه من حقوق الله فيثبت حتى مع الشك و في الانكحة الفاسدة طبقا لقاعدة * إحياء الولد* منتهجا في ذلك منهج الشريعة الإسلامية السمحاء .
لكن إذا كان الحال كذلك في طرق إثبات النسب، فما هو الحال في طرق نفيه، هذا ما سنحاول توضيحه في النقطة الموالية :

2 – طرق نفي النسب : لقد جاء في المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري: “أن الولد ينسب لأبيه …… و لم ينفه بالطرق المشروعة “، و ما يهمنا في هذه المادة هو معرفة الطرق المشروعة التي يقصدها المشرع في نفي النسب خاصة أن اجتهادات أغلب الفقهاء و القانونيين استقرت على أن الطريقة الوحيدة لنفي نسب الولد هي اللعان، و هو الإتجاه الذي سارت عليه المحكمة العليا في اجتهاداتها، فإلى أي حد يمكن اعتبار هذا الإجتهاد و هذا الرأي صائبا؟ و هل يمكن الإعتماد على طرق أخرى لنفي النسب ؟ وما موقف المشرع الجزائري منها ؟

الراجع – كما سبق القول – لدى كل الفقهاء و القانونيين أن النسب لا يمكن نفيه إلا باللعان إلا أن الدكتور عبد الرحمن الصابوني و معه الدكتور عمر فروخ لهما وجهة نظر أخرى في طرق نفي النسب نحاول تلخيصها فيما يلي :
إذ يرى الدكتور الصابوني و من معه : “أنه إذا ثبت نسب الولد بالزواج مع توافر شروطه فلا يجوز نفي هذا النسب إلا عن طريق اللعان .
أما إذا لم يستوف النسب بالزواج شروطه فحينئذ لا يعتبر النسب صحيحا كما لو ثبت عدم اللقاء بين الزوجين أو أثبت أحدهما استحالة إنجاب الآخر ولدا، و حينئذ يجوز نفي نسبه لعدم تحقق شروط إثباته .
و في جميع هذه الحالات يجب ألا يصدر عن الزوج دلالة على الاعتراف بالنسب، لأنه يشترط لنفيه أن يكون عقب الولادة أو خلال فترة التهنئة أو حين العلم بها و أن لا يصدر عنه أي شيء يدل على رضاه بالولد، بل أن حتى سكوته خلال هذه الفترة يعتبر اعترافا بالولد، و متى ثبت النسب فلا يجوز نفيه لأنه لا يقبل الفسخ بعد ثبوته”.

و صور نفي النسب كما حددها الدكتور الصابوني وفقا للقانون السوري هي :

أ – نفي النسب عن طريق إنكار ولادة الولد : يجوز للزوج أن ينكر ولادة زوجته لنفي نسب الولد إذا كان يجهل أنها حامل قبل ولادتها، إذ أن علمه مع سكوته بحمل زوجته لا يتيح له نفي النسب إلا إذا ادعى عدم العلم، و إذا عجز الزوج عن إثبات ذلك فالقول قول المرأة لأن الأصل صحة النسب بصحة الولادة ما دام عقد الزواج صحيحا و شروط النسب متوفرة .
و يجوز للزوجة إثبات الولادة بشهادة القابلة أو غيرها لان شهادة المرأة الواحدة في هذه الحالة تكفي .
ولا يجوز نفي الولادة بعد إقرار الزوج بها صراحة أو دلالة.

ب- نفي النسب لعدم إمكان الإنجاب :إذا صحت واقعة الولادة من الزوجة و في عقد زواج صحيح، فلا يثبت نسب الولد إذا كان الزوج ممن لا يتصور منه حدوث الحمل سواء كان صغيرا، مراهقا أو كبيرا ، عقيما أو مصابا بمرض جنسي يحول دون الإنسال، و نفي النسب في مثل هذه الحالة نفي قاطع و لو أقر الزوج أن الولد ابنه لأن من شروط الإقرار بالنسب كما ذكرنا – أن يكون المقر له ممن يولد مثله لمثل المقر، و ما دام هناك مانع من الزوج لصغر أو مرض قرر الأطباء استحالة إنساله فان نسب الولد لا يثبت.

ج – نفي النسب لعدم مرور الفترة المحددة للحمل : للزوج نفي نسب الولد إذا جاءت به زوجته لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأكثر من سنة ، غير أنه في هذه الحالة يجوز للزوج الإقرار بنسب الولد.
و في جميع الحالات لا يثبت نسب الولد إذا أقر أنه ابنه من زنا.

د – نفي النسب عن طريق اللعان : إذا توافرت شروط النسب فان الولد يثبت من أبيه بيقين، و لا يصح نفيه إلا بعد اللعان و بحكم من القاضي في الحالات التي تجوز فيها الملاعنة بين الزوجين .
و على هذا يكون اللعان بين الزوج و زوجته التي جاءت بولد خلال فترة الحمل المقررة شرعا و كان الزوج ممن يتصور حدوث حمل منه و ثبتت الولادة إلا أنه يشك بل يعتقد أن الولد جاء نتيجة صلة غير شرعية أو خيانة زوجية، و لهذا أجاز الشارع لمثل هذا الزوج أن يلجأ إلى اللعان إذا تعذر عليه إثبات اتهامه لزوجته .

و اللعان يكون في حالتين : إذا قذف الزوج زوجته أي اتهمها بالزنا و في حالة نفي نسب الولد منها .
و الواقع أن هذه الطرق التي اعتمدها الدكتور الصابوني و من معه في نفي النسب منطقية و معقولة إذا ما قارناها بشروط إثبات النسب المحددة في المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري و هي : – وجود عقد زواج شرعي، و إمكانية الاتصال بين الزوجين، و عدم نفيه بالطرق المشروعة.

و هذه الشروط كما بينا سابقا مرتبطة و مكملة لبعضها البعض، و عليه فان تخلف شرط منها يترتب عليها عدم ثبوت النسب، و من ثمة و إعمالا لمفهوم المخالفة فإنه يمكن الاعتماد على انتفاء شرط من هذه الشروط لنفي النسب .

و الحال غير ذلك في اللعان الذي تجتمع فيه الشروط المحددة في المادة 41 و التي بتوافرها يفترض ثبوت النسب، إلا أن الأب يتدخل بسلوك إيجابي فيقوم بنفي ذلك الولد عن طريق اللعان.
و الغريب في الأمر أن المحكمة العليا اعتمدت في قراراتها على اللعان فقط في نفي النسب ضاربة بذلك عرض الحائط الحالات الأخرى، ورغم أنه يتجلى بوضوح عند قراءة حيثيات قراراتها استحالة قيام النسب بين الولد المنفي و الأب المزعوم ( الطاعن )، و ذلك لتخلف إحدى شروط المادة 41 من قانون الأسرة، و كذا المادة 42 من نفس القانون، و لدينا في هذا الصدد قرارات كثيرة نذكر منها القرار رقم 165408 المؤرخ في 08/07/1997 و الذي جاء فيه :” من المقرر شرعا أن الولد للفراش و للعاهر الحجر.
و من المستقر عليه قضاء أن مدة نفي النسب لا تتجاوز 8 أيام .

و متى تبين- في قضية الحال – أن ولادة الطفل قد تمت و الزوجية قائمة بين الزوجين، و أن الطاعن لم ينف نسب الولد بالطرق المشروعة، و أن لا تأثير لغيبة الطاعن ما دامت العلاقة الزوجية قائمة .
و إن القضاة بقضائهم بإثبات نسب الولد طبقوا صحيح القانون.
و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن ” .
و لقد جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي :
” عن الوجه الثالث : – المأخوذ من مخالفة المادة 42 من قانون الأسرة بدعوى أن قضاة الموضوع عندما قضوا بإثبات نسب الولد للطاعن فقد خالفوا نص المادة المذكورة التي تقضي بأن أقصى مدة الحمل عشرة أشهر، مع أن المطعون ضدها قد وضعته بعد 16 شهرا من غيبة الطاعن بفرنسا.

لكن و حيث أن المادة 42 من قانون الأسرة لا تنطبق على دعوى الحال لأن ولادة الطفل موضوع النزاع قد تمت و الزوجية قائمة بين الزوجين و الطاعن لم ينفه بالطرق المشروعة، و أن دعوى الغيبة لا معنى لها طبقا للمادة 41 من قانون الأسرة، التي طبقت قاعدة ” الولد لفراش، و للعاهر الحجر”، و عليه فهذا الوجه، كسابقيه غير مؤسس “.
و أيضا القرار رقم 204821 المؤرخ في 20/10/1998 .

غير أنه يلاحظ من جهة أخرى أن المحكمة العليا رفضت في قرار آخر إثبات النسب على أساس عدم توافر شرط المدة و ذلك في القرار رقم 210478 المؤرخ في 17/11/1998 2 و الغريب من خلال كل ما سبق أن المحكمة العليا ترفض إثبات النسب في حالات انتفاء أحد شروط المادتين 41 و 42 من قانون الأسرة الجزائري، إلا أنه في الحالة العكسية أي الحالات التي يطلب فيها نفي النسب على أساس انتفاء الشروط المذكورة أعلاه فإنها ترفض على أساس أن الولد لم يتم نفيه باللعان . فأي منطق هذا الذي يجعل شروط المادتين 41 و 42 واجبة التحقق فقط في دعاوى إثبات النسب دون دعاوى نفي النسب ؟
و الواقع هنا أننا لا ندرك فحوى المشكل الذي قاد إلى هذا التفسير الخاطئ في أن اللعان هو الطريقة الوحيدة لنفي النسب، مع أن قانون الأسرة الجزائري الساري المفعول واضح عند وضعه شروط إثبات النسب، هذه الأخيرة التي يترتب على تخلف أحدها بالضرورة نفي النسب .

و لكن و لتجنب مثل هذه التأويلات الخاطئة للقانون فإننا نرى ضرورة تدخل المشرع بتبيان طرق نفي النسب و تحديدها تحديدا دقيقا كما فعل في طرق إثبات النسب، و حبذا لو فصل المشروع التمهيدي المقترح الخاص بقانون الأسرة في هذا، لكن للأسف الشديد فقد تجاهل في مقترحاته هذه النقطة رغم أهميتها.
و عموما و إذا كان إثبات النسب بالطرق الشرعية متفق عليها في كل التشريعات خاصة منها الإسلامية، فان الحال غير ذلك في إثبات النسب بالوسائل العلمية. فكيف ذلك ؟ هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي :

ثانيا: الطرق العلمية في إثبات و نفي النسب :
في طي الثورة العلمية التي شهدتها البشرية خاصة فيما يتعلق بعلم الجينات و استكمال الخريطة المورثية التي انعكست على مواد الإثبات المدنية و الجزائية، و نقلتها نقلة نوعية من غياهيب طرق الإثبات التقليدية إلى الحقيقة العلمية الواضحة و الدقيقة، و قد برز دورها جليا خاصة في مجال إثبات النسب و نفيه الذي استقطب كثيرا من الجدل الفقهي و القانوني بين رافض لها و آخذ بها، فما هو موقف المشرع الجزائري منها في ظل التشريع الساري المفعول ؟ و هل من جديد في مشروع التعديل؟ و إن كانت الإجابة بنعم، فما قيمة هذا التعديل ؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا الصدد و لكن بعد إعطاء نظرة موجزة عن أهم الوسائل العلمية المستحدثة في إثبات النسب، فما هي هذه الوسائل ؟
من أهم الوسائل العلمية المستحدثة خاصة في مجال طرق إثبات و نفي النسب : طريقة تحليل الدم، و طريقة الحمض النووي (ADN)، و كذا طريقة التلقيح الإصطناعي باعتبارها من مستحدثات المشروع التمهيدي المقترح (م 45 مكرر)، و هي التي سنحاول التفصيل فيها :

1 – إثبات النسب عن طريق تحليل الدم : أو ما يطلق عليه الفحص الدموي، و يقصد به البحث عن الزمرة الدموية لإثبات الأبوة أو نفيها .
إلا أن البحث العلمي الحديث اكتشف أن تحليل الدم وسيلة لنفي الأبوة أكثر منه وسيلة لإثباتها، إذ أن الجزم بتنافر فصائل الدم بين الابن المزعوم و الأب دليل على أنه ليس ابنه .
و الملاحظ أنه باستقراء مواد قانون الأسرة المتعلقة بالنسب، نلاحظ أن المشرع لم يتطرق إطلاقا إلى إثبات أو نفي النسب عن طريق تحليل الدم، إلا أن المحكمة العليا فسرت سكوت المشرع بالرفض، و ذلك طبقا للقرار الصادر عنها بتاريخ 15/06/1999، ملف رقم 222674 الذي جاء فيه : ” …و من المقرر قانونا أيضا أنه يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة و بنكاح الشبهة و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32، 33، 34 من هذا القانون، و من ثمة فان القضاء بخلاف ذلك يعد مخالفة للقانون.
و متى تبين – من قضية الحال – أن قضاة المجلس لما قضوا بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبرة طبية قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد النسب خلافا لقواعد إثبات النسب المسطرة شرعا و قانونا طبقا لأحكام المادة 40 و ما بعدها من قانون الأسرة، فانهم بقضائهم كما فعلوا تجاوزا سلطتهم و عرضوا قرارهم للنقض .
و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه ”
و قد جاء في حيثياته خاصة الوجه المثار تلقائيا من المحكمة العليا و المأخوذ من تجاوز السلطة .
“حيث أن القرار المنتقد القاضي بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبرة طبية قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد نسب الولدين بأن ينسبا للطاعن أم لا.
حيث أن إثبات النسب قد حددته المادة 40 و ما بعدها من قانون الأسرة الذي جعل له قواعد إثبات مسطرة و ضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث و لم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم الذي ذهب إليه قضاة الموضوع فدل ذلك على أنهم قد تجاوزوا سلطتهم الحاكمية إلى التشريعية الأمر الذي يتعين معه نقض القرار المطعون فيه و إحالته لنفس المجلس” .
و عموما – وبغض النظر عن قرار المحكمة العليا – فانه قد تم الاتفاق على أن وسيلة تحليل الدم هي وسيلة لنفي النسب و ليس لإثبات النسب مع احتمال نفي أبوة قد تكون فعلا صحيحة، و عليه ابتعد القضاء عن استخدام هذه الوسيلة كدليل إثبات خاصة بعد اكتشاف وسيلة علمية قاطعة هي الحمض النووي (ADN).

2- إثبات النسب عن طريق الحمض النووي (ADN) :
إن تطور العلوم البيولوجية أمكن الجزم بصورة دليليه قاطعة بأن نقطة دم أو مني أو شعر أو أي خلية بيولوجية أصبح الآن من الممكن نسبتها إلى صاحبها اعتبارا أن لكل شخص صورة خاصة به من تراكيب الحمض النووي (ADN) باستثناء التوأم الحقيقي، فما هو الحمض النووي ؟
الحمض النووي عبارة عن مادة غير حية موجودة داخل الخلايا، و هي مورثات موجودة داخل الحامض الريبي المنقوص الأكسجين Acide Soxyrihennculigne و يرمز لها بالمختصر (ADN)، إذ يشكل هذا الحامض المادة الأساسية المكونة للكروموزومات التي يبلغ عددها 23 زوجا في كل خلية، و تضم كل خلية أربع مجموعات كيميائية، بيولوجية لها أهمية خاصة في حياة الخلية و هي متصلة ببعضها البعض في شكل لولبي.
و تعد الثلاثة أنواع من المجموعات الأربع، و هي البروتينيات و السكريات و الدهنيات بمثابة قوالب الإسمنت أو كتل الحجارة المستعملة في البناء، و تمثل المجموعة الرابعة، و هي الأحماض النووية المحتوية على الحمض الريبي المنقوص الأكسجين (ADN) مادة الإسمنت الرابطة بين تلك الكتل و القوالب المدعمة لقيام بناء معين، و هذا الحمض يعمل كأنه حامل استعلامات خلوية، حيث يوجد بنواة الخلية و يضبط نشاطها.

و يمثل كل حمض أميني في الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين (ADN) عن طريق مجموعة معينة متكونة من ثلاثة أسس مزدوجة و تتم معرفة تلك المجموعات عن طريق قراءة تلك الأزواج بثلاث و ثلاثين، مما يعطينا الدليل الكامل لبروتينية واحدة، و هذا الترتيب يشبه في شكله * الأعمدة المشفرة * .
و يمثل الحمض النووي ( ADN) الدليل الوراثي الذي يسمح للكائنات الحية بنقل خاصيتها إلى أنسالها، و من المعروف أن الخلية البشرية تحتوي على 46 صبغيا تشكل 23 زوجا من الكروموزومات بصفة عادية، إلا أن الخلايا التناسلية المذكرة و المؤنثة ليس لها إلا نصف هذا العدد، و أنها عندما تتحد في خلية واحدة فهي تؤلف جينة جديدة ليعود العدد الأصلي للكروموزومات كما كان من قبل، أي 23 زوجا صبغيا، و تحتوي الخلايا التناسلية كسائر الخلايا البشرية الأخرى على الحامض النووي (ADN) و عندما تتحد الخلية الذكرية مع البويضة في خلية جديدة فان هذه الأخيرة تتضمن شيئا من الحامض الذكري و شيئا من الحامض الأنثوي، و رغم أن التكوين الكيميائي للحمض النووي ( ADN) كان قد تحدد سنة 1923 فانه لم يتم الاكتشاف بأن هذا الجزئي متكون من سلكين ملفوفين على بعضها البعض في شكل لولبي إلا سنة 1953 من طرف العالم البريطانيCRICK- CHF و العالم الأمريكي WATSON- DJ .
و في سنة 1985 قدم الدكتور ALEX- JEFFREYS وبعض زملائه من وحدة بحث جامعة ليسيستر ( Leicister) تقريرا عن تقنية مفادها إمكانية إيجاد بصمة جينية تدعى ( ADN) و ذلك عن طريق أخذ عتاد خلوي من الخلايا البشرية، لان الخلايا ذات الأنوية التي تحتوي على الحمض النووي ( ADN) تتضمن كل المعلومات الجينية للفرد .
و نجد أن الباحثون البيولوجيون و الأطباء الشرعيون يفرقون بين نوعين من الحامض النووي ( ADN) و هما : الحامض النووي الوظيفي، و الحامض النووي غير الوظيفي، فالحامض الأول له دور هام في نقل الخصائص الوراثية، إذ أنه يوجد لكل إنسان في كل خلية من خلاياه بطاقة تعريف غير قابلة للتزييف، تتضمن إمارات خاصة بالأب و أخرى بالأم .
و عليه فإنه باللجوء إلى قوانين العالم البيولوجي مندل Mendel التي تنظم انتقال الخصائص الوراثية، فنصف يأتي من الأب و النصف الآخر ينبغي أن يأتي من الأم، و بمقارنة الحامض النووي الخاص بالولد، و الحامض النووي للأب المفترض، فان نصف تلك الخصائص يجب أن تتناسب مع علامات الأب، و يتم اللجوء إلى طريقة فحص الجينية بمقارنة بنية الحمض النووي (ADN) للمادة الجسمانية. فالحمض النووي (ADN) إذن هو كل العتاد الذي تتكون منه الكروموزومات البشرية، وهو الذي يحمل معه العلامات الجينية التي تجعل من كل فرد منا إنسانا فريدا من نوعه.
و لا شك أن هذه التقنية أصبحت اليوم تفتح آفاقا واسعة في مادة الإثبات ذلك أن منطقة الحمض النووي للعتاد الخلوي المأخوذة من جسم متى تطابقت المنطقتان فان ذلك يكون محققا، بل يكاد يكون مطلقا و دليلا قاطعا على أن العتاد الخلوي ناتج عن الشخص نفسه ما عدا في حالة التوأم أحادي البويضة، حيث يكون التحقق ناقصا.
و من ثمة فان وسيلة الحمض النووي هي وسيلة علمية في نفي و إثبات النسب معا، فما موقف القانون الساري المفعول، و مشروع التعديل المقترح من إثبات و نفي النسب عن طريق ( ADN) ؟
ارتأينا قبل الوصول إلى موقف المشرع الجزائري التعريج على التشريعات المقارنة لمعرفة موقفها من هذه النقطة، و اختارنا لذلك الأمثلة التالية :

أ – موقف التشريع الفرنسي : لقد نص المشرع الفرنسي في قانونه على إثبات النسب عن طريق العلم و ذلك بتبنيه وسيلة علم الجينات (ADN) المستحدثة لإثبات الأبوة، فنص القانون الفرنسي على إجراءات يجب اتخاذها و هي :
– يجب على المدعي أن يرفع دعوى قضائية يطلب فيها إثبات النسب و يلتمس إجراء خبرة الجينات .
– و أن رفع الدعوى يجب أن يكون خلال بلوغ الطفل سنتين أو بعد سنتين من بلوغ الطفل سن الرشد، حتى يمكن إجراء خبرة (ADN) على الطفل .
– فيأمر القاضي بعد أن يتبين له جدية النزاع بموجب أمر قضائي بإجراء خبرة جينية .
– وبعد إنجاز الخبرة الجينية يرجع المعني أمام القضاء إذا أثبتت الخبرة البنوة يأمر القاضي بإلحاق النسب لأبيه.
و نستخلص من هذا أن إلحاق النسب عن طريق العلم يجب أن يكون بموجب حكم قضائي وبعد إجراء خبرة جينية تؤكد ذلك.

ب- موقف المشرع الأمريكي : إن التشريع الأمريكي لم ينص في قانونه على الوسيلة العلمية المستحدثة (AND) لإثبات النسب، لكن يعمل بهذه الوسيلة عمليا وذلك أن المعني بإثبات النسب يتقدم أمام المخابر المختصة لإجراء الخبرة الجينية، وبعد تحصله على الخبرة يمكنه تسجيل الابن باسمه وإلحاقه بنسبه ودون حاجة إلى حكم قضائي ويكون ذلك حتى بالنسبة للآباء غير الشرعيين.

ج – موقف بعض الدول الإسلامية :
مجمع الفقه الإسلامي في مكة في دورته لسنة 1995 أجاز إثبات النسب بالحمض النووي.
كما أن تصريح الدكتور – السوداني – إبراهيم عثمان في محاضرته التي ألقاها على الطلبة القضاة – الدفعة 11 – تحت عنوان : – استخدام الوسائل العلمية في الإثبات و تقديم البيانات، أكد أن استخدام الحمض النووي جائز شرعا في إثبات النسب أو نفيه، و هذا يعني أن بلد السودان يجيز إثبات أو نفي النسب عن طريق الدليل العلمي.
كما أن الدكتور السعودي – زيد بن عبد الكريم زايد – مدير المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية . و بمناسبة زيارته للمعهد الوطني للقضاء و إلقائه محاضرات على طلبة الدفعة 11، أكد أنه يجوز إثبات النسب عن طريق الحمض النووي شرعا، لكن يجب أن تستخدم هذه الوسيلة العلمية لإثبات النسب و ليس لنفيه، لان النص القرآني فصل في ذلك باللعان .

د – موقف المشرع الجزائري :
إذا كانت جل التشريعات الإسلامية و الدولية تجيز الالتجاء إلى الوسائل العلمية كأدلة في إثبات النسب أو نفيه، فان موقف المشرع الجزائري ظل غير واضح و ذلك من خلال ما جاء في المادة 40 التي تنص على أنه : ” يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة و بنكاح الشبهة و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و 33 و 34 من هذا القانون” .
فالواضح من هذه المادة أن المشرع الجزائري عدد طرق إثبات النسب، و المشكل المثار في هذا الصدد هل هذا التعديد ورد على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، أو بمعنى آخر يمكن القول أن المشرع سكت في فحوى النص عن تبيان إمكانية اعتماد الوسائل العلمية في إثبات أو نفي النسب فلم يمنعها و لم يجزها، و ذلك ما فتح المجال لتأويلات مختلفة في تفسيرها، و هو الشيء الذي ترتب عليه تضارب المحكمة العليا في قراراتها فمرة ترفض الأخذ بالوسائل العلمية كأدلة للإثبات، و مرة تجيزها.
و عليه فالنص بشكله الحالي يطرح عدة تساؤلات أهمها : هل يجب التقيد الحرفي بنص المادة 40، و من ثمة الجزم باستبعادها إمكانية الاعتماد على الوسائل العلمية المستحدثة لإثبات أو نفي النسب ؟، أم يمكن تفسير سكوت النص بأنه فتح المجال للقاضي بتكوين قناعته من الدليل الذي يراه مناسبا، حتى و لو كان هذا الدليل هو الاعتماد على العلم الحديث ؟
و إن كان الجواب بجواز ذلك، فان أسئلة أخرى تطرح أيضا، و هي هل القاضي، يأمر بإجراء خبرة طبية للحمض النووي تلقائيا ؟ أم يجب أن يكون ذلك بناء على طلب الأطراف ؟ و الخبرة هل يمكن إسنادها لأي خبير ؟ أم يجب إسنادها لخبراء متخصصين و مخابر متخصصة .

إن هذه الإشكالات كلها لم يعالجها قانون الأسرة الجزائري الساري المفعول، بل أكثر من هذا جعلها مفتوحة للتفسيرات و التأويلات المختلفة، و كان بذلك القاضي باعتباره المتحسس الوحيد لهذه المشاكل من خلال ممارسته اليومية هو الضحية الوحيدة، خاصة إذا وقع بين فك تطبيق القانون و اجتهاده في تفسيره و البحث عن نية المشرع، وبين فك المحكمة العليا و اجتهاداتها في هذا الموضوع، هذه الأخيرة التي سبق لها رفض طريقة تحليل الدم كوسيلة لإثبات النسب، إلا أنها تراجعت عن ذلك في سنة 2003 بموجب القرار الذي اعتمدت فيها طريقة الحمض النووي (ADN) كطريقة لإثبات النسب.

إنه و نتيجة لكل هذا تدخل مقترحوا التعديل الجديد لقانون الأسرة بالمادتين 10 و 11 من المشروع التمهيدي للتعديل، محاولين بذلك حل معادلة إثبات النسب عن طريق العلم، فما هي هذه المقترحات و ما قيمتها ؟

هـ – جديد مشروع التعديل المقترح :
نصت المادة 10 من المشروع التمهيدي المكملة و المتممة للمادة 40 على إضافة فقرة ثانية لهذه الأخيرة فكان اقتراح التعديل بالشكل التالي : ” و يجوز للقاضي في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب “.
و بذلك تمت إضافة فقرة ثانية تفيد أنه يمكن إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة، مع مراعاة طبعا ضرورة توفر الشروط العامة للنسب، و كل هذا يعد تسهيلا في طرق الإثبات في هذا المجال تماشيا مع التطور العلمي.
و إن كان اقتراح التعديل بشكله هذا قد حسم النزاع، و بذلك يكون قد أصاب بتدخله بنص خاص يجيز اعتماد الوسائل العلمية كطرق لإثبات أو نفي النسب خاصة مع أهميتها التي أصبح من المستحيل إنكارها أو تجاهلها، خاصة أنها تعتبر وسيلة لردع الزوجات اللاتي لا يتقين الله في بيوتهن، و بذلك يتم منع اختلاط الأنساب، و كذلك وسيلة لردع الآباء عديمي المسؤولية، وذلك بمنع تعسفهم في نفيهم لأبنائهم، لا لمجرد شيء سوى إشباع غريزة الانتقام أو بغية التهرب من مسؤولياتهم اتجاههم.
إلا أنه و مع ذلك فان ما يعاب على هذا المقترح هو قصوره كونه لم يبين و لم يوضح كيفية اعتماد هذه الوسائل في القضاء و الإجراءات الواجب اتباعها، بل أنه لم يشر حتى إلى المخابر المتخصصة في ذلك.
و في الحقيقة فان المقترح الجديد بشكله هذا يكون قاصرا، و يكون بذلك قد قذف بالقاضي مرة أخرى في هوة عميقة يصعب الخروج منها.
و عليه فإننا نقترح الإبقاء على هذا المقترح الجديد، لكن مع ضرورة تحديد و بدقة كيفية إدماج هذه الوسائل العلمية في القضاء، كذلك الإجراءات الواجب مراعاتها فيه، أو الخبراء و المخابر المتخصصة بذلك، و كذلك لا بد من تحديد قيمتها في الإثبات بمعنى هل تعد وحدها دليلا كافيا لإثبات النسب ؟ أم أنها تخضع لسلطة القاضي في تمحيص أدلة الإثبات وفقا لقناعته ؟ .
أما عن موقف الشريعة الإسلامية فإننا لا نرى أن في هذه الأحكام ما ينافيها، فالدين الإسلامي الحنيف دين صالح لكل زمان و مكان يتماشى و مقتضيات كل عصر، و بذلك و إعمالا لمبادئ الاجتهاد فانه طالما كانت هذه الوسائل لها فائدتها و أهميتها في المجتمع، و طالما أنها لا تتناقض و مبادئ الشريعة الإسلامية فانه يمكن الاعتماد عليها و الأخذ بها لإحقاق الحق و إزهاق الباطل.
و من الجديد أيضا الذي جاء به المشروع التمهيدي لقانون الأسرة، و هو في الحقيقة لم يكن متوقعا، هو اعتماده لوسيلة التلقيح الاصطناعي كوسيلة أخرى يثبت بها النسب، و ذلك طبقا للمادة 11 من هذا المشروع المتممة لأحكام قانون 84/11 بالمادة 45 مكرر و المحررة على النحو التالي : ” يجوز للزوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي .
يخضع التلقيح الاصطناعي للشروط التالية :
 أن يكون الزواج شرعيا.
 أن يكون التلقيح برضا الزوجين و أثناء حياتهما.
 أن يتم بماء الزوج و بويضة زوجته دون غيرهما.
 لا يجوز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي باستعمال الأم البديلة “.
و في الحقيقة فان هذه المادة ما هي إلا تأكيد آخر للاتجاه نحو اعتماد و تكريس الطرق العلمية المستحدثة في مجال النسب. و بذلك فانه يجدر بنا طرح عدة أسئلة أهمها : ما هو التلقيح الاصطناعي ؟ و ما هي شروطه ؟ و ما علاقته بالنسب ؟
كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها فيما يلي :
بداية فان التلقيح الاصطناعي بغية الاستيلاد (بغير الطريق الطبيعي، و هو الاتصال الجنسي بين الرجل و المرأة ) يتم بأحد طريقين أساسين : طريق التلقيح الداخلي، و ذلك بحقن نطفة الرجل في الموقع المناسب من باطن المرأة، و طريق التلقيح الخارجي بين نطفة الرجل و بويضة المرأة في أنبوب اختبار في المختبرات الطبية ثم زرع البويضة الملقحة ( اللقيحة ) في رحم المرأة .
و قد تبين من خلال الدراسة أن الأساليب و الوسائل التي يجري بها التلقيح الاصطناعي بطريقيه الداخلي و الخارجي لأجل الاستيلاد هي ستة أساليب بحسب الأحوال المختلفة، للتلقيح الداخلي فيها أسلوبان، و للخارجي أربعة من الناحية الواقعية، بقطع النظر عن حلها أو حرمتها شرعا، و هي :

أ – في التلقيح الاصطناعي الداخلي :
الأسلوب الأول : أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج، و تحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها، حنى تلتقي النطفة التقاء طبيعيا بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته، و يقع التلقيح بينهما ثم العلوق في جدار الرحم بإذن الله، كما في حالة الجماع، و هذا الأسلوب يلجأ إليه إذا كان في الزوج قصور لسبب ما عن إيصال مائه في المواقعة من الموضع المناسب.
الأسلوب الثاني : أن تؤخذ نطفة من رجل و تحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا ثم العلوق في الرحم كما في الأسلوب الأول، و يلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيما، لا بذرة في مائه فيأخذون النطفة الذكرية من غيره.

ب – في التلقيح الاصطناعي الخارجي :
الأسلوب الأول : أن تؤخذ نطفة من زوج و بويضة من مبيض زوجته، فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة، حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار، ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام و التكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتعلق في جداره و تنمو و تتخلق ككل جنين، ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعي تلده الزوجة طفلا أو طفلة، و هذا هو طفل الأنبوب الذي حققه الإنجاز العلمي الذي يسره الله، و يلجأ إلى هذا الأسلوب عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب).
الأسلوب الثاني : أن يجرى تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج، و بويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته ( يسمونها متبرعة )، ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته، و يلجأون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو معطلا، و لكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
الأسلوب الثالث : أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل و بويضة امرأة ليست زوجته له (يسميان متبرعين)، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة، و يلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيما بسبب تعطل مبيضها لكن حملها سليم، و زوجها أيضا عقيم و يريدان ولدا.
الأسلوب الرابع : أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها (ما يعرف بالأم البديلة)، و يلجأون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، و لكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفضها، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها .
هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي التي حققها العلم لمعالجة أسباب عدم الحمل .
و إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة بعد النظر فيما تجمع لديه من معلومات موثقة مما كتب و نشر في هذا الشأن، و تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية و مقاصدها لمعرفة حكم هذه الأساليب المعروضة و ما تستلزمه قد انتهى إلى ما يلي :
– أن الأسلوب الأول من التلقيح الداخلي جائز شرعا، و ذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل .
– و أيضا الأسلوب الأول من التلقيح الاصطناعي الخارجي هو أسلوب مقبول مبدئيا في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تماما من موجبات الشك فيما يستلزمه و يحيط به من ملابسات، فينبغي ألا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى .
و في الحالتين المشار إليهما أعلاه يقرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدري البذرتين و يتبع الميراث و الحقوق الأخرى ثبوت النسب، فحين يثبت نسب المولود من الرجل و المرأة يثبت الإرث و غيره من الأحكام بين الولد و من التحق نسبه به، أما بقية الأساليب فقد قرر المجمع تحريمها لمخالفتها للشرع الإسلامي و أنه لا مجال لإباحة شيء منها، لان البذرتين الذكرية و الأنثوية فيها ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدري البذرتين .
هذا و نظرا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصورتين الجائزتين شرعا، و من احتمال اختلاط النطف أو اللقائح في أوعية الإختبارات و لاسيما إذا كثرت ممارساته وشاعت فإن مجلس المجمع ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى، و بمنتهى الاحتياط و الحذر من اختلاط النطف أو اللقائح .
و إن كان مقترحوا التعديل كما يبدو من خلال المادة 45 مكرر المضافة لأحكام النسب بموجب المادة 11 من مشروع التعديل المقترح قد استمدوا أحكامها من رأي المجمع الفقهي فأصابوا بذلك في وضع الشروط الملائمة، و طبقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية و الأحكام العامة للنسب، إلا أن هناك جملة من المآخذ يمكن أخذها عليهم و تتمثل فيما يلي :
– عدم التعريف بهذا الأسلوب الجديد المستحدث، و كذا عدم تبيان الطرق المعتمدة منه دون غيرها، فالتلقيح الاصطناعي يتضمن التلقيح الداخلي، و التلقيح الخارجي الذي يتم عن طريق الأنابيب و هذا ما يطرح بدوره إشكاليات أخرى عند التطبيق خاصة في الواقع العملي .
– أنه لم يشر إلى الإجراءات الخاصة بهذه العملية، و لم يحل بشأنها حتى إلى التنظيم و هو الشيء الذي يخلق مشاكل لدى القضاة في كيفية تطبيق هذه المادة، و في كيفية مراقبة مدى صحة الشروط التي تضمنها مشروع التعديل، كما أن السؤال الجدير بالطرح أيضا في هذا الصدد هو : ماذا يترتب في حالة الغش في تطبيق شروط هذه المادة من طرف الأطباء و المختصين، فهل يمكن تكييف ذلك على أنه إخلال بواجب مهني و يتطلب جزاء تأديبيا فقط ؟ أم أنه وجب تدخل المشرع بتجريم مثل هذه التصرفات باعتبارها تمس كيان المجتمع بما يترتب عنها من اختلاط في الأنساب ؟ .
– كذلك كان يجدر بواضعي المشروع أن يبرزوا أهمية الملف الطبي المشكل للزوجين طالبي الاستفادة من هذه العملية، في إثبات مدى توافر الشروط المنوه عنها أعلاه.
و في الأخير فانه لا يسعنا إلا أن نقول أن اعتماد الوسائل العلمية في إثبات النسب ونفيه أصبح ضرورة لا مفر منها، و أنه من اللامعقول تجاهل أهميتها، خاصة في وقت أصبح فيه العلم هو مقياس تقدم الأمم، و بالتالي فان المشروع التمهيدي المقترح قد أصاب مبدئيا في تكريس الوسائل العلمية في إثبات و نفي النسب، إلا أنه بقي قاصرا في نقاط كثيرة، لذلك فإننا نلح على مقترحي التعديل بضرورة وضع تعديلات جذرية، لا تعديلات شكلية، تقذف بالقاضي إلى الحيرة و الريب و صعوبة الفصل في القضايا المطروحة أمامه.

خلاصة :

بعد أن عالجنا في هذا الفصل الاشكالات التي يطرحها عقد الزواج و آثاره بصفة عامة و لاحظنا الفراغ القانوني الذي اعتراه و إن كان مشروع التعديل المقترح قد نجح إلى حد ما في تغطية هذا الفراغ الذي خلفه التشريع الساري، إلا أنه خلق من جهة أخرى اشكالات جديدة تحتاج إلى كثير من النظر و التمحيص .
فإذا كان الحال كذلك بالنسبة لانعقاد الرابطة الزوجية فما هو الحال بالنسبة لانحلالها.

الفصل الثاني : إشكالات إنحلال عقد الزواج و آثاره

عرفت المادة 48 من قانون الأسرة الطلاق بأنه :” حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53 و54 من هذا القانون “.
فرغم أن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي حرص عليها الشارع و المشرع و ذلك يجعل عقد الزواج يعقد للدوام و التأبيد إلى أن تنتهي الحياة و جعل الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات و أوثقها إلا أنه قد يحدث ما يوهن هذه الصلة ويضعف من شأنها و يخلق الشقاق، فإن استحالت العشرة شرعت الفرقة و كان أبغض الحلال عند الله هو منفذ ذلك .و على هدى الشريعة الإسلامية نظم المشرع الجزائري حالات انحلال الرابطة الزوجية و كذا الآثار المترتبة عنها والتي طرحت العديد من الإشكالات نفصل أهمها فيما يأتي :

المبحث الأول : حالات انحلال عقد الزواج

إن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام، و عقد الزواج يعقد للدوام و التأبيد إلى أن تنتهي الحياة ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهدا يأويان إليه و ينعمان في ظلاله الوارفة و ليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة، ومن أجل هذا كانت الصلة من أقدس الصلات و أوثقها لذا لا ينبغي الإخلال بها و لا التهوين من شأنها، و كل أمر من شأنه أن يوهن هذه الصلة و يضعف من شأنها فهو أمر بغيض إلى الإسلام، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أبغض الحلال إلى الله الطلاق ”
وقد شرع الإسلام كحل واقعي علمي لما يطرأ على هذه الرابطة المقدسة من تشويش، و جعل له ضوابطه و قوانينه و جعله أبغض المباحات إلى الله تعالى وإلى نفوس العباد من ذوي الفطرة السليمة و ذلك أن الإسلام دين وحدة و الطلاق شرع للفرقة مما يستحق أن يصنف في خانة أبغض الحلال.
و تجدر الإشارة أنه قبل التطرق إلى موضوع الطلاق و الإشكاليات التي يثيرها بين القانون الساري المفعول و التعديلات المقترحة يتعين ذكر الأسباب التي تنحل بها الرابطة الزوجية.
و لعل أول سبب من أسباب انحلال عقد الزواج هو وفاة أحد الزوجين فإذا توفي الزوج أو الزوجة فإن عقد الزواج القائم بينهما سينحل تلقائيا من نفسه و بحكم القانون و لا يحتاج إلى إقامة دعوى أمام القضاء للحكم بانحلاله و انقضائه و تترتب عليه نفس آثار كل زواج صحيح من حيث التوارث و النسب و العدة واستحقاق مؤجل الصداق وغيرها ، وطالما هذا السبب لا يثير مشكلا أمام القضاء مثل بقية الطرق الأخرى التي تنفك بها الرابطة الزوجية ولذا سوف لن نتناوله بالدراسة والتحليل.
كما تنحل الرابطة الزوجية عن طريق الخلع الذي هو عبارة عن عرض الزوجة لمبلغ من المال معلوما و مقوما شرعا إلى زوجها مقابل طلاقها، فيتفقان على نوعه أو مقداره في جلسة الحكم أو يحدده القاضي بما لا يتجاوز صداق المثل وقت الحكم.
و علاوة على السبب السابق الذكر هناك سبب آخر المتمثل في الطلاق الذي يندرج ضمنه الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج والطلاق بالتراضي.
كما تنحل الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة وهو ما يسمى في القانون بالتطليق.

المطلب الأول : الطلاق :

الطلاق مأخوذ من الطلاق وهو الإرسال والترك ومعناه لغة : حل القيد سواء كان حسيا كقيد الفرس وقيد الأسير، أو معنويا كقيد النكاح وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين.
ويستعمل الطلاق في حل القيد سواء حسيا أو معنويا ، و من ثم فاللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح، فالطلاق كانوا يستعملونه في الجاهلية في الفرقة بين الزوجين، فلما جاء الشرع اقر استعماله في هذا المعنى بخصوصه، لهذا عرف في الاصطلاح بأنه إزالة النكاح.
في الشرع : هو حل رابطة الزواج وإنهاء العلاقة الزوجية

أولا: الطلاق بالتراضي :
لقد ورد في نص المادة 48 من قانون الأسرة على أن الطلاق حل عقدة الزواج ويتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين وهذا يعني أنه يمكن للزوجين بناءا على طلب أحدهما وموافقة الآخر أو بناء على رغبتهما المشتركة في حل عقد النكاح ووضع حد للرابطة الزوجية القائمة بينهما أن يتطالقا بتراضيهما ودون خصام أو نزاع ومثلما تلاقيا بالإحسان يفترقا بالإحسان، وعندها وبكل سهولة يمكن أن يتوجه الزوج أو حتى الزوجة إلى أمانة الضبط بالمحكمة، ويقدم أو تقدم له عريضة مكتوبة تشتمل على الهوية الكاملة والعنوان الكامل لكل واحد من الزوجين وتحتوي على عبارات صريحة تفيد اتفاقهما على حل عقد الزواج بتراض منهما دون ضعف من طرف أو إكراه من الآخر ويطلبان فيه من المحكمة أن تقضي بينهما بالطلاق الرضائي وان كانت هناك شروط تتعلق بالطلاق يحسن ذكرها في العريضة ذاتها .
وبعد قيام القاضي بمحاولة الصلح بين الزوجين يقوم فقط بالإشهاد على الطلاق بالتراضي الواقع بين الزوجين باعتبار أن دور القاضي في هذه الحالة كاشف لإرادة الزوجين.
لماذا لا يكون الطلاق حق مشترك كالزواج ؟
لو جعلنا أمر الطلاق يرجع إلى إرادة الزوجين بما وصل إلى اتفاق غالبا، لأن أحدهما يريد الفراق والأخر لا يريده، فيعمل على الكيد للآخر فتصبح الحياة جحيم لا يطاق ثم أنهما غير متساوين في المسؤولية فأحدهما سيغرم نتيجة لوقوع الطلاق والآخر لا يكلف بشيء.

إنه من غير الممكن جعل الطلاق حقا مشترك بين طرف يغنم و طرف يغرم، فالطرف الذي يغرم عادة لا يريد إيقاعه والطرف الذي يغنم قد يوقعه لأتفه الأسباب، وبالتالي لن يتفقا أبدا، ومن الواضح أن الطلاق في الشريعة الإسلامية ليس حقا مشتركا لأنه يقع برضا الطرفين .
وعليه فان الطلاق بالتراضي ليس معناه إجبارية أن يكون حقا مشتركا بين الزوجين ذلك أنه في حالة التراضي على الطلاق ، اتفاق إرادة الزوجين على وقوعه.
ما مدى حرية الزوجين في إنهاء العلاقة الزوجية بناء على اتفاقهما المشترك؟
طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه يحق للزوج إنهاء العلاقة الزوجية بناء على إرادته المنفردة ولا يحتاج إلى قبول الزوجة، لأن الأمر في هذه الحالة يتعلق بممارسة الحق الإرادي ولا تملك الزوجة إلا الخضوع في حين يستطيع الزوجين في التشريع الغربي إنهاء العلاقة الزوجية بناء على إرادتهما المشتركة لأن هذه الشريعة لا تسمح بانتهاء العلاقة الزوجية إلا إذا أثبت أحدهما إخلال الآخر بالتزامه، ويكون من باب أولى أن يحصل الطلاق إذا وقع اتفاق بينهما.
إن المشرع عندما نص على هذه الحالة فقد تأثر بالشريعة الغربية التي تعرف هذه الصورة من صور إنهاء العلاقة الزوجية وعليه فان صور الطلاق بالتراضي غير موجودة في الشريعة الإسلامية وإن كان يتقارب في المفهوم مع الخلع من حيث وجود الاتفاق إلا أن ميزة الخلع الأساسية هو المقابل المالي الذي تفتدي به الزوجة نفسها ويدفعه إلى الزوج مقابل طلاقها.

– ثانيا : الطلاق بإرادة الزوج المنفردة :
لقد أوكل المشرع مصير العشرة الزوجية إلى إرادة الزوج طبقا لأحكام القرآن ومقتضى السنة، وذلك ليس إنكارا لحق المرأة في الفرار من جحيم الحياة الزوجية متى فسدت العشرة بين الزوجين وكرهت البقاء معه و إنما تماشيا مع طبع الرجل الذي يغلب عليه الاتزان والحكمة والتروي لأنه خشن الإحساس بطيء التأثر، صبور في مواجهة المصاعب بخلاف الزوجة التي تتأثر لأبسط الصدمات وتتسرع في اتخاذ القرارات، وإن شذ البعض منهن وقد تعصف بالحياة الزوجية، فتهد أركانها تحت تأثير أزمة عصبية يمر بها الزوجان أو تمر بها الزوجة وهي في حالة حيض أو وحم أو أزمة عابرة في العائلة .
لماذا جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل؟
إن الإسلام كي يحد من انتشار ظاهرة الطلاق وحتى يقيده جعله بيد الرجل أي الطرف الخاسر في إيقاعه. وإذا أردت أن تحافظ على أية قضية فاجعلها بيد الطرف الخاسر في ضياعها فانه يستعمل المستحيل لبقائها واستمرارها حتى لا يخسر، أو اجعلها في يد الطرف الذي تعب في إنشائها، فإنه سيحافظ عليها ولن يتلاعب بها.
إن جعل الطلاق بيد الطرف المتضرر يحد من انتشاره فالرجل عادة لا يحب الخسارة، والأصل فيه عدم التسرع واستعمال العقل خاصة وهو يعلم تكاليف هذا الطلاق.
فالحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل هي الحد من انتشاره فالرجل ربما أنه المتضرر الأكبر، وعليه تقع كل واجبات الزواج و نفقات الطلاق و بما أن حضانة الأولاد من حق الأم فلا يوقعه إلا في حالات الضرورة القصوى. ضف إلى ذلك حتى لا يتلاعب الرجال بالطلاق الثلاث حرم الإسلام عودة المرأة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره وليس هناك رجل يسمع هذا التشريع إلا وترتعد فرائصه، يكفي أن يتصور امرأته مع غيره، وإنه لا يمكنه استردادها إلا إذا ذاق غيره عسيلتها وذاقت هي عسيلة غيره، فهل هناك رجل يملك ذرة من غيرة وكرامة وعزة يتلاعب بالطلاق وهو يعلم أنه سيترتب عليه ما أسلفنا.
أهناك عقوبة و مذلة للرجل أكثر من انتظار أن يذوق غيره عسيلة التي كانت امرأته؟
هذا عقاب الإسلام للذين يتلاعبون بالطلاق فما هو عقاب القوانين الوضعية ؟ .
شروط المطلق :
يثبت حق الطلاق للزوج بمجرد عقد الزواج الصحيح، وكان الطلاق من الزوج أو من رسوله أو من وكيله ونظرا لخطورة الطلاق على الأسرة والمجتمع اشترط العلماء شروطا لابد من توفرها في المطلق حتى يمكنه إيقاع الطلاق .
وتتمثل هذه الشروط فيما يلي :
أولا : أن يكون زوجا أو رسولا منه أو وكيلا عنه، وإلا فإنه لا يمكن إيقاع الطلاق، وعلى هذا لا يملك الولي إيقاع الطلاق على زوجة من له الولاية عليه وذلك أن الطلاق حق شخصي للزوج، فلا يملكه غيره إلا بتوكيل أو إنابة صريحة منه، فللزوج أن يوكل غيره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها.
فالتفويض عرفه الحنفية بأنه تمليك الزوج زوجته حق تطليق نفسها أو تمليك غيرها هذا الحق بلفظ يفيده، وهذه الألفاظ ثلاث إن كان موجها للزوجة مثل : طلقي نفسك، أمرك بيدك، واختاري.
أما إن كان موجها لشخص آخر فيصح فيه أن يقول له لك أن تطلق زوجتي إن شئت، فهذا تفويض له لأنه علقه على مشيئته.
وقد فرق الأستاذ فضيل سعد بين التفويض والنيابة في الطلاق في الأحكام التالية:
– من حيث الرجوع فيه : فإن التفويض نهائي متى صدر منه، امتنع الرجوع فيه أو عزل المفوض إليه على خلاف الوكيل، فانه يمكن عزله في أي وقت .
– من حيث الأهلية : فإنها لا تتأثر بالتفويض متى انعدمت أهلية المفوض بخلاف الوكيل فان وكالته تبطل متى فقد موكله أهليته بالجنون أو العته .
– من حيت المدة :فإن التفويض يسقط بانفضاض المجلس الذي تم فيه التفويض إذا لم يكن مضاف إلى زمن بعيد، فإن ربطه بزمن معين بستة اشهر أخرى أو سنة أو اقل فانه لا يسقط بانفضاض المجلس و إنما بمرور الزمن المضاف إليه التفويض، في حين أن النائب يملك أن يطلق في المجلس أو بعده ما لم يعزله موكله .
موقف المشرع الجزائري :
بالقياس على المادة 20 من قانون الأسرة التي تنص على أنه” يصح أن ينوب عن الزوج وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة “، ذلك أنه عمليا نلاحظ بعض الآباء يقصدون المحاكم لتطليق أبنائهم من زوجاتهن من تلقاء أنفسهم إلا أنه لا يمكن أن يحصل ذلك إلا بعد الحصول على وكالة أو تفويض من الطرف المعني.
ثانيا: أن يكون المطلق بالغا عاقلا، لكن هل يجوز للولي أن يطلق نيابة عن الصغير أو المجنون إذا دعت المصلحة أو الضرورة إلى ذلك. على أنه يجب أن نلاحظ أنه إذا طلبت الزوجة التفريق وكان زوجها مجنونا أو صبيا فالقاضي يملك حق التفريق بينهما .

الطلاق بين القانون الساري المفعول والتعديلات المقترحة:

تنص المادة 49 من قانون رقم 84-11 الذي يتضمن قانون الأسرة : ” لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة 3 أشهر ” ومعناه أنه في حالة الطلاق بالإرادة المنفردة يتقدم الزوج إلى المحكمة ويطلب من القضاء حل الرابطة الزوجية والحكم بالطلاق بينه وبين زوجته استنادا إلى أسباب شرعية وقانونية، وذلك بموجب عريضة في أمانة الضبط بالمحكمة المختصة، وبعد المرور بالجلسة السرية للمصالحة وتعيين الحكمين للتوفيق بين الزوجين خلال أجل لا يتجاوز الشهرين وفقا للمادة 56 من قانون الأسرة يقوم القاضي بعد استدعائهما عن طريق أمانة الضبط بمحاولة ثانية للصلح بينهما على ضوء التقرير الذي قدمه الحكمان اللذان سبق أن عينهما في إطار مجلس عائلي لإعداد تقرير عن أسباب خلاف الزوجين و نزاعهما، وإذا فشل يدرج ملف دعواهما في جلسة مستقلة ويدعوهما لحضورها، ثم يصدر حكمه في موضوع النزاع استنادا إلى تقرير الحكمين و إحكام القانون وضميره.

وبالرجوع إلى المادة 49 من قانون الأسرة فإن المشرع الجزائري استعمل عبارة لا يثبت الطلاق ولم يستعمل عبارة لا ينشأ أو لا ينعقد أو لا يقع الطلاق إلا بحكم.

إن الطلاق لا يقع إلا بموجب حكم، فهو ليس شرطا للإثبات و إنما هو شرط للانعقاد ذلك أن المشرع عندما نص على أنه لا يمكن إثبات الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح، تبعا لذلك فإنه ينفي وقوع أي طلاق ما لم تسبقه محاولة الصلح التي يقوم بها القاضي ومن ثمة يكون المشرع قد إنحاز إلى الاتجاه الشكلي، فلا يعتد بالطلاق الذي يقع خارج مجلس القضاء بل يجب على الزوج أن يعلن عن إرادته في استعمال حقه الإرادي بصدور إشهاد من القاضي يثبت فيه استيفاء إجراء الصلح وتعبير الزوج عن إرادته في ذلك ومن تم يعد المحرر القضائي شرطا لصحة وقوع الطلاق، و لا يعد وسيلة بثباته، ومن ثم فلا يمكن قبول ادعاء الزوج بوقوع الطلاق ما لم يقدم محررا رسميا صادرا عن القاضي يثبت ذلك .

وتجدر الإشارة أن المشرع في نص المادة 50 من قانون الأسرة فرض على الزوج الذي أراد أن يراجع زوجته في عدة الطلاق – ذلك أن العدة تبدأ من يوم صدور الحكم بالطلاق – أن لا يعيدها إلا بموجب عقد جديد ومعنى هذا أن المشرع سلب من الزوج أحد حقوقه الإرادية وهو حقه في إرجاع زوجته أثناء عدة الطلاق الرجعي دون أن يحتاج إلى عقد أو مهر جديدين.

وهذا الحكم مخالف لما استقر عليه فقهاء الشريعة من أن الطلاق الذي يصدر بناء على إرادة الزوج يعد طلاقا رجعيا يملك الزوج فيه أن يعيد الزوجة إلى عصمته بدون عقد جديد .
لكن هنا نتساءل عن مدى شرعية الرجوع الذي يتمكن القاضي من إحداثه أثناء محاولة الصلح يكون خارج ميعاد العدة التي تحسب من يوم رمي الزوج لفظ الطلاق على زوجته، فمن المفروض أن يتم الرجوع خلال 3 اشهر من يوم طلاق الزوج لزوجته إلا أنه عمليا فإن الزوج يطلق زوجته في البيت وقد يرفع عريضته بعد شهر من يوم رمي الطلاق وبعد التأجيلات القضائية قد يقع الصلح بعد شهرين آخرين فنتساءل ما حكم الرجوع شرعا الذي تم بعد انقضاء العدة، هذه أخطاء مخالفة للشريعة الإسلامية السمحاء ينبغي تداركها من قبل القضاة، على الأقل استجواب الطرفين عن وقوع الطلاق الحقيقي للتأكد من شرعية الرجوع وإلا فلا داعي لإجراء الصلح أصلا إذا استوفت المرأة عدتها فهناك بعد كبير بما جاء في الشرع وما يجري به العمل القضائي.
فالطلاق ليس لغوا والمرأة تعتد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ رمي يمين الطلاق على الزوجة، وان لم يقم بذلك واكتفى بالإعلان عن رغبته في الطلاق برفع عريضة أمام القضاء فالعدة يبدأ حسابها من تاريخ النطق بالحكم بالطلاق. وعلى العموم يبقى في رأينا مشكلا مطروحا ينبغي تداركه تفادي الوقوع في أخطاء إجراء الصلح بعد استنفاد الزوجة مدة العدة المقررة شرعا ؟

اقتراحات تعديل المادة 49 من القانون رقم 84-11 :

تنص المادة 49 ” لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات للصلح من طرف القاضي خلال مدة لا تقل عن 3 اشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى .
يتعين على القاضي تحرير محضر يبين مساعي ونتائج محاولات الصلح يوقعه وكاتب الضبط و الطرفين “.
في عرض الأسباب التي جاء بها مشروع تعديل هذه المادة هو قصد إعطاء الزوجين فرصة للتراجع عن مواقفهما وتجاوز الخلافات القائمة بينهما، فإجراء القاضي لعدة محاولات للصلح خلال مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر من تاريخ رفع الدعوى.
فالهدف المتوخى من التعديل هو تكرار محاولة الصلح للمحافظة على الأسرة.
حسب رأينا أبقى المشروع التمهيدي للتعديل على المضمون الجوهري لنص المادة 49 من قانون الأسرة آلا و هو الصلح، حيث أنه اقترح التعديل من محاولة صلح إلى عدة محاولات للصلح.

دون أدنى شك أن تكرار محاولات الصلح يعود بالفائدة على الزوجين في إعادة التفكير مرات و مرات وإخماد نار الثورة التي كانت بين الزوجين و إعادة التفكير في العدول عن الطلاق إذا رأينا أن الاقتران والرجوع خير من الفرقة والطلاق.

حسب اعتقادنا أن الجديد الذي جاء به المشروع هو تحديد مدة ثلاثة اشهر التي يبدأ حسابها من تاريخ رفع الدعوى على خلاف النص القديم لم يحدد ابتداء هذه المدة.
كما اقترح دعاة التعديل أن القاضي يتعين عليه تحرير محضر يبين فيه مساعي ونتائج محاولات الصلح مع التوقيع عليه وكاتب الضبط والطرفين.
في رأينا إن هذا الاقتراح جسد ما هو عمليا على المستوى القضائي عند إجراء محاولة الصلح فإن قاضي الأحوال الشخصية يقوم بإجرائه في جلسة سرية في مكتبه ويعمل جاهدا لإصلاح ذات البين وذلك بإعطاء النصائح والتوجيهات إلى الإصغاء والاحتكام إلى العقل، والنظر إلى قيمة الأسرة التي سوف تنهار، وإلى مصير الأولاد وتشتتهم بعد الطلاق مبرزا في ذلك سلبيات الطلاق ثم يقوم بتحرير محضر عدم الصلح وذلك بتدوين تصريحات كلا الطرفين، وفي الأخير يقوم القاضي بالتوقيع عليه مع كاتب الضبط والطرفين.
إن هذه الفقرة في الحقيقة لم تأت بالجديد، فإجراء الصلح يقوم به القاضي على مستوى كل المحاكم، وهو إجراء شكلي وعدم القيام به يؤدي إلى بطلان الإجراءات، إلا أنه ربما أرادوا تجسيد ذلك في المادة ليكون أكثر حجة على القضاة للعمل به علاوة على اجتهادات المحكمة العليا.

المطلب الثاني : التطليـق

أولا : أسبابه في القانون الساري :
إذا كان قانون الأسرة قد منح الزوج حق طلب الحكم له بالطلاق دون قيد أو شرط، فإن حق المرأة في طلب الطلاق بمقتضى إرادتها المنفردة وحدها مقيد بحالات معينة وردت في المادة 53 من قانون الأسرة على سبيل الحصر وتتمثل فيما يلي :

– طلب التطليق لعدم الإنفاق :
تنص المادة 53 من قانون الأسرة على ما يلي : “يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للأسباب التالية :
عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 80.79.78 من هذا القانون “.
فإذا طلبت الزوجة من القضاء تطليقها من زوجها لعدم إنفاقه عليها فلابد من توافر شروط وهي:
– عدم إنفاق الزوج على زوجته وامتناعه عمدا أو قصدا عن تقديم ما تحتاجه من غذاء ولباس وعلاج وسكن وغيره.
– إمكانية طلب التطليق والحكم به، أي أن يكون صدر حكم من المحكمة بوجوب نفقة الزوج على زوجته، وهذا يعني أن يكون الزوج قد امتنع عن الإنفاق على زوجته امتناعا حقيقيا لمدة، والزوجة أقامت دعوى أمام المحكمة ضد زوجها فأثبتت امتناعه عن النفقة واستصدرت حكما على الزوج بأنه يجب عليه أن ينفق على زوجته ويدفع لها مبلغا معينا يقدره القاضي ويذكره في حكمه.
– يجب ألا تكون عالمة بإعساره وقت إبرام عقد الزواج ورضيت بحاله الذي هو عليه إلى أن دخل بها،فإن حقها في طلب التطليق يكون قد سقط برضاها بحالته، ولم تعد تستطيع أن تطلب تطليقها بسبب إعسار كانت تعلمه، وفي موضوع التفريق للإعسار أو عدم الإنفاق أربع آراء في الفقه الإسلامي :

فذهب الأحناف إلى عدم التفريق بين الزوجين للإعسار أو عدم الإنفاق، وللمرأة أن تستدين أو تنفق على نفسها إن كان لها مال على أن يكون هذا في ذمة الزوج حين يسره، وإذا تبين للقاضي أن الزوج ممتنع عن الإنفاق ولم يتمكن من التنفيذ جبرا عنه حكم عليه بالحبس لأنه يعتبر حينئذ ظالما في عدم الإنفاق، والدليل قوله تعالى : “لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها…. “.
أما مذهب الظاهرية فارتأى عدم التفريق للإعسار والزوجة ملزمة بالإنفاق من مالها على زوجها إن كانت غنية، فضلا عن الإنفاق على نفسها.
بينما رأى ابن القيم الجوزية أنه يجوز التفريق للإعسار في حالتين فقط وهما حالتي قدرة الزوج على الإنفاق وامتناعه عن ذلك،وكذا تغرير الزوج بالزوجة أثناء عقد الزواج على أنه غني والحال أنه فقير.
فيما ذهب جمهور المالكية والشافعية والحنابلة إلى التفريق للإعسار في جميع الحالات التي يمتنع فيها الزوج عن الإنفاق،ودليلهم في هذا قوله تعالى : ” فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان “، وقوله أيضا :”ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا “.
وقد أخذ المشرع الجزائري بمذهب الجمهور فأجاز للقاضي التفريق بين الزوجين إذا امتنع الزوج عن الإنفاق أو أعسر بناء على طلب الزوجة.
ولقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 19/11/1984 ما يلي : (متى كان من المقرر فقها وقضاء في أحكام الشريعة الإسلامية أن عدم الإنفاق على الزوجة لمدة تزيد عن شهرين متتابعين يكون مبررا لطلبها التطليق عن زوجها، وإذا كان الثابت أن المطعون ضده أدين جزائيا من محكمة الجنح بتهمة الإهمال العائلي وحكم عليه غيابيا بسنة حبسا نافذا، فإن قضاة الاستئناف برفضهم طلب الطاعنة المتعلق بالتطليق قد خرقوا أحكام هذا المبدأ الشرعي).

– التطليق للعيوب :
التفريق للعيب مأخوذ من مذهب الإمام مالك، ومن ثمة يكون مذهبه هو المصدر التاريخي له، يرجع إليه في تفسير مجمله، وتقييد مطلقه وقد اختلف الفقهاء في التفريق للعيب، فقال الظاهرية بعدم التفريق بين الزوجين مهما كان نوعه وسواء كان موجودا بأحد الزوجين قبل العقد أو بعده .

وشروط التفريق للعيب عند الفقهاء :
اشترط الفقهاء لثبوت الحق في طلب التفريق للعيب شرطين هما :
أولا: ألا يكون طالب التفريق عالما بالعيب وقت العقد، فإن علم به وعقد الزواج لا يحق له طلب التفريق لأن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضا منه به.
ثانيا: ألا يرضى بالعيب بعد العقد، فإن كان طالب التفريق جاهلا بالعيب ثم علم به بعد إبرامه العقد سقط حقه في طلب التفريق .
هل العيب الحادث بعد الزواج يعطي الحق في طلب التفريق؟
قال الحنفية : إن جب الرجل أو اصبح عنينا بعد الزواج ولو كان قد دخل بالمرأة ولو مرة واحدة فلا يحق لها طلب الفسخ لسقوط حقها بالمرة .
وقال المالكية : إذا كان العيب الحادث للزوج، فللزوجة الحق في طلب التفريق إن كان العيب جنونا أو جذاما أو برصا لشدة التأذي بها وعدم الصبر عليها، وليس لها الحق في طلب التفريق للعيوب التناسلية الأخرى من جب أو عنة أو خصاء.
لكن الشافعية والحنابلة : يريان أنه يجوز التفريق للعيب الحادث كالعيب القائم قبله لحصول الضرر به كالعيب المقارن بالعقد، ولأن لا خلاص للمرأة إلا بطلب التفريق بخلاف الرجل .
ولقد جاء في قرار صادر بتاريخ 22-12-1992 ما يلي: “من المقرر قانونا وقضاءا أنه يجوز للزوجة طلب التطليق استنادا إلى وجود عيب يحول دون تحقيق هدف الزواج كتكوين أسرة وتربة الأبناء. ولما أسس قضاة الموضوع قرارهم القاضي بالتطليق على عدم إمكانية إنجاب الأولاد استنادا لنتائج الخبرة الطبية التي خلصت إلى عقم الزوج فإنهم قد وفروا لقضائهم الأسباب الشرعية الكافية .
– والمشرع الجزائري لم يجعل هذه العيوب مشتركة بين الزوجين، بل اشترط أن تكون هذه العيوب في الزوج، فله ان يستعمل حقه في الطلاق دون حاجة لاستناده إلى تلك الأسباب، وإذا استند إلى واحد منها فإنه يرمى من ذلك إلى نفي التعسف عن نفسه في استعمال حقه في الطلاق .

– التفريق للهجر في المضجع :

اشترط المشرع في الهجر في المضجع أن يكون فوق أربعة اشهر وهو هجر يعني أن يدير الزوج ظهره لزوجته في الفراش ولا يهتم بها الإهتمام المطلوب منه كزوج، وقد يترك فراش الزوجية أو غرفة نوم الزوجين لينام في فراش آخر أو غرفة أخرى ويتركها عن قصد ودون سبب شرعي وذلك لمدة تزيد عن أربعة شهور كاملة قصد الإضرار بها أو تعذيبا أو تأديبا لها شريطة أن لا يقع بين الشهر والآخر أي اتصال بينهما.
إذا وقع الهجر في أوقات مختلفة ومتفرقة أو أنه وقع لمرض أو لعذر شرعي مثل التواجد بالمستشفى من أجل العلاج أو بسبب وجوده في مكان آخر من أجل القيام بوظيفته أو لآداء خدمة عامة مثل الخدمة العسكرية أومن أجل البحث عن مصادر الرزق الحلال لها ولأولادها، وإذا طلبت الزوجة التفريق في هذه الحالة فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بتطليقها.
ومن الأمور التي تتفق فيها أحكام الإيلاء مع الهجر هي ترك وطء الزوجة وعدم الإقتراب منها ولمدة 4 شهور فأكثر على رأي الإمام مالك ، الشافعي وابن حنبل، وإلحاق الضرر بالزوجة بسبب هذا الهجر وهو حرام شرعا وغير مقبول قانونا لما يتضمنه من حرمان الزوجة من حق تملكه بموجب عقد الزواج ومقتضياته.

أما الأمور التي تختلف فيها أحكام الهجر عن أحكام الإيلاء فهي أن هذا الأخير يمين أو قسم على عدم الإقتراب من الزوجة وترك وطئها وجماعها، بينما الهجر في المضجع أو الفراش لا يفيد هذا المعنى صراحة بالقدر الذي يفيده معنى الإيلاء، وقانون الأسرة منح الزوجة حق طلب التطليق للهجر دون أن يشترط توفر نية الإضرار بالزوجة لدى الزوج .

وتجدر الإشارة أنه من الصعب جدا إثبات عناصر هذا السبب عند الحكم بالتطليق والمتمثلة في إثبات نية الهجر العمدي قصد الانتقام أو تأديب الزوجة. كذلك كيفية إثبات مدة أربعة اشهر متتالية غير متقطعة، فإذا عجزت الزوجة عن إثبات كل هذه العناصر فكيف للقاضي أن يحكم بتطليق الزوجة في غياب الدليل.
– التطليق للحكم بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج :
تنص المادة 53 فقرة 4 على أنه:” يجوز للزوجة طلب التطليق بسب الحكم عليه بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج لمدة أكثر من سنة فيها مساس بشرف الأسرة وتستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية .”
التفريق بين المحبوس وزوجته منصوص عليه في فتاوى ابن تيمية الحنبلي، فقد جاء في باب عشرة النساء ما نصه القول في امرأة الأسير و المحبوس و نحوهما ضمن تعذر انتفاع امرأته به، و في الشريعة الإسلامية تقاس حالة زوجة السجين المحكوم عليه بعقوبة بدنية على حالة زوجة الغائب لأن كلتا الزوجتين تتضرر من بعد زوجها عنها و لممارسة الزوجة حق طلب التطليق في هذه الحالة لا بد توافر الشروط التالية:

الشرط الأول : صدور حكم قضائي ضد الزوج حائز لقوة الشيء المقضي فيه لم يعد يقبل طرق الطعن القانونية العادية أو الغير العادية في جريمة ارتكبها .
الشرط الثاني : أن تكون العقوبة مقيدة للحرية أي تتضمن عقوبة بدنية بالسجن أو الحبس، فإن كانت العقوبة بالحبس مع وقف التنفيذ أو الوضع تحت الحراسة أو الحكم بغرامة فقط أو الحرمان من الحقوق السياسية أو كانت العقوبة متصلة بالحياة التجارية كعقوبة الإفلاس مثلا… فإنه لا يجوز للزوجة في مثل هذه الحالات أن تطلب التطليق.
الشرط الثالث : أن تكون العقوبة المقيدة للحرية أكثر من سنة، مما يفيد أنه لا يجوز للزوجة أن تطلب التطليق إلا إذا كان الحكم الذي صدر ضد زوجها يتضمن عقوبة بالحبس لمدة سنة فما فوق.
الشرط الرابع : أن تكون العقوبة مشينة أي تعلق الفعل بأعمال منافية للأخلاق،و أن تكون الإدانة متصلة بشرف الأسرة و كرامتها و سمعتها، مثل عقوبة الاعتداء على العرض و الإغتصاب و الإحتيال .
الشرط الخامس : أن تكون العقوبة ماسة بشرف الأسرة يجب أن تكون الجريمة التي ارتكبها الزوج من الجرائم الماسة بشرف الأسرة و هي تلك الجرائم الماسة بالآداب العامة في المجتمع كارتكاب جريمة الزنا أو اغتصاب فتيات صغيرات أو السرقة أو الإحتيال .
الشرط السادس : أن تكون العقوبة قرينة على استحالة مواصلة العشرة الزوجية و تعذر الإستمرار في الرابطة الزوجية بما وصلت إليه من بغض و كراهية و حقد، أي توتر العلاقات بين الزوجين بسبب هذا الحكم و آثاره.
– التطليق للغياب :
جاء في المادة 53-3 من قانون الأسرة :” يجوز للزوجة أن تطلب التطليق من زوجها في حالة الغياب بعد مضي سنة بدون عذر ولا نفقة.
الغائب : هو من غادر مكانه لسفر و لم يعد إليه و حياته معلومة، و قد ذهب المالكية إلى أن المرأة إذا غاب عنها زوجها مدة كان لها طلب التفريق منه سواء أكانت الغيبة لعذر أم لغير عذر لأن حقها في الوطء مطلق عندهم.

شروط التفريق للغيبة حسب الفقهاء :

أولا: أن تكون غيبة طويلة، و قد اختلف في مدتها، فذهب الحنابلة إلى أن الزوج إذا غاب عن زوجته مدة 6 أشهر فأكثر، كان لها طلب التفريق لما روي عن عمر رضي الله عنه سأل حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال يا بنيتي : كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : سبحان الله أمثلك يسأل مثلي عن هذا ؟ فقال : لو لا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، فقالت : خمسة أشهر، ستة أشهر فوقت الناس في مغاريهم ستة أشهر يسيرون شهر و يقيمون أربعة أشهر و يسيرون شهرا راجعين.
و ذهب المالكية في المعتمد عندهم إلى أنها سنة فأكثر.
و في قول لابن عرفة و غيرهم : أن سنتين و الثلاث ليست بطول بل لا بد من الزيادة عليها، و هذا المبني منهم على الإجتهاد و النظر.
ثانيا : أن تخشى الزوجة على نفسها بسبب هذه الغيبة، و الضرر هنا هو خشية الوقوع في الزنا إلا أن هذا الضرر يثبت بقول الزوجة و حدها لأنه لا يعرف إلا منها إلى أن يكذبها ظاهر الحال.
ثالثا : أن تكون الغيبة لغير عذر، فإذا كانت الغيبة بعذر كالحج و التجارة و طلب العلم لم يكن لها طلب التفريق عند الحنابلة.
أما المالكية فلا يشترطون ذلك كما تقدم، و لهذا يكون لها حق طلب التفريق عندهم إذا طالت غيبته لعذر أم غير عذر على سواء.
رابعا : أن يكتب القاضي إليه بالرجوع إليها أو نقلها إليه أو تطليقها و يمهله مدة مناسبة إذا كان له عنوان معروف فإذا عاد إليها أو نقلها إليه أو طلقها فيها و إذا أبدى عذرا لغيابه لم يفرق عليه عند الحنابلة دون المالكية. و إذا أبى ذلك كله أو لم يرد بشيء و قد انقضت المدة الضرورية أو لم يكن له عنوان معروف أو كان عنوانه لا تصل الرسائل إليه طلق القاضي عليه بما يطلبه .
في حين بالرجوع إلي المادة 53 فقرة 5 من قانون الأسرة يشترط لطلب التطليق للغيبة ثلاثة شروط :
 مضي سنة فأكثر على الغياب ابتداء من يوم غياب الزوج إلى رفع الدعوى عليه.
 أن يكون الغياب بغير عذر مقبول و دون سبب شرعي ذلك أن مناط التطليق بين الزوجين للغياب هو الضرر الذي يصيب الزوجة.
 أن يكون الزوج قد غاب عن زوجته لمدة سنة كاملة و لم يترك لها مالا تستطيع الإنفاق منه على نفسها و على أولادها.
و تجدر الإشارة إلى أن التطليق للغياب يقوم على أساس الضرر الواقع و ليس الضرر المتوقع فقط، و من هنا يشترط قصد الزوج الإضرار بزوجته أو الإيذاء بتعنته لأنه غاب و لم يعلمها، فيجب معاقبته بإيقاع الطلاق عليه، فإن لم يقم به قام القاضي مقامه فيه.
إذا كان الغائب في مكان معروف و أمكن الاتصال به و وصول الرسائل إليه ضرب له القاضي أجلا و أعذر إليه بأن يطلقها عليه، إن لم يحضر للإقامة معها، أو ينقلها إليه أو يطلقها، فإذا انقضى الأجل و لم يفعل و يبد عذرا مقبولا تأكد القاضي من استمرارها على طلب التطليق فيحكم لها بذلك .
و يكون التطليق عند الإمام مالك طلاقا بائنا، و عند أحمد ابن حنبل فسخا، و تعتد المرأة عدة الوفاة اعتبارا من تاريخ الحكم.
و أخيرا فلو تزوجت الزوجة المطلقة بعد انقضاء عدتها ثم ظهر زوجها الأول لا يفسخ هذا الزواج الثاني لأن الزواج الأول إنتهى بالطلاق الذي أوقعه القاضي، أما لو حكم بوفاته ثم تزوجت الثاني جاء على أساس أن الزواج الأول إنتهى بوفاة الأول و ظهر أن هذا الأساس غير صحيح و أن الزواج الأول لا زال باقيا .
و تجدر الإشارة إلى أن المقصود بالغيبة الواردة في المادة 53 الفقرة 5، هي غيبة الزوج عن زوجته بإقامته في بلد آخر غير الذي يعيش فيه أما الغيبة عن بيت الزوجية و عيشه في بيت آخر في نفس البلد فهو من الأمور التي تدخل في الضرر الذي نص عليه المشرع في الفقرة السادسة من نفس المادة.

– التطليق للضرر المعتبر شرعا :

للزوج حق تأديب زوجته بمقتضى ولايته و رئاسته في الأسرة و هذا ما تنص عليه المادة 39 من قانون الأسرة فقرة 1 كما أنه يجب عليه نحو زوجته حسن المعاشرة و النفقة الشرعية حسب وسعه و العدل في حالة تعدد الزوجات طبقا لنص المادة 37 من قانون الأسرة.
و قد يسيء الزوج استعمال حقه في ذلك فيؤدب زوجته بالقول أو الفعل، كما يضربها ضربا غير لائق، أو يشتمها شتما مهينا، أو لا يقوم بالواجبات الشرعية المقررة نحوها، و هنا يجوز للزوجة في هذه الحالة رفع الأمر للقاضي و طلب التطليق، و بذلك أخذ القانون الذي نص في المادة 53-6 من قانون الأسرة بأنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق من زوجها في حالة الضرر المعتبر شرعا و لا سيما في المادتين 8 و 37 من قانون الأسرة.

إذا استطاعت أن تقنع القاضي بما لحقها من ضرر و أن تقدم بين يديه كل الحجج و الأدلة المؤيدة لذلك، فإن القاضي سيحكم بتطليقها من زوجها ليس استنادا إلى رغبته، و إنما استنادا إلى رغبة الزوجة المدعمة بالقانون.

و لكن إذا عجزت الزوجة عن إثبات الضرر المعتبر شرعا و تكررت شكاياتها، و ادعاءاتها أمام المحكمة فسيكون من واجب القاضي أن يحاول إصلاح ذات بينهما، و يعين حكمين أحدهما من أهل الزوج و الثاني من أهل الزوجة و يطلب منها إجراء تحقيق في موضوع مزاعم الزوجة و ردود الزوج من أجل معرفة سبب النزاع، و دوافع الشقاق والخصام، و من أجل التحقق من عناصر الضرر و إذا ثبت من خلال تقرير حكمين و مما استنتجه القاضي أن هناك ضرر من الزوج واقع على زوجته قضى أو حكم بتطليقها منه، و الزمه بالتعويض عن الضرر سواء كان ماديا أو معنويا إذا طلبت الزوجة ذلك و أصرت عليه .
– و القانون الجزائري فإنه يتفق في المادتين 55–56 مع الأفكار العامة التي تضمنها القانون التونسي و القانون السوري و لا سيما من حيث المساواة بين الزوجة و الزوج في منح حق طلب التفريق، عند ثبوت الضرر من أحد ضد الآخر بسبب الشقاق المستمر أو نشوز أحدهما و من حيث ضرورة تعيين حكمين من أهل الزوجين عندما يشتد الخصام و الشقاق و لم يثبت للقاضي بوضوح إضرار أحد الزوجين للآخر و يعجز هو عن الصلح و من حيث تكليف الحكمين ببذل المساعي الحميدة لبيان سبب النزاع و حصر المسؤولية مع تقديم تقرير عن مهمتهما خلال أجل معين ثم يضيف إلى ذلك حالتين يعتبرهما مصدر الضرر للزوجة و أشار إليهما بصفة خاصة هما حالة الزواج بثانية دون إخبار الزوجة السابقة أو اللاحقة و هي المشار إليها في المادة الثامنة و حالة الزواج بثانية دون القيام بواجب العدل بين الزوجتين أو عدم القيام بواجب النفقة الشرعية حسب وسعه ما لم تكن في حالة نشوز و هي ما أشار إليها في المادة 37 من نقس القانون.

– التطليق للفاحشة :

نص المشرع الجزائري في الفقرة الأخيرة من المادة 53 من قانون الأسرة على ارتكاب فاحشة مبينة و يقصد بها الخطأ المخل بالآداب بصفة خطيرة أو جسيمة في ضوء أحكام الفقه الإسلامي و العرف و الضمير الاجتماعي كالزنا أو الشرك بالله أو الردة أو الاعتداء على قاصرة أو انحراف عن الطريق السليم و إرادة المجتمع وإذا ثبت ارتكاب الفاحشة و كان الفعل إخلالا جسيما و خطيرا يؤدي إلى استحالة استمرار المعيشة المشتركة بين الزوجين و للقاضي سلطة تقديرية و موضوعية مطلقة في هذا الشأن.
و يقصد بالفاحشة المبينة هو القيام مثلا بالعلاقات الجنسية التي ترتكب بين ذوي المحارم المنصوص عليها بالمادة 337 مكرر من قانون العقوبات لكن هل جريمة الزنا تندرج ضمن الفاحشة مع العلم أن المشرع لم يدرجها في قانون العقوبات في حين أن الشريعة الإسلامية تعتبرها كذلك قوله تعالى : ” و لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و ساء سبيلا “.
و طبقا لنص المادة 1 من القانون المدني أنه في حالة عدم وجود نص يمكن الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
و عليه إذا ارتكب الزوج جريمة الزنا و حكم عليه بعقوبة سالبة للحرية لمدة أكثر من سنة ففي هذه الحالة تطبق عليه المادة 53 فقرة 4 من قانون الأسرة و أما إذا حكم عليه بعقوبة أقل من سنة أو حكم عليه بعقوبة مع وقف التنفيذ فيجب تطبيق المادة 53 فقر 6 من نفس القانون .

ثانيا : أسباب التطليق المقترحة طبقا لمشروع تعديل قانون الأسرة :
اقترح أصحاب التعديل من قانون الأسرة في المادة 53 على أن تكون الأسباب كالآتي :
1- عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 78 – 79 80 من هذا القانون.
2- العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج.
3- الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر.
4- الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة و تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية.
5- الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر و لا نفقة.
6- مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 أعلاه.
7- ارتكاب فاحشة مبينة.
8- الشقاق المستمر بين الزوجين.
9- مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
10- كل ضرر معتبر شرعا.
من خلال سرد أسباب التطليق التي اقترحها دعاة التعديل لقانون الأسرة نلاحظ أن التعديل المقترح وسع في دائرة الأسباب علاوة على تعديل بعض الفقرات و إبقاء البعض منها دون تعديل فقد اقترح في الفقرة 4 كسبب للتطليق ” الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة و تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية”.
نلاحظ أن في هذه المادة حذف لمدة الحبس ذلك أنه يجوز للزوجة حسب القانون الساري المفعول طلب التطليق إذا حكم على زوجها بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج لمدة أكثر من سنة، كما أسقطوا عبارة مقيدة لحرية الزوج ربما أنهم رأوا أنه لا فائدة في اشتراط أن تكون عقوبة الحبس نافذة أو موقوف النفاذ، حتى عبارة شائنة أسقطوها من المادة فيكفي أن تكون العقوبة عندهم قرينة على استحالة مواصلة العشرة الزوجية و تعذر الإستمرار في الرابطة الزوجية بما وصلت إليه من البغض و الكراهية و الحقد، ربما أيضا إسقاط عبارة شائنة يرجع إلى الغموض الذي يعتريها، هل هي خاصة بالعقوبة أم بالفعل الذي قام به الزوج ؟ و من ثم فالمشرع كما يرى الأستاذ فضيل سعد يكون قد وصف عمل القاضي بالشينة و القبح و ترك العمل الشائن الذي ارتكبه المجرم.
كما يمكن تفسير إسقاطهم لاشتراط مدة العقوبة لأكثر من سنة، ذلك أن الفقهاء قاسوا السجين أو المحبوس الذي فقد حريته على حالة الغائب لمدة تزيد على سنة بلا عذر مقبول و الزوجة تتضرر من غياب الزوج حول هذه المدة سواء كان محبوسا أو بغير عذر لذا كان لها الحق في طلب التطليق للضرر و من ثم حسب اعتقادنا فإن هناك تكرار لهذا السبب من حيث المدة و بالتالي فإن دعاة التعديل قد أصابوا إلى حد كبير في تعديل هذه الفقرة.

الفقرة 6 : مخالفة الأحكام الواردة في المادة 08 أعلاه :
الرجوع إلى ما جاء في المادة 8 من قانون الأسرة نشير إلى أنه في حالة تعدد الزوجات يكون لكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة الغش و المطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضا، معناه لا بد من إشعار المرأة الأولى أنه يريد الزواج موضحا لها مبررات ذلك، كما يخبر الثانية أنه رجل متزوج من قبل و له أطفال إن كان له أطفال، فإن لم يكن له أخبرها بذلك، كما يخبرها بمستقبل وجودها في بيت الزوجية فيما إذا كانت مع الضرة أو في مسكن منفرد .
أما إذا أعلمها بالحقيقة سواء للأولى أو الثانية فإن حقها في رفع دعوى الغش يزول و يبقى لها الحق في طلب التطليق فقط، إذا رفضت العيش مع الضرة و في هذه الحالة فلا تعويض .

في رأينا اقتراح هذه الفقرة لم يأت بالجديد لأنه سبب كان مكرس من قبل في نفس المادة الفقرة 6 إلا أنه في اقتراحهم أرادوا أن يكون سببا مستقلا في فقرة لوحده نظرا للغش الذي يؤثر على نفسية و سمعة الزوجة، إلا أنه ما يعاب من المشرع سواء في القانون الجاري به العمل أو سواء في المشروع، فإنه يكرس مبادئ إلا أنه لا يبين لنا سبيل العمل الواضح بها على الأقل كان ينبغي أن يبين للقاضي كيفية إثبات علم الزوجة السابقة أو عدم علمها بالزوجة اللاحقة أم العكس فإنه عسير الإثبات و يمكن للزوجة أن تدعي عدم العلم لطلب التطليق كأن يكون الإبلاغ عن طريق رسالة موصى عليها أو عن طريق محضر قضائي و ذلك بنص قانوني صريح، كي يضفي على علم الزوجة الطابع المادي و القانوني تفاديا لأي إنكار بعدم العلم، و عليه فثمة فراغ قانوني يعرقل تطبيق هذه الفقرة سواء في القانون الساري المفعول أو في اقتراح التعديل .

الفقرة 8 : الشقاق المستمر بين الزوجين :

الأصل أن الحياة الزوجية تبنى على أساس المودة و الرحمة و السكينة بين الزوجين لقوله تعالى : ” و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعلنا بينكم مودة و رحمة ” كما أن الزواج يهدف أساسا إلى تنظيم العلاقة بين الرجل و المرأة تنظيما شرعيا وفق قواعد و مراسيم دينية و قواعد قانونية ترمي إلى استتباب الأمن و الطمأنينة و إقامة الفضيلة بين جميع أفراد المجتمع البشري ضمن أسرة متحابة و متماسكة إلا أنه قد ترافق أو تطرأ بعد إبرام الزواج عيوب الزوجين، و في كل مرة تسوء فيها العشرة الزوجية، و يشتد الخلاف بين الزوجين و يتفاقم النزاع بينهما بحيث يتحول الحب إلى كره و التعاون إلى مكائد و الرحمة إلى حقد و بغض و يفقد الزواج معانيه السامية و تتحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، و لم يبق من علاج لهذه المعضلة إلا دواء و هو انحلال الرابطة الزوجية و بالتالي يكون اقتراح الشقاق المستمر بين الزوجين كسبب من أسباب التطليق صائب إلا أن المشكل المطروح، كيف يمكن إثبات هذا الشقاق المستمر بين الزوجين ؟ لأنه قد يقع القاضي في ثغرة الفرقة بين الزوجين بظلم من الزوجة بناءا على ادعاءات و مزاعم كاذبة للتطليق من الزوج.

الفقرة 9 : مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج :

قد يتفق الزوجان في مجلس العقد و في عقد الزواج المكتوب على شروط تعد بمثابة التزام يقع على عاتق الطرفين و يكون كل طرف ملزم باحترام تنفيذ بنود العقد، فالمرأة مثلا قد تشترط التمسك بوظيفتها، مسكن منفرد، عدم الزواج عليها، إلا أنه نلاحظ أن دعاة التعديل أرادوا ان يجردوا قانون الأسرة الذي هو ذو طبيعة خاصة والمستمد أصله من الشريعة الإسلامية وإضفاء الأحكام المتعلقة بالعقد المدني إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنه إذا أردنا تطبيق خصائص العقد المدني على عقد الزواج فلا بد من تطبيقه بحذافيره، ففي حالة إخلال أحد الزوجين بالالتزامات الواردة في العقد فإن له الحق في طلب فسخ عقد الزواج لا طلب التطليق بطلب من الزوجة، لأننا بهذا سوف نطلق العنان لكلا الزوجين في اشتراط ما يريدانه الأمر الذي يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية كاشتراط مثلا أن يكون عقد الزواج مؤقتا، عدم الإنفاق على الزوجة أو عدم الإنجاب .

الفقرة 10 : كل ضرر معتبر شرعا :

هذه الفقرة هي نفسها الواردة في نص المادة 53 من قانون الأسرة الساري المفعول إلا أن دعاة التعديل أسقطوا عبارة (لا سيما إذا نجم عن مخالفة الأحكام الواردة في المادتين 8 و 37 ).
نلاحظ أن المادة 8 كسبب من أسباب التطليق ذكرت في فقرة مستقلة، و أغفلوا المادة 37 التي تعتبر جد مهمة، فقد وضحت واجبات الزوج نحو زوجته بالنفقة الشرعية حسب وسعه، إلا إذا ثبت نشوزها و العدل في حالة الزواج بأكثر من واحدة، فإذا لم يقم الزوج بالعدل بين زوجاته جاز للزوجة المتضررة طلب التطليق .
ما كان ينبغي هنا إسقاط هذا الأمر إلا أنهم يكونوا قد أصابوا عندما وسعوا في دائرة الضرر و جعلها مطلقة و لم يحدد أنواعا معينة من الضرر كما فعل القانون الجاري به العمل و إن كانت ليست على سبيل الحصر .

بحيث هنا يكون الضرر المعتبر شرعا هو الذي يؤدي إلى النزاع و الشقاق بين الزوجين، فعلى الزوجة أن تثبت الضرر و على القاضي أن يميز بين السلوك الضار و السلوك غير الضار، اعتمادا على المعيار الشخصي و انطلاقا من المعطيات الاجتماعية و الثقافية الخاصة بكل زوجة، لكن السؤال المطروح ما يعتبر ضارا بالنسبة لزوجة قد لا يكون ضارا بالنسبة لزوجة أخرى، و من ثمة فإن السلطة التقديرية أولا و أخيرا ترجع إلي تقدير القاضي للضرر المبرر شرعا .

هكذا و بعد أن تعرضنا لحالة الفرقة بين الزوجين بناءا على طلب من الزوجة،الذي لا يتحقق إلا بتوافر سببا من الأسباب ينبغي إثباتها لتطليق الزوجة، في المقابل قد تتمكن المرأة من الانفصال عن الزوج، و هو حق مكرس شرعا و قانونا، و لكن و في غياب أي سبب من الأسباب للفرقة وفقط لحاجة في نفسها ، و هذا ما يسمى بالخلع .

المطلب الثالث : الخلع

تعريفه لغة : الخلع، بفتح الخاء، هو الإزالة و النزع و نقول خلع الرجل ثوبه أي أزاله عن بدنه ونقول خلع الرجل زوجته خلعا أي أزال زوجيتها و خلعت المرأة زوجها مخالعة أي افتدت نفسها منه.
و الخلع، بضم الخاء، يستعمل في الأمرين كما يستعمل في إزالة الزوجية باعتبار أن المرأة لباس للرجل و العكس صحيح كما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 187 : ” هن لباس لكم و أنتم لباس لهن “.
و قد استقر الفقهاء على أن يستعمل الخلع، و بفتح الخاء، في إزالة غير الزوجية و الخلع، بضم الخاء، في إزالة الزوجية .
تعريفه شرعا : فقهاء الحنفية يرون أنه : إزالة ملك النكاح الصحيح بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة، و قد جاء في التعريفات المختلفة للخلع أنه يحمل أحيانا معنى عاما و هو الطلاق على مال تفتدي به الزوجة و تقدمه، سواء كان بلفظ الخلع أو المبارأة أو حتى بلفظ الطلاق .
و شرطه هو شرط الطلاق مع فارق هام هو أن الخلع طلاق في نظير مال تقدمه الزوجة لزوجها .
و اسم الخلع أو الفدية و الصلح و المبارأة كلها تؤول إلى معنى واحد و هو بدل المرأة العوض على طلاقها .
و قد عرفه الأستاذ عبد العزيز سعد بقوله : ” عقد معاوضة رضائي و ثنائي الأطراف، شرع لمصلحة الزوجة، غايته إنهاء الحياة الزوجية، بحكم قضائي، بناء على عرض أحد الزوجين و قبول الآخر تلبية لرغبة الزوجة مقابل مال و مقوم شرعا تدفعه الزوجة، فيتفقا على نوعه و مقداره في جلسة الحكم أو يحدده القاضي، بما لا يتجاوز صداق المثل وقت الحكم “.

أدلة مشروعية الخلع :

أولا : الأدلة الشرعية للخلع : ثابت بالكتاب والسنة و الإجماع .
أما الكتاب : فقد وردت آيات أثبتت مشروعية الخلع منها قوله تعالى في سورة البقرة الآية : 229 ” الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يحل أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا تعتدوها، و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ” .
فالآية الكريمة منعت بشكل صريح الزوج أن يأخذ شيئا مما أعطاه للزوجة نظير طلاقها، إلا في حالة خوف الزوجين ألا يقيما حدود الله، حيث رفع الجناح و الحرج عليهما فيما تدفعه الزوجة لزوجها من مال نظير طلاقها، فلا إثم عليها فيما أعطت، و لا إثم عليه فيما أخذ .
في السنة النبوية الشريفة : فإن أول خلع في الإسلام، هو ما كان من جميلة بنت سلول تزوجت ثابتا بن قبس، فرفعت يوما جانب الخباء، فرأته مقبلا في عدة رجال فإذا هو أشدهم سوادا و أقصرهم قامة، و أقبحهم وجها، فوقع في قلبها النفور منه، قال ابن عباس ” فأتت الرسول – صلى الله عليه و سلم – فقالت و الله ما أعيب على ثابت في دين و لا خلق و لكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا، فقال النبي – عليه الصلاة و السلام – أتردين عليه حديقته و كانت تلك الحديقة هي مهرها الذي أخذته منه قالت : “نعم” – فأمره الرسول صلى الله عليه و سلم أن يأخذ منها حديقته و لا يزداد”. الحديث رواه ابن ماجة و البخاري و النسائي .
و في الإجماع فقد ذكر الإمام القرطبي في شرح الحديث فقال : ” فقال أنها كانت تبغضه أشد البغض، و كان يحبها أشد الحب، ففرق بينهما الرسول صلى الله عليه و سلم بطريق الخلع فكان أول خلع في الإسلام .
و قد ورد عند الإمام مالك ابن أنس : ” لم أزل أسمع ذلك من أهل العلم و هو الأمر المجتمع عليه عندنا ” و هو أن الرجل إذا لم يضرب المرأة و لم يسء إليها و لم تأت من قبل، و أحبت فراقه فإنه يحل له أن يأخذ كل ما افتدت به، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في امرأة ثابت .
و قد خالف في ذلك بكر ابن عبد الله المزني الشافعي مستندا على الآية 20 من سورة النساء : ” و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا و إثما مبينا ”
فقد اعتبر المزني أن آية النساء ناسخة لآية البقرة، و يرى الدكتور محمد مصطفى شلبي أن المزني لم تبلغه أحاديث الخلع لذلك تبنى هذا الرأي، في الوقت الذي يكون الخلع فيه مشروعا بالقرآن و السنة و الإجماع 1.

ثانيا- دليل مشروعية الخلع :
المشرع الجزائري بموجب القانون رقم 84-11 المتضمن قانون الأسرة شرع الخلع و أكد على قانونيته مثبتا ما سبق من أحكام قضائية حكمت بالخلع حيث جاء في نص المادة 54 منه : ” يجوز للزوجة أن تخالع نفسها من زوجها على مال يتم الاتفاق عليه فإن لم يتفقا على شيء يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت الحكم”.
و في المادة 48 من نفس القانون عرف الطلاق على أنه حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج ، بتراضي الزوجين ، أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53 و 54 من هذا القانون.
و من خلال المادتين السالفتي الذكر يتضح أن المشرع الجزائري قصد بالخلع حل الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة مقابل مال تقترحه على الزوج مفتدية به نفسها.

– الخلع بين اعتباره طلاقا أو فسخا في الفقه و القانون :

لقد أجمع الفقهاء على اعتبار الخلع من مسائل الأحوال الشخصية و ليس من المعاوضات المالية التي تطبق بشأنها أحكام القانون المدني و من ثم فهي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية الراجع إليها تقرير ما يجب أن يتم به رضى الزوجين و كيفية الإفصاح عنه من كليهما فيما يصدر عنه من إيجاب و قبول إضافة إلى الحالات التي يحكم فيها القاضي بالخلع، و كيف يكون ذلك معتبرا شرعا حتى تقع الفرقة و يستحق الزوج المال.
فبعد أن ذكر الله تعالى في الآية 229 من سورة البقرة أن الطلاق مرتان، و عقب كل مرة إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ذكر الله تعالى أن أخذ المال من الزوجة مما أعطاها محرّم ثم استثنى من ذلك حالة واحدة هي إذا ما خشي الزوجان عدم إقامة حدود الله فيما بينهما كبغض المرأة لزوجها أو سوء سلوكها، ففي هذه الحالة يجوز للزوج أن يأخذ من زوجته مالا ليطلقها و يسمى هذا خلعا .
غير أن اختلاف الفقهاء كان في اعتبار الخلع طلاقا أو فسخا و عليه نتطرق للآراء الفقهية المختلفة .

– اعتبار الخلع طلاقا :

هو رأي المذهب المالكي والحنفي والشافعي الجديد و منطلقهم في ذلك أن الأصل هو اعتبار العصمة بيد الزوج و في ذلك قال الأحناف ان الخلع هو إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة بلفظ الخلع أو ما في معناه .
و قال المالكية انه طلاق بعوض و تعريف الطلاق عندهم شمل الطلاق بأنواعه و هو الصريح و الكناية الظاهرة أو أي لفظ آخر إذا كان بنية الطلاق.
و قال الشافعية أن الخلع شرعا هو اللفظ الدال على الفراق بين الزوجين بعوض.
و منطلق أصحاب هذا الرأي أن الأصل هو جعل العصمة بيد الزوج إلا أن يقوم الدليل على عكس ذلك و من ثمة فما دام أن فك الرابطة الزوجية الصحيحة لا يكون دون رضا الزوج و أن الخلع يستلزم قبول الزوج فهو بمثابة طلاق معلق على مال .
و اعتبر الأحناف أنه إذا اختلعت الزوجة من زوجها فالخلع جائز و أنه تطليقة بائنة و حجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله :” الخلع تطليقة بائنة “لأن النكاح بعد تمامه لا يحتمل الفسخ ما دام نشأ صحيحا و أن الخلع لا يكون إلا بعد تمام عقد النكاح فيكون لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا و يرى جمهور العلماء أن الخلع طلاق بائن لأنه لو كان للزوج في العدة حق مراجعة زوجته لم يكن لافتدائها معنى.
و يرى جمهور العلماء أنه في كل موضع يبطل الخلع يقع الطلاق رجعيا أخذا عن رواية سعيد بن المسيّب من أن الخلع طلاق رجعي و عليه أن يرد البدل إذا راجعها بينما اعتبره الأحناف طلاقا بائنا حتى و لو بطل الخلع و أضافوا أنه إذا خالع الزوج زوجته بعد أن طلقها و هي في العدة فإن الخلع لا يصح .

أما إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم خالعها في العدة على مال فإن الخلع يصح و يلزم المال لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح و في مسألة الزواج الفاسد قالوا أنه إذا نكح امرأة نكاحا فاسدا ووطئها فان المهر يتقرر لها بالوطأ فإذا خالعته على مهر فإن الخلع لا يصح لأنه فاسد إذ هو إزالة ملك النكاح و العقد الفاسد لا يترتب عنه ملك النكاح .
كما يستند القائلون بأن الخلع طلاق,على رواية المحدثين من أن جميلة بنت سلول امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى الرسول صلى الله عليه و سلم فقالت: “يا رسول الله لا أنا و لا ثابت و لا ما أعطاني” ، فسألها النبي صلى الله عليه و سلم عما أهداها ثابت من مهر فقالت : “أهداني الحديقة”، فقال الرسول عليه الصلاة و السلام : ” خذ الحديقة و طلقها تطليقة “.
و جاء في اجتهاد أصحاب هذا الرأي ان ألفاظ الخلع خمسة و هي:
أولهما ما اشتق من لفظ الخلع : خالعتك-اختلعي-اخلعي نفسك-اختلعتك، ثانيهما لفظ بارئتك، ثالثهما لفظ باينتك، رابعهما لفظ فارقتك و خامسهما لفظ الطلاق على مال فإن قال لها طلقي نفسك على مائة دينار فقالت قبلت،وقع الطلاق بائنا ولزمها البدل.
اعتبار الخلع فسخا :
هو رأي الشافعي القديم ورأي الحنابلة اللذين قالوا أن الخلع هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة هذه الأخيرة التي تنقسم إلى قسمين : صريحة في الخلع، وكناية فيه فأما الصريحة فهي : خالعت، وفسخت، وفاديت .
فإذا استعمل الزوج الألفاظ السالف ذكرها مع ذكر العوض وقبلت الزوجة كان ذلك فسخا بائنا تملك به الزوجة نفسها ولكنه لم ينقص عدد الطلقات الثلاث .
أما الطلاق مقابل مال فإنه يقع به طلاق بائن إذا قالت له : طلقني بمائة شاة مثلا، فقال لها : طلقتك،استحق المائة وطلقت منه طلقة بائنة بشرط أن ينوي الطلاق.

والحاصل أن الخلع بألفاظه السالفة الذكر يعد فسخا إلا إذا نوى به الطلاق، فإنه يكون طلاقا بائنا ينقص عدد الطلقات بخلاف الطلاق على عوض بلفظ الطلاق فإنه يكون طلاقا بائنا بشرط النية وقبول الزوجة .

وسند أصحاب هذا الرأي الآية 229 من سورة البقرة إذ أن الله تعالى ذكر أن الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء، ثم قال فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. فلو كان الافتداء طلاق لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زواج، هو الطلاق الرابع.

موقف المشرع الجزائري من الطلاق والفسخ :

إن انحلال الرابطة الزوجية بحكم القاضي قد تكون طلاقا يحتسب من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته بمقتضى عقد النكاح وقد تكون فسخا ينفصل بمقتضاه الزوجان من غيران يعد طلقة ، والفرق بين الفسخ والطلاق ليس مقصور على احتساب الفرقة من عدد الطلقات وعدم احتسابها بل الفرق في حقيقتها الذي انبنى عليها ذلك .
– إن حقيقة الطلاق توجب إنهاء الزواج وتقرير الحقوق السابقة وهو لا يكون إلا في الزواج الصحيح وهو من أثاره التي قررها المشرع كما ورد في المادة 48 من قانون الأسرة الجزائري التي اعتبرت أن الطلاق حل لعقد الزواج وهذا حتى ولو اتفق الزوجان في عقد الزواج على اشتراط ألا يطلق الزوج زوجته، كان الشرط باطلا لأنه شرط فاسد باعتباره مناف لمقتضى العقد والشريعة الإسلامية التي جعلت العصمة بيد الزوج وهو ما اقتبسه مشرعنا في المادة 35 من قانون الأسرة الجزائري : ” إذا اقترن الزواج بشرط ينافيه كان ذلك الشرط باطلا والعقد صحيحا”.
وقد بين المشرع الجزائري في المادة 48 من نفس القانون مفهوم الطلاق واعتبره حلا لعقد الزواج إما بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد بالمادة 53 التي وضحت أحكام التطليق والمادة 54 التي نصت على الخلع إن حقيقة الفسخ لمنع بقاء النكاح لعيب شابه وقت إنشائه أو يكون تدارك لأمر طرأ على العقد يجعل استمراره مستحيل والمشرع الجزائري أورد أحكام الفسخ في المواد 32،33،34 من قانون الأسرة.
والفسخ ينقسم إلى أحدهما فسخ يكون كنقص للعقد من أصله وثانيهما فسخ لا ينقض العقد من أصله.
القسم الأول : هو ما كان سبب الفسخ فيه أمرا يتصل بإنشاء العقد وهو الفسخ المنصوص عليه في المادتين 33،32 من نفس القانون، حيث جاء بالمادة 33 أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو شاهدين أو صداق يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه ويثبت بعد الدخول بصداق المثل إذا اختل ركن واحد ويبطل إذا اختل أكثر من ركن واحد فإذا ما تبين للقاضي سبب من أسباب الفساد قبل الدخول فسخ العقد بدون صداق .

أما القسم الثاني : فيوضحه محمد أبو زهرة في أن الفرقة التي تنقض العقد لا توجب شيئا من المهر سواء كانت من قبل الزوجة أو من قبل الزوج، لأن العقد كأنه نقض من الأصل والمهر حكم من أحكام العقد فيسقط ويكون في ذلك له نفس أثار الفسخ الواردة في القواعد العامة للقانون، أما الفرقة التي تكون فسخا لا ينقض العقد من أصله فإن كانت من قبل المرأة سقط المهر كله، وإن كانت من قبل الرجل ففيها نصف المهر.
موقف المشرع الجزائري :
يترتب عن الخلع الطلاق ويحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها فهو ليس مجرد فسخ، ذلك لأن انحلال الرابطة الزوجية أحيانا يكون طلاقا و أحيانا يكون فسخا،
والطلاق هو حل عصمة الزوجية بلفظ الطلاق الصريح أو الكناية ومنها الخلع، وهو إن كان بلفظ الخلع كان طلاقا صريحا، وكذا إن كان بلفظ الطلاق على مال.
واتفق جمهور العلماء على أن الفرقة بين الزوجين تكون تارة طلاقا وتارة أخرى فسخا. فتكون طلاقا فيما يلي :
أولا : في الطلاق الصريح وبالكناية .
ثانيا : في الفرقة بسبب الإيلاء .
ثالثا : في الخلع و هو طلاق صريح .
و تكون الفرقة فسخا عند فساد العقد لسبب من الأسباب.

و قد ساير مشرعنا موقف جمهور العلماء من حكم الخلع و اعتبره طلاقا، فبالرجوع إلى موقع النصوص المتعلقة بالفسخ نجد أحكامه واردة في الفصل الثالث من الباب الأول من قانون الأسرة تحت عنوان الزواج في المادة 32 و ما يليها .
بينما أورد أحكام الطلاق في الفصل الأول من الباب الثاني المعنون “بانحلال الزواج” و قد أورد حكم الخلع في المادة 54 من نفس القانون ضمن أحكام الطلاق .
فيكون مشرعنا بذلك قد اتجه إلى اعتبار الخلع طلاقا و يكون في ذلك مصيبا لأن الفسخ سببه وجود عيب يشوب العقد، بينما الخلع فيرد على علاقة زوجية صحيحة لم يرد عليها عارض يعيب العقد و إنما لورود ظروف و عناصر خارجية عن العقد مست العلاقة الزوجية و التي لا يمكن حلها إلا بالطلاق .
ولقد جاء اجتهاد المحكمة العليا موافقا لهذا الموقف كما سيرد بيانه فيما بعد حيث جاء قرار 05/02/1969 بما يلي”لا يلحق الطلاق إلا التي عقد عليها بنكاح صحيح” .
و في هذا الشأن يقول الدكتور العربي بلحاج أنه “لا يقع الطلاق على المرأة المتزوجة بعقد زواج فاسد لأن الطلاق إنهاء لعقد الزواج الصحيح و عليه فلا طلاق في عقد الزواج الفاسد بل يجب التفريق حالا بين الزوجين و فسخ العقد بقوة القانون سواء كان هذا الفسخ بسبب يوجب حرمة مؤبدة أو غير مؤبدة أم اختلال في أركانه الأساسية طبقا للمواد 31. 32 .33 . 34 من قانون الأسرة ”
و يضيف أنه يشترط لصحة الخلع ما يشترط لصحة الطلاق .
و مما سلف ذكره عن الطلاق ينطبق على الخلع إذ هذا الأخير حسب الدكتور العربي بلحاج ما هو إلا طلاق دون نزاع.

ثالثا : الطبيعة القانونية للخلع:الخلع فقها و قانونا :
يقول الإمام محمد أبو زهرة : “الخلع يعتبر تعليقا للطلاق على قبول المال من جانب الرجل ومن جانب المرأة يعتبر معاوضة في حكم التبرعات، ولهذا الاعتبار اختلفت أحكامه في الرجل عند المرأة. ”
أما القانون الجزائري فلم يتعرض لمسألة الخلع بالتفصيل تاركا هذه الأمور لمبادئ الفقه الإسلامي التي تعتبر المصدر التفسيري له تطبيقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة.
وفي هذا الشأن أجمع الفقهاء على أنه يجوز للزوجة الكارهة إذا كانت بالغة، عاقلة، راشدة أن تتفق مع زوجها أن يطلقها في مقابل تعويض فينخلع كل منهما من كل الحقوق والواجبات التي يفرضها الزواج بينهما وتفتدي الزوجة نفسها من قيد الزواج بهذا التعويض وهذا ما أجمع عليه أصحاب المذاهب الأربعة.
أما الأستاذ الغوثي بن ملحة فعرف الخلع على أنه ” عقد اتفاقي يستلزم عرض الزوج وقبول الزوجة ”
والدكتور محمد أبو زهرة يقول أنه :” عقد ينعقد بإيجاب وقبول “.
وقد سوى المالكية في ذلك بين الخلع والطلاق على مال واعتبروا الخلع عقد على الطلاق بعوض، وحقيقة الأمر أن حالة تراضي الزوجان على الخلع لا تثير أي إشكال كون هذه الحالة لا تجد مصدرها في الطلاق بالتراضي وتخضع لأحكامه حيث قال الدكتور محمد أبو زهرة أنه يخضع لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين وفي الحالة السالفة الذكر فإنه لا يوجد إشكال بالنسبة للقاضي لأن دوره ينحصر في تثبيت ما اتفق عليه الزوجان.

لكن هل يستلزم الخلع دائما رضا الزوج ؟بمعنى آخر هل الخلع رخصة للزوجة تستلزم قبولها من الزوج أم هو حق لها يمكنها المطالبة به أمام القضاء حيث يمكن أن يحكم لها به حتى ولو لم يرضى الزوج ؟

بالرجوع إلى مذهب الإمام مالك نجده يشرح الحالة التي تستطيع الزوجة الكارهة أن تلجأ فيها إلى القاضي للمطالبة بالخلع،فيبعث القاضي حكمين للصلح بين الزوجين، فإن لم يفلحا في الصلح فرق بين الزوجين خلعا بغير رضا الزوج
بالرجوع إلى القانون المصري نجده في المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية رقم 100 لسنة 1985 أخذ برأي المالكية فأجاز للحكمين اقتراح الخلع إذا كانت الزوجة كارهة فيقضي بالطلاق مع إلزام المسيء بغرامة مالية .
ونجد ما يقابل هذه المادة في قانون الأسرة الجزائري في المادة 56 التي تنص على أنه إذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما، كما جاء بالفقرة الثانية من نفس المادة أن الحكمين يقدمان تقريرا للقاضي .
ويقول الأستاذ الغوثي بن ملحة أن الحكمين على عاتقهما مهمة الإصلاح بين الزوجين وهما في ذلك يتصرفان كقضاة فعليين وعليهما في كل الأحوال اقتراح الحلول المناسبة لدى القاضي و أن الاجتهاد القضائي الحالي لا يمنع اللجوء إلى التحكيم .
ويرى الأستاذ عمر زودة أنه يحق للقاضي أن يطلق الزوجة من زوجها رغم رفض الزوج استنادا في ذلك إلى السنة النبوية، و إلى آراء الفقهاء حيث ذهبوا إلى عدم اشتراط الكراهية من طرف الزوجة لصحة الخلع وتبعا لذلك أصبح من حق الزوجة أن تطلب التفريق لقاء بدل تدفعه دون أن يتوقف ذلك على أي شرط، يجب أن تثبته وبالتالي أصبح حق التطليق مقابل ما تدفعه من مال، حقا إراديا تملكه الزوجة، ومن ثمة إذا تمسكت بالتفريق لقاء بدل تدفعه للزوج فلا يملك القاضي أن يرفض ذلك و ليس له أية سلطة تقديرية في ذلك .”

نستنتج من خلال ما سبق نقاشه من خلال الآراء الفقهية المختلفة للعلماء والأساتذة وكذا نص قانون الأسرة أنه لابد على القاضي أن يستجيب لطلب الزوجة في حالة إصرارها على الخلع و استحال الإصلاح بينهما، ذلك أن الخلع قد شرع لافتداء المرأة نفسها بعد كرهها و عدم تحملها لمعاشرة زوجها وخشيتها عدم إقامة حدود الله، فإذا اعتبرنا الخلع في حكم الطلاق بالتراضي مقابل مال يستوجب تطابق الإرادتين فقد الخلع ميزته وخصوصيته التي هي فك الرابطة الزوجية لاستحالة المعاشرة وقيدناها بإرادة الزوج الذي غالبا ما يتعنت في تسريح زوجته انتقاما منها غير مبال بما ينجر عن ذلك من استمرار علاقة زوجية غير مرغوب فيها، الشيء الذي يحول دون تحقيق المقصود من الخلع الذي هو تجنب الوقوع بالمعاصي .
ويكون الخلع طلاقا بالتراضي في حالة كون الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة كون الزوج له حق الطلاق بالإرادة المنفردة فحقه في فك الرابطة الزوجية هو حق إرادي له أن يستعمله دون مقابل وله أن يعرض على زوجته مقابل مالي تقبله الزوجة ويكون الخلع في هذه الحالة طلاق بالتراضي لتوافق الإراديتين أوفى حكم الطلاق مقابل مال لاستفاء الشرط الذي هو قبول الزوجة الإلزام بدفع العوض .

وقد اتفق الفقهاء على أن افتداء المرأة لنفسها هو حق شرع لها مقابل حق الرجل في الطلاق بإرادته المنفردة في حالة عدم قدرته في مواصلة العشرة الزوجية فكذلك الخلع حق للزوجة في حالة كرهها زوجها وعدم قدرتها على مواصلة معاشرته كما للزوج حق تطليق زوجته مقابل أ ن يدفع لها مستحقاتها المالية.
للزوجة كذلك حق مخالعة زوجها مقابل أن تدفع له مستحقاته المالية ويكون تقدير المستحقات المالية إما باتفاق الطرفين أو بتقدير من القاضي فسلطة القاضي حسب المادة 54من قانون الأسرة هو في تحديد بدل الخلع في حالة الاختلاف فيه وهذا لا يمس الخلع وإنما هو مجرد أمر غير جوهري لأنه أثر من آثار الخلع يتشابه إلى حد ما بسلطة القاضي في تقدير النفقة الناجمة عن الطلاق في حالة عدم رضا الزوجة بمقدار النفقة المعروضة من الزوج،الأمر الذي بدأ يتجسد من حلال الأحكام وقرارات المحكمة العليا، عرفت نقلة نوعية في مجال الاعتراف بحق الزوجة في الخلع، دون موافقة الزوج، ذلك أن الاجتهاد القضائي كان يستوجب موافقة الزوج كما جاء في قرار المحكمة العليا يقول :”من المقرر قانونا و قضاءا أن قبول الزوج للخلع أمر وجوبي و أن ليس للقاضي سلطة مخالعة الزوجة دون رضا الزوج، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفة لأحكام الفقه.
و لما كان من الثابت –في قضية الحال – أن المطعون ضدها طلبت التطليق، و لما لم يكن لها سبب فيه أظهرت استعدادها لمخالعة زوجها دون ان يجد ذلك قبولا من هذا الأخير،فإن القضاء بتطليق المطعون ضدها على سبيل الخلع،يعد مخالفة للقواعد الفقهية الخاصة بالخلع، ومتى كان كذلك استوجب نقض الحكم المطعون فيه دون إحالة ” وقد تأكد خيار الاعتداد برضا الزوج من خلال مشروع القانون العربي الموحد الذي لم يدخل حيز التنفيذ لاعتبارات كثيرة حيث جاء في المادة 99 منه و الخاصة بالمخالعة أنه “للزوجين أن يتراضيا على إنهاء عقد الزواج بالخلع “.

هذا وقد جاءت المادة 54 من قانون الأسرة مبهمة في هذا الشأن حيث نصت على كيفية تصرف القاضي،في حالة عدم الإتفاق على بدل الخلع،مما يجعل الرأي القائل بوجوب موافقة الزوج سائدا رغم أن التأمل في ترتيب المواد يجعلنا نلاحظ تعريف المادة 48 من قانون الأسرة للطلاق على أنه حل عقد الزواج،إما بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53-54 من قانون الأسرة،كما جاءت المادتان 51-52 تؤكدان حق الزوج وإرادته المنفردة في إيقاع الطلاق كما جاءت المادة 53 بسبع حالات بطلب الزوجة التطليق ثم جاءت المادة 54 لتخول لها حق فك الرابطة الزوجية مقابل عوض مالي تدفعه للزوج وهو ما يعرف بالخلع.

وبهذا التسلسل المنطقي المتواجد بقانون الأسرة يستخلص أن الخلع هو أحد صور فك الرابطة الزوجية للزوجة استعماله متى أرادت، و هو الاتجاه الذي اتبعته المحكمة العليا من خلال الأحكام و القرارات التي عرفت تغيرا ملحوظا في مجال الاعتراف بحق الزوجة في الخلع دون موافقة الزوج،و ذلك في بداية التسعينات حيث جاء في قرار لها :
(من المقرر قانونا أنه يجوز للزوجة أن تخالع نفسها من زوجها على مال يتم الاتفاق عليه فإن لم يتفقا على شيء، يحكم القاضي بما لا يتجاوز صداق المثل وقت الحكم إن المادة المذكورة من قانون الأسرة تسمح للزوجة بمخالعة نفسها من زوجها على مال دون تحديد نوعه،كما يتفق الطرفان على نوع المال ومقداره و في حالة عدم اتفاقهما يتدخل القاضي لتحديده على ألا يتجاوز ذلك قيمة صداق المثل وقت الحكم،دون الالتفات إلى عدم قبول الزوج بالخلع الذي تطلبه الزوجة لأن ذلك يفتح الباب للابتزاز و التعسف الممنوعين شرعا .

و عليه فأن القضاة-في قضية الحال-لما قضوا بتطليق الزوجة خلعا دون موافقة الزوج طبقوا صحيح القانون، و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن) .
و في حيثيات هذا القرار نجده وصف الخلع على أنه وضع علاجا و مخرجا أخيرا للزوجة التي لم تعد تطيق معاشرة زوجها و هي لا تملك المبرر الشرعي للفرقة هذا و قد أخلط قرار أخر بين الخلع ما إذا كان حقا أم رخصة إذ جاء فيه : (الخلع رخصة للزوجة تستعملها لفدية نفسها من الزوج،مقابل مبلغ مالي تعرضه عليه و من ثمة فإن قضاة الموضوع لما قضوا بتطليق الزوجة دون موافقة الزوج،طبقوا صحيح القانون)

جديد مشروع تعديل قانون الأسرة :

جاءت المادة 14 من المشروع التمهيدي لقانون الأسرة الجديد تعدل المادتان 54 و57 من القانون رقم 11 المؤرخ ب: 9 يونيو 1984 لتحسم الخلاف و توضح الأمور فيما يخص الخلع ما إذا كان حقا إراديا للزوجة أم رخصة لا بد معها من موافقة الزوج على أن يكون نص المادة 54 كما يلي :
(يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها مقابل تعويض إذا لم يتفق الزوجان على مبلغ التعويض يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة المثل عند صدور الحكم) و بهذا يكون الإشكال الذي كان سائدا حول وجوب موافقة الزوج على مبدأ الخلع من عدمه قد زال و ذلك بالنص الصريح على عدم اشتراط موافقة الزوج و بما أن لا اجتهاد مع النص فإنه يصبح – الخلع -حقا يستوجب من الزوجة أن تعبر عن إرادتها في استعماله أمام القاضي،و على هذا الأخير الاستجابة لها بأن يقرر لها هذا الحق و يخالعها من زوجها حتى و لو عارض الزوج ذلك إذ لا يبقى للزوج إلا مناقشة المبلغ المخالع عليه،و في حالة عدم الاتفاق يحدد القاضي هذا الأخير بما لا يزيد عن مهر المثل و حسنا فعل واضعو مشروع التعديل بهذه المادة المتعلقة بالخلع إذ أصبحت الأمور أكثر وضوحا للقضاة الساهرين على تطبيق القانون و الذين كانوا يتأرجحون بين الاجتهادات القضائية من خلال تناقض قرارات المحكمة العليا بخصوص هذه المسألة و هكذا تكون الزوجة قد أنصفت بإعطائها حق المطالبة بالخلع بالنظر إلي حق الزوج في إنهاء العلاقة الزوجية بإرادته المنفردة حتى و لو لم يكن له أسباب مشروعة فكذلك للزوجة حق التعبير عن إرادتها بإنهاء العلاقة الزوجية دون مبررات شرعية و هذا ما يسمح بتجنب وقوع الفواحش فتكون بذلك المرأة حرة في اختيار شريك حياة آخر بدل أن تستمر في معاشرة زوج لا تطيقه و يتفادى تبعا لذلك الأزواج تكوين أسر ملؤها الكره و التنافر يعود سلبا على الأولاد إضافة إلى أن ما جاء به التعديل يساهم في ردع تعنت الأزواج و تعسفهم في احتباس زوجة لا ترغب في الاستمرار معهم سواء كان بدافع الانتقام أو بدافع المحبة غير المتبادلة.