الأسباب التي تؤدي إلى الاحتجاز – انتهاك حقوق الإنسان بالقانون
الفصل الأول

الأسباب التي تؤدي إلى الاحتجاز – انتهاك حقوق الإنسان بالقانون

تتعدد الأسباب المؤدية إلى الاحتجاز في مصر ، والذي يعتبر عقوبة في بعض الأحيان وتدبيرا احترازيا في أحيان أخرى ، والعقوبة كما هو معروف تواجه إرادة إجرامية، وهي لذلك تنطوي علي معني اللوم الأخلاقي لمن توقع عليه أما التدبير الاحترازي فالهدف منه وقاية المجتمع من الخطورة الإجرامية الكامنة في شخص الجاني ، ولذلك يحدد القانون المدة التي يجب أن يقضيها الشخص كعقوبة حين لا يحدد تلك المدة في التدبير الاحترازي .

وتعتبر العقوبات السالبة للحرية بأنواعها القصيرة والمتوسطة والطويلة من الأسباب الرئيسية لاحتجاز الأشخاص في مصر علي أن هناك تدابير احترازية تؤدي إلى احتجاز الأشخاص أيضا ويأتي علي رأسها الاعتقال الإداري وفقا لقانون الطوارئ ، واحتجاز الأحداث الجانحين .

ولا يؤدي التطبيق القانوني السليم للعقوبات المنصوص عليها إلى مشكلات كبيرة إلا فيما يؤدي إليه نظام العقوبات قصيرة المدة من تكدس السجون المصرية – المتكدسة أصلا، بما يمنع أو يقلل من حجم الرعاية التي يتعين أن يحصل عليها المحتجزون بشكل عام ، بينما تؤدي كثير من التدابير الاحترازية إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ويأتي علي رأس تلك التدابير انتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي الذي يتم نتيجة سوء استخدام نظام الاعتقال الإداري أثناء إعلان حالة الطوارئ فضلا عن عدم الاهتمام بالأحداث الجانحين بشكل عام، الأمر الذي يجعل مقصود المشرع من احتجازهم في دور الرعاية الاجتماعية يأتي في الغالب بعكس المقصود منه .

ويعالج التقرير في هذا الفصل أسباب الاحتجاز والتي في مجملها تؤدي إلى تكدس في السجون وانخفاض في مستوي رعاية المحتجزين ، حيث يناقش أولا الانتهاكات المصاحبة لحالة الطوارئ المطبقة في مصر منذ نيف وعشرين عاما بشكل مستمر والتي من المقرر أن تنتهي في خريف 2003 ، ما لم تطلب الحكومة من مجلس الشعب مدها لثلاث سنوات أخرى ، والتي من نتائجها تزايد حالات الاعتقال الإداري بشكله البسيط أو المتكرر ، كما يعالج التقرير حالات الاختفاء القسري كعرض من أعراض الاعتقال المتكرر باعتبار أنه وفقا للمعلومات المتوافرة لدي المركز فإن هؤلاء المختفين قد ألقي القبض عليهم وجري احتجازهم بواسطة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التابعين للحكومة المصرية ، فضلا عن ذلك يناقش التقرير ظاهرة احتجاز الأحداث الجانحين و أثرها في ضبط سلوكهم أو انفلاتها ،

ثم ظاهرة الحبس الاحتياطي والتي يري المركز أنها تتزايد عاما إثر عاما، حتى أصبحت هي بذاتها عقوبة خاصة يجري استخدامها دون ضوابط معقولة ، وأخيرا العقوبات سالبة الحرية قصيرة المدة والتي يزخر بها القانون المصري . ويري مركز حقوق الإنسان أن الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الاحتجاز يجري إساءة استخدامها بشكل عمدي أو باستخفاف من قبل السلطات المخول لها استخدامها الأمر الذي يعين، ويمهد الطريق إلى انتهاك حقوق الإنسان بالقانون .

المبحث الأول
الاعتقال وفقا لقانون الطوارئ
اثنان وعشرون عاما – ومازالت الطوارئ مستمرة .

أعلنت حالة الطوارئ في مصر منذ اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات في 6اكتوبر 1981، وهي مازالت مستمرة دون انقطاع، وتجدد كل ثلاث سنوات وينتهي التجديد الأخير في خريف عام 2003 .

ويمنح قانون الطوارئ – المادة الثالثة منه – السلطة التنفيذية سلطات واسعة لوضع القيود علي حرية الأفراد وحقوقهم الدستورية فمنها سلطة وضع القيود علي حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة والقبض علي المشتبه فيهم أو الخطرين علي الأمن واعتقالهم وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما يمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق والضمانات التي حرص الدستور المصري علي تأكيدها في المادة “41” الخاصة بالحرية الشخصية والمادة “42” الخاصة بحرمة المساكن والمادة “50” الخاصة بحرية الإقامة والتنقل والمادة “54” الخاصة بحرية الاجتماع ، كما يهدر الحقوق والضمانات المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومنها المادة “9” الخاصة بالحرية الشخصية والمادة “12” الخاصة بحرية التنقل والمادة”21″ الخاصة بحق التجمع السلمي([1]).

كما تعطي المادة السادسة من القانون ذاته للسلطة التنفيذية الحق في عدم التقيد بالأحوال والضمانات والخطوات المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية للقبض على المتهمين ، إذ يجوز القبض في الحال علي المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارئ والجرائم المحددة في هذه الأوامر، وذلك بالمخالفة لأحكام الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .

وبموجب البندين الأول والرابع – المادة السابعة -من القانون تنشأ محاكم استثنائية للنظر في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه وهي محكمتا أمن الدولة الجزئية والعليا، والترخيص بأن يدخل العنصر العسكري في تشكيل ذلك النوع من المحاكم ،إذ يجوز لرئيس الجمهورية أن يأمر بتشكيل دائرة أمن الدولة الجزئية من قاض أو اثنين من ضباط القوات المسلحة وبتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادة ، وهو ما يعد انتهاكاً جسيماً للمعايير الدستورية والدولية الخاصة بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحصانة القضاة والتي تنص عليها المواد من “165 إلى 173” من الدستور، والمادة “14” من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .

كما يجوز لرئيس الجمهورية وفقاً للمادة “9” من قانون الطوارئ أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجزئية الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام وهو ما يعد مخالفة واضحة لنص المادة ” 40بند 9 ” من الدستور التي تقر مبدأ ” المساواة بين المواطنين” وما ينبثق عنه من حق كل مواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي الذي أكدته المادة 68 من الدستور، كما يعد انتهاكاً جسيماً لنص المادة “14” من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية .

و قرار رئيس الجمهورية بإعلان حالة الطوارئ هو من أعمال السيادة التي لا يحوز للقضاء أن ينظر أية دعاوى لإلغائها، حيث تنص المادة 11 من القانون رقم 47لسنة1972 بشأن مجلس الدولة علي أنه ” لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة”.

ويعتبر استمرار حالة الطوارئ حتى الآن مخالفة صارخة لكل من المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ونص المادة 148 من الدستور المصري بل و أحكام المادة الأولي من قانون الطوارئ رقم 162لسنة1958 وتعديلاته ، فوفقا لتلك النصوص فإن حالة الطوارئ لا يجوز إعلانها إلا في الحالات الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة ، ووفقا لنص المادة الأولي من قانون الطوارئ فإن حالة الطوارئ لا يجوز إعلانها إلا إذا تعرض الأمن والنظام العام للخطر سواء بسبب وقوع أو قيام حالة تهديد بوقوع أو حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء .

وتقول المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر بجلسة 5/2/1977 في الطعن رقم 22 لسنة 6 ق عليا “إن ” نظام الطوارئ لا يكون دستوريا إلا إذا تحققت أسبابه ودواعيه وأولها تعرض الوطن لخطر يهدد سلامته وأمنه أو نشوب حرب أو التهديد بنشوبها أو اضطراب الأمن وذلك لمواجهة هذا الخطر بتدابير استثنائية حددها قانون الطوارئ “.

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن الحكومة المصرية بإعلانها انتهاء الهجمات الإرهابية ، تكون قد أعلنت أنها لم تعد تملك ذريعة كافية للإبقاء علي حالة الطوارئ معلنة ومستمرة في مصر ، وقد أكد وزير الداخلية تراجع الإرهاب بصورة كبيرة نتيجة للسياسات الأمنية والقضاء على منابع الإرهاب ، في حوار مع التلفزيون المصري عرضته كاملا جريدة الأهرام شبه الرسمية بتاريخ 27/1/2002 .

وعلي الرغم من التعهدات التي تقطعها الحكومة المصرية علي نفسها أمام مجلس الشعب عند التقدم بطلب إقرار تجديد حالة الطوارئ من أنها لن تستخدم الصلاحيات والسلطات الواسعة التي يمنحها لها ذلك القانون إلا في مكافحة الإرهاب ، فإن الواقع يشير إلى انه بعد انتهاء الإرهاب ،

فإن هناك إساءة لاستخدام حق الاعتقال الإداري وفقا لقانون الطوارئ من جانب وزارة الداخلية التي عمدت إلى استخدامه في مكافحة جرائم يشكل القانون العادي غطاء مناسبا لمكافحتها أو لا يجرمها القانون العادي أصلا ، الأمر الذي أدى إلى اعتقال العديدين بزعم أنهم يتاجرون في الدولار خلال أزمة العملة الأجنبية ونقص المعروض منها والتي بدأت مع نهاية عام 2001 واستمرت طوال 2002 ومازالت قائمة، أو بدعوى الاتجار في المخدرات ، أو القيام بأعمال البلطجة ، وقد ساهم إصدار وزير الداخلية أوامر اعتقال علي بياض وتوزيعها علي أقسام الشرطة ، في استخدم هذا الحق لتصفية خلافات شخصية بين الضباط والمواطنين أو حتى في أعمال الابتزاز ، أو لتغطية احتجاز المواطن بشكل غير قانوني بعد انتهاء المدة التي يرخص فيها القانون للضابط احتجازه دون عرضه علي النيابة المختصة .

وقد حاول وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي أن ينفي ذلك في حوار صحفي أجري معه في جريدة الأهرام اليومية عدد الجمعة 4/1/2002 ص13 ردا علي سؤال حول صدور قرارات اعتقال بطريقة عشوائية حيث قال إن قرارات الاعتقال تصدر منه شخصيا!!.

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن ما يقول به الوزير لا يمكن عقلا أن يصدق ولكن المعقول فقط أن قرارات الاعتقال تصدر باسم الوزير وهو أمر معروف ، ولكن أن يصدر الوزير كل قرار اعتقال بنفسه بما يستتبعه ذلك من دراسة حالة كل معتقل فهو أمر غير ممكن حتى لو لم يقم الوزير بعمل آخر غير ذلك .

وترفض وزارة الداخلية المصرية إعلان أعداد المعتقلين بالسجون المصرية ، ويقدر مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أعدادهم بما يتراوح بين أربعة عشر ألف معتقل إلى خمسة عشر ألفاً ، علي أنه يجب التنبيه إلى أنه يصعب تقدير الأعداد الفعلية للمعتقلين بشكل دقيق بسبب إحجام وزارة الداخلية الدائم عن الإدلاء بأية بيانات أو معلومات تفصيلية حول أعداد المعتقلين السياسيين وتوزيعهم على السجون المصرية.

وعلي الرغم من أن السيد اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية قد قرر في ” البيان ” الذي ألقاه بشأن محاور السياسة الأمنية للوزارة أمام لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب في 26مارس2002 أن ” التكهنات حول أعداد المعتقلين بالسجون المصرية تتسم بالمبالغة والتهويل نتيجة اعتمادها على أسس غير موضوعية ” ، فإنه لم يعلن حتى الآن عن أعداد المعتقلين في تلك السجون ، بل أكثر من ذلك فإن السيد مساعد وزير الداخلية عضو الوفد المصري إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة ، كان قد أعلن رسميا أمام اللجنة أثناء اجتماعها لمناقشة التقرير الرسمي للحكومة المصرية نوفمبر 2002 بأنه لا يستطيع أن يعلن أعداد المعتقلين وفقا لقانون الطوارئ “لأن هناك المئات يجري اعتقالهم والمئات يجري الإفراج عنهم وأن تلك العملية يومية بما يجعل من المستحيل معرفة أعداد المعتقلين !!” .

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن هذا المسلك من جانب الحكومة المصرية يعتبر مخالفة صارخة لمجموعة القواعد الدولية التفصيلية التي تمثل الحد الأدنى من الضمانات الواجب كفالتها للأشخاص في أحوال الاعتقال الإداري أثناء وجود حالات الطوارئ ، التي أقرها المؤتمر الدولي لمجمع القانون الدولي في باريس عام 1984 والتي تلزم الدول بـ ” وجوب نشر أسماء الأشخاص الذين يتم اعتقالهم في الجريدة الرسمية، مقرونة بالتاريخ الذي تم فيه الاعتقال ، ويتعين اتباع الإجراء ذاته عند الإفراج عن أي معتقل “.

وقد أعربت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة عقب انتهاء مداولاتها في الجلسة التاسعة والعشرين 11-12/11/2002 والتي خصصت لمناقشة تقرير الحكومة المصرية حول التزامها باتفاقية مناهضة التعذيب “عن قلقها من استمرار حالة الطوارئ وما يترتب عليها من اعتقال إداري منذ عام 1981 مؤكدة علي أن ذلك يعتبر انتهاكا كاملا لسيادة القانون ” ، وكانت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد أعلنت في 1/11/2002 عقب انتهاء دورتها 76 والتي خصصت لمناقشة تقريري الحكومة المصرية الثالث والرابع حول مدي التزامها بتطبيق نصوص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أن ” اللجنة تعرب قلقها من حقيقة استمرار قانون الطوارئ في مصر منذ عام 1981 ، وتؤكد إن ذلك يعتبر مخالفة للمادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية “.

ويؤسف مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن يقرر أنه رغم انتهاء الصراع بين الحكومة المصرية والجماعة الإسلامية المسلحة فإن الاعتقال الإداري مازال سياسة متبعة في مصر بل ويجري استخدامه كعقوبات لكثير من الجرائم التي يمكن أن يتصدي لها قانون العقوبات نفسه ، علي أن عدم اضطرار رجال الشرطة إلى إثبات التهمة ضد المتهم فيما لو استخدموا سلطات الاعتقال الإداري يجعلهم يلجأون إليه باعتباره وسيلة أكثر يسرا في احتجاز الأشخاص الذين – يقدرون هم لأسباب موضوعية أو حتى شخصية خطورتهم.

وفضلا عن ذلك فإن كل ما أتى به قانون الطوارئ من ضمانات هي في حقيقتها ضمانات غير جدية ، فالقول إن هناك رقابة قضائية علي القرارات الصادرة من وزير الداخلية باعتقال المواطنين هو أمر صحيح جزئيا ، ولكن يجب ملاحظة أن علي المعتقل أن ينتظر 30 يوما داخل السجن قبل أن يستطيع التظلم للقضاء من قرار اعتقاله ، وتفصل المحكمة في تظلمه في خلال 15 يوما من تاريخ تقديم تظلم ومن حق وزير الداخلية أن يعترض علي قرار القضاء بإلغاء أمر الاعتقال خلال 15 يوما من صدوره يظل خلالها الشخص مسجونا حتى يبت في اعتراض الوزير !!!، مما يعني أن المعتقل يمكن أن يمضي ستين يوما داخل السجن قبل أن يصير حرا ، وذلك وفقا لنص المادة الثالثة من قانون الطوارئ رقم 50 لسنة 1982 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشان حالة الطوارئ .

كما تصدر قرارات الاعتقال وهي تحمل سببا واحدا هو ” الخطورة علي أمن المجتمع ” مما يجعل القول إن قرارات الاعتقال تصدر مسببة قول لا يتفق كليا مع الحقيقة ، حيث تكشف قرارات محاكم أمن الدولة العليا طوارئ آلتي تنظر طلبات تظلم المعتقلين من أوامر اعتقالهم عن بطلان 75% من أوامر الاعتقال إما لخلوها من الأسباب الموجبة للاعتقال أو افتقادها للجدية ومن مئات الحالات التي حققها مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء يمكن الاستدلال بحالة السيد طارق أحمد خليل إبراهيم البالغ من العمر 41، عام حيث تم اعتقاله بتاريخ 12/1/2002وتم إيداعه بسجن دمنهور، وقد قدم المركز تظلما بشأنه وقيد برقم 11399/2002 وحددت له جلسة 23/6/2002 قررت المحكمة فيها الإفراج عنه لعدم جدية مبررات الاعتقال ولكن اعترضت وزارة الداخلية على هذا القرار وحددت جلسة جديدة بتاريخ 20/7/2002 وأيضا قررت فيها المحكمة تأييد قرار الإفراج .

ويتضح هذا أيضا في التظلمات أرقام 8834لسنة2002 و9574لسنة2002 و 5138لسنة2002 و2362لسنة2002 ، والتي انتهت فيها المحكمة إلى الإفراج عن المعتقلين إما إلى استنادا إلى عدم وجود أسباب موجبة لقرارات الاعتقال أو لعدم جدية الأسباب التي بنيت عليها تلك القرارات .

وبالرغم من قيام وزارة الداخلية وفى مناسبات مختلفة بإخلاء سبيل بعض المعتقلين والذين لا نعرف أعدادهم علي وجه الدقة إلا أنه تجدر الإشارة إلى استمرار ظاهرة الاعتقال وفقا لقانون الطوارئ خلال عام 2002 بل يمكن أن نشير إلى اتساعها لتضم فئات أخرى من المعتقلين من غير المنتمين إلى التيارات السياسية بدعوى خطورتهم على الاقتصاد مثل ما حدث مع بعض أصحاب مكاتب الصرافة في أعقاب ارتفاع أسعار العملة الأجنبية مقابلة بالجنيه المصري ،

أو تكدير الأمن العام مثل ما حدث مع عدد من المواطنين بمدينة بورسعيد في أعقاب احتجاجهم على القرارات الصادرة بشان إلغاء المنطقة الحرة ببورسعيد حيث تم القبض على ما يقرب من مائة وأربعين مواطنا بتاريخ 8/1/2002 وحرر لهم المحضر رقم 14 لسنة 2002 إداري شرق بور سعيد بتهمة التجمهر وإثارة الشغب وترديد الهتافات العدائية ضد السلطة وقررت النيابة العامة حبسهم خمسة عشر يوما ثم أخلت سبيلهم جميعهم بضمان مالي قدره مائة جنيه لكل متهم إلا أنه قد تم احتجازهم بمعسكر لفرق الأمن المركزي بمنطقة القابوطى جنوب بورسعيد وصدرت بشأن بعض منهم قرارات باعتقالهم وتم ترحيلهم إلى سجن الغربنيات ببرج العرب بالإسكندرية ومنعت عنهم الزيارة والاتصال بذويهم وقد أرسل المركز بعثة تقصى حقائق لمتابعة تداعيات القضية والأحوال المعيشية للمتهمين وأوضاعهم داخل أماكن الاحتجاز وتم التقابل مع أهالي المحتجزين وقدم لهم شكوى بما تعرض له المحتجزون وآثار ذلك على أسرهم وبعد ذلك تم إخلاء سبيلهم تباعا على فترات متباعدة ولكن مازال هناك ثلاثة مواطنين رهن الاعتقال بسجن الغربنيات .

كما لا تزال ظاهرة اعتقال بعض المنتمين إلى التيارات الدينية مستمرة بدعوى اقتلاع جذور الإرهاب ، حتى رغم عدم إقدامهم علي القيام بأية عمليات عنف أو غيره ، ويمكن الاستدلال بحالة السيد مصطفى عبد الصبور حامد المقيم بمحافظة قنا والبالغ من العمر 24 عاما والحاصل على دبلوم صنايع والذي تم اعتقاله بتاريخ 18/3/2002 وتم إيداعه بسجن وادى النطرون دون أية أسباب معروفة ،

وفى أحيان كثيرة يتم إلقاء القبض على أحد المواطنين ويتم احتجازه لفترة داخل مقر أمن الدولة قبل أن يصدر بشأنه قرار بالاعتقال ونقله إلى أحد السجون ومثال ذلك حالة المواطن طارق أحمد محمد أحمد وهو متزوج ويعول ويبلغ من العمر 29 عاما، وهو مقيم بمحافظة الجيزة تم إلقاء القبض عليه بتاريخ 7/3/2002وتم احتجازه فترة بمقر مباحث أمن الدولة بالجيزة قبل صدور قرار باعتقاله ونقله إلى سجن الفيوم وقد قام المركز بتقديم تظلم للمذكور قيد برقم 9299/2002 وحددت له جلسة بتاريخ 14/5/2002 حيث قررت المحكمة فيها حفظ التظلم لعدم مرور ثلاثين يوما على صدور قرار الاعتقال ويرجع ذلك لوجوده فترة طويلة داخل مقر مباحث أمن الدولة قبل صدور قرار اعتقاله ونقله إلى السجن .

المبحث الثاني

الاعتقال المتكرر

الالتفاف حتى علي أحكام الطوارئ

نصت المادة 3 مكرر من قانون الطوارئ المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 علي أن “يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله ويكون له الحق في الاتصال بمن يري إبلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ويعامل المعتقل معاملة المحبوس احتياطيا وللمعتقل ولكل ذي شأن أن يتظلم من القبض أو الاعتقال إذا انقضي ثلاثون يوما من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه” .

والمستفاد من هذه المادة أن القانون قد أقر حق المعتقل أو ذويه في أن يتظلموا من قرار الاعتقال الصادر ، وقد حددت المادة السابقة الميعاد المحدد للتظلم وهو 30 يوما من تاريخ صدور قرار الاعتقال وأن هذا الحق مكفول سواء للمعتقل نفسه أو أحد أفراد أسرته دون تفرقة في ذلك .

ومن ناحية أخري لا يجوز لمتظلم من هذا القرار الاعتراض على الحكم الصادر بشأن هذا التظلم ولكن حق الاعتراض مكفول لوزير الداخلية بالتفويض من رئيس الجمهورية في ذلك خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور الحكم، فقد نصت المادة الثالثة مكرر من قانون الطوارئ ، على أنه يجب على المحكمة أن تفصل في التظلم بقرار مسبب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم التظلم ، وإلا تعين الإفراج عن المعتقل فورا، ويكون قرار المحكمة بالإفراج نافذا ما لم يعترض عليه رئيس الجمهورية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره .

فإذا اعترض على قرار الإفراج أحيل الاعتراض إلى دائرة أخرى خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الاعتراض على أن يفصل فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الإحالة ، وإلا وجب الإفراج عن المعتقل فورا . ويكون قرار المحكمة في هذه الحالة نافذا.

وقد سجلت التقارير السنوية الأربعة التي صدرت عن المركز منذ عام 1998 التفاف أجهزة الأمن حول أحكام القضاء الصادرة بالإفراج عن المعتقلين ، حيث تقوم وزارة الداخلية بتجديد قرارات الاعتقال الصادرة بحق المعتقلين، رغم حصولهم علي قرارات نهائية بالإفراج عنهم من محكمة أمن الدولة العليا المشكلة وفقا لقانون الطوارئ [2].

ويتم هذا الالتفاف عبر تنفيذ قرارات الإفراج عن المعتقل دفتريا ، حيث يتم تخزينه في أحد عنابر السجن المحتجز فيه ، أو نقله خارجه إلى أحد أقسام الشرطة أو مقار مباحث أمن الدولة لمدة يوم أو يومين ريثما يصدر له قرار اعتقال جديد من وزارة الداخلية بحجة أن المعتقل قد تم الإفراج عنه وعاود مرة أخرى مزاولة نشاطه الإجرامي أو الإرهابي ولذلك تم اعتقاله مرة أخرى ، في حين أنه لم يخرج من حالة الاعتقال مطلقا .

ويطلق رجال الأمن على تلك الإجراءات المعيبة لفظ ” التسكين ” ومعناه إيداع المعتقل المفرج عنه في مكان بعيد خارج نطاق التفتيش لفترة زمنية قصيرة ريثما يصدر قرار باعتقاله من جديد .

وقد سجلت لجنة حقوق الإنسان في الأم المتحدة استنكارها لعمليات الاعتقال المتكرر وطالبت الحكومة المصرية في تقريرها الذي أصدرته في نوفمبر من عام 2002 بأن تعلن أسماء الأشخاص اللذين أطلق سراحهم وعددهم وأعداد المعتقلين في سجونها ، وهو ما يشكل استمرارا للإدانة الدولية لمسلك الحكومة المصرية في هذا الأمر .

ويستطيع المركز أن يقرر أن مائة بالمائة من الحالات المسجلة لديه خلال عام 2002 قد اعتقلت بشكل متكرر [3]، وأنه لم يصل إلى علمه أن أحكاما صدرت من محاكم أمن الدولة بإلغاء قرارات الاعتقال قد جري تنفيذها فور صدورها دون اعتراض من وزير الداخلية عليها ، حيث يقوم سيادته بالاعتراض آليا علي أي حكم يصدر بإلغاء قرارا الاعتقال ، كما يقوم في حالة رفض اعتراضه ، بإعادة إصدار قرار باعتقال المعتقل مرة أخرى بعد أقل من يومين في بعض الحالات من صيرورة قرارا الإفراج عنه نهائيا ودون أن يطلق سراحه من محبسه.

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن التفاف وزارة الداخلية -بواسطة استخدام أسلوب الاعتقال المتكرر- علي أحكام القضاء بالإفراج عن المعتقلين إنما يسقط قيمة القضاء في نفوس المواطنين ، ويدفعهم إلى انتهاج أساليب غير قانونية للحصول علي حقوقهم وهو ما يمكن أن يكون بداية لانفلات المجتمع من عقال القانون ، باعتبار أن سلوك الحكومة مثل هذا المسلك المعيب هو في حقيقة أمره دعوة للأفراد لسلوك المسلك ذاته في علاقتهم ببعضهم البعض أو علاقتهم بالدولة ذاتها ، وتتوافر لدي وحدتي العمل الميداني والمساعدة القانونية بمركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء مئات الحالات لمواطنين مصريين انتهكت حقوقهم عبر الاعتقال المتكرر،

فقد اعتقل المواطن محمود أبو العلا محمد 16/5/2002 وتم إيداعه بسجن استقبال طره ، ورغم حصوله عبر المساعدة القانونية للمركز علي العديد من القرارات القضائية بإلغاء أمر الاعتقال فإنه ما زال بالسجن حيث تعيد وزارة الداخلية اعتقاله من جديد في كل مرة يحصل فيها علي قرار قضائي بالإفراج عنه . ومثله السيد ثروت حسن عبد الحافظ المقيم بمحافظة القاهرة والذي اعتقل بتاريخ 8/6/1994 وظل معتقلا لفترات متكررة كما ورد بكتاب وزارة الداخلية بتاريخ 16/7/2002 وهو مودع بسجن استقبال طره وقد زارته أسرته في 6/12/2002 .

ويتعرض لهذا الانتهاك مواطنون معتقلون منذ ما يقرب من عشر سنوات ومنهم حالة المواطن طارق نعيم رياض الذي اعتقل بتاريخ 14/10/1993 و هو مودع بسجن الوادي الجديد، هذا وقد حصل المذكور على أربعة عشر حكما بالإفراج في التظلمات التي قدمها من هذا الاعتقال أمام محكمة أمن الدولة عليا طوارئ ولكن في كل مرة يعاد اعتقاله من جديد ،

وهناك حالات يعانى أصحابها من ظروف مرضية سيئة، بيد أن وزارة الداخلية تصر على استمرار اعتقالهم اعتقالا متكررا، ومن هذه الحالات حالة المواطن عفت إبراهيم صالح حمودين والذي اعتقل بتاريخ 7/3/1993 وهو مودع بسجن أبو زعبل شديد الحراسة وحالته الصحية سيئة حيث يعانى من التهابات شديدة بالعمود الفقري مما أدي إلى عدم قدرته على الحركة وتصر وزارة الداخلية على اعتقاله بالرغم من أن المذكور قد حصل على أحد عشر حكما بالإفراج في التظلمات التي قدمها من هذا الاعتقال ، وأيضا حالة المواطن أحمد عيد متولي الذي اعتقل بتاريخ 5/11/1996 و هو مودع بسجن أبو زعبل هذا وقد حصل المذكور على تسعة أحكام بالإفراج في التظلمات آلتي قدمها من هذا الاعتقال أمام محكمة أمن الدولة عليا طوارئ وبالرغم من سوء حالته الصحية حيث يعانى من أمراض بالقلب و أمراض نفسية و عصبية إلا أن وزارة الداخلية تصر على استمرار اعتقاله .

ولا تقتصر ظاهرة الاعتقال المتكرر على السياسيين أو المنتمين إلى التيارات الإسلامية فحسب بل أنها تمتد أيضا لتشمل ما تطلق علية وزارة الداخلية المعتقلين الجنائين فالمواطن سيد حسنى محمد أحمد مهران البالغ من العمر 43 عاما والمقيم بمركز أبو تيج محافظة أسيوط اعتقل بتاريخ 3/2/2002وتم إيداعه بسجن وادي النطرون (430) وبالرغم حصوله على أكثر من قرار بالإفراج إلا أنه يعاد اعتقاله من جديد ، والأمر نفسه يتكرر في حالة السيد أشرف عبد الحليم رمضان البالغ من العمر 39 عاما والمقيم بمحافظة بنى سويف ويعمل مدرس ثانوي والذي اعتقل بتاريخ 11/2/2002وأودع بسجن وادي النطرون (430)ويتكرر اعتقاله بقرار جديد كلما حصل علي قرار قضائي بالإفراج عنه .

المبحث الثالث
الاختفاء قسرا

حالات لا جديد فيها إلا قليلا

لم تسجل لدي مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء في عام 2002 حالات اختفاء قسري جديدة يمكن الخلوص منها إلى أن هناك ظاهرة مقلقة أو أنها تشكل تهديدا جسيما لحقوق الإنسان في مصر ، علي أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تحرك السلطات المصرية لإجلاء مصير أكثر من 29 حالة اختفاء يرجع أقدمها إلى 17/12/1989 وهي الحالة المسجلة باسم السيد مصطفي عبد الحميد من محافظة قنا حين أن أحدثها مسجل في 20/6/2000 باسم السيد محمود إسماعيل أمين من محافظة القليوبية [4] رغم النداءات المتكررة التي وجهها مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء إلى السلطات المصرية – بما فيها النيابة العامة للتحرك نحو إجلاء مصير المختفين .

ووفقا للمادة الأولي من الإعلان العالمي المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 47/133 المعتمد في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1992 والذي تلتزم الحكومة المصرية بأحكامه – حال كونها عضوا في منظمة الأمم المتحدة فإن ” كل عمل من أعمال الاختفاء القسري – يعتبر – جريمة ضد الكرامة الإنسانية ، ويدان بوصفه إنكارا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” ،

كما تؤكد أن ” إحداث الاختفاء القسري يحرم الشخص الذي يتعرض له من حماية القانون، وينـزل به وبأسرته عذابا شديدا ، وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل – ضمن جملة أمور- حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون وحقه في الحرية والأمن وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديدا خطيرا له “.

ووفقا للمادة الثانية من الإعلان فإنه لا يجوز لأية دولة أن ” تمارس أعمال الاختفاء القسري أو أن تسمح بها أو أن تتغاضى عنها ” ، وأن تعمل الدول ” على المستوى الوطني والإقليمي بالتعاون مع الأمم المتحدة في سبيل الإسهام في منع واستئصال ظاهرة الاختفاء القسري “.

وفضلا عن ذلك فإن مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء يؤكد علي أن تقاعس الحكومة المصرية عن التحرك الفعال لإجلاء مصير المختفين بعتبر إخلالا جسيما من الحكومة المصرية بالتزاماتها المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، و الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب .

فمن ناحية، تنص المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن ” لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية ، ولا يجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي . كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة ” ، و ” يجب تقديم المقبوض عليه أو الموقوف بتهمة جزائية فورا أمام القاضي أو أي موظف آخر مخولا قانونا بممارسة صلاحيات قضائية، ويكون من حق الموقوف عليه أو المقبوض أن يقدم إلى المحاكمة خلال زمن معقول أو يفرج عنه”.

وبالمثل تكفل المادة السادسة من الميثاق الإفريقي للأفراد الحق في الحرية والأمان الشخصي ، كما يحظر القبض أو الاحتجاز بطريقة تعسفية.

وعلي الرغم من المجهودات التي بذلها أهالي ” المختفين “-وما زالوا – من أجل الحصول على معلومات حول مكان احتجاز ذويهم ومعرفة مصيرهم ، ونداءات المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية للحكومة المصرية من أجل إجلاء مصير هؤلاء الضحايا ، إلا أن تلك الجهود لم تسفر عن أية نتائج ، كما لم تسفر الجهود الحثيثة التي قام بها مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء عن معرفة مصير المختفين علي الرغم من تقديم العديد من البلاغات والشكاوى للنائب العام ووزير الداخلية ومدير مصلحة السجون حول حالات الاختفاء القسري التي ترد إليه دون جدوي ، فضلا عن عدم إبلاغه بالبدء في أية تحقيقات حول مصير المختفين ،

وخلال عام 2002 جدد المركز من أساليبه في محاولة إجلاء مصير المختفين فضلا عن قيامه بتقديم بلاغات جديده وبشكل متوالي إلى النائب العام ووزير الداخلية لإجلاء مصير المختفين فتقدم ببلاغات جديدة إلى النيابة العامة حول هذا الموضوع فبتاريخ 13/4/2002 تقدم المركز ببلاغ لنيابة بندر ملوي بشأن المختفي/ أحمد شلقامى حسن عبد القادر، كما تقدم ببلاغات لنيابة مركز ملوي بشأن المختفين محمد عبد السلام على – مصطفى عبد السلام على – عامر فضل عبد النعيم- مصطفى فؤاد عبد العواض، علاوة على التقدم ببلاغين لنيابة أبو قرقاص بشأن المختفين / عماد عطيفى همام – ناصر خيري شحاتة ، فضلا عن تقديم بلاغات إلى المحامى العام لنيابات المنيا والذي قرر بضرورة التحقيق في هذه البلاغات والعمل على استجلاء مصيرهم، إلا أن المركز لم يتلقى رد أو إفادة بشأن مصير المختفين سالفي الذكر حتى الآن .

كما أقامت وحدة المساعدة القانونية بالمركز عشره دعاوى تعويض ضد وزير الداخلية بالتعويض عن اختفاء هؤلاء الأشخاص رغم وجود إمارات قوية تؤكد أن القبض عليهم واحتجازهم كان بمعرفة تابعية وقد تم إقامة هذه الدعاوى لكل من عامر فضل عبد النعيم تهامي ، محمد عطية حافظ إبراهيم ، صبحي عبد الهادي عبد الحكيم ، وليد عبد الجواد عبد الغفار ، نبيل محمد علي حسن ، ناصر سليمان يس عبد الناصر ، محمد عبد السلام علي محمد ، ناصر خيري شحاته المهدي، عماد عطيفى همام ، مصطفي فؤاد عيد العواض وقيدت هذه الدعاوى بأرقام 12991/56ق ، 13000/56ق، 12998/56ق، 12992/56ق ، 12993/56ق ، 12994/56ق ، 12995/56ق، 12996/56ق ، 12997/56ق، 13002/56ق وعلى التوالي للمختفين السابق ذكرهم .

ويعيد مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء علي ما سبق وأن أعلنه من أن تقاعس النيابة العامة عن إجراء تحقيقات نزيهة وفعالة في تلك البلاغات إنما يعتبر خطأ مهنيا جسيما يتيح للمضرور أو المضرورين مخاصمة أعضائها والحصول علي تعويضات منهم شخصيا ، كما أن التقاعس عن إجلاء مصير المختفين رغم وجود إمارات قوية علي اعتقالهم بمعرفة رجال السلطة العامة إنما يرجح وفاتهم تحت التعذيب أو نتيجة سوء الرعاية الصحية أو المعيشية في السجون ، الأمر الذي يشكل بدوره جرائم جنائية ضد من قاموا بتلك الأعمال

كما يعتقد المركز بان نشوء تلك الحالات واستمرار تجاهلها إنما يرجع في جانب منه إلى عدم إعلان وزارة الداخلية لأسماء المعتقلين وأماكن احتجازهم وعدم إتاحة هذه السجلات للجمهور بشكل مستمر ، مما يعطي الفرصة لمرتكبي جريمة التعذيب – فيما لو توفيت الضحية – من إخفاء ما يدل علي احتجازها ، وإنكار وجودها أصلا .

ويؤكد المركز علي ما قالت به محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة حين قضت بتعويض قدره مائة ألف جنيه لوالدي مختف – علي النحو الذي أشرنا إليه من قبل – أن ” ثمة التزاماً دستورياً وقانونياً على الجهة الإدارية بالحفاظ على حياة وكرامة المعتقل، ويتفرع عن هذا الالتزام، التزام جوهري يتمثل في قيام الجهة الإدارية بالإرشاد عن مكان المعتقل وتمكين ذويه من الاتصال به ومعرفة مصيره وكذا معرفة حياته من مماته وكل ما يتعلق به من أمور،

ومن ثم فإن إخلالها بهذا الالتزام يشكل في جانبها خطأ يثير مسئوليتها الإدارية والقول بغير ذلك مؤداه عودة إلى عهود الظلم والقهر وهو ما يتنافى مع المبادئ الدستورية والمواثيق العالمية وتأباه العدالة ويمقته الضمير الإنساني ويلعنه من فوق سماواته بلا ريب ” وعلي الرغم من ترحيب مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بهذا الحكم الجديد والمهم فإنه لا يزال يعتقد أن هذا الحكم لا يكفي لإغلاق هذا الملف ، وأنه لابد وأن يتحرك البرلمان المصري والأحزاب السياسية وصناع الرأي العام وقادته لدفع الحكومة لإجلاء مصير المختفين ، وتقديم الجناة – إن كان هناك جناة – إلى العدالة .

المبحث الرابع
احتجاز الأحداث الجانحين كتدبير احترازي

مشكلات مستمرة ولا مجال للتطوير

يتفق قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 من المادة الأولي من اتفاقية حقوق الطفل في تعريف الحدث علي أنه “من لم تجاوز سنه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة، أو عند وجوده في إحدى حالات التعرض للانحراف” ، ووفقا للمادة 69 من قانون الطفل فإن الحدث يكون معرضا للانحراف وتتوافر فيه الخطورة الاجتماعية ، إذ وجد في أي من الحالات التالية:-

1 – إذا وجد متسولا، ويعد من أعمال التسول عرض سلع أو خدمات تافهة أو القيام بألعاب بهلوانية، وغير ذلك مما لا يصلح موردا جديا للعيش.

2 – إذا مارس جمع أعقاب السجائر، أو غيرها من الفضلات، أو المهملات.

3 – إذا قام بأعمال تتصل بالدعارة، أو الفسق، أو بإفساد الأخلاق، أو القمار، أو المخدرات أو نحوها، أو بخدمة من يقومون بها.

4 – إذا لم يكن له محل إقامة مستقر، أو كان يبيت عادة في الطرقات، أو في أماكن غير معدة للإقامة أو المبيت.

5 – إذا خالط المعرضين للانحراف، أو المشتبه فيهم، أو الذين اشتهر عنهم سوء السيرة.

6 – إذا اعتاد الهروب من معاهد التعليم أو التدريب.

7- إذا كان سيئ السلوك ، ومارقا من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو من سلطة أمه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو عدم أهليته، ولا يجوز في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء قبل الطفل ولو كان من إجراءات الاستدلال إلا بناء على إذن من أبيه أو وصيه أو أمه بحسب الأحوال.

8- إذا لم يكن له وسيلة مشروعة للتعيش، ولا عائل مؤتمن.

ووفقا للمادة 97 من قانون الطفل فإن الخطورة الإجرامية للحدث الذي تقل سنه عن السابعة تتوافر ” إذا تعرض للانحراف في الحالات المحددة في المادة السابقة أو إذا صدرت منه واقعة تعد جناية أو جنحة” .

وتعتبر هذه المادة بعدم تحديدها لسن معينة يعفي فيها الطفل من المسئولية عن أعماله مخالفة للمادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل والتي ألزمت الدول ” بتحديد سن أدنى يفترض دونها عدم مسئولية الطفل عما يقع فيه” وهو المسلك الذي لم يتبعه المشرع المصري حيث لم يحدد حد ادني يمكن القول عنده بعدم مسئولية الطفل عن الأفعال التي يرتكبها .

كما اعتبر المشرع المصري الطفل المريض عقليا طفلا معرضا للانحراف إذ جري نص المادة (4) من قانون الطفل على أنه “يعتبر الطفل معرضا للانحراف إذا كان مصابا بمرض عقلي، أو نفسي، أو ضعف عقلي، وأثبتت الملاحظة وقفا للإجراءات والأوضاع المبينة في القانون أنه فاقد كليا أو جزئيا القدرة على الإدراك أو الاختيار بحيث يخشى منه على سلامته أو سلامة الغير، وفى هذه الحالة يودع أحد المستشفيات المتخصصة وفقا للإجراءات التي ينظمها القانون.

ووفقا للقانون المصري فإن الحدث الجانح لا توقع عليه عقوبات ولكن تتخذ حياله مجموعة من التدابير التي نصت عليها المادة (101) من قانون الطفل حيث قسمت تلك التدابير إلى ثلاث مراحل مرتبطة بسن الحدث ، فالحدث الذي لم يبلغ سنه خمس عشرة سنة وقت ارتكاب الجريمة يحكم عليه بأحد التدابير الآتية:

1- التوبيخ.

2- التسليم.

3- الإلحاق بالتدريب المهني.

4- الإلزام بواجبات معينة.

5- الاختبار القضائي.

6- الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

7- الإيداع في أحد المستشفيات.

وعدا المصادرة وإغلاق المحال لا يحكم على هذا الطفل بأي عقوبة أو تدبير منصوص عليه في قانون آخر. وافترض القانون أن صغر سن الحدث يلازمه دائما نقص في التمييز، واقتضى ذلك مواجهة الانحراف الناشئ عن ذلك بتدابير خاصة من شأنها تعليم وتهذيب الطفل وإيداعه لهذا الغرض إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية. وقد قسم قانون الطفل رقم 12، لسنة 1996، عمر الحدث إلى ثلاث مراحل:-

المرحلة الأولى وهي تنطبق على الطفل الذي لم يتجاوز سنه 15 سنة، ففي هذه الحالة يخضع الطفل لتدبير التوبيخ وهو قيام المحكمة بلوم الحدث وتنبيهه بعدم القيام بالعمل الذي قام به مرة أخرى أو تسليمه إلى أحد أبويه، أو إلى من له الولاية، أو الوصاية عليه، فإذا لم تتوافر في أيهما الصلاحية للقيام بتربيته سلم إلى شخص مؤتمن يتعهد بتربيته وحسن سيره، أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك” أو الإلحاق بالتدريب المهني”بأن تعهد المحكمة بالطفل إلى أحد المراكز المخصصة لذلك، أو إلى أحد المصانع، أو المتاجر، أو المزارع التي تقبل تدريبه، ولا تحدد المحكمة في حكمها مدة لهذا التدبير، على ألا تزيد مدة بقاء الطفل في الجهات المشار إليها على ثلاث سنوات” أو إلزام الحدث بواجبات معينة مثل حظر ارتياد أنواع معينة من المحال، أو بفرض الحضور في أوقات محددة أمام أشخاص، أو هيئات معينة، أو بالمواظبة على بعض الاجتماعات التوجيهية،

أو غير ذلك من القيود التي تحدد بقرار من وزير الشئون الاجتماعية، ويكون الحكم بهذا التدبير لمدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات ، أو الاختبار القضائي بوضع الطفل في بيئته الطبيعية تحت التوجيه والإشراف، مع مراعاة الواجبات التي تحددها المحكمة، ولا يجوز أن تزيد مدة الاختبار القضائي على ثلاث سنوات فإذا فشل الطفل في الاختبار عرض الأمر على المحكمة لتتخذ ما تراه مناسباً من التدابير الأخرى، ثم الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية: ويعتبر هذا التدبير من التدابير المقيدة للحرية آلتي تطبق على الحدث، وقد جاء النص على تعريف ذلك التدبير في المادة (107) من قانون الطفل حيث جري نصها على أنه “يكون إيداع الطفل في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية أو المعترف بها منها، وإذا كان الطفل ذا عاهة يكون الإيداع في معهد مناسب لتأهيله”، ولا تحدد المحكمة في حكمها مدة الإيداع.

ويجب ألا تزيد مدة الإيداع على عشر سنوات في الجنايات وخمس سنوات في الجنح، وثلاث سنوات في حالات التعرض للانحراف، وعلى المؤسسة التي أودع بها الطفل أن تقدم إلى المحكمة تقريرا عن حالته وسلوكه كل ستة أشهر على الأكثر لتقرر المحكمة ما تراه مناسباً في شأنه ، و أخيرا الإيداع في أحد المستشفيات المتخصصة: وهذا التدبير العلاجي مقرر للأحداث المصابين بمرض عقلي أو نفسي، وعرفته المادة (14) من القانون القديم والمادة (108) من قانون الطفل بقولها “يتم إيداعه أحد المستشفيات بالجهات التي يلقى فيها العناية التي تدعو إليها حالته”.

وتتولى المحكمة الرقابة على بقائه تحت العلاج في فترات دورية لا يجوز أن تزيد أى فترة منها على سنة يعرض عليها خلالها تقارير الأطباء، وتقرر إخلاء سبيله إذا تبين لها أن حالته تسمح بذلك، وإذا بلغ الطفل سن الحادية والعشرين وكانت حالته تستدعى استمرار علاجه نقل إلى أحد المستشفيات المتخصصة لعلاج الكبار.

المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي يكون فيها الحدث في عمر الخامسة عشرة دون أن يتجاوز السادسة عشرة بعد، وقد جاء النص على هذه المرحلة في المادة (111) من قانون الطفل والتي يجري نصها على أنه ” مع مراعاة حكم الفقرة الأخيرة من المادة (112) من هذا القانون إذا ارتكب الطفل الذي بلغ سنه خمس عشرة سنة ولم يبلغ ست عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر،

ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على الطفل بعقوبة الحبس أن تحكم عليه بإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية مدة لا تقل عن سنة طبقا لأحكام هذا القانون. أما إذا ارتكب الطفل جنحة يجوز الحكم فيها بالحبس فللمحكمة بدلا من الحكم بالعقوبة المقررة لها أن تحكم بأحد التدبير ين الخامس أو السادس المنصوص عليهما بالمادة (101) من هذا القانون” ، والتدبيران المشار إليهما في هذه المادة هما الاختبار القضائي ، أو الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية. وتعتبر هذه المرحلة أولى المراحل آلتي يجوز فيها الحكم بعقوبة مقيدة للحرية وليس تدبيرا بالمعنى السابق ذكره ويمضى الطفل مدة العقوبة في إحدى المؤسسات العقابية.

المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي يبلغ فيها سن الطفل مرتكب الجريمة ما بين ست عشرة سنة ميلادية، ولا يتجاوز الثامنة عشرة ميلادية كاملة، وفى هذه المرحلة ارتفع المشرع بالحد الأدنى للعقوبة تبعا لسن الحدث فنصت المادة (112) من قانون الطفل على أنه: “لا يحكم بالإعدام ولا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة على المتهم الذي زاد سنه على ست عشرة سنة ميلادية، ولم يبلغ الثامنة عشرة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة وفى هذه الحالة إذا ارتكب المتهم جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن الذي لا تقل مدته عن سبع سنوات،

وإذا كانت الجريمة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم عليه بالسجن، ولا تخل الأحكام السابقة بسلطة المحكمة في تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات في الحدود المسموح بتطبيقها قانونا على الجريمة آلتي وقعت من المتهم”.

ووفقا للمادة (17) المشار إليها فإنه “يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة استبدال العقوبة على الوجه الآتي”:

أ- عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.

ب- عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة.

جـ- عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة أشهر.

د- عقوبة السجن بعقوبة الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة أشهر.

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أنه علي الرغم من أن قانون الطفل الجديد قد تضمن العديد من التدابير فإن القضاة في الغالب الأعم منها لا يستخدمون إلا تدبير الإيداع في إحدى دور الرعاية المتخصصة ، فالتوبيخ مثلا من العقوبات المهجورة في التطبيق فلا يلجأ إليها القضاة بشكل نهائي كما أن القليل من القضاة هو من يلجأ إلى تدبير التسليم ، ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن كثبراً من القضاة عند التطبيق يعتبرون أن تلك التدابير هي بمثابة عقوبات ، ولما كان الشائع هو أن الغرض من العقوبة الإيلام فإنهم يفضلون تدبير الإيداع باعتباره يساوي عقوبة الحبس أو السجن بالنسبة للبالغين ،

ففي حالة الحدث حسن ممدوح محمد والذي تم القبض عليه بتاريخ 10/10/2001 واتهم في جريمة سرقة فقد جري احتجازه في ديوان قسم شرطة امبابة لمدة عشرة أيام من قبل المباحث الجنائية تم بعد ذلك أحالته إلى نيابة شمال الجيزة والتي قامت بالتحقيق معه وتم الحكم عليه في النهاية بالإيداع لمدة ستة أشهر وتم إيداعه بالمؤسسة العقابية بالمرج و أفرج عنه في 20/4/2002 ، وأيضا حالة الحدث محمد فوزى جاد عيد والذي اتهم في جريمة شروع في سرقة وحكمت عليه المحكمة في القضية رقم 2192/2002 بالحبس ستة أشهر وقد تم تأييد الحكم في الاستئناف رقم 15835/2002 بجلسة 20/11/2002 ،

وفى جريمة قتل خطأ عوقب الحدث إسماعيل عيد جاب الله بالحبس ستة اشهر في القضية رقم 2102/2002 وقد تم تأييد هذا الحكم في الاستئناف رقم 17242/2002 بجلسة 18/12/2002 ، وقد صدر حكم بالحبس ستة أشهر مع النفاذ ضد الحدث هانى أبو سريع عبد الهادى بعد إدانته في جريمة سرقة في القضية رقم 1795/2002 والذي أيدته محكمة الاستئناف في القضية رقم 11459/2002 بجلسة 7/7/2002 .

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن تشكيل محاكم الأحداث وفقا لنص المادة 121 من قانون الطفل من ثلاثة قضاة اثنان منهم على الأقل بدرجة رئيس محكمة، هو السبب الرئيسي في اختيار تدبير الاحتجاز وتفضيله عما سواه من تدابير أخري ، فالقضاة في محاكم الأحداث غير مؤهلين لمثل هذا النوع من القضايا التي تتطلب نوعاً خاصا من المران ، وأغلبهم يعمل في ذات الوقت في دوائر قضائية تتولي الفصل في جرائم جنائية مماثلة يقترفها البالغون ، ومن الغريب أن قانون الطفل في المادة (120) قد اسند أعمال النيابة العامة أمام محكمة الأحداث إلى نيابات متخصصة للأحداث يصدر بإنشائها قرار من وزير العدل ، دون أن يشترط أن يكون قضاة الحكم أنفسهم متخصصين في هذا النوع من العمل .

علي أن المفارقة الجديرة بالتنويه أن قانون الطفل الجديد قد نص على اختصاص محكمة الجنايات أو محكمة أمن الدولة العليا بحسب الأحوال بنظر قضايا الجنايات التي يتهم فيها طفل قد جاوز سنه خمس عشرة سنة وقت ارتكابه الجريمة متى أسهم في الجريمة فرد غير الطفل، واقتضى الأمر رفع الدعوى الجنائية عليه مع الطفل، وفى هذه الحالة يجب على المحكمة قبل إصدار حكمها أن تبحث ظروف الطفل من جميع الوجوه، ولها أن تستعين في ذلك بمن تراه من الخبراء على النحو الذي نصت عليه المادة (122) من قانون الطفل.

حين كان قانون الأحداث القديم يختص محكمة الأحداث وحدها بنظر كل الاتهامات والجرائم التي تقع من الطفل أيا كان نوعها، وإذا أسهم مع الطفل غير حدث وجب تقديم الحدث وحده إلى محكمة الأحداث.

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن مسلك قانون الطفل في هذا المجال منتقد، ذلك أنه ميز في المعاملة بين الأطفال – لسبب خارج عن الطفل ذاته وهو اشتراك بالغ معه في الجريمة – فهو لم يشمل الطفل المتهم –بجناية عادية أو أمن دولة– بالحماية والرعاية التي يلقاها الطفل مرتكب الجنحة عادية أو جناية لم يسهم فيها غير طفل إذا نظم للأخير وجود الخبيرين الاجتماعيين ووجوب وجودهما ضمن تشكيل المحكمة بينما ترك أمر ذلك لمحكمة الجنايات أو أمن الدولة وحدها.

أما بالنسبة للإجراءات المتبعة أمام محكمة الأحداث فقد نصت المادة (31) من القانون القديم والمادة (124) من القانون الجديد على أنه “يتبع أمام محكمة الأحداث في جميع الأحوال القواعد والإجراءات المقررة في مواد الجنح، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.

علي أن هناك انتقاداً آخر لمسلك التشريع المصري فيما يتعلق بتنفيذ التدبير الصادر ضد الحدث إذ أوجبت المادة (130) من قانون الطفل أن “يكون الحكم الصادر على الطفل بالتدابير واجب التنفيذ ولو كان قابلا للاستئناف ،

وهو أمر يدعو إلى الدهشة بالنظر إلى أن الأحكام الصادرة في مواد الجنح في كثير منها لا تعتبر واجبة التنفيذ إلا بعد استنفاد طرق الطعن العادية فيها ، فكان من الأولي النص علي عدم تطبيق التدابير القاسية ضد الحدث مثل الإيداع إلا بعد صيرورة الحكم ضده نهائيا، ففي حالة الحدث أحمد محمد فؤاد الذي اتهم في القضية رقم6018 /2002جنايات الأحداث والمقيدة برقم 1742/2002 كلى شمال الجيزة والذي يبلغ من العمر13 عاما، وهو طالب بالصف الثالث الإعدادي حيث تم القبض عليه بتاريخ25/5/2002 بتهمة حيازة مخدرات بقصد الاتجار وظل محبوسا احتياطيا حتى صدر الحكم بجلسة 31/10/2002 بالإيداع المفتوح علي أن محكمة الاستئناف أصدرت حكما ببراءته في جلسة 4/1/2003 ،

ومثله الحدث احمد هاشم محمود سعد والذي قضي عليه من محكمة الأحداث بالإيداع بعد إدانته في جريمة سرقة برأته محكمة الاستئناف منها فيما بعد في الاستئناف رقم 16763/2002 بجلسة 11/12/2002 ، وكذلك الحال مع الحدث سامح بكر عبد المنعم والذى قررت محكمة أول درجة حبسه سنه بعد محاكمته في جريمة تعاطى مواد مخدرة برأته محكمة الاستئناف منها في الاستئناف رقم 16778/2002 بجلسة 11/12/2002 ، وفى جريمة ضرب قررت محكمة أول درجة معاقبة الحدث محمد عادل محمد بالحبس أسبوعين في القضية رقم 299/2000 إلا أن محكمة الاستئناف برأته من هذه التهمة في الاستئناف رقم 7048/2002 بجلسة 20/11/2002 .

وتلفت تلك العقوبات النظر إلى ضرورة إجراء تعديل تشريعي يتم بموجبه عدم تطبيق التدبير المقضي به علي الحدث ما لم يكن الحكم نهائيا شأنهم شأن البالغين .

وعلي الرغم من أن المادة 134 من قانون الطفل قد أناطت برئيس محكمة الأحداث أو من يندبه من خبراء المحكمة زيارة دور الملاحظة ومراكز التدريب المهني والمستشفيات المتخصصة، وغير ذلك من الجهات التي تتعاون مع محكمة الأحداث والواقعة في دائرة اختصاصها وذلك كل ثلاثة أشهر على الأقل ، وهو إجراء يساوي – التفتيش علي السجون من قبل الجهات القضائية – إلا أن هذا التفتيش في حقيقة أمره يعتبر أمرا شكليا بالنظر إلى عدم وجود قضاة متخصصين من ناحية ، وأن رئيس محكمة الأحداث في حقيقة الأمر شأنه شأن القضاة بصفة عامة ينوء بأعباء الوظيفة العامة بما لا يسمح له بالقيام بهذا الدور بفاعلية .

وكذلك أناطت المادة (135) من قانون الطفل مهمة الإشراف على تنفيذ التدابير المنصوص عليها في القانون -عدا التوبيخ- وهى التسليم، والإلحاق المهني، والإلزام بواجبات معينة والاختبار القضائي والإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، أو أحد المستشفيات بالمراقب الاجتماعي وله تقديم التوجيهات للحدث أو للقائمين على تربيته، وعليه أن يرفع إلى محكمة الأحداث تقارير دورية عن الطفل الذي يتولى أمره الإشراف عليه. وهو ما لا يحدث على الإطلاق داخل جميع مؤسسات رعاية الأحداث وفى جميع حالات الأحداث نظرا لوجود بعض الصعوبات المادية.

وبشكل عام يري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن هناك العديد من الانتقادات يمكن توجيهها إلى مسلك قانون الطفل فيما يتعلق بمعاملة الأحداث الجانحين علي النحو التالي :-

1. ساوى المشرع – في قانون الطفل– بين معاملة الطفل المعرض للانحراف وبين الطفل مرتكب الجريمة، ولم يراع وجود تفرقة تقتضيها مصلحة الطفل، وذلك في خصوص التدابير المطبقة على كل منهما وكان ينبغي تفريد معاملة خاصة لكل منهما تبعا لاختلاف درجة الخطورة، والانحراف، والحاجة إلى التهذيب، والعلاج.

2. قصر المشرع حق تسليم الطفل على أحد أبويه، أو من له الولاية، أو الوصاية عليه، فإذا لم تتوافر في أيهم الصلاحية للقيام بتربيته؛ يتم تسليمه إلى من يكون أهلا لذلك من أفراد أسرته. فان لم يوجد يسلم إلى شخص مؤتمن يتعهد بتربيته، وحسن سيره، أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك،

هذا الأمر قد يثير العديد من الإشكاليات الخاصة بالتعارض الذي قد ينشأ حول حكم هذه المادة وبين حق شخص قد يكون له الولاية أو الوصاية على الطفل، فقد أغفل المشرع الربط بين قانون الطفل وقانون الولاية على النفس والمال، وذلك فيما يتعلق بتسليم الطفل لمن له الولاية عليه، وسلب تلك الولاية. ومن ثم يتعين الاستفادة من قانون وأحكام الولاية على النفس والمال في قانون الطفل، أو تضمينها في قانون واحد لضمان تناسق أحكامها.

3. وفقا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية فإن مدة الاختبار القضائي الواردة بالمادة (106) من قانون الطفل موجهة إلى سلطة التنفيذ لا المحكمة، وإنما حدد القانون وقتا لانقضائه حفاظا على حماية الحريات، وذلك لبيان ما إذا كان التدبير قد استوفى الغرض منه أم لا؛ فهو أمر متروك للسلطة القائمة على التنفيذ استنادا إلى مدى خطورة الحدث، وحاجته إلى الإصلاح، والتهذيب لا أن يصدر به مدة محددة كالعقوبة.

4. ربط المشرع بين زيادة المدة المحكوم بها بالإيداع في إحدى المؤسسات الاجتماعية وبين ما إذا كان الطفل معرضا للانحراف أو مرتكباً لجريمة، فالإيداع هنا ليس بمعنى العقوبة التي تلائم جسامة الخطأ المقترف إنما هو تدبير يواجه خطورة اجتماعية لا شأن لها بهذه الجسامة، فقد يتطلب إصلاح الطفل المعرض للانحراف فترة أطول من الطفل المرتكب لجناية ما، فكان ينبغي للمشرع أن يفطن إلى ذلك الأمر وترك مساحة تقدير مدة الإيداع للإدارة القائمة على التنفيذ.

5. يخضع الحدث في ظل قانون الطفل إلى أحكام العود المنصوص عليها في المادة 49 من قانون العقوبات دون مبرر حيث لم يستثنى القانون الحدث من أحكام العود وهو الأمر الذي كان منصوص عليه بشكل جزئي ففي قانون الأحداث الملغي والذي كان يستثني الطفل الذي يتجاوز الخامسة عشرة من الخضوع لأحكام العود المنصوص عليها في المادة (49) من قانون العقوبات .

6. ربط المشرع في قانون الطفل معاقبة القائم على أمر الطفل بعد إنذاره بأمرين أولهما، إهمال مراقبة الطفل والثاني، تعرضه للانحراف فقط وفقا للمادتين (96، 97) أما إذا ارتكب الطفل جناية أو جنحة بعد سن السابعة فلا عقوبة على القائم على أمره مطلقا.

7. ضآلة العقوبات المنصوص عليها في المواد (113، 114، 115) وعدم تناسبها مع فداحة الإهمال، إذ حددت عقوبة الإهمال في الرعاية بالمادتين (113، 114) بالغرامة فحسب وفى حالة إخفاء الطفل المحكوم بتسليمه لشخص أو جهة – مادة (115) يعاقب بالحبس أو الغرامة فحسب.

8. أما ما يتعلق بالأحكام الإجرائية فلقد نص القانون في المادة (143) على سريان قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية فيما يرد به نص في هذا القانون، ومن ثم يخضع الطفل في مراحل الضبط والاستدلال والتحقيق لما يخضع له البالغون وأغفل المشرع وضع تنظيم قانوني لإجراءات الضبط والاستدلال والتحقيق للطفل مما يتناقض مع المبادئ الأساسية آلتي تبناها المشرع في قانون الطفل ومن أمثلة ذلك عرض الطفل للتصوير الجنائي، وأخذ بصماته، وتسجيل اتهامه في صحيفة الحالة الجنائية، واستعمال القيود الحديدية عند القبض عليه.تعرض الطفل للحجز بأقسام الشرطة، وأماكن احتجاز البالغين . . .الخ ، عدم الفصل بين سلطة التحقيق والاتهام إذ تتولاهما نيابة الأحداث المشار إليها بالقانون.

9. بالنسبة لإجراءات المحاكمة فقد وحد المشرع بين المحكمة آلتي تنظر في قضية الطفل المعرض للانحراف، والطفل المرتكب لجناية أو جنحة.

وكان التوجه الأفضل فصل تلك المحكمة المختصة بنظر الطفل مرتكب الجريمة وحجب هذا الاختصاص عن الطفل المعرض للانحراف، وإعطاءه لجهة اجتماعية متخصصة لرعاية الطفل المنحرف وكذا وحد المشرع بين إجراءات المحاكمة في محكمة الأحداث، وإجراءات محكمة الجنح العادية، وهو الأمر المنتقد بدوره، والذي يتعارض مع سياسة وفلسفة المشرع عند وضع القانون.

10. أثبتت التجارب أن هناك بعض التدابير الحديثة والتي لها فوائد كبيرة لابد من تقنينها وترك مساحة تقديرية للمراقب الاجتماعي في استبدال التدبير أو إنهائه ذلك الأمر الذي سيكون له أثره في تحقيق الفائدة من التدبير.

11. بالرغم من أن المشرع قد خص نيابة الأحداث بالتحقيق الابتدائي فإنه لم يفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق ؛ ولم يتضمن القانون الجديد تنظيما تفصيلياً للإجراءات المتبعة لا في مرحلة الاستدلال ولا في مرحلة التحقيق ، فالعمل يجري حاليا على تطبيق مواد قانون الإجراءات الجنائية على الطفل باستثناء عدم جواز حبسه احتياطيا في المرحلة الأولى ، وتقيد سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ضد الحدث بشرط تقديم إذن من القائم على أمره في بعض حالات التعرض للانحراف ، وكذلك عدم جواز الادعاء مدنيا أثناء مرحلة التحقيق أو المحاكمة.

12. بالرغم من اتجاه العديد من الآراء إلى المناداة بضرورة تخصص قاضى الأحداث فإن القانون الجديد لم يتضمن هذا المبدأ لذلك فإن كثيراً من قضاة الأحداث غير متفرغين للنظر في هذا النوع من القضايا، ومن ثم يفتقدون ميزة التخصص.

المبحث الخامس

الحبس الاحتياطي – عقوبة دون إمكان التظلم منها

الأصل في قانون الإجراءات الجنائية المادة 145 هو الإفراج عن المتهم –بضمان أو بغير ضمان -بشرط أن يعين له محل إقامة في الجهة الكائن بها مركز المحكمة أن لم يكن مقيما فيها، ويجوز وفقا لنص المادة 146 من قانون الإجراءات الجنائية تعليق الإفراج المؤقت في غير الأحوال التي يكون واجبا فيها حتما علي تقديم كفالة يقدرها قاضي التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة ،

علي أن المشرع رأى علي سبيل الاستثناء وفقا للمادة 134 إجراءات جنائية أنه ” إذا تبين بعد استجواب المتهم أو في حالة هروبه أن الدلائل كافية ، وكانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة تزيد علي ثلاثة اشهر ، جاز لقاضي التحقيق أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا “. وعلي الرغم من البدائل والاختيارات المتعددة أمام النيابة العامة – والتي اصبح لها كل سلطات قاضي التحقيق بعد إلغاء هذا النظام – لا تستخدم إلا الحبس الاحتياطي كلون من ألوان التحوط لهرب المتهم أو الانتقام المبكر منه استباقا لحكم قد يصدر ببراءته .

ويلاحظ أن القانون يستخدم عبارة دلائل كافية وهي اقل كثيراً من الدليل كما أنه كان يعطي رخصة الحبس الاحتياطي لقاضي التحقيق وليس للنيابة العامة باعتبار أن المشرع المصري كان يأخذ بنظام الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق ، فيعهد بالأولي إلى النيابة العامة ويسند الثانية إلى قاض للتحقيق وهو الأمر الذي ألغي بعد قيام الثورة المصرية عام 1952 ، وربما لو استمر هذا النظام لحد كثير من إسراف النيابة العامة في استخدام سلطاتها في الحبس الاحتياطي .

ورغم أن القانون لا يسمح بحبس المتهم أكثر من ستة أشهر احتياطيا ، وهي مدة طويلة نسبيا تصل في حقيقة أمرها إلى أن تكون ضمن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة إلا أنه في بعض القضايا يمتد حبس المتهمين إلى مدة أكثر من ذلك بكثير خاصة وأن المادة 143 من قانون الإجراءات تبيح للنيابة العامة أن تطلب مد مدة الحبس الاحتياطي مرة كل خمسة وأربعين يوما أن كان الشخص متهما في جناية .

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن عقوبة الحبس الاحتياطي من العقوبات غير الدستورية والمخالفة لنص المادتين 66 و71 من الدستور والتي تنص أولاهما علي أن: ” العقوبة شخصية ……الخ ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ” ، كما تنص ثانيتهما علي ” يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه …..…الخ وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذي قيد حريته الشخصية “.

ومن المؤكد أن الحبس الاحتياطي هو في حقيقة أمره عقوبة توقع علي غير مذنب ، ولا يجوز التظلم منها أمام جهة قضائية أعلي رغم أنها قد تمتد لفترات تزيد علي ستة اشهر .

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن طريقة استخدام سلطات النيابة العامة لسلطتها في الحبس الاحتياطي تتسم بالإسراف ويوقع بالأبرياء ، خاصة وأن ضحية هذا الإجراء لا يستطيع المطالبة بالتعويض عنه فيما لو قضي ببراءته من التهمة التي أسندتها إليه النيابة العامة وحبسته لأجلها .

حالات نموذجية وهناك العديد من الحالات آلتي تدلل على الإسراف في استخدام الحبس الاحتياطي[5] منها حالة السيد نشأت أحمد محمد إبراهيم –المتهم الأول في القضية رقم 640/2001 حصر أمن دولة عليا والمعروفة بقضية تنظيم الوعد – يبلغ من العمر 47 عاما ويعمل مدير إدارة بوزارة التعمير، إذ تم القبض عليه بتاريخ 23/5/2001 بتهمة تأسيس وإنشاء جماعة سرية وغير مشروعة علي خلاف أحكام الدستور والمؤسسات العامة مستخدمين الإرهاب كوسيلة لتحقيق أغراضها واحتجز بمقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلى إلى أن تم عرضه علي النيابة بتاريخ 10/6/2001 وأحيلت القضية إلى المحكمة العسكرية تحت رقم 24/2001 وتم تداول القضية بالجلسات وحجزت للحكم بتاريخ 3/9/2002

وحكمت المحكمة ببراءة المتهم ، ونفس الأمر حدث مع المواطن فوزي سعيد سيد أحمد إبراهيم –المتهم السابع في ذات القضية – والبالغ من العمر 58 عاما ويعمل مدير إدارة بالشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية حيث تم القبض عليه بتاريخ 23/5/2001 بتهمة تأسيس وإنشاء جماعة سرية وغير مشروعة علي خلاف أحكام الدستور والمؤسسات العامة مستخدمين الإرهاب كوسيلة لتحقيق أغراضها وأحتجز بمقر مباحث أمن الدولة بلاظوغلى إلى أن تم عرضه علي النيابة بتاريخ 10/6/2001 وأحيلت القضية إلى المحكمة العسكرية تحت رقم 24/2001 وتداولت القضية بالجلسات وحجزت للحكم بتاريخ 9/9/2002 وحكمت المحكمة ببراءة المتهم .

ولا يقتصر الأمر على المنتمين إلى التيارات أو الجماعات الإسلامية بل أن هذه الظاهرة تمتد لتشمل المتهمين الجنائيين فقد اتهم المواطنان سيد محمود عبد العزيز السيد ومؤمن محمود عبد العزيز السيد في القضية رقم 26615 /2001 جنايات قسم امبابة والمقيدة برقم 214/2001 كلى شمال الجيزة ، حيث تم القبض عليهما بتاريخ 30/9/2001 بتهمة القتل وظلا محبوسين احتياطيا حتى صدر الحكم ببراءتهما بجلسة 6/11/2002 أي أكثر من عام كامل ، وكذلك حالة المواطن تامر على شعبان والذي اتهم في القضية رقم 11524 /2001جنايات قسم روض الفرج والمقيدة برقم 2214/2002 كلى شمال القاهرة حيث تم القبض عليه بتاريخ 2/12/2001 بتهمة حيازة مخدرات بقصد الاتجار وظل محبوسا احتياطيا حتى صدر الحكم ببراءته بتاريخ 29/12/2002 .

واستمر استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة ضد مواطنين أثناء ممارستهم لحقهم في التعبير عن الرأي ومن خلال التظاهر السلمي حيث تم القبض على عدد من المواطنين ومن بينهم سبعة عشر طالبا في مراحل التعليم الجامعي والثانوي بعد اشتراكهم في مظاهرات للتعبير عن رفضهم للمذابح التي ترتكب يوميا في حق الشعب الفلسطيني من المحتل الإسرائيلي و تم حبسهم احتياطيا مدة خمسة عشر يوما على ذمة القضية رقم 3833 لسنة 2002 إداري الجيزة ولم يتم إخلاء سبيلهم إلا بعد أن اصدر رئيس الجمهورية قراره بالإفراج عنهم ، وفى واقعة مشابهة تم بتاريخ 8/1/2002 القبض على ما يقرب من مائة وأربعين مواطنا من بور سعيد وحرر لهم المحضر رقم 14 لسنة 2002 إداري الشرق ببور سعيد متضمنا قيام المواطنين المرفقة أسماؤهم بالتجمهر وإثارة الشغب وترديد الهتافات العدائية ضد السلطة ، وقد باشرت النيابة العامة التحقيق في هذا المحضر وقررت النيابة حبسهم خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق.

المبحث السادس
العقوبات سالبة الحرية قصيرة المدة
الردع أم التأهيل

يطلق مصطلح ” العقوبة السالبة للحرية ” في علم العقاب علي العقوبات التي تقيد حرية حركة الإنسان أي نزع المحكوم عليه من الوسط الاجتماعي العادي و إدخاله في وسط آخر يطلق عليه السجن ومن المسلم به أن هذه العقوبة تعد في نظر الكثيرين أخف وطأة من عقوبة الإعدام علي أساس أن احتمالية عودة المحكوم عليه إلى الحياة مرة أخرى قائم .ولما كان السجن وسطا مصطنعاً في حياة المسجون، لذا فهو يؤثر في نفسيته ويقف عقبة أمام إصلاحه لهذا ظهرت أبحاث علمية كثيرة حول موضوع السجن لتخفف من خطورة الحواجز والحدود المتعددة التي يخلقها السجن والتي تقف بين المسجون وسلامته النفسية والعصبية والعقلية.

ويحفل القانون المصري بالعديد من العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة ، وهي تلك العقوبات التي يصل حدها الأدنى إلى 24 ساعة وحدها الأقصى إلى ثلاث سنوات والمنصوص عليها في المادة 18 من قانون العقوبات والتي نصت علي أن ” عقوبة الحبس هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه و لا يجوز أن تنقص هذه المدة عن أربع وعشرين ساعة و لا تزيد علي ثلاث سنوات إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانونا”.

ويحفل قانون العقوبات بكثير من تلك العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة ومن بين 285 عقوبة جنائية معاقب عليها في قانون العقوبات هناك 142 جريمة معاقب عليها بعقوبات قصيرة المدة بنسبة 49% من إجمالي العقوبات . فضلا عن ذلك يأخذ قانون العقوبات المصري بنظام الإكراه البدني ، وهو نظام يتم بمقتضاه استبدال عقوبة الغرامة بعقوبة الحبس البسيط فيما لو لم يستطع المحكوم عليه – لفقره – سداد الغرامة ، وهو الأمر المنصوص علية في المادة 511 من قانون الإجراءات الجنائية والتي يجري نصها علي أنه ” يجوز الإكراه البدني لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة ويكون الإكراه بالحبس البسيط وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل مائة قرش أو أقل ومع ذلك ففي مواد المخالفات لا تزيد مدة الإكراه علي سبعة أيام للغرامة ولا علي سبعة أيام للمصاريف وما يجب رده والتعويضات وفي مواد الجنح والجنايات لا تزيد مدة الإكراه علي ثلاثة أشهر للمصاريف وما يجب رده والتعويضات “.

وعلي الرغم من أن المشرع المصري قد جعل الخيار للقاضي في كثير من الأحيان إن أراد تطبيق عقوبة الحبس أو الغرامة ، إلا أن الكثيرة من القضاة المصريين يفضلون عقوبة الحبس قصير المدة باعتبار أن ذلك في نظرهم أكثر ردعا وأشد إيلاما .

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أن الحبس قصير المدة يساعد ليس فقط علي تكدس السجون ولكن أيضا علي إزالة رهبة العقوبة من نفس الفرد ودفعه إلى مخالطة أواسط المجرمين مما قد يزيد من ميوله الإجرامية ، كما يري أن استبدال هذه العقوبة بعقوبة الغرامة أو الوضع تحت مراقبة الشرطة قد يعين علي تحسين الأوضاع داخل السجون ويعطي الإصلاح وهو المقصد النهائي للعقوبة فرصة .

فقد اتهم المواطن محمد السيد إبراهيم في جريمة قتل خطأ وحكم علية أمام محكمة أول درجة بالحبس شهراً مع الشغل والنفاذ في الجنحة رقم 14301/2002 جنح حلوان وقد تم تأييد هذا الحكم في الاستئناف رقم 10985/2002 جنح مستأنف وسط القاهرة بجلسة 24/7/2002 ، كما اتهم المواطن عاصم سعيد محمود في جنحة ضرب وحكم عليه بالحبس أسبوعين فقط في الجنحة رقم 14843/2001 جنح حلوان وقد تأيد هذا الحكم بجلسة 15/1/2003 في الاستئناف رقم 95/2003 جنح مستأنف حلوان ، ولا يقتصر هذا الأمر على الرجال فقط بل ينال من النساء أيضا فهناك حالة المواطنة كريمة عبد الله عبد الغني والتي أدينت في الجنحة رقم 17553/2001 جنح حلوان وحكم عليها بالحبس شهراً وقد تأيد هذا الحكم في الاستئناف رقم 9492/2002 ، وهناك حالة المواطن علاء عمر على على والذي أدين في جنحة تبديد وحكم عليه بالحبس شهراً في الجنحة رقم 1464/2001 جنح التبين وقد تأيد هذا الحكم في الاستئناف رقم 2484/2002 بجلسة 31/7/2002 ، وفى بعض الأحيان يكون الحكم 24 ساعة وهذه حالة المواطن محمود حسن السيد عبد العليم والذي أدين في جنحة ضرب وحكم عليه بالحبس 24 ساعة في الجنحة رقم 652/2001 جنح حلوان وقد تم تأيد هذا الحكم بجلسة 7/8/2002 في الاستئناف رقم 12122 /2002 .وهناك حالة المواطن جمال زكى راضى والذي أدين في جنحة إتلاف وحكمت عليه المحكمة في الجنحة رقم 2861/2002 جنح المعادى بالحبس أسبوعين وقد تأيد هذا الحكم بجلسة 28/12/2002 في الاستئناف رقم 17697/2002

ويري مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء أنه لا بد من إقناع القضاة بمضار العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة من جهة والبدء في إجراء تحديث لقانون العقوبات المصري لإلغاء تلك العقوبات واستبدالها بعقوبة الغرامة أو العمل الاجتماعي لصالح المجتمع عددا معينا من الساعات أو غير ذلك من التدابير التي تقلل من التكدس داخل السجون من ناحية وتتماشي مع الطرق والوسائل الجديدة في علم العقاب من ناحية أخري .