الغرض القانوني من تقديم حكومة الطراونة لبيانها الوزاري

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين /

جدوى تقديم حكومة الطراونة لبيانها الوزاري

تستعد حكومة الدكتور فايز الطراونة الجديدة إلى تقديم بيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال الأيام المقبلة وذلك استنادا لأحكام المادة (53) المعدلة من الدستور والتي تلزم كل وزارة تؤلف أن تتقدم ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال شهر من تاريخ تأليفها إذا كان المجلس منعقدا وأن تطلب الثقة على ذلك البيان. إن أحكام البيان الوزاري في الدستور الأردني قد طرأ عليها تعديلات جوهرية تتمثل في إلغاء حكم اعتبار خطاب العرش بيان وزاري للحكومة الجديدة كما كان الوضع عليه في المادة (54) من الدستور قبل التعديل. فبموجب النص الدستوري المعدل فإن كل وزارة جديدة تكون ملزمة دستوريا بتقديم بيانا وزاريا لها وإن تشكلت في الفترة التي يكون بها مجلس النواب غير منعقد أو منحلا. فإذا تشكلت حكومة جديدة في الفترة التي يكون بها مجلس النواب غير منعقد فإنه يدعى فورا إلى الانعقاد في دورة استثنائية وعلى الوزارة الجديدة أن تتقدم ببيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ تأليفها. أما إذا ما تشكلت الوزارة الجديدة في الفترة التي يكون بها مجلس النواب منحلا, فإنه يجب عليها أن تتقدم ببيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ اجتماع المجلس الجديد وأن تطلب الثقة على ذلك البيان.

إن خطورة اعتبار خطاب العرش بيانا وزاريا للحكومة الجديدة يتمثل في الزج باسم الملك في جلسات ومداولات مجلس النواب وهو ما يتناقض مع مفهوم النظام البرلماني القائم على أساس عدم مسؤولية الملك السياسية أمام مجلس النواب وعدم مساءلة الملك عن أية أخطاء في السياسة العامة للدولة, بحيث تتحمل الوزارة المسؤولية السياسية عنها وذلك تطبيقا للقاعدة الفقهية أنه لا ينسب إلى الملك خطأ بل ينسب إلى الوزارة. فكم من حكومة في الأردن قد تسترت خلف خطاب العرش للحصول على ثقة مجلس النواب وتحديدا أمام مجلس النواب الحالي الذي منح حكومة سمير الرفاعي ثقة غير مسبوقة بواقع 111 نائبا صوتوا لصالح بيانها الوزاري الذي كان في حقيقته خطاب العرش السامي. فبعد التعديلات الدستورية الأخيرة أصبحت كل حكومة جديدة ملزمة بأن تواجه معركة الثقة بنفسها في مواجهة مجلس النواب من دون الاعتماد على خطاب العرش, وهو ما تفاءل به المراقبون وأثنى عليه السياسيون كنقطة مضيئة تسجل للمشرع الدستوري.

إلا أن حقيقة الأمر يظهر عدم جدوى التعديلات الدستورية الأخيرة, سواء اعتمدت الحكومة الجديدة على خطاب العرش السامي أو تقدمت ببيان وزاري لها وفق الأصول الدستورية, فإن حصولها على ثقة مجلس النواب يعد تحصيلا حاصلا وأمرا حتميا لا مجال للنقاش حوله. فمن خلال تتبع واقع الحكومات الأردنية منذ استقلال الأردن وصدور الدستور الحالي لعام 1952 نجد أن حكومة واحدة فقط قد فشلت في امتحان التصويت على الثقة على البيان الوزاري وهي حكومة المرحوم سمير الرفاعي الجد التي صوت مجلس النواب ضد بيانها الوزاري وأجبرها على الاستقالة عام .1963 وبغير تلك المناسبة فقد كانت الحكومات التي تشكل في الأردن دائما ما تحصل على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري, مما يمكن معه القول بان عرفا دستوريا قد نشأ وتبلور في الأردن بأن مجلس النواب دائما ما يمنح الثقة على البيان الوزاري للحكومات الجديدة بغض النظر عن طبيعة ومضمون بيانها الوزاري.

وما يؤكد صورية التصويت على الثقة بالبيان الوزاري للحكومة الجديدة ما استقر عليه العرف الدستوري في الأردن بأن الحكومات الجديدة تتمتع بشرعية دستورية وقانونية كاملة من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية بتشكيلها من دون الحاجة إلى انتظار حصولها على ثقة مجلس النواب, حتى وصل الأمر في بعض الحكومات الجديدة إلى إجراء انتخابات برلمانية قبل الحصول على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري. ففي حال حكومة الطراونة, فقد افترض الرئيس الجديد أن حكومته لديها ولاية دستورية كاملة لإدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية من تاريخ تعيينها من قبل جلالة الملك من دون الحاجة لانتظار حصولها على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري, وذلك من خلال التلويح باتخاذ القرار برفع الأسعار. فإذا كانت حكومة الطراونة ينتابها أي شك في حصولها على ثقة مجلس النواب لما كانت قد فكرت في الإقدام على مثل هذا القرار المهم والحيوي باعتبارها ناقصة الشرعية الدستورية لعدم حصولها بعد على ثقة مجلس النواب على برنامج عملها في البيان الوزاري.

إن وجود مثل هذه الأعراف الدستورية في الأردن يجعل من تقديم حكومة الطراونة لبيانها الوزاري مضيعة لوقت مجلس النواب الذي من الممكن استغلاله في استكمال إقرار قوانين الإصلاح السياسية خاصة مع قرب انتهاء التمديد الذي قرره جلالة الملك على الدورة العادية الحالية لمجلس النواب.