الجوانب الفنية من وسائل الحماية الداخلية للعملة :

اهتمت الدول اهتماماً بالغاً بوسائل الحماية في الجوانب الفنية ومن اجل صعوبة تزييف العملة ومن هذه الوسائل تصعيب صنع العملة الصحيحة – سحب العملة البالية ، تميز فئات العملة في الحجم والتصميم ويمكن توضيح ذلك في ما يأتي :

آ. تصعيب صنع العملة الصحيحة

يمكن القول بأن أهم وسيلة لمكافحة تزييف العملة هو أن تلجأ الدولة التي تصدر العملة أو تسكها إلى تصعيب صنعها وذلك بوضع اكبر وأدق عدد من وسائل الضمان في العملة الصحيحة مثل العلامات المائية أو أسلاك الضمان أو استعمال أوراق وأحبار ذات مواصفات خاصة ، أو وضع شرشرة أو أرقام أو أحرف على حافة العملة المعدنية أو تعقيد صنعها عن طريق وضع زخارف ونقوش معقدة التركيب(1) . مثل هذه الوسائل الفنية تضع العراقيل أمام المزيفين وتجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل قيامهم بعملية التزييف ، مما يترتب عليه الحد من نشاطهم فالعملة الخالية من وسائل الضمان يكون تزيفها ميسوراً ويكون اكتشاف أمرها بسرعة أمراً صعباً يعرقل أعمال المكافحة(2). ولهذا فقد اهتمت المؤتمرات الدولية لمكافحة التزييف بتصعيب صنع العملة ، إذ اصدر المؤتمر الدولي الرابع المنعقد في كوبنهاجن ،أغسطس 1962 لمكافحة التزييف التوصية الآتية : (نظراً لأن وسائل الطباعة الحديثة تسهل عملية المزيفين من النواحي الفنية اكثر من أي وقت مضى ، ومع ملاحظة ان الوسائل الفنية في حد ذاتها لا تعتبر دليلاً ضد المزيف ، ونظراً لأن خلط كل أنواع الضمان الفني في إنتاج العملة من شأنه أن يعوق إلى حد كبير جهود المزيفين ، فبناء عليه يوصي المؤتمر بأنه يجب على سلطات إصدار العملة أن تصر على استعمال أعلى ضمانات الجودة في العملة التي تنتجها أو توصي بصنعها، ويجب أن يدمج في العملة عند صنعها اكبر مجموعة من إجراءات الضمان سواءً في المواد الأولية (ورق أو معدن) أو في إنتاجها (الطباعة أو الضرب) . وبنفس المعنى اصدر المؤتمر الدولي السادس لمكافحة جريمة تزييف العملة المعقود في مدريد، وذلك بتضمينها في أثناء صنعها بدعامة ورقية وعناصر سلامة تشكل عائقاً هاماً وأن تستعمل الطباعة المحفورة أو الطباعة بعدة ألوان أو استعمال الطريقتين في آن واحد(3). أما في اليمن فان البنك المركزي اليمني هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار العملة في الجمهورية اليمنية وفي سبيل ذلك اتخاذ ما يأتي :

– للبنك المركزي اليمني وحدة إصدار العملة النقدية في الجمهورية كما يكون له وحدة حق سك العملة المعدنية وتكون الأوراق النقدية والعملة المعدنية التي يصدرها البنك هي العملة القانونية في الجمهورية .

– يكون للبنك المركزي وحدة حق إصدار المسكوكات التذكارية والخاصة بموجب قرار من مجلس الوزراء .

– للبنك المركزي ان يسحب فئة من فئات العملة التي أصدرها في التداول بغرض استبدالها وتعويض قيمتها الاسمية بعملة قانونية وذلك ببيان ينشر في الجريدة الرسمية ويعلن بوسائل الإعلام الأخرى(4).

وفي العراق فان البنك المركزي العراقي هو أيضاً الجهة الوحيدة المخولة بإصدار العملة في جمهورية العراق ، وقد نصت على ذلك المادة 34 من قانون البنك المركزي العراقي المرقم 64 لسنة 1976 المعدل .

ب. سحب العملة البالية

لكل عملة عمر معين يتوقف على جودة الخامات التي أدخلت في صناعتها ، او على كيفية تداولها بين الأفراد . وينبغي بالضرورة سحبها عند الانتهاء من الأجل المحدد لها ، وحكمة ذلك أن العملات البالية تنطمس معالمها ويتغبر حجمها وملمسها وتركها بهذه الحالة من شأنه أن يلتبس الأمر على الجمهور ، إذا ما تداولت عملات مزيفة من نفس النوع إلى جانبها حيث يصعب التعرف على خصائص العملة الصحيحة، مما يسهل تداول العملات المزيفة(5). ولقد اصدر المؤتمر الدولي الرابع لمكافحة تزييف العملة كوبنهاجن ،أغسطس 1962 التوصية الآتية في هذا الشأن: (نظراً لان الاحتفاظ في التداول بعملة ورقية قدرة بالية يقلل من الاحترام الذي يجب أن يكون لدى الجمهور العملة ونظراً لان هذه العملة البالية تفقد خصائصها الأصلية الأمر الذي يسهل على المزيفين عملهم لذلك يوصي المؤتمر السلطات القائمة على إصدار العملة بأن تسحب من التداول جميع العملات التي وصلت إلى درجة معينة من التدهور.

جـ. تمييز فئات العملة في الحجم والتصميم

إن تشابه العملات المختلفة من حيث الحجم والنقوش أو الرسوم أو الألوان أو التصميم من شانه تسهيل عملية تزييف العملة المعدنية عن طريق التمويه ، كما في حالة طلاء عملة نحاسية بطلاء يجعلها تبدو كعملة فضية وبطلاء يجعلها تبدو كعملة ذهبية ، كما أنه بالنسبة إلى العملة الورقية يحدث التزييف بسهولة عن طريق تغيير العلامات الدالة على الفئة بحيث تبدو اكبر قيمة ، لذلك ينبغي أن تصدر الدولة عملات معدنية أو ورقية من فئات مختلفة وتكون متشابهة في الحجم والتصميم وأيضاً من حيث مساحة الورقة يجب أن تكون جميع الفئات ذات مقاس واحد للطول ومقاس واحد للعرض وفي حالة التجاوز عن سمك الورقة فإنه يمكن القول بأنها متساوية المساحة جميعها (6).

________________________

[1]- انظر مجموعة مذكرات الدكتور محمد صالح عثمان في التزييف والتزوير ، المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية ،مصر ، العدد الثاني ، المجلد 14 ن 1971 ، ص243.

2- د. حافظ غانم ، جرائم تزييف العملة ، دراسة مقارنة ، المطبعة العالمية – القاهرة ، 1966 ، ص9.

3- انظر القرارات 7 و 8 و 9 من مقررات المؤتمر المذكور – مقال منشور في مجلة الشرطة الأردنية ، العدد 88 ، المصدر السابق ، ص17.

4- انظر المواد 24 ، 25 ، 26 من قانون البنك المركزي ، البحث الصادر لسنة 2000 رقم 14.

5- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق، ص11.

6- محمد رضوان هلال ، بحوث وآراء جديدة في مجال كشف التزييف والتزوير وعالم الكتب ، بدون سنة ، ص63.

الجانب الإداري من وسائل الحماية الداخلية للعملة :

من أهم التنظيمات الشرطية التي أوصت بها اتفاقية مكافحة جرائم تزييف العملة والتي اتبعتها كثير من الدول إنشاء مكتب مركزي متخصص لمكافحة التزييف في كل دولة يتابع عمليات التزييف ويلاحق مرتكبيها ويكشف جرائمهم ، كما تقع على مسؤولية هذه المكاتب تبادل المعلومات مع المكاتب المركزية للتزييف في الدول الأخرى والتعاون مع هيئة الشرطة الجنائية الدولية وذلك بهدف زيادة فاعلية المكافحة على النطاق الدولي(1). وكذلك فان هذه المكاتب المركزية تكون على صلة بالجهات التي تصدر العملات المختلفة وبأجهزة الشرطة الأخرى ، وهي تتولى مسؤولية إعلام الجمهور بخصائص العملات الصحيحة والمزيفة ، كما تقوم بالإشراف على الأماكن التي يحتمل أن تكون مصدراً لعملات مزيفة . وقد تعمد بعض الدول تدعيماً لمكافحة تزييف العملات إلى تشكيل لجان متخصصة تضم العناصر المعنية بأمور العملات بكافة أنواعها من رجال الأمن أو النيابة العامة والمصارف ووزارة الداخلية ورجال الطب الشرعي ، حيث تقوم هذه اللجان برسم السياسة العامة لمكافحة تزييف العملة ودراسة وسائل مكافحتها ، بما في ذلك التوصية بإصدار التشريعات اللازمة لتحقيق هذا الغرض(2). ولعل التخصص في مكافحة هذه الجرائم من أهم الوسائل الفعالة للحد من وقع هذه الجرائم وسهولة كشفها ، وهو يتفق مع طبيعة ارتكابها ، فالتزييف قد يقع في مدينة وعمليات الترويج المتتابعة تقع في مدن أخرى من البلاد وبمعرفة عدد من الأشخاص الذين يكونون شبكات الترويج والذين ولا يغرفون بعضهم بعضاً ومن ثم لا يعرفون المروج الأصلي أو المزيف أو مكان التزييف(3). لذلك فإن من أهم ما تعتمد عليه هذه المكاتب في متابعة مرتكب هذه الجرائم من اجل إنجاح عملها ، حيث ينظم بلاغ الحوادث في سجل خاص وتنظم بطاقات خاصة لكل حادث ومرتكبه كما تفيد الإخطارات الأجنبية المزيفة سواء الواردة من الخارج والداخل في سجلات خاصة لمتابعة ضبطهم وتسجيل الخطرين المشهورين عنهم ارتكاب الجرائم وكذلك الموضوعين تحت مراقبة الشرطة(4). ولذلك فإن هذه السجلات تسجل فيها التاريخ الإجرامي للمزيف منذ مولده وبالاتهامات المنسوبة إليه وكذلك الأحكام التي صدرت ضده وكافة الإجراءات التي اتخذت ضده كما تشمل البيانات الشخصية والاجتماعية التي من شأنها التحقيق عن شخصية المزيفين ، وان تسجيل الأرشيف الجنائي بهذه الحالة يعين رجال المكافحة على أعمالهم وييسر لهم الطريق قضايا مجهولة ويحصر أمامهم دائرة البحث في هذه الجرائم، بل أن كثير من جرائم التزييف تعرف على مرتكبيها عن طريق هذه السجلات المنتظمة .

_____________________

[1]-في عام 1975 أصدرت وزارة الداخلية في العراق أمراً إدارياً يقضي باستحداث مكتب متخصص لمكافحة تزييف العملة يقوم بالواجبات الآتية بعد أن كانت معهودة إلى المكتب الوطني للإنتربول:

آ. جمع المعلومات عن قضايا تزييف العملة وتنسيقها .

ب. متابعة قضايا التزييف التي يتم ضبطها داخل العراق وتوجيه جهات التحقيق الوجهات الفنية والقانونية المناسبة وإشعار الجهات المعنية في الخارج عنها

جـ. التعميم إلى الجهات المختصة داخل العراق عن جميع حوادث تزييف العملة التي تضبط في الخارج مع بيان ظروف الجريمة ومواصفاتها للعملة التي تم تزييفها .

د. التنسيق مع اللجنة الاستشارية لمكافحة تزييف العملة التي تضم متخصصين ذات العلاقة لتولي وضع السياسة العامة والسبل الكفيلة لمكافحة تزييف العملة في العراق ، كتاب وزارة الداخلية ، الإدارة العامة –الإعلام والعلاقات 4 / 60 16 / 13 / 1975 .

2-ومن ذلك على سبيل المثال اللجنة الاستشارية لمكافحة التزييف بالجمهورية العربية المتحدة ، والتي تتكون من ممثلين للجهات الآتية ..مصلحة الأمن العام ، وزارة الخزانة ، مؤسسة طباعة البنكنوت بالبنك المركزي ، قسم أبحاث التزوير والتزييف بمصلحة الطب الشرعي ، نيابة الشؤون المالية والتجارية ، أقسام الرسم والطباعة بمصلحة المساحة ، إدارة إصدار النقد بالبنك المركزي ، إدارة مكافحة جرائم النقد بوزارة الداخلية ، المكتب المركزي للشرطة الجنائية الدولية – قسم مكافحة التزييف والتزوير بوازرة الداخلية ،انظر الندوة العربية العلمية حول تزييف العملة الورقية والمعدنية، القاهرة 5-9 ديسمبر 1970

3- انظر تزييف العملة على المستوى الدولي ، تقرير منشور في المجلة الدولية للشرطة الجنائية ، الانتربول ، العدد 323 ، باريس ، 1977 .

4- لقد أوصى المؤتمر الدولي السادس حول تزييف العملة ، المنعقدة في (مدريد) في 11/3/1977م بأن تتحرك المؤسسات المالية وأجهزة المكافحة بسرعة تامة تجاه هذا النوع من الإجرام وان تهتم بالحصول على معلومات أوفر عن أوصاف الجناة ومواصفات التزييف . وان تقوم بإنذار المؤسسات المالية الأخرى والسلطات المختصة فورا وان تتعاون أجهزة المكافحة التابعة لمختلف الدول بل كل ما يتوفر لديها من إمكانات بواسطة المكاتب المركزية الوطنية للانتربول ، انظر القرار رقم 4 من مقررات المؤتمر المذكور من وثائق المكتب المركزي لمكافحة تزييف العملة ، بغداد ، مديرية الشرطة العامة ، 1977.

المؤلف : نجيب محمد سعيد الصلوي
الكتاب أو المصدر : الحماية الجزائية للعملة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .