وسائل تأثير رئيس الجمهورية على البرلمان:

يتوقف تحديد طبيعة النّظام السّياسي السائد في أي دولة بدرجة كبيرة على تحديد العلاقة بين السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية كرئيس لها، والسلطة التشريعية ممثلة في الجزائر بالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمّة، فإذا كانت العلاقة بينهما علاقة تعاون يتحقق من خلالها تمتع كل منهما بوسائل تأثير في مواجهة الأخرى كنا أمام نظام برلماني، أمّا لو كانت العلاقة بين هاتين السلطتين تقوم على الاستقلال والفصل الكبير بينهما وعدم إمكانية تأثير إحداهما على الأخرى كنا أمام نظام رئاسي.

غير أنّ الصورة ليست بهذا الوضوح دائما، فبالرغم من تكييف فقهاء القانون العام النظام السياسي الجزائري بأنّه نظام رئاسي متشدد، إلاّ أنّه يقوم على مظهر هام من مظاهر النظام البرلماني، وهو التّعاون بين السّلطتين التشريعية والتنفيذية وامتلاك كل منهما وسائل تأثير في مواجهة الأخرى، وبالرّجوع للتجربة الدّستورية الجزائرية خاصة بعد التّعديل الدّستوري لـسنة 1996 وفي إطار وسائل تأثير السّلطة التنفيذية على السّلطة التّشريعية، نجده خوّل لرئيس الجمهورية جملة من وسائل التأثير في مواجهة البرلمان حيث يملك صلاحية التّشريع بأوامر في حالات محددة دستورية إلاّ أنّ الهدف الرئيسي من دراسة هذه النقطة يتمحور حول مدى تأثير نظام التشريع بأوامر على المجال التشريعي المحفوظ للبرلمان؟ كما خوّل له اختصاص حصري في مواجهة البرلمان وهو التّحكم في مصير القانون الذي يصادق عليه بواسطة حق الاعتراض على القانون و هو ما قد يؤدّي بالضرورة إلى تعليق نص التّشريع المصادق عليه وإن كان توقيفا مؤقتا، كما يحتكر سلطة إصدار القوانين.

كما خوّل المؤسس الدّستوري لرئيس الجمهورية باعتباره ممثل الدّولة والشعب واستنادا إلى مركزه، سلطات وصلاحيات تهدف للحفاظ على النظام الدّاخلي للمؤسسة الدّستورية وضمانا لحسن سيرها، وتتمثل هذه السلطات في إمكانية حل البرلمان ويعتبر هذا الإجراء سلاح في منتهى الخطورة تواجه به السلطة التنفيذية المجلس الشعبي الوطني في حالة تعسّفه في استعمال سلطته، وهو ما يؤدي بنا للتّساؤل عن مقدار السّلطة التّي يتمتّع بها في حل البرلمان؟ وهل هناك بالمقابل قيودا تقيّد رئيس الجمهورية أثناء استعماله لهذا السلاح أم لا؟ وأخيرا نجد أنّ المشّرع الدّستوري بعد تعديل سنة 1996 خوّل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية سلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمّة بعد إقرار نظام الغرفتين ” المجلس الشّعبي الوطني، مجلس الأمّة ” .
وننتهي من هذا إلى القول بأنّ البحث في موضوع وسائل تأثير الرئيس على البرلمان يقتضي منّا بالضرورة تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، المطلب الأوّل نتطرق فيه إلى وسائل التأثير

العضوية المتمثلة في حق رئيس الجمهورية في تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمّة وكذا سلطة رئيس الجمهورية في حل البرلمان، أماّ في المطلب الثاني فسنتطرّق لوسائل التأثير الوظيفية وفيها نتطرّق إلى الاختصاص التشريعي لرئيس الجمهورية في حالة الضرورة والحالة الاستثنائية وكذا تحكم رئيس الجمهورية في مسالة تنفيذ القوانين بالإضافة لحق رئيس الجمهورية في استدعاء البرلمان لدورة استثنائية وتوجيه خطاب.

وسائل التأثير العضويــــة

إذا كانت بعض الدّساتير لا تقّر لرئيس الدولة حقّ تعين أعضاء البرلمان، فإنّ هناك بعضا منها خوّل له هذا الحّق، ولكن بنسبة محدّدة مسبقا في الدّستور، وهذا ما تبّناه الدّستور الجزائري لسنة 1996 ، حيث خوّل لرئيس الجمهورية إمكانية تعين ثلث أعضاء مجلس الأمّة دون المجلس الشّعبي الوطني، وهذا بعد انتهاج الجزائر نظام الغرفتين بعد أن كانت في ظل دستور 1989 غرفة واحدة تنتخب مباشرة من طرف الشّعبّ.
مع بقاء حق الحّل كآلية يملكها رئيس الجمهورية ضّد الغرفة الأولى في كل الدّساتير المتعاقبة والذي يُقصد به نهاية نيابة البرلمان للشّعب غير أنّ دستور 1996 لم ينص على إمكانية حّل الرّئيس للبرلمان ككل بل الحل يكون في مواجهة الغرفة الأولى فقط.
ما مدى تأثير هذه الصّلاحيات على البرلمان من النّاحية الواقعية والعملية؟ وما مدى تقيّيد الدّستور للرّئيس أثناء ممارسته لهذه الصّلاحيات؟
وسنتناول في الفرع الأوّل حقّ الرّئيس في تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمّة وفي الفرع الثّاني حق حلّ المجلس الشّعبي الوطني.

الفرع الأوّل:حقّ رئيس الجمهورية الدستوري في تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمّة:

لقد منح الرئيس سلطة هامة على البرلمان تتمثل في حقّه في تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمّة، وهذا بموجب المّادة 101 من دستور 1996.
وقد حدّدت هذه المّادة المجالات التّي تنشط فيها الشّخصيات التّي سيقع الاختيار عليها من قبل الرّئيس وله السّلطة الكاملة في ذلك، فالدّستور لم ينص على أي قيود تحّد من هذه السّلطة.
وقد نتساءل عن المزايا التّي ستعود على الرئيس من وراء ذلك ولتبيان كل ذلك سنتناول أوّلا: السّلطة التّقديرية للرّئيس في تعيين الثّلث، وثانيا: المزايا التّي تعود من وراء هذا التّعيين.

أوّلا: السّلطة التّقديرية الواسعة لرئيس الجمهورية في تعيين ثّلث أعضاء مجلس الأمة:
إنّ دستور 1996(1) ينص في الفقرة الأولى من المادة 101 على أنّ ” أعضاء المجلس الشّعبي الوطنيّ ينتخبون عن طريق الاقتراع العام المباشر والسّري”.
ويتّضح من نص المادة أنّ الغرفة الأولى للبرلمان ينتخب أعضائها لمدّة 5 سنوات والمرجعية تؤول للشّعب مباشرة في اختيار أعضاءه.
أمّا الفقرة الثانية منها فنجدها تنص على أنّه” ينتخب أعضاء مجلس الأمّة عن طريق الاقتراع غير المباشر والسّري من بين أعضاء المجالس الشّعبية البلديّة والمجلس الشّعبي ألولائي”.
فالغرفة الثّانية في البرلمان ينتخب أعضاءها لمدّة 6 سنوات بطريق غير مباشر وسرّي عن طريق ومن بين الممثّلين في المجالس المنتخبة البلدية والولائية، ويجدّد نصف أعضاء المجلس كل ثلاث سنوات.
وأمّا الفقرة الثّالثة فنصّت على أنّه” يعيّن رئيس الجمهورية الثّلث الآخر من أعضاء مجلس الأمّة من بين الشّخصيّات والكفاءات الوطنية في المجالات العلمية، الثّقافية، المهنية، الاقتصادية والاجتماعية”.
ممّا يعني أنّ الثّلث الأخير الذّي يتشّكل منه مجلس الأمّة لا يتم انتخابه بل تعيينه من قبل رئيس الجمهورية من بين الشّخصيات البارزة في السّاحة العلميّة، الثّقافية، المهنية والاجتماعية، وهذا حتى يتم ممارسة المهام المسندة إليهم على أكمل وجه.
ولكن باستقراء نص المادة يتبيّن أنّ للرّئيس كامل السّلطة التّقديريّة في تعيين هذا الثّلث، حيث لم يشترط وجوب توّفر مؤهلات معيّنة في الشخصيات التّي حدّدتها المادة، بل اكتفت بتحديد المجالات التّي تنشط فيها هذه الشّخصيات فقط وهذا ما يفيد بأنّ النّص جاء عام، فللرّئيس الحرّية المطلقة في اختيار أعضاء مجلس الأمّة التّي يراها مناسبة مهما كان الانتماء الحزبي لها أو مؤهلاتها العلمية.

ثانيا: المزايا التّي تعود على رئيس الجمهورية من وراء تعيين ثلث أعضاء مجلس الأمّة:

إنّ لتعيين رئيس الجمهورية ثلث أعضاء مجلس الأمّة مزايا تجعله متحكّما أكثر في زمام أمور الحكم وتتمثّل في:
1) خلق نوع من التّوازن بين مجلس الأمّة والمجلس الشّعبي الوطني من حيث نسبة التّصويت، وذلك من أجل تمرير مشاريع القوانين في كل من المجلس الشّعبي و مجلس الأمّة والمصادقة عليها إذ يشترط الدستور للمصادقة على القوانين داخل مجلس الأمة توافر نصاب ثلاثة أرباع (¾) بمعنى أن الثلث الذي يعنه الرئيس سيكون له موقف مؤثر، إذ لن تتوفر ¾ إلا بانضمام الثلث الرئاسي الذي سيقوم بدور المعرقل للمشروع .
2) الولاء المعنوي من قبل الثّلث المعيّن من طرف رئيس الجمهورية له أن يسانده ويؤيّده في التّصويت.

الفرع الثّاني: حلّ المجلس الشّعبي الوطني:

إنّ أهّم سلاح تملكه السّلطة التنفيذيّة في مواجهة السّلطة التشريعية هو بلا شكّ الحّق الدّستوري في حل البرلمان، والذّي يقصد به إنهاء نيابة البرلمان للشّعب قبل إنهاء مدّته المحددة بالدستور، فمن شأن هذا الحلّ إحداث الموازنة في مواجهة حق البرلمان في المساءلة السّياسية للوزارة وما ينتج عنها من إسقاط للحكومة عند إثبات مسؤوليتها، ومن دون هذا الحقّ يختل التّوازن بين السّلطتين وترجح الكّفة لصالح السّلطة التّشريعيّة وبالتّالي نكون أمام نظام حكومة الجمعية النيابيّة، حيث تكون السّلطة التّنفيذية تابعة للسّلطة التّشريعيّة ورقابتها المباشرة.
و للحلّ صورتان في النّظام البرلماني فإمّا أن يكون الحلّ وزاريا أو رئاسيّاً كما سبق الإشارة إليه في إطار العلاقة بين الرّئيس والبرلمان في النّظام البرلماني، أمّا الجزائر فقد عرفت نظام الحلّ منذ أوّل دستور للبلاد سنة 1963 لكن ليس بمعناه القانوني بل باعتباره مجرّد إجراء سياسي محض، أمّا الدّساتير الموالية له فقد حاولت إعطاء نظام الحلّ المعنى القانوني الجدير به لكي يحقّق الهدف المنوط به.
فكيف نظمت الدساتير الجزائرية حق الحل لرئيس الجمهورية هل تركه لإرادته الحرة أم قيّده بضوابط وحالات معينة؟

أوّلاً: الحّل كآلية إرادية لرئيس الجمهورية عبر الدّساتير الجزائرية:
لقد كان البرلمان الجزائري يتشّكل من غرفة واحدة وهي المجلس الشّعبي الوطنّي وإن اختلفت التّسميات إلى غاية دستور 1996 ، الذي أضاف غرفة ثانية وهي مجلس الأمة الذي يزاول مهامه إلى جانب الغرفة الأولى والذي تمّ تجسيده سنة 1998 .
لكنّ الملاحظ أنّ الدّستور قد خلى من نّص صريح يقضي بإمكانية حّل الغرفة الثّانية، على عكس من ذلك الغرفة الأولى التّي نجد لها نصوص صريحة في الدّساتير المتعاقبة.

إنّ الطّبيعة الانتقالية التّي عرفتها الجزائر والتّي انطلقت بالاستفتاء الشعبي في 20 سبتمبر 1962 حول إنشاء المجلس الوطني التّأسيسي، والذي أوكلت له مهام محدّدة زمنيا لم تمنح لرئيس الجمهورية ولا الحكومة حق حلّه.

غير أنه سرعان ما جاء دستور 1963 لرفع الحالة الاستثنائية من خلال تنظيم السّلطات الثلاث في الدّولة(التّشريعية، التّنفيذية، القضائية)، ولم يخلو هذا الدّستور من فكرة الحّل التي تقررت من أجل إنشاء التّوازن بين السّلطتين، ويكون ذلك على إثر تهديد الهيئة التّنفيذية حّل البرلمان ليتراجع، ومن ثمّ يحدث الاتّفاق بين الهيئتين.(1)
وبجواز ذلك فالبرلمان وفق ما له من سلطة إسقاط الحكومة يمكنه إجبارها على التّفاهم معه. وبالرجوع للمادّة 56 من الدّستور، نجدها تنّص على أن يكون الحّل وجوبيا أي تلقائيا وذلك بمجرد سحب الثّقة من رئيس السّلطة التّنفيذية، ومعنى الحّل هو الاحتكام إلى الشّعب للفصل في الخلاف النّاشب بين السّلطة التّنفيذية والبرلمان(2)
إنّ الربط بين الإسقاط والحّل ذا صبغة سياسية وليس قانونية، وهذا دليل على الدّهاء السّياسي الذّي منح للرّئيس الغلبة على البرلمان، وهذا ما يصوغ القول بأنّ التّوازن بين الحكومة والمجلس الذّي حاول الدّستور وضعه أمر اعتباري مع تفادي آثار الاستقالة والحّل وإمكانية استبدال الرّئيس المؤّقت، فقد نص الدّستور على ضرورة إجراء انتخابات خلال ثلاث أشهر من تاريخ الاستقالة “المادة 56” أو الحّل، وقد يتولى المجلس مهام الرّئيس المستقيل في الظّروف العاديّة لتحضير الانتخابات لاختيار رئيس جديد للدوّلة.

ويرجع ربط الحّل بإقرار لائحة سحب الثّقة لأسباب جدّية نستشفها بالعودة إلى مداولات المجلس الوطني التّأسيسي حول المناقشات التّي دارت بخصوص تعديل الدّستور والذّي أجمع فيه النوّاب على أنّه في حالة .

وقوع خلاف حاد بين الرّئيس والحزب واستحالة التّسوية الوديّة بالنّظر إلى تبعية الرّئيس والمجلس إلى نفس الحزب، وهذا ما يستدعي حل المجلس تلقائيّا دون ضرورة استقالة الرّئيس تفاديا للظّهور أمام الرّأي العام مظهر الاختلاف لا الائتلاف على الأمور الحساسة بين أعضاء المجلس أنفسهم إلى مؤيّد ومعارض رغم الانتماء الحزبي الواحد، لهذا دعت الضّرورة إلى تنحية الحزب من السّياسة .()

وتمّ منح حق الحّل للرّئيس والحكومة كوسيلة للتأثير على المجلس الوطني في دستور 1976 ، ويتأتى هذا عندما يبادر المجلس بنفسه إلى إصدار لائحة سحب الثّقة من الرّئيس فيكون بمثابة حل تلقائي دون مبادرة هذا الأخير، ويكون هذا بطريقتين: الأولى وهي اتخاذ قرار الحّل بصفة مباشرة والثّانية إجراء انتخابات مسبقة، وقرّر هذا الدّستور طريقة الحّل كأسلوب لاستشارة الشّعب في مسائل هامة ممّا يجعله يقوم مقام الاستفتاء أحيانا ليكون حّلا ووسيلة لتحقيق التّوازن بين السّلطتين التّشريعية والتّنفيذية لذلك فهما وجهان لعملة واحدة، فانتخاب الشّعب يحّل الخلاف إمّا بتأكيده لسلامة موقف البرلمان بإعادة انتخاب نفس الأغلبية، وهذا ما يعني تحمّل الحكومة المسؤوليّة فتستقيل أو يؤكّد سلامة موقف الحكومة بما يقابلها أغلبية جديدة للبرلمان.
وهذه الآلية مقررة للبرلمان عندما كان له السّيادة الكاملة في الدّولة سابقا، الأمر الذّي يؤدّي إلى استبعاد الحكومة وتحويل أعضائها إلى أعوان للبرلمان.

والسّؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصّدد ما طبيعة نظام الحّل في دستور 1976؟
إن الجواب سيكون بعدم صلاحية تقنيّة الحّل في هذا الدّستور، وذلك بسبب عدم قيامه على فرضية قيام نزاع بين المؤسسة التنفيذيّة والتّشريعية لعدم الفصل بينهما ، وتوحيدها تحت راية حزب واحد مجسّد في شخص الرّئيس كأمين عام للحزب ممّا يجعله يتحكّم في تشكيلة المجلس وعمله وإمكانية إسقاط الصّفة النّيابية من أي نائب متى شاء، وحتى المجلس قد ألزمه الدّستور والنّصوص الحزبية باحترام الميثاق الوطني وذهب على خلاف ذلك جورج بيردو إلى القول:
” تتمتّع السّلطة التّنفيذية بوسيلة تسمح لها أن تتجنّب استبعادها من طرف الغرفة هذه الوسيلة هي حق الحّل، فهذه التّقنية هي بالفعل الوسيلة الوحيدة التّي تسمح للوزراء أن يكونواْ شيئا آخر غير أعوان المجلس”.
أمّا فقهاء القانون في الجزائر فقد تساءلواْ عن سبب تضمين فكرة الحّل في دستور 1976، فذهب بعضهم إلى القول بأنّ الهدف من ذلك يكمن أساسا في تأكيد هيمنة الرّئيس وإعطاءه وسائل مختلفة لحماية مركزه في السُّلطة، ومن ثمّ فإنّ الحّل يأتي كوسيلة احتياطية لرّد كل مقاومة يحتمل ظهورها مع الزّمن من طرف المجلس، وذهب آخرون إلى القول أنّ هذه الفكرة تطرح الدّكتاتورية الرّئاسية، التّي تجرّد المجلس من أي وسيلة مقاومة على الرّئيس فهذا يؤدّي إلى القول بوجود خلط بين المفاهيم الاشتراكية واللّيبرالية وهذا ما تؤكّده على الخصوص فكرة الحّل عن طريق انتخابات مسبقة حسب المادّة163 (2)
والفرق الأساسي بين الحّل المباشر وإجراء انتخابات مسبقة يكمن في أنّ الانتخابات المسبقة لا تهدف إلى ردع البرلمان وإنّما إلى تجديد الأغلبية البرلمانية أو تدعيم الأغلبية الموجودة ومنحها مدّة أخرى، وهو عكس ما تضمّنته فكرة الحّل المباشر ممّا يعني أنّ تقنية الانتخابات المسبقة هي نتيجة وجود صراع بين الأحزاب، وبالتاّلي تحتاج إلى تعدديّة حزبية حين يقوم الحزب الحاكم بموجبها استغلال الظّروف السّياسية والاجتماعيّة المختلفة للبقاء في السّلطة، لذا فإنّ وجودها في ظّل نظام الحزب الواحد لا معنى له إطلاقا.(3)
وقد يثور الإشكال عن سلطة الرّئيس في حل البرلمان هل له السّلطة المطلقة فيذلك أم مقيّدة

باستقرائنا لنصوص الدّستور يتبيّن لنا أنّ للرّئيس السّلطة المطلقة في حل المجلس الشّعبي الوطني من دون أية شروط عدا اجتماع الهيئة القيادية للحزب والحكومة في سلطة حصريا وشخصية، حيث لا يشاركه أحد في اتخاذ القرار كما هو الحال في معظم النّظم التّي تشترط لممارسته اشتراك جهة أخرى عن طريق التّوقيع المضّاد أو المجاور(1)
والواقع أثبت عدم استعمال تقنية الحّل في هذه المرحلة وبالتالي بقي مجرد حبر على ورق.
ولتفادي العيوب التّي أتى بها الدّستور السّابق ولإعطاء أكثر ديناميكية وفعاليّة من خلال إلزام الرّئيس طلب الاستشارة من كل من رئيس المجلس الشّعبي الوطني ورئيس الحكومة بالنّظر إلى الدّور المنوّط برئيس الجمهورية، باعتباره حامي الدّستور وضامن استقرار المؤسّسات الدّستورية (السّياسية)، ينبغي أن يكون رئيس الحكومة والأغلبية البرلمانية من نفس التّوجه السّياسي.
كما يرى الفقهاء في الجزائر أنّه كان على دستور 1989 أن يتضمّن قيودا أخرى لتجعل قرار الحّل أكثر مصداقية كما هو الحال في بعض الدّساتير.
فقد نصّت على :
1) تسبيب قرار الحّل من أجل تنوير الرّأي العام، وهذا ما لم يتضّمنه قرار حل المجلس الشّعبي الوطني(2) للمرّة الوحيدة في تاريخ النّظام المؤسّساتي الجزائري والفترة التّشريعية على أبواب الانتهاء وتأتى ذلك على إثر تقديم الرّئيس شاذلي بن جديد استقالته للمجلس الدّستوري.
2) إنفراد بعض الدّساتير بذكر بعض القيود الأخرى كدستور المملكة المغربية على ضرورة استشارة الغرفة الدّستورية في الفصل 70/1، إلى جانب توجيه خطاب للأمّة ليذكر أسباب الحّل طبقا لنص المادة 70/2.
3) كما انفرد دستور1989 بفكرة الحّل الإجباري حسب المادة 78 منه “إذا لم تحصل من جديد موافقة المجلس الشّعبي الوطني ينحّل وجوباً، وتجرى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أقصاه 3 أشهر”.
كما يرى البعض أنّه في حالة بروز أغلبية مناوئة لرئيس الجمهورية كان من الأحسن أن ينصّ الدّستور على إلزامية تقديم رئيس الجمهورية استقالته.(3)
4) وقد تنصّ بعض الدّساتير على عدم قابلية المجلس للحّل في بعض الحالات الاستثنائية كالفترة الممتدة بين مرحلة تقديم ملتمس الرّقابة أو سحب الثّقة والتّصويت على ذلك القرار، ونصّ دستور1989 في المواد 87 /89 على حالة الطوارئ وحالة الحرب بحيث أكدت على اجتماع المجلس الوطني وجوباً. (4)
5) وتجنّباً للتّعسف في استعمال حق الحّل ولكي لا تصبح البرلمانات ضعيفة في مواجهة حكوماتها تقرّرت بعض الضّمانات وتتمّثل فيما يلي:
أ)دعوة الناخبين إلى انتخابات جديدة، أي تحديد فترة زمنية بين إنهاء نيابة المجلس المنحّل وانعقاد المجلس الجديد وهي 3 أشهر في كل من دستور 1976 و 1989 ، وهذا لكي تستعد الإدارة لتحضير الانتخابات الجديدة، أمّا بعض الدّول كاليمن فالمدّة هي 20 يوم، ولا تزيد عن 90 يوما، أمّا مصر فتقدّر المدّة بأقّل من 60 يوم من تاريخ إعلان الاستفتاء.

ب إنّ بعض الدّول أكّدت على عدم قابلية المجالس للحّل مرة ثانية لذات الأسباب كالكويت في المادّة 170
والأردن في المادّة 74، والإمارات العربية المتّحدة في المادّة 89 من دساتيرها. (1)
وإذا قيّمنا هذه المرحلة فإننا نثني على التغير الذي أتى به دستور 1989 وكرسه 1996 بإعطاء الحل الطابع السياسي والقانوني كما نصّت عليه المادة 120 بأنّ” يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرّر حّل المجلس الشّعبي الوطني، أو إجراء انتخابات تشريعية قبل أو أنها بعد استشارة رئيس المجلس الوطني الشّعبي ورئيس الحكومة، وتجرى هذه الانتخابات في أجل أقصاه ثلاثة أشهر”.
ونفس النص تكرر في المادة 129 من دستور 1996 التي لم تأتي بجديد يذكر إلاّ فيما يخص استشارة الغرفة الثانية للبرلمان، فلقد بقيت السّلطة التّقديرية والحصرية وغير المشروطة في يد الرئيس، ونشير إلى أنّ هذا النّص مقتبس من نص المادة 12 ف 1 من الدّستور الفرنسي التّي سبقت الإشارة إليها في علاقة رئيس الدّولة بالبرلمان في النّظام البرلماني (2).

ثانيا :حل المجلس الشعبي الوطني في حالة التصويت بالثقة ضد الحكومة :

إن للرئيس سياسة خاصة قد تجعله ينّفذها على المجلس بحلّه أو حتى ضد الحكومة نفسها، وله كامل السّلطة في ذلك.
وهناك حالات ثلاث لقت جدلا واسعا، ويتعلّق الأمر بإنهاء مهام كل من أحمد بن بيتور، وعلى بن فليس، وأحمد أويحي، فيرى البعض في إنهاء مهام علي بن فليس من طرف رئيس الجمهورية قرارا سياديا، فقد أكّد أنّه لم يستقيل من منصبه بل دفع إلى ذلك مرغما من خلال إبلاغ بيان رئاسة الجمهورية عن نية الرئيس بتعيين فريق حكومي جديد(3)
أمّا بخصوص أحمد بن بيتور فكان الوحيد الذي سبق الأحداث وقدّم استقالته إلى رئيس الجمهورية مبيّنا في نفس الوقت الأسباب الحقيقية التي دفعته لذلك وهي:
ü عدم تمكينه من اختيار أعضاء حكومته.
التّشريع عن طريق الأوامر من طرف رئيس الجمهورية في مجالات تدخل في اختصاص الحكومة دون استشارتها، ويتعلّق الأمر بمشروع الأمر المتضّمن تسيير الأموال العمومية، حيث لاحظ أحمد بن بيتور بأنّ مصالح رئاسة الجمهورية كانت مشغولة بإعداد مشروع هذا الأمر غير المتماشي مع الإستراتيجية المقترحة دون مشاركة حكومته في ذلك (4).
ويستشف من نصوص الدستور وخصوصا نص المادة84 في فقرتها الأخيرة من دستور 1996 التي تنصّ على مايلي” لرئيس الحكومة أن يطلب من المجلس الشعبي الوطني تصويتا بالثقة. وفي حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة يقدم رئيس الحكومة استقالة حكومته.
في هذه الحالة، يمكن رئيس الجمهورية أن يلجأ، قبل قبول الاستقالة، إلى أحكام المادة 129 أدناه.
يمكن الحكومة أن تقدم إلى مجلس الأمة بيانا عن السياسة العامة.”
يتبين انه إذا نالت الحكومة ثقة المجلس بان كان التصويت لصالحها،فلا يثار أي إشكال وتستمر الحكومة في العمل.
أما إذا حدث العكس ،فيجب على رئيس الحكومة تقديم استقالة حكومته لرئيس الجمهورية ،لكن تنحي الحكومة في هذه الحالة ليس أمرا حتميا إذ أعطى الدستور السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية في الإبقاء على حكومته إذا كان راض عليها ويحل المجلس الشعبي الوطني،تدعيما لها إذا ما واجهت هذه الأخيرة تعنّتا من هذا الأخير، وقد يلجأ رئيس الجمهورية لحل المجلس أيضا عندما يقاومه هذا الأخير وهو يمارس صلاحياته كأن يطلب قراءة ثانية، ويرفض المجلس، أوفي حالة طلب الموافقة على المعاهدات الواردة في المادة 132 من دستور 1996 وفي حالة تعديل الدّستور….
يمكن أن نستنتج أن المسؤولية السّياسية للحكومة هي نظرية أمام البرلمان، وفعلية أمام الرّئيس لأنّه بوسعه حل المجلس وتبقى الحكومة تزاول مهامها إلى حين انبثاق مجلس جديد بمقتضى انتخابات تشريعية مسبقة، ممّا يستوجب قوله بأنّ الحل والإقالة متقابلان بيد الرّئيس مثلما هو جاري به العمل في فرنسا كحكومة بومييد والتي حجبت عنها ثقة البرلمان في شهر أكتوبر 1966، فاضطر الرّئيس الفرنسي إلى حل المجلس عوض إقالة الحكومة(1).
ونستنتج أنّ في الجزائر وفرنسا سلطة رئيس الجمهورية فاعلة تجاه تأسيس الحكومة واستمرارها في العمل مرهون بإرادته، فالحكومة في البلدين مسئولة سياسيا أمام البرلمان ممّا يعني أنّه ليس للرّئيس الفرنسي دستوريا أن يقبل الحكومة في حالة تقديم الوزير الأوّل استقالة حكومته حسب ما تقتضيه المادة 8 ف 1 من الدّستور الفرنسي، في مقابل ذلك يتمتّع الرّئيس الجزائري بسلطة إقالة الحكومة دون أي قيد دستوري