تعليق على قرار صادر عن المحكمة العليا : النقض بدون إحالة

عـــرض: تعليق على قرار صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 13/06/2013 قضى بالنقض بدون إحالة.هذا القرار يثير مسألة تطبيق قواعد المادتين 365 و 374 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية اللتان تجيزان المحكمة العليا نقض القرار المطعون فيه بدون إحالة.

القرار محل التعليق

المحكمــــة العلـــــيا

الغرفة العقارية

القسم الخامس

رقم الملف: 0781971

رقم الفهرس: 02639/13

قــــرار بتــاريخ:

13/06/2013

الجمهوري الجزائرية الديمقراطية الشعبية

باسم الشعب الجزائري

قـــــرار

أصدرت المحكمة العليا ، الغرفة العقارية ، القسم الخامس.

في جلستها العلانية المنعقدة بمقرها الكائن بشارع 11 ديسمبر 1960 الأبيار الجزائر.

بتاريخ الثالث عشر من شهر جوان سنة ألفين وثلاثة عشر.

وبعد المداولة القانونية القرار الآتي نصه:

بين:

1): ع.س المدعي في الطعن بالنقض

الساكن بحي زروقي ، البويرة

من جهــــة

وبين:

1): ع.م. المدعى عليه في الطعن بالنقض

الساكن بالهاشمية البويرة

من جهة أخرى

المحكمـــــــة العلــــــــيا

في جلستها العلنية المنعقدة بمقرها شارع 11 ديسمبر 1960 ، الأبيار ، بن عكنون ، الجزائر

بعد المداولة القانونية أصدرت القرار الآتي نصه:-

بناء على المواد 349 إلى 360 و 377 إلى 378 و 557 إلى 581 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

بعد الإطلاع على مجموع أوراق ملف الدعوى ، وعلى عريضة الطعن بالنقض المودعة بتاريخ 08/05/2011 وعلى مذكرة الرد التي تقدم بها محامي المطعون ضده والرامية إلى رفض الطعن.

بعد الاستماع إلى السيد- يعقوب موسى المستشار المقرر في تلاوة تقريره المكتوب و إلى السيدة زوبيري فضيلة المحامي العام في تقديم طلباتها المكتوبة.

وعليه فإن المحكمة العليا

حيث أن الطاعن طلب نقض القرار الصادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 05/04/2011 المفهرس تحت رقم 00752/11 الذي قضى بإلغاء الحكم المستأنف والتصدي من جديد برفض الدعوى الأصلية لعدم التأسيس.

في الشكل: حيث أنه ثبت من القرار المطعون فيه ، أن الطاعن وبدعوى انه يملك بموجب عقد قسمة مؤرخ في 20 نوفمبر 1954 وحكم مؤرخ في 10 جوان 1954، عدة قطع أرضية تقع بيوكروزون بلدية الهاشمية، وأنه أجر للمطعون ضده-ابن أخيه- قطعتين منها للاستغلال مناصفة،ولما طالبه بالخروج منهما امتنع ، فرافعه طالبا طرده.

وأن المطعون ضده نفى هذه المزاعم ودفع بالتقادم المكسب طبقا للمادة 827 مدني لحيازته للقطعتين منذ 1972 ملتمسا الرفض.

وأن الدعوى بعد التحقيق والخبرة صدر الحكم المؤرخ في 14/12/2010 الذي قضى بطرد الطاعن من القطعتين الأرضيتين.

وأنه بعد الاستئناف صدر القرار محل الطعن بالنقض.

حيث أن الطعن يستند إلى وجهين لا حاجة لتفحصهما لوجود الوجه المثار تلقائيا والمأخوذ من تجاوز السلطة.

حيث أنه ومما أثبته قضاة الموضوع سياديا أن الطاعن أسس دعواه منذ البداية على الملكية زاعما أنه يملك عدة قطع أرضية منهما القطعتين محل النزاع وذلك بموجب قسمة مؤرخ في 20/11/1954 وحكم مؤرخ في 10/06/1954 وبهذا فالتملك هو سبب الدعوى ، وموضوعها الطرد.

لكن حيث أنه وكما هو ثابت من القرار فإن قضاة الحكم اعتبروا الدعوى تخص الحيازة واستردادها على أساس أن النزاع يتعلق بإيجار القطعتين(حيازة عرضية) من عدمه.

لكن حيث ما ذهب إليه القضاة مخالفا تماما لإرادة الطاعن التي توجهت لسلك طريق الملكية في المطالبة بالطرد وأن الإيجار لا ينزع عن المالك حق سلك هذا الطريق ولا يعطي صفة الحيازة.

كما أن المطعون ضده دفع بالتقادم المكسب لدفع دعوى الملكية مما يدل بما يكفي عن طبيعة الدعوى المرفوعة والمنصبة على الملكية.

حيث أنه من الثابت قانونا طبقا للمادة 25 من ق.إ.م.إ أنه يتحدد موضوع النزاع بالإدعاءات التي يقدمها الخصوم في عريضة افتتاح الدعوى ومذكرات الرد، وأن ليس للقاضي حسب المادة 29 منه سوى الحق في إعطاء ذلك التكييف القانوني المناسب.

حيث أن قضاة الموضوع وبتغييرهم سبب وموضوع الدعوى من الملكية إلى الحيازة ومن الطرد من الأرض إلى إثبات الإيجار واسترداد الحيازة كما هو ثابت من القرار يكونون قد تجاوزوا السلطة التي منحهم إياها القانون وعرضوا بذلك قرارهم للإلغاء.

حيث أن الوجه المؤسس يستوجب نقض القرار.

حيث أنه من المقرر قانونا بموجب المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ، أنه إذا كان قرار المحكمة العليا، فيما فصل فيه من نقاط قانونية ،لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإن النقض يكون بدون إحالة.

حيث أنه وكما قضت المحكمة العليا بنقض القرار على أساس أن قضاة الموضوع تجاوزوا السلطة التي خولها لهم القانون ، بتغييرهم موضوع الدعوى، الذي كان أصلا استرداد الأرض من الحيازة العرضية للمطعون ضده ، فإنه لم يبق من النزاع ما يتطلب الفصل والحكم فيه.

حيث أنه يتعين في هذه الحالة ، القول أن النقض يكون بدون إحالة.

فلهــــذه الأســــبــاب

قضــت المحكمــة العليــــا:

قبول الطعن شكلا،

وفي الموضوع: بنقض وإبطال القرار الصادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 05/04/2011 وبدون إحالة.

وبإبقاء المصاريف القضائية على المطعون ضده.

وأمرت بتبليغ هذا النص بالكامل برمته إلى الجهة القضائية التي أصدر فيها القرار المطعون فيه بالسعي من السيد النائب العام ليكتب على هامش الأصل بواسطة كتابة الضبط

بذا صدر القرار و وقع التصريح به في الجلسة العلنية المنعقدة بتاريخ الثالث عشر من شهر جوان سنة ألفين وثلاثة عشر.

من قبل المحكمة العليا الغرفة العقارية القسم الخامس .

و المتركبة من السادة:

زودة عمر رئيس القسم رئيسا

يعقوب موسى مستشارا مقررا

بن عميرة عبد الصمد مستشــــارا

زرهوني صليحة مستشـــــارة

حبار حليمة مستشــــــارة

رابحي أحمد مستشــــــارا

وبحـضـور السيدة : زوبيري فضيلة المحـامـي العــــام

وبمساعدة السيد : اقرقيقي عبد النور أمـيـن الضـبـط

الرئيــس المستشـارالمقـرر أمين الضــبط

_________________________________

رفع السيد ع.س. دعوى أمام محكمة عين بسام شرح فيها أنه مالك لعدة قطع أرضية وأن السيد ع.م. طلب منه أن يسلمه قطعتين ليستغلهما مناصفة الشيء الذي وقع وحسب زعمه فإن السيد ع.م. لم يستغل القطعتين حسب ما اتفق عليه ولذلك طلب منه استردادها ولكنه رفض ولذلك التمس من المحكمة إلزامه بالخروج والتخلي عن القطعتين .

السيد ع.م. فند مزاعم خصمه ودفع بأن القطع الأرضية الموجودة في حيازته هي ملك له كما نفى وجود أي عقد أيجار أبرمه معه.

المدعى السيد ع.س. ولإثبات ملكيته للقطع الأرضية احتج بثلاث عقود اعتبر المدعى عليه أنها لا علاقة لها بالعقار محل النزاع.

المدعى عليه دفع بأن العقار محل النزاع يحوزه من أسلافه حيازة صحيحة ومستمرة و دون منازع مما يجعله مالكا بالتقادم المكسب عملا بأحكام المادة 827 من القانون المدني و إثباتا لهذه الحيازة قدم بطاقة تصريح بالملكية مؤرخة في 30/03/1972 .

التحقيق الذي أمرت به المحكمة تضمن تصريحات متناقضة للشهود بعضهم ثبت طروحات المدعي و البعض الآخر ساير تصريحات المدعى عليه.

الخبرة التي أنجزت بأمر من المحكمة لم تدعم طروحات المدعي إذ أشار الخبير إلى أن الوثائق التي يحوزها المدعي غير كافية للفصل في النزاع.

يمكن إذا جمع طلبات و وسائل المدعي فيما يلي :

1 ــ أنه مالك لقطعتين أرضيتين .

2 ــ أنه سلم هتين القطعتين للمدعى عليه على سبيل الإيجار لاستغلالها مناصفة .

3 ــ إن المدعى عليه لم يحترم شروط الإيجار إذ قام بغرس أشجار على الأرض المؤجرة دون ترخيص منه ولذلك طلب طرده ورفع يده على العين المؤجرة .

قاضي الدرجة الأولى وقبل فصله في مسألة الملكية قطع مسألة الإيجار إذ بموجب حكم قبل الفصل في الموضوع فإنه قضى بأن المدعى عليه السيد ع.م. حائز للقطعتين محل النزاع على سبيل الاستغلال مناصفة أي على أساس إيجار فلاحي كما استبعد الدفع بالتقادم المكسب على أساس أن الحيازة مصدرها عقد إيجار ثم و بموجب حكم نهائي قضى بطرد المدعى عليه من القطعتين .

المدعى عليه السيد ع.م. رفع استئنافا في حكم المحكمة أمام مجلس قضاء البويرة متمسكنا بنفس الأوجه التي أثارها أمام قاضي الدرجة الأولى.

المجلس عاين أولا أن الدعوى الأصلية تخص استرداد حيازة عقار و لا تخص الملكية كون المدعي ادعى انه سلم القطعتين لخصمه لاستغلالها مناصفة فحسب المجلس يجب التقيد بمسألة الحيازة.

المجلس و بعد أن ناقش شهادات الشهود المسموعين أمام المحكمة أثناء التحقيق لاحظ أن هؤلاء أكدوا أنهم لم يحضروا الاتفاق المحتج به من طرف المدعي و بعد أن عاين أن المدعي لم يثبت ما يفيد واقعة الإيجار المزعومة فإنه أصدر قرارا مؤرخا في 05/04/2011 قضى بإلغاء الحكم المستأنف مع رفض الدعوى الأصلية لعدم التأسيس.

المدعي الأصلي السيد ع.س. رفع طعن بالنقض ضد قرار المجلس الذي أسفر عن صدور قرار المحكمة العليا المؤرخ في 13/06/2013.

المسألة القانونية التي يثيرها قرار المحكمة العليا هي مسألة النقض دون إحالة و شروطه. إن كان قانون الإجراءات المدنية و الإدارية قد أبقى في المادة 305 الفقرة 1 على القاعدة التقليدية التي كانت تنص عليها المادة 269 من قانون الإجراءات المدنية القديم (I )، فإنه وسع إلى حد ملفت للانتباه صلاحيات كل غرف المحكمة العليا إذ يمكنها لا فقط النقض دون إحالة إذا كان قرار المحكمة العليا ، فيما فصل فيه من نقاط قانونية،لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه (II) بل يمكنها حتى الفصل في الدعوى من حيث الوقائع و القانون إذا توفرت بعض الشروط (III). بعد عرضنا لكل هذه القواعد سنعلق على قرار المحكمة العليا المؤرخ في 13/06/2013 (IV ).

I – الإصلاحات التي أدخلها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في مجال النقض دون إحالة

قانون الإجراءات المدنية القديم تضمن نصا عاما يعالج مسألة النقض دون إحالة و هي المادة 269 : ” إذا كان حكم المحكمة العليا فيما فصل فيه من نقاط قانونية لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإنه ينقض الحكم دون إحالة “.و تضمن قانون الإجراءات المدنية القديم كذلك حالتين أخريين للنقض دون إحالة و هما حالة تناقض أحكام نهائية من محاكم أو مجالس مختلفة إذ يمكن حينئذ للمحكمة العليا أن تقضي دون إحالة بنقض أحد الحكمين المتناقضين (م.213 ق.إ.م.)، و كذا حالة ما إذا رفع الطعن بالنقض من طرف النائب العام لدى المحكمة العليا لصالح القانون (م.297 ق.إ.م.إ.).

أبقى قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على الحالات السابقة التي وردت في قانون الإجراءات المدنية القديم (م.365 ف.1 ، 358 /13 ، 358/14 و 353 ف.2 ق.إ.م.إ.)، و لكن ما يميز التشريع الجديد أنه أقر قواعد أخرى من شأنها تغيير دور و صلاحيات المحكمة العليا أثناء نظرها في الطعون المرفوعة إليها.

في ظل التشريع القديم، إذا كان بإمكان المحكمة العليا نقض القرار المطعون فيه دون إحالة فلأنه لم يبقى للجهة القضائية المختصة للفصل في الموضوع ما تفصل فيه ، فالأمر لا يعدو أن يكون ربحا للوقت و اختصارا للإجراءات.و أما القواعد الجديدة التي تطبق على الطعن دون إحالة فإنها ستجعل من المحكمة العليا درجة ثالثة للتقاضي.

المادتان 365 و 374 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تنصان عن حالات مختلفة يتم فيها نقض القرار المطعون فيه دون إحالة.

II.- النقض دون إحالة في إطار المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية

كما قلنا فإن المادة 365 الفقرة 1 تنص عن القاعدة التقليدية التي تجيز النقض دون إحالة إذا كان قرار المحكمة العليا ، فيما فصل فيه من نقاط قانونية،لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه.تنقض المحكمة العليا القرار المطعون فيه دون إحالة إذا فصل المجلس في استئناف رفع خارج الأجل القانوني و خرقا للإجراءات المقررة للاستئناف. إذا قضت المحكمة العليا بنقض القرار المطعون فيه كون المدعي الأصلي لم يعرض النزاع أمام لجنة الطعن الأولى المنشئة لدى هيئة الضمان الاجتماعي و ذلك قبل لجوءه إلى القضاء ، فإن النقض يكون دون إحالة لأنه لم يبقى ما يستوجب الفصل فيه [1]. و كذلك إذا قضت المحكمة العليا بنقض القرار القاضي بالطلاق بسبب أن الزوج لم يحضر شخصيا جلسة الصلح ، فإن النقض يكون دون إحالة [2] .و لكن الفقرة الثانية من نفس المادة نصت عن قاعدة متميزة إذ تجيز المحكمة العليا النقض دون إحالة “مع الفصل في النزاع نهائيا ” .و لكن لا يمكن تطبيق هذه القاعدة إلا : ” عندما يكون قضاة الموضوع قد عاينوا و قدروا الوقائع بكيفية تسمح للمحكمة العليا أن تطبق القاعدة القانونية الملائمة ” (م.365 ف.2 ق.إ.م.إ.).

فمثلا إذا قضى القرار المطعون فيه بوقف الفصل في الدعوى إلى حين الفصل في مسألة أولية من طرف المحكمة الإدارية ، فإنه يجوز للمحكمة العليا نقض هذا القرار مع الاستجابة لطلبات المدعي في الطعن [3] .و إذا رفع طعن بالنقض ضد قرار صادر عن مجلس قضائي قضى بإلغاء حكم المحكمة ، فإنه يمكن للمحكمة العليا نقض القرار دون إحالة مع تأييد حكم الدرجة الأولى [4].و إذا قدم طعن بالنقض ضد قرار قضى بإلزام مؤسسة بدفع متأخرات الأجور لعمالها، يجوز للمحكمة العليا نقض هذا القرار مع رفض دعوى العمال الأصلية لعدم التأسيس [5] . كذلك إذا رفض القرار المطعون فيه عن خطأ الحكم بالفوائد التي طلبها المدعي فإن المحكمة العليا تنقض هذا القرار و تأمر بتسديد هذه الفوائد.

الملاحظ أنه حتى في ظل قانون الإجراءات المدنية القديم ، فإن المحكمة العليا وسعت من مجال تطبيق المادة 269 القديمة إلى درجة أنها كرست في الواقع قاعدة مماثلة للقاعدة المقررة في المادة 365 الفقرة 2 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ، إذ وقع أن فصلت في النزاع نهائيا عوضا من إحالة القضية إلى قضاة لموضوع. ففي قضية تتعلق بنزاع حول إيجار محل معد للسكن ، فإن المحكمة العليا أبطلت قرار المجلس القضائي القاضي بتأييد حكم المحكمة القاضي بإنهاء عقد الإيجار مع طرد المستأجر دون إحالة مع التمديد للحكم المستأنف و ذلك بعد ان عاينت بطلان التنبيه بالإخلاء [6] .

و قد يقع كذلك أن تقضي المحكمة العليا بالنقض دون إحالة بالنسبة للمسألة القانونية المثارة في وجه الطعن و في نفس الوقت تحيل الدعوى إلى قضاة الموضوع للفصل في النقاط الأخرى المتنازع عليها. يتعلق الأمر هنا بما يمكن تسميته ” بنقض دون إحالة جزئيا ” بمعنى أن المحكمة العليا هنا تفصل في النقطة القانونية المطعون فيها و يبقى فقط لجهة الإحالة الفصل في النقاط العالقة.فمثلا إذا قضى المجلس القضائي عن خطأ أن الدعوى تقادمت ،فإن المحكمة العليا تنقض القرار و تستبعد التقادم و في نفس الوقت تحيل القضية إلى الجهة القضائية التي تعينها للفصل في المسائل الأخرى المتنازع عليها [7] .كذلك إذا استبعد القرار المطعون فيه عن غير صواب وجود خطأ منشئ للمسؤولية فيما أن معاينات قضاة الموضوع توحي خلاف ذلك ،فإن المحكمة العليا تقضي في قرارها بوجود هذا الخطأ و يبقى فقط على جهة الإحالة الفصل في المسألة المتعلقة بتجديد الضرر [8].

هذه القواعد تفترض أن كل العناصر من الواقع تتواجد في القرار المطعون فيه إذ أن دور المحكمة العليا يقتصر على استنتاج الآثار القانونية بصفتها قاضي القانون.

III.- النقض دون إحالة في إطار المادة 374 قانون الإجراءات المدنية و الإدارية

القاعدة السابقة المنصوص عليها في المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية تطبق في كل الأحوال دون استثناء. و لكن إذا تعلق الأمر بالفصل في طعن ثان أو طعن ثالث ، فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أقر قواعد أخرى توسع بشكل متميز صلاحيات المحكمة العليا التي تصبح هنا بمثابة درجة ثالثة للتقاضي.

طبقا للمادة 374 الفقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية : ” إذا لم تمتثل جهة الإحالة لقرار المحكمة العليا الفاصل في مسألة قانونية ، يجوز لهذه الأخيرة ، و بمناسبة النظر في الطعن بالنقض الثاني، البت في موضوع النزاع “. هذه السلطة المخولة للمحكمة العليا تكون جوازيه فقط إذ يمكن لها إحالة القضية إلى جهة قضائية تعينها . و لكن إذا تعلق الأمر بطعن ثالث بالنقض فإن المحكمة العليا تكون في هذه الحالة ملزمة بالفصل في الدعوى من حيث الوقائع و القانون ، و لا يمكنها إحالة الدعوى إلى جهة قضائية أخرى ( م.374 ف.4 ق.إ.م.إ.). و قرار المحكمة العليا القاضي بالنقض دون إحالة و الفاصل في موضوع النزاع لا يقبل أي طعن.و يكون هذا القرار طبعا قابلا للتنفيذ ( م.374 ف.5 ق.إ.م.إ.).

IV .– التعليق على القرار

قرار المحكمة العليا المؤرخ في 13/06/2013 قضى بنقض و إبطال القرار الصادر عن مجلس قضاء البويرة بتاريخ 05/04/2011 القاضي بإلغاء الحكم الصادر عن محكمة عين بسام بتاريخ 14/12/2010 القاضي بإلزام المدعى عليه ع.م. بالخروج و التخلي عن القطعتين الأرضيتين و ذلك بدون أحالة.

قضاة قرار المحكمة العليا قضوا بإبطال قرار المجلس المطعون فيه على أساس وجه اثاروه تلقائيا و هو الوجه المأخوذ من تجاوز السلطة و ذلك للأسباب الآتية:

– المدعي الأصلي الطاعن أسس دعواه منذ البداية على الملكية زاعما أنه يملك القطعتين محل النزاع و بهذا فالتملك كان سبب الدعوى و موضوعها الطرد فيما أن قضاة مجلس البويرة اعتبروا عن خطأ أن الدعوى تخص الحيازة و استردادها على أساس ان النزاع يتعلق بإيجار القطعتين.

– ما يدعم أن الأمر يتعلق بالملكية و الحيازة أن المدعى عليه الأصلي السيد ع.م. دفع بالتقادم المكسب.

– قضاة المجلس يكونوا بذلك تجازوا سلطتهم بعد أن غيروا محل وسبب الدعوى من الملكية إلى الحيازة و من الطرد من القطعتين الأرضيتين المتنازع عليها إلى إثبات الإيجار و استرداد الحيازة.

بعد الإشارة إلى نص المادة 365 الفقرة الأولى من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تجيز النقض بدون إحالة إذا كان قرار المحكمة العليا، فيما فصل فيه من نقاط قانونية ، لا يترك من النزاع ما يتطلب الحكم فيه، فإن قرار المحكمة العليا اعتبر أن هذه الحالة متوفرة في دعوى الحال إثر تجاوز قضاة المجلس لسلطتهم بتغيير موضوع الدعوى الذي كان أصلا استرداد الأرض و لذلك لم يبقى من النزاع ما يتطلب الفصل و الحكم فيه.

قرار المحكمة العليا يثير عدة ملاحظات .

رغم أن قرار المحكمة العليا لم يحدد بالتدقيق النص المطبق فإن الأمر يتعلق بدون شك بالفقرة 1 من المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

كما رأينا فإن هذا النص يطبق في الحالات التي لا يترك قرار المحكمة العليا من النزاع ما يتطلب الحكم فيه أي بعبارة أخرى عندما لا يترتب على النقض الفصل مجددا في موضوع النزاع و قد أعطينا سابقا بعض الأمثلة.

قرار المحكمة العليا اعتبر أن قضاة المجلس أخطئوا في تكييفهم لوقائع الدعوى إذ اعتبروها كدعوى استرداد الحيازة فيما أن الصحيح حسب رأيهم أنها دعوى ملكية.

بغض النظر عن مسألة التكييف القانوني الصحيح لوقائع الدعوى هل هي فعلا دعوى إيجار و استرداد العين المؤجرة أم هي دعوى حماية الملكية كون ليس هذا هو موضوع هذا التعليق ، فإنه حتى إذا افترضنا أن قضاة الموضوع قد أخطئوا فعلا في تكييفهم للوقائع فإن النقض المؤسس على هذا السبب لا يدخل في الحالة المنصوص عليها في الفقرة 1 من المادة المادة 365 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و هذا لسبب بسيط هو أن الخطأ في تكييف الوقائع لا ينهي النزاع بل يبقيه قائما.

بعد أن قضت المحكمة العليا بأن الأمر يتعلق بدعوى ملكية و طلب طرد المعتدي و لا يتعلق بدعوى إيجار أو حيازة فإنه يبقى بعد إعطاء التكييف الصحيح لطلب المدعي الأصلي مناقشة تبرير و تأسيس الدعوى لا سيما مناقشة دفوع و وسائل الطرفين لا سيما مراقبة مستنداتهم و ذلك لا يتسنى طبعا إلا بعد الخوض في الموضوع الشيء الذي يستبعد إمكانية النقض بدون إحالة.

كان بإمكان قضاة قرار المحكمة العليا الارتكاز لا على الفقرة 1 من المادة 365 التي لا تجد مجالا للتطبيق في دعوى الحال و لكن على الفقرة 2 من نفس المادة التي رأينا أنها تجيز المحكمة العليا النقض دون إحالة “مع الفصل في النزاع نهائيا “. هذا النص يكون أكثر تطابقا مع أسباب النقض الوارد في قرار هذه الهيئة التي تطرقت لجانب من موضوع الدعوى و هي مسألة تكييف الوقائع ، و لكن هنا كذلك رأينا أنه يمكن تطبيق هذه القاعدة فقط عندما يكون قضاة الموضوع قد عاينوا و قدروا الوقائع بكيفية تسمح للمحكمة العليا أن تطبق القاعدة القانونية الملائمة فيما أنه في دعوى الحال فإن القاعدة القانونية التي ثبتتها المحكمة العليا و المتصلة بتكييف الوقائع تستوجب حل مسائل جديدة من الواقع متصلة هذه المرة لا بالحيازة أو الإيجار و لكن بالملكية.

من ناحية أخرى فإن منطوق قرار المحكمة العليا قد يخلق إشكالا أثناء التنفيذ لأنه قضى فقط بنقض و إبطال القرار المطعون فيه الصادر عن مجلس قضاء البويرة دون الحكم صراحة بتأييد حكم المحكمة. باعتبار أن هذا القرار الأخير قضى بإلغاء حكم المحكمة القاضي بالطرد من القطعتين الأرضيتين فما هو مصير هذا الحكم.الحل هو طبعا أن يسترجع حكم المحكمة كل ٱثاره إذ يصبح حكما نهائيا قابلا للتنفيذ و غير قابل لأي طعن.

إذا كان النقض بدون إحالة بصفة عامة يترتب عليه لا محالة خلل في توازن حقوق أطراف النزاع كونه يفصل في موضوع الدعوى نهائيا و يحرم الطرف الٱخر من حق الاحتجاج أمام قاضي الموضوع بوقائع و أدلة جديدة و من ثمة يجب اللجوء إلى هذا الإجراء المتميز بحذر و دون إفراط ، فإن النقض بدون إحالة يجب استبعاده كلما كانت القاعدة القانونية المثارة من طرف المحكمة العليا تستلزم حل مسائل جديدة من الواقع يجب عرضها على قاضي الموضوع و ذلك عن طريق الإحالة و في اعتقادنا هذا هو حال الدعوى التي صدر فيها القرار محل هذا التعليق التي كان من المستحسن إرجاعها إلى الجهة القضائية المختصة في الموضوع للفصل فيها مجددا على ضوء التكييف الجديد الذي كرسه قرار النقض.

البويرة في 10 أكتوبر 2013

[1] غ.إ.،9 نوفمبر 1999،ملف رقم 186766،م.ق.113.2.2000.

[2] غ.أ.ش.، 14 يناير 2009،ملف رقم 474956، م.م.ع.271.2.2009.

[3] Civ.1e,21 mai 1986,Bull.n°131 : « il ya lieu de casser sans renvoi le jugement d’un tribunal d’instance qui avait accueilli une question préjudicielle et de condamner des sages femmes à payer des cotisations ordinales dont le montant a été fixé par le conseil national de l’ordre des sages femmes en application de ses pouvoirs légaux ».

[4] Soc.,9 novembre 2005,Bull.V,n°160.

[5] Soc.,3 mai 2006,Bull.V,n°160.

[6] غ.إ.،5 ديسمبر 2007، ملف رقم 404460،م.م.ع.399.1.2008.

[7] Civ.1,1 juin 1999,Bull.n°178 ;

[8] Civ.1,18juillet 2000,Bull.n°221

الأستاذ براهيمي محمد

محامي لدى المجلس

إعادة نشر بواسطة محاماة نت