المناورة الدبلوماسية في العلاقات الدولية

ليس هناك أمر نهائي في الظرف الدولي ففي هذا العالم الحافل بالتناقضات و بالمخاطر تدب الحركة في كل شيء ويلفه الشك والغموض و العلاقات بين الدول ما انفكت تتغير ويحصل الشيء نفسه فيما يخص حاجياتها ومصالحها كما يجب على الحكومات ان تفكر في التهديدات وان تتقي شرها إن أمكن وتكيف معها سلوكها عبر تلاحق اللقاءات و المساومات.

اليقين الدبلوماسي الوحيد هو الذي ينشأ من الامر الذي يتعذر إصلاحه وتعويضه ورجل الدولة يعرف كيف يستحدثه.

ولكن حتى وان سلمنا فرضا انه بمقدور كل واحد ان يستخلص العبر من تجاربه في وسط دولي مثير للقلق بهذه الدرجة فمن الحكمة عدم اللجوء الى تعديل اعتباطي ومفرط لحال الاشياء ما دام مستمرا بطريقة منطقية. إن هذا الموقف هو بالتأكيد موقف اغلب الحكومات التي لا تفتأ تقارن محاسن و اخطار جميع انواع الابداعات وكل التحولات وحتى الدول الكبرى تتوجس خيفة من مبادراتها فهي تبحث عن بعض الراحة من خلال تفاهم ضمني على الحقوق المكتسبة ومن خلال مراقبة سلوك وتصرفات الاخرين.

وعلى هذا فان جزءا كبيرا من النشاط الدبلوماسي ينصب على استقرار العلاقات بين الامم الا ان هذه العلاقات تصيبها تعديلات لا تنتهي فبالنسبة للحكومات تنجم عن هذا التحول الدائم الذي يكون احيانا مفاجئا, جملة من الالتزامات التي تترجمها افعال وردود افعال يشكل مجموعها سياساتها الخارجية. صحيح ان هذه السياسة نشطة كيفما كانت الحال وانها تنبع اجمالا من الارادة و التفكير و انها تتماشى مع الازمان وحسب البلدان الا انها تتشكل دوما من المناورات او بعبارة اخرى من مجموع القرارات و الاعمال التي تسعى بها الى تكييف السلوك الوطني مع متطلبات المحيط او فرصه.

وفي مثل هذا الوسط المطبوع بالتنافس الدائم تريد كل دولة ان تتصرف بحرية ما امكنها ذلك ويتم ذلك بناءا على تقدير حر للاسباب واهداف اعمالها وحسب حاجات ومصالح وطموحات تدخل كل دولة في علاقات تبادل او صراع مع الاخرين ومهما سعت المناورات الدبلوماسية الى تغليب مصلحة او تجنب خطر او هيمنة على ارادة الغير او اقامة تعاون معه فيجب ان تفهم على انها من معطيات التعايش بين الشعوب كما يجب ان تدرس بدون احكام مسبقة مهذبة او مهينة وهذا لا يعني انه من غير المفيد اخضاع المصلحة للانضبط.

الممارسة الدبلوماسية هي ممارسة شديدة التنوع و الاختلاف حسب الطريقة التي ينظر اليها, اما كنتيجة للحاجات البيولوجية او للقوى الاجتماعية من جهة , واما كتعبير عن الطموحات واستباق الحدث الفردي او الجماعي من جهة اخرى او كمظهر للاتصالات بين الجماعات من جهة ثالثة وتبرز اخيرا كرد فعل تقلبات وسط غامض وصعب . ويرى بعض الملاحظين ان المناورة الدبلوماسية تبقى رهينة الضرورات الحيوية و التاريخية و الجيوسياسية في حين يرى البعض الاخر ان اهتماماتها ظرفية وعرضية او حتى متهربة, اما في نظر العديد من المتمرسين في حقل الدبلوماسية ,فانها تجمع بين هاتين الميزتين معا ولا يمكن تقليصها الى تاكيد نظري مجرد لمبادئ ايديولوجية او الى تقييم اثار اللعبة الالية (الميكانيكية) لقوى متلازمة.