القصد الجنائي
القصد لغةً : هو استقامة الطريق ، قصد يقصد قصداً ، فهو قاصد ، والقصد إتيان الشيء ، وأصل قصد في كلام العرب الاعتزام والتوجه والنهوض نحو الشيء .

اما من الناحية الفقهية فقد تردد الفقه في تعريفه للقصد الجنائي بين نظريتين أساسيتين هما نظريتا العلم والإرادة اذ يقصد به بموجب نظرية العلم نظرية العلم :هو إرادة الفعل وتصور النتيجة ، فهذه النظرية لا تتطلب سوى العلم بالفعل وإرادته دون إرادة النتيجة ، اما نظرية الإرادة : فترى القصد الجنائي على انه إرادة الفعل وإرادة نتيجته معا ، وعلى ذلك فتصور النتيجة وتوقعها لا يكفي لتوافر القصد الجنائي .

والحجة الأساسية التي يدعم بها أنصار هذه النظرية مذهبهم هي القول : أن العلم وحده حالة نفسية مجردة عن كل صفة إجرامية ، فالشارع لا يمكن أن يسبغ صفة الإجرام على مجرد العلم ، لأن ذلك يناقض المبادئ الأساسية في القانون الحديث ، والقصد الجنائي لا يمكن أن يقوم على مجرد العلم بل لابد فيه من إتجاه ضد القانون ، ومن نشاط نفسي يرمي إلى غاية غير مشروعة ،وهذا النشاط النفسي هو الإرادة حين تسعى إلى إحداث الوقائع التي يجرمها القانون ، فالفرق بين العلم والإرادة – وفقا لهذه النظرية – أن العلم حالة ثابتة مستقرة في حين أن الإرادة إتجاه ونشاط ، والعلم وضع لا يحفل به القانون ،في حين إن الإرادة يتحرى الشارع إتجاهها ويسبغ عليها وصف الإجرام إذا انحرفت في هذا الإتجاه .

ومن الجدير بالذكر فان المشرع العراقي قد أخذ بهذه النظرية في تعريفه للقصد الجنائي في المادة (33) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وسار على نهجه في ذلك جانب من الفقه الجنائي العراقي واستنادا الى ذلك فان القصد الجنائي هو العلم بعناصر الجريمة وإرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو إلى قبولها.

اما تعريف القصد من الناحية الجنائي القانونية : فقد ذهبت القوانين العقابية في صدد تعريف القصد الجنائي مذهبين ، الأول منها ذهب إلى القول : بأن المشرع قد تعمد ترك كل ما يتعلق بتعريف القصد الجنائي للفقه والقضاء، وبذلك جاء القانون خالياً من تعريف القصد الجنائي وهذا هو المذهب الذي اعتنقه المشرع الفرنسي وسايره في ذلك المشرع المصري فلم يضع تعريفاً للقصد الجنائي كما أنه لم يفرد له في القسم الخاص نصوصاً تنظم أحكامه وتضبط معالمه ، ومن القوانين العربية الأخرى التي اعتنقت هذا المذهب قانون العقوبات التونسي والمغربي والجزائري ، ويبرر أصحاب هذا المذهب اتجاههم بالاستناد إلى الفكرة القائلة بأن القصد الجنائي هو من الأمور التي تختص بالأخلاق أكثر مما تختص بالقانون.

أما المذهب الثاني فهو على خلاف المذهب الأول فقد آثر إيراد تعريف للقصد الجنائي في صلب القانون، وقد ظهر هذا المذهب أثر نشوء النظريات الجنائية الحديثة والتيارات الفكرية المنادية باعتناق مبدأ التفريد العقابي ، وباعتماد شخصية الفاعل وبضرورة تحري وإستقصـاء المقاصد والنيـات فـي الكوامن النفسية لشرح وتحليل النشاطـات الإجرامية ، ونتيجة لذلك فإن غالبية القوانين الحديثة الصادرة أو المعدلة بعد الحرب العالمية الأولى أجمعت على تعريف القصد الجنائـي وتحديده بـوضوح وصراحة .

ومن القوانين التي سارت على هذا النهج قانون العقوبات الإيطالي لعام 1931 في المادة 43 والسويسري لعام 1937 في الفقرة الثانية من المادة 18 والصيني لعام 1935 في المادة 13 ، اضافة الى ان غالبية التشريعات العربية سلكت هذا الاتجاه وآثرت إيراد تعريف صريح للقصد الجنائي في صلب قوانينها العقابية ، ومن هذه القوانين قانون الجزاء الكويتي في المادة 41 وقانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم 12 لعام 1994 في المادة 9 منه .

أما قانون العقوبات العراقي فقد ضم بين دفتيه نصين مستقلين لكلتا صورتي القصد الجنائي المباشر والاحتمالي ، إذ تناول في الفقرة الأولى من المادة 33 من قانون العقوبات العراقي تعريف القصد المباشر بقولها : القصد الجرمي هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً إلى نتيجة الجريمة التي وقعت أو أية نتيجة جرمية أخرى . وتناول في الفقرة ب من المادة 34 من قانون العقوبات تعريف القصد الاحتمالي بقوله : تعد الجريمة عمدية كذلك إذا توقع الفاعل نتائج إجرامية لفعله فأقدم عليه قابلاً المخاطرة بحدوثها ) .

وقد تعرض التعريف الوارد في المادة 33 عقوبات إلى بعض الانتقادات منها : ان قانون العقوبات العراقي عرف القصد الجنائي في الفقرة الأولى من المادة 33 بالتركيز على إرادة الفاعل المتجهة إلى ارتكاب الجريمة من دون الإشارة الواضحة إلى وجوب علم الفاعل بأركان الجريمة التي يرتكبها وظروفها وهو نقص في التعريف يخل بمعناه لكونه يسقط عنصراً من عناصره وهو العلم ، وقد جاء في رأي أخر رداً على ما تقدم من رأي ( وقد يفهم من هذا التعريف أن المشرع العراقي يقيم القصد الجرمي على عنصر الإرادة ، ونعتقد بأن الصيغة التي طرح فيها النص تفيد إقامة القصد الجرمي بالإستناد إلى عنصرين هما العلم والإرادة ..

أما أنه أكتفى بإيراد كلمة الإرادة فهذا مرده إن الإرادة تفترض العلم ، إذ ان العلم هو مقدمة ضرورية لوجود إرادة واعية تحيط بما تريد .

المحامية: ورود فخري