مفهوم المعارضة النيابية.. في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا
القاضي سالم روضان الموسوي
تعتبر المعارضة النيابية واحدة من سمات الديمقراطية في أي نظام يتخذ من الديمقراطية مساراً وقراراً له، وحيث إن النظام السياسي في العراق وشكل الحكم فيه نيابي وديمقراطي اتحادي على وفق ما جاء في ديباجة الدستور النافذ لعام 2005 حيث جاء فيها الآتي (نَحنُ شَعْب العراقِ الناهضِ تَوَّاً من كْبوَتهِ، والمتَطلعِّ بثقةٍ إلى مستقبلهِ من خِلالِ نِظاَمٍ جُمهورِيٍ إتحاديٍ ديمقْراطيٍ تَعْددُّيٍ) ثم أكدته المادة (1) من الدستور التي جاء فيها الآتي (جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ، وهذا الدستور ضامنٌ لوحدة العراق) وهذا الأمر الذي حدد شكل نظام الحكم في العراق على أساس الديمقراطية، لابد وان تكون فيه معارضة نيابية لأن الديمقراطية تستوجب وجود آراء حرة ومن المستبعد أن تتفق هذه الآراء إلى حد المطابقة كما لا يمكن للقوى المشاركة فيه أن تكون على خط أفق واحد ولابد وأن تختلف في مشاربها ومصارفها مما يولد الاختلاف في الرأي والطرح والمعالجة فيظهر التعارض بين من يتولى تشكيل الحكومة وبين من يكون خارجها، لأن من يقوم بتنفيذ البرامج وتحقيق غايات الدستور بإدارة الدولة هي الحكومة غالباً، وهذه تتكون في الأعم الأغلب وفي الظروف الاعتيادية من الكتلة النيابية الأكبر المتكونة داخل مجلس النواب على وفق أحكام الفقرة (أولاً) من المادة (76) من الدستور التي جاء فيها الآتي (يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية( وهذه الكتلة تتشكل في أول جلسة من جلسات البرلمان بعد أداء اليمين الدستورية وعلى وفق ما جاء في القرار التفسيري للمحكمة الاتحادية العليا العدد 25/اتحادية/2010 في 25/3/2010 الذي فسرت فيه مفهوم الكتلة النيابية الأكبر الواردة في نص المادة (76) من الدستور وجاء في القرار التفسيري الأتي (تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى) ،

ومن هذه اللحظة يتضح شكل المعارضة لأن من لم يكن من بين الكتلة النيابية الأكبر سيكون خارجها ويبقى دوره في مراقبتها ومعارضتها إذا ما اختلف معها في موضوع معين، لأن مفهوم المعارضة على وفق ما يراه المختصون في القانون الدستوري بأنها (مجموعة من نواب البرلمان التي تنشط تحت غطاء حزب سياسي أو ائتلاف سياسي وتكون في مواجهة الأغلبية البرلمانية التي تؤيد برنامج الحكومة) وجاء في تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن المعارضة المؤثرة داخل وخارج البرلمان تعد شرطاً أساسياً لوجود ديمقراطية فاعلة، مما يخلق عنصر الرقابة المتبادلة والتوازن بين السلطات.

وتؤكد الأمم المتحدة على تقنين حقوق المعارضة، أو الأقلية البرلمانية، من خلال القواعد والإجراءات البرلمانية، وكذلك في النصوص الدستورية، وفي الدستور العراقي لم نجد إشارة صريحة إلى كلمة معارضة أو مفهومها وإنما لاحظت إن الدستور أتاح لمجموعة معينة من النواب أن يكونوا في صف المعارضة بشكل ومؤقت وليس دائمي بمعنى إن لكل مجموعة أن تعارض الحكومة في موضوع محدد أو عام من خلال مراقبتها ومحاسبتها بموجب الاستجواب، وفي البند (ج) من الفقرة (سابعاً) من المادة (61) من الدستور حيث أجاز الدستور العراقي لكل عضو في مجلس النواب، وبموافقة خمسةٍ وعشرين عضواً، توجيه استجوابٍ إلى رئيس مجلس الوزراء او الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم ويفهم من هذا النص أن الحد الأدنى للمعارضة المؤثرة فعلياً وتؤدي الى الاستجواب لاتقل عن خمسٍ وعشرين نائباً ، حيث اشترط النص الدستوري للمستجوب أن يكون معززاً ومؤيداً من هؤلاء النواب، ويذكر أن الاستجواب واحدة من وسائل محاسبة الحكومة ووزرائها وتوجيه اللوم لها ومسائلتها ومن الممكن أن تسحب الثقة عنها بعد الاستجواب وعلى وفق ما أشارت اليه الدستور العراقي في البند (آ) من الفقرة (ثامناً) من المادة (61) التي جاء فيها الاتي (لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة، ويُعد مستقيلاً من تاريخ قرار سحب الثقة، ولا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناءً على رغبته، أو طلبٍ موقع من خمسين عضواً إثر مناقشة استجوابٍ موجهٍ إليه، ولا يصدر المجلس قراره في الطلب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تأريخ تقديمه) إلا أن الدستور رفع سقف المعارضة المؤثرة الى خمسين عضواً من بين أعضاء مجلس النواب عند طلب طرح الثقة في أحد الوزراء ، بينما أجاز الدستور العراقي إلى ما يعادل خمس (1/5) من عدد أعضاء مجلس النواب إلى سحب الثقة من الحكومة بأكملها وعلى وفق ما جاء في البند (ب) من الفقرة (ثامناً) من المادة (61) من الدستور، أي إنه رفع سقف المعارضة في هذه الحالة ، ويستخلص من ذلك أن المعارضة في الدستور لم يحدد لها أن تكون ضمن كتلة نيابية وانما تكون عبر طلبات الاستجواب أو سحب الثقة سواء عن الحكومة أو البرلمان كما وجد أن النظام الداخلي لمجلس النواب قد أشار الى عبارة (المعارضة) بشكل صريح في المادة (3) التي جاء فيها الآتي (تكفل أحكام هذا النظام حرية التعبير عن الرأي والفكر لجميع أعضاء مجلس النواب أيًا كانت اتجاهاتهم أو انتماءاتهم السياسية أو الحزبية بما لا يتعارض وأحكام الدستور، وتضمن حرية المعارضة الموضوعية والنقد البناء، وتحقيق التعاون بين مجلس النواب والمؤسسات الدستورية الأخرى)

وفي هذا النص جعل من حق النواب بالمعارضة مكفول لكن بتشريع فرعي وهو أدنى من الدستور إلا أن ذلك النظام الداخلي لم يتطرق الى شكل المعارضة أو كيفية تشكيلها وإنما جعلها متاحة لجميع أعضاء مجلس النواب باعتبارها جزءاً من حرية التعبير التي كفلها الدستور في أكثر من مادة من مواده، وعند التصدي الى العمل النيابي بدأت تظهر الاسئلة تجاه بعض المفردات التي تدخل في العمل النيابي الديمقراطي ومنها مفهوم المعارضة لأن الواقع النيابي في العراق لم يرسم لنا حدود وأشكال للمعارضة، وإنما تجد الجميع في صف الحكومة ومن الموالين لها وتراهم في فترة أخرى ضد الحكومة وفي صف المعارضة لها لأن الجميع مشترك في الحكومة التي أتت عن طريق التوافقات السياسية التي تأسست في أصلها على المحاصصة وبمسميات مختلفة أساسها المنافع الشخصية والفئوية في ظل فوضى انتخابية سببها وجود قانون انتخابي اعتراه الخلل وصدر على خلاف إرادة الشعب. وهذا الأمر خلق نوع من الفراغ التشريعي حول مفهوم المعارضة وكيفية تشكيلها وحقوقها فكان للمحكمة الاتحادية العليا وبحكم مهامها الدستورية في تفسير نصوص الدستور وعلى وفق اختصاصها الوارد في المادة (92) حيث أوضحت بان مفهوم المعارضة يتمثل بالأعضاء غير المنضوين تحت لواء الكتلة النيابية الأكبر التي تولت تشكيل الحكومة وإنها أجازت لهؤلاء أما أن يشكلوا كتلة نيابية معارضة لها في منهاجها العملي وترسل أسماء هؤلاء الأعضاء إلى رئاسة مجلس النواب وإن ذلك القرار التفسيري لم يحدد شكلية معينة وإنما فقط أوصى بإشعار رئاسة المجلس وتعتبر الكتلة قد تشكلت اعتباراً من وصول الإشعار إلى رئاسة المجلس كما أجاز لجميع الأعضاء حتى مَن كانوا تحت لواء الكتلة النيابية الأكبر إلى الانتقال من الموالاة إلى المعارضة سواء بالانضمام الى كتلة المعارضة إن تم تشكيلها أو بآراء فردية لأن القرار التفسيري أجاز أيضاً وجود المعارضة الفردية لأعضاء مجلس النواب وتأسس هذا الرأي التفسيري على ما جاء في المادة (38) من الدستور التي كفلت حرية التعبير فضلاً عن الحصانة التي منحت لعضو مجلس النواب عند التعبير عن أرائه التي يدلي بها أثناء فترة الانعقاد ولا يقاضى عنها ومنها ما يدلي به تجاه الأداء الحكومي وعلى وفق ما جاء في الفقرة (ثانياً) من المادة (62) من الدستور.

ومن خلال ما تقدم فإن المحكمة الاتحادية العليا تكون قد أسهمت في تحديد مفهوم المعارضة على وفق المعطيات الدستورية من خلال استقراء النصوص الوارد في الدستور والمتعلقة بالعمل النيابي وتشكيل الكتلة الأكبر ولعبت في هذا القرار التفسيري دورها في سد النقص الوارد في التشريعات عبر الإغفال التشريعي الذي أصاب النصوص النافذة ، ويكون مفهوم المعارضة النيابية هو حق مقرر في الدستور يكون بشكل فردي لكل نائب في موضوع محدد أو تجاه الحكومة برمتها وفي كل خطواتها إلا أن تأثير المعارضة لا يتم إلا بوجود عدد لا يقل عن خمسٍ وعشرين نائباً من أجل تفعيل الاستجواب الذي يعد واحدة من صور المعارضة ووسيلتها الفاعلة أو بعدد لايقل عن خمسين عضواً عند طرح سحب الثقة عن الوزير أو بعدد لا يقل عن خمس عدد أعضاء المجلس عند طلب طرح سحب الثقة عن الحكومة بأكملها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت