البيوع البحرية نوع خاص من أنواع البيوع الدولية تحتل حيزاً مهما في واقع النشاط التجاري الدولي المعاصر (1) إذ أن تبادل السلع على صعيد الاستيراد والتصدير يرتبط في الغالب بهذه البيوع . والبيوع البحرية عبارة عن عقود تجارية ذات طبيعة قانونية خاصة ، محلها أموال منقولة ” بضائع وسلع ” يتم نقلها بحراً من البائع الى المشتري ويدخل في أعتبارها ” العقود ” الطريقة التي تنقل بها هذه الأموال . فلا يعتبر البيع من البيوع البحرية إلا اذا واجه طرفاه عقد نقل البضاعة المباعة بطريق البحر . ويتم إبرام هذه العقود بين مؤسسات تجارية أو أشخاص تابعين لدول متباعدة عن بعضها بسبب المجال البحري الذي يفصل بينها . وقد عرفت البيوع البحرية منذ ظهورها في الحياة التجارية والقانونية مراحل تطور مختلفة . وحظت بنفس الوقت بعناية المؤسسات التجارية والقانونية لغرض تنظيمها دولياً . لذا ولأجل استيعاب الواقع الحالي لهذه البيوع نعرض بإيجاز فيما يلي التطور الذي مرت به ، والجهود القانونية التي بذلت لتنظيمها دولياً .

أولاً : تطور البيوع البحرية : Evolution des ventes martimes

ارتبط ظهور البيوع البحرية بمرحلة النقل التجاري البحري الشرعي (2) فقد عرفت هذه المحلة نوعاً من البيوع البحرية يطلق عليه بيوع الوصول ventes a l arrive . ومن سمات هذه البيوع أن ملكية البضائع لا تنتقل الى المشتري إلا حين وصولها الى الميناء المعين من قبل هذا الأخير . كما ويلتزم البائع إذا تم التعاقد ، بشحن تلك البضاعة والتأمين عليها . ويتحمل بنفس الوقت خطر هلاكها اثناء نقلها (3) . وتتخذ هذه العقود صورتين من البيوع فهي إما بيوع على سفينة معينة vent par navire designe ، وإما بيوع على سفينة غير معينة أو ستعين فيما بعد vent par navire a designer فإذا عينت واسطة النقل البحري عند إبرام العقد فيطلق عندئذ على البيع : أنه بيع على سفينة معينة . واذا تم التعيين لاحقاً على إبرام العقد فيسمى البيع عند ذلك : بأنه بيع على سفينة ستعين فيما بعد . ويترتب على عاتق البائع في هذا النوع من البيوع التزام مهم هو : وجوب تعيين واسطة النقل البحري التي سيتم شحن البضاعة عليها خلال فترة زمنية محدودة . فإذا انقضت تلك الفترة تلك الفترة ولم يحصل هذا التعيين جاز للمشتري فسخ عقد البيع (4) .

غير أن التطور النوعي الهائل في وسائط النقل البحري ، من حيث السعة والسرعة . والذي فرضته الظروف التكنولوجية الحديثة منذ بداية هذا القرن كانت له مردوداته الإيجابية على التجارة الدولية بشكل عام وعلى البيوع البحرية بشكل خاص . فقد أبان هذا التطور بأن العقود المتعارف عليها أصبحت لا تفي بأغراضها ولا تنسجم والواقع الفعلي المستجد للتجارة البحرية (5) . وبناء على ذلك فقد ظهرت في العمل أنوع بديلة لتلك العقود ، تتلائم والمرحلة الجديدة للنشاط التجاري الدولي ، وأصبحت بالتالي الصيغة الحديثة للبيوع البحرية . ولعل من أهم صور هذه العقود عقد البيع سيف . C. I. F أو كاف C. A. F الذي انتشر استعماله بسرعة كبيرة في النشاط التجاري الدولي بحيث أصبح الأداة القانونية الضرورية للتجارة البحرية وقد دفع هذا الواقع الجديد للبيوع البحرية الى التوجه نحو وضع الضوابط القانونية اللازمة لها ، ليس على أساس أنها عبارة عن عقود بيع عادية ، بل على اعتبار أنها عقود دولية خاصة بالتبادل التجاري الدولي . من هنا كان لهذه البيوع تنظيم دولي متميز .

ثانياً : التنظيم الدولي للبيوع البحرية :

تمثل التنظيم الدولي البحري بادئ الأمر بوضع عقود نموذجية تحتوي على الشروط الضرورية للتعامل والحلول الملائمة للمنازعات التي قد تقع من جراء التعامل . ومن أشهر النماذج العقدية التي وضعت وأقرت بعد ذلك دولياً ، العقد النموذجي الذي أقرته جمعية لندن لتجارة القمح ونموذج باريس سنة 1922 (6) . بيد أن هذه العقود وبالرغم من أهميتها لم تكن كافية تماماً وخالية من العيوب . ولعل من أهم عيوبها تحريرها بلغة أجنبية تختلف في أغلب الأحوال عن لغة أطراف العلاقة القانونية وقد حدا ذلك بالمعنيين بهذه العقود الى عقد مؤتمر دولي في وارشوا سنة 1928 تم خلاله إقرار قواعد عامة ومبسطة لهذه البيوع ولم تمض فترة زمنية وجيزة على عقد ذلك المؤتمر حتى بادرت جمعية القانون الدولي في نيويورك وأكسفورد الى عقد مؤتمر دولي آخر سنة 1932 استهدف إدخال تعديلات مختلفة على القواعد التي أقرت سابقاً . فاصبح يطلق على هذه القواعد بقواعد وارشو – أكسفورد 1928-1932 . وقد حولت غرفة التجارة الدولية La chamber international de commerce من جانبها أن تساهم في تذليل الصعوبات التي قد تعترض تفسير تلك العقود فوضعت في سنة 1936 جملة قواعد تفسيرية للمصطلحات التجارية . وتم من خلال هذه القواعد تحديد فحوى البيوع البحرية من حيث تثبيت التزامات الاطراف المتعاقدة (7) . وقد اصطلح على تسمية هذه القواعد بقواعد الانكوتيرم Incotermes لعام 1936 . وهذه التسمية ماهي إلا اختصار للمصطلح التالي : Internationaies commerciaI termes “المصطلحات التجارية الدولية” (8) ثم أدخلت غرفة التجارة الدولية على هذه القواعد جملة تعديلات وأصدرت سنة 1953 مجموعة من القواعد الدولية لتفسير المصطلحات التجارية تعرف باسم الإنكوتيرم 1953 Incotermes 1953. وقد راعت الغرفة المذكورة عند وضعها لهذه القواعد او السابقة عليها مجمل الأعراف التي لها صفة الشمول في النشاط التجاري الدولي، وكذلك تحديد التزامات أطراف العلاقة القانونية بوضوح تام (9). وامتد نشاط غرفة التجارة الدولية الى العناية بتنظيم تفسير عقود أخرى غير البيوع البحرية. فقد أصدرت الغرفة سنة 1967 تفسيراً موحداً لبيوع دولية مختلفة في أطار تبادل السلع الاستهلاكية والإنتاجية (10). كما وأضيفت مصطلحات جديدة أخرى عام 1976 وعام 1980. وعلى كل حال فإنه من الضروري الأشارة هنا الى أن قواعد الإنكوتريم الخاصة بالبيوع البحرية وبالرغم من أهميتها الدولية لا تعتبر قواعد ملزمة إلا إذا أحال عليها أطراف العلاقة القانونية صراحة إذ يجوز للبائع والمشتري مخالفة تلك القواعد واستبعاد ما يشاؤون منها بشرط أن يكون ذلك بنص صريح في العقد. وإذا كانت البيوع البحرية محط أهتمام مؤسسات التجارة الدولية فإن ذلك لا يعني في الواقع إهمال المشرع الوطني ( الداخلي ) لأمرها فقد نظمت بعض القوانين الوطنية هذه البيوع من الناحية القانونية وحددت لها القواعد اللازمة (11). ومن جملة هذه القوانين قانون التجارة العراقي رقم 30 لسنة 1984. إذ يتضمن القانون المذكور نصوصاً متعددة بشأن عقد البيع فوب F . O .B وعقد البيع سيف أو كاف C .I .F . Ou C .A . F (12). وبما أن هذه العقود تعتبر حالياً الأدوات القانونية.

___________________

1 . انظر : د. ثروت حبيب : دراسة في قانون التجارة الدولية مع الاهتمام بالبيوع الدولية ، 1974 ص 51 . د. أحمد حسني ، البيوع البحرية دراسة لعقود التجارة الدولية ” سيف وفوب ” 1983 ص 7 وما يليها .

2 . انظر : Auguste، Raynald werner: traite de droit maritime general. 1964. P. 287 etc.

3 . انظر : Paul chauveau: traite de droit maritime 1958. P. 615-616 .

4 . أنظر د. محمد كامل ملش : محاضرات عن مبادئ التشريع البحري العربي الموحد للأمة العربية 1957-1958 ص 76 .

5 . انظر : Rene rodiere: drit maritime. 6e 1974، p. 356

6 . انظر : G. ripert: droit maritime، t، II، no 1173.

7 . انظر نص الفقرة الرابعة من مقدمة الانكوتيرم لعام 1953 .

8. انظر : حسن النجفي : البيوع الدولية.1973 جـ 1 ص 26_ 27.

9. انظر : د. عزيز عبد الأمير العكيلي : دور سند الشحن في العقد البيع كاف أو سيف. رسالة دكتوراة. القاهرة 1971 ص 71.

10. انظر : د. ثروت حبيب . مصدر سابق ذكره ص 53.

11. انظر : القانون الفرنسي الصادر في 3 كانون الثاني سنة 1969، القانون الكويتي رقم 2 لسنة 1961. القانون الإنكليزي (قانون بيع البضائع) الصادر سنة 1893.

12. انظر : بهذا الصدد الفصل الثاني والفصل الثالث من الباب الخامس من قانون التجارة العراقي من المادة 298- 300 ومن م 301 – 306. وقد عالج القانون بالإضافة الى هذه البيوع بيوعاً اخرى هي البيع سي. أند. أف.

– البيع بشرط التسليم بجانب السفينة (فاس).

– البيع بشرط التسليم في مكان العمل.

– البيع بشرط التسليم في المطار المعين للانطلاق (فوب مطار).

– البيع بشرط الوصول بسلامة.

– البيع بشرط التسليم على عربة قطار ( فور) أو مركبة ( فوت ).

– انظر الفصل الرابع – الخامس – السادس – السابع – الثامن – التاسع من الباب الخامس من قانون التجارة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .