المسؤولية الدولية وفقاً لأحكام القانون الدولي العام

المحامية: منال داود العكيدي
يعرف فقهاء القانون الدولي المسؤولية الدولية على انها عبارة عن نظام قانوني تلتزم بمقتضاه الدولة التي تأتي عملا غير مشروع طبقا للقانون الدولي العام بتعويض الدولة التي لحقها ضرر من جراء هذا العمل وبناء على ذلك يتضح ان العنصر الاساسي للمسؤولية الدولية هو عدم مشروعية العمل اما العنصر الثاني لهذه المسؤولية فانه يرتكز على تقدير عدم المشروعية بالنسبة لقواعد القانون الدولي العام.

و يقصد بالعمل غير المشروع هو كل مخالفة لالتزام دولي تفرضع قاعدة من قواعد القانون الدولي اذ عند اخلال دولة ما باحكام معاهدة سبق لها ان تقيدت بها فانها بذلك تكون ارتكبت عملا غير مشروع وتتحمل المسؤولية الدولية الناشئة عن هذا الاخلال وتلتزم بتعويض الدولة التي لحقها ضرر من جراء هذا العمل .

وقد اقرت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ في قرارها الصادر في 26 / تموز عام 1927 بشأن النزاع بين المانيا وبولونيا بخصوص مصنع شورزو اذ جاء في حيثيات القرار (من المبادئ المقبولة في القانون الدولي ان خرق الالتزامات الدولية يستوجب تعويضا مناسبا فالتعويض يعدّ متمما لتطبيق الاتفاقات ولا ضرورة للاشارة اليه في كل اتفاقية على حدة). وتجدر الاشارة الى ان القواعد القانونية التي تحكم المسؤلية الدولية هي قواعد عرفية اذ فشلت محاولات تدوينها في مؤتمر لاهاي عام 1930 لكن لجنة القانون الدولي التابعة للامم المتحدة قامت بتطوير قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية الدولية.

واستنادا الى الرأي السائد في الفقه الدولي فان المسؤولية الدولية لا تكون الا بين دولتين او اكثر فهي علاقة شخصين او اكثر من اشخاص القانون الدولي العام وتلك العلاقة لاتقوم الا بين دولتين او اكثر استنادا الى الرأي الراجح الذي ذهب اليه ايضا القضاء الدولي فقد اصدرت محكمة العدل الدولية الدائمة في 14 / حزيران من عام 1938 قرارا في قضية الفوسفات المغربي يوافق ذلك اذ جاء في القرار ( لما كان الموضوع يتعلق بعمل مسند لاحدى الدول ويتعارض مع احكام الاتفاقية القائمة بينها وبين دولة اخرى فان المسؤولية الدولية تنشأ مباشرة في نطاق العلاقات القائمة بين هاتين الدولتين).

وتثار المسؤولية الدولية عندما تدعي دولة ما بان ضررا قد اصابها وتطالب استنادا الى ذلك بالتعويض وهذا الضرر يكون خطأ مباشرا كالاعتداء على علم الدولة او اهانته او يكون اخلالا باحكام القانون الدولي كانتهاك معاهدة ما او قد يكون ضررا واقعا على احد رعايا الدولة اذ ان من حق هذه الدولة ان تحمي رعاياها الذين تضرروا من جراء الاعمال المخالفة للقانون الدولي التي ترتكبها دولة اخرى اذا لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم بالطرق الاعتيادية .

فالاضرار التي لا تصيب الافراد لا تنشأ عنها مسؤولية دولية مباشرة بين هؤلاء الافراد وبين الدولة التي يقيمون على اقليمها بل ان المسؤولية الدولية تنشأ بين الدولة التي ينتمي اليها الافراد وبين الدولة المسؤولة عن الضرر اي الدولة التي يقين الافراد على اقليمها ويدخلون في علاقات قانونية معها .

وهناك عدة انواع للمسؤولية الدولية اذ يقسمها الفقه الدولي الى مسؤولية مباشرة ومسؤولية غير مباشرة فالاولى توجد عندما يكون هناك اخلال مباشر من جانب الدولة بالتزاماتها الدولية ، اما المسؤولية غير المباشرة فانها تكون عندما تتحمل دولة ما المسؤولية الدولية المترتبة على دولة اخرى بسبب انتهاكها قواعد القانون الدولي العام وهذه المسؤولية لاتكون الا عند وجود علاقة قانونية خاصة بين الدولتين المعنيتين وذلك في عدة حالات منها : الحماية فالدولة الحامية تكون مسؤولة عن التصرفات غير المشروعة المنسوبة للدولة المحمية وهذه المسؤولية هي نتيجة طبيعية لنظام الحماية اذ تتولى الدولة الحامية جميع الاختصاصات الخارجية (الدولية ) , ويمكن ان تكون المسؤولية غير المباشرة ايضا في حالة الانتداب فتتحمل الدولة المنتدبة المسؤولية عن التصرفات غير المشروعة دوليا والصادرة عن الدولة الخاضعة للانتداب .

و هناك حالة ثالثة للمسؤولية غير المباشرة وهي في حالة الوصاية حيث تكون الدولة القائمة بادارة اقليم خاضعة لنظام الوصاية بتحمل المسؤولية عن التصرفات غير المشروعة دوليا الصادرة عن الدولة الخاضعة لنظام الوصاية .

و يشترط لقيام المسؤولية الدولية نسبة الفعل الضار الى الدولة وذلك في حالة اذا كان صادرا من احدى سلطاتها العامة او هيأتها العامة ويتضمن اخلالا بقواعد القانون الدولي حتى اذا لم تكن الافعال تتعارض مع احكام قانونها الوطني والسلطات التي تتحمل المسؤولية الدولية نتيجة تصرفاتها المخالفة للقانون الدولي هي السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية فالاولى اي التشريعية تعد الدولة مسؤولة عن كل التصرفات غير المشروعة دوليا الصادرة من سلطتها التشريعية سواء اكان التصرف او العمل الصادر عن السلطة التشريعية ايجابيا كاصدارها قوانين تتعارض مع الالتزامات الدولية او سلبيا كامتناعها عن اصدار القوانين الضرورية لتنفيذ التزامات الدولة دوليا كما لو امتنع البرلمان عن الموافقة على تشريع لابد من صدوره تطبيقا لمعاهدة معينة او امتنع عن الموافقة على اعتمادات مالية معينة لابد منها لتنفيذ التزاما الدولة في المجال الدولي .

وتسأل الدولة ايضا عن اعمال السلطة التنفيذية اي التصرفات الصادرة عن موظفيها كافة سواء أكانت هذه التصرفات صدرت من السلطات المركزية ام المحلية ام قد اتاها كبار الموظفين مثل رئيس الدولة او رئيس الوزراء او الوزراء وحتى صغار الموظفين مهما تواضع شأنهم مثل الجنود او الشرطة وتسأل الدولة عن الاعمال التي ياتيها موظفيها سواء كان تصرفهم في حدود اختصاصهم ام انه تعدى تلك الحدود لانه في كلتا الحالتين فان ذلك الموظف يعمل باسم الدولة وعلى الاخيرة ان تحسن اختيار موظفيها وتراقب اعمالهم فتجاوز الموظف لحدود اختصاصه يعد تقصيرا ينسب للدولة ايضا .

اما بالنسبة لمسؤولية الدولة عن اعمال السلطة القضائية فتتمثل بمسؤولية الدولة عن الاحكام التي تصدرها محاكمها في حالة كون تلك الاحكام متعارضة مع قواعد القانون الدولي العام وهنا لايمكن للدولة الاحتجاج باستقلال القضاء لان هذا المبدأ يشكل قاعدة داخلية تطبق في نطاق علاقة السلطة القضائية بغيرها من سلطات الدولة ولا شأن للدولة الاجنبية بهذه العلاقة كما ان الدولة في ميدان العلاقات الدولية تواجه الدول الاخرى كوحدة واحدة مسؤولة عن تصرفات سلطاتها المختلفة .

وتنشأ مسؤولية الدولة ايضا في حالة قيام بعض الافراد المقيمين في دولة باعمال عدائية مخلة بالقواعد الدولية ضد دولة اجنبية كالاعتداء على رئيسها او ممثلها الرسمي او اهانة علمها او مساعدة حركة ثورية او انفصالية عنها او الاعتداء على رعاياها ففي كل هذه الحالات وبحسب الرأي السائد تتحمل الدولة مسؤولية مباشرة لانها اخلت باحد التزاماتها الاساسية وهو المحافظة على الامن والنظام العامين في اقليمها .

اما بالنسبة لمسؤولية الدولة في حالة قيام ثورة داخلية او حرب اهلية فطبقا لقواعد القانون الدولي فان الدولة لا تسأل عن الاضرار التي تلحق بالاجانب نتيجة لاعمال القتال التي تدور بين القوات الحكومية وقوات الثوار استنادا الى فكرة القوة القاهرة وبناء على ذلك فان الاجنبي لايستطيع ان يطالب بالتعويض عن داره المدمرة نتيجة القصف في غارة حربية ولكن تسأل الدولة عن الاضرار التي تلحق بالاجانب بسبب الاعمال التي تتخذها الدولة خارج نطاق القتال كما لو استولت على اموال الاجانب او دمرت ممتلكاتهم بدون ان تكون هناك ضرورة عسكرية او في حالة قتلهم خارج ميدان القتال .

و لاتعد الدولة مسؤولة عن اعمال الثوار في حالة فشل ثورتهم والتسويغ الفقهي لذلك لان مسؤولية الدولة تزول عندما تختفي السلطة الفعلية و الدائمة اما في حالة انتصار الثوار وتسلمهم مقاليد الحكم فان الدولة تتحمل في هذه الحالة المسؤولية الدولية الناشئة عن الاضرار التي لحقت بالاجانب نتيجة لاعمال الثوار على اساس ان الشعب رضي بالثورة واقرها فتنسب اعمال الثورة للدولة منذ اندلاعها.

اما العنصر الآخر من عناصر قيام المسؤولية الدولية هو ان يكون الفعل المنسوب الى الدولة غير مشروع دوليا اي ان يتضمن مخالفة صريحة لاحكام القانون الدولي العام الاتفاقية او العرفية او لمبادئ القانون العامة .

واخيرا لابد ان يترتب على الفعل المنسوب الى الدولة ضرر يصيب دولة اخرى ويجب ان يكون هذا الضرر مؤكدا ولا يجوز ان يكون محتملا وقد يكون الضرر ماديا كالاعتداء على حدود الدولة او على سفنها او طائراتها او قد يكون معنويا كامتهان كرامتها او عدم احترام انظمتها ورؤسائها او الاعتداء على علمها وفي بعض الحالات يكون الضرر المعنوي في مجال العلاقات الدولية افدح بكثير من وجهة نظر الدولة التي وقع عليها الضرر من الكثير من الاضرار المادية.