لماذا لا يرتاح أعضاء هيئة قضايا الدولة عندما توصف الهيئة أنها “محامي الدولة” في حين رأينا النائب العام في كثير من المواقف يتفاخر بأنه محامي الشعب ، ومحامي الشعب ما هو إلا محامي الدولة ، والنائب العام هو استثناء في المحاماة عن الدولة (الشعب) ، فهو محامي الشعب الجنائي ؛ أي في الدعوي الجنائية فقط .أما قضايا الدولة ، فهي محامي الدولة العام أي في جميع أنواع الدعاوى .

والمحاماة هنا بمعنى حماية حمي حق ما أو مال ما ؛ فمعني وظيفة “محامي الدولة” ليس هو ذات معنى محامي نقابة المحامين ، فرغم أن هيئات الإدعاء العام في الدولة (قضايا الدولة ، النيابة العامة ، النيابة الإدارية ) بعملون في أعمال المحاماة عن الدولة ، إلا أنه لا يجوز وصف أحدهم بأنه “محام” ؛ لأن المعيار الممير بين وظيفة محامي النقابة وغيرها من الوظائف التى تعمل في أعمال المحاماة ، هو وجود أو عدم وجود وكالة عن أصيل ، يكون الأصيل صاحب الدعوي ، والمحامي مجرد تابع له ، فالوكالة عن أصيل هي ركن في وجود وظيفة محامي النقابة أما هيئات الإدعاء العام الثلاثة ، فلا تعمل من خلال وكالة ، ولكنها الأصيل صاحب الدعوي ؛ بدليل ان محامي النقابة نفسه إذا تولي مباشرة دعوى خاصة به ، فإن صفته كمحام ، تتلاشى تماماً وتتخذ الإجراءات ، ويثبت حضوره بالجلسة بوصفه ” المدعي شخصيا” ولا يقال بوصفه محام .

هكذا ، فإن أعمال المحاماة عن الدولة .. (ونظرا لأن الذي يتخذها هو عضو هيئة قضائية ، لا تربطه بالدولة علاقة وكالة ، ولا نيابة .. وإنما هو الأصيل صاحب الدعوي) لا يسوغ أن يطلق عليه مسمي ” محام” ، فرغم أنه يقوم بأعمال المحاماة ، لحماية حمى الدولة ، والمجتمع .. إلا أنه يتصرف بوصفه الأصيل ، في حين أن كلمة “محام ” في ذاتها تفرض علي السامع أن يفكر ويبحث من تلقاء نفسه عن الموكل صاحب القضية ، الذي يقف وراء المحامي.. ولذلك فهو يسمي النائب العام ، أو المدعي العام ولا يقال عنه ” محام” إلا من باب التجاوز ، والاعتزاز بشرف الانتماء للمحاماة ، إلا أن هناك البعض يحرصون عمدًا أن يصفوا عضو هيئة القضايا بـ “محامي الحكومة” ، ويزعمون إفكاً أنه وكيل أو نائب عن الحكومة ، هكذا في قولهم هذا تعارض مع وصف الهيئة أنها هيئة قضائية وهو يتضمن تمهيداً وإرساءً لدعائم سرقة أموال الدولة خاصة ، وقد كشفت الثورة أن الذي سرق الأموال هم الحكام ، والحكومة .. فكيف يمكن لمن هو وكيل عن الحاكم أن يحمي الدولة من سرقات الحكومة ؟؟! وطالما أن النائب العام ، أو المدعي العام يتصرف بوصفه صاحب الدعوي .. ومن تلقاء ذاته ، ودون التقيد بأي طلب من أية جهة أخرى وكان مجال عمله حقوق وأموال المجتمع التي هي في ذات الوقت مجال عمل الحكومة، فهو في احتكاك دائم بالحكومة صاحبة البطش ، وصاحبة السلطة الحقيقية في المجتمع.

ولما كان مفهوم الحصانة القضائية أنها قيود تفرض علي سلطات الدولة لصالح صاحب الحصانة حتى نضمن له العمل في حيدة تامة ، ونبعده عن احتمال بطش الحكومة به فإنه كلما كان مجال عمل جهة الإدعاء العام أكثر احتكاكاً بالحكومة ، كلما كان احتمال غضب الحكومة من تصرف جهة الإدعاء أقوى. وكلما كانت الحكومة لم تصل بمخالفاتها إلي سقف الجريمة والاتهام الجنائي الذي يهون ويقلل من شأن المتهم فإن بطشها يكون أشد وأعتى ، فيكون عضو الإدعاء المدني قائماً بأعظم الجهاد الذي يعرضه لأعنف البطش ، هذا الجهاد هو “كلمة الحق عند سلطان جائر ” سلطان في عز مجده ، وفي سدة العرش.

وبالتالي كان عضو الإدعاء المدني أكثر حاجة للحصانة من غيره ومن هنا ، فلئن كان القاضي ولي بالحصانة ، فإن وكيل النيابة الجنائية أولي من القاضي بها وكان المدعي العام المدني أولي من الاثنين بالمزيد منها ومن ثم ، فإن وصف هيئة قضايا الدولة ، بأنها هيئة قضائية وبأنها تتولي الإدعاء العام المدني هو وصف يمثل الحد الأدنى الذي يشير إلي طبيعة عملها بحسب ما يجب أن يكون عليه العمل ، وهي أولي بالضمانات القضائية من القاضي ، ومن المدعي العام الجنائي .

هذا .. لو كنتم تعلمون !.. ومن ثم ، فلا فضل ينسب لأي لجنة تصوغ نصوص الدستور في وصفها للهيئة بأنها هيئة قضائية وأنها تتولي الإدعاء العام المدني وأن لأعضائها ضمانات السلطة القضائية .

بقلم المستشار عبد الله خلف نائب رئيس هيئة قضايا الدولة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .