تتفاوت مدة الحبس في قوانين الدول التي تأخذ بهذا النظام حتى داخل الدولة الواحدة وفي ظل ذات القانون، وهذا ليس تمييزًا بين المواطنين حسب شخصهم، وإنما يتقرر هذا التفاوت تبعا لقيمة الدين ، ولمقداره وقد أخذ مشرعنا الفلسطيني بذلك وكذلك فعلت الكثير من الأنظمة والقوانين ونصت م 157 تنفيذ فلسطيني على أنه: ” 1- لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تنفيذًا ( لأي قرار يصدره قاضي التنفيذ عن ( 90 ) يومًا وأن لا يتجاوز مجموع مدد الحبس عن ( 91 يوما في السنة الواحدة مهما بلغت أو تعددت الديون، 2- لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس عن 21 ) يومًا إذا كان المبلغ المحكوم به لا يتجاوز خمسمائة دينار وإذا تقرر تقسيط الدين المحكوم ) به فلا يجوز أن يتجاوز مدة الحبس ( 21 ) يوما عن كل قسط يتخلف المدين عن دفعه ومثيل بهذا تنص م 22 في الفقرتين ج/ د تنفيذ أردني على أنه : “ج) لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تسعين يومًا في السنة الواحدة عن دين واحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة، د) يمكن استمرار الحبس بعد انقضاء مدته من اجل دين آخر وذلك بناءً على طلب الدائن نفسه أو دائن آخر” .

 ويظهر من الدراسة أن مشرعنا الفلسطيني جعل للحبس في مدتين أولاهما مدة  91 يوما والثانية  21  يوما، ورغم هذا فقد وضع المشرع قيودًا على الحبس تظهر لنا من دراسة المادة ذات العلاقة وجعل هناك إطارًا عامًا وهو أن لا تتجاوز مدة الحبس لأي قرار يصدره قاضي التنفيذ الحد الأعلى وهو ( 91 ) يوما وذلك مهما بلغت قيمة الدين أو تعددت الديون على المدين، ويتضح من قراءة النص كذلك أن المشرع وضع حدا أعلى للحبس ولم يقيد القاضي بحد أدنى وخاصة في الفقرة الثانية والتي يكون فيها الدين أقل من 500 دينار ، ” فمن المفهوم ضمنا بأن قاضي التنفيذ يملك الخيار بتحديد مدة حبس تقل عن الواحد وعشرون يوما (1)”، اذ ليس من المعقول أن يحكم القاضي على مدين بالحبس 21 يوما لدين قد يكون 10 دنانير على سبيل المثال ، واذا ما فعل ذلك فهو لا يخالف القانون ولكنه قد يكون بعيدا عن العدل اذا حكم عليه بذلك وحكم على مدين آخر بدين تبلغ قيمته ( 500 ) دينار ذات الحكم ، ولهذا فقد لجأ بعض المشرعين إلى تقسيم مدة الحبس إلى مدد عدة تتناسب كل منها مع مقدار الدين بتفصيل أكثر مما . فعل المشرع الفلسطيني ومثال ذلك ما أخذ به المشرع السوري (2)

وقد رأى الفقه أنه يمنع على المشرع حبس المدين لذات الدين مرتين سواء بعد الإفراج (3) من قانون التنفيذ عنه بموافقة الدائن أو لانقضاء مدة الحبس وذلك بصريح نص م 158 ف1 الفلسطيني”(4)، وهذا الرأي يعني عدم جواز الحبس ثانية لذات الدين سواء بعد انقضاء السنة ذاتها أو في سنة أخرى ، الا أن بعض الفقهاء كان لهم رأي آخر حيث يرون جواز ” تكرار حبس المدين في كل سنة طالما لم يتم تسديد الدين من قبله، وذلك بالنظر إلى نص م 158 تنفيذ فلسطيني، فاعتقد البعض أن هذا النص يوجب أن يتم إيقاع الحبس مرة واحدة بالمدة المقررة وبصورة نهائية في حين أن العكس هو الصحيح إذ لا يتوجب قراءة هذه المادة بمعزل عن الفقرة (5) نهائيا، وذلك أن المفهوم أن مدة الحبس التي تقررها المادة 157 بحدودها الأولى من 157القصوى تتكرر كل عام في حال عدم تسديد المبلغ، إذ ذكرت تلك المادة مدة الحبس القصوى في السنة الواحد، هذا من جهة ومن جهة أخرى أن مدة الحبس المقررة لا تعتبر مدة محكومية جزائية مثلا ليصار إلى انقضائها لان مدة الحبس التنفيذي تتكرر سنويا طالما لم يتم دفع المبلغ (6)

أما المشرع الأردني فقد وضع سقفًا أعلى للحبس ولم يحدد أو يضع قيودًا على المشرع تتناسب مع قيمة الدين، بل ترك ذلك لتقدير القاضي آخذا بعين الاعتبار عدم تجاوز الحبس مدة 90 يوما في السنة الواحدة مصرحًا أنه يمكن حبس المدين ذاته مرة أخرى بعد انقضاء السنة لذات الدين أو استمرار حبسه في السنة ذاتها لدين آخر لذات الدائن أو لدائن آخر. انه بقراءة الفقرة د من م 22 تنفيذ أردني يتضح أنه يمكن استمرار الحبس بعد انقضاء مدته من أجل دين آخر وبهذا يختلف مع نظيره الفلسطيني الذي منع الحبس لأكثر من 91 يوما في السنة الواحدة مهما بلغت قيمة الدين أو تعددت الديون. وبناء عليه فان المشرع الفلسطيني قد حدد أنه مهما تعددت الديون فلا يجوز الحبس لأكثر من هذه المدة فالسبب واضح إذ ليس من المعقول أن يحبس شخص مثل هذه المدة ولن يقوم بالوفاء بما التزم به إلا إذا كان معدوم الحال فعلا فلا فائدة من حبسه مرة أخرى لدين آخر، و أرى أن اتجاه المشرع الفلسطيني كان سليمًا ولكني أفضل لو أنه منع الحبس مطلقًا بعد انتهاء هذه المدة وليس فقط في ذات السنة بشرط أن يثبت الدائن تبدل أحوال مدينة إلى الأفضل، عندها ينظرا القاضي بأمر حبس جديد. وفي شق المادة الثاني فإنه من الواضح أن المشرع نظر إلى قيمة الدين وهو أمر حسن إذ منع حبس المدين مدة تزيد عن( 21 ) يومًا إذا كان قيمة الدين لا تتجاوز خمسمائة دينار ولكن السؤال هنا هو، هل يجوز للقاضي الحكم ب ( 91 ) يوما إذا كانت قيمة الدين خمسمائة دينار بالضبط ؟ وخاصة أن المشرع قال (لا تتجاوز) ولذا كان من الأفضل منعًا للبس أن تكون الصيغة “أقل أو تساوي خمسمائة دينار” وهذا الحد هو غير موجود لدى المشرع الأردني وبذا يجوز للقاضي وفقًا للقانون الأردني الحبس مدة ( 90 ) يوما على دين مهما كانت قيمته قلت أو كثرت.

وتقع المادة في انتقاد آخر من وجهة نظري من الأفضل لو نظرنا إليه، وهو أن المشرع أمر بحال تقسيط الدين المحكوم به فلا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس ( 21 ) يوما عن كل قسط يتخلف المدين عن دفعه، ولكن السؤال هنا إذا ما تقرر تقسيط الدين إلى أقساط كانت قيمة القسط أكثر من ( 500 ) دينار، هل نكون ضمن مدة ( 91 ) يوما رغم أنه دين مقسط أم أنه لا يجوز للقاضي تجاوز حد ( 21 ) يوما ، وخاصة أن المشرع اعتبر كل قسط من هذه الأقساط دينا مستقلا؟ ولذا كان من الأفضل لو حدد المشرع وجهته هنا بإضافة “مهما بلغت قيمة القسط ” أو بإضافة كلمة ما لم يتجاوز الخمسمائة دينار”، كما أنه كان من الأفضل للمشرع أن يضع كلمة الدينار الأردني أو ما يعادله بالعملة المتداولة بين الأطراف وذلك نظرًا لتعدد أوراق النقد المتداولة فيما بيننا في فلسطين. الشرع الإسلامي كان له موقف وفلسفة عادلة ينبغي دراستها والتقرب منها لدرجة التقييد فيها فالأئمة لهم رأي مصدره العدل المطلق ” فالإمام مالك رضي الله عنه قال: يجب أن يحبسه حتى تقوم البينة بعسره، والإمام أبو حنيفة قال: يحبسه ستة أشهر ثم يخلى سبيله وروى الحسن بن زياد أنه يحبس أربعة أشهر ثم يخلى سبيله ، وروى غيرهما أربعين يومًا وهناك رأي حتى . يحلف فإن حلف أخلي سبيله في الحال حتى أنه إذا كان هناك دليل على عسرة لم يجز حبسه” (7)

ورجح ابن القيم رحمه الله أن المدة غير مقيدة بزمان وإنما ترجع إلى تقدير الحاكم حيث . قال عن الحبس “أنه لا حد له وأنه مفوض إلى رأي الحاكم” (8) واستثنى المشرع الأردني من تحديد حد أعلى للحبس حالة ما إذا كان المحكوم عليه ممتنعا عن تسليم الصغير إلى الذي عهد إليه بحفظه، “والمراد هنا بالصغير من كان في سن الحضانة”(9)، وهو أمر وجد مراعاة لصالح الصغير حيث تنص م 22 ف 4 تنفيذ أردني على أنه من الحالات التي يجوز فيها الحبس دون حاجة لإثبات اقتدار المحكوم عليه: “الامتناع عن تسليم الصغير الذي عهد إليه بحفظه وكذلك عدم الالتزام بتنفيذ حكم المشاهدة ويجدد الحبس تلقائيًا لحين الإذعان”،ولم يترك المشرع مدة الحبس من دون تحديدها في أي من الدول التي قمت بمقارنة قوانينها إلا أنه قد اختلف في تحديد مدة الحبس (10) وبما أن المشرع كان هدفه من الحبس هو الضغط على الدائن وإكراهه بدنيًا وذلك حتى يفي بالتزامه فإن وجود المحكوم عليه في السجن يعيقه عن محاولة إتمام أمره وسداد دينه لذا فإن بعض المشرعين راعى ظرف المدين فمنع حبسه بين الموقوفين أو المحكوم عليهم بقضايا جزائية(11) كما أوجب على إدارة السجن أن تهيئ له ظروف الاتصال بالعالم الخارجي لتدبير أمره ووفاء دينه (12) . ويرى جانب من الفقه أنه “لا يجوز اتخاذ قرار جديد بتجديد مدة الحبس قبل إخلاء سبيل المدين بل لا بد من إطلاق سراحه بعد انتهاء مدة الحبس لإفساح المجال أمامه لتنفيذ التزامه، كما أنه ولفائدة المقارنة لا بد من الاشارة الى أن بعض الفقهاء في سوريا كان لهم رأي في حبس المدين اذ اعتبروا الحبس من النظام العام يطبق على سائر المقيمين فيها بما فيهم الأجانب متى توافرت شروط التضييق القانونية، سواء كان الحكم صادر من محاكم سورية أو أجنبية، ولا يمنع أن يكون قانون البلد الأجنبي لا يجيز هذه الطريقة من طرق التنفيذ أو أن تكون مدة الحبس في .” القانون الأجنبي تختلف عن مدته في القانون السوري(13)_

_________________

1- عبد الحميد، رائد. الوجيز في شرح قانون التنفيذ الفلسطيني.الطبعة الأولى. 2008. ص 355

2- تنص المادة 254 من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري رقم 84 لسنة 1953 على انه:” تكون مدة الحبس في

الأصول المنصوص عليها في المادة 64 على الوجه الآتي: عشرة أيام إذا كان المبلغ المحكوم به لا يتجاوز مائة ليرة

سوري، وثلاثين يوما إذا كان المبلغ المحكوم به يتجاوز مائة ليرة سوري ولا يزيد عن خمسمائة ليرة سورية، وستين يوما

إذا كان المبلغ يتجاوز الخمسمائة ليرة سورية ولا يزيد عن ألف ليرة سورية، وتسعين يوما إذا كان يتجاوز هذا الحد أو

يتعلق بتسليم الولد أو تامين اراءته.

3- تنص م 158 ف 1 تنفيذ فلسطيني على أنه ” لا يجوز حبس المدين ثانية من أجل نفس الدين بعد الإفراج عنه سواء

بموافقة المحكوم له أو لانتهاء مدة الحبس المحكوم بها عليه”.

4- ادكيدك، حازم : حبس المدين وفقا لقانون التنفيذ الفلسطيني .تقوية القضاء الفلسطيني سيادة

.2007 . ص

5- تنص م 157 من قانون التنفيذ الفلسطيني على أنه ” 1- لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تنفيذا لأي قرار يصدره قاضي التنفيذ عن ( 91 ) يوما في السنة الواحدة وأن لا يتجاوز مجموع مدد الحبس عن ( 91 ) يوما في السنة الواحدة مهما بلغ الدين أو تعددت الديون “.

6- عبد الحميد، رائد: الوجيز في شرح قانون التنفيذ الفلسطيني. مرجع سابق. ص 354

7-مجلة البحوث الفقهية المعاصرة .الغاية من حبس المدين الكشف عن حاله. دون بيانات أخرى . مشار اليه في الصفحة

. 2007 . الساعة 16:00 /8/ الأربعاء 8 ، :www.fiqhia.com.sa : الالكترونية

8- الجوزية، ابن القيم: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. تحقيق د. محمد جميل غازي. القاهرة: مطبعة المدني. ص

.93

9- استانبولي، أديب. تقنين أصول المحاكمات المدنية السوري في المواد المدنية والتجارية .

. الجزء الخامس. الطبعة الثانية. 1996 ص 237

10- تنص م 324 قانون الإجراءات المدنية والتجارية الإماراتي رقم 11 لسنة 1992 على انه:”… إذا كان للمدين إقامة

مستقرة فلا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس ستة أشهر متتالية، ويجوز الأمر بتجديد حبسه بعد انقضاء تسعين يوم على إخلاء

سبيله إذا ظل ممتنعا رغم قدرته على الوفاء….

11-تنص الفقرة ج من القاعدة الثامنة من الاتفاقية المتعلقة بتفعيل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء على أنه:” يفصل

المحبوسون لاسباب مدنية بما في ذلك الديون عن المسجونين بسبب جريمة جزائية ” وهي الاتفاقية التي أوصى باعتمادها

مؤتمر الامم المتحدة الاول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقدة في جنيف عام 1955 والتي أقرها المجلس الاقتصادي

. والاجتماعي بقراريه رقم 663 ج (د 24 ) بتاريخ 21 /تموز / 1957 وبقرار رقم 2076 (د- 62 ) بتاريخ 13 /أيار / 1967

12- تنص م 5 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية الإماراتي رقم 11 لسنة 1992 على أنه ” يحبس المدين في السجن

بمعزل عن الموقوفين أو المحكوم عليهم بالقضايا الجزائية وتهيئ له إدارة السجن الوسائل المتوفرة من اجل الاتصال مع

العالم الخارجي ليتمكن من تدبير أموره للوفاء بالدين أو إجراء تسوية مع الدائنين “.

13- استانبولي، أديب: تقنين أصول المحاكمات المدنية والتجارية السوري. الجزء الخامس. مرجع سابق. ص 253

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .