من هي المحكمة المختصة بنظر دعاوى استرداد الأوراق التجارية في المملكة العربية السعودية ؟

المحامي : خالد السريحي

قامت شركة ما (مستأجرة) بتحرير شيكات إلى شركة أخرى (مؤجرة) كضمان للقيمة الإيجارية للعين المؤجرة ، بعد أن تحايلت الشركة (المؤجرة) وأفهمتها بضرورة ذلك ، بعد فترة اتضح للمستأجرة بأنها لن تمكنها من استغلال العين المؤجرة ولن تنفذ مضمون عقد الإيجار بحجة تعطل المشروع ، وعندما طلبت المستأجرة الشيكات التي حررتها من المؤجرة .. فرفضت وهددتها بصرفها !!

هذه ببساطة وقائع لقضية أشغلتني برهة من الزمن ، فقد يتساءل البعض لماذا ؟ سأشرح لكم بالتفصيل الممل باقي وقائع القضية ….

قامت الشركة المستأجرة بتسليمي أوراق القضية وطلبت مني استرداد هذه الشيكات وإقامة دعوى بهذا الخصوص لدى الجهة القضائية المختصة ، و ضعوا أنتم تحت المختصة ألف خط !!

قمت بالبحث في نظام الأوراق التجارية وهل مكتب الفصل مختص بنظر دعاوى استرداد أصل الورقة وليس قيمة الورقة واتضح لي أنه غير مختص ، لجأت لنظام المحكمة التجارية وبحثت و لم أجد كذلك ، فتوقفت أخيراً عند نظام المرافعات الشرعية ووجدت ما يمكن أن ينعقد به الاختصاص وهو مضمون المادة الحادية والثلاثون وهذا نصها “من غير إخلال بما يقضي به نظام ديوان المظالم ، وبما للمحاكم العامة من اختصاص في نظر الدعوى العقارية ، تختص المحاكم الجزئية بالحكم في الدعاوى الآتية : أ- دعوى منع التعرض للحيازة ودعوى استردادها” وجاء في اللائحة التنفيذية تحت المادة ذاتها في الفقرة الرابعة ما يلي :

دعوى استرداد الحيازة هي : طلب من كانت العين بيده – وأخذت منه بغير حق ، كغصب وحيلة – إعادة حيازتها إليه ، حتى صدور حكم في الموضوع بشأن المستحق لها .

بدأت بإعداد صحيفة الدعوى وضمنت نص المادة فيها ومن ثم تقدمت للمحكمة الجزئية – حينذاك – بطلب استرداد أصل الشيكات ، طبعاً لن أشرح ما واجهني من متاعب لقيد الدعوى ابتداءً ، فأحيلت إلى قاضي ، تم تحديد موعدنا لنا وقبل موعد الجلسة بعشرة أيام وردني اتصال من مكتب القاضي طالباً مني مراجعة القاضي وعدم تبليغ الخصم ، استفسرت عن الأسباب إلا أن الموظف أصر على حضوري لمقابلة القاضي .

في اليوم التالي راجعت القاضي كما طلب مني ، فدخلت عليه فقال لي : الدعوى لسنا مختصين بها وسأحيلها إلى ديوان المظالم لأنها تجارية ، فعقبت على ذلك بأن الدعوى من اختصاص المحكمة الجزئية استناداً لنص المادة الحادية والثلاثون ، وديوان المظالم غير مختص بذلك ، فتمسك القاضي بكلامه فطلبت منه أن يحكم بعدم الاختصاص وأن يكون لي حق الاعتراض فرفض وقال سأحيلها كما هي استناداً لنص المادة الحادية عشرة من نظام المرافعات وما ورد باللائحة التنفيذية في الفقرة الخامسة ونصها “إذا رفعت القضية للقاضي ، أو أحيلت إليه ، وهو غير مختص بها ، فيعيدها إلى الجهة المختصة” ، فتمت إحالتها إلى ديوان المظالم وأحيلت القضية إلى أحد الدوائر التجارية فلم أقم بتحديد موعد وطلبت من الدائرة البحث في الاختصاص من عدمه قبل تحديد جلسة ، فاستجابت الدائرة مشكورة لذلك ، وقمت بإيضاح الصورة كاملة لها وبناءً عليه حكمت سريعاً بعدم الاختصاص وحددت لي موعداً قريباً لاستلام الحكم حتى أعود للمحكمة الجزئية مرة أخرى .

هنا انتهى الطريق فأنا عندما صدر الحكم أبديت القناعة في الجلسة ، وعند استلام الحكم تفاجأت بأن الدائرة حكمت بعدم الاختصاص ولكنها حددت جهة الاختصاص ، وعقدت الاختصاص لمكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية دون تسبيب مقنع !!

فلم يعد بمقدوري الرجوع للمحكمة الجزئية طالباً قيد الدعوى لأنهم سيطلبوا حكم من مكتب الفصل بعدم الاختصاص ، لكن في هذه الاثناء وردني اتصال من مدير الشركة المستأجرة يخبرني بأن الموضوع قد انتهى صلحاً مع الشركة المؤجرة وأنه لا حاجة لإكمال الدعوى .

الموضوع يبدو متشعب ويحتاج بحث لكني أجزم بأن الاختصاص منعقد للمحكمة الجزئية ، أولاً نص المادة الحادية والثلاثون واضح وصريح ، ثانياً أن المحاكم العامة ذات ولاية عامة فما يخرج عن اختصاص جهات التقاضي الأخرى يكون الاختصاص منعقد لها ، وكون دعوى استرداد الأوراق التجارية ليس هنالك جهة مختصة بنظرها فتكون المحاكم العامة هي المختصة لولا وجود النص بالمادة الحادية والثلاثين ، فلا اجتهاد مع النص والخاص يقيد العام ، فالمادة استهلت بـالعبارة التالية “من غير إخلال بما يقضى به نظام ديوان المظالم ، وبما للمحاكم العامة من اختصاص في نظر الدعاوى العقارية” ، فالنص هنا قيد الولاية العامة للمحكمة العامة وجعل الاختصاص منعقد للمحكمة الجزئية .

لكن يظل تمسك المحاكم بعدم اختصاصها بنظر هذه الدعاوى هو السائد رغم ندرة هذه القضايا في المملكة ، فحتى الآن لا يوجد جهة قضائية مختصة وأصدرت أحكام بذلك على حد علمي ، وأنا لم أسمع عن قضايا مماثلة أصلاً !