المحكمة الجنائية الدولية

المحامية / منال داود العكيدي

تم تشكيل المحكمة الجنائية العليا بموجب قانون روما الذي دخل حيز التنفيذ في الاول من تموز من عام 2002 وتعد اول محكمة قادرة على محاكمة الافراد الذين ارتكبوا جرائم الابادرة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وكذلك جرائم الحرب والاعتداء وللمحكمة اختصاص تكميلي اذ انها تكمل عمل الاجهزة القضائية الوطنية فتقوم بدروها القضائي ان ابدت المحاكم الوطنية رغبتها في ذلك او اذا كانت غير قادرة على التحقيق او الادعاء ضد تلك القضايا وتعد المحكمة الجنائية الدولية اول هيأة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية لمحاكمة مجرمي الحرب ممن ارتكبوا جرائم ضد الانسانية .

وهي بمثابة منظمة دولية انضم اليها لغاية الذكرى العاشرة من تأسيسها في الاول من تموز من عام 2012 (121) دولة وما يزال هناك عدد من الدول الكبرى التي تأبى التوقيع على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية مثل الصين والهند وامريكا واسرائيل ( تم توقيعه من قبلهما ثم انسحبتا منه بعد ذلك ) وروسيا .

ومن الجدير بالذكر ان هذه المحكمة هي هيأة دولية مستقلة عن الامم المتحدة من حيث التمويل وكذلك الموظفين وهي تختلف ايضا عن محكمة العدل الدولية التي تعد احد اذرع هيأة الامم المتحدة التي تتولى حل النزاعات بين الدول فلكل منهما نظام مستقل عن الاخرى .

تقع المحكمة في هولندا وهو المقر الرئيس لها ومنه تتابع المحكمة عملها في اي جزء من اجزاء العالم . وترجع جذور انشاء المحكمة الجنائية الدولية الى المحاكم التي انشئت في نورنبرغ وطوكيو لمحاكمة كبار مجرمي الحرب العالمية الثانية حيث اذ عدت حافزا لانشاء محكمة دولية للنظر في الجرائم ضد الانسانية وقد تشكلت لجنة خاصة لهذا الغرض بناء على طلب من قبل الامم المتحدة وقامت هذه اللجنة بتقديم مسودتين لنظام المحكمة الجنائية وذلك في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي الا ان كلا المسودتين بقيتا حبيسي الادراج بسبب الحرب الباردة التي جعلت من تأسيس المحكمة في ذلك الوقت أمر غير منطقي .

وفي عام 1989 اقترحت كل من ترينداد وتوباغو انشاء محكمة دولية دائمة للنظر في قضايا تجارة المخدرات رافق ذلك انشاء محكمتين مؤقتتين لمحاكماً مجرمي الحرب في يوغسلافيا عام 1993 ومحكمة اخرى في رواندا عام 1994 وكان هذا حافزا قويا لتكثيف الجهود باتجاه انشاء المحكمة الجنائية الدولية .

اقرت الجمعية العامة للامم المتحدة مشروع قرار انشاء المحكمة باغلبية 120 صوتاً مؤيداً مقابل سبعة اصوات رافضة وهي كل من امريكا واسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن وامتنع 21 عضواً عن التصويت وذلك في عام 1998 وقد تحول القانون الى معاهدة ملزمة بعد مصادقة 60 دولة عليه ولكن التاريخ الذي ظهرت فيه المحكمة الى حيز الوجود هو في الاول من تموز من عام 2002 وبذلك لا يمكن لها ان تنظر في القضايا التي حدثت قبل هذا التاريخ .

ويبنى عمل المحكمة الجنائية الدولية على اساس نطاق اختصاصها من حيث الزمان ويسمى بالاختصاص الزماني ومن حيث المكان ويطلق عليه الاختصاص الاقليمي وكذلك من ناحية ولايتها على الافراد ويسمى الاختصاص الشخصي فضلا عن الجرائم التي يحق لها النظر فيها ويطلق على هذا الاختصاص بالاختصاص الموضوعي .

فمن ناحية الاختصاص الزماني فقد نصت المادة 11 / الفقرة 1 من النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يطلق عليه ايضا نظام روما على انه (ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام الأساسي) وهذا يعني ان هذه المحكمة تختص بالنظر في الجرائم التي ارتكبت بعد دخول نظامها الاساسي حيز التنفيذ فلا ولاية للمحكمة على الجرائم التي وقعت قبل نفاذ النظام الاساسي للمحكمة كما تنص الفقرة الثانية من المادة ذاتها على انه (إذا أصبحت دولة من الدول طرفًا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، فلا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد بدء نفاذ هذا النظام بالنسبة لتلك الدولة) وهذان النصان جاءا تطبيقا للمبدأ القانوني القاضي بعدم جواز تطبيق القوانين الجنائية بأثر رجعي على الماضي وهو مبدأ قانوني مطبق في جميع النظم القانونية في العالم .

اما بالنسبة للاختصاص المكاني ( الاقليمي ) للمحكمة فهو ينطلق من مبدأ سيادة الدولة على اراضيها فتختص المحكمة بالنظر في القضايا التي تدخل في اختصاصها التي حددتها المادة 5 من النظام الاساسي للمحكمة على ان تكون تلك الجريمة واقعة على اقليم احدى الدول الاطراف في النظام الاساسي للمحكمة اي احدى الدول الموقعة على النظام الاساسي لها بغض النظر عن هوية الدولة المعتدية اي سواء كانت دولة طرفاً في النظام الاساسي ام لا مع عدم التزام الدولة غير العضو في النظام الاساسي للمحكمة بالتعاون مع الدولة الاخرى الا في حالة توافر اتفاق دولي بالتسليم او معاهدة متعددة الاطراف .

وقد نصت المادة (25) من النظام الاساسي للمحكمة على المسؤولية الجنائية الفردية فيطبق قانونها على الاشخاص الطبيعيين فهم مسؤولون مسؤولية فردية عن الجرائم التي يرتكبونها التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة ولا تقع على دولته اي مسؤولية بموجب القانون الدولي وذلك استنادا الى نص الفقرة 4 من المادة الاولى من النظام الاساسي للمحكمة التي تقول ( لا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي).

كما ان الحكم الذي تصدره المحكمة على الافراد لا يؤثر على مسؤولية الدولة عن اعمالها غير المشروعة طبقا للقانون الدولي حيث انها تبقى ملتزمة بالتعويض عن الضرر الناشئ عن مسؤوليتها الدولية .

ويلاحظ ان النظام الاساسي للمحكمة قد اخذ بنظر الاعتبار المبادئ العامة المقررة في القانون الجنائي وكذلك اتفاقية حقوق الطفل فقد نصت المادة 26 من النظام الاساسي على انه ( لا يكون للمحكمة أي اختصاص على أي شخص يقل عمره عن18عامًا وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه ) . وبالرجوع الى المادتين 27 و 28 من النظام الاساسي نجد انهما قد حددتا الاشخاص الذين يحق للمحكمة ملاحقتهم قضائيا وهم فئتان : الفئة الأولى : رؤساء الدول وذوو المناصب العليا .

اما الفئة الثانية فهم القادة والرؤساء العسكريون المسؤولون عن أعمال مرؤوسيهم .
اما بالنسبة للجرائم التي تتولى المحكمة الجنائية الدولية النظر فيها طبقا لنظامها الاساسي فهي الجرائم التي حددتها المادة 5 التي يطلق عليها الاختصاص الموضوع للمحكمة وهذه الجرائم هي : جريمة الابادة الجماعية التي عرفتها المادة 6 من النظام الاساسي للمحكمة بقولها (أي فعل من الأفعال يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه يعد إهلاكاً كلياً أو جزئياً ).

اما الفئة الثانية من الجرائم فهي الجرائم ضد الانسانية والتي ورد تعداد لها في المادة 7 من الباب الثاني لنظام روما الاساسي وهي : القتل العمد و الاسترقاق والتعذيب وفرض احوال معيشية بقصد اهلاك السكان الابعاد القسري ( التهجير) والاختفاء القسري ( الاحتجاز او الاختطاف ) .

وبالنسبة للفئة الثالثة من الجرائم والتي جاء ذكرها في المادة الثامنة من النظام الاساسي فهي جرائم الحرب وتعني (الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 اب 1949م بمعنى أي فعل من الأفعال اللاحقة ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقيات جنيف ذات الصلة وهذه الأفعال هي: القتل العمد والتعذيب أو المعاملة غير الاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.و تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.

والانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي)

واخيرا الفئة الرابعة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية هي جريمة العدوان والتي عرفها القانون الدولي بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة لعام 1974 على انه (العدوان هو استعمال دولة ما، القوة المسلحة ضد دولة اخرى ضد السيادة وسلامة الارض والحرية السياسية او بأية طريقة اخرى ) وقد عارضت الكثير من الدول على ادراج جرائم العدوان ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة وذلك بسبب غياب تعريف واضح ومحدد وكذلك صعوبة التوفيق بين مسؤولية مجلس الأمن في صون السلم والأمن مع ان هناك تيار مؤيد لمسالة ادراج جريمة العدوان ضمن اختصاصات المحكمة وذلك لاستيفائه المعايير الواردة في ديباجة النظام الأساسي وفي مادته الأولى، بالاستناد إلى المادة السادسة من ميثاق نورمبرج والمادة الأولى من توصية الجمعية العامة 3314 سنة 1974 والتعريف المقترح من قبل لجنة الخبراء 1955 وقد تم تضمينها فعلاً في نظامها الأساسي إلا أن المحكمة لن تمارس ولايتها على هذه الجريمة إلا اذا تم اعتماد حكم بهذا الشأن.