المحاكمات القانونية للوزراء في الأردن

بقلم المحامي
سلام مصطفى بني سعيد
3/6/2011

لما كانت الوزارة(الحكومة) تتشكل في الأردن بموجب إرادة ملكية سامية عن طريق التعين سندا للمادة 35 من الدستور التي تنص على:((الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالاتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء)) فان هذه الصورة من التعين توجب بيان صلاحيات الوزراء ومهامهم وقد وضع الدستور الأردني صيغة عامة تبين صلاحيات الوزراء ضمن صلاحيات مجلس الوزراء ككل وذلك بعدم تحديدها في النص الدستوري ذاته بل جعل هذه الصلاحيات عن طرق أنظمة يضعها مجلس الوزراء وذلك بموجب المادة 45/2 من الدستور التي تنص على:((تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدق عليها الملك)).

على الأساس المتقدم يتبين أن مسؤولية الوزراء منعقدة فور تعينهم بموجب الإرادة الملكية السامية إلا أن الصلاحيات والمهام التي يمارسها كل وزير لا بد أن تحدد بموجب نظام ومن هنا كانت الأنظمة الداخلية للوزارات المختلفة التي تبين المهام والصلاحيات التي يمارسها الوزير وبمفهوم النتيجة هي تلك الأنظمة التي تكون أساسا لبيان ما يقوم به الوزير من عمل، إلا أن ذلك لم يمنع المشرع الدستوري من النص دستوريا على ما يمتنع على الوزير القيام به من بعض الأعمال منذ اللحظة الأولى لتوليه الوزارة وحتى نهاية عمله كوزير وهي :عدم جواز أن يشتري الوزير أو يستأجر شيئا من أملاك الدولة ،عدم المشاركة في عضوية مجالس الشركات،عدم جواز تعاطي أعمال التجارة أو تقاضي أية رواتب من أية شركة….وذلك استنادا إلى المادة 44من الدستور التي تنص على:((لا يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئا من أملاك الحكومة ولو كان ذلك في المزاد العلني كما لا يجوز له أثناء وزارته أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة ما،أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي أو أن يتقاضى راتبا من أية شركة)).

من هنا فانه إضافة إلى مسؤولية الوزير أمام مجلس الأمة عن أعمال وشؤون وزارته فان عليه مسؤوليات متعددة،ولكن كيف يتم محاسبة الوزير إذا اخل بمسؤولياته وصلاحياته التي حددها الدستور أولا والقوانين والأنظمة ثانيا؟؟ إذ أن ممارسة عمل الوزير لا تكون بلا سند أو مرجعية قانونية.

إن محاسبة الوزير تتم عن طريق محاكمته أمام مجلس خاص بمحاكمة الوزراء على أن تكون الجرائم والمخالفات التي يحاكم من اجلها ناتجة عن تأدية مهامه كوزير أي أن الوزير يحاكم في حدود صلاحيات ومهام الوزير،وذلك واضح من خلال المادة 55من الدستور التي تنص على:((يحاكم الوزراء أمام مجلس عال على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم)).

وبما أن الواقع العملي للمحاكمات في المحاكم يجعل من الضابطة العدلية ( الادعاء العام والشرطة ) صاحبة الصلاحية في التنقيب والاستقصاء والتحري عن الجرائم الواقعة من وعلى الأشخاص والأموال وإحالة الاظناء أو المتهمين إلى المحاكم المختصة ثم تمثيل المجتمع في المحاكمة عن طرق تقديم الأدلة والبينات وطلب الإدانة،لا بد من السؤال :من هي الجهة المختصة بالتنقيب واستقصاء جرائم الوزراء وجمع الأدلة ومن ثم الإحالة إلى المجلس المختص دستوريا بالمحاكمة؟؟.

لقد حصر الدستور الأردني النافذ حق اتهام الوزراء بمجلس النواب وذلك عندما يرى المجلس أن مخالفة أو جريمة ارتكبها احد أعضاء مجلس الوزراء تتعلق بواجباته ومسؤولياته المناطة به كوزير على أن يصدر قرار الاتهام بأكثرية ثلثي عدد أصوات مجلس النواب ،أي لا يمكن اتهام الوزير دون الحصول على هذه الأكثرية وبالتالي عدم المحاكمة أصلا إذ أن الأكثرية المطلوبة ليست أكثرية أصوات النواب الحاضرين جلسة الاتهام بل أكثرية أصوات عدد النواب الذين يتشكل منهم المجلس،بل اوجب على مجلس النواب أن يمارس صلاحيات الادعاء العام وتقديم الأدلة وذلك عن طريق تعين نائب أو أكثر للقيام بهذه المهمة أمام المجلس العالي لمحاكمة الوزراء وذلك وفقا للمادة 56 من الدستور التي تنص على:(( لمجلس النواب حق اتهام الوزراء ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأكثرية ثلثي أصوات الأعضاء الذين يتألف مهم مجلس النواب وعلى المجلس أن يعين من أعضائه من يتولى تقديم الاتهام وتأيده أمام المجلس العالي)).

ولكن ممن يتشكل مجلس المحاكمة (المجلس العالي لمحاكمة الوزراء)؟؟ وما هو القانون الذي يطبقه في إصدار قراره في الإدانة أو غيرها؟؟ هل يمارس الوزير العامل صلاحياته أثناء سير المحاكمة؟؟وهل تحول استقالة الوزير أو إقالته دون محاكمته؟؟وهل يجوز للوزير الاستناد إلى أوامر جلالة الملك الشفوية أو الخطية للدفع بعدم مسؤوليته عما نسب إليه؟؟.

يتألف المجلس العالي لمحاكمة الوزراء من رئيس مجلس الأعيان ويكون هو رئيس المجلس ومن أعضاء بعدد ثمانية ثلاثة منهم يعينهم رئيس مجلس الأعيان عن طرق الاقتراع ومن خمسة قضاة على أن يكونوا أعلى خمسة قضاة فيها من حيث الدرجة بترتيب الاقدمية،ويتم إكمالهم عند الضرورة من رؤساء المحاكم التي تلي أعلى محكمة درجه،وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أعلى محكمة نظامية في الأردن هي محكمة التميز وكل ذلك وفق المادة 57 من الدستور الأردني ،وتسمى في بعض البلدان العربية محكمة النقض.

أما القانون المطبق على المحاكمة فهو قانون العقوبات الأردني النافذ إذا كانت الجريمة مما اشتمله قانون العقوبات من نصوص،أما إذا كان الجرم المنسوب للوزير مما لا نص فيه في قانون العقوبات ،فيتم تعين الجريمة أو الجرائم بقانون خاص لهذه الغاية وذلك وفقا للمادة 58 من الدستور التي تنص على:(( يطبق المجلس العالي قانون العقوبات المعمول به في الجرائم المنصوص عليها فيه وتعين بقانون خاص الجرائم التي تترتب عليها مسؤولية الوزراء في الأحوال التي لا يتناولها قانون العقوبات)).

وأثناء المحاكمة إذا كانت تتعلق بوزير عامل فانه يوقف عن العمل إلى أن يصدر المجلس القرار في الموضوع،واستقالة الوزير أثناء عمل المجلس أو كانت المحاكمة تتعلق بوزير غير عامل فان ذلك لا يمنع محاكمته ابتداء والسير فيها وذلك كله استنادا للمادة 61من الدستور التي تنص على)):الوزير الذي يتهمه مجلس النواب يوقف عن العمل إلى أن يفصل المجلس العالي في قضيته ولا تمنع استقالته من إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار في محاكمته)).

وقد يحدث عمليا أن يستند احد الوزراء أثناء المحاكمة أو في طور الاتهام إلى أوامر الملك الشفوية أو الخطية بهدف التهرب من المسؤولية أو التخفيف منها ،وان حدث ذلك لا يمنع محاكمته أو معاقبته ابتداء وانتهاء وذلك وفاقا للمادة 49من الدستور التي تنص على:(( أوامر الملك الشفوية أو الخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم)).

وتجدر الإشارة وبما أن القانون المطبق مبدئيا هو قانون العقوبات فان القرار الصادر من المجلس بنتيجة المحاكمة يمكن أن يكون البراءة أو عدم المسؤولية أو الإدانة أو إسقاط الدعوى أو غيرها من صور الحكم التي تصدر عن المحاكم النظامية على أن يكون القرار بأغلبية ستة أصوات من أعضاء المجلس.
((من عرف الحق عز عليه أن يراه مهانا))