القوانين العادلة أفضل أداة للتكافل الاجتماعي

لقد وجدت الدول النامية بعد الكوارث والصراعات الطويلة التي حلت بها, ثمة حاجة للبحث عن وسائل عملية للاستفادة من قوانين عادلة ومتجددة لترسيخ مباديء التكافل الاجتماعي ولإحلال السلام.
وكما قال الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون “من السهل الكلام عن ثقافة متبادلة وعن تسامح وصداقة بين المجتمعات الا انه من الصعب جدا ترجمة هذه الكلمات الى أفعال”.

وكان طه حسين محقاً حينما قال في خطاب له في أحد اجتماعات اليونسكو في باريس مطالباً العالم الغربي بفسح المجال لنا للاستفادة من قوانينهم العادلة ومسايرة النمو والارتقاء: “فليمنح الأقوياء في هذا العالم غيرهم شيئاً من الحرية العزيزة وحقوق الإنسان وقدراً من هذه الثقافة التي تلقى الحب والتعظيم في كل مكان”.

وفي هذا الإطار يقول شيخ فلاسفة الألمان “يورغن هابرماس” : “حقوق الإنسان والحقوق المدنية ليست حكراً على الغرب, فإن كافة الثقافات من حقها أن تتقاسم القيم الأخلاقية”.
ومن جانبنا يمكننا أن نذكر بفخر بأننا قادرون على المشاركة في التعاون المفيد بهذا الشأن, فقد ورثنا شريعة متطورة فيها عناصر قال عنها الفقيه الفرنسي “لامبير أدوارد” في مؤتمر لاهاي للقانون المقارن العام 1932م: “لو تولتها يد الصياغة فأحسنت صياغتها لصنعت منها نظريات ومباديء لا تقل في الرقي والشمول ومسايرة التطور عن أفضل النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم كنظرية الظروف الطارئة, ونظرية التعسف في استعمال الحق, ونظرية تحمل التبعة, ومسئولية عدم التمييز وغيرها”.
وهذا يعطينا الحق في أن ندخل بثقة عالم الأقوياء بتراثنا وعلمنا معاً ونشارك في إمداد أطراف المجتمع الدولي بالمفيد من الأحكام, وفي نفس الوقت نستفيد من تبادل المعرفة القانونية مع الآخرين.

أن العولمة وانفتاح اقتصاد الدول بعضها على بعض وعلى العالم كان أحد أسباب ثورة المفاهيم القضائية التي بدأت منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين, ونتج عن ذلك تأثير سياسي مماثل على المستوى الوطني للدول.

وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي, بحيث لم تعد الدولة هي المصدر الوحيد لإنتاج القوانين الوطنية, بل أصبحت هناك أيضاً نصوص وقواعد قانونية اصلها أوربي أو دولي قوتها الملزمة أعلى درجة من النصوص الصادرة عن المشرعين داخل الدول الأعضاء, كمحكمة العدل في لوكسمبورغ, والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.
في الواقع إننا كبشر لا نعرف قدرنا من فراغ بل من خلال انطباع المجتمع عنا. إن الإنسان, وكما يقول عالم الاجتماع الأمريكي “شارل كولي”, يشعر بالزهو أو الهوان تبعاً لانطباع الآخرين عنه والمستمد في الغالب من هذه التشريعات.
ولذلك فإن الاتجاه العلمي الذي تسير عليه الحضارة الحديثة يقوم على منهج التفكير الموضوعي الذي لا تتدخل العاطفة والحماس فيه.

فالبشر في المجتمعات المتقدمة يتبعون القوانين والتشريعات السارية في مجتمعهم ليس تحت تأثير التوعية الإعلامية فقط, بل طمحاً في كسب رضا المجتمع عنهم لآنها رمز وتعبير لقيم اجتماعية, فضلاً عن دوافع العمل الذي يجنبهم العقوبة.
يتضح لنا بأن القوانين العادلة أفضل أداة للتكافل الاجتماعي والتفاهم الدولي وأنها توحد كل الشعوب. وهنا لابد لي من تكرار ندائي الى كل البرلمانات ومراكز التدوين القانوني والهيئات القضائية العليا وكليات الحقوق وأساتذة الفقه والقانون ونقابات المحامين, بالمبادرة وتحمل المسئولية في هذا الشأن, والمساهمة في الفعاليات الدولية التي تسعى لنشر القوانين العادلة وتبادل المعرفة القا نونية.

وهكذا علينا أن ننظر للحقوق نظرة اجتماعية خالصة يفهم منها انها شرعت لإسعاد الانسان مع احترام العدل ومصلحة المجتمع, وعلينا إحياء موروثاتنا العربية والاسلامية وتجديدها وتعميق قيمنا الانسانية في العدالة والحق.