حق المؤلف باسم مستعار

لقد أتاحت الحرية المطلقة على الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) سهولة قيام أي شخص في أي مكان في العالم بكتابة ما يشاء ونشر ما يريد .وصار بإمكان كل فرد أن يخصص له صفحة أو موقعا أو أن يكون عضوا في أية مجموعة تروق له على هذه الشبكة دون أية قيود أو ضوابط للنشر. وفي ظل هذه الحرية غير المنضبطة لم تعد هذه الشبكة مجرد وسيلة للمعرفة و تبادل المعلومات بل صارت وسيلة لارتكاب الكثير من الجرائم التي تعرف اليوم بجرائم الأنترنت.

لسنا بصدد الحديث عن جرائم الإنترنت ولا في القوانين التي شرعتها الدول لمكافحتها ومنها مشروع قانون جرائم المعلوماتية العراقي، بل نحن بصدد موضوع مهم هو حقوق الملكية الفكرية لما يُنشر من إبداع على شبكة الأنترنت بأسماء مستعارة.

لقد اهتمت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) بحماية هذه الملكية في دول العالم كافة ،وهي التي تشرف على إدارة الاتحادات والمعاهدات المعنية بالملكية الفكرية والصناعية، وفي مجال حقوق المؤلف والحقوق المشابهة لها على وفق القوانين الخاصة بها.

يقصد بحقوق الملكية الفكرية : ما ينتجه ويبدعه العقل والفكر، فهي الأفكار التي تتحول إلى أشكال ملموسة يمكن حمايتها، وترد على أشياء غير مادية لا يمكن إدراكها بالحس كالإنتاج الفني والأدبي وبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية ، فكل هذه ثمرة الخاطر، والقريحة ، ونتاج الذهن.

لقد قسم فقهاء القانون هذه الحقوق إلى قسمين: الأول الحقوق الأدبية والفنية والثاني الحقوق التجارية والصناعية. ما يهمنا هو الحقوق الأدبية والفنية. وكيف يمكن للمؤلف المبدع الذي يكتب (باسم مستعار) وينشر ما يكتب على صفحات (الفيس بوك) أو في المنتديات أو المواقع أن يحفظ حقه فيما يكتبه من شعر، وقصة ،وخاطرة ، وبحث ،إذا ما ارتكب شخصٌ ما جريمة سرقة إبداعه الأدبي أو الفني ونشره بمصنف مكتوب على شكل ديوان شعر، أو مجموعة قصصية ،أو مجموعة بحوث؟ وكيف يتم إثبات هذا الحق في ظل ثورة النشر الإلكتروني التي عمَّت العالم دون أي نظام أو ضابط ، ودون مراعاة للقوانين .

لابد من الإشارة إلى أن حق المؤلف حق لصيق بالشخصية، لا يجوز التصرف به ولا يلحقه التقادم. وأن لمؤلف المُصَنَف- بصرف النظر عن حقوقه المادية و حتى في حالة تخليه عنها- أن يطالب بانتساب مؤلفه له. وللمؤلف الحق في أن يُبقى اسمه مجهولا ، أو أن يستعمل اسما مستعارا. وله أن يعترض على كل تحريف أو بتر أو أي تغيير لمصنفه أو كل مس به من شأنه أن يلحق ضررا بشرفه أو بسمعته. هذا ما يتعلق بالمصنفات المكتوبة والشائعة في ظل تشريع تلك القوانين أي قبل ثورة الأنترنت. حيث يمكن للمؤلف إثبات حقه بمصنفه بأية وسيلة من وسائل الإثبات .

لقد نظم المشرع العراقي الحقوق الأدبية والفنية بقانون ( حماية حق المؤلف العراقي رقم 3 لسنة 1971) حدد بموجبه من يتمتع بالحماية القانونية حيث نصت المادة (1) من القانون المذكور على ما يأتي:
“1- يتمتع بحماية هذا القانون مؤلفو المصنفات المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أيا كان نوع هذه المصنفات أو طريقة التعبير عنها أو أهميتها والغرض من تصنيفها.
2 – يعتبر مؤلفا الشخص الذي نشر المصنف منسوباً اليه سواء ذلك بذكر اسمه على المصنف أو بأية طريقة أخرى إلا اذا قام الدليل على عكس ذلك ،ويسري هذا الحكم على الاسم المستعار بشرط ألا يقوم ادنى شك في حقيقة شخصية المؤلف .”

ومن قراءة نص الفقرة (1) من هذه المادة نجد أن المشرع أورد مصطلحين هما المُؤلِف والمُصَنَف. والمقصود بالمُؤلِف هو كل مَن ينتج إنتاجا ذهنيا أيا كان نوع هذا الإنتاج، وأيا كانت طريقة التعبير عنه، وأيا كانت أهميته أو الغرض منه. فكل من يقوم بإنتاج ذهني مبتكر يعتبر صاحب حق ،وحقه ينشأ من مجرد الابتكار. ويستثنى من هذا المخترعون ، وواضعو العلامات التجارية ، فهؤلاء يخضعون لقوانين خاصة.
أمّا المُصَنَف فهو لفظ ينصرف إلى كل نتاج ذهني أيا كان مظهر التعبير عنه كتابا أو صوتا أو حركة.

وشملت المادة (2) من القانون بالحماية القانونية المصنفات المكتوبة (الكتب الأدبية والعلمية). والمقالات والأخبار والتحقيقات الصحفية. والمصنفات التي تلقى شفهيا كالمحاضرات والدروس والخطب والمواعظ وما يماثلها. والمصنفات المسرحية والسينمائية والألحان الموسيقية سواء اقترنت بألفاظ أو لم تقترن بها. والمصنفات الداخلة في فنون الرسم والتصوير والنحت. ومصنفات فن العمارة. والمصنفات المعدة للإذاعة والتلفزيون. والخرائط والمجسمات العلمية .والتلاوة العلنية للقرآن الكريم. وتشمل الحماية عنوان المصنف اذا كان متميزاً بطابع ابتكاري ولم يكن دالاً على موضوع المُصَنف.

والجدير بالذكر أن المصنفات المبينة في أعلاه لا تتضمن كل الأعمال الأدبية والفنية والعلمية المحمية إنما وردت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، لذا فان الحماية القانونية تشمل كل مصنف مبتكر مهما كان نوعه. فالابتكار إذن هو الأساس الذي تقوم عليه حماية القانون للمُصَنف، ولذلك فإن المُصَنف الذي يكون تكراراً لمصنف سابق دون أن يكون فيه أثر للابتكار ودون أن يحمل طابع شخصية المؤلف لا يدخل في حماية القانون، وتقدير ما إذا كان المُصَنف يحتوي على عنصر الابتكار أو لا هو من الأمور الموضوعية وهذا ما يجعل مسألة تحديد الأعمال الأدبية والعلمية أو الفنية التي لم يرد ذكرها آنفا خاضعة لتقدير قاضي الموضوع.

وحيث أن المُصَنَف هو إنتاج فكري فلا يجوز للمُؤلِف أن يَنزل (للغير) عن صفته كمُؤِلف وإن كان يحق له أن يتنازل عن المُؤَلَف (المُصَنَف) (للغير).ولا يجوز للمُؤلِف أن يكون شخصاً معنوياً لأن المُصَنف هو إنتاج فكري والشخص المعنوي غير قادر على التفكير.

للمؤلف في مصنفه حقان: الأول حق أدبي، والثاني حق مالي. وعلى الدولة أن تحمي هذين الحقين بالإجراءات التحفظية وبالجزاء المدني. وإثبات الحق الأدبي يتم بأية وسيلة من وسائل الإثبات والأمر يسير وممكن إذا ما كان المؤلف شخصا معروفا كتب مصنفه باسمه الصريح، أو حتى باسم مستعار عُرف به، وإذا ما كان النشر عبر وسائل النشر التقليدية كدور النشر أو الصحف أو الإذاعة والتلفزيون أو السينما أو المسرح ، كما يمكن إثبات حق المؤلف لمن ينشر نتاجه الفكري عبر مواقع الأنترنت إذا اقترن النشر باسمه الصريح أو حتى اسمه المستعار المعروف به في الأوساط الأدبية والفنية . ولكن المشكلة تثور فيما إذا نشر المؤلف نتاجه الفكري عبر شبكة الأنترنت باسم مستعار وتنازع معه في هذا الحق مدعٍ به. فكيف سيُثبت أنه هو المؤلف لا المُدعي الذي قد يكون نشر المصنف المُدعى به على شكل ديوان شعر، أو مجموعة قصص، أو مجموعة بحوث ، وصار مُصَنفا مكتوبا ( مطبوعا) ومودعا في دار الكتب على وفق الشكلية التي يحميها القانون؟

لا أجد مبررا لمبدع بأن يضيع حقوقه الأدبية والفنية خوفا من الآخرين طالما أنه لم يعتدِ على حق أي منهم ،وطالما أنه يكتب في حدود الآداب العامة والنظام العام ،ويحترم الآخرين فيما يكتب .فعلام الخوف وهو يمارس حقه في الكتابة والنشر، ويعبر عن رأيه بحرية تامة.

يمكن لمن يخاف من بطش السلطات ،ومن إرهاب الدولة أو المنظمات الإرهابية أن يكتب ما يحلو له ضد تلك السلطات والمنظمات المسؤولين عنها مادحا أو قادحا باسم مستعار، ولكن لماذا يُخفي المُبدع أو المُبدعة حقيقتهم في أسماء مستعارة تضيع فيها حقوقهم المشروعة ؟ عليه أدعو كل المبدعين والمبدعات لأن يكتبوا بأسمائهم الصريحة لنعرفهم، وليحفظوا حقهم وحق أبنائهم. فليس ممكنا لألف ليلى ممن يَكتبنَ أن يُثبتنَ حقهنَّ بما كتبن غزلا لألف قيسٍ باسم مستعار ؟