بحث قانوني ودراسة متميزة عن القضية الفلسطينية و أزمة تطبيق القرارات الشرعية الدولية

تقديم:

“الحروب تبدأ في عقول الناس,وفى عقول الناس يجب أن تبني حصون السلام”

منذ بدء البشرية والحروب تملئ الأرض حيث بلغ بعضها أقصي درجات من العنف والضراوة,مما نجم عنها كوارث بشرية ومادية يصعب وصفها.ومهما كانت أسباب هذه الحروب وأسمائها حرب مشروعة أو عادلة أو دفاعية أو وقائية… فإنها تنتهي بالخسائر والويلات وتدمير الإنسان وما أنتجه من حضارة وتطور,حيث يعانى الإنسان منها بقسوة بعد أن بلغت شرور المنازعات المسلحة مؤخرا حد التفنن في اختراع وسائل التدمير والإفناء.وعلية كان لابد إلى مجلس الأمن التدخل بصفته المخول بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين بناءا على صلاحياته المحددة له في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.ولكن سرعان ما تقمص هذا المجلس لدور المشرع العالمي وهو ما يعنى في حقيقة الأمر استئثار الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية بممارسة سلطة تشريعية عالمية يتسع نطاقها باستمرار مما تسبب في انحراف القانون الدولي وعدم تطبيق الشرعية الدولية في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط على وجهة التحديد.

إن المشكلة في تنفيذ وتطبيق قرارات الشرعية الدولية في الشرق الأوسط لا تكمن في التوصيات والقرارات بحد ذاتها، لأنها قرارات جاءت محصلة لتوازنات دولية داخل الأمم المتحدة في فترة محددة من تاريخ النظام الدولي، ولا يمكننا أن ننتظر من المنتظم الدولي الذي تحكمه الدول الخمس صاحبة حق الفيتو وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن تقر بالحقوق المشروعة للشعب العربي والفلسطيني كما يراها العرب والمسلمين وثوار وأحرار العالم, ولا يتلخص فقط بأن تقوم هذه الدول الكبرى بالضغط على ما يسمي إسرائيل الالتزام بهذه القرارات الدولية،بل المشكلة تتجلى أيضا في أسلوب وتعامل الدول العربية والسياسيين والقادة العرب مع الشرعية الدولية,حيث يملكون وسائل عديدة لم تفعل ومنها سلاح النفط الذي استخدم لمرة واحدة فقط منذ عام 1974.حيث يحتل العالم العربي مركزا استراتيجيا ممتازا يعرفه ويشعر باهميتة كل من درس التاريخ القديم والحديث,وتشكل قواه البشرية والاقتصادية قوة إستراتيجية لا يستهان بها في السياسة العالمية سواء أكان ذلك في زمن السلم أو زمن الحرب بنوعيهما الباردة والساخنة,وتتمثل هذه القوة في وحدة العرب جميعا من الخليج للمحيط لتصبح قوة قادرة على خلق قوة فكرية وبشرية واقتصادية عارمة متكاملة تفرض وجودها على الصعيد العالمي في سبيل السلم والتقدم ورفاهية الشعوب ولكن نجدها من الصعوبة بمكان إن تتحقق بسبب التبعية وعدم موافقة الدول الكبرى.

تقوم فلسفة الشرعية الدولية كما حددها ميثاق الأمم المتحدة على سمو أحكامه على القوانين الداخلية والاتفاقات الدولية ويعكس الفصل الأول من الميثاق الملامح الأساسية لهذه الشرعية ويجسدها في حفظ السلم والأمن الدوليين… وإنماء العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام المساواة في الحقوق بين الشعوب وعلى رأسها الحق في تقرير المصير والتعاون الدولي لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وعدم التمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين… وأن تكون الأمم المتحدة هي المستودع لتحقيق هذه الأهداف على أساس المساواة بين الأعضاء والتزامهم بمبادئها، وتحريم الحرب وحل المنازعات بالوسائل السلمية والامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول,

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء عصر الثنائية القطبية,بدت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأولى والوحيدة في العالم,بل إن عبارة القوة الأعظم super powerلم تعد تكفى لوصف الولايات المتحدة والتعبير عن وضعها الدولي,لذلك وصفها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق/هربرت فيدين بأنها أصبحت hyper powerتتمتع بمستوي من النفوذ العالمي غير مسبوق في التاريخ,وكذلك تحدث آخرون عن هيمنة أمريكية جديدة وظهور نظام أحادي القطبية لا تواجه فيه الولايات المتحدة اى منافسين في هذا السياق.وعلية تصبح هذه القوة المهيمنة على فرض قواعدها ورغباتها في الساحات الاقتصادية والسياسية والفكرية والدبلوماسية بل وحتى الثقافية,وكما عبر المفكر/ جوزيف جوف,,فان القوة المهيمنة هي التي لها مصالح تمتد عبر كل النظام الدولي,وبتحليل النظام العالمي الجديد لقد تجراءت بعض المدارس بتشبيه الولايات المتحدة الأمريكية بالإمبراطورية.

هكذا تميّزت السياسة الخارجية الأميركية، باللجوء لاستخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية عبر شن الحروب لفرض نظام دولي رأسمالي ولتكريس الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية على العالم وعلى مواقع الثروات ومصادر الطاقة فيه. وانعدمت مصداقية الأمم المتحدة بسبب عجزها لفرض وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

فالأمم المتحدة كتجسيد للشرعية الدولية وللنظام الدولي تقوم على أساسين متناقضين، فهي تقوم من ناحية على مبدأ المساواة في السيادة بين أعضائها إلى أنها من ناحية أخرى تستند إلى الوزن الواقعي (القانوني) للدول الكبرى التي تمارس تأثيرا يناسب مع قدرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها.فالأقوى المنتصرون أو المتفوقون بقدراتهم هم الذين يؤسسون النظام الدولي ويحافظون على وجوده واستقراره .. فقد أتضح مع نهاية نظام القطبية أن القوة النسبية التي كانت للأمم المتحدة في ظل تلك الفترة كانت حالة استثنائية حيث أنه في ظل النظام الجديد تجمدت فعالية منظمة الأمم المتحدة بسبب عدم تطبيق قراراتها وانتهاك مبادئ ميثاقها علنا بسبب استخدام حق الفيتو وضغوطات وأساليب أخري لابتزاز المواقف وبناء التكتلات حسب المصالح…الخ

ثانياً / أهمية الموضوع : تجلت أهمية الموضوع أن أزمة تطبيق قرارات الشرعية الدولية هو موضوع ذي إشكالية كبيرة على صعيد القانون الدولي تتجلى في الدول الكبرى أصحاب المصالح وحق الفيتو .

ثالثاً / نطاق البحث: يقتصر نطاق البحث على دراسة قرارات الشرعية الدولية الخاصة بمنطقة الوطن العربي وتحديدا قرار 181 الذي قسم فلسطين إلى دولتين وبالتالي أعطى للفلسطينيين الحق في إقامة دولة فلسطينية على حوالي 50% من أرض فلسطين وقرار 194 حول حق العودة، و قرار242 الذي يتعامل مع الضفة الغربية وقطاع غزة كمناطق محتلة ويطالب إسرائيل بالانسحاب منها.

رابعاً / إشكالية البحث: يثير هذا الموضوع العديد من الإشكاليات ذات الصلة التي تنصّب على أزمة تفعيل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط. ما هي قرارات الشرعية الدولية حول قضية الصراع العربي الإسرائيلي؟ وما قيمتها القانونية؟ وما مدى إلزاميتها؟ وكيف تعامل معها العرب والفلسطينيون؟

خامساً / منهج البحث: بالنظر إلى طبيعة البحث و الهدف منه رأينا أن المنهج الوصفي و التحليلي هما المنهجان المناسبان لهذا الموضوع قيد البحث .

سادساً / خطة البحث : تراءى لنا أن الخطة الثنائية هي أنسب الخطط و أكثرها شمولاً و الماماً لذا قسّمنا الموضوع إلى مبحثين تناولنا في كل منهما أسباب أزمة تفعيل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط, و فيما سيلي نطرح خطة البحث التي توصلنا إليها حسب التصميم التالي:

التقديم:

المبحث الأول: أسباب عدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية في الشرق الأوسط؟

المطلب الأول: القضية الفلسطينية نموذجا.

المطلب الثاني: مبررات عدم التطبيق.

المبحث الثاني:الشرعية الدولية في ظل النظام العالمي الجديد.

المطلب الأول: صور التكتلات في النظام الدولي الجديد.

المطلب الثاني: مواطن الخلل والقصور في منظمة الأمم المتحدة

الخاتمة.

المبحث الأول: أسباب عدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية في الشرق الأوسط؟

المطلب الأول: القضية الفلسطينية نموذجا.

إن الإجابة على هذه الإشكالية تفرضه حقيقة تراجع متوقع قرارات الشرعية الدولية كمرجعية للتسوية السلمية وإحلال شرعية جديدة محلها هي شرعية المصالح بحيث تحول دور مجلس الأمن إلى تخصص سياسي بالدرجة الأولى واعتمد سياسة الاحتواء والشرعية التفاوضية، وحتى ندرك أسباب هذا التراجع، يستحسن أن نحدد ما هي قرارات الشرعية الدولية حول القضية الفلسطينية كنموذج ؟ وما قيمتها القانونية؟ وما مدى إلزاميتها؟ وكيف تعاملت معها الدول العربية؟

من هنا وفى ظل غياب تعامل عقلاني مع قرارات الشرعية الدولية,لن نقوم هنا بدراسة قانونية مجردة حول مفهوم الشرعية الدولية، أو حول الغموض المتعمد والازدواجية في التعامل الأمريكي والغربي مع قرارات الشرعية الدولية وخصوصاً المتعلقة بالشرق الأوسط، ولكننا سنقوم برصد ملابسات صدور القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وأسلوب التعامل الفلسطيني والعربي معها. ذلك أنه بالرغم من خطاب الشرعية الدولية الذي بدأت منظمة التحرير الفلسطينية تتبناه وتبني على أساسه التعامل مع القضية في مرحلة التسوية السياسية، إلا أن الملاحظ أن المنظمة لم تكن تتوفر على إستراتيجية واضحة للتسوية السلمية على أساس قرارات الشرعية الدولية أو على أي أساس آخر، فقد دخلت معترك التسوية السياسية والشرعية الدولية ولسان حالها يقول فلندخل ونرى ماذا سيحدث!. وكان لابد لهذه السياسية أن تؤدي إلى ما وصلت إليه الأمور اليوم، ولكن فلنبدأ قصة المراهنة على الشرعية الدولية من بدايتها.

من المفهوم جيداً أن الشعب العربي الفلسطينيً يخضع نصفه تحت الاحتلال ونصفه الآخر مشتت في بلاد الغربة ويناضل من أجل الاستقلال وتقوده حركة تحرر وطني تتمركز في رام الله وغزة ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما يفسر اهتمام الخطاب السياسي الفلسطيني بكل موقف أو توصية أو قرار يصدر عن هيئة الأمم المتحدة أو إحدى هيئاتها يعترف ببعض الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو يندد بالاحتلال، مع استعمال أسلوب مرن إن لم يكن غامضاً في التعبير عن الموقف من هذه القرارات، وخصوصاً ما قبل مؤتمر مدريد.

أن كل ما صدر عن الشرعية الدولية من قرارات وتوصيات بشأن القضية الفلسطينية بصفتها القضية المركزية في الشرق الأوسط لا يرقى إلى طموحات الشعب العربي الفلسطيني أو يتطابق مع حقوقه التاريخية, إلا أنه يعد مكسباً يجب التمسك به والعمل على مراكمته.ومن هذه القرارات الدولية قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن مجلس الأمن عام 47وقرار عودة اللاجئين194 عام 49 والقراران 242 و338، والقراران 3089 و3236 الصادران عن الجمعية العامة والمتعلقان بالحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، والقراران 2649 و2672 الصادران عن الجمعية العامة عام 70 واللذان يتحدثان عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والقرارات 605 و607 و608 الصادرة وقت الانتفاضة الأولي التي اندلعت في المدن الفلسطينية، وكل القرارات والتوصيات الصادرة عن الجمعية العامة وغيرها بالإضافة إلى اتفاقات جنيف ولاهاي الخاصة بالأراضي المحتلة وكيفية التعامل معها. كلها إنجازات تضفي طابعاً دولياً على القضية العربية الفلسطينية وتكرس وجود الفلسطينيين كشعب خاضع للاحتلال، وتنقل قضيته ومعاناته إلى العالم في وقت أصبح فيه للإعلام وللرأي العام العالمي تأثير في تطور الأحداث في مختلف بقاع العالم. (1)

في الحادي عشر من كانون الأول عام 1948، وبعد التصويت (35 دولة مع، وضد 15، وممتنع 8) أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 الذي جاء في الفقرة 11 منه بأن الجمعية العامة “تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم

1/قرارات الأمم المتحدة بشان فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي,الصادرة منذ عام 1947/إلى عام 1999,المجلد الخامس,جمع وتصنيف منى نصولى,الناشر مؤسسة الدراسات الفلسطينية,الطبعة الأولى,سنة 2001 ص 44 وما بعدها.

والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون

عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات

بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة”. والفقرة 11 من هذا القرار تقرر وجوب السماح بالعودة- في أقرب وقت ممكن- للاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات والسلطات المسئولة.

وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة بالمناسبة في منظمة الأمم المتحدة.

المطلب الثاني: مبررات عدم التطبيق.

إن غالبية ما صدر عن المنتظم الدولي بخصوص ما سمي بالصراع في الشرق الأوسط بعد عام 1967هي توصيات غير ملزمة أو قرارات كانت ملزمة في حينها بالرغم من تباين التفسيرات حولها مثل قرار 242 و338 ـ إلا أن مستجدات الأحداث قللت من قوة إلزامية هذه القرارات. و صحيح أن العديد من توصيات الجمعية العامة وقرارات مجلس الأمن تعترف بحقوق للفلسطينيين وتعترف بهم كشعب بل وتعطيهم الحق في المقاومة، إلا أنها مع ذلك لا ترقى إلى درجة الاعتراف الواضح بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، إن هذا الحق متضمن بطريقة غير مباشرة في هذه القرارات والتوصيات، أو بشكل آخر إن تطبيق هذه القرارات قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، فهي تشكل الأرضية والدافعية القانونية والسياسية لقيام الدولة الفلسطينية كاملة العضوية وصاحبة السيادة على الأرض وليس كما تم التصويت عليها مؤخرا في الأمم المتحدة بتاريخ/29/11/2012 ومنحها عضوية مراقب فقط تكون محرومة من حقين أساسيين في الأمم المتحدة وهما أولا التصويت وثانيا الترشح في كافة الأجهزة التابعة للأمم المتحدة وليس بعضها لاسيما وإنها لا تستطيع الترشح لتكون دولة عضو في مجلس الأمن

أن أخطر ما صدر عن الأمم المتحدة بعد عام 1967 وكان أكثرها إزعاجاً لإسرائيل هو القرار رقم 3379 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/11/1975 والذي اعتبر الصهيونية (شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري) فهذا القرار شكل ضربة موجعة لإسرائيل وللحركة الصهيونية لأنه ينسف الأساس التاريخي والديني والأخلاقي للكيان الصهيوني من حيث اعتبار العقيدة التي يقوم عليها هذا الكيان شكلاً من أشكال العنصرية. وقد بقيت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة تتحينان الفرصة لإبطال هذا القرار وهو ما حدث بعد حرب الخليج وانهيار المعسكر الاشتراكي وبالتالي تبدل موازين القوى داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لا يعني ما سبق أن قراري مجلس الأمن رقم 242 و338 لا قيمة لهما ولا يخدما القضية الفلسطينية والعربية، بل المقصود أن ما يسمي إسرائيل وأمريكا لديهم من أساليب المناورة والحجج القانونية ما يمكنهم من جعل هذين القرارين ليسا ذا قيمة للفلسطينيين.

من المعلوم أن القرار 242 صدر بعد حرب 67 وقرار 338 بعد حرب 73 وهو يبين آليات تطبيق الأول، المهم هو قرار 242فهو يخاطب الدول المشاركة في الحرب ويدعو إلى:

1ـ سحب القوات الإسرائيلية من أراض (الأراضي) التي احتلتها في النزاع –حرب 1967 ـ 2ـ إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد أو أعمال القوة. بعد ذلك يؤكد القرارـ ضمن أمور أخرى ـ على تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.ومن الواضح أن القرار يخاطب الدول المشاركة في الحرب ولا يشير من قريب أو بعيد للحقوق السياسية للشعب الفلسطيني ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية بل لم تُذكر كلمة فلسطين بتاتاً في هذا القرار ـ كما أنها لم تُذكر في قرار338 ـ، وحتى عندما تحدث القرار عن تسوية مشكلة اللاجئين لم يقل

اللاجئين الفلسطينيين بل اللاجئين دون تحديد جنسيتهم.(2)

وكما هو معروف تزعم إسرائيل وأمريكا أن نص القرار هو سحب القوات الإسرائيلية من (أراض احتلتها في النزاع الأخير) وليس (الأراضي التي احتلتها…) والمقصود من ذلك أن تدعي إسرائيل أنها طبقت القرار بمجرد انسحابها من أي جزء من الأراضي المحتلة، والأخطر من ذلك عدم وصف الأراضي/أراض بأنها عربية بمعنى إسقاط هوية هذه الأرض وخصوصاً الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي سمح لإسرائيل فيما بعد الادعاء بحقوق تاريخية وتوراتية في الضفة الغربية بل سمح لها بضم الجولان أيضاً.

إذن القرار يخاطب إسرائيل وسوريا ومصر والأردن، والأرض المقصودة هي الجولان وسيناء وغزة والضفة الغربية، وعليه فان الذين يجب عليهم المطالبة بتطبيق هذا القرار هي الدول الثلاثة المشار إليها وليس منظمة التحرير الفلسطينية المُغيبة عن القرار بل التي لم يكن قد أُعترف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني آنذاك لا عربيا ولا دولياً. قد يقول قائل إن الاعتراف حدث عام 1974وإنه في 30/7/88 تم فك الارتباط ما بين الأردن والضفة الغربية(3)

إن منظمة التحرير الفلسطينية هي مسئولة عن الشعب الفلسطيني ومسئولة عن الأرض الفلسطينية وبالتالي يمكنها أن تحل محل الأردن ومصر!، هذا كلام صحيح ونافذ بيننا كعرب ومفهوم حسب العقلية العربية ولكن لا قيمة له في القانون الدولي ولا يؤثر على منطوق القرار 242 أو تفسيره لان منظمة التحرير ليست عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، وبالتالي موقف المنظمة المطالب لإسرائيل بتطبيق قرار 242 سيكون ضعيفاً لأنه موقف طرف غير معني في نظر القانون الدولي وسيكون موقف المنظمة أقوى إن كان مدعوماً بموقف عربي وخصوصاً من دول المواجهة. ومن هنا فإن اعتراف المنظمة بالقرارين المشار إليهما كان مكسباً إسرائيلياً أكثر مما كان مكسباً فلسطينياً وخصوصاً أنه لم يقابله اعتراف إسرائيلي واضح بالانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام 1967 ولا اعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة على هذه الأراضي. (4)

2/د.محمد عبد العزيز ربيع,الحوار الفلسطيني الامريكى,الدبلوماسية السرية والاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية,عمان,دار الجليل.عام 1995,ص88

3/القرار الاردنى بفك الارتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضفة الفلسطينية,الصادر في خطاب الملك حسين.عام 30/7/1988

4//د.إبراهيم أبراش,القضية الفلسطينية والشرعية الدولية,المركز القومي للدراسات والتوثيق,غزة,طبعة أولى,عام 2000,ص 77

ولكننا سرعان ما شاهدنا انضمام فلسطين كدولة عضو مراقب في الأمم المتحدة,مما يعتبر انجاز كبير للدبلوماسية الفلسطينية في المحافل الدولية.

أن مصالح هذه الدول الكبرى تتجلى في توجهاتها الجديدة ضمن إطار العلاقات الدولية والمتمثلة في الانخراط في منظومة اقتصادية مشتركة وفى تكريس مبدأ الشراكة الإستراتيجية وفى التحالف ضد القوى الضعيفة.

وضد الدول النامية وخاصة الدول العربية والإسلامية,حيث عملت بعد نهاية الحرب الباردة على تضخيم الشرعية الدولية على حساب المشروعية الدولية في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب وهو ما يعنى بالنتيجة توسيع سلطات مجلس الأمن الذي تهيمن علية الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية فيه,كما إن الولايات المتحدة وحلفائها أصبحت تستخدم وبصورة سافرة القانون الدولي كأداة في يدها للسيطرة على الدول النامية وإخضاعها.وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط وكذلك للسيطرة على منطقة الخليج العربي النفطية. (5)

وقد تجلى ذلك في تضخيم الشرعية الدولية على حساب المشروعية الدولية في الحرب على الإرهاب وتوسيع مفهوم الإرهاب ليشمل دولا وحركات مناوئة للسياسات الأمريكية والغربية والصهيونية.

المبحث الثاني:الشرعية الدولية في ظل النظام العالمي الجديد.

المطلب الأول: صور التكتلات في النظام الدولي الجديد.

تقوم فلسفة الشرعية الدولية كما حددها ميثاق الأمم المتحدة على سمو أحكامه على القوانين الداخلية والاتفاقات الدولية ويعكس الفصل الأول من الميثاق الملامح الأساسية لهذه الشرعية ويجسدها في حفظ السلم والأمن الدوليين… وإنماء العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام المساواة في الحقوق بين الشعوب وعلى رأسها الحق في تقرير المصير والتعاون الدولي لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وعدم التمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين… وأن تكون

5/د.عبدا لواحد عبد الناصر,المجتمع المتفاوت,جوهر القانون الدولي والعلاقات الدولية الدولية.طبعة أولى, 2006,ص 41

الأمم المتحدة هي المستودع لتحقيق هذه الأهداف على أساس المساواة بين الأعضاء والتزامهم بمبادئها، وتحريم الحرب وحل المنازعات بالوسائل السلمية والامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول,باستثناء تدابير الفصل السابع. (6)

غير أن الملاحظ اليوم هو الخرق السافر لهذه المبادئ وتهميش دور الأمم المتحدة من خلال مباشرة اختصاصات الجمعية العامة ومجلس الأمن، انتهاكا لنص المادة (108) والمادة (4) والمادة (23/1) من ميثاق الأمم المتحدة.

أمام هذه التحولات الهائلة التي عرفتها العلاقات الدولية والمتمثلة في سقوط الهياكل التي تشكلت بعد الحرب الباردة، وقيام نظام دولي معاصر تميزه حقائق جديدة، حصلت تغيرات في دور و مسؤوليات الأمم المتحدة، بلغت حد “الابتعاد عن ميثاقها في بعض الأحيان” ـ حسب تصريح الأمين العام الأسبق بطرس بطرس غالي ـ لأن من شأن اختلاف طبيعة النزاعات والصراعات والمطالب المتزايدة أن يصبح مقبولا من وجهة نظر الكبار تعميم استخدام واستحداث مفاهيم جديدة تتماشى مع الحقائق المتغيرة في العالم الحديث. (7)

إلا أن عدم قدرة الأمم المتحدة على تطبيق نص الفصل السابع، حيث يتوقف ذلك على اتحاد إرادة أعضاء مجلس الأمن الخمسة ألدائمي العضوية حيث دشن مجلس الأمن عملية إعادة تفسير من اختصاصاته(8) يشكل إبعاد الجمعية العامة عن عملية صنع القرار فلم يعد المجلس يتقيد بالقوانين وتحول إلى أداة طيعة في يد الولايات المتحدة الأمريكية لإثارة النزاعات وإصدار القرارات المجحفة في حق من يتمرد على واقع الهيمنة الأمريكية والمتمثلة في ازدواجية المعايير لتنفيذ القرارات الأممية (فأربعين قرارا اتخذها مجلس الأمن بخصوص البوسنة لم يتم تنفيذها(9).أن مسألة الشرعية الدولية غدت قضية النظام العالمي الجديد، لما شاهدته هيئة الأمم المتحدة من تقزيم لجمعيتها العامة أمام تضخيم مجلس الأمن وتوسيع

6/عبد العزيز محمد سرحان,العرب والمسلمون في ظل النظام الدولي الجديد والشرعية الدولية وأثرها على العالم العربي,دار النهضة,القاهرة.عام 1993,ص 4/ًص6/ص9

7/نفس المرجع السابق,ص 13

8//قرارات الأمم المتحدة بشان فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي,الصادرة منذ عام 1947/إلى عام 1999,المجلد الخامس,جمع وتصنيف منى نصولى,الناشر مؤسسة الدراسات الفلسطينية,الطبعة الأولى,سنة 2001.ص 46 وما بعدها.

9//نبيل العربي,الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد,السياسة الدولية, عدد 114.عام 1993

صلاحياته في المرحلة الأولى مع غياب مراقبة مؤسساتية على التصرفات المشوبة بتجاوز السلطات المخولة لمجلس يمس مضمون القرار أو الخطأ في تقديرات التصرف خاصة فيما يرجع إلى اتخاذ قرارات بناءا على تقديرات خاطئة وغير واقعية ، وفي مرحلة ثانية تجاهل مجلس الأمن بحد ذاته والتصرف دوليا حسب رؤية ومصلحة الأقوى وهو ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد العراق في أبريل 2003 ، انطلاقا من اتهامات أمريكية لا تسندها الوقائع . وقد ذهب فقهاء القانون إلى أن قرار اتهام دولة ما بالإرهاب الدولي يكون مشوبا بخطأ في الواقع أو عدم الدليل المادي للوقائع في حالة عدم كفاية الحجج والدلائل ،ومن المعلوم إن الولايات المتحدة شنت حربها على العراق بتهمة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ودعمه للإرهاب ، وقد ثبت عدم امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وعدم وجود علاقة مباشرة بينه والتنظيمات الإرهابية ، الأمر الذي أثار وما زال جدلا حادا داخل الأم المتحدة وداخل حلف الأطلسي بل داخل الولايات المتحدة نفسها حول شرعية الحرب وشرعية التواجد الأمريكي البريطاني في العراق. (10)

وهكذا أدارت الولايات المتحدة الأمريكية الأزمة وأوقعت الحرب وفرضت الحصار مستبعدة الأمم المتحدة عن مسرح الأحداث إلا كشاهد زور، فقامت بدور مجلس الأمن ولجنة هيئة الأركان التابعة للمنظمة الدولية خرقا لمقتضيات الفصل من الميثاق ألأممي,فاستصدرت خلال الفترة الممتدة ما بين (2/8/ 90) و(17/ 1/91) ثلاثة عشر قرارا من مجلس الأمن الدولي واقترن أسلوبها بالتهديد والوعيد وأسلوب المكافئة أن الولايات المتحدة لم تخفى منذ عشر سنوات تخطيطها لإنشاء قواعد عسكرية دائمة لقواتها في الخليج من أجل رقابة إنتاج النفط والتحكم في أسعاره , وهو ما قد تم فعلا من خلال تكريس الغلبة العسكرية والسياسية والاقتصادية للعالم الغربي وهيمنة القيم (الأمريكية) الثقافية اليهودية ـ المسيحية في الشرق الأوسط ,فكانت الحرب حربا ضد الحضارة والعمران، وضد الديمقراطية وحقوق الإنسان وكان شعار الحرب هذا “رجوع العراق إلى حجمه الطبيعي” الذي وضعه فيه الاستعمار وهكذا تم

10/مصطفي عبدا لله أبو القاسم خشيم,تأثير النظام الدولي على التعاون العربي الإفريقي,مجلة المستقبل العربي,بيروت,عدد 168.عام 1994,ص145 إلى ص149

اغتيال حق تقرير المصير وحقوق الإنسان ومبادئ السلام… (11)

ونشير هنا إلى بعض أشكال وصور تحول الشرعية الدولية في النظام الدولي الجديد.

أمام هذا الغموض في تطبيق قرارات الشرعية الدولية ضمن مفهوم النظام الدولي الجديد يقدم د. ناصيف يوسف حتي أربعة صور رئيسية لتحول النظام الدولي :

1)نظام دولي هرمي : تتعدد مراكز قواه وتقوم علاقاتها على الاعتماد المتبادل والتجانس، لكنه نظام هرمي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية تليها أوربا ثم المراكز العالمية الأخرى الإقليمية.

2)نظام كلي متوازن : تسوده عوامل التجزؤ في المراكز الرأسمالية المتنافسة ويساعد التوازن النسبي بين الكتل الكبرى على تحقيق استقرار نسبي وتسوده ثورة القوميات والحركات العرقية التي من شأنها أن تعدل هذا النظام في أي وقت.

3)نظام كتلي فوضوي : يتحول النموذج الثاني إلى فوضوي في حالة تقلب الموازين وتغليب التناقضات، وفي حالة عجز الكتل الدولة على حل المشاكل الناتجة عن المشاعر القومية.

4)نظام مشاركة عالمية : قوامه حل المشاكل الإنسانية العالمية والقضايا الدولية (كالبيئة والأمراض الفتاكة عابرة القوميات والايكولوجي واللجوء )عن طريق واحد وهو التكامل والمشاركة في الحل نظرا لتعذر الحل العسكري في هذه الأمور. (12)

ونظرا لتعذر الحسم بصحة أحد النماذج، تبقى الحقيقة (النسبية) هي أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بتفوق كبير في عناصر القوة العسكرية والتكنولوجية والقدرة على نشر الأفكار والايدولوجيا وجاذبية الأفكار السياسية والاقتصادية والدبلوماسية وعلاقات صداقة مع العديد من الوحدات الدولية والثقافية وانتشار الرموز الاستهلاكية للثقافة الأمريكية (13)

وهي لا تتورع في فرض هذا التفوق كأمر واقع. هكذا تميّزت السياسة الخارجية

11/د.المهدي المنجرة,الحرب الحضارية الأولى.منشورات العيون والدار البيضاء,طبعة أولى,عام 1991,ص 21

12/د.ناصيف يوسف حتى,تحرير السيد ياسين/نحو تأسيس نظام عربي,عمان,منتدى الفكر العربي.طبعة أولى,عام 1992,ص 113

13/د.عماد جاد/ اثر تعثر النظام الدولي على شمال حلف الأطلسي,السياسة الدولية.عدد 134,ص11, 1999

الأميركية، باللجوء لاستخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية عبر شن الحروب لفرض نظام دولي رأسمالي ولتكريس الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية على العالم وعلى مواقع الثروات ومصادر الطاقة فيه. وانعدمت مصداقية ادعاءات إدارة جورج بوش الابن بأنَّ إستراتيجية الحرب الوقائية كانت ردّة فعلٍ على ما حدث في واشنطن ونيويورك يوم 11 سبتمبر 2001 من أعمال إرهابية. والتي خاضت بضوئها الإدارة الأمريكية حروباً مباشرة في أفغانستان والعراق، كما ساندت حروب “إسرائيل” الأكثر دموية وهمجية في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان، تحت مبرّر “الحرب على الإرهاب” وبذريعة حماية الأمن القومي الأميركي. لذلك، واجهت الإدارة الأمريكية للرئيس بارك أوباما أهمية إجراء مراجعة إستراتيجية شاملة في السياسة الخارجية الأميركية. (14

المطلب الثاني: مواطن الخلل والقصور في منظمة الأمم المتحدة

لقد ناضلت الأمم المتحدة طويلا خلال مسيرتها في وجه التحديات والعوائق المختلفة كي تبقى موجودة وتؤدى بقدر استطاعتها وحجم إمكانياتها ما أمكنها من خدمات ولكنها تأخرت كثيرا في معالجة مواطن الخلل بشكل مفصل ودقيق الموجودة في المنظمة الدولية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.وعلية فان مظاهر الخلل تتجلى في أداء الأمم المتحدة وهى عديدة وأهمها استخدام حق النقض الفيتو داخل مجلس الأمن مما يعرقل وعرقل عمل الأمم المتحدة على مدار سنوات عديدة وطويلة على مر السنين,ولا يخفى على احد إن استخدام هذا الحق خلال فترة الحرب الباردة كان بطريقة عشوائية ومزاجية في كثير من الأحيان خاصة في موضوع قبول أعضاء جدد في المنظمة مثلما حدث مؤخرا مع دولة فلسطين والتي تم رفض طلبها الذي تقدمت به إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في سبتمبر 2011 للحصول على عضوية كاملة داخل الجمعية والذي قوبل بالرفض عبر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض الفيتو ضد الطلب.مما دفع بالفلسطينيين إلى التقدم مرة أخرى من جديد بطلب عام 2012 للحصول على دولة كعضو مراقب تكون محرومة من حق

14/د.غازي فيصل حسين,إستراتيجية الأمن القومي الامريكى,أكاديمية الدراسات العليا,العراق,البصرة.عام 2010,ص 17

التصويت وحق الترشح في بعض أجهزة منظمة الأمم المتحدة لأنها عضو مراقب فقط بعد إن حصلت علية بتصويت 138 دولة مؤيدة بتاريخ/29/11/2012. (15)

وكذلك الأمر كان أيضا الاتحاد السوفيتي سابقا من احد القطبين الذين أسرفا في استخدام حق النقض ولكن وبعد زواله,فان الولايات المتحدة الأمريكية القطب الاحادى مازالت تنعم بهذا الحق وتستخدمه في كثير من الأحيان لخدمة مصالحها ومصالح أتباعها مثل إسرائيل,وهكذا يتبين لنا أن السبب الرئيسي لعرقلة أعمال الأمم المتحدة هو سبب داخلي ينبع من طريقة تشكيل أجهزة ونظام العمل في الأمم المتحدة.وكذلك الأمر هيمنة أمريكا على المنظمات الدولية وتحديدا الاقتصادية منها,وأيضا قوة الولايات المتحدة الأمريكية في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية الخ,إضافة إلى تواجد مقر الأمم المتحدة في نيويورك مما يعزز الهيمنة الأمريكية على هذه المنظمة والانتقاص من استقلاليتها.إضافة إلى عدم اهتمام معظم الدول الاخري أعضاء الأمم المتحدة في إصلاح أو تغير ميثاق الأمم المتحدة أو في محاربة الفساد الموجود فيها,كذلك العجز الدائم في ميزانية الأمم المتحدة والأزمة المالية للمنظمات الدولية حيث بلغت نسبة المتأخرات المالية المترتبة على الدول بتاريخ/31/10/2009 إلى 829 مليون دولار, 93 في المائة منها هي على الولايات الأمريكية المتحدة. (16)

أضف إلى ذلك الغموض الواضح والمتعمد في نصوص الميثاق والافتقار إلى وجود جيش دولي يكون جاهزا على نحو دائم تقوده الأمم المتحدة مباشرة بحيث يكون قابلا للاستخدام الفوري من طرف مجلس الأمن وهو من ضمن الأسباب المهمة في فشل الأمم المتحدة في بعض العمليات وعلية لابد من تنفيذ المادة/45 من ميثاق الأمم المتحدة لتوفير قوة تشرف عليها المنظمة عند اتخاذ تدابير حربية عاجلة حتى لا يتحول مجلس الأمن إلى مجرد هيئة لإصدار التصاريح أو أن تستغل الدول الكبرى هذا الضعف كما هو حاصل لتقوم بتنفيذ قرارات مجلس الأمن كما يحلو لها وحسب مصالحها.مما يخل بالتوازنات

15/ناتاشا لطفي سعد,هيئة الأمم المتحدة وعصر الانهيارات والتفرد القطبي,مطبعة رشاد برس,بيروت,عام 2010,ص187 وما بعدها.

16 .www .globalpolicy.org/un finance.htm.

الدولية ويشجع على الفوضى وسياسة الهيمنة.

من هنا فان اضمحلال دور القانون الدولي والازدواجية فى معايرة معاييرلها نماذج عديدة عن تجاهل القانون الدولي العام، أو عن التناقض في تطبيق قواعده في غير منطقة من العالم،وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط موضوع بحثنا هذا,وذلك سواء بالنسبة لحقوق الإنسان، أو حفظ السلام، أو حماية البيئة الطبيعية من التلوث والتدمير… ، حيث نجد ازدواجية في المعايير وتجاوزات عديدة في مفهوم حقوق الإنسان ، فحصار العراق على مدى 10 سنوات سبّب أضراراً بالغة في أوساط الشعب العراقي، من وفيات الأطفال إلى التهديد البيولوجي لحياة الملايين من المدنيين. هذا رغم احتجاجات الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية على الإبادة الجماعية، المنافية للقانون الدولي، ولكن دون فائدة.

كما سبّب حظر التجارة الأميركية المضروب على كوبا زيادة معدل الوفيات، وانتشار الأمراض التي تحملها المياه، وفي فلسطين تستمر انتهاكات القواعد الدولية من خلال الأوضاع المأساوية للاسري الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.وكذلك الحرب الأولى عام 2008/2009 والثانية عام2012 على غزة وحصارها المميت والظالم لأكثر من 6 سنوات على التوالي من طرف الاحتلال الأسرائيلى هناك الخ كل ذلك بسبب استمرار عدم التوازن في القوى داخل المجتمع الدولي.

ونلاحظ أن مجلس الأمن الدولي لا يزال يعكس موازين القوى السائدة منذ مؤتمر يالطا عقب الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب الباردة، فما زالت الدول تستخدم حق الفيتو إلا أنه برز النفوذ الأميركي في قرارات هذا المجلس، انعكاساً لموازين القوى الجديدة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي. فالقرارات المتعلقة بالغزو العراقي للكويت جاءت من دون اعتراض دولة من الدول الدائمة العضوية خاصة بعد غياب “الفيتو السوفييتي” مما تسبب في تصاعد التوترات والصراعات و تزايدت التهديدات الإرهابية على الصعيد العالمي للمصالح الغربية والأمريكية تحديدا ، كما تزايدت التحديات البيئية التي تواجه العالم كالاحتباس الحراري والتصحر والتغيرات المناخية والأعاصير والفيضانات والتلوث،مع تزايد الحروب الأهلية والإقليمية بأسباب دينية أو عرقية أو اقتصادية مثل باكستان،الصومال،رواندا برواندي،العراق وأفغانستان.والربيع العربي وليبيا وسوريا ومصر مؤخرا..ثم تنامي الهجرة القسرية بسبب الحروب والفقر والكوارث الطبيعية…وتزايد التوتر السياسي في الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان وإفريقيا الوسطى….الخ

كما تزايدت حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة فقد شنت حملة عسكرية شنيعة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي ساحق إلى غاية سنة 2003،لتعود الولايات المتحدة وحلفائها إلى احتلال العراق دون موافقة الأمم المتحدة.كما تدخلت عسكريا بشكل منفرد في الصومال خلال سنتي 1992-1994.وفي سنة 1999 أقحمت حلف شمال الأطلسي في حملتها العسكرية على يوغوسلافيا،كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001 وفي الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات والضغوط التي تشنها ضد إيران وكوريا الشمالية وسوريا بصفتهم محور الشر.

ومن أجل ذلك قامت الولايات المتحدة بتقسيم العالم إلى مناطق إقليمية وتسهيل قيادة هذه المناطق الإقليمية للدول التي تقبل بالزعامة الأمريكية وتقبل أن تكون حليفة للولايات المتحدة الأمريكية؛ بحيث تتولى هذه الدول ضبط الأوضاع في هذه المناطق مما لا يضطر الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في كل صغيرة وكبيرة في العالم ما سيترتب على ذلك من تكاليف مالية وبشرية لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تحملها.

فالنظام السياسي الدولي يشكل نظاماً غير متجانس، حيث تتجلى مظاهر عدم التجانس في حالة التباين الشديد بين وحدات النظام الدولي من حيث الحجم والقوة رغم تمتعها نظرياً بالسيادة والمساواة أمام القانون.العلاقة غير المتوازنة بين دول الشمال ودول الجنوب، فعلى صعيد التجارة الدولية تستحوذ الدول الصناعية النصيب الأعظم من النشاط التجاري العالمي في حين لا يمثل نصيب الدول النامية إلا قدراً ضئيلاً. وتظهر حالة انعدام التجانس في ازدياد الهوة التكنولوجية بين الشمال والجنوب، ما خلق حالة من التبعية التكنولوجية نتيجة سيطرة الشمال على أدوات الثورة العلمية والتكنولوجية. (17)

خاتمة.

وختاما ومن خلال استعراض أزمة تفعيل قرارات الشرعية الدولية وظهور مفهوم ما يسمي بالنظام الدولي الجديد في مرحلته المعاصرة يتبين أننا على

17//جمال علي زهران : النظام الدولي والإقليمي عن الاستمرارية والتغير. الطبعة 1، 1996، ص 44

أعتاب مرحلة جديدة تبدو فيها الولايات المتحدة بيدها خيوط التأثير الدولي

بدون منافس, إلا أنها في الوقت نفسه تؤمن بضرورة إفساح المجال للقوى الصاعدة اقتصاديا لا لتزاحمها في مجال الصدارة بل لاحتوائها وطيها في ركابها والأيام القادمة ربما تكشف عن ملامح مرحلة جديدة من النظام الدولي تشهد نوع من القطبية المتعددة ولكن من طراز مختلف.وذلك بسبب في الوقت نفسه تدهورت سلطة الدولة القومية ومن ثم سيادة الدولة وتضاءل دور المنظمات الدولية في تسوية الصراعات الدولية وحل المشكلات الدولية ليحل محلها دور الولايات المتحدة قائدة العالم ،ويعود تراجع مكانة الدولة في العلاقات لعدة عوامل أهمها, بروز فاعلين أقوياء في شبكة التفاعلات الدولية: الشركات المتعددة الجنسية، المنظمات الإقليمية والدولية، المنظمات غير الحكومية، رجال الأعمال، الأسواق التجارية.ثم الأفراد.الخ والتحول في سلوك المنظمات الدولية، فقد كانت المنظمات الدوليــة في السابق عبارة عن مؤسسات تابعة للدولة القومية، أما الآن فقد غدا للمنظمات الدولية وجود متميز ومستقل عن إرادات الدول المنشئة لها. وليس أدل على ذلك من إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1991م الذي أيد التدخل الإنساني من دون طلب أو حتى موافقة الدولة المعنية كما حدث من استخدام القوة لمصلحة “السكان المدنيين” في الصومال.وليبيا مؤخرا بنص قرار رقم 1975 سنة 2011 تحت اسم فجر اوديسا,والتحول الكبير الذي طرأ على مفهوم السيادة للـدولة القومية، حيــث أنهت الاختراقات الثقافية والإعلامية الوظيفة الاتصالية للدولة، ما جعل من نظرية سيادة الدولة نظرية خالية من المضمون. وليست عملية التشابك الاقتصادي الدولي التي جعلت من سيطرة الدول على عملها أمراً غير واقعي، إلا إحدى تجليات انتهاء السيادة بمفهومها السابق. وتغير مفهوم القوة وظهور المنظمات الإقليمية بحيث في السابق كانت القوة العسكرية تتمتع بمزايا لا مثيل لها في تحقيق الفائدة السياسية والاقتصادية للدولة. لكن تحولات العصر وتطوراته قد جعلت الأداة الاقتصادية في سلم أدوات السياسة الخارجية وأصبحت القوة الاقتصادية المقياس الفعلي لقوة الدولة، وقد ترتب على هذا الأمر وجود بعض الدول التي تمتلك قدرات عسكرية فائقة، ومع ذلك فإن أمنها مهدد مثل روسيا, وكذلك أصبحت هناك دول لا تمتلك قدرات عسكرية جبارة ومثالها اليابان، ومع ذلك فإن أمنها غير مهدد,وعلية فقد‌تغيرت طبيعة التحالفات من تحالفات عسكرية إلى تحالفات ذات طبيعة اقتصادية ومثالها: النافتا، الاتحاد الأوروبي، آسيان، وأبيك…الخ.بحيث أصبح الميل نحو التكتلات الدولية الكبيرة, وهذا من أبرز ملامح النظام الدولي الجديد هو اتجاهه نحو التعامل «الكتلي» أي إلى الكتل والمجموعات الكبرى ، إن لم تعد الدولة مرتكزاً أساسياً في رسم تصورات المستقبل مهما كان من حجم لهذه الدولة على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو السكاني ، ولذا فإن أنظمة الدول المستقلة لن تجد لها مكاناً بارزاً إلاّ من خلال تكتلات كبرى بدت ملامحها من المجموعة الأوربية التي تشكل أقوى قوة اقتصادية إلاّ أن هذه التكتلات لا تتوقف عند نقطة المصالح الاقتصادية بل تمد نظرها إلى أفق بعيد أرحب وأشمل للتحول بعد ذلك إلى كتل سياسية كبرى . ولعل نموذج الوحدة الأوربية واضح في هذا الأمر فالعصر القادم هو عصر التكتلات أو المجموعات السياسية الكبرى الذي تحتفظ فيه الدول القطرية بشخصيتها القانونية ومكانتها وسيادتها ، إلاّ أنها تدور في فلك واسع هو الكتلة التي تنتمي إليها . ومن السمات المميزة لهذه المرحلة الثورة الهائلة في وسائل الاتصال ونقل المعلومات وسرعة تداولها عبر الدول، والتي انعكست بشكل كبير على سرعة التواصل وفي معدل التغير وهذا ما سيؤثر مستقبلا بالإيجاب نحو تفعيل قرارات الشرعية الدولية.