حكم تمييز قتل عمد

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 16/ 12/ 2003
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب وعاطف عبد السميع ونجاح نصار ومجدي أبو العلا.
(32)
(الطعن رقم 464/ 2002 جزائي)
1 – استدلالات – إثبات (اعتراف) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير الدليل) – دفاع [(الإخلال بحق الدفاع) – (ما لا يوفره)].
– الاعتراف في المسائل الجزائية – من عناصر الاستدلال لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات – اطمئنانها إلى صحة الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع – مفاده: إطراحها جميع الاعتبارات لحملها على عدم الأخذ به.
2 – قتل عمد – قصد جنائي – محكمة الموضوع [(سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي)، (سلطتها في تقدير توافر سبق الإصرار)] – حكم (تسبيب غير معيب) – تمييز (سبب قائم على جدل) – جريمة [(أركانها {أنواع من الجرائم})].
– قصد القتل – أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالواقعة والأمارات والمظاهر الخارجية والتي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه – استخلاص هذه النية – موكول لمحكمة الموضوع.

– سبق الإصرار – حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني ويستفاد من الوقائع والظروف التي يستخلص منها توافره – تحققه: بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدًا عن ثورة الانفعال – البحث في وجوده من إطلاقات قاضي الموضوع – حد ذلك.
– المجادلة فيما استخلصته محكمة الموضوع من ظروف الواقعة وملابساتها وأدلتها – ينأى عن رقابة محكمة التمييز – مثال لتسبيب سائغ على توافر نية القتل وسبق الإصرار في جريمة قتل عمد.
3 – قتل عمد – علاقة السببية – مسؤولية جزائية – إثبات (بوجه عام) – حكم (تسبيب غير معيب) – دفاع [(الإخلال بحق الدفاع)، (ما لا يوفره)].
– الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه – لا يقطع رابطة السببية – ما لم يثبت أنه كان متعمدًا لتجسيم المسؤولية – لا تثريب على المحكمة أن التفتت على الدفاع بأن ما عجل وفاة المجني عليه هو عدم الإسراع في مداركته بالعلاج، ما دام أنه غير منتج في نفي التهمة.

4 – محكمة الموضوع [(سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى)، (سلطتها في تقدير العقوبة)] – تمييز [(سبب قائم على جدل)، (سبب وارد على غير محل)] – وصف التهمة – عقوبة – قتل – ضرب أفضى إلى موت.
– النعي على المحكمة عدم تعديلها وصف تهمة القتل العمد إلى ضرب أفضى إلى موت – منازعة في الصورة التي اعتنقها الحكم وجدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة.

– استعمال الحكم الرخصة المخولة لمحكمة الموضوع بموجب المادة (83) جزاء ونزوله بالعقوبة إلى أدنى حد تسمح به لأشد الجرائم التي أثبتها في حق الطاعن ودانه بها – النعي في هذا الخصوص – لا محل له.
5 – محكمة دستورية (أثر الحكم بعدم الدستورية) – تهريب جمركي (التهريب الحكمي) – تمييز – حكم (التمييز الجزئي للحكم) – محكمة التمييز (سلطتها) – قانون (قانون أصلح) – عقوبة.

– قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص البند (6) من المادة (17) من المرسوم بقانون (13) لسنة 1980 بشأن الجمارك [(1)] – أثره: زوال صفة التأثيم عن فعل التهريب الجمركي الحكمي ويتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم وجوب القضاء بإلغاء عقوبة تهمة التهريب الجمركي الحكمي المقضي بها عليه وبراءته منها.

1 – الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال في تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ومتى اطمأنت المحكمة إلى صحة الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بالاعتراف الصادر من الطاعن في تحقيقات النيابة العامة اطمئنانًا من المحكمة إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وكان لا جدية للطاعن في نعيه عليه طالما أنه لا يجحد اعترافه الوارد في محاضر جلسات المحاكمة الابتدائية والاستئنافية والذي استند إليه الحكم في قضائه، فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون لا محل له.

2 – إذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر نية القتل لدى الطاعن واستظهر ظرف سبق الإصرار، وأطرح ما أثاره من دفع بانتفاء الأولى، في قوله: (… وكان الثابت من اعتراف المتهم أنه قد انتوى منذ أن استيقظ من نومه صباح يوم الواقعة التخلص من المجني عليه بقتله وأعد لذلك سلاحًا ناريًا قاتلاً وذخيرة واصطحبه إلى المسكن ثم أطلق النار عليه، إذ أغلق باب الغرفة محاولاً النجاة، إلا أن الباب قد سقط من الطلقات حيث إنهال عليه بوابل من الرصاص الكلاشنكوف حتى يتيقن من وفاته إثر سقوطه على الأرض وسط الدماء التي تنزف منه كل تلك الأمارات المظاهر الخارجية تكشف عن تلك النية الخاصة التي قامت لدى المتهم في قتل المجني عليه، ومن ثم فلا محل لمجادلة المتهم من بعد في تلك الصورة وأنه لم يقصد قتل المجني عليه وإنما قصد تهديده لأن ذلك منه ودفاعه لا يعدو مجرد منازعة في الصورة التي اقتنعت بها المحكمة، ولا معقب عليها في ذلك.

لما كان ذلك، وكان الثابت من أقوال المتهم واعترافه وتحريات الشرطة أن المتهم قد فكر في ارتكاب جريمته في هدوء وروية طوال نهار يوم الواقعة وأعد السلاح المستخدم والذخيرة وأعد خطة الجريمة واصطحب ضحيته معه وتناول معه الطعام وشاركه في شراء بعض الحاجات الخاصة مما يقطع بهدوء نفسه وإعداد خطته في اقتراف الجريمة ومن ثم فإن ظرف سبق الإصرار يكون قد توافر في الأوراق). وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل والمعدل بالحكم المطعون فيه قد أورد في هذا الخصوص: (… وقد أقدم المتهم على ذلك مقترفًا أفعالاً مادية توصل إلى تلك الغاية وهي استخدام سلاح ناري قاتل بذاته مع استمراره في توجيه الطلقات على المجني عليه في أماكن قاتلة قاصدًا إزهاق روحه ولم يتركه إلا بعد أن تأكد من أن الدماء تنزف منه مما ينم عن نية القتل كانت متأصلة في نفسه). وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالواقعة والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه،

ومن ثم فإن استخلاص هذه النية من عناصر الواقعة المطروحة أمام محكمة الموضوع موكول لها في حدود سلطتها التقديرية، وكان سبق الإصرار هو حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني ويستفاد من الوقائع والظروف التي يستخلص منها توافره، ويتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدًا عن ثورة الانفعال، مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها، والبحث في وجود سبق الإصرار أو عدم وجوده من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافى مع هذا الاستنتاج، وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه – فيما تقدم – يسوغ ما استدل به على توافر نية القتل وما استنبطه من توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، وقد استمده من اعترافه، وبان من الأوراق أن ما أسنده الحكم إليه في هذا السياق له أصله في التحقيقات، خلافًا لما يزعمه، فإن ما ينعاه عليه من خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال لا يعدو في حقيقته أن يكون مجادلة فيما استخلصته محكمة الموضوع من ظروف الواقعة وملابساتها وأدلتها وهو ما يعد من إطلاقاتها وينأى عن رقابة محكمة التمييز.

3 – إذ كان الواضح من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات القتيل التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته – في اليوم التالي للحادث – فأورد من واقع ذلك التقرير أن الوفاة: (تُعزي لما أحدثته المقذوفات النارية من كسور بعظام الساعد الأيسر والضلع السابع الأيمن وعظام الفقرات بأسفل العمود الفقري وكسور مفتتة بعظمة الإلية اليمنى والتهتكات بالأحشاء البطنية والصدرية وما صاحبها من نزيف داخلي وخارجي غزير وأطلقت جميعها من السلاح الكلاشنكوف المضبوط)، وكان الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه – بفرض صحته – لا يقطع رابطة السببية ما لم يثبت أنه كان متعمدا لتجسيم المسؤولية – وهو ما لم يقل به الطاعن – فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على دفاعه بأن ما عجل بوفاة المجني عليه هو عدم الإسراع في مداركته بالعلاج من الإصابات التي أحدثها هو به، مادام غير منتج في نفي التهمة عنه.

4 – ما ينعاه الطاعن على محكمة الموضوع عدم تعديلها وصف تهمة القتل العمد إلى الوصف الصحيح للواقعة، وهو الضرب المفضي إلى الموت، ترتيبًا على انتفاء نية القتل لديه، لا يعدو أن يكون بدوره منازعة في الصورة التي اعتنقها الحكم وجدلاً موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، وكان الحكم قد استعمل الرخصة المخولة لمحكمة الموضوع بموجب المادة (83) من قانون الجزاء فنزل العقوبة إلى أدنى حد تسمح به هذه المادة لأشد الجرائم التي أثبتها في حق الطاعن ودانه بها – وهي القتل العمد مع سبق الإصرار – ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل.

5 – قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن زوال صفة التأثيم عن فعل التهريب الجمركي الحكمي الوارد بنص البند (6) من المادة (17) من المرسوم بالقانون رقم (13) لسنة 1980 بشأن الجمارك، بصدور الحكم بعدم دستورية هذا النص، يتحقق به معنى القانون الأصلح بالنسبة للطاعن، بما يخولها أن تميز الحكم المطعون فيه تمييزًا جزئيًا وتصححه بإلغاء ما قضى عن تهمة التهريب الجمركي المنسوبة إلى الطاعن وببراءته منها.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 3/ 9/ 2000 بدائرة مخفر شرطة الفنطاس محافظة الأحمدي: 1 – قتل مبارك ……. عمدًا ومع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وصمم على ذلك وأعد لهذا الغرض بندقية آلية وصعد خلفه إلى الشقة محل الجريمة وما أن ظفر به حتى أطلق النار عليه قاصدًا إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته على النحو المبين بالتحقيقات. 2 – واقع المجني عليه سالف الذكر برضائه حال كونه بلغ الحادية والعشرين وذلك على النحو المبين بأقواله بتحقيقات النيابة. 3 – حاز وأحرز سلاحًا ناريًا – بندقة آلية سريعة الطلقات – وهي مما لا يجوز حيازته أو إحرازه. 4 – حاز وأحرز ذخائر مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصًا له في حيازتها أو إحرازها.

5 – أطلق أعيرة نارية في منطقة سكنية على النحو المبين بالأوراق. 6 – ارتكب ما يعد في حكم التهريب الجمركي بأن حاز السلاح الناري والطلقات سالفة الذكر دون أن يقدم ما يفيد استيرادها قانونا. وطلبت عقابه بالمواد: (149) و(150) و(151) و(193) من قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960، (1/ 3/ 4) و2/ 2 و(13 ( أ )) و(21/ 1/ 3) و(22) من القانون (13) لسنة 1991 في شأن الأسلحة والذخائر، (1)، 17/ 6، (19)، (20) من المرسوم بقانون (13) لسنة 1980 بشأن الجمارك، قرار وزير المالية رقم (3) لسنة 1990 في شأن البيانات والأنظمة الجمركية، ادعى ورثة المجني عليه مدنيًا ضد المتهم وطلبوا إلزامه بأن يدفع لهم مبلغ 5001 دينار على سبيل التعويض المؤقت. حكمت محكمة الجنايات: أولاً: بمعاقبة المتهم بالحبس المؤبد عن التهمة الأولى. ثانيًا: بتغريمه ألف دينار وبإلزامه بغرامة جمركية قدرها خمسون دينارًا عن التهم من الثالثة حتى السادسة ومصادرة المضبوطات. ثالثًا: ببراءته من التهمة الثانية. رابعًا: بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. استأنفت النيابة العامة والمتهم، ومحكمة الاستئناف قضت بجلسة 22/ 9/ 2002، أولاً: بقبول استئناف كل من النيابة العامة والمتهم شكلاً، ثانيًا: برفض استئناف النيابة العامة موضوعًا. ثالثًا: بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم عشر سنوات مع الشغل عن التهم المسندة إليه وتأييده فيما قضى به من غرامة جمركية ومصادرة، طعن الطاعن في هذا القضاء بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.

ومن حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز سلاح ناري وذخائر بغير ترخيص وإطلاقهما في منطقة سكنية والتهريب الجمركي قد شابه فساد في الاستدلال واعتوره خطأ في الإسناد وفي القانون، ذلك بأن عول على اعتراف الطاعن في التحقيقات رغم عدم واقعيته، ودفعه بصدوره منه وليد حالة غير طبيعية انتابته إثر مقارفته الواقعة وتأثره بها، ودلل الحكم على توافر نية القتل لدى الطاعن وظرف سبق الإصرار بما لا يسوغ، ومما استند إليه في ذلك، اعتراف الطاعن في التحقيق، وهو مالا سند له فيه، إذ مع اعترافه بالواقعة نفي قصده في القتل، وقد دفع – في هذا النطاق – بأنه ترك المجني عليه – عقب الحادث – وهو يعلم بأنه لا يزال على قيد الحياة، وأن ما عجل بوفاته هو عدم الإسراع في مداركته بالعلاج من إصاباته، وهو ما أشاح عنه الحكم، ولم يرتب عليه أثره بتعديل وصف التهمة إلى ضرب أفضى إلى موت، ويعامله بالرأفة وفقًا له، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله أنها تتحصل: (في أنه عقب شك المتهم في قيام المجني عليه بهتك عرضه أثناء نومه في ذات الشقة التي يقيم فيها معه واعتقادًا منه أن المجني عليه قد وضع له شيئًا في المشروب الذي أعده له، قبل نومه، مما أثر عليه مما جعله لا يستيقظ في موعده العادي للذهاب إلى عمله، فانتوى الخلاص منه بقتله، وإنجازًا لهذا الغرض أعد سلاحًا ناريًا كلاشنكوف واصطحبه معه إلى ذات الشقة حيث دلف إليها المجني عليه أولاً ثم صعد إليها خلفه المتهم الذي ما أن وجده بها حتى أطلق صوبه الرصاص حتى سقط أرضًا فحدثت به الإصابات التي وأودت بحياته).

وساق الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستندة من أقوال الشهود الذين أورد ذكرهم واعتراف الطاعن ومما ثبت من تقريري الطب الشرعي والأدلة الجنائية وتحريات الشرطة، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ومتى اطمأنت المحكمة إلى صحة الاعتراف ومطابقته للحقيقة والواقع، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بالاعتراف الصادر من الطاعن في تحقيقات النيابة العامة اطمئنانًا من المحكمة إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وكان لا جدية للطاعن في نعيه عليه طالما أنه لا يجحد اعترافه الوارد في محاضر جلسات المحاكمة الابتدائية والاستئنافية والذي استند إليه الحكم في قضائه،

فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون لا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت توافر نية القتل لدى الطاعن واستظهر ظرف سبق الإصرار، وأطرح ما أثاره من دفع بانتفاء الأولى، في قوله: (… وكان الثابت من اعتراف المتهم أنه قد انتوى منذ أن استيقظ من نومه صباح يوم الواقعة التخلص من المجني عليه بقتله وأعد لذلك سلاحًا ناريًا قاتلاً وذخيرة واصطحبه إلى المسكن ثم أطلق النار عليه، إذ أغلق باب الغرفة محاولاً النجاة، إلا أن الباب قد سقط من الطلقات حيث انهال عليه بوابل من الرصاص الكلاشنكوف حتى يتيقن من وفاته إثر سقوطه على الأرض وسط الدماء التي تنزف منه كل تلك الأمارات والمظاهر الخارجية تكشف عن تلك النية الخاصة التي قامت لدى المتهم في قتل المجني عليه، ومن ثم فلا محل لمجادلة المتهم من بعد في تلك الصورة وأنه لم يقصد قتل المجني عليه وإنما قصد تهديده لأن ذلك منه ودفاعه لا يعدو مجرد منازعة في الصورة التي اقتنعت بها المحكمة، ولا معقب عليها في ذلك.

لما كان ذلك، وكان الثابت من أقوال المتهم واعترافه وتحريات الشرطة أن المتهم قد فكر في ارتكاب جريمته في هدوء وروية طوال نهار يوم الواقعة وأعد السلاح المستخدم والذخيرة وأعد خطة الجريمة واصطحب ضحيته معه وتناول معه الطعام وشاركه في شراء بعض الحاجات الخاصة مما يقطع بهدوء نفسه وإعداد خطته في اقتراف الجريمة ومن ثم فإن ظرف سبق الإصرار يكون قد توافر في الأوراق). وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل والمعدل بالحكم المطعون فيه قد أورد في هذا الخصوص: (… وقد أقدم المتهم على ذلك مقترفًا أفعالاً مادية توصل إلى تلك الغاية وهي استخدام سلاح ناري قاتل بذاته مع استمراره في توجيه الطلقات على المجني عليه في أماكن قاتلة قاصدًا إزهاق روحه ولم يتركه إلا بعد أن تأكد من أن الدماء تنزف منه مما ينم عن نية القتل كانت متأصلة في نفسه). وكان من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالواقعة والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه،

ومن ثم فإن استخلاص هذه النية من عناصر الواقعة المطروحة أمام محكمة الموضوع موكول لها في حدود سلطتها التقديرية، وكان سبق الإصرار هو حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني ويستفاد من الوقائع والظروف التي يستخلص منها توافره، ويتحقق بإعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدًا عن ثورة الانفعال، مما يقتضي الهدوء والروية قبل ارتكابها، والبحث في وجود سبق الإصرار أو عدم وجوده من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافى مع هذا الاستنتاج،

وكان ما ساقه الحكم المطعون فيه – فيما تقدم – يسوغ ما استدل به على توافر نية القتل وما استنبطه من توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، وقد استمده من اعترافه، وبان من الأوراق أن ما أسنده الحكم إليه في هذا السياق له أصله في التحقيقات، خلافًا لما يزعمه، فإن ما ينعاه عليه من خطأ في الإسناد وفساد في الاستدلال لا يعدو في حقيقته أن يكون مجادلة فيما استخلصته محكمة الموضوع من ظروف الواقعة وملابساتها وأدلتها وهو ما يعد من إطلاقاتها وينأى عن رقابة محكمة التمييز.

لما كان ذلك، وكان الواضح من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات القتيل التي أورد تفصيلها عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته – في اليوم التالي للحادث – فأورد من واقع ذلك التقرير أن الوفاة: (تُعزي لما أحدثته المقذوفات النارية من كسور بعظام الساعد الأيسر والضلع السابع الأيمن وعظام الفقرات بأسفل العمود الفقري وكسور مفتتة بعظمة الإلية اليمنى والتهتكات بالأحشاء البطنية والصدرية وما صاحبها من نزيف داخلي وخارجي غزير وأطلقت جميعها من السلاح الكلاشنكوف المضبوط)، وكان الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه – بفرض صحته – لا يقطع رابطة السببية ما لم يثبت أنه كان متعمدًا لتجسيم المسؤولية – وهو ما لم يقل به الطاعن – فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على دفاعه بأن ما عجل بوفاة المجني عليه هو عدم الإسراع في مداركته بالعلاج من الإصابات التي أحدثها هو به، مادام أنه غير منتج في نفي التهمة عنه، ويكون النعي على الحكم بقالة القصور في التسبيب لهذا السبب في غير محله.

لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن على محكمة الموضوع عدم تعديلها وصف تهمة القتل العمد، إلى الوصف الصحيح للواقعة، وهو الضرب المفضي إلى الموت، ترتيبًا على انتفاء نية القتل لديه، لا يعدو أن يكون بدوره منازعة في الصورة التي اعتنقها الحكم وجدلاً موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب، وكان الحكم قد استعمل الرخصة المخولة لمحكمة الموضوع بموجب المادة (83) من قانون الجزاء فنزل بالعقوبة إلى أدنى حد تسمح به هذه المادة لأشد الجرائم التي أثبتها في حق الطاعن ودانه بها – وهي القتل العمد مع سبق الإصرار – ، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له محل.

ولما تقدم فإن الطعن يكون قائمًا على غير أساس، لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن زوال صفة التأثيم عن فعل التهريب الجمركي الحكمي الوارد بنص البند (6) من المادة (17) من المرسوم بالقانون رقم (13) لسنة 1980 بشأن الجمارك، بصدور الحكم بعدم دستورية هذا النص، يتحقق به معنى القانون الأصلح بالنسبة للطاعن، بما يخولها أن تميز الحكم المطعون فيه تمييزًا جزئيًا وتصححه بإلغاء ما قضى به عن تهمة التهريب الجمركي المنسوبة إلى الطاعن وببراءته منها. ورفض الطعن فيما عدا ذلك.

[(1)] ألغي هذا القانون بالقانون رقم (10) لسنة 2003 بشأن قانون إصدار قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ثم قضت المحكمة الدستورية في الطعن (2) لسنة 2005 دستورية بتاريخ 22/ 6/ 2005 بعدم دستورية البند (12) من المادة (143) من القانون رقم (10) لسنة 2003 سالف الذكر الخاصة بالتهريب الجمركي الحكمي.
رد مع اقتباس