القانون الدولي العام في ثوبه الجديد

يعدّ اصطلاح القانون الدولي العام حديثاً نسبياً، وقد استخدمه بداية الفقيه الإنجليزي بنتام عام 1789، علماً بأن عدداً من الكتاب الذين سبقوه أطلقوا على القانون الدولي اسم “قانون الشعوب”، ويعود أصل هذه التسمية إلى القانون الروماني، إذ كان يقصد به القانون الذي يسري على الأجانب المنتمين إلى الشعوب التي كانت خاضعة لسلطان روما في مقابل القانون المدني الذي كان يطبّق حصراً على المواطنين الرومانيين، وظهرت تسميات عديدة أخرى مثل “القانون بين الأمم” و”القانون عبر الدول”. إلا أن التسمية التي لاقت قبولاً وشاع استعمالها حتى اليوم هي اسم القانون الدولي (International Low). وقد نشأ القانون الدولي في أحضان الدول الأوروبية وعكس فكر هذه الدول وتطلعاتها إلى ما هو واقع خارج نطاق القارة الأوروبية فقط. وعليه فليس غريباً أن يكون هناك انعكاس لهذا الوضع على القانون الدولي الذي كان يقتصر تطبيقه وسريان قواعده على الدول الأوروبية باعتبارها متمدنة، ويتجلّى ذلك بوضوح بتعريفات الفقهاء له ومنهم “أوبنهايم وبرايرلي” بأنه “مجموعة القواعد العرفية والاتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدنة ملزمة لها في علاقاتها المتبادلة.

وعلى ضوء ذلك يمكن القول بأنه مما لا شك فيه أن دراسة القانون الدولي العام ومعرفته في هذا العصر ضرورة لا غنى عنها لكل من يرغب في الوقوف على هذا النظام القانوني الذي يحكم مختلف مسائل العلاقات الدولية، وثمة أهمية خاصة بالنسبة للمصالح القومية للدولة وأهمية متزايدة بالنسبة لجميع أعضاء الأسرة الدولية فضلاً عن فوائد تلك المعرفة لطالب القانون. وقد جعلت الأوضاع الدولية الراهنة من نشر القانون الدولي العام ومعرفته وتعميق دراساته في الوطن العربي حاجة ملحّة لا تحتمل التأخير؛ فالدول العربية تواجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، الكثير من المشكلات والتحديات الدولية الخطيرة، الأمر الذي يستدعي معرفة كيفية معالجتها والتصدي لها. ويشهد العالم منذ قرون بعيدة صراعاً بين القانون والقوة في الأسرة الدولية. وفي هذا الصراع كانت القوة تسود على القانون تارة وكان القانون ينتصر تارة أخرى ليحكم تلك الجماعة.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك صعوبات وعقبات تواجه دراسة القانون الدولي أكثر من دراسة فروع القانون الأخرى؛ منها تشعّب العلاقات الدولية ونموها نمواً كبيراً، خصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين وما حدث فيه من ثورة حقيقية بوسائط النقل وأدوات الاتصال وميادين أخرى كثيرة، الأمر الذي أدّى إلى فرض أوضاع جديدة دفعت به إلى مجالات لم يألفها من قبل، وهذا ما أدى إلى نمو ذلك القانون نمواً كبيراً ليتمكّن من مواكبة التطورات والمتغيرات السريعة المذهلة التي حدثت ولا تزال تحدث في الساحة الدولية.

في هذا الإطار يأتي كتاب “القانون الدولي العام في ثوبه الجديد” والذي ينطلق فيه المؤلف من هذا الإدراك الواضح، يتناول فيه التعريف بالقانون الدولي العام ومصادره وأشخاصه وقواعده العامة الأساسية التي تتيح مكنة الولوج إلى البحث في فروعه المختلفة وتفصيلاته المتفرعة، وذلك بهدف المزيد من الدراسة والمعرفة.