جهود الجزائر في مجال الحماية الاجتماعية للفقراء في دولة الحق والقانون الوطني الإنساني، ولكن؟

الدكتورة سماح بلعيد، أستاذة محاضر صنف أ

جامعة الشاذلي بن جديد الطارف، الجزائر
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

ملخص
لا ننكر أن البراديغم الجزائري في الحماية الإجتماعية، للأفراد والجماعات من مشكلات الفقر والإقصاء والتهميش الإجتماعي والإستبعاد والظلم الإجتماعي، أنه صديق جيد لنصوص وتوصيات المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والبرامج الإنمائية للأمم المتحدة في التنمية البشرية والعهد الدولي الإقتصادي والإجتماعي، وغيرها من الدوائر الحريصة والساهرة على متابعة حق الإنسان في الحياة وجودة الحياة..لا ننكر أن القيادة الوطنية في حالة الجزائر – مثال عربي- متفاعلة ومتفائلة بشكل كبير، ضمن تحركات رسمية للنظر في تنمية وحماية الرأسمال البشري الجزائري.ولكن المسألة عمليا بحاجة إلى نظر وتحقيق وتحري أكثر في هؤلاء الهامشين والمهمشين والمقصييناجتماعيا،الذين يشكلون بروليتاريا منتظمة تكدح بحاجات وتطلعات في قلب المدينة الجزائرية…. المنتظر والمتوقع أن ترمي السياسة الحكومية الرسمية عدستها في أوكار هؤلاء المهمشين،أن تنظر في ألوانهم الباهتة وحياتهم الضائعة كقطب هامشي اختار الظل لا الظهور…والعيش في المنطقة الرمادية كحل من الدرجة الثانية.

الكلمات المفتاحية: البروليتاريا، الإقتصاد الهامشي، الحماية الإجتماعية، الحق، القانون الوطني الإنساني

Abstract:

We do not deny that the Algerian paradigm is in social protection for individuals and groups of problems of poverty exclusion and marginalization, social exclusion and social injustice. He is a good friend of the text’s and recommendations of the international human rights organization and the united nations development programs, in human development and the international covenant on economic, social and other circles keen and watchful follow-up right human life and quality of life, we do not deny that the national leadership in theidea of is highly interactive ,but the issue needs to be considered and investigated in these marginalized and socially marginazed,who make up a proletariat who is making a mockery of needs and aspirations in the heart of the Algerian city.it is expected that official government policy will set its lens in the periphery of the marginalized, as a marginal pole the shadow chose not to appear and live in the gray area second-class eyeliner.

Key words: the proletariat, marginal economy, social protection, right,national humanitarian law.

مقدمة
يقول الله تعالى في محكم تنزيله “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”*، معنى ذلك أن التكريم الإلهي للإنسان، قائم على تأمين حياته وتحقيق قدرا من درجات الكمال والتعويض عن النقص والحاجة في خيارات العيش الكريم،وهي ضمانات مصانة بحماية قانونية ومشروعية مؤسسية وعقد اجتماعي متين وصلب بين الحكومات المعاصرة وشعوبها المشاركة والممثلة في صنع مستقبلها، ومن ثم أصبحت الحماية الإجتماعية هي الحاكم الذي يحكم على آداء الحكومات المعاصرة،بقاءا أو انتفاءا.

في ظل واقع عربي دال بكل القناعات، على أن المجتمعات العربية ( الجزائر مثال) أصبحت تفتك سبل العيش وضمانات الحياة الكريمة من رقاب حكامها وأعيانها وأحيانا من أبدانها( الإحتراق البدني)، حيث عاينا حبات العقد العربي، كيف تتساقط الواحدة تلوى الأخرى والعلة أن الثورة الإجتماعية (ثورة الرغيف والوظيف والسكن والنقل والعدالة الإجتماعية…) في عالمنا العربي، سبقت الثورة السياسية وترتيب أنظمة الحكم…كل هذا يكشف لنا اليوم بعد مرور عشر سنوات تقريبا على الثورات الوردية والثورات الدموية التي شهدها القرن الواحد والعشرين في التاريخ العربي، أهميةتبنىالحكومات العربية المعاصرة لبرامجبحوث وسياسات الحماية والرعاية السكانية في آدائها السياسي العام…هكذا ترضى الشعوب.

فبالنظر إلى القضايا الراهنة المتعلقة بالفقر السكاني، وانخفاض مستوى المعيشة،وإنتشار البطالة، قوارب النتحار الجماعي، الهجرة نحو المجهول، التسول وكذا تنامي الاهتمام بمسائل الإقصاء والحرمان والإستبعاد والتطرف الإجتماعي، وانتشار جماعات التهميش والفوضى الإسكانية…وتشويه صورة المدينة وانتشار العنف ضد البيئة،الإنتقام الإجتماعي، التسلط الإداري وغيرها من المشكلات…فقد جاء “تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة في بيان واضح، على أن مسؤولية كل حكومة تتحدد من خلال أدائها الاجتماعي، بمعنى جملة المنافع والخدمات المحققة في رصيد الطفل والمرأة والعامل والمعاق والمعارض…،ومن ثم الإنتقال من صيغة الإعتراف بالفقر والتهميش إلى صيغة تصفية الفقر وتصقيف معدلات التهميش في نطاق دولة الحق والقانون والضمير الإنساني.

إذن آداء الحكومات المعاصرة مقترنا بفهم المجتمع من الداخل، واقتراب السياسة الإجتماعية بشكل أكثر وأعمق من المجال السكاني، ليس بمجرد التحرير الإداري والوصف والقياس من زوايا المكاتب…بل بالحل؟، وجملة الحلول، التي تخترق المجال المعيشي، الهمومي والعمومي المرتبط بالهوية الجماعية لسكان المدن – المجال المقارب للدراسة.

تدرك الباحثة أن الحماية الإجتماعية من الفقر والتهميش،هي برنامج مقصود في المجتمع لتحقيق أمن الإنسان وتوسيع ضماناته وحقوقه الكاملة في الصحة والتعليم والدخل والغذاء والسكن،…والسمة المشتركة بين الحكومات، التي حققت مثل هذا التغيير هي وجود حكومة راشدة، قوية مبادرة ذكية وناعمة، لا تعتمد البيروقراطية والتصلب التنظيمي بل الآداء الجيد والتغيير الإيجابي والإنجاز الملموس”، حيث تمنح هذه الحكومة أجهزتها الميدانية، النفوذ والسلطة لتخطيط السياسات وتنفيذها، مسترشدة بمعايير وقيم مشتركة، وقواعد ومؤسسات تبني الثقة وتعزز التماسك الإجتماعي.إن هذه الحكومة النشطة الفاعلة،هي المعنية بإطلاق عملية التحوّل في حياة المواطنين وبرصدها وبدلا من أن تكون هذه الحكومة صديقة للإدارة وللبرنامج فحسب، تكون صديقة للإنسان. فالبلدان التي لديها برامج اجتماعية مبتكرة وقوية في الحماية الإجتماعية، تكون في أحيان كثيرة صديقةللمواطن قبل الوطن([1]). إن هذه الوصلة العلمية التي تقدمها الباحثة،هي طرح لا يتخلف عن المسوغات المبتكرة في العالم المتقدم، بشأن إذكاء قوةالحكومات المعاصرة هيئاتها المحلية بخيارات التأهيل الإجتماعي وفرص تمكين الجماهير وسياسات المشاركة وبرامج المرافقة وتعبئة الفرص والإدماج والإستيعاب والتمثيل الإجتماعي…قدر ما أمكن.

التاريخ كشاف وضاح، أن العلامة المسجلة بامتياز في دروس الصرح الحضاري العالمي اليوم،الذي أخذت به أمم فتقدمت( النمور الإقنتصادية العالمية)، متمثلا في تطبيق”أن يحيا الإنسان قبل أن تحيا الدولة” وانبثقت عن ذلك سياسات إجتماعية وبرامج في الحماية الإجتماعية،وقعت بالأحرف الأولى على تشريعات استيعابية تشاركية وتمثيلية تضمن بشكل كامل انتظارات وتوقعات الرأسمال البشري،بعيدا عن الإقصاء والتهميش والإستبعاد أيا كان شكله أو مستواه.وارتسمت الرؤية في التقارير الأممية،أن أفق الدولة يبدأ برعاية حاجات الإنسان أولا.

من هذا المنطلق، تطرح هذه الورقة العلمية سؤال:…سياسات وبرامج قائمة ولكن غير مرضي على نتائجها في حالة الجزائر…ترى كيف يتدبر الفقراء في الجزائر أمرهم إذن؟، لماذا الإختلال والتفاوت الإجتماعي، لماذا اختار الفقراء خطا اقتصاديا عنوانه الإقتصادالهامشي،اقتصاد يشتغل في منطقة الظل( الضبابية)، ثم إذا كان هذا الإقتصاد الهامشي يسد حاجة الكفاف فقط بمعنى اقتصاد غير مربح بدرجة كبيرة، كيف يستمر ؟كيف نفسر قاعدة التضامنات الآلية والعضوية التي تعتمد عليها عناصر برولياتريا المدينة ( القطب الهامشي) في انعاش اقتصادها البريكولاجي… ؟.

في اتجاه آخر لماذا الدولة الجزائرية قاصرة أو عاجزة إلى هذا الحد، في تحديث آليات حماية اجتماعية /حقوقية كاملة لفقراء المدن، لماذا الفئات المحرومة والمهمشة والمعدمة كبنية طبقية للمدينة الجزائرية، اختارت لكيانها أسلوب الدفاع الرمزي والمادي حتى فقدت المثل الأعلى تحت ضغط المعيشي والهمومي… وبنظرة سوسيولوجيةإن القطب الهامشي يمثل الوجه الآخر للمدينة الجزائرية المعمورة بالسكان، بالأبنية والفرص والممكنات،بالمصانع والتمظهرات الحضرية، لتكون الوجه الرمادي للمدينة غير المرغوب فيه تنظيميا فيحارب ويقمع من طرف الدولة البوليسية- (الشرطة، الأمن الحضري…) حتى لا يفسد أو يشوه صورة المدينة الجزائرية المزعومة.وهكذا أصبحنا نرى وجود برولياريا طفيلية حقيقية متكونة من ( أطفال، شباب، نساء، شيوخ…) تكدح في الظلام،في المنطقة غير المحروسة، غير المراقبة، في معركة الحياة الإجتماعية في القطاع الحضري، إن هذه الطبقة هي حاضنة المدينة وهي قطاع اجتماعي مستقل،له دلالة سوسيولوجية، فئة اجتماعية همشتها سياسات بيروقراطية وأطر التنظيم المحلي وآليات الحماية الإجتماعيةالمنقوصة،في دولة الحق والقانون المزعومة.

مفاهيم: الفقر، التهميش، البروليتاريا
1.1.مفهوم الفقر:

-الفقر لغة:

الفقر في معجم المعاني الجامع – عربي عربي

يقال فقر الرجل:كسرفقار ظهره.

فقرتهالمصيبة:حلت به شديدة

فقرالبئر:استنبط ماءها

فقر الشيء :كسره.

فقر، يفقر، فقارة فهو فقير.فقر الرجل أي ذهب ماله( قاموس المعاني الجامع عربي عربي).

يدور مفهوم الفقر في اللغة حول الحاجة والعوز،فالفقير هو المحتاج.وهو ضد الغني,والفقير مكسور فقار وهومشتق من انفقارالظهر،أي انكسار فقاره، فكأن الفقير مكسور الظهر من شدة حاجته والفقير الذي له ما يأكل والمسكين من لاشيء له “1وقد اختلف اهل العلم على الفرق بين الفقير والمسكينأوصلها الماوردي إلى ستتة أقاويل، أن الفقير :المحتاج المتعفف عن المسألة والمسكين: المحتاج السائل

والثاني أن الفقير هو ذو الزمانة من اهل الحاجة والمسكين :هو الصحيح الجسم منهم.

والثالث أن الفقراء هم المهاجرون والمساكين غير المهارجين.

والرابع أن الفقير من المسلمين والمسكين من أهل الكتاب

والخامس أن الفقير الذي لا شيء له لأن الحاجة قد كسرت فقاره والمسكين الذي له ما لايكفيه لكن يسكن اليه.

والسادس أن الفقير الذي له مالايكفيه والمسكين الذي ليس له شيء يسكن اليه”

-الفقر اصطلاحا:

يستعمل في القرآن الكريم مفهوم الفقر على أربعة أوجه:

الأول :الفقر وجود الحاجة الضرورية وذلك عام للإنسان مادام في دار الدنيا،بل عام للموجودات كلها وعلى هذا قوله تعالى”ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد”*

وإلى هذا الفقر أشار بقوله في وصف الإنسان”وماجعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين “*

والثاني عدم المقتنياتوهو المذكور في قوله”للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، تعرفهم بسيماههم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم”*

الثالث فقر النفس،وهو الشره المعني بقوله عليه الصلاة والسلام “كاد الفقر أن يكون كفرا”.

الرابع:الفقر إلى الله، المشار اليه بقوله عليه الصلاة والسلام”اللهم أغنني بالإفتقار إليك ولا تفقرني بالإستغناء عنك”.

الفقر في اصطلاح الإقتصاديين:

-الفقر يعني العجز عن اشباع الحاجات الأساسية والضرورية.

-الفقير هو من لايمتلكشيئا”والشعوب الفقيرة هي الشعوب التي يكون أغلب مواطنيها من المعدومين

-انخفاض الدخل عن مستوى معين في السنة.

-الفقر بمعنى انعدام الرفاهية أو انخفاض مستوى المعيشة.

-الفقر بمعنى انعدام الحيلة وانعدام القدرة على التعبير مما يحدد من الفقير على الاختيار والاستفادة من الفرص،أو هو عجز موارد الفرد المالية عن الوفاء بحاجته الإقتصادية.

خلاصة :الفقر يدور مفهومه حول الحرمان النسبي لفئة معينة من فئات المجتمع فالفقير إلى الشيء لا يكون فقيرا إليه إلا إذا كان في حاجة إليهوهنا تظهر أهمية البعد المادي في تحقيق الحاجات من مأكل وملبس ومسكن”1.

يصعب ايجاد تعريف موحد لظاهرة الفقر باختلاف نظرة المجتمع الواحد واختلاف الفترات التاريخية، مع تباين مؤشرات الفقر وأدوات قياسه وحصره بالفهم والإقتراب العلمي، سيما تباين الثقافات والمرجعيات الفكرية والتنموية السائدة في المجتمع.

فريق من الدارسين عهدوا إلى اعتماد المحددات المادية للفقر، حيث نظروا إلى الفقر في ضوء عيش الكفاف كالدخل والحاجات المطلوبة اجتماعيا أو الحرمان النسبي كالنقص في بعض الموارد الضرورية للعيش مثل الغذاء وظروف المعيشة وأسباب الراحة المتعارف عليها”.فريق ثاني من الدارسين، يؤكد أن الفقر ليس حالة مادية فقط وإنما بالإضافة إلى ذلك مركب من المواقف المجسدة للتبعية ونقص الإعتماد على الذات”.

بالإضافة لذلك هناك من يصنف الفقر إلى تعاريف موضوعية وتعاريف ذاتية.

الفقر في تعريف محمد حسين باقر “الفقر حالة من الحرمان المادي تتجلى أهم مظاهرها في انخفاض استهلاك الغذاء كما ونوعا وتدني الحالة الصحية والمستوى التعليمي والوضع السكني والحرمان من تملك السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى وفقدان الإحتياطيأوالضمان لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات”2.

الفقر في تعريف كريمة كريم“اعتبرت التعريف الذاتي بأنه النوع الثاني من تصنيفاتها لمفاهيم الفقر، وهذا التعريف يركز على تصنيف الفرد لذاته فيما إذا كان من الفقراءأم لا”.

الفقر في تعريف عبد الرزاق الفارس”عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من المعيشة المادية يمثل الحد الأدنى المعقول والمقبول في مجتمع ما من المجتمعات في فترة زمنية محددة”3.

2.1.مفهوم القطب الهامشي:

“يتكون من فئات اجتماعية ليست لها مهارة أو تجربة القطاع الرسمي، الأمر الذي يجعل أملها ضئيل للحصول على عمل فيه، وهذه الفئات تنقسم إلى قسمين أساسيين، يتضمن الأول أولئك العاملين في القطاع غير الرسمي والمعتمدين عليه كمصدر رزق في حين يتضمن الثاني الحثالة الإجتماعية واللصوص والمنحرفون ومن لف لفهم”.

إن انخفاض مستويات الحضرية كما ورد في تفكير الباحث الجزائري اسماعيل قيرة، وعدم انتشار أساليبها، يفسر استمرار المدينة في ضم قبائل وعشائر مازالت تتغنى بتضامن الأقرباء وبرسوخ الأعراف العشائرية والأفكار المرسخة لإعادة انتاج التخلف…في عالم متغير أصبح فيه السريع يأكل البطيئ.

من هذه الزاوية يرى لاندا أن تسارع تدفق المحرومين والإفقار المعمم ونمو روح عدم الثقة والخوف من المستقبل وخيبة الأمل أسباب تحفز نمو المشاعر الدينية وتشجع على أدلجة “الأزمان الذهبية”( عصر الخلافة الإسلامية)،وكل نمط الحياة المرتبط بها، ويتجلى هذا واضحا في نجاح الأصولية في اجتذاب الهامشيين لأنها تفسر لهم الوضع الإجتماعي الذين هم فيه بالإبتعاد عن تقاليد الماضي والأزمان الذهبية.وتأسيسا على ذلك وضح لاندا أن هناك علاقة وطيدة بين مكانة الهامشيين في بنية المجتمع ورؤيتهم وعالمهم الروحي ونشاطهم السياسي وبين الحالة الإقتصادية في هذا البلد أو ذاك وسلوك الهامشيين فيه”.1

3.1.البروليتاريا :

مفهوم يتعاطى معه الماركسيين في فكرهم اليساري.

يعرف كارل ماركسالبروليتاريا” دائرة من الوجود ذات خاصية كلية بما تعانيه من آلام كلية وفي الوقت نفسه لاتطالب بأي حق خاص لأنها لم تصاب بأذى خاص بل هي التجسيد للأذى بالذات، دائرة لا تطالب بحقها التاريخي ولكن بحق الإنسان دائرة لايمكنها أن تتحرر إلا إذا حررت الدوائر الأخرى في المجتمع، وبكلمة واحدة دائرة يكون ضياع الإنسان،فيها ضياعا لا يستعيده إلا إذا استعاد كلية الإنسانية“.

ومن ثم يرى الماركسيين أن الفئات المهمشة أو الهامشية عموما ليست تخلفا اقتصاديا، بل لها دورها الفعال في التنمية الحضرية معتمدين على معادلة أسلوب الإنتاج السلعي.

جيري ولوبران، ركزا على على نمط الإنتاج الهامشي في مقاربتها لمفهوم البروليتاريا. وانصب اهتمام فريق آخر من الباحثين على إعطاء بعض التصنيفات في السياق الإجتماعي التاريخي وعلاقة الفئات الهامشية بالنظام الإجتماعي القائم.

كوهن ومايكل، قدما اسهاما خطيرا في دراسة الفعالية الثورية لفقراء المدن وأهم المعوقات التي تحول دون تطوير الراديكالية السياسية لدى العمال المشتغلين تشغيلا ناقصا في المراكز الحضرية في البلدان النامية.

ايف بارال، يقدم فكرة الحشود المنعزلة، التي لاتمثل فقط تجميع لفئات في في موقع معين ولكنها مجموعة من الأفراد والفئات التي لا يري المجتمع أن يراها أوأن يلتقي بها، لأنها تحولت إلى وسط براوني، بدون نسيج علائقي داخلي، بلا نظام بلا شكل بلا مسار يحدد لها الدخول في علاقات مع باقي المجتمع.

سارج بوقام، روبير كاستالوفانسوندقول جاك أكدوا على الدور التهديمي الذي يفرزه سوق العمل في إضعاف العلاقات الإجتماعية وبالتالي إلى استبعاد الكثير منهم من عمق النسيج الإجتماعي”1.

الدولة العصية عن لعب الدور في الحق والقانون الوطني الإنساني:
بروليتاريا المدينة والإقتصاد الهامشي للفقراء في الجزائر، تدرك الباحثة أن هذه المعضلة، هي علامة ضعف بامتياز في المخطط الإجتماعي للدولة الإجتماعية العصرية، فوجود دولة معاصرة تحفظ الحق والقانون وتشيد بالصرح الديمقراطي الجماهيري وتصادق على مواثيق حقوق الإنسان والبرامج الإنمائية للأمم المتحدة والعهد الدولي الإقتصادي والإجتماعي…وفي الوقت ذاته تزدحم فيها الأرصفة من جراء تكاثر الباعة واتساع عدد المتسولين والمنحرفين والحراقة والتربنديست والأسواق الفوضوية والفقراء والتعساء الرابظين على الأرصفة…إنها متناقضات اجتماعية تستدعي دراسة وحل. ولعل حالة الجزائر تعكس فقرا من نوع خاص هو الفقر المبرمج، فالفقر الذي يعيشه ملايين من الجزائريين، سببه غنى الآلاف من الجزائريين”2، إنه الفقر المبرمج في حالة الجزائر، يفكك الباحث الجزائري عبد الرزاق أمقران أبعاده في الآتي:

– هل هناك عدالة في توزيع ثروات البلاد؟

– مانسبة الذين يتحكمون في ثروات البلاد مقارنة بالسواء الأعظم؟

– أليس الفقر نتيجة حتمية لسياسات اقتصادية مفروضة من طرف هيئات دولية بعد افلاس السياسات الوطنية؟

– ألم يسهم المواطن الجزائري في برمجة فقره باعتناقه لنسق قيمي علمه الإتكالية وروح القدرية والإنهزامية؟

– أم أن الجزائر بالتبذير المفضوح لثرواتها في قضايا لاتمثل أولوية يجسد وجها من أوجه الفقر المبرمج الذي يتأثر به الضعفاء فحسب؟3.

“لقد فاقم إفلاس الدولة الوطنية وانحطاطها، سيطرة المفهوم الآداتي والخارجي للدولة، فأصبحت أكثر فأكثر بمثابة الآداة العمياء التي تنفذ سياسات تملى عليها إلى حد كبير من قبل مجموعات المصالح أو مجموعات الضغط والحركات والقوى التي تمارس سلطتها ونفوذها بشكل رئيسي خارج الدولة ذاتها…ويعني هذا التوظيف الآداتي للدولة أن الأحهزة الفاعلة الإدارية والسياسية، لم تنجح في بلورة مبادئ عملها ومهامها من داخلها،ولم تستطع بالتالي أن تدرك بعمق رسالتها الخاصة وأن تنمي في ذاتها وعيا وضميرا، لقد بقيت الدولة تجسيدا لحشد كبير من الموظفين الذين ينتظرون مرتباتهم في آخر الشهر، ولم تتحول إلى نظام يستمد فاعليته من العقلانية..إنها كما أخفقت في بناء مفهوم للدولة ولعمل رجل الدولة أخفقت في بناء الوعي الوطني وروح التضامن الجماعي…وهكذا لم تنجح في خلق الإطار السياسي الملائم لتوليد قومية حية وفاعلة في ضمير الأفراد والجماعات ودافعة نحو تحقيق التضامن والتفاهم والتفاعل فيما بينهم، كما فشلت..في تكوين مفهوم المصلحة الوطنية العليا الذي لا يمكن أن تقوم من دونه دولة وطنية“1.

..نعم تمثل الجزائر كخصوصية عربية، مثال أو حالة للدولة العصية في لعب الدور في مسألة الحق والقانون الوطني الإنساني..”فقد دلت التجارب، أنه في كل مرة تتبلور قوى مصلحية منظمة داخل أجهزة الدولة،يتحقق فيها استقرار نظام ما لبعض الوقت تضيع الرؤية الوطنية وتتحول السياسة إلى استراتيجية خاصة بخدمة مصالح القوى المنظمة هذه، وتحول معها الدولة إلى آداة خاصة مفصولة كليا عن المجتمع وأهدافه ومصالحه، ولأن الدولة لا تتمتع هنا بأية استقلالية تعمق لديها وعيها لمسؤوليتها العامة فهي تصبح كالآلة السلبية التي تستجيب تلقائيا وبسهولة لكل ما يمكن أن يحصل على مستوى السلطة والنظام السياسي القائم من تحولات ناجمة عن تبدل نزوعات واتجاهات وبنية القوى الإجتماعية والنخب القائدة في اتجاه أو آخر”2.(…) ومما لاشك فيه أن تحويل الدولة في اتجاه خدمة المصالح الخاصة التي تتحكم بها، هو التجسيد الرئيسي لكل هذه الإنحرافات في وظائفها والإنحطاط في هياكلها والقطيعة التي تشهدها بينها وبين المجتمع.وتجد العصبيات الجزئية المنبعثة من رقادها في الإفساد الذي تشهده هذه الوظيفة السياسية العمومية للدولة معينا لاينضب “3.

هكذا تجد الجماعات الهامشية لنفسها حلول من الدرجة الثانية لحالة الإنحلال الفعلي السياسي والأخلاقي في التنظيم الجمعي الذي تحمل الدولة عنوانه، لتستحصل أهدافها في عملية التنظمالإجتماعي، بصفة الزوائد الإجتماعية (الثانوية ) والبرية فتنمو نمو الفطر، وتشحن بذلك عصبياتهاوتضامناتها بالفوضى ومقت النظام وبالتالي التموقع في القطب الهامشي في مواجهة القوى والمخططات المناوئة التي لاتكف عن استفزازها وقلقلتها. النتيجة الإفتقار إلى قواعد اجتماعية راسخة ومتينة، تسمح بتحقيق اندماج فاعل وإيجابي وتجريد قطاع عريض من فئات المجتمع من كل قيمة مواطنية وإنسانية، وكم هم كثرة هؤلاء الشباب بالمدينة الجزائرية، الذين تتطاير أشلاءهم يوميا ( قبعات، سلع معلبة، أحذيتهم..)في أيادي شرطة التنظيم العام، في الأزقة والشوارع وهم في الحقيقة ضحية اقتصاد مركب على المنافع والمضاربة والربح الرخيص والسرقة المنظمة والتهريب….اقتصاد مبرمج على الفساد، فيبرمج ظاهرة الفقر ومن ثم ينتج بروليتاريا فعلية…إنها عودة البروليتاريا في القرن الواحد والعشرين.

إذن عوضا عن أن تضطلع الدولة بسياسات اجتماعية، “تكون المواطن والمواطنية والوطنية، سياسات تعهد بعملية بناء للإنسان وتأمينا على النفس والحياة وتعليما وتربية وتثقيفا وإقامة للتوازنات الكبرى المادية والسياسية والإجتماعية والنفسية وخلق فضاءات جديدة للحرية والقانون والحق والقيمة والجمال،فإن حماية الإنسان وحقوقه تحولت إلى سلاح للحرب ضد حقوق الإنسان وإلى خطاب يهدف إلى التغطية على ممارسة التمييز وتأكيد التفوق العقائدي والمعنوي والأخلاقي عليه، أي إلى عقيدة نفي الإنسان وتشويه صورته والتمثيل به ونزع الإنسانية عنه وحرمانه من ممارسة حقوقه الأساسية وإنكار معاناته وآلامه، هذا هو الثمن لتقليص الإنسان وتقزيمه من حيث هو وعي وضمير وحرية” 1ولننظر إلى الطفيليين والإنتهازيين والوصوليين، المتشدقين والنهاب ومروجي التخلاط والصيد في الماء العكر، كما يقول الباحث الجزائري قيرةاسماعيل.إنهمضحايا الخطأ في منطقة التفكير الحرام والخطأ في سياسة الدولة ذاتها.دولة عصية عن لعب الدور في الحق والقانون الوطني الإنساني كما أوضحنا.

تكون الفقر في الجزائر،الثنائية الخطيرة القابلية من الداخل والهزيمة من الخارج:
أ. تكون الفقر من الداخل أم “القابلية للفقر” في الجزائر:

أجمع الدارسين على حقيقة “أن المواطن في المجتمع الجزائري، يعيش منذ الإستقلال، ضمن نسق قيمي، يبنيه ويعيد تشكيله وتكييفه بسلوكيات وممارسات واأفكار سجنته في منطق “حالة انتظار دائمة”، فهو فرد يتوقع من يفكر في مكانه، يأخذ المبادرة بدلا عنه،يرى في الإبداع مضيعة للوقت“،روحالإتكاليةوالإنهزامية والقدرية، أصبحت السمات الرئيسية للشخصية القاعدية للفرد الجزائري…معنى ذلك أن القيم التي يؤمن بها غالبية الأفراد في الجزائر، هي قيم تسقط أصحابها في الفقر“.

وهكذا فلقد عاينا كيف أن التسيير الموجه الذي سقط جداره بعد الدخول الحزائر في اقتصاد السوق،أنتج جيلا من المصدومين اجتماعيا، الذين تعودوا على الرضاعة من أثداء النظام البائد.وعندما جهر المسؤول الأعلى في البلاد “البقرة غرزت”، بمعنى لا تنتج حليبا “فقد ازداد تخلف من كان متخلفا أصلا في فترة التسيير الموجه والتحقت جحافل من الأشخاص لم يكونوا يملكون رصيدا تعليميا، ثقافيا، مهنيا، يسمح لهم بالتكيف مع المعطيات الجديدة…وقدم الرقم 14 مليون جزائري يعيش على عتبة الفقر” 2 .

في سياق آخر”“يبدو أن حقائق تضاريس واقعنا، تميل إلى تأكيد اتساع نطاق الفئات التي تحكم تصرفاتها وسلوكاتها ثقافة الشارع والعنف،خاصة بعدما أصبحت الحثالة الحاملة لثقافة الشارع توجد في كل المستويات وتترشح للإنتخابات وتحصل على المناصب وتتخذ القرارات، وإذا ما سلمنا بحدوث تشوهات وتناقضات في تطور المجتمع فلابد أن نسلم بتغير مهن الهامشيين وحاملي ثقافتهم…أصبحنا نلمس في الوقت الحاضر تغيرات صاخبة في مهن فئات واسعة، سائق أصبح رئيسا لبلدية ومديرا لمؤسسة أصم وأبكم أصبح عضوا في احدى المجالس المنتخبة، مقاولون لايملكون معولا ولا مطرقة وتسند لهم مشاريع تنموية، فإن ذلك لايعني تنوع الحراك الإجتماعي بقدر ما يعني انهيار النسيج المعياري للمجتمع وتناقض عناصر مكونات بنائه وما يترتب على ذلك من انهيارات وظهور جماعات النهب والإحتيال “3.من جهة أخرى “إن الفقر المبرمج في المجتمع الجزائري يمكن تناوله من زاوية السياسات الإقتصاديةوالإجتماعيةوالثقافية،التي انتهجتها السلطة المتعاقبة على الحكم منذ الإستقلال والتي عجزت ليس في بناء فرد قوي متشبع بروح العصر ومن ثم فرد تبنى له وحوله الإستراتيجيات فحسب، بل تسببت في بث روح الإتكالية الهدامة التي أسقطته في فخ الفقر”وكم كانت الصدمة كبيرة في الجزائر عندما جهر أحد رؤساء الحكومات في التسعينات بحقيقة مرة، كشفت لنا بأن الجزائر تستهلك ما يعادل نصف الإنتاج العالمي من القمح سنويا ولا تنتج منه إلا القسط القليل”… 4

في هذا السياق يحذر علماء الإصلاح الإجتماعي، من أن أسوأ ما يقع على الأمم هو انقسام مجتمعاتها إلى طبقات الأغنياء والفقراء. وأن الآثار السيئة لتكديس الأموال في أيدي قلة من الناس، تسبب تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة، وتسخرهم لخدمتهم بغير حق… وقد ظهرت الطبقية والإحتكار من خلال إيجاد آليات وهياكل ومؤسسات اجتماعية،سواء كانت اقتصادية أو قانونية أو تشريعية، يتم من خلالها توجيه المال والسلطة والتأثير للأغنياء دون الفقراء، وتكرس انعدام الفرص أمام الفقراء في مزاحمة الأغنياء،بل ويكون المال والغنى معيارا لكثير من المناصب والمهام…1.

ب. تكون الفقر ب فعل الهزيمة من الخارج:

حذرت مجلة فوريجن أفارforeignaffairsالأمريكية، من نشوب ثورة اجتماعية عالمية، بعد نقدها لفكرة العولمة لأنها تترك وراءها الملايين من العمال الساخطين وحالات اللامساواة والبطالة والفقر المستوطن واختلال التوازن الإجتماعي بالإضافة إلى تخلي الدولة عن مواطنيها ونشوء الطبقية الفاحشة داخل مجتمع الدولة الواحدة كذلك تسبب تكريس الهوة بين الدول النامية والدول المتقدمة وبين أغنياء العالم وفقرائه”1. وفي عصر التكتلات الإقتصادية والسياسية الكبرى التي ما فتئت تعيد ترتيب الأدوار في العالم وفي عصر السريع يأكل البطيئ وإما أن تأكل أو تأكل، وجدت الجزائر نفسها في مأزق وجودي فرض عليها التنازل عن جزء من سيادة قرارها وأجبرت على التطبيق الحرفي لمعاهدات واتفاقيات أبرمت مع مؤسسات وهيئات دولية بشروط بالغة القسوة دفعت من جرائها الجزائر ضريبة اجتماعية مدمرة”…”إن الفقر بهذا الطرح مادة وبرامج طويلة المدى يبرمج عند كبار هذا العالم ويصبح حالة معيشية ملازمة لكثير من ضعفاء العالم، فالكبار في سعيهم لضمان رفاهية مجتمعاتهم، يتنصلون من كل الظوابط الأخلاقية الحضارية وينساقون لمنطق القوة والقهر وإخضاع الضعفاء فيزداد الفقر في المجتمعات الهشة” 2.

تدرك الباحثة أن بروليتاريا الفقراء هي بالدرجة الأولى مسألة تنظيم سياسي ومؤسساتي وإداري” تبرهن في الواقع على عدم نجاعة التنظيم الإقتصادي المرتبط بتوزيع المداخل والثروات، ومن ثم فمشكلة الفقر في الحقيقة،لاتعني عدم توفر الثروات والإمكانات فحسب وإنما تعني أيضا سوء استعمال واستخدام الثروات بشكل اقتصادي وفعال ومتوازن،لأن عملية تنظيم المداخل عملية معقدة يمكن أن تؤدي إلى أحداث اضطرابات خطيرة قادرة على خلق توزيع غير عادل للثروات في المجتمع وهذا ما قد يؤدي في نهاية الأمر إلى حدوث ظاهرة الفقر وتوسع دائرتها في المجتمع”3.

يمكن ملاحظة ذلك في حالة الجزائر عقب سياسة الإنفتاح الإقتصادي والإجتماعي والإنتقال نحو اقتصاد السوق،مما أدى إلى حدوث صراعات مادية، فرضتها الممارسة الليبيرالية للإقتصاد المستحدث ارتهنت مباشرة بوجود ظواهر كالفقر والبطالة والتهميش الإقتصادي والإجتماعي لقطاع عريض من فئات المجتمع.

أشارت عديد الدراسات الإقتصادية والإجتماعية إلى انتشار ملموس لظاهرة الفقر في المجتمع الجزائري،وذلك بعد تطبيق برنامج الإستقرار والتصحيح الهيكلي، الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 30% في سنة 2000 وارتفاع نسبة الفقر كنتيجة مباشرة لندرة مناصب العمل، وهذا ما يبين حسب الدراسات وجود 11.4 مليون شخص من الفقراء في الجزائر،وهومايعادل21% من تعداد السكان في الجزائر، وذلك رغم محاولة الدولة لتبني سياسة اجتماعية للحد من مشكلة الفقر،إلا أن المساعي لا تتعدى التكفل ب 10% من الفقراء فقط” 1.

4- عودة البروليتاريا في القرن 21- حالة الجزائر- تدخلات في الحماية الإجتماعية ولـكـن :

تكشف النظرة المدققة للواقع الإجتماعي للبلدان النامية عموما والجزائر على وجه الخصوص استفحال ظاهرة الفقر والتهميش الإجتماعي بشكل فظيع ومريب ويتجلى ذلك واضحا من خلال ما تتعرض له العديد من الفئات الإجتماعية لصور المحاصرة والتهميش والإستغلال والنبذ والإقصاء بشكل مستمر ومرئي، حتى أصبح هذا الواقع قانونا يحكم علاقات المجتمع بشكل آلي…وقد خلص كل من عادل عازر وثروت اسحاق في دراسة امبريقية لهما، تناولا فيها المهمشين، عن تعدد صور المحاصرة والإستغلال سواء وسط الباعة الجائلين أو عمال التراحيل الذين يصفونهم بالمعذبين في الأرض”…وقد أبلغت احصائيات جانفي 2000 أـرقام مرعبة ولوحة سوداء عن حدة التهميش الإجتماعي وتنامي الفقر في الجزائر جراء انسداد مصادر الرزق لدى عدد هائل من العائلات الجزائرية، إذا أنه بحوالي عشر ملايين جزائري يعيشون دون مستوى الفقر أغلبيتهم من المناطق الريفية”.2

“وعلى الرغم من الإصلاحات الهيكلية التي اتخذتها الدولة لإمتصاص غضب 75% من فئات المجتمع،التي تعززت باهتمامات أكبر في أعقاب حملة تسريح العمال، بخلق أجهزة تهدف إلى إدماج الشباب مهنيا وتقديم المساعدات للفئات المحرومة غير أن الصدى الإجتماعي لهذه العملية يبقى محدودا، علما بأن الإعتمادات المخصصة. في قانون المالية لسنة 2000 تقدر ب 20،40 مليار دينار جزائري،وعلى صندوق تشغيل الشباب ب6،20 مليار دج،كما أن الدولة اقترحت ثلاثة أجهزة للمعالجة الإجتماعية وامتصاص حجم البطالة إلى حين إعادة النمو والإنتعاشالإقتصادي بحيث يهدف الجهاز الأول إلى مرافقة عملية هيكلة المؤسسات الإقتصادية من الجانب الإجتماعي وموجه إلى العمال الذين فقدوا مناصب عملهم، وذلك بوضع تشريعات تتعلق بالتقاعد المسبق والذي تبعها إنشاء الصندوق الوطني للتأمين على البطالة سنة 1994 إلى جانب الصندوق الوطني للتنمية وصندوق ترقية الشغل إضافة إلى بعض الوكالات المكلفة بالتجسيد الميداني للبرامج المسطرة لإمتصاصالبطالة،أهمها برنامج المؤسسة المصغرة التي حلت محل تعاونيات الشباب وكذا برنامج العمل المأجور، الهادف إلى تمويل الجماعات المحلية لخلق مناصب عمل مؤقتة وصولا إلى القرض المصغر سنة 1999)3، لا ننسى صندوق الشيخوخة وصندوق المرأة الماكثة بالبيت، صندوق رعاية الأيتام، صندوق مرافقة ذوي الحاجيات الخاصة…الخ.

-المخصصات المالية لبرنامج تحسين ظروف معيشة السكان حسب القطاعات في الجزائر:

الوحدة: مليار دج

البـــيانالمخصصات
السكنات550
الجامعات141
التربية الوطنية والتكوين المهني258.5
الصحة العمومية، إنجاز منشآت للعيادة95.5
الثقافة، الشباب، الرياضة66.6
إيصال الكهرباء والغاز للمنازل وتزويد السكان بالماء192.00
برامج لتنمية البلدية200
تنمية مناطق الجنوب100
تنمية مناطق الهضاب150
نشاطات التضامن الوطني95
عمليات تهيئة الإقليم وتطوير الإذاعة والتلفزيون45.4
المجموع1908.5

جدول (1) يبين المخصصات المالية لبرنامج تحسين ظروف معيشة السكان حسب القطاعات حسب البرنامج التكميلي لدعم النمو 2005-2009.

من معطيات الجدول أعلاه الذي استخلصته الباحثة الجزائرية حاجي فطيمة،في تحليل سوسيواقتصادي أن الجزائر ضمن البرنامج التكميلي لدعم النمو 2005-2009. ومن أجل تحسين ظروف معيشة السكان، تم التركيز على السكنات بتخصيص مبلغ 550 مليار دينار لتطوير وإنشاء حوالي 10110000 مسكن ويليه قطاع التربية والتكوين المهني حصة 258.5 مليار دج من أجل إنشاء المزيد من الهياكل التعليمية من أقسام ومطاعم قصد تحسين ظروف التمدرس، الصحة بمعدل95.5 من المخصصات المالية ومع ذلك نسجل حالة نقص رغم أن حكومة عبد المالك سلال( المستقيل سنة 2017) تنفق جهود وإمكانات مضنية لتحسين وجودة خدمات ومرافق القطاع الصحي بالجزائر، كما نسجل ارتفاع معتبر في حجم المخصصات المالية التي يستفيد منها كل من برامج تنمية البلديات ومناطق الجنوب والهضاب العليا خاصة بعد الكوارث الطبيعية التي أثرت بشكل كبير على السكان”1.

وعن مؤشر التنمية بدلالة رقمية منذ 1990-2012، كما هو مبين في الجدول أدناه:

-تطور مؤشر التنمية في الجزائر :

السنوات199019952000200520102012
مؤشر التنمية في الجزائر0.5730.5640.6020.6510.6770.713

جدول ( 2) يوضح تطور مؤشر التنمية في الجزائر المصدر( تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة، عام 2012)

استقرار مؤشر التنمية لسنة 2012في معدل 0.713 معدل مقبول ولكن غير مرضي عنه في الضمير الجمعي للمجتمع الجزائري.الجزائر بلد غني الثروات والموارد، ولكن موفور الخدمات اللإجتماعية والترفيهية التي هي من حق الشعب في أرضه ووطنه منقوصة بطريقة فادحة.ففي حالة الجزائر لاننكر أن هناك مكاسب وجهود إنسانية قائمة وسياسات محققة في الحماية الإجتماعية ولكنها مقطوعة الرأس في الميدان…فقد أشار الباحث الجزائري قيرة اسماعيل إلى حقيقة أن ثلث العائلات الجزائرية فقيرة.

نعرض في هذا السياق مظاهر الفقر في مؤشرات احصائية، ثم نبسط شواهد امبيريقية واضحة تؤكد وجود مظاهر الفقر الفعلي في الجزائر وهي مظاهر تعرف بها المجتمعات الأخرى الأكثر فقرا في العالم:

الفئةالنسبة
أجراء يعيشون تحت الحد الأدنى للفقر45%
فلاحين وهم ارباب اسر فقيرة%50
ارباب عائلات بطالين%100
أرباب العائلات لايقرأون ولا يكتبون%66
افراد لايتجاوز دخلهم الشهري 6000 دينار%30
نازحون من القرى إلى المدن بسبب الأزمة الاقتصادية ةتردي الأوضاع الأمنية1.6 ميون مواطن

الجدول (3): يبين أصناف الفقراء في المجتمع الجزائري، المصدر:(عبد الرزاق امقران، في سوسيولوجيا المجتمع، ص 247.

 
بالإضافة إلى هذه الأرقام، التي تؤكد عودة البروليتاريا في الجزائر، نسجل أيضا عودة الأمراض والأوبئة وأسواق الشيفون البالية خاصة في المدن الحدودية في الجزائر ( عنابة، تبسة)..علامة مسجلة في رصيد البلدان الفقيرة…الجزائر ليست استثناء:

عودة الأمراض الدالة على انتشار الفقر في الجزائر كالتيفويد والجرب وحمى المستنقعات…وتنتشر حتى في المدن التي من المفروض أنها تتمتع بتغطية صحية أفضل بكثير من التغطية الريفية، ويبدو أن كثيرا من الأطفال يموتون جراء النقص في الرعاية الصحية الكفيلة بمواجهة الأمراض.
النبش في أماكن القمامة سواء تواجدت في الأحياء أو خارج المدن الكبرى”
مجموعة من الشباب والكهلة تمتهن سوق الخردة والإتجار واعادة التسويق لأشياء خربة وهشة وقديمة انتهت صلاحيتها،تروج في سوق المارشون 🙁 أواني مستعملة، أفرشة وأغطية، أثاث قديم، ألبسة وأحذية بالية…).
أطفال وكهلة من الرجال والنساء، باعة على الأرصفة ومتجولون في المدن الجزائرية (بيع الكاكاو، الشاي، خبز الدار…).
نقف عند أحد نوافذ المنزل ونلاحظ عجوزا تبحث في قمامة الحي وتقلبها بحرص كبير،وتعيد تصنيف النفايات إلى بقايا خضر وبقايا فواكه وخبز، ثم تأخذ الكل،فإننا كباحثين لانملك الحق في تجاهل هذا الحدث العرضي الذي يتكررآلاف المرات يوميا مع الآلاف من الأشخاص وفي مناطق مختلفة من الجزائر”1.
إذن الفقر يأخذ حصته الرمادية في مساحة البنية الإجتماعية التحتية في الجزائر… الجزائر ليست بخير.

في سوسيولوجيا المدينة الجزائرية أم فوبيا المدينة
يحتدم هذه الأيام نقاش حاد حول تسارع وتائر الصراعات والقلاقل والإنهيارات السياسية والإجتماعية والإقتصاديةتسييس النعرات الأقلوية وظهور الجماعات الهامشية والحركات الإنفصالية،التطرفالديني،نمو القطاع غير الرسمي، التهريب، تخريب المنشآت، وبالتالي إغراق المدينة في أكوام لا حصر لها من المشكلات.”، وتدفعنا هذه اللوحة السوداء بأرقامها المخيفة: معدلات الفقر،البطالة، التهميش، اللامساواة، عائلات بلا مأوى، التلوث، تشويه المناطق العمرانية، التسول، العيش على فضلات القمامة والأسواق، اختطاف الأطفال…إلى تأكيد فرضية إرتباط وجودنا في أدنى الهرم العالمي بالممارسات العاكسة لطبيعة أبنيتنا المنطوية على كل التناقضات وأشكال القهر والإستبعاد والتخلف والتذمر والقلق.إنه عصر المشكلات على حد تعبير أستاذ علم الإجتماع الجزائري قيرة اسماعيل، يواجه الأفراد والجماعات”.

مجتمع الأزمة وفشل بناء المدينة، صورة قاتمة يعرضها الباحث، وفق تحليل سوسيوغرافي :”طرق مهتزة محفرة ومنهارة، أوساخ متراكمة، عمارات اسمنتية متراصة عصف بها الدهر، تشكو ويلات زمننا الرديء، جحافل الأطفال والشباب الذين حولوا المساحات القليلة التي تركها الإسمنت إلى ملاعب وعزف ألحان موسيقية جادت بها ثقافة الشارع، التي طغت بألفاظها النابية وبمستعمليها الذين يمارسون عمليات الغزو والإحتلال بالمعنى الإيكولوجي لكل الأحياء السكنية البائسة”2، غير خاف أن هذا النمط من الإمتداد العمراني أدى إلى ظهور الكثير من الأمراض الإجتماعية والصراعات والتدهور الإيكولوجي. فتعطلت آلة الحماية الإنسانية.

في هذا الإطار تؤكد عديد من الشواهد التاريخية والواقعية، أن ترتيب، تخطيط، تنظيم العلاقات الإقتصاديةوالإجتماعية للسكان، ومن ثم تنمية المدينة، قد ارتبطت بمصالح الجماعات المسيطرة التي تحدد في الواقع المصلحة الوطنية…أو هكذا تتصور نفسها؟ إذ نستطيع أن نجد تأييدا لهذا الموقف في كثير من الدراسات المتخصصة في علم الإجتماع الحضري وعلم الإجتماع التنمية… التي أكدت أن النخبة التمثيلية المحلية هي التي تجني ثمار التنمية وتستولي على كل ما يستفيد منه المجتمع المحلي من تسهيلات وغيرها، إضافة إلى قدرتها التأثيرية على تنفيذ مختلف السياسات.

ومما يميز هذه النخبة، قيمها وتطلعاتها الشبيهة بقيم وتطلعات الفئة الحاكمة، فهي تقيم شبكات الفئوية وتدعم التمايزاتالإجتماعية… وفي ظل هذه الظروف يتضح أن تنمية المدينة وحياة السكان في المستويات السياسية والإقتصاديةوالإجتماعية والخدماتية…، تسيطر عليها نفس الجماعات التقليدية ( البيروقراطيات) كما كان في الماضي.وحتى وإن افترضنا ظهور جماعات جديدة من خريجي الجامعات، ما يلبثوا أن يجدوا أنفسهم رؤساء وأعضاء مجالس محلية منتخبة فإنهم يسيرون هم كذلك في المضمار…” حيث يعملون على تدعيم الوضع الإجتماعي كما يفعل بقية خدم النظام” 1إنه بلاء السياسة الإجتماعية غير المخططة،تقدم أهل الثقة والمحاباة على أهل العلم والمعرفة للأسف فيتضاعف ثراء الأثرياء ويعظم فقر الفقراء…

” دون الإنخراط في التفسيرات الجاهزة، يبدو أن تشكل المدينة وتطورها التاريخي القائم على الإضافات والترقيعات، الإصلاح وإصلاح الإصلاح. وإعتلاء القيادات المحلية منهج التأسيس للعلاقات المتجهة نحوى الأعلى ( البرلمان…) لحماية أنفسهم من العودة مجددا إلى المدينة المأزومة… فور انتهاء مدة صلاحية العهدة أو بالأحرى انتهاء صلاحيتهم كمسؤولين جراء تناقضات صارخة أنتجها هؤلاء القادة المحليين بأنفسهم ووقعوا عليها بأختامهم… وقد لا حظنا أن مختلف رجالات التنمية الإجتماعية المحلية، الذين تعاقبوا… على مراكز النفوذ، لم يتصرفوا بطريقة منسجمة ومتكاملة، فقد أظهرت سياساتهم وبكل وضوح المساومة على ضمان استمرارية مصالحهم وتكريس الأوضاع القائمة وبهذا الخصوص يشير رايت ميلز إلى حقيقة الشخص الذي حصل على السلطة وتعود على ممارستها يجد بعد ذلك صعوبة في التنازل أو التخلي عنها وفي نفس الوقت يزداد غطرسة ويبالغ في عظمته وهذا ما يجسد إعادة انتاج الواقع بكل مآسيه ومشكلاته “…

“ودون الإنسياق وراء الإحصائيات الكثيرة والمتناقضة التي نعثر عنها من هنا أو هناك… تفعل مشكلة استبعاد العلم وانتهاك حرمة المعرفة الشرعية وكبت الآليات المعرفية من عالم التخطيط والتنظيم الإجتماعي ورسم السياسات الإجتماعية التي تتغيأ، تنمية السكان وتنمية المدينة على حد سواءا، وكل ما يبقى كائنات غير مرئية تتحكم بها ثقافة غير شرعية *مثبطة، ” تكرس التعمية والتجهيل والإفقار المعمم.لهذا تتأكد يوما بعد يوم آخر أهمية دور الباحثين والمتخصصين وأهل الأعلمية في بنى إجتماعيةيزداد انهيارها وتلاشيها وتأزمها، يزداد تراكمها وتعقدها…، يتأكد دورهم في تحليل المجتمع وتفسيره وترشيد التعامل معه، يتأكد وجوب حضورهم، من أجل تشخيص المجتمع والكشف عن حقائقه لكي يستطيع الأفراد التغلب على همومهم والإنخراط في عملية التغيير المستمر”2.

ولعل الدائرة التي تدور في العالم العربي، هي تأكيد على مبدأ المصارحة والمكاشفة ( الحكومة بالمكشوف)بين الحكام والجماهير، حتى أصبحت مسألة اختراق الخطوط الحمراء هي مطلب ديمقراطي لإستحداث آليات الكشف عن جماعات وأطراف تقول عن نفسها بالمعارضة والبديلة أو إنها المعارضات تبني ذاتها وتؤسس أفقها الواعدة في الأخذ بتطلعات الجماهير. وفي كل ذلك، فك شفرة الخصوصية الجزائرية ضمن الخصوصيات العربية الأخرى التي أشرنا إليها من بعيد، تأكيد على أن المشروع الإنمائي المنشود هو المشروع المبدع والتعددي والديمقراطي، الإنمائي الخلاق.وإن ما هو مطروح اليوم من أطروحات حول البراديغم الإنمائي في الجزائر، لا يمكن تجاهله أو التغاضي عن مضامينه أو الإستخفاف بنتائجه واستنتاجاته، وحتى وإن كانت الكتابات والنخب والمجموعات المختلفة لا تطلعنا بصدق عن ما يحدث فعلا في المجتمع الجزائري…”لكن المؤكد أنه لا وجود لإقتصاد سليم بلا دولة قوية وبلا حكم وبلا تماسك اجتماعي وبلا حماية اجتماعية”1.

-دولة الحق والقانون الوطني الإنساني في مرآة النقد:

إنها برامج ولكن…”تخللتها جملة من العوائق واعترتها سلبيات كثيرة تجسدت في بعد هذه الأجهزة عن المواطن من خلال الممارسات البيروقراطية والعلاقات الزبونية،التي أدت إلى تهميش الكثير من الفئات التي كان من الواجب أن تكون المستفيد دون سواها من هذه البرامج وهذه الإصلاحات.إن الواقع العياني يشير إلى أن جل المستفيدين من هذه البرامج الإجتماعية هم في الغالب ينتمون إلى شرائح محظوظة من المجتمع ويتميزون بشبكة علاقات اجتماعية جيدة قائمة على مبدأ تبادل المصالح، وهو الأمر الذي أدى إلى تشكيل جملة من الميكانيزماتالإنسدادية أمام هذه الفئات وإلى تهميشها وعدم اندماجها في البناء السوسيو-اقتصادي الحضري،الشيء الذي أسس لأشكال من المعاناة الظاهرة وإلى الشعور بالإغتراب، فضلا عن صعوبة الإستفادة مما يقدمه المجتمع الحضري الجزائري من خدمات”(…).

“في هذا السياق أكدت بعض الدراسات الإمبيريقية أنه بالرغم من المكانة الإجتماعية التحتية التي تحتلها هذه الفئات في البناء الإجتماعي والأوضاع الإقتصادية المتردية والمتدهورة التي تميز حياتها اليومية إلا أنها تتعرض وبشكل آني إلى الكثير من المضايقات المستمرة، تبدأ بالإزعاج والشتم إلى المصادرة والتغريم… وإن هي مارست نشاطا معينا حول حدود الإقتصاد الوطني لإكتساب الرزق والإستمرار في الحياة أو التقدم في المستوى المعيشي، هو الشيء الذي نلمسه يوميا في المدينة الجزائرية، فكثيرا من تئن هذه الشرائح الإجتماعية تحت وقع الظلم الإجتماعي ومن قمع السلطات المحلية وملاحقتها لها وأشكال أخرى من الضغوط النظامية”،ولاشك أن مثل هذه الممارسات والسلوكيات الخفية والمعلنة في تهميش وكبح هذه الفئات التي يشهدها المجتمع الجزائري وهو في حقيقة الأمر عملية محاصرة خطيرة لاتخدم الفرد ولا المجتمع، إنها عملية عزل وإقصاء لقطاع قد يكون له قيمة وأهمية كبيرة في التنمية، إن احسن استغلاله بطرق عقلانية ورشيدة”2.

من هذا المنطلق، تعكس بروليتاريا المدينة والإقتصاد الهامشي، تجربة اجتماعية في الخصوصية الجزائرية، لها أبعاد وملامح نقرأها في حالة الإقتصاد الجزائري المترهل وذو النشاط الريعي،وسحب ولاء وحتى وطنية قوة اجتماعية مهمة،مهمشة من التموقع والمشاركة والحق فيالإستفادة من فرص الحياة، وما نراه من إهدار لقيمة العمل المنتج والإضرار بالزراعة والأرض الزراعية باعتماد الأسلوب التبكيري المستعجل وتشجيع وتنمية النزعة الإستهلاكية لدى المواطن الجزائري وأحداث عديد من التغيرات السلبية على مستوى المدينة الجزائرية.إنها حالة أنوميامتفرخة بانتظام وترنح في البناء الإجتماعياالقائم، تستدعي المعالجة العاجلة.

استخلاص عام…فقراء في دولة الثراء الريعي،تصدح بالحق والقانون الوطني الإنساني :
” في وطن غني( موقع، مناخ، ثروات طبيعية، ثروة بشرية…)… يلتمس فيه المواطن مستقبله ورزقه بل ويلتمس فيه حل مشكلة الزواج،السكن، الغذاء، خارج حدود هذا الوطن،وفي وطن يصبح الخروج منه هو الحلم والطموح والأمل.في وطن يرى أبناؤه أن صاحب العمل الأجنبي في المهجر هو التجسيد الحي للصواب والمستقبل وكل شيء ايجابي،” وفي وطن خرج من نظام شمولي توليتاري ليمر بحقبة ديكور ديمقراطي عنوانه التعددية السياسية، ليسيطر عليه رجال المال والمال القذر والفاسد وقيم الوساطة والسمسرة والشطارة على قيم العمل والمهارة والآداء وتقديم أهل الثقة والمحاباة والمال على أهل العلم والمعرفة والإختصاص… “في وطن كهذا لابد أن يتراجع الولاء إلى أدنى حدوده ويضعف الإنتماء إلى أقل مستوى ويصبح الوطن مجرد مكان… وإزاء الإقصاء العمدي للجماهير عن المشاركة في صنع القرار وتوجيه الأحداث وممارسة حقوقهم ممارسة حقيقية، إزاء هذا كله تتراجع المشاركة السياسية تراجعا مخيفا…ويتمثل تراجع المشاركة السياسية في تداعي الأبنية الشعبية للأحزاب السياسية،التي تحول أغلبها إلى أحزاب صحف دون مشاركة جماهيرية حقيقية، بل تحول بعضها إلى أكاذيب لا وجود إلا للمقر ( المبنى) ورئيس الحزب وجريدة لا يقرأها أحد ولا تمثيل بطبيعة الحال في المجالس النيابية”.

إن تفريط الشعب في ممارسة حقوقه السياسية والإجتماعية أمر لا يلام عليه أفراد هذا الشعب فقط، لكن لابد أن تلام عليه أولا القوى صاحبة المصلحة في إقصائه وصاحبة المصلحة في الإستئثار بالسلطة وعدم تداولها مع أحد…فوضع مقدرات البشر في أيديهم وتداول السلطة هو البداية الحقيقية لأي إصلاح”.1

إن المدخل الإيجابي هو تنمية المشاركة السياسية وتنشيطها وتغذية الإتجاهات الإيجابية نحو العمل الإجتماعي، بدلا من ترك الفضاء العمومي والهمومي يشتغل ويبحث عن تموقعاته في الظلام، فالأفضل هو استقطاب، هذا القطب الهامشي وادماج هذه الفئات المحرومة والهشة في الدائرة الإجتماعيةالمنظمية( أحزاب، جمعيات مهنية،مؤسسات..) لتكون شريكا في البناء الإجتماعي لا القطاع الهامشي، الذي وقوده الفساد والإنحلال والممارسات التي تنشط في المنظقة غير المحروسة أو الموازية….

لاننكر أن البراديغم الجزائري في الحماية الإجتماعية، للأفراد والجماعات من مشكلات الفقر والإقصاء والتهميش الإجتماعيوالإستبعاد والظلم، أنه صديق جيد لنصوص وتوصيات المنظمة الدولية لحقوق الإنسان والبرامج الإنمائية للأمم المتحدة والعهد الدولي الإقتصاديوالإجتماعي،..لا ننكر أن القيادة الوطنية متفاعلة بشكل كبير، ضمن تحركات رسمية للنظر في تنمية وحماية الرأسمال البشري الجزائري*ولكن الأمر بحاجة إلى نظر وتحقيق وتحري أكثر في هؤلاء الهامشين والمهمشين والمقصيين اجتماعيا في قلب المدينة الجزائرية…عسى أن ترمي السياسة الحكومية الرسمية عدستها في ألوانهم الباهتة وحياتهم الضائعة كقطب هامشي اختار الظل لا الظهور…والعيش في المنطقة الرمادية كأفضل طريق.

قائمة المصادر والمراجع

1- المصادر:

*قرآن كريم، سورة الإسراء، الآية 132.

*قرآن كريم، سورة فاطر الآية,15.

*قرآن كريم، سورة الأنبياء الآية8

*قرآن كريم، سورة البقرة،الآية 273.

2- المراجع:

-أحمد محمد عاشور، مقال منشور على شبكة الألوكة، ثقافة ومعرفة/ادارة واقتصاد، تاريخ الإضافة 2/8/ 2016.

– أمقران عبد الرزاق، في سوسيولوجيا المجتمع- دراسات في علم الإجتماع، المكتبة العصرية،، مصر، ط1، 2009.

– قيرة اسماعيل، “تدويل الإقتصاد غير الرسمي وصعود الحثالة الإجتماعية”،مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، عدد4،ماي 2009، منشورات جامعة سكيكدة،الجزائر..

– بودرمين محمد، “إشكالة التهميش الإجتماعي في الجزائر”، مشكلات وقضايا المجتمع في عالم متغير، سلسلة الدراسات الإجتماعية، تحرير قيرة اسماعيل، قوادرية علي، بومدين سليمان، دار الهدى، 2007.

-غليون برهان، المحنة العربية الدولة ضد الأمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1993.

-خلف السكارنة بلال، دراسات إدارية معاصرة، دار المسيرة للنشر، 2010.

– فراجي محمد أكلي، “ظاهرة الفقر في المجتمع الجزاىري وعلاقتها بانتشار الممارسات الإقتصادية غير الرسمية، المجلة الجزائرية للدراسات السوسيولوجية، جامعة جيجل، الجزائر، ع4، 2005،

– فطيمة حاجي، إشكالية الفقر في الجزائر في ظل البرامج التنموية للجزائر للفترة 2005-2014،رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الإقتصادية، اشراف مرغاد لخضر،جامعة محمد خيضر، بسكرة،الجزائر، 2014.

– اسماعيل قيرة، “عصر المشكلات”، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، جامعة سكيكدة، الجزائر، فيفري، 2008.

– فاتح دبيش، “عولمة الهوية الثقافية- أطروحات عربية وغربية-، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية،جامعة 20 أوت سكيكدة، ع 2، 2008.

– الجوهري محمد، زايد أحمد، طلعت لطفي وآخرون، المشكلات الإجتماعية، دار المعرفة المصرية، ط1، 1995.

-البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، 2012.

قرآن كريم، سورة الإسراء، الآية 132.*

([1])المواطن قبل الوطن (فكرة الباحثة)…لها جوابها في التجارب الإنمائية لمجموعة النمور الاقتصادية العالمية ( تركيا، ماليزيا، اليابان،اندونيسيا…)،حيث الإنسان هو البدء الأول لأي تغيير مقصود، مأمول وواعد،فحققت بذلك هذه المجتمعات الوثبة النوعية في رصيها التاريخي والحضاري.

1أحمد محمد عاشور،مقال منشور على شبكة الألوكة،ثقافة ومعرفة/ادارة واقتصاد،تاريخ الإضافة 2/8/ 2016.

قرآن كريم، سورة فاطر الآية,15.*

*قرآن كريم، سورة الأنبياء الآية8

*قرآن كريم، سورة البقرة،الآية 273.

1أحمد محمد عاشور،مرجع سبق ذكره.

عبد الرزاق أمقران، في سوسيولوجيا المجتمع- دراسات في علم الإجتماع، المكتبة العصرية،، مصر، ط1، 2009، ص246. 2

المرجع نفسه، ص2473

1اسماعيل قيرة،” تدويل الإقتصاد غير الرسمي وصعود الحثالة الإجتماعية”،مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، عدد4،ماي 2009، منشورات جامعة سكيكدة،الجزائر،ص25.

1محمد بودرمين، “إشكالة التهميش الإجتماعي في الجزائر”، مشكلات وقضايا المجتمع في عالم متغير، سلسلة الدراسات الإجتماعية، تحرير قيرةاسماعيل،قوادرية علي، بومدين سليمان، دار الهدى، 2007 ص ص143 -144.

عبد الرزاق أمقران، مرجع سبق ذكره، ص2422

3 المرجع نفسه، ص244.

1برهان غليون، المحنة العربية الدولة ضد الأمة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1993، ص ص 244-245.

المرجع نفسه،ص 222 2

المرجع نفسه، ص2303

برهان غليون، مرجع سبق ذكره، ص ص 247-248.1

2عبد الرزاق امقران مرجع سبق ذكره، ص 250.

3 اسماعيل قيرة، ” تدويل الإقتصاد غير الرسمي وصعود الحثالة الإجتماعية”،مرجع سبق ذكره، ص26..

4 عبد الرزاق امقران، مرجع سبق ذكره، ص254.

1بلال خلف السكارنة، دراسات إدارية معاصرة،دار المسيرة للنشر، 2010، ص ص 34-35.

2عبد الرزاق أمقران، مرجع سبق ذكره، ص254..

3 فراجي محمد أكلي،”ظاهرة الفقر في المجتمع الجزاىري وعلاقتها بانتشار الممارسات الإقتصادية غير الرسمية، المجلة الجزائرية للدراسات السوسيولوجية، جامعة جيجل، الجزائر، 2005، ع4، ص 36.

1فراجي محمد أكلي،مرجع سبق ذكره، ص 44.

2محمد بودرمين،”شكالية التهميش الإجتماعي في الجزائر”، مرجع سبق ذكره، ص ص 140-141.

المرجع نفسه، صص 141-1423

1 معطيات احصائية (المصدر )،حاجي فطيمة، إشكالية الفقر في الجزائر في ظل البرامج التنموية للجزائر للفترة 2005-2014،رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم الإقتصادية، اشراف مرغاد لخضر،جامعة محمد خيضر، بسكرة،الجزائر، 2014، ص160.

1 عبد الرزاق أمقران، مرجع سبق ذكره، ص244.

2 قيرةاسماعيل،”عصر المشكلات”، مجلة البحوث والدراسات الإنسانية، جامعة سكيكدة، الجزائر، فيفري، 2008، ص ص 15-16.

1قيرة اسماعيل، “عصر المشكلات”، مرجع سبق ذكره، ص19.

*صاغها الباحث الجزائري ” اسماعيل قيرة” بمفهوم: انحراف مسار المستويات الثقافية، تجلى في: اختلال معايير الصواب والخطأ ( أصبح الخطأ صواب والصواب خطأ)،و معايير التقييم ( المظهرية والقفازة أرقى من العمل والإنجاز)،و معايير الإلتزام ( كسر القوانين والتملص من المسؤولية مظهرا شائعا للسلوك)، والمثل العليا (أصبحت الأخلاق والولاء والإخلاص من شيم الضعفاء والسردكة وتحقيق الغاية دون الإهتمام بنوعية الوسائل من شيم القادرين والقافزين).

2قيرةاسماعيل،”عصر المشكلات”، المرجع نفسه، ص24- ص28 .

1فاتح دبيش،”عولمة الهوية الثقافية- أطروحات عربية وغربية-، مجلة البحوث والدرساتالإنسانية،جامعة 20 أوت سكيكدة،ع 2، 2008، ص61.

محمد بودرمين،مرجع سبق ذكره، ص ص 142-143.2

1محمد الجوهري، أحمد زايد، طلعت لطفي وآخرون، المشكلات الإجتماعية، دار المعرفة المصرية،ط1، 1995، ص ص 50-51.

*نذكر اجتماع الثلاثية في مدينة بسكرة ( الصحراء الجزائرية)، بحضور ممثل عن المجلس الدولي الإقتصادي والإجتماعي، بتاريخ21 أكتوبر 2015، حيث أعد تقرير المجلس أن الجزائر في الرتبة الأولى عربيا وإفريقيا في مجال الحماية الإجتماعية للموارد البشرية.