بقلم ذ عدنان بوشان
باحت في قانون الشغل والعلاقات المهنية

مجتمعنا اليوم ليس بالمجتمع الذي نستقي منه واقعنا كما نشاهده أو نسمعه، بل صار يشاركه في هذه المهمة المجتمع الإفتراضي أو ما يسمى بالفيسبوك، والذي نأخذ منه في كثير من الأحيان أكثر من الأول، على مستوى النطاق المعلوماتي أو الجغرافي وسرعة التداول، فلم نعد في أية حاجة للتنقل أو السؤال بل بإطلالة قصيرة نتوصل بالبعيد وبالجديد، حيث لم يعد غرض الفيسبوك تواصليا وفقط، بل تعددت أغراضه بين ما هو تعليمي أو اجتماعي أو ترفيهي أو تجاري أودعائي أوسياسي.

وبذلك صار هذا المجتمع الإفتراضي محط اهتمام للسلطات العمومية، وللمؤسسات الاجتماعية والسياسية، وقد أبان عن ذلك الاستحقاق الأخير للانتخابات التشريعية، وبالتالي صار الأمر يفرض معه الاهتمام بهذا المجتمع الإفتراضي (فيسبوك) من خلال التنظيم القانوني لهذا الأخير لما باتت تمثله بعض الممارسات الرائجة به، من إهدار للحقوق وإخلال بالأعراض وغيرها من الممارسات التي لاشك سيكون لها تأثيرها على المعاملات وعلى تأليب الرأي العام.

إن الغاية من هذه الورقة إنما هو مجرد الوقوف على مدى إمكانية استجابة المنظومة القانونية المغربية لما يروج بالفيسبوك( تدوينات،صور،فيديوهات….)، خاصة وأن بعض القوانين الجديدة الزجرية منها طبعا، باتت تأخذه كمعطى مهم لابد من وضعه في الحسبان، وهو ما سنحاول بسطه من خلال التطرق أولا إلى مدى إمكانية الاستناد على ما يعرض على الفيسبوك كوسائل للإثبات، ومدى إمكانية اعتباره معيارا للمتابعة الجنائية عن بعض الأفعال الجرمية.

أولا: الفيسبوك كوسيلة للإثبات في المادة المدنية
يقصد بالإثبات لغة تأكيد الحق بالدليل والحجة، وفي معناه القانوني إقامة الدليل أمام القضاء، على وجود واقعة قانونية متنازع عليها بين الخصوم بحيث يترتب على ثبوتها آثار قانونية، سواء أكانت واقعة مادية كالعمل غير المشروع أو تصرفا قانونيا كعقد البيع، فإثبات الحق هو إقامة الحجة عليه فهل يمكن اعتماد الفيسبوك كوسيلة للإثبات؟.

1- إثبات التصرفات والوقائع القانونية
ينص الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود على أنه “الاتفاقات وغيرها من الأفعال القانونية … والتي يتجاوز مبلغها أو قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود. ويلزم أن تحرر بها حجة رسمية أو عرفية..” وهو ما يعني أن التصرفات القانونية التي تتجاوز قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يمكن إثباتها إلا بواسطة حجة كتابية وفق الشروط المنصوص عليها قانونا، أما التصرفات القانونية ما دون هذا المبلغ، فتبقى خاضعة لقاعدة الحرية في الإثبات وبذلك يمكن إدخال الفيسبوك كوسيلة لذلك.

تعتبر الواقعة القانونية كل حدت من الممكن أن تترتب عليه آثار قانونية، وقد يكون هذا الحدت عملا متعمدا(من صنع الإنسان) مثل السرقة، وقد يكون عملا غير إرادي (حقيقة من حقائق الطبيعة) مثل وقوع حادت، وتعتبر المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي إحدى صور الواقعة القانونية، وعلى من يرفع الدعوى بهذه المسؤولية أن يعمل على إثبات عناصرها الثلاث( الخطأ،الضرر،العلاقة السببية)، وهو في ذلك ليس مقيدا بوسيلة دون أخرى بل بوسعه أن يقيم الدليل بأي وسيلة كانت، وبالتالي يمكن تصور استخدام الفيسبوك ضمن هذه الوسائل.

2- الفيسبوك سبب للفصل من الشغل
هي إشكالية لربما لم تصل بعد إلى محاكمنا المغربية، بعكس ما عليه الحال بالنسبة للقضاء الفرنسي، حيث تم فصل ثلاث أجراء لارتكابهم خطأ جسيم ومتابعتهم بتهمة التحريض على التمرد وعلى الحط من موقع الشركة، وذلك بعد أن قام الأجراء الثلاثة بنشر تعليقات لهم بالفيسبوك يعبرون فيها عن انتقادهم الشديد لكيفية تسيير المقاولة، وانتقادهم لبعض رؤسائهم الذين كانوا سببا في تدحرج درجتهم المهنية.

كما اعتبر القضاء الفرنسي أن الأجير الذي وجه مجموعة من الانتقادات لمشغله عبر صفحة الفيسبوك، ولو أنها كانت فقط مقتصرة على أصدقاء وصديقات هذا الأجير إلا أن لها صفة العمومية، واعتبر أن الاحتجاج بالفيسبوك كدليل على ارتكاب الأجير لخطأ جسيم هو استناد قانوني.

ثانيا: الفيسبوك والمادة الجنائية
إذا كانت المادة الجنائية تخضع لحرية الإثبات ما يجعل إمكانية الاعتماد على الفيسبوك كوسيلة للإثبات واردة، فإن بعض الممارسات الجديدة صارت تفرض اعتبار الفيسبوك وسيلة للمتابعة باعتباره دو صفة عمومية أو علنية.

1- الفيسبوك كوسيلة للإثبات
تنص المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية المغربية على أنه يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات، وبذلك فقد يكون الفيسبوك إحدى هذه الوسائل ويبقى للقاضي الجنائي أن يقرر ما إذا كان الفيسبوك شكلا مقبولا من الأدلة أو لا يمكن الاعتماد عليه.

لقد كان للقضاء الفرنسي (محكمة النقض) دور في تكريس هذه القاعدة حيث أقر بإمكانية الاعتماد على أي وسيلة للإثبات أمام المحاكم (cass.crim 13 oct 1986)، هذا وقد سبق للاجتهاد القضائي الفرنسي أن قبل بالبريد الإلكتروني والرسائل القصيرة كوسائل للإثبات.

2- الفيسبوك كمعيار للمتابعة
لقد شهد الرأي العام مجموعة من المتابعات الجنائية والتأديبية والتي باتت مشهورة (مصور قائد الدروة سابقا، مصور الزفت، تدوينات بعض القضاة، سكيزوفرين)، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية متابعة شخص معين من خلال ما يعرضه على الفيسبوك باعتبارها أفعال جرمية، خاصة ما يتعلق بالقذف والسب وغيرها من الأفعال المجرمة الماسة بالشرف أو بالحياة الخاصة للأفراد.

وقد عرفت القوانين المغربية الزجرية منها تطورا في هذا الإطار من خلال بعض التعديلات التي طرأت على بعض النصوص، خاصة القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، والقانون رقم 73.15 القاضي بتغيير بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي، والقانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية.

فبخصوص القانون المتعلق بالصحافة والنشر، نجده قد عاقب على القذف والسب الذي يتم نشره أو إداعته أو نقله بأي وسيلة من الوسائل(الفيسبوك مثلا)، ولاسيما المكتوبات أو الملصقات المعروضة على أنظار العموم (الفيسبوك) والتي تكون عبارة عن أخبار زائفة أو وقائع غير صحيحة في مواجهة شخص معين، أو هيئة أو في حق المجالس أو الهيئات القضائية أو المحاكم أو الجيوش البرية أو البحرية، وقد كان القضاء الفرنسي ممثلا في محكمة الجنح بريست، قد قضى بثلاث أشهر في حق شاب قام بإهانة الدرك الملكي على صفحة الفيسبوك، حيث اعتبرت المحكمة أن الإهانة على الفيسبوك بمثابة القذف العلني.

كما عمل القانون رقم 73.15 المغير لبعض أحكام القانون الجنائي على تبني مفهوم عام للعلنية، حيث اعتبر أن إهانة علم المملكة ورموزها، أو التحريض على ارتكاب الجنايات والجنح، تعتبر كذلك متى تمت بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم، أو بواسطة كل وسيلة تحقق شرط العلنية بما فيها الوسائل الإلكترونية، بل اعتبرت هذه الوسائل في الجريمة الأولى بمثابة ظرف تشديد.

إلى جانب ذلك فقد كان للقانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية نفس التوجه، حيت عبر من خلال المادة الأولى منه، على أنه تعتبر من حالات الغش في مفهوم هذا القانون استعمال المترشحة أو المترشح لالآت أو وسائل إلكترونية كيفما كان شكلها أو نوعها، الاتجار في مواضيع الامتحان من خلال استعمال وسائل تقليدية أو إلكترونية وتسهيل تداولها بصفة فردية أو في إطار شبكات، وقد سبق للقضاء البلجيكي أن استند على الفيسبوك بخصوص واقعة الغش في الامتحانات، حيت اعتبر أن تبادل الطالبين لوجهات النظر حول واقعة الغش قبل وبعد الامتحان، دليل مادي على واقعة الغش في الامتحان.

وهو نفس التوجه الذي تبناه واضعوا مسودة مشروع القانون الجنائي(الإرهاب المادة 2-218)، (ازدراء الأديان المادة 219)، (التحريض على التمييز والكراهية المادة 1-4-431)، (إفشاء الأسرار المواد 1-448، 2-448)، (الاعتداء على الشرف أو الاعتبار الشخصي المادة 3-448)، (التحرش الجنسي الالكتروني المادة 1-1-503).

المراجع المعتمدة:
الكتب:
عبد الحق صافي، الوجيز في القانون المدني، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 2015.
عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الثاني، الطبعة الرابعة 2015.

النصوص القانونية:
قانون الالتزامات والعقود.
قانون المسطرة الجنائية.
القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.
القانون رقم 73.15 القاضي بتغيير بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي.
القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية.