العنوان الوطني والحكم القضائي
خالد بن محمد العنقري
استيقظ الطلاب السعوديون في إحدى المدن البريطانية على خبر سيئ يتعلق بزميل لهم هناك، حيث قبض عليه من قبل الشرطة البريطانية وقلقت أسرته بذلك. ومن يعرف الشرطة البريطانية يعرف أن مجرد الاستيقاف والمساءلة مثير للقلق، فضلا عن القبض، ومع تحرك الجميع واستنفار السفارة تبين أن شرارة الموضوع مجرد مخالفة مرورية. أهملها صاحبنا وغيّر عنوان منزله ولم يبلغ الجهة المختصة بعنوانه الجديد، فصدر بحقه قرار قضائي وغرامة مالية لتغيير العنوان دون إشعار الجهة ذات العلاقة ولم يخرج من أصفاده إلا بعد دفع مبلغ يزيد على ثلاثين ألف ريال.

الجدير بالذكر أنه صدر الحكم واكتسب القطعية وتم القبض في مدة لا تتجاوز فصلا دراسيا لهذا الطالب وأصعب ما يعاني منه المدعي والقاضي لدينا هو إبلاغ المدعى عليه وتحديد مكان إقامته، وأصبحت الدوائر في المحاكم لكل منها وجهة هو موليها فمن موقف للخدمات بمجرد إقرار المدعي بعدم معرفة عنوان المدعى عليه ومن معلن بالجريدة المحلية، والسؤال الذي يطرح نفسه ما مدى سلامة هذه الإجراءات من الناحية القانونية وهل هناك فراغ قانوني في الأنظمة لدينا؟ إن وقف خدمات المدعى عليه من أسرع السبل في إبلاغه متى احتاج إلى خدمة حكومية ولكن ما يلحقه من ضرر لذلك الإجراء يستوجب سلامة هذا القرار كي لا تحمّل خزينة الدولة أي تعويض مادي لجبر ذلك الضرر، كما أن القاعدة الشرعية أنه لا ضرر ولا ضرار والضرر لا يزال بضرر مثله ومن حق المدعى عليه عدم تقييد حريته أو المساس بحق من حقوقه إلا بسند نظامي.

عندما ننظر إلى نظام المرافعات الشرعية ولائحته التنفيذية نجده قد حدد إجراءات التبليغ بشكل دقيق، فالمادة التاسعة منه بينت المقصود من محل الإقامة وفي المادة الحادية عشرة حدد المختص بالتبليغ وهم المحضرون مع جواز الاستعانة بالقطاع الخاص ونصت اللائحة في فقرتها الأولى على أن تبليغ صاحب الدعوى للمدعى عليه بواسطة العنوان الوطني الخاص به يعد تبليغا لشخصه، كما أجازت اللائحة بفقرتها الثالثة من هذه المادة قيام المحضر بذلك وبهذا يكون التبليغ عن طريق العنوان الوطني منتجا لأثره القانوني وهو ما حصل مع صاحبنا المبتعث إلا أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى تضافر الجهود، فالمحكمة لن تستطيع القيام بذلك دون تعاون الجهات الأخرى ووجود الربط السريع لتحديد العنوان الوطني والإرسال عليه وإلزام كل مواطن ومقيم بتحديد عنوانه الوطني تسهيلا للوصول إليه وقت الحاجة وتحميله أي تبعات لتغيير العنوان دون تحديث بياناته.

ومن جهة أخرى فكل ما يطرأ على عدم القدرة على التبليغ عن طريق العنوان الوطني للامتناع أو كون الموجود في المنزل قاصرا فإن المادة الرابعة عشرة من النظام قد عالجت ذلك بتسليم التبليغ لمركز الشرطة المختص أو عمدة الحي وإشعار المبلغ بمكان وجود التبليغ بخطاب مسجل على عنوانه الوطني ويعد التبليغ منتجا لأثره القانوني.

أما الشائك في الموضوع فهو فيما يتعلق بمن تعذر إبلاغه لعدم معرفة عنوانه وقد نصت المادة السابعة عشرة في فقرتها “ط” على وجوب إشعار وزارة الداخلية بالطرق الإدارية المتبعة لإعلانه بالطريقة المناسبة، وقيدت اللائحة في فقرتها الرابعة الإعلان بالصحف المحلية باستيفاء ما جاء في الفقرة “ط” وكان الإجراء الأخير عند تعذر التبليغ أو الامتناع عن الحضور هو إيقاف الخدمات وذلك مقيد بالاقتضاء وليس كما هو الواقع الآن من البدء به لمجرد عدم معرفة المدعي لعنوان المدعى عليه الذي قد يلجأ لذلك إضرارا بالخصم، كما أن اللجوء للإعلان والحكم غيابيا حتما سيعارض وينقض بمجرد علم المحكوم عليه وبدء الموضوع مجددا لا سيما أن النظام قد حدد طرق التبليغ بشكل دقيق وقد أسند ذلك للمحكمة ووزارة الداخلية ومن وجهة نظر الكاتب فإن تضافر الجهود وتفعيل العنوان الوطني وربطه بنظام أبشر والإلزام به لا سيما وهو مجاني للأفراد سيخفف العبء على المحاكم ومراكز الشرط وفيه حفظ لحقوق الجميع ويتحقق به المقصود وسلامة الإجراءات. وبالله التوفيق..

إعادة نشر بواسطة محاماة نت