الجريمة المنظمة و علاقتها بالجرائم الإرهابية

المحامية: منال داود العكيدي
يعد الإرهاب ظاهرة إجرامية دولية أخذت طريقها إلى عالمنا المعاصر من دون التفريق بين مجتمع وآخر أو دولة وأخرى هدفه تهديد الأمن وإعاقة التنمية وإثارة الرعب بين الناس الأبرياء الآمنين ، وهمه تدمير المجتمعات وتخريب منشآتها ومؤسساتها.

فهو جريمة لا تعرف الحدود ، منفذوه أفراد منحرفون أعماهم الجهل أو فئات ضالة تملكها الحقد إلى أبعد الحدود ، وتتصف ظاهرة الإرهاب بكونها مركبة تختلف فيها العناصر الجنائية والإجرامية مع العناصر السياسية والاقتصادية والدينية، اذ تقوم على ثلاثة عناصر أساسية هي : استعمال العنف كطريقة عمل أو نشاط ، واستعمال الفرد أو الجماعة بعد تعبئة نفسية أيديولوجية كوسيلة ، والهدف المرجو أو المقصود ( هناك هدف سياسي أو غيره) وهو أهم عنصر يقوم عليه الإرهاب الذي يمثل الفرق بين الإرهاب والإجرام ، اذ ان الإرهاب يتضمن عادة محتوى سياسي ولكن هناك إرهاب مجرد من الصبغة السياسية أي إجرام عادي له أهداف عدوانية مادية كأن تقوم جماعة إجرامية تسعى لإلقاء الرعب في القلوب بالقتل والتخريب والحريق بغير تمييز حتى يتيسر لها الحصول على مكاسب مادية وليس تحت أي شعار أو ادعاء بالعمل من أجل قضية ما .

وتشترك الجريمة المنظمة مع الجريمة الإرهابية في الكثير من الخصائص والسمات هي : 

-ان كلا النوعين من الجرائم ينطوي على خطورة بالغة مصاحبة لعنف مبالغ فيه وغير مبرر مما يتسبب في سقوط ضحايا أبرياء لا دخل لهم فيما يجري .

-كلا الجريمتين ترتكب من قبل جماعات إجرامية منظمة ومهيكلة .

-تبيح لنفسها حيازة السلاح واستخدامه .

-فضلا عن ان كلا الجريمتين تتسم بالنزوع نحو العالمية وعبور حدود الدول ، فالجماعات الإرهابية مثلها مثل الجماعات الإجرامية المنظمة قد تعمد إلى تجنيد اتباعها في دولة ، وتدريبهم في دولة أخرى ، والبحث عن مصادر التمويل من جهات متعددة والقيام بأنشطتها الإجرامية في دول أخرى.

ولكن تبقى الجريمة الارهابية تتمتع بالخصوصية عن الجريمة المنظمة كونها لا تسعى دائما للحصول على المال أو المنافع المادية برغم قيامها بذلك أحيانا ، فهدفها ليس الحصول على المال في حد ذاته بل لاستخدامه في توسيع نشاطها وضرب أهدافها ، كما يكون هدفها الانتقام من سياسات دول معينة ومحاولة فرض اديولوجيتها على الدول والمنظمات الدولية ، وحتى على الشعوب ذاتها .

وغالبا ما تحاول الجماعات الإرهابية أن تضفي على نشاطها طابعا عقائديا أو فكريا أو ثقافيا لتبرير أعمالها ، واستمالة الناس إلى أطروحتها ، ولو كان ذلك بالترويع والقتل ، بخلاف الجريمة المنظمة التي لا تهتم بمثل هذا الجانب الفكري أو العقائدي لأنها لا تهتم أصلا بتبرير أفعالها ، باستثناء ما تقوم به جماعات الجريمة المنظمة المتاجرة بالمخدرات في أمريكا اللاتينية التي تحاول أن تساعد المزارعين لتجد بينهم موطئ قدم ويستمرون في مدها بالمواد الخام لصناعة المخدرات .

وتتخذ الجماعات الإرهابية من وسائل الإعلام بجميع أنواعها طريقا لإيصال رسالتها والإعلان عن أفكارها وفرض رؤيتها وترويع أعدائها ، واستغلال الآثار الصاعقة لعملياتها المرعبة ، وتركيزها في الأذهان والعقول والوجدان ، بخلاف جماعات الجريمة المنظمة التي تسعى إلى ممارسة نشاطها في الظل تحت أقصى درجات السرية والكتمان .

الا ان تلك السمات والخصائص لا يجعل من فاعلي الجريمتين على مفترق الطرق اذ قد يحدث ان تتعاون الجماعات الإرهابية مع جماعات الجريمة المنظمة ، لأنه قد يحدث ان تلتقي مقاصدهما فكلا النوعين من الجماعات يعملان وينشطان خارج إطار القوانين الوطنية والدولية ويعاديان الدول والشعوب على السواء. ويبرز مجال تعاونهما في إعادة تجنيد الأعضاء والفاعلين ، وتدريبهم ، وفي ضمان تدفق التمويل اللازم لضمان استمرار تنفيذ أنشطتهما الإجرامية .