مبادئ و أحكام الميراث الدولي للمعاهدات الدولية

المحامية: منال داود العكيدي
في عام 1976 تم عقد مؤتمر دولي بناء على دعوة الجمعية العامة للامم المتحدة نتج عنه توقيع معاهدة تتضمن خمسين مادة تتعلق بالميراث الدولي للمعاهدات الدولية وكذلك القواعد التي تحكم عملية الميراث الدولي في المعاهدات حين تفكك دولة ما او اتحاد دولتين وانشاء دولة جديدة واستمرارية تطبيق المعاهدات.

فالمبدأ العام الذي يحكم الميراث الدولي في هذه الحالة هو عدم التزام الدولة حديثة الاستقلال بالالتزام في المعاهدات التي أبرمتها الدولة السابقة.

ولكن هذه القاعدة غير مطلقة في جميع الحالات إذ يمكن تلطيفها ببعض الأمور التي تحكم قاعدة الميراث في بعض الحالات.

كما أن هذه القاعدة محكومة ببعض الاستثناءات في بعض الأمور ، فقد أكدت اتفاقية فينا لعام 1978 والخاصة بالميراث الدولي على هذه القاعدة حيث نصت وفي المادة 15 منها على أن : المعاهدات التي أبرمتها الدولة السابقة غير ملزمة للدولة حديثة الاستقلال ، وهذا يؤكد مبدأ صحة هذه القاعدة ، والواقع العملي للممارسات الدولية الثابتة في هذا المجال يشير الى أن الدولة الجديدة لا تلتزم بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة السابقة ، فعندما استقلت دول أمريكا اللاتينية عن اسبانيا أوضحت بريطانيا أن معاهدة الصيد الاسبانية البريطانية التي أبرمت عام 1790م لم تعد سارية المفعول بينها وبين الدول الجديدة .

وكذلك عندما استقلت فلندا عن الاتحاد السوفيتي في عام 1919م اتبعت بريطانيا موقفا مماثلا وتسمى هذه القاعدة بقاعدة الصفحة البيضاء، لذلك كانت اتفاقية فينا المذكورة اعلاه ماهي الا تأكيد على القاعدة والعرف الذي سبق العمل به من قبل الدول ومع ذلك فان هذه القاعدة غير مطلقة اذ يمكن لدولة حديثة الاستقلال أن تلتزم مع دولة ثالثة بمعاهدة أبرمتها هذه الدولة مع الدولة السابقة ، وهذا في المعاهدات الثنائية فقط بعكس ما قررته اتفاقية فينا الخاصة بالميراث الدولي ، ولكن هذه الموافقة مرهونة اما بالاتفاق الصريح بين الدولة الجديدة والدولة الثالثة . وهذا الأمر لا يثير أية صعوبات كون هذه الدولة قد وافقت مسبقا أو موافقة لاحقة على الالتزام بهذه المعاهدات ، وهي معنية بالالتزام بهذه المعاهدات ، او اذا دلت تصرفاتهم على أنهم يرغبون بتطبيق المعاهدة المذكورة.

أما فيما يتعلق بالمعاهدات الجماعية أو متعددة الأطراف فأنه يمكن لدولة جديدة أن تصبح طرفا في معاهدة متعددة الأطراف وقعت عليها الدولة السابقة ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ ولكن إذا أرسلت هذه الدولة الجديدة إشعارا يسمى إشعار الميراث إلى مؤتمن هذه المعاهدة ، وهذا ما أكدته اتفاقية فينا عام 1978م والخاصة بالميراث الدولي في المادة 17 منها ، وهذا المبدأ يحدد بعض البنود الأساسية التي تحكم هذا الموضوع ، فلا يمكن لدولة حديثة أن تشارك في معاهدة متعددة الأطراف إذا كانت هذه المشاركة لا تتلاءم مع هدف وغرض المعاهدة ، كما أن مشاركة الدول الحديثة في معاهدة متعددة الأطراف تخضع إلى موافقة كل الدول الأطراف في هذه المعاهدة ، وهذا ما قررته المادة 17 ايضا من اتفاقية فينا 1978م .

وهناك استثناءات ترد على قاعدة الصفحة البيضاء في الميراث الدولي وذلك في حالة إذا كانت هذه المعاهدات تتعلق بتعيين الحدود ، وكذلك كل معاهدة دولية تبرم تحت شرط ضمني فاسخ هو بقاء الأوضاع والأحوال التي أبرمت فيها على حالها فإذا تغيرت هذه الأحوال والأمور تغيرا جوهريا كان من شأنه تهديد وجود احد الأطراف أو إلحاق أضرار جسيمة بمصالحه الحيوية وأدى إلى تغيير نطاق الالتزامات التي لم تزل بعد في مرحلة التنفيذ وأصبحت شديدة الوطأة على الدول الطرف في المعاهدة بصوره مغايرة تماما عن الصورة التي بدأت بها عند التعاقد جاز لهذه الدولة أن تطلب وقف العمل بالمعاهدة أو إنهائها وذلك بالاتفاق مع الدولة الأخرى فلا بد أن يكون التغيير جوهريا حتى لا يهدد القيمة القانونية للمعاهدات الدولية ويهدد الاستقرار والسلم الدوليين وكذلك يجب أن تكون هذه التغييرات غير متوقعة عند إبرام المعاهدة.

وايضا في حالة اذا كان التغيير في الظروف لا يبرر إلغاء المعاهدة أو النقص من أحكامها ، إذ أن هذه المعاهدة تبرم لتحكم علاقات الدول في المستقبل ولا بد من قدر الثبات لها ، وبعبارة أخرى يمكن القول انه عندما تتبدل الظروف التي عقدت في ظلها المعاهدة تبدلا جوهريا وأساسيا من الناحية الموضوعية بحيث يأبى العقل والمنطق أن يستمر المدين من تحمل أعباء لا طاقة له بها ولا قبل وسبب ذلك التغيير الحاصل هنا يمكن القول بتطبيق هذا النص ، أما التغير الذي يجعل المدين في حالة ضعف عن قدرته على الوفاء بالالتزامات فأن ذلك يدخل في النطاق العادي للأمور.

وقد أيدت اتفاقية فينا لعام 1978م والخاصة بالميراث الدولي هذه القاعدة وهي قاعدة التزام الدولة حديثة الاستقلال بالمعاهدات التي أبرمتها الدولة السابقة والمتعلقة بالحدود ، وذلك في المادة 11 منها بعدة شروط هي انه: يجب ان يكون ثبات الحدود هو شرط جوهري وضروري لتعزيز السلم والأمن الدوليين ، وان الخلاف حول معاهدة حدودية من شأنه أن يؤدي إلى زيادة المخاطر التي تهدد السلام الدولي ،كما انه لا يمكن إنهاء العمل بمعاهدة تعيين حدود بالاعتماد على نظرية الظروف الطارئة استنادا الى المادة 62 من اتفاقية فينا للمعاهدات لعام 1969 .

ان القضاء الدولي يلجأ إلى قاعدة التزام الدولة الجديدة بالمعاهدات التي تنظم حقوق الارتفاق ، حيث حكمت محكمة العدل الدولية في قضية المناطق الحرة بناء على ذلك ، فقد أنشأت مناطق حرة بين مملكة سردينيا وسويسرا بموجب معاهدة تورينو التي أبرمت عام 1816م وقد حلت فرنسا مكان سردينيا ، وفي بداية الأمر احتفظت بالمناطق الحرة مدة من الزمن ثم قررت إلغاءها من جانب واحد عام 1923م الأمر الذي عارضته سويسرا وأحيل هذا النزاع إلى محكمة العدل الدولية التي بتت في النزاع لصالح سويسرا باعتبار أن فرنسا حلت مكان سردينيا فيما يتعلق بالواجبات الناتجة عن معاهدة تورينو .

كما أن ممارسات الدول تؤكد موقف القاضي الدولي من هذا الاستثناء الثاني على قاعدة الصفحة البيضاء ، فبموجب معاهده أبرمت عام 1926م بين تايلند وفرنسا حول تمتع تايلند بحرية الملاحة في نهر الميكونج وعشية استقلال كل من كمبوديا وفيتنام ، أبرمت هذه الدول اتفاقيات مع فرنسا اعترفت فيها ببقاء حقوق الارتفاق لصالح تايلند، اضافة الى تناول اتفاقية فينا لعام 1978م والخاصة بالميراث الدولي لهذا الموضوع حيث نصت في المادة 12 منها على استمرارية المعاهدات التي تنظم حقوق الارتفاق .

اما فيما يتعلق بالميراث الدولي في المعاهدات عند اتحاد دولتين أو أكثر تمتلك شخصية مستقلة وقت الميراث فقد حددت قواعد القانون الدولي هذا الأمر بممارسات ثابتة حيث تلتزم الدولة التي اتحدت بالمعاهدات التي وقعتها ضمن نطاقها الإقليمي قبل الاتحاد وهذه القواعد يمكن إثباتها عن طريق ممارسات الدول فنجد أن الوحدة الألمانية حققت عند تشكيل الإمبراطورية الألمانية عام 1871 ، وقد تم التوصل إلى أن المعاهدات التي أبرمتها الدويلات السابقة تطبق بشكل تلقائي ضمن حدودها الإقليمية ، كما أن الاتحاد الكونفدرالي السويسري عام 1848م قد اتبع أيضا حلا يقوم على استمرارية المعاهدات لكل مقاطعة سويسرية أبرمت معاهدات قبل تشكيل الاتحاد الكونفدرالي .

وفي مجال أعمال لجنة القانون الدولي واتحاد الدول فقد احتوت المادة 19 من مسودة مادة بخصوص الميراث الدولي التي حاول وضعها بعض الفقهاء على خيارين يعالج الخيار الأول استمرارية المعاهدات التي وقعت عليها قبل الاتحاد ، أما الخيار الثاني فيلزم الاتحاد بمعاهدة وقعت عليها دولة من الدول قبل الاتحاد .

وقد فضل معظم أعضاء اللجنة الخيار الأول واستبعدوا الخيار الثاني باعتباره لا يتطابق مع ممارسات الدول ، وقد أدرج هذا الخيار في المادة 30 ، وقد أظهرت أغلبية الوفود الحكومية المشاركة في مؤتمر فينا تأييدها لمبدأ استمرارية العلاقات التعاقدية الواردة في المادة 30 وبقية المواد الأخرى المضافة إلى اتفاقية فينا لعام 1978م والخاصة بالميراث الدولي في المعاهدات.