_ قد تقع الجريمة من شخص يقرر القانون لصالحه أحد موانع المسؤولية الجنائية كالجنون وصغر السن و الغيبوبة الاضطرارية الناشئة عن تناول مادة مخدرة أو مسكرة و الاكراه والضرورة . ففي هذه الحالات الخمس يكون الفاعل غير مسؤول جنائياً لكن الفعل الذي ارتكبه يظل في ذاته فعلاً غير مشروع .

_ فاذا تعرض شخص لعدوان ناشئ عن جريمة فاعلها مجنون أو تقل سنه عن سبع سنوات أو فاقد للوعي اضطراراً ، فانه يحق له درء هذا العدوان واستخدام حقه في الدفاع الشرعي . وعلى جواز الدفاع الشرعي ضد الأفعال التي يمتنع مساءلة فاعليها جنائياً ان تلك الأفعال لازالت معتبرة جرائم ولم تفقد بعد صفتها غير المشروعة ، كل ماهنالك أن المشرع يعفي فاعليها من المسؤولية الجنائية والعقاب نظراً لتجردهم من الوعي أو حرية الاختيار . ولا يؤثر في اجماع الفقه على هذا الحكم ما هو ملاحظ من اختلاف حول أساس حق رد العدوان الصادر ممن تمتنع مسؤوليتهم الجنائية . اذ يرى البعض أن الأساس في حق درء مثل هذا العدوان ليس هو الدفاع الشرعي بل حالة الضرورة . كما لا ينتقص من هذا الاجماع ما يراه البعض من امتناع الدفاع الشرعي ضد الأفعال الصادرة ممن تمتنع مسؤوليتهم لأنهم اما غير مخاطبين بأحكام القانون ونواهيه كالمجنون وصغير السن ، واما لانتفاء الركن المعنوي لديهم كما في حالة الاكراه . وواقع الأمر أن موانع المسؤولية جميعها لا تحول دون استخدام حق الدفاع الشرعي لأنها تعني تجرد الفاعل من ملكة الوعي كما في صغر السن والجنون وفقدان الوعي الاضطراري ، أو من حرية الاختيار كما في الاكراه والضرورة . وفي هذه الحالات الخمس ليس من العدل ولا من المنطق الزام المعتدي عليه بتحمل العدوان في مواجهة فعل لازال معتبراً جريمة . لكن ” تصادف ” أن مرتكبه لم يكن متمتعاً لحظة اقدامه على الفعل بالوعي أو بحرية الاختيار .

_ يضاف الى هذا أن القول بانتفاء حق الدفاع الشرعي في أحوال امتناع مسؤولية المعتدي يتعارض مع ما هو مقرر لدى البعض أن الدفاع الشرعي جائز متى كان هناك خطر أو عدوان يستوي أن يكون ناشئاً عن جريمة عمدية أو عن جريمة خطئية . فلئن جاز الدفاع الشرعي اذن ضد العدوان الصادر عن اهمال لا عمد فيه ، فلما لا يجوز ضد عدوان صادر عن شخص يتجرد من الوعي أو حرية الاختيار .