ولما كان القاضي بشراً ، فقد يرتكب فعلاً بشأن أي شخص يخضعه إلى طائلة القانون العقابي بوصفه جريمة جنائية ، ومن ثم تعرضه للمساءلة بمقتضى قانون العقوبات(1). ومنعاً من اتخاذ أي إجراءات اتهام أو تحقيق أو محاكمة جنائية تنطوي على التعسف ضد القاضي للتنكيل به ، كان على المشرع حفاظاً على استقلال القضاء وهيبته ، أن يحيط القضاة بضمانات معينة في هذه الحالات(2). ويمكن دراسة هذه الضمانات على النحو الاتي:-

أولاً . ضمانات تحديد المحكمة

وقد نصت التشريعات على إجراءات معينة لتحديد المحكمة المختصة بالفصل في الجنايات والجنح التي تقع من القضاة حتى لو كانت غير متعلقة بوظائفهم . فقد نص المشرع المصري على إنشاء لجنة خاصة تشكل من رئيس محكمة النقض وأحد نوابه ورئيس محكمة استئناف القاهرة وهي التي تتولى تعيين المحكمة بناءً على طلب النائب العام(3). ومن هنا نجد أن المشرع لم يشأ أن يترك للسلطة التنفيذية الحرية المطلقة في اتخاذ إجراءات الاتهام ضد القاضي منعاً من التعسف في استعمالها ، لذلك عمد إلى تقييد سلطتها من خلال وضعها تحت إشراف ورقابة لجنة مشكلة من خمسة أعضاء من المجلس الأعلى للهيئات القضائية(4). كما نص المشرع الليبي على تشكيل لجنة من رئيس المحكمة العليا رئيساً ، وأحد المستشارين بها وأحد رؤساء محاكم الاستئناف ويكون ذلك بناءً على طلب النائب العام على وفق المادة 67 من قانون نظام القضاء(5).

ثانياً. ضمانات القبض والحبس

أما القانون العراقي فقد نص على أنه [ لا يجوز توقيف القاضي أو اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده ، في غير حالة ارتكابه جناية مشهودة إلاّ بعد استحصال إذن من وزير العدل] (6). فلا يجوز القبض على القاضي أو حبسه احتياطياً إلاّ بعد الحصول على إذن اللجنة الخاصة كما قد نص المشرع المصري على ذلك وأورد استثناءً عليه هو حالة التلبس بالجريمة التي جوز فيها القبض على القاضي وحبسه احتياطياً قبل الحصول على إذن اللجنة ، وفي هذه الحالة يجب على النائب العام رفع الأمر إلى اللجنة خلال (24) ساعة التالية على القبض ، والتي تقرر ، بعد سماع أقوال القاضي أن طلب ذلك ، استمرار الحبس أو الإفراج عن القاضي بكفالة أو دونها (7). ويوقف القاضي ، بقوة القانون ، عن مباشرة وظيفته بمجرد حبسه بناءً على حكم أو أمر ، طوال مدة حبسه إلاّ أنه لا يترتب على الوقف حرمان القاضي من مرتبه خلال هذه المدة ، إلاّ إذا قرر المجلس التأديبي حرمانه من نصف مرتبه فيها(8). كما نص المشرع الليبي على مثل ذلك(9). أما عن أماكن توقيف وحبس القضاة فقد نص المشرع المصري على أن يكون حبس القضاة وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية في أماكن مستقلة عن الأماكن المخصصة للمتهمين أو السجناء(10). كما نص المشرع الليبي على أن يكون توقيف القاضي في غرفة خاصة بقصر العدل ، وتنفذ بحقه عقوبات الحبس التي يحكم بها عليه في أماكن مستقلة عن الأماكن المخصصة لحبس السجناء الآخرين(11).

ثالثاً. ضمانات التحقيق والمحاكمة

فقد نصت بعض التشريعات العربية على أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق والمحاكمة إلاّ بإذن اللجنة الخاصة اذ نص المشرع المصري في قانون السلطة القضائية على أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق مع القاضي أو رفع الدعوى الجنائية عليه في جناية أو جنحة إلاّ بإذن اللجنة الخاصة بناءً على طلب النائب العام(12). كما نص المشرع الليبي على أنه لا يجوز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق ضد القاضي إلاّ بعد الحصول على إذن اللجنة الخاصة(13). نخلص من ذلك أن التشريعات قررت ضمانات في كل الأدوار التي تمر بها الدعوى الجزائية ابتداءً من رفع الدعوى ومروراً بإجراءات القبض والحبس وانتهاءً بالتحقيق والمحاكمة ، ويلاحظ أن التشريع العراقي لم يعالج هذه الضمانات على نحو تفصيلي متكامل .

____________________

– د. محمود محمد هاشم ، المصدر السابق ، ص 230 .

2- د. فتحي والي ، المصدر السابق ، ص166 .

3- د. إبراهيم نجيب سعد ، المصدر السابق ، ص275 . و د. محمود محمد هاشم ، المصدر السابق ، ص230 .

4- د. إبراهيم نجيب سعد ، المصدر السابق ، ص274 .

5- المادة 67 من قانون نظام القضاء الليبي .

6- المادة 69 من قانون نظام القضاء الليبي .

7- المادة 96/2 من قانون السلطة القضائية المصري .

8- المادة 97/3 من نفس القانون السابق .

9- المادة 64 من قانون التنظيم القضائي .

0- المادة 96/5 من قانون السلطة القضائية المصري .

1- المادة 68 من قانون نظام القضاء الليبي .

2- المادة 96/4 من قانون السلطة القضائية المصري .

3- د. عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص760 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .