ان صحة الالتزام الصرفي تتوقف على ضرورة وجود الارادة ، لان التصرفات القانونية ترتكز بصورة اساسية عليها(1). والارادة كما هو معلوم شيء معنوي كامن في النفس البشرية لا يمكن الوقوف على صورته او تحديد معالم شكله او تبين محتواه او طبيعته الا من خلال التعبير، ذلك المظهر المادي الذي يمثل النافذة الوحيدة التي يمكن من خلالها ان نطل على الارادة لنتعرف على ما اتجهت اليه وفي اطار الاوراق التجارية يتخذ التعبير عن الارادة مظهرا ماديا وهو التوقيع على الورقة التجارية ، فالتوقيع إذن يمثل الاسلوب التحريري الوحيد للتعبير عن اتجاه الارادة للالتزام الصرفي ولا يغني أي اسلوب اخر عن هذا الاسلوب .فالتوقيع وان كان من الشروط الشكلية لانشاء او تظهير او ضمان او قبول الورقة التجارية فانه يمثل ركن الرضا في تلك التصرفات التي ترد على الورقة التجارية(2). وقد نصت المادة (23) من قانون الحوالات التجارية الانكليزي على ان الشخص لا يكون مسؤولاً كساحب او مظهر او قابل مالم يوقع على السند بتلك الصفة . وتوقيع الشخص على الورقة التجارية يتخذ واحدا من صور ثلاث فهو اما ان يوقع باسمه ولمصلحته او ان يوقع باسمه نيابة عن شخص اخر وقد يوقع باسم شخص اخر. وسنفرد نقطة مستقلة لكل واحدة منها لمعرفة الشخص الملتزم صرفيا في كل صورة من تلك الصور :

اولا: توقيع الشخص باسمه ولحسابه :

يقوم الاشخاص في الغالب بالتوقيع على الورقة التجارية باسمائهم ولمصلحتهم، وفي هذه الصورة يكون الموقعون ملتزمون صرفياً بأداء قيمة الورقة التجارية ، وقد جاء في قرار لمحكمة التمييز الاردنية بانه “طالما ان المدعى عليه (المميز) قد اقر بتوقيعه على الشيك فانه يكون ملزما باداء قيمته”(3).

ثانيا: التوقيع نيابة عن شخص اخر:

النيابة هي حلول ارادة النائب محل ارادة الاصيل في ابرام تصرف قانوني مع انصراف الاثر القانوني لهذه الارادة إلى شخص الاصيل كما لوكانت الارادة صادرة منه(4). ويجوز للنائب ان يقوم باجراء التصرفات القانونية المختلفة نيابة عن الاصيل ومنها الاعمال المتعلقة بالاوراق التجارية انشاءاً او تظهيراً او قبولاً او ضماناً … وقد جاء في المادة (36) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 بانه “يجوز توقيع الصك من قبل وكيل”(5) . والاصل ان اثر توقيع النائب ينصرف إلى ذمة الاصيل ومن ثم يكون هو الملتزم الصرفي والمسؤول مسؤولية تضامنية مع باقي الملتزمين الصرفيين ولكن ينبغي توافر الشروط الاتية :

1.ان تكون النيابة ظاهرة ، بمعنى ان يدرج النائب عند توقيعه على الورقة التجارية ما ينبه على وجود النيابة وان يذكر اسم الشخص الاصيل(6). اما إذا لم يذكر النائب ما يدل على وجود النيابة فيكون هو المسؤول صرفيا باعتباره طرفاً اصيلاً وللحامل الرجوع عليه بدعوى الصرف نظراً لما يتضمنه توقيعه على الورقة التجارية من معنى الاعتراف بالمديونية لحاملها والتعهد بدفع قيمتها في ميعاد استحقاقها(7). وقد نصت على ذلك صراحةً المادة (36) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 بالقول”3- وكذلك إذا وقع على الصك وكيل مفوض في التوقيع ولكن دون ان يبين في الصك انه يوقع بصفته وكيلاً عن شخص معين بالاسم او مع ذكر صفته في الصك كوكيل ولكن دون ان يعين اسم الموكل ، يكون التوقيع ملزما للشخص الموقع وليس للشخص الذي يدعي انه يمثله”. وهذا ما نصت عليه المادة (23) من قانون الحوالات التجارية الانكليزي(8) .

2.ان تكون للنائب سلطة التوقيع على الورقة التجارية: السلطة هي صلاحية الشخص للتصرف بأموال غيره، ويلزم توافر السلطة لدى النائب كشرط اساسي لالزام الاصيل صرفياً رغم انه لم يوقع على الورقة التجارية(9). اما إذا وقع شخص على ورقة تجارية بصفته نائب عن شخص اخر بدون تفويض منه او كان قد تجاوز حدود التفويض المخول له، فيكون النائب الكاذب او المتجاوز مسؤولاً مسؤولية صرفية تجاه حامل الورقة التجارية، وهذا ما نصت عليه صراحة اغلب القوانين التجارية(10). اما بالنسبة للاصيل المزعوم في حالة النيابة الكاذبة ، فلا يكون مسؤولاً عن أي التزام إذ لايمكن الزام شخص دون ارادته ودون تفويض منه ، اما في حالة النيابة المتجاوزة فانه يكون ملزما بحدود المبلغ الذي فوض به النائب(11). وفي هذا المجال ينبغي عدم الخلط بين حالتي عدم وجود السلطة (او تجاوزها) وبين اساءة استعمال النائب للسلطة التي اعطيت له ، فقد يستخدم النائب السلطة المخولة له فيوقع ورقة تجارية ضمن حدود تلك السلطة ولكنه يستغل السلطة لمصلحته الشخصية لا لمصلحة الاصيل ، كما في حالة مدير الشركة الذي يوقع ورقة تجارية باسم شركته مستعملاً مبلغها لمصلحته الشخصية ففي هذه الحالة فان الموكل (الشركة في مثالنا) يبقى ملزما صرفيا تجاه الحامل حسن النية ، إذ ان اثار النيابة تنصرف إلى ذمة الاصيل ، ولايمكن للاخير التنصل من الالتزام الصرفي الا عند تحقق شرطين معا وهما اثبات سوء استعمال النائب لسلطته واثبات سوء نية الحامل . وهو ما كانت تقضي به صراحة المادة (17) من قانون الشركات العراقي الملغي رقم (31) لسنة 1957(12).

3.ان يكون الاصيل اهلا للالتزام الصرفي ، اما إذا كان الاصيل ناقص الاهلية او عديمها فلا يكون ملتزما صرفيا ، إذ ان التزامات ناقص الاهلية او عديمها تعتبر باطلة(13) . ولكن هل يصح مساءلة النائب في هذه الفرضية مساءلة صرفية؟ في الواقع ان المشرع التجاري لم يعالج هذه الفرضية ، مما اثار الخلاف بين الفقهاء : فيرى بعض منهم ان النائب يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة قبل الحامل ويكون متضامنا مع بقية الملتزمين الصرفيين قياساً على حالة النائب الكاذب(14) .في حين يرى جانب اخر من الفقهاء بان النائب عن القاصر لايكون مسؤولاً صرفياً ومن ثم لا يبقى للحامل ، وان كان حسن النية ، الا الرجوع عليه بالتعويض عما اصابه من ضرر يتمثل بحرمانه من الرجوع على الاصيل بقيمة الورقة التجارية وتخضع هذه الدعوى لاحكام القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية(15). وهو رايٌ جدير بالتأييد ذلك ان قواعد القانون التجاري تعد استثناء من احكام القواعد العامة لايجوز التوسع في تفسير احكامها وتطبيقها على المسائل التي لم يتناولها القانون التجاري بالتنظيم ، وانما ينبغي الرجوع في جميع المسائل التي لم يرد بشانها حكم خاص إلى قواعد القانون المدني بوصفه المرجع في كل مالم يرد به نص خاص في القانون التجاري . صفوة القول انه متى توافرت الشروط الثلاثة (صفة النيابة ، سلطة النائب، اهلية الاصيل) فعندئذٍ تتولد علاقة مباشرة بين الاصيل والغير ويختفي شخص النائب من بينهما ويكون الاصيل مسؤولا مسؤولية صرفية وتضامنية تجاه حامل الورقة التجارية وطرفا مباشرا ينبغي ادخاله في الدعوى الصرفية ، وهو ما ذهبت اليه محكمة التمييز الاردنية في قرار لها جاء فيه “وحيث اقر وكيل المميز بان التوقيع على الكمبيالات يعود للشريك (س) وحيث ان (س) مفوض بالتوقيع عن الشركة فان الشركة المميزة تنتصب خصما للشركة المميز ضدها في دعوى المطالبة بقيمة تلك الكمبيالات”(16) .

ثالثا: التوقيع باسم الغير :

قد يحصل احيانا ان يوقع الشخص باسم شخص اخر ، بمعنى انه يزور توقيع شخص اخر ، في هذه الفرضية ان من المؤكد ان الشخص الذي زُور توقيعه لايكون مسؤولا بموجب الورقة التجارية(17). ويستطيع التمسك بالدفع بتزوير توقيعه قبل كل حامل وان كان حسن النية ، إذ ان “الدفع بالتزوير من الدفوع الموضوعية التي لايطهرها التظهير(18) . ولكن إذا ثبت ان الشخص الذي زُور توقيعه قد ارتكب بعض الاخطاء التي سهلّت عملية التزوير ، فانه يكون مسؤولا تجاه الحامل عن تلك الاخطاء بمقتضى قواعد المسؤولية التقصيرية لابمقتضى قواعد القانون الصرفي(19). اما فيما يتعلق بالشخص المزور فانه يعد مرتكبا لجريمة التزوير ومن ثم فانه يكون مسؤولا مسؤولية جنائية ، ان امكن التعرف عليه ، ويمكن للحامل الرجوع عليه بالتعويض بموجب تلك الدعوى او بموجب الدعوى المدنية ، ولكن لايمكن للحامل الرجوع عليه بموجب الدعوى الصرفية ، لان القانون التجاري لم يتطرق إلى الزام الشخص المزور صرفيا ، خلافا لحالة النائب الكاذب او المتجاوز ، مما يحتم الامر الرجوع بموجب قواعد المسؤولية التقصيرية في القانون المدني ؛ ولم تخالف ذلك من التشريعات التجارية سوى اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 التي نصت صراحةً على الزام الشخص الذي يوقع باسم غير اسمه كما لو كان قد وقعه باسمه(20) .

__________________

1- جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية بتاريخ 23/2/1983 بان “العقد الذي يقوم على ارادة غير موجودة هو عقد باطل” ، مجموعة المبادئ القانونية … ، مصدر سابق ، ص18 .

2- د. فوزي محمد سامي ود. فائق الشماع ، القانون التجاري ،الاوراق التجارية ، مطبعة جامعة بغداد ، بدون سنة طبع ، ص27.

3- قرار محكمة التمييز الاردنية رقم 951/حقوقية /1998 بتاريخ 18/6/1998 ، المجلة القضائية ، السنة الثانية ، المجلد الثاني ، العدد السادس ، حزيران 1998 ، ص129-130.

4- د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط … ، ج1 ، مصدر سابق، ص203.

5- وقد قضت محكمت التمييز العراقية بان “للوكيل العام حق تظهير الورقة التجارية إذا كانت وكالته العامة تخوله حق القبض والاقباض” قرار رقم 1050 /هيئة عامة /1971 بتاريخ 19/2/1972، النشرة القضائية ، العدد الاول ، السنة الثالثة، 1973 ، ص111.

6- ففي القضية (Ringham V. Hackett، 1980) كان (Mr. Hackett and Mr. Walmesly) شركاء وقد فتحا حسابا” مشتركا” مع المصرف (Loyds Bank) وتم اصدار دفتر الصكوك باسمهما فضلا عن اتفاقهما مع المصرف بصرف أي صك موقع من قبل احدهما، قام (Mr. Hackett) بتوقيع صك باسم المؤسسة المشتركة بمبلغ (500دولار) لفائدة (Paul Ringham) بعدها اختفى (Mr. Hackett) ولم يوافق (Mr. Walmsely) على اصدار ذلك الصك فاعلم المصرف المسحوب عليه بان يمتنع عن الدفع إلى (Mr. Ringham) ، فقام الاخير بتقديم الصك إلى المصرف الا انه لم يحصل على الدفع منه فاقام الدعوى على مؤسسة (Hackett/Walmsely) فقضت محكمة (Court of Appeal) الانكليزية بان المؤسسة مسؤولة= =عن ذلك الصك تحت طائلة المادة (23) من قانون الحوالات التجارية الانكليزي ، حيث ان الشريك الذي وقع باسمه تحت الاسم المطبوع للمؤسسة يكون قد عمل الصك للمؤسسة وليس له .

See: Smith and Denis، English Law، 8th Edition، Britain، 1986، No. 677،

p. 822.

7- د. حسين محمد سعيد ، التزامات وحقوق حامل الورقة التجارية (الشيك – الكمبيالة – السند الاذني) ، الناشر عالم الكتب ، القاهرة ، بدون سنة طبع ، ص21.

8 -Smith and Denis Keanan، op. cit.، p. 465.

9- انظر المادة (36/2) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 .

10-انظـر المـواد ( 8) مـن القانـون الموحـد ،(114) مـن القانـون الفرنـسي ،(49) من قانـون التـجارة العـراقي، (389) مـن قانـون التـجارة المـصري النـافذ، (131) من قانون التجارة الاردني، (36) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 ، اما المادة (26/4) من قانون الحوالات التجارية الانكليزي فتلزم الممثل الكاذب بتعويض الضرر الذي يلحق الاغيار من تجاوزه سلطته او عدم تمتعه باية سلطة تمثيلية ولاتعتبره ملزم بالتزام صرفي باداء قيمة الورقة التجارية .

11- د. صلاح الدين الناهي ، المبسوط … ، مصدر سابق ، ص85-87.

12- نصت المادة (17) من قانون الشركات العراقي الملغي رقم (31) سنة 1957 “تكون الشركة مسؤولة عن تصرفات مديريها قبل الغير كلما كانت هذه التصرفات ضمن حدود صلاحياتهم وكان تصرفهم مضافا إلى عنوان الشركة التجاري ، ولو كان استعمالهم لهذا التوقيع في سبيل مصلحتهم الشخصية مالم يكن الغير سيء النية”.

13- انظر المادة (640) من قانون التجارة العراقي والمقابلة للمادتين (385 ، 779) من قانون التجارة المصري النافذ .

14- د. محمد صالح بك ، النظرية الحديثة في مشروع قانون الاوراق التجارية ، بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد ، العدد المزدوج (3 ، 4) ، السنة الاولى ، 1941 ، ص465.

15- د. حسين محمد سعيد ، مصدر سابق، ص22.

16- قرار محكمة التمييز الاردني رقم 1672/حقوقية/1999 بتاريخ 26/1/2000 ، المجلة القضائية، السنة الرابعة ، العدد الاول ، كانون الثاني 2000 ، ص269.

17- انظر مفهوم المخالفة لنص المادة (47) من قانون التجارة العراقي .

18- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 134/موسعه اولى /1986 بتاريخ 28/5/1986، مجموعة الاحكام العدلية ، العددان (1 ، 2 ) ، 1986 ، ص194.

19- د. علي سلمان العبيدي ، عدم التمسك بالدفع … ، مصدر سابق ، ص62.

20- انظر المادة (33) من اتفاقية الاونسيترال لعام 1988 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .