الفصل الثاني

الشخصية المعنوية Juridical person

إن تأسيس الشركة يعني ظهور كائن قانوني له استقلاله المالي والإداري عن الشركاء وعليه أن مصطلح الشركة ينصرف فضلا عن العقد، إلى كيان اقتصادي ظهر بإجراءات تطلبتها القوانين، يتمتع بشخصية تصورية تتمتع بالحقوق وتفرض عليها الواجبات بما يشبه إلى حد كبير الأشخاص الطبيعية . ويؤدي هذا التصور إلى استقلال الشخص المعنوي، بحيث تصبح العقود والأموال بمجرد تأسيس الشركة عائدة لها وليس للأشخاص الموقعين على عقد تأسيسها . ويستمر الشخص في العمل حتى أن خروج الشركاء من الشركة، أو موت أعضاء مجلس الإدارة فيها، فلا يؤدي ذلك إلى انتهاء الشركة تلقائيا .

وجسد انفصال الشركة عن الشركاء فيها قرار حكم في قضية مشهورة عرضت على القضاء الانكليزي، المعروفة بقضية salomon v. salomon and co. ltd. ملخصها : أن سالمون تاجر جلود ولديه مصنع للأحذية، اضطرب عمله فحول نشاطه إلى شركة محدودة المسؤولية من سبعة أشخاص، هو وزوجته وأطفاله الخمسة وباع للشركة مصنع الأحذية بمبلغ مقداره (30000 جنيه) تسلم (20000 منها) وبقي دين على الشركة مبلغ (10000 جنيه)، صفيت الشركة بعد أن اتجهت نحو الإفلاس، وقد وجد المصفي أن أموال الشركة لا تكفي لسداد ما عليها من الديون، فأراد استبعاد دين سالمون من ديون الدائنين تأسيسا على أنه والشركة واحد .

المحكمة وجدت خطأ هذا التصور، وقالت أن الشركة بمجرد تأسيسها تصبح شخصا مستقلا عن الأشخاص الموقعين على عقدها، وحتى إذا كان نشاطها هو ذات النشاط السابق، على تأسيس الشركة والأشخاص هم الذين يتسلمون الإرباح التي تدرها، فالشركة شخص قائم بذاته لا تعد وكيلا عن الشركاء ولا ضامنة لهم، كذلك لا يسال الشركاء شخصيا عن الشركة إلا بمقدار ما يحدده القانون .

وسنتناول تاريخ ظهور الشخصية المعنوية للشركة وانتهائها حسب القانون العراقي، ثم نبين النتائج التي تترتب على ظهور الشخصية المعنوية. وقبل ذلك ننوه إلى أن جميع الشركات حسب القانون العراقي تتمتع بالشخصية المعنوية، لان القانون لا يعرف شركة المحاصة التي لا تظهر للوجود وليس لها شخصية معنوية والمعروفة في اغلب التشريعات
أما متى تبدأ الشخصية المعنوية للشركة ؟ فمعروف أن قانون الشركات العراقي وضع أحكاما خاصة بأنواع أربعة من الشركات هي ( المساهمة، والمحدودة، التضامنية، المشروع الفردي ) استغرقت جل مواد القانون، ثم افرد بابا خاصا لنوع من الشركات أطلق عليها اسم الشركة البسيطة ( الباب السابع المواد 181 – 199 ) .
وعليه فأن الشخصية المعنوية للأنواع الأربعة من الشركات تبدأ من تاريخ صدور شهادة تأسيس الشركة من المسجل، فالمادة (22) تنص على أن ((تكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها ))، لأن هذه الشركات بحاجة إلى الإجازة لبدء نشاطها.

أما الشركة البسيطة فتبدأ شخصيتها المعنوية من تاريخ إيداع نسخة من عقدها لدى مسجل الشركات، فالمادة 183 تنص على أن (( تكتسب الشركة البسيطة الشخصية المعنوية من تاريخ ايداع نسخة من عقدها لدى المسجل ))، أما انتهاء الشخصية المعنوية، فيكون بشطب اسمها من قبل المسجل، فالمادة 177 تبين

(( أولا ـ على المسجل أن يصدر قراره بشطب اسم الشركة من سجلاته وينشر القرار بالنشرة وصحيفة يومية خلال عشرة ايام من تاريخ صدوره في إحدى الحالتين الآتيتين : ـ

1- إذا وجد أن التصفية تمت على وفق القانون .
2- إذا استغرقت إجراءات التصفية مدة تزيد على خمس سنوات من تاريخ صدور قراره بالتصفية وثبت للمسجل تعذر استكمال إجراءات التصفية.

ثانيا ـ تعتبر الشخصية المعنوية للشركة منتهية من تاريخ صدور قرار شطب اسمها، ومن الثابت أن الشخصية القانونية للشركة تظل طيلة فترة التصفية التي قد تستغرق وقتا طويلا .
أما الموضوع الأهم فيتعلق بالآثار القانونية لاكتساب الشركة الشخصية المعنوية وهذه الآثار تشبه إلى حد كبير آثار ولادة طفل وهي :
1- الاسم
2- الجنسية
3- الموطن
4- الذمة المالية المستقلة
5- الأهلية
وسنوضح هذه الآثار بإيجاز .

1- اسم الشركة 
ما دامت الشركة شخصا، فيفترض أن يكون لها اسم يميزها عن غيرها من الأشخاص ويتكون اسم الشركة حسب القانون العراقي من عناصر ثلاثة :

الأول : ـ نوع الشركة حيث يجب أن يتضمن اسمها ما هو نوعها وهو احد الأنواع الخمسة كما ذكرنا . لكي يعلم من يتعامل مع الشركة طبيعة الشركة التي يمكن معرفته من نوعها . والعنصر الثاني للاسم هو النشاط كالنقل والتامين والسياحة .
أما العنصر الثالث للاسم فيختلف في شركات الأشخاص عنه في شركات الأموال .

فلأهمية الاعتبار الشخصي في الأولى، يذكر اسم الشركاء أو بعضهم في الاسم . أما في شركات الأموال حيث يغيب الاعتبار الشخصي فيضاف اسم مبتكر، وقد أوضحت الفقرة أولا من المادة 13 عندما نصت على : (( اسم الشركة المستمد من نشاطها، يذكر فيه نوعها مع إضافة كلمة مختلطة إن كانت مختلطة واسم احد أعضائها في الأقل إن كانت تضامنية أو مشروعا فرديا، ويجوز إضافة أية تسمية مقبولة إن كانت مساهمة أو محدودة )) .

2- الجنسية:
تقتضي الاعتبارات العملية، واعتبارات الرقابة على الشركة أن يكون لها جنسية . ويتبنى الفقه معايير مختلفة لتحديد جنسية الشركة، فقد يرتبط الأمر بمكان نشاط الشركة، أي أن الشركة تأخذ جنسية الدولة التي تعمل على أراضيها، بينما يذهب معيار آخر إلى اعتماد مكان وجود المقر الرئيسي للشركة، حيث تأخذ جنسية دولة المقر، ويتبنى هذا المعيار الأستاذ الدكتور محسن شفيق (المصدر السابق، 181 ) . ومعيار ثالث يتبنى جنسية الشركاء، أو جنسية رأس المال، ولكل من المعايير المذكورة المطاعن التي تؤخذ عليه، لكننا نرجح المعيار الذي اعتمده القانون العراقي، حيث تكتسب الشركة جنسية الدولة التي ظهرت الشركة للوجود بموجب قوانينها، لأن الشركة شخص، ويحتاج الشخص إلى ولادة، وولادة الشركة شهادة تأسيسها، وعليه فأن جنسيتها هي جنسية الدولة التي ظهرت الشركة إلى النور بموجب قوانينها والمادة 23 من قانون الشركات العراقي تنص على أن (( تكون الشركة المؤسسة في العراق وفق أحكام هذا القانون عراقية . (( وقد اشترط القانون أن يكون المقر الرئيسي للشركة في العراق ( الفقرة ثانيا / م 13 )، وبناء على ذلك فلا ترابط بين جنسية الشركة وجنسية الشركاء، إذ قد يكون الشركاء ممن لا يحملوا الجنسية العراقية ومع ذلك تكون الشركة عراقية لأنها ظهرت بموجب القانون العراقي .

3- الموطــــن :
للشركة موطن .
عرف القانون المدني في المادة 42 الموطن بأنه (( .. المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة بصفة دائمة أو مؤقتة ويجوز أن يكون للشخص أكثر من موطن واحد، فالموطن هو محل الإقامة، أو محل النشاط كما يشير لذلك القانون المدني في ( م 44 ) ويفيد الموطن كعنوان للتبليغ، أو المراسلات أو إقامة الدعاوى أو تحديد المحكمة المختصة بالإفلاس، وموطن الشركة حسب قانون الشركات العراقي بينته الفقرة ثانيا من المادة 13 (( المركز الرئيس للشركة على أن يكون في العراق )) وإذا كان القانون، لم يطلق على ذلك الموطن فهو المقصود بالنص، أو نقول أن الموطن حيث يوجد المركز الرئيس، وقد اعتمد الفقه هذا المعيار( ) . والموطن هو المكان الذي توجد فيه الأجهزة التي تدير الشركة، حيث تباشر نشاطها فيه . وإذا كان الأصل أن يكون المقر الرئيس في مكان نشاط الشركة فلا ضرورة لهذا التطابق، حيث قد يكون نشاط الشركة في مكان أو أماكن . ومقر أو موطن الشركة في مكان آخر

.
4- الذمة المالية المستقلة :
من أهم النتائج المترتبة على اكتساب الشركة الشخصية المعنوية، أن يكون لها ذمة مالية مستقلة عن الذمم المالية للشركاء، فالشركة كونها شخصا قانونيا لا يمكن أن تفي بالتزاماتها وتقوم بأنشطتها بغير أن تكون لها ذمة مالية، وتقضي المادة 27 من قانون الشركات العراقي (( يخصص رأس مال الشركة لممارسة نشاطها المحدد في عقدها ووفاء التزاماتها ولا يجوز التصرف به خلاف ذلك )) ويبنى على أن للشركة ذمة مالية مستقلة أن :

أ – أموال الشركة ملك للشركة، ولا تعد مالا شائعا بين الشركاء، لأن الشيوع ينقضي بإرادة أي من المشتاعين، بينما لا يستطيع الشريك في الشركة أن يستعيد الحصة التي اشترك فيها برأس المال . لأن ما يدفع من الحصص يصبح ملكا للشركة في الغالب وليس للشركاء إلا حق احتمالي في الأرباح، وحصة تتناسب مع ما قدمه عند تصفية الشركة، وهذا الحق هو مال منقول دائما حتى لو كان ما قدمه الشريك عقارا .

ب – أموال الشركة ضمان لدائنيها، ليس بمقدور دائني الشركاء الحجز عليها اعتمادا على أن للشريك المدين حصة في رأس المال( ) . ويختلف الأمر في شركات الأموال عنه في شركات الأشخاص . لأنه في الأولى يجوز الحجز على الأسهم وعرضها للبيع لأن رأس المال يظل ثابتا، وما يتبدل هو المالك للأسهم ولا أهمية لتبدل الشريك في هذه الشركات لأنها مغفلة فالمادة 72 / أولا تقرر انه يجوز حجز الأسهم المملوكة للقطاع الخاص في الشركة المساهمة والمحدودة)) أما في شركات الأشخاص، حيث يبرز الاعتبار الشخصي، فلا يجوز الحجز على حصة الشريك . لأن الحجز معناه أن يتبعه البيع في الغالب وهو ما يؤدي إلى أن يحل شخص محل آخر في ملكية الحصة، وفي ذلك تغيير لعقد الشركة ويمكن أن يكون سبب في انحلالها ولذلك تحرم الفقرة الثانية من المادة 73 الحجز على الحصة في الشركة التضامنية وفي المشروع الفردي والبسيطة، إلا لدين ممتاز .

جـ – لا تجري المقاصة بين دين الشركة وديون الشركاء 

فلو كانت الشركة دائنة لشخص أجنبي، وأصبح هذا الشخص دائنا لأحد الشركاء،لا تجري المقاصة بين الدينين، لأن، المقاصة تقع عندما يوجد شخصان كلاهما دائن ومدين للأخر في وقت واحد، فيسقط اقل الدينين من الطرفين أما بالاتفاق أو بقوة القانون حسب توافر شروط تطلبها القانون ( م 409 من القانون المدني ) . في حين نحن الآن وحسب المثال في مواجهة ثلاثة أشخاص الشركة والدائن الأجنبي والشريك في الشركة .

د – العلاقة بين إفلاس الشركة وإفلاس الشركاء :
لا يتبع إفلاس الشركاء بالضرورة إفلاس الشركة،أو يتبع إفلاس الشركة إفلاس الشركاء، لأن لكل من الشركاء والشركة شخصيته وأمواله المستقلة . حتى في شركات الأشخاص التي يحصل فيها بعض التداخل بين أموال الشركة وأموال الشركاء . ويختلف الأمر حسب قانون الشركات العراقي، بين شركات الأموال (المساهمة والمحدودة ) وبين شركات الأشخاص ( التضامنية المشروع الفردي والبسيطة ) .
فعند إفلاس الشركة من النوع الأول لا يمتد الإفلاس إلى الشركاء، لأن، مسؤولية هؤلاء عن ديون الشركة محدودة بمقدار المساهمة برأس المال (م33).

أما إذا أفلست شركة من شركات الأشخاص فيتبع ذلك بالضرورة إفلاس الشركاء . حيث تنص المادة 36 على أنه (( إذا أعسرت الشركة اعتبر كل شريك فيها معسرا ))( ) . لأن الشركاء ضامنين ديون الشركة بأموالهم الشخصية وعليه يجب أن يعلن إفلاسهم مع الإعلان عن إفلاس الشركة. ويدخل ضمن الذمة المالية للشركة. رأس المال والموجودات, ولابد من توضيح المصطلحين.
فمصطلح رأس المال هو الرقم المثبت في عقدها , وهو ثابت عادة، إلا إذا قامت الشركة بإجراءات تغييره، زيادة أو تخفيضا كما سيأتي أما الموجودات فتشمل جميع أموال الشركة، والأبنية والمعدات، وما استقطع من الأرباح لتكوين الاحتياطات، وتدخل ضمن الضمان العام للدائنين لأن، مسؤولية الشركة غير محدودة عن ديونها، حتى في شركات الأموال . ويتمثل ضمان الدائنين عادة كحد أدنى بمقدار رأس المال الاسمي .

5 – الأهليـــــة :
تتمتع الشركة عند اكتسابها الشخصية المعنوية بالأهلية، لأنها تصبح شخصا له ما للأشخاص الطبيعيين . والأهلية المقصودة، هي الأهلية بنوعيها . أهلية الوجوب، وهي أن يفرض على الشركة واجبات وتكون لها حقوق والشركة تستطيع أن تتملك وان تقبل الهبات، كما تفرض عليها الواجبات القانونية كفرض الضرائب، يستثنى من ذلك الحقوق والواجبات المرتبطة بالإنسان، كالحقوق السياسية وواجبات الأسرة،
أما الأهلية الأخرى، فهي أهلية الأداء، أي قدرة الشركة على الدخول في روابط قانونية وبغير توافر هذه الأهلية لا تستطيع الشركة ممارسة نشاطها وتحقيق أهدافها، فهي بحاجة إلى أن تبيع وتشتري وتؤجر وترهن وتؤمن وغير ذلك من الأنشطة . كأن تقيم الدعاوى على الآخرين، وان تكون طرفا في الخصومات كمدع عليها، ولكن من يمارس هذه الأنشطة ليس شخص الشركة لأنه مفترض، إنما ينوب عنها من يمثلها كمديرها المفوض مثلا . ولابد أن نشير أيضا إلى انه يمكن أن تعاقب الشركة . العقوبات المالية، أما العقوبات السالبة للحرية فلا يتصور إيقاعها على شخص الشركة، أنما يمكن أن تكون على الأشخاص الذين أدى فعلهم لفرض العقوبة .

الفصل الثالث

أنــــــواع الشركات
قبل الوقوف على أنواع الشركات التي يبيح قانون الشركات العراقي رقم 21 لسنة 1997 . تأسيسها يتطلب التعرف على التقسيمات المختلفة التي يقولها الفقه وتشير لها بعض النصوص القانونية والتي تيسر الإلمام بطبيعة كل نوع من أنواع الشركات .
وسنتناول الفصل في مبحثين المبحث الأول التقسيمات الفقهية للشركات، أما الثاني فنخصصه للتقسيم حسب قانون الشركات .

المبحث الأول
التقسيمات الفقهية للشركات
أولا : ـ تقسيم الشركات إلى شركات مدنية وشركات تجارية .
تقسم الشركات إلى شركات تجارية وشركات مدنية، ويعتمد التقسيم حسب القانون العراقي معيارا موضوعيا مستمدا من النشاط الذي تزاوله الشركة. فالمادة 7 من قانون التجارة العراقي رقم30 لسنة1984تنص على أن ((أولا:ـ يعتبر تاجرا كل شخص طبيعي أو معنوي يزاول باسمه ولحسابه على وجه الاحتراف عملا تجاريا وفق أحكام هذا القانون)).
وعليه تكون تجارية الشركات التي يكون غرضها من احد الأعمال التي تعد تجارية حسب قانون التجارة المادة / 5 . أما الشركات التي غرضها غير هذه الأعمال فهي مدنية .

وقد اعتمدت بعض التشريعات معيارا شكليا في تحديد الصفة التجارية أو المدنية للشركات  . وإذا كان قانون الشركات العراقي لا يفرق بين الشركات التجارية والمدنية حتى إن اسم القانون هو ( قانون الشركات )، وبالتالي يطبق على جميع الشركات التي تأخذ الأشكال التي بينها، فأنه يظل مع ذلك اعتماد المعيار الموضوعي الذي بينه قانون التجارة فتكون الشركة التي تحترف الأعمال التجارية ( يقع غرضها ضمن الأعمال المذكورة ) شركة تجارية أو تكون مدنية الشركة التي غرضها غير الأعمال التجارية أي كان الشكل الذي أفرغت فيه .

والفرق بين الشركات التجارية والمدنية، إن الأولى تعد تاجرا، وما يترتب على ذلك من خضوعها لأحكام قانون التجارة ومطالبتها بالواجبات التي يفرضها وهي التسجيل في السجل التجاري والتسمية التجارية إضافة إلى مسك الدفاتر التجارية كما يسري عليها الإفلاس الذي تعرفه القوانين التجارية ولاحظنا التردد حوله في القانون العراقي .
ونستطيع أن نبدي وجهة نظرنا في هذا الأمر، أي تقسيم الشركات إلى تجارية ومدنية لأن الاختلاف يتضاءل بين الاثنين ( )، فلم ينهض قانون التجارة العراقي على المبادئ التي كان يعرفها قانون 1970 الملغي وتعرفها قوانين التجارة العربية، كمبدأ الإثبات، وتضامن المدنيين، والفوائد والإفلاس . فقد ساوى قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 في إثبات المسائل التجارية والمدنية، ولا يوجد نص يكرس مبدأ تضامن المدنيين عدا وجود التضامن في حالات متفرقة، كالأوراق التجارية والتضامن في النقل، وتتساوى البيئتان في الفوائد، ولاحظنا ما يؤشره اتجاه المشرع نحو اعتماد الإعسار وهو نظام مستعار من البيئة المدنية ولذلك يقتصر كون الشركة تجارية أو مدنية على الواجبات التي ذكرنا والتي يفرضها قانون التجارة على التاجر .

أما إذا كانت البيئة التجارية في العراق التي تنبئ بالاتساع تتطلب إحاطتها بأحكام قانونية تحمي المتعاملين في الوسط التجاري والمتعاملين معهم من خارجه فمطلوب تفعيل وسائل الحماية هذه وأهمها تطبيق نظام الإفلاس . عند ذلك يكون التمييز بين الاثنين مجديا، ويعتمد على المعيار الموضوعي الذي تبناه القانون كما ذكرنا على الرغم من إننا نرجح المعيار الشكلي . لأن تكوين الشركة حتى لو كان نشاطها في غير الأعمال التي تعد تجارية ينطوي على إجراءات وتنظيم وتوزيع للاختصاصات، فتكون على شكل مشروع محترف للغرض الذي تأسس له واتخذت من الوسائل الخارجية كالتسجيل في سجل الشركات والاسم ما يدل على احتراف العمل ونظرية المشروع إحدى نظريات العمل التجاري.

ثانيا : ـ تقسيم الشركات حسب ملكية رأس المال .
تقسم الشركات حسب الجهة المالكة لرأس المال إلى خاصة وعامة ومختلطة، فتكون خاصة عندما يكون رأس المال مملوكا لأشخاص القانون الخاص، وتكون عامة عندما يكون مملوكا لأشخاص القانون العام . أما المختلط فهي تلك التي يشترك في ملكية رأس المال أشخاص من القانونين . لكن ذلك بينه القانون العراقي كالآتي : الشركة الخاصة لا يشارك فيها أي من الأشخاص العامة، أو تشارك فيها هذه الأشخاص لكن المشاركة لا تصل إلى 25% من رأس المال الاسمي
فالمادة 7 / أولا تنص على أن (( تتكون الشركة المختلطة باتفاق شخص أو أكثر من القطاع الاشتراكي مع شخص أو أكثر من غير القطاع المذكور ( )، برأس مال مختلط لا تقل نسبة مساهمة القطاع الاشتراكي فيه عن ( 25% ) خمس وعشرين في المائة . ويجوز استثناء تكوين شركة مختلطة من شخصين أو أكثر من القطاع المختلط .
فالشركة تكون من القطاع الخاص عندما يكون الأشخاص مالكوا رأس المال فيها جميعهم من القطاع الخاص، أو حتى مع مشاركة أشخاص القطاع الاشتراكي عندما لا تصل المشاركة إلى 25% فأكثر من رأس المال .

بل أكثر من ذلك أورد القانون استثناء بأن تظل الشركة خاصة حتى لو جاوزت مشاركة القطاع الاشتراكي النسبة المذكورة ( 25 % )، ولكن يقتصر هذا الأمر على مشاركة شركات التأمين( )، وإعادة التأمين الحكومية ودائرة العمل والضمان الاجتماعي، كما يجوز إلحاق جهات استثمارية أخرى إنما يكون الأمر مرهونا بقرار من مجلس الوزراء ( م 8 / ثانيا ـ 2 ) .
وسبب الاستثناء أن الجهات المشار إليها، تعد جهات استثمارية قد توظف أموالها في الشركات لكنها لا ترغب أن تتحمل اعباء تحول الشركة إلى مختلطة، وقد ورد الاستثناء مطلقا في حدوده، أي أن تجاوز نسبة إلى 25 % بلا تحديد .

وبناء على ذلك تكون الشركة مختلطة عندما تصل مشاركة الدولة في رأس المال إلى 25 % فأكثر وقد اخضع القطاع المختلط إلى قانون الشركات الخاصة فالمادة 3 من القانون تنص على أن (( يسري هذا القانون على الشركات المختلطة والخاصة . )) وبتقديرنا أن تجربة القطاع المختلط في العراق، خاصة بعد إلحاق هذا القطاع بقانون الشركات الخاصة، كانت تجربة غير ناجحة، ويمكن القول بحق أنها استعارت مساوئ القطاعين الخاص والعام بدلا من استعارة محاسنهما( )، مثال على ذلك أن المدير المفوض للشركات المختلطة الذي يفترض أن يعين من قبل مجلس الإدارة وهو الذي يحدد صلاحياته ومكافأته ويستطيع عزله (م121/أولا) : كان يعين من جهات إدارية( )،وبذلك يأتي مديرا مفوضا للشركة وهو يشعر بالتفوق على مجلس الإدارة ويبدأ الصراع بين الجهتين .
وعليه نرى أن الدولة إذا وجدت أن ميدانا مهما يفترض أن تلجه، بإمكانها أن تنشأ شركة عامة وحسب أحكام قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997، مما يدفع الشركات الخاصة في هذا الميدان للتنافس معها إذا أدت واجبها بكفاءة . أما إذا كانت ترغب في المشاركة تشجيعا للقطاع الخاص الذي قد يتردد في ولوج ميدان معين، فيقتضي أن يمتد التشجيع إلى المساواة في الإدارة، حيث تكون الدولة حالها حال الأفراد في التنافس على إشغال مراكز الإدارة في الشركة وهو ما تقضي به التشريعات التي تناولنا أحكامها بالمقارنة ( )، أو أن يكون عدد ممثلي الدولة في مجلس الإدارة يتناسب مع حجم مساهمتها في رأس المال .
وتكون الشركة عامة كما بينا عندما يكون رأس المال مملوكا بكامله للدولة . وقد صدر قانون خاص بالشركات العامة هو القانون رقم22 لسنة 1997 بين كيفية إنشاء الشركة، ومزاولة نشاطها وإدارتها وانقضائها وتصفيتها . ولم يجمع الشركات العامة قانون موحد قبل صدور القانون المذكور إنما كانت تؤسس الشركة بموجب قانون موحد قبل صدور القانون المذكور إنما كانت تؤسس الشركة بموجب قانون خاص يبين نشاطها وحجم رأس المال فيها وإدارتها، وأحكام انقضائها . وسنتناول أحكام الشركات العامة في مكان لاحق .

ثالثا ـ شركات الأشخاص وشركات الأموال .
يعد هذا التقسيم من التقسيمات المهمة، لأنه يتردد كثيرا موضوع التمييز بين شركات الأشخاص وشركات الأموال . وعليه لابد من معرفة خصائص كل نوع من النوعين المذكورين ويمكن المقارنة بينهما كالأتي :

1- لا شك أن الأشخاص ورأس المال لهما الأهمية في حياة جميع الشركات لكن بعض الشركات، تكون الأهمية للأشخاص اكبر من أهمية رأس المال، وعلى العكس يكون رأس المال هو الأهم في شركات أخرى، وعليه يطلق على الشركات التي يعلو فيها الاعتبار الشخصي، شركات الأشخاص . بينما تطلق تسمية شركات الأموال على الشركات التي يتراجع فيها دور الأشخاص ويبرز رأس المال كمؤشر لنجاحها وثقة الأغيار بها .

2– في شركات الأشخاص حيث الاعتبار الشخصي هو الأهم، لابد من إبراز أسماء الأشخاص موضع ثقة الغير، ويكون الإبراز بأن يتضمن اسم الشركة أسماءهم أو أسماء البعض منهم حيث تنص الفقرة أولا من المادة 13 ((…واسم احد أعضائها في الأقل أن كانت تضامنية أو مشروعا فرديا..)) بينما تعتمد شركات الأموال، على السمعة المالية للشركة، فلا تظهر أسماء الأعضاء في اسمها، وإنما لها اسم مبتكر حيث تنص الفقرة التي اشرنا إليها (( .. وتجوز إضافة أية تسمية مقبولة أن كانت مساهمة أو محدودة )) .

3- تجمع الشركاء في شركات الأشخاص المعرفة والثقة، لذلك فهي شركات مغلقة ليس من السهولة أن يتركها الشريك أو أن يدخل شخص أجنبي كشريك فيها والمادة 69 / أولا من قانون الشركات تبيح للشريك أن ينقل ملكية حصته إلى الشركاء الآخرين ولكن نقلها إلى الغير مشروط بموافقة الشركاء الآخرين بالإجماع . بينما تعد شركات الأموال مفتوحة . من السهولة أن يتركها الشريك أو أن يدخلها شريك جديد، خاصة في شركات المساهمة التي تعرض أسهمها في سوق الأوراق المالية وتبنى على مبدأ حرية تداول الأسهم، فأي شخص يبيع أسهمه في سوق المال تنتهي عضويته في الشركة وأي شخص يشتري الأسهم من السوق المذكورة يكون شريكا فيها .
4- في شركات الأشخاص، عندما يقال بأن الثقة بالشركة مستمدة من الثقة بالشركاء، فأن هذه الثقة مبنية على المكانة المالية التي يتمتع بها هؤلاء الشركاء ولتعزيز الثقة بالشركة، فأن التشريعات تجعل مسؤولية الشركاء عن ديون الشركة مسؤولية شخصية ( مطلقة ) وتضامنية في الشركات التي يتعدد فيها الشركاء فالمادة 35 تنص على أن يسأل كل ذي حصة في الشركة التضامنية والمشروع الفردي، مسؤولية شخصية وغير محدودة عن ديون الشركة، وتكون مسؤوليته تضامنية أيضا في الشركة التضامنية .وتعني المسؤولية الشخصية أنها تمتد إلى أموال الشريك الشخصية، التي خارج الشركة . بينما تكون المسؤولية عن ديون الشركة في شركات الأموال، محدودة بمقدار المساهمة برأس المال ( م 6 / أولا وثانيا ) وكذلك تنص المادة 33 انه (( لا يسأل المساهم عن ديون الشركة إلا بمقدار القيمة الاسمية للأسهم التي يملكها .))

5- يكتسب الشريك في شركات الأشخاص صفة التاجر، لمجرد كونه شريكا في شركة تضامنية أو صاحب مشروع فردي . ولم يتضمن القانون العراقي نصا يفيد هذا المعنى . إنما يمكن أن يفهم ذلك من نص المادة 36 (( إذا أعسرت الشركة اعتبر كل شريك فيها معسرا )) لأن المقصود بالإعسار هو الإفلاس، ومعلوم أن الإفلاس لا يقع على غير التاجر . كان من المستحسن لو أن المشرع أورد نصا يفيد هذا الحكم كما فعلت التشريعات التي اشرنا إليها .
6- يؤدي إفلاس الشركة إلى إفلاس الشركاء في شركات الأشخاص  كما هو واضح من النص الذي اشرنا له في الفقرة السابقة . بينما لا يؤدي إفلاس شركة الأموال إلى إفلاس الشركاء، ومرد ذلك المسؤولية المطلقة للشركاء في الأولى والمسؤولية المحدودة بمقدار المشاركة برأس المال في الثانية .
أما في الحالة العكسية، أي إفلاس الشريك أو الشركاء، فأنه لا يؤدي إلى إفلاس الشركة في نوعي الشركات ( الأشخاص والأموال )، إنما قد يؤدي إفلاس الشريك أو الشركاء إلى انقضاء الشركة في شركات الأشخاص عندما تكون شخصية المعلن إفلاسه محل اعتبار .
7- تقسيم رأس المال :
يمكن أن يكون احد الفروق طريقة قسمة رأس المال، فيقسم في شركات الأشخاص إلى حصص قد تكون متساوية أو غير متساوية . بينما يقسم رأس المال في شركات الأموال إلى أجزاء متساوية هي الأسهم( ) .

المبحث الثاني
أنواع الشركات حسب قانون الشركات العراقي

قبل أن نبين أنواع الشركات كما وردت في القانون العراقي، نشير إلى الأنواع المعروفة في غالبية القوانين العربية وكان يعرفها قانون الشركات الأسبق الملغي لسنة 1957 .
وهذه الشركات هي :
التضامن
التوصية البسيطة
المحاصة وهذه الشركات الثلاث هي شركات الأشخاص
المساهمة
ذات المسؤولية المحدودة
التوصية بالأسهم وهذه شركات الأموال
أما في قانون الشركات العراقي النافذ فهي:
التضامنية
المشروع الفردي
البسيطة
المساهمة
المحدودة

لكن القانون رتب الشركات حسب أهميتها على الشكل الأتي :
المساهمة
المحدودة
التضامنية
المشروع الفردي
ثم أورد بابا في أخر القانون هو الباب السابع تناول فيه الشركة البسيطة .
1- شركة المساهمة : جاء في المادة 6 / أولا أن (( الشركة المساهمة المختلطة أو الخاصة، شركة تتألف من عدد من الأشخاص لا يقل عن خمسة يكتتب فيها المساهمون باسهم في اكتتاب عام ويكونون مسؤولين عن ديون الشركة بمقدار القيمة الاسمية للأسهم التي اكتتبوا بها)) .

2- الشركة المحدودة، المختلطة والخاصة (( .. شركة تتألف من عدد من الأشخاص لا يقل عن شخصين ولا يزيد على خمسة وعشرين يكتتبون فيها باسهم ويكونون مسؤولين عن ديون الشركة بمقدار القيمة الاسمية للأسهم التي اكتتبوا بها )) م 6 / ثانيا ( ) .

3- الشركة التضامنية : (( .. شركة تتألف من عدد من الأشخاص الطبيعيين لا يقل عن شخصين ولا يزيد على عشرة أصبح بعد التعديل ( 25 ) يكون لكل منهم حصة فيها ويكونون مسؤولين على وجه التضامن مسؤولية شخصية وغير محددة عن جميع التزامات الشركة )) م 6 / ثالثا .

4- المشروع الفردي : (( شركة تتألف من شخص طبيعي واحد يكون مالكا للحصة الواحدة فيها ومسؤولا مسؤولية شخصية وغير محدودة عن جميع التزامات الشركة ))  م 6 / رابعا .

5- الشركة البسيطة : (( تتكون الشركة البسيطة من عدد من الشركاء لا يقل عن اثنين ولا يزيد على خمسة يقدمون حصصا في رأس المال أو يقدم واحد منهم أو أكثر عملا والآخرون مالا )) م 181 . هذه الأنواع التي بينها قانون الشركات وهي تختلف عن الأنواع التي تعرفها القوانين التي اشرنا إليها . فكما يلاحظ ألغيت شركات التوصية .التي تقوم على أساس نوعين من الشركاء، المتضامنون الذين لهم إدارة الشركة ويسألون عن التزامات الشركة بصورة مطلقة وتضامنية، والموصون الذين يسألون عن التزامات الشركة بمقدار الحصة التي قدموها للشركة وليس لهم المشاركة في الإدارة، لكي لا ينظر لهم كشركاء متضامنين . وهذا النوع من الشركات عرف منذ القديم، وهي تكون حلا لمشكلة غير كاملي الأهلية الذين يراد لهم المشاركة في الشركة / كما في حالات الوفاة مثلا . كذلك ألغيت شركة المحاصة . وهي شركة لا تظهر للعلن على أنها شركة ولا تكتسب الشخصية المعنوية، لكنها كمشاركة شائعة في الحياة العملية، فكان من المستحسن تخصيص مواد تبين الأحكام لهذه الشركة لأشعار المتشاركين على أن القانون يحميها .

أما شركات التوصية بالأسهم فهي نادرة الحصول في الحياة العملية في غالبية البلدان أما الاختلافات الأخرى مع القوانين العربية التي اشرنا إليها، فهي اختلافات في المسميات لا أهمية له ( التضامن، التضامنية ) وذات المسؤولية المحدودة . إلا أن القانون أورد نوعين من الشركات لا وجود لهما في تلك القوانين الأولى هي شركة المشروع الفردي وقد تحدثنا عنها، وسنكمل أحكامها عند تناول هذه الشركة .

والثانية هي الشركة البسيطة، التي لا مثيل لها في القوانين العربية وسنتناول أحكامها أيضا في حينها .
وقد أورد القانون أحكاما ضمن المواد التي بينت أنواع الشركات المواد (6 ـ 11 ) عدا الشركات البسيطة كما أوضحنا , فتضمنت المادة التاسعة / أولا ما يأتي : (( شركة الاستثمار المالي ـ شركة يكون نشاطها الأساس توجيه المدخرات نحو التوظيف والاستثمار في الأوراق المالية العراقية من أسهم وسندات وحوالات خزينة وفي ودائع ثابتة ))، وهذا النص قد يوحي وكأن شركة الاستثمار المالي، نوع آخر من الشركات يضاف إلى ما ذكر من أنواع، خاصة وأنها وردت ضمن المواد الخاصة بأنواع الشركات . والحقيقة غير ذلك فهي شركة نشاطها الاستثمار المالي أما نوعها فقد حدده القانون في المادة 10/ثانيا التي تنص على أنه (( يجب أن يأخذ شكل شركة مساهمة من يمارس أيا من النشاطات الآتية : 3ـ الاستثمار المالي.)) . فالشركة مساهمة بموجب الإلزام المذكور لا تدخل ضمن أنواع الشركات التي بيناها .

كما أورد القانون إلزاما وأباحه للمشاريع الاقتصادية بأن تصبح شركات حسب الأنواع التي بينها، أما الإلزام فهو ما بينته المادة 10/أولا بأن تتحول المشاريع في ميادين (الصناعة،الزراعة،السياحة،والمقاولات) التي لا يقل رأس المال المستثمر فيها عن (10000000 عشرة ملايين دينار) إلى احد أنواع الشركات عدا البسيطة، لان الإلزام ورد في التحول حصرا ((… يجب أن يأخذ شكل شركة مساهمة أو محدودة أو تضامنية أو مشروع فردي.))، والنص منقول عن نص المادة 9 من قانون الشركات لسنة 1983 الملغي، الاختلاف بينهما فقط في حدود رأس المال، فبعد أن كان في القانون الملغي ( 100000 مائة الف دينار )، أصبح في القانون الحالي عشرة ملايين دينار، بسبب التضخم الذي طرأ على العملة العراقية . ولا نرى موجب للإلزام . فلماذا نكره الأشخاص على اتخاذ شكل معين لنشاطهم الاقتصادي، وإذا كان المشرع يرغب في أن تتخذ المشاريع الاقتصادية شكل شركة، فأن ذلك لا يكون بالإلزام، إنما في اعطاء الشركات امتيازات لا تتمتع بها المشاريع الأخرى، أما الإلزام فمن شأنه أن يدفع إلى مخالفة النصوص، وهو ما حصل مع قانون 1983 الملغي ويحصل مع القانون الحالي، فلم تتحول إلى شركات الكثير من المشاريع التي ينطبق النص عليها .

خاصة وأن القانون يبيح لأي مشروع اقتصادي وفي أي قطاع، ومهما كان حجم رأس المال، أن يتخذ شكل شركة من أنواع الشركات التي يسمح بها القانون، فالمادة 11 تنص على أن (( كل مشروع اقتصادي غير مشمول بأحكام المادة (10) من هذا القانون يمكن أن يأخذ شكل شركة من الشركات التي نص عليها القانون )) . ولم نر مثل هذا الإلزام في القوانين العربية موضوع المقارنة. والإلزام الذي تعرفه بعض القوانين العربية، واعتمده القانون العراقي أيضا، اشتراط نوع معين من الشركات، في بعض الأنشطة الاقتصادية التي يرغب في مزاولتها الأفراد، فمزاولة نشاط مصرفي أو تأميني أو استثماري، يقتضي أن يكون إطاره القانوني شركة مساهمة، لا يجوز لغيرها وبذلك تنص المادة 10 / ثانيا من القانون على انه : (( يجب أن يأخذ شكل شركة مساهمة من يمارس أيا من النشاطات الآتية :
1- المصارف .
2- التأمين وإعادة التأمين .
3- الاستثمار المالي . ))

وذلك لأهمية هذه الشركات في الأنشطة المذكورة، ولأنها بحجم كبير يفوق قدرات الفرد عادة، لذلك وجدت التشريعات المشار إليها ضرورة اللجوء إلى الجمهور في تكوين رؤوس أموالها . وبسبب خطورة هذه الأنشطة على الاقتصاد الوطني أخضعت إلى الهياكل القانونية التي يكون فيها بعض التشدد في التأسيس وفي الرقابة وفي التصفية، ولا يستوعب هذه الشروط بتقديرنا غير شكل الشركة المساهمة .

وقد طال التعديل الذي اشرنا إليه المادة العاشرة فحذف النص على إلزام المشاريع القائمة أثناء صدور القانون بالتحول إلى شركات . كما أوضحنا ذلك وحسنا فعل هذا الإلغاء، لكن التعديل حذف أيضا إلزام المصارف أن تكون على شكل شركة مساهمة وظل الإلزام قاصرا على شركات التامين وإعادة التامين وشركات الاستثمار وبناء على التعديل من الممكن أن تتكون شركة مصرفية تضامنية بل حتى مشروع فردي بنوعية محدود المسؤولية وغير محدودها . ولا نرى صواب استبعاد الشركات المصرفية من الإلزام المذكور في أن تأخذ المصارف شكل الشركة المساهمة، لأهمية الشركات المصرفية في الحياة الاقتصادية، في قدرتها على تكوين رؤوس أموال كبيرة يقتضيها العمل المصرفي أو في إدارتها الجماعية مجلس إدارة، ولأن مراقب الحسابات في هذه الشركات ملزم بأن يدلي برأيه في حسابات الشركة أمام الهيئة العامة ( م 136 )، ولأن القوانين العربية موضوع المقارنة اعتمدت المبدأ المذكور، فبالإضافة إلى القانون الأردني المشار إلى نصه في الهامش، م 14 من قانون دولة عمان و م 52 من نظام الشركات السعودي . وبعد الوقوف على أنواع الشركات التي أباح تأسيسها قانون الشركات العراقي والوقوف على ما قرره التعديل الذي اشرنا إليه، ظلت الشركات في أنواعها حسب القانون العراقي خارج الأنواع المعروفة كإجماع لقوانين البلاد العربية، وللقانون الأسبق للشركات في العراق 1957 الملغي، ولأنواع الشركات المعتمد في النظام اللاتيني الذي تتبعه العديد من الدول، وهي شركات الأشخاص ( التضامن، التوصية البسيطة والمحاصة ) وفي شركات الأموال ( المساهمة، ذات المسؤولية المحدودة والتوصية بالأسهم ) ولا بأس من إضافة الشركة المحدودة ذات الشخص الواحد، لأنها تجسيد لمبدأ فصل الذمة المالية المعروفة في بعض القوانين .

أما الإبقاء على الشركة البسيطة وعلى المشروع الفردي التي يسأل الشريك فيها مسؤولية مطلقة، فلا نرى نظيرا لها في القوانين الشائعة . كما أن استبعاد شركة التوصية البسيطة ذات الفئتين من الشركاء، يوصد الباب أمام تكوين شركات لا يسال فيها بعض الشركاء إلا بمقدار المساهمة برأس المال، وتحل إشكالية انضمام أشخاص غير كاملي الأهلية، كما يحصل عند الوفاة، وفي شركات المحاصة حماية للمتعاملين وفق أحكامها وهي شائعة في الحياة .

الفصل الرابع
تأسيس الشركات

تضمن الباب الثاني من قانون الشركات، وعنوانه تأسيس الشركة فصلين، الأول لمستلزمات التأسيس، أما الثاني فلاجراءات التأسيس، ومعلوم أن التأسيس يقتصر على الأنواع الأربعة من الشركات وهي ( المساهمة، المحدودة، التضامنية والمشروع الفردي ) وسنتناول أحكام الموضوعين المذكورين في مبحثين .

المبحث الأول
مستلزمات التأسيس
لابد من توافر مستلزمات حددها القانون لتأسيس الشركة، وأول المستلزمات إعداد عقد الشركة، لأن فكرة تأسيس الشركة تأخذ طريقها للتنفيذ عندما يضع المؤسسون عقدا يكون موضع التزام الموقعين عليه، ولأن القانون لم يتطرق إلى النظام حتى في الشركات المساهمة وهو نقص لاشك فيه ( ) . فلابد من تناول العقد بشيء من التفصيل . وقد بينت المادة (13 ) ما الذي يتضمنه عقد الشركة، ونصها :
(( أولا : ـ اسم الشركة المستمد من نشاطها ( )، يذكر فيه نوعها مع إضافة كلمة (مختلطة) إن كانت مختلطة واسم احد أعضائها في الاقل أن كانت تضامنية أو مشروعا فرديا، وتجوز إضافة أية تسمية مقبولة إن كانت مساهمة أو محدودة .
ثانيا : ـ المركز الرئيس للشركة على أن يكون في العراق .
ثالثا : ـ هدف الشركة المؤكد لدورها في انماء جانب من جوانب الاقتصاد الوطني وفق خطط التنمية ( ) .
رابعا : ـ نشاط الشركة المستمد من هدفها، على أن يكون ضمن احد القطاعات الاقتصادية وأي من القطاعات الأخرى ذات العلاقة بنشاطها .

خامسا : ـ رأس مال الشركة وتقسيمه إلى أسهم أو حصص ( ) .
سادسا : ـ كيفية توزيع الإرباح والخسائر في الشركة التضامنية .
سابعا : ـ عدد الأعضاء المنتخبين في مجلس إدارة الشركة المساهمة الخاصة .
ثامنا : ـ أسماء المؤسسين وجنسياتهم ومهنهم ومحلات إقامتهم الدائمة وعدد أسهم كل منهم أو مقدار حصته . )) .

وقد أدخلت على النص تعديلات جوهرية، وجاءت التعديلات، كما هو حال كل التعديلات على القانون بلغة ركيكة . والتعديل الذي ادخل على الفقرة ثالثا أراد الابتعاد عن النص على انماء جانب من جوانب الاقتصاد الوطني وفق خطة التنمية . وإذا كان التعامل مع النص في السابق شكليا بتقديرنا، بحيث يضع مؤسسوا الشركة النص المذكور ضمن بنود العقد كما هو، فلا نرى في وجوده ضيرا، إذ لابد أن يكون للشركة دور في النشاط الاقتصادي . ولابد أن يكون الاقتصاد بشكل عام مخططا، حتى إذا كان يسعى للحرية الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي فهذه خطة اقتصادية أيضا تحقق الشركة جانبا منها .
وبتقديرنا لا توجد مشكلة في إلغاء الفقرة الخامسة التي تشير إلى تقسيم رأس المال إلى أسهم أو حصص، فوجود الفقرة، أو الابقاء عليها سواء .

وقد بين القانون في المادة ( 14 ) على وجوب اعداد بيان من صاحب المشروع الفردي يحل محل العقد، ولو أن في العقد من الفقرات ما ينأى عن المشروع الفردي كالفقرة الخاصة بتوزيع الأرباح والخسائر، فلا يوجد تقسيم في حالة المشروع الفردي( ) .
كما أن من مستلزمات التأسيس، أن يكتتب مؤسسوا الشركة المساهمة بالنسب التي حددها القانون ( م 15 ) ( ) وقد حدد القانون هذه النسبة في المادة (39 ) أولا عند تحديد اكتتاب المؤسسين في الشركة المختلطة وهي لا تقل عن 30 % ولا تزيد على 55 % من رأس المال الاسمي وأن يكون ضمن هذه النسبة حصة القطاع الاشتراكي ( أطلق عليه قطاع الدولة ) التي لا تقل عن 25 % من رأس المال الاسمي .

وفي الفقرة الثانية من المادة حددت مساهمة المؤسسين بما لا يقل عن 20 % ولا يزيد على 51 % من نسبة الاكتتاب إلى رأس المال الاسمي . ولكن التعديل الذي اشرنا له أبقى على الحد الأدنى فقط من رأس المال بالنسبة للشركة الخاصة وهو 20 % وأطلق الحدود العليا لمساهمة المؤسسين . وقد جاءت حدود اكتتاب المؤسسين بموجب تعليمات تسجيل الشركات الصادرة عن وزارة التجارة برقم 196 في 15 / 3 / 2004 وقد حددها بالحدود الدنيا التي بينها القانون بعد التعديل لرأس مال جميع أنواع الشركات( ) . ويثبت هذا الأمر بموجب كشف مصرفي من مصرف يعمل بالعراق( ) بأن المؤسسين أودعوا المبالغ المحددة وفق التعليمات لدى المصرف . وفضلا عن الكشف المذكور يضاف بالنسبة للشركة المساهمة وثيقة الاكتتاب موقعة من قبل المؤسسين ودراسة الجدوى الاقتصادية للشركة . وإيداع جزء من رأس المال وإثباته بموجب كشف مصرفي إجراء سليم بتقديرنا ومطلوب من جميع أنواع الشركات لا يقتصر على الشركة المساهمة فقط .

ويقوم بالأعمال المذكورة المؤسسين جميعهم في الشركات غير المساهمة أو وكيل عنهم كما يحصل في العمل، أما بالنسبة للشركة المساهمة فيختار المؤسسون لجنة تعرف باسم ( لجنة المؤسسين ) لا يقل عدد أعضاءها عن ثلاثة ولا يزيد على سبعة، تقوم بالأعمال التي يفترض أن يقوم بها المؤسسون الذين لا يتجاوز عددهم المائة ( م 16 / ثالثا ـ 1 ) ( ) ومن بين المهام التي تقوم بها لجنة المؤسسين التعاقد مع جهة مختصة لاعداد الجدوى الاقتصادية والفنية عن المشروع ( م 16 ) ثالثا ( 1 – أ ) . كما تقوم بمتابعة إجراءات التأسيس، وتقديم عقد تأسيس الشركة إلى المسجل وكذلك بيان الاكتتاب الذي سينشر عند الموافقة على تأسيس الشركة، وتقوم لجنة المؤسسين بالصرف على المتطلبات المذكورة إلى حين استكمال إجراءات التأسيس وفتح حساب مشترك باسم اللجنة لدى احد المصارف العاملة في العراق ـ بعد التعديل حيث كان النص قبله يقضي بفتح الحساب لدى احد المصارف العراقية . وتقوم بتثبيت القرارات التي اتخذتها اللجنة والأعمال والمهام التي أنجزتها، أفادت بهذه الأحكام الفقرات ( ج، د، هـ من الفقرة ثالثا 1 من المادة 16 ) .
ويلتزم المؤسسون بالحصول على إجازة المشروع وقد عدلت لتقرأ ((الحصول على إجازة المشروع إن كان هذا لازما .. )) .
وأخيرا تقوم اللجنة بإعداد تقرير عن المصاريف التي أنفقتها اللجنة على تأسيس الشركة وتدعو الهيئة العامة للتأسيس للإجماع .
وتنتهي مهام لجنة المؤسسين لدى انتخاب مجلس الإدارة الأول في الاجتماع التاسيسي ويسأل أعضاء لجنة المؤسسين بصورة متضامنة أمام المؤسسين ( م 16 / ثالثا 2، 3 ) وسنبين إجراءات التأسيس قبل تعديل القانون وإجراءات التأسيس بعد التعديل ونقارن ذلك بما عليه الأمر في التشريعات العربية موضوع المقارنة .

المبحث الثاني
إجراءات التأسيس

يقدم طلب بتأسيس الشركة إلى مسجل الشركات، وتوجد لدى المسجل نماذج للطلبات لكل نوع من أنواع الشركات . لغرض توحيد محتويات الطلبات . ويرفق مع الطلب عقد الشركة الذي بينا مضمونه ضمن مستلزمات التأسيس . ويرفق أيضا وثيقة اكتتاب مؤسسي الشركة المساهمة موقعة منهم، كذلك شهادة المصرف بإيداع النسبة القانونية من رأس المال، وكذلك تأييد الجهة القطاعية المختصة بقيمة الحصة العينية في رأس المال .

لأن رأس المال قد يكون نقودا وقد يتضمن حصة عينيه، النقود تودع لدى مصرف ويستحصل استشهاد من المصرف بذلك يقدم مع الطلب، أما إذا كانت من الأعيان فيتم تقويم الأعيان الذي سنبينه في حينه حسب أحكام القانون وطبقا لنص المادة 29 بالنسبة للشركة المساهمة والمحدودة . ولا علاقة للجهة القطاعية المختصة في تقدير الأعيان في الشركتين المذكورتين . وكان المستحسن ترك الأمر للمؤسسين في تقدير الأعيان في الشركات الأخرى، على أن يكون مقدرا محاسبيا ومؤيدا من مراقب حسابات , وتركت القوانين المقارنة موضوع تقدير الأعيان للشركاء في الشركات غير المساهمة.كذلك يرفق مع الطلب دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية في الشركة المساهمة مقدمة من مكتب معترف به، بينت ذلك المادة (17).
وبعد أن يجد المسجل مطابقة الطلب مع متطلبات القانون، يفاتح الجهة القطاعية المختصة وهي الجهة التي تشرف على نشاط القطاع الذي يقع غرض الشركة ضمنه( ). ((للتأكد من انسجام هذا النشاط مع خطة التنمية والقرارات التخطيطية واستحصال مواقفها على الطلب)) (م 18 / أولا ـ 1)

كذلك تسأل أية جهة أخرى ((.. أوجب قانون أو نظام أو تعليمات استحصال موافقتها على تأسيس الشركة)) (م 18/أولا ـ 2) .
فقد تسأل دوائر الضريبة مثلا , وقد تسأل جهات الأمن بالنسبة للشركات السياحية أو يسأل البنك المركزي .
ومطلوب من الجهات التي تسأل وفق الفقرة أولا ـ 1 ـ 2 ) أن تبدي موافقتها أو عدم الموافقة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمها كتاب مسجل الشركات وفي ضوء رأي الجهات المذكورة يصدر المسجل قراره في الموافقة على طلب التأسيس أو رفض الطلب وخلال ستين يوما من تاريخ تسلم الطلب ويجوز لوزير التجارة أن يمدد هذه المدة ثلاثين يوما إذا تأخر وصول رد الجهات المطلوب استحصال موافقتها حسب المادة ( 18 ) .

إذا توافرت الشروط في الطلب، على المسجل أن يدعو المؤسسين أو من يمثلهم قانونا للمصادقة على عقد الشركة امامه أو أمام موظف يخوله المسجل بذلك، وتدفع الرسوم المطلوبة وعلى المؤسسين الحضور خلال ثلاثين يوما من اليوم الذي يلي تاريخ تبليغهم بلزوم الحضور . فأن لم يحظروا دون عذر مشروع يجوز للمسجل أن يعتبر المؤسسين صرفوا النظر عن الطلب ويقرر حفظه . وموضوع الجواز يعطي للمسجل إمكانية التحكم في الطلبات بحيث يهمل بعض الطلبات على أنهم صرفوا النظر عن التأسيس ويسامح شركات أخرى في عدم الحضور ( م 20 )

وان حصلت الإجراءات ينشر المسجل قرار الموافقة على تأسيس الشركة في النشرة التي يصدرها ( وفي صحيفة يومية لمرة واحدة في الأقل، وخلال خمسة عشر يوم من تاريخ آخر نشر يصدر شهادة تأسيس الشركة . ( م 21 / أولا ـ 1 ) . عدا الشركات المساهمة حيث يتراخى إصدار شهادة التأسيس إلى ما بعد انتهاء الاكتتاب ونجاحه وخلال خمسة عشر يوما من غلق الاكتتاب وتقديم المعلومات التي تطلبها القانون من المؤسسين وفق المادة ( 46).
وقد أباحت الفقرة ثانيا من المادة 21 لمؤسسي الشركة المساهمة والمحدودة بعد نشر قرار الموافقة على تأسيس الشركة وقبل صدور شهادة التأسيس أن يقوموا على مسؤوليتهم بإجراءات الحصول على إجازة مشروع الشركة وإبرام العقود اللازمة لإنشائه . (م 21/ثانيا).
ويلاحظ على هذه الفقرة أنها ساوت بين الشركة المساهمة والمحدودة في هذا الأمر ولا نرى محلا لهذه المساواة، فالشركة المحدودة تصدر شهادة تأسيسها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الإعلان عن الموافقة، ولا نظن في هذه المدة تأخيرا لمباشرة الشركة عملها .

وتكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها وقد بينا ذلك سابقا , ويعد إصدار شهادة التأسيس دليلا على أن إجراءات التسجيل تمت مطابقة للقانون ( م 22 ) .
أما إذا رفض المسجل طلب تأسيس الشركة، فهو ملزم بأن يبين أسباب الرفض . ويحق لأصحاب الشأن الاعتراض على قرار المسجل لدى وزير التجارة خلال ثلاثين يوما من اليوم التالي لتبليغهم بالرفض . ومطلوب من وزير التجارة أن يبت بالاعتراض خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه، وإذا صدر الرفض من الوزير أيضا، يحق للمؤسسين الاعتراض على قرار الوزير أمام المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوما من تاريخ تبليغهم به .
وما دام الرفض مسببا، يحق للمؤسسين تقديم طلب جديد متى زالت الأسباب التي حالت دون حصول الموافقة .
ولم يتعرض القانون العراقي لحالة السكوت، أي عدم تبليغ المؤسسين الموقف من الطلب وهو ما يحصل في أحيان كثيرة، حيث يشير الواقع العملي إلى تأخر الحصول على موافقة أو رفض الجهة القطاعية المختصة أو الجهات المشار إليها في المادة ( 18 من قانون). ونرى انه لا يمكن اعتبار التأخر عن الإجابة في المدة المذكورة وهي 60 يوما أو احتمال تمديدها 30 يوما أخرى، قبولا , لأن المادة 18 بينت ضرورة الحصول على موافقة الجهة القطاعية المختصة والجهات الأخرى أو رفضها، كما أن رأي الجهة القطاعية يرتبط بمدى مطابقة غرض الشركة مع أهداف التنمية والقرارات التخطيطية .
وهذه الإجراءات مطلوبة لجميع أنواع الشركات، التي بين القانون أحكامها مجتمعة وهي ( المساهمة، المحدودة، التضامنية والمشروع الفردي )( ) . وفي هذا عنت كبير، لأن هذه الإجراءات المطولة غير ضرورية في شركات الأشخاص في الأقل، ولم نجد في القوانين العربية موضوع المقارنة ما يشابهها .

أما إجراءات التأسيس بعد تعديل القانون بموجب التعديل الذي اشرنا له فقد أصبحت كما يأتي:
يقدم إلى مسجل الشركات طلبا على تأسيس شركة يبين نوعها، وفق الأنموذج الذي يعده المسجل، ويرفق مع الطلب عقد الشركة الذي بينا أحكامه سابقا واشرنا للتعديلات التي أدخلت على محتوياته، وكذلك شهادة المصرف أو تأييد منه بإيداع رأس المال أو جزء منه لديه( ) . وعلى المسجل أن يوافق على الطلب إذا لم يجد فيه مخالفة للقانون . ويتم الإعلان عن القبول أو الرفض خلال عشرة أيام من تاريخ تسلم الطلب حيث جاء النص المعدل للمادة ( 19 ): ((يوافق المسجل على طلب تأسيس الشركة ما لم يجد أن الطلب مخالف لنص محدد ورد في هذا القانون . ويعلن المسجل موافقته على الطلب أو رفضه له خلال عشرة أيام من تاريخ تسلمه الطلب فيما عدا الشركات المساهمة، تصدر شهادة تأسيس الشركة عند صدور قرار الموافقة على تأسيسها , وتكون دليلا يثبت تأسيسها، وإذا رفض المسجل طلب تأسيس الشركة يصدر قراره خطيا يوضح فيه أسباب رفضه الطلب , وفي حالة طلب بتأسيس شركة مساهمة يصدر المسجل إخطارا خطيا بقراره المرافق على طلب التأسيس أو رفضه في تاريخ اتخاذه ( أو اتخاذها ) لهذا القرار . لن تصدر شهادة بتأسيس الشركة بدون دفع الرسوم . )) ( ) والأجراء المذكور لجميع الشركات كما هو واضح، والتغير الذي حصل بموجب التعديل :
1- لا تسال الجهة القطاعية المختصة ولا تسال أية جهة أخرى كما كان يتطلب ذلك القانون قبل تعديله، بل التعديل علق العمل بالمادة ( 18 ) التي تتضمن مفاتحة بعض الجهات للحصول على موافقتها .

2- على المسجل أن يعلن الموافقة أو الرفض خلال عشرة ايام من تاريخ تسلم الطلب، وفي ذلك اختزال كبير للوقت، كما أن دور المسجل في القبول أو الرفض يقتصر على مخالفة أو عدم مخالفة الطلب لنص قانون الشركات ((ما لم يجد أن الطلب مخالف لنص محدد ورد في هذا القانون )) . وعليه لا يبحث المسجل عن أسباب للرفض غير مخالفة قانون الشركات ولا يسأل أية جهة أخرى عن مدى توافق نشاط الشركة مع خطة التنمية والتخطيط الاقتصادي .
3- لا تصدر شهادة تأسيس للشركة ـ عدا الشركات المساهمة ـ إنما يعلن المسجل قبول الطلب أو رفضه الشهادة مطلوب إصدارها مع قرار الموافقة بالنسبة للشركة المساهمة .
أما بالنسبة لشركات المحدودة والتضامنية والمشروع الفردي فلا تصدر فيها شهادة تأسيس بتقديرنا، إنما يصدر إعلان موافقة أو إعلان تسجيل وهو إجراء اتبعته نصوص بعض التشريعات موضوع المقارنة بالنسبة لشركات يطلق عليها شركات الأشخاص كما هو الحال في نص المادة ( 24 / 1 ) من قانون الشركات اليمني (( لا يجوز لشركة التضامن أن تباشر أعمالها إلا بعد استكمال إجراءات تسجيلها في السجل التجاري  .

ولو أن هذا الأمر يثير إشكالية مفادها متى تكتسب الشركة الشخصية المعنوية حيث بينت م 22 اكتساب الشركة الشخصية المعنوية من صدور شهادة تأسيسها، فكيف يكون الأمر ولا تصدر في تأسيس هذه الشركات شهادة بمفهوم الشهادة التي بينتها أحكام قانون الشركات قبل تعديله .
ونرى أن هذا الأمر يمكن أن يعالج إلى حين تعديل أحكام القانون أو وضع قانون جديد وهو أمر ضروري بتقديرنا، أن تعامل الموافقة والتسجيل في سجل الشركات بحيث يمكن أن تعطى مقابلها شهادة تسجيل، أي إعلان بالتسجيل وليس شهادة تأسيس وتكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدورها( ).
أما بالنسبة إلى شركة المساهمة فان التعديل يتطلب أن تصدر بها شهادة تأسيس مع الموافقة على تأسيسها فهل يتعاصر إصدار شهادة التأسيس قبل إعلان القبول بتأسيس الشركة كما يوحي بذلك النص . وهو ما تسمح به بعض القوانين المقارنة م (72) من قانون الشركات لدولة الإمارات و م 22 من قانون الشركات المصري أي أن الشهادة تصدر مع الموافقة وتسبق إجراءات الاكتتاب، واشتراط نجاحه قبل صدور شهادة التأسيس، كما هو الأمر بموجب نص قانون الشركات العراقي قبل تعديله، إلا إن المادة ( 21 / أولا ـ 2 ) التي نصها (( في حالة الشركة المساهمة شهادة التأسيس تصدر بعد الاكتتاب العام للأسهم وخلال خمسة عشر يوم من تاريخ تقديم مؤسسيها المعلومات المنصوص عليها في المادة (46) من هذا القانون ))، وتتطلب المادة ( 46 ) أن يقوم المؤسسون بعد غلق الاكتتاب من قبل المصرف، وخلال ثلاثين يوما من المدة المحددة للاعتراض على الاكتتاب أو رده، إعداد قائمة بأسماء المكتتبين وعناوينهم ومقدار ما اكتتب به كل منهم من الأسهم وتزويد المسجل بنسخة من ذلك .

وقد حسمت هذا الأمر أيضا ـ وقت صدور شهادة التأسيس، بعد الموافقة على التأسيس وقبل الاكتتاب، أم بعد إجراء الاكتتاب ونجاحه ـ التعليمات الصادرة عن وزارة التجارة التي سبقت الإشارة إليها، فالفقرة ( 8 ) منها تنص على : (( عند الموافقة على أي طلب، فأن على مسجل الشركات أن يصدر بدون تأخير إلى الشركة المقدمة للطلب إجازة تسجيل تحمل اسم الكيان التجاري وختم مسجل الشركات الرسمي مع رقم الهوية الدائم، ما عدا الشركات المساهمة فلن تزود بما ذكر آنفا إلا بعد انتهاء الاكتتاب العام ووفقا للمادة ( 21 / أولا بند ( 2 ) من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 .
الأمر الآخر الذي يحتاج إلى التوقف عنده إلغاء استشارة أية جهة في تأسيس الشركة المساهمة، إذ يقتصر الأمر على قبول أو رفض المسجل المبني كما لاحظنا على مخالفة نصوص قانون الشركات، وإذا كان في هذا الأمر ما يتوافق مع الحرية الاقتصادية ومع سياسة الانفتاح وتشجيع الاستثمار فلا يكون الأمر بإلغاء الموافقات المطلوبة لتأسيس حتى الشركة المساهمة لأهمية هذا النوع من الشركات في الحياة الاقتصادية، ولأنها تتوجه حسب القانون العراقي دائما إلى الادخار العام لدى الجمهور .

وإذا استعرضنا نصوص القوانين موضوع المقارنة، لوجدنا غالبيتها تتشدد في إجازة شركات المساهمة، فالمادة ( 74 ) من قانون الشركات لدولة الإمارات التي عدلت بالقانون رقم 13 لسنة 1988 تنص على أن : (( يقدم طلب تأسيس الشركة على النموذج المعد لذلك إلى السلطة المختصة مصحوبا بعقد تأسيسها ونظامها الأساسي والجدوى الاقتصادية للمشروع الذي ستقيمه الشركة شاملة الجدول الزمني المقترح لتنفيذه ويقيد الطلب في السجل المعد لذلك لدى السلطة المختصة . وتشكل لجنة من السلطة المختصة من ممثلين عن كل من الوزارة والسلطة المختصة لدراسة طلب تأسيس الشركة والجدوى الاقتصادية للمشروع الذي ستقيمه وللجنة أن تكلف مقدم الطلب باستكمال ما ترى ضرورته من المستندات أو بيانات أو إجراء تعديلات على عقد الشركة أو نظامها الأساسي بما يجعلهما متفقين وأحكام هذا القانون واللوائح الصادرة تنفيذا له )).

أما القانون اليمني فيتطلب موافقة رئاسة الجمهورية على تأسيس الشركة المساهمة، فالمادة ( 66 ) تنص على انه (( لا يجوز تأسيس شركة المساهمة التي تطرح أسهمها على الاكتتاب العام إلا بعد حصول على ترخيص بذلك بموجب قرار جمهوري )) كذلك تنص م 59 من قانون دولة عمان على أنه ((لا تؤسس شركة المساهمة إلا بترخيص من مدير عام التجارة )) .
والمادة 52 من نظام الشركات السعودي تنص على انه (( لا يجوز تأسيس الشركات المساهمة الآتية إلا بترخيص يصدر به مرسوم ملكي بناء على موافقة مجلس الوزراء وعرض وزير التجارة على أن يراعى ما تقضي به الأنظمة .

أ – ذات الامتياز .
ب _ التي تدير مرفقا عاما .
حـ – التي تضمن لها الدولة نسبة معينة من الربح .
د – التي تقدم لها الدولة إعانة .
هـ – التي تشترك فيها الدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة .
و – التي تزاول الأعمال المصرفية .
أما غير ذلك من الشركات المساهمة فلا يجوز تأسيسها إلا بترخيص يصدره وزير التجارة … ))

أما في الأردن فأن المادة 94 التي لم تعدل بموجب التعديل الصادر بالقانون المؤقت رقم 40 لسنة 2002، تقضي (( يصدر الوزير بناء على تنسيب المراقب قراره بقبول تسجيل الشركة أو رفض هذا التسجيل خلال مدة أقصاها ثلاثين يوما من تاريخ تنسيب المراقب … وإذا لم يصدر الوزير قراره خلال تلك المدة يعتبر الطلب مقبولا )) وفي مصر وهي تسعى نحو الانفتاح والحرية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار الأجنبي . فأن الصورة أخيرا تجعل تأسيس شركة المساهمة مرتبطا بمصلحة الشركات بعد أن عدلت المادة 18 من قانون الشركات رقم 59 لسنة 1981 , حيث ألغيت اللجنة التي تؤلف وفق نص المادة المذكورة، وأصبح الأمر بان يقدم الطلب إلى مصلحة الشركات التي تعد سجلا لقيد طلبات الترخيص، وتعطى هذه المصلحة شهادة للمؤسسين عليهم تقديمها إلى دائرة السجل التجاري، وتمثل الشهادة التي تعطى من المصلحة بشهادة تسلم الإخطار والمستندات( ) .
وللمصلحة حق الاعتراض على تأسيس الشركة، لكن الاعتراض مقيد بالأحوال التالية كما بينتها المادة 19 من قانون الشركات، وأدخلت ضمن المادة 18 المعدلة بموجب التعديل رقم 3 لسنة 1998 .
(( أ – عدم مطابقة العقد الابتدائي أو نظام الشركة للشروط والبيانات الإلزامية الواردة في النموذج . أو تضمنه شروطا مخالفة للقانون .

ب – إذا كان غرض الشركة أو النشاط الذي سوف تقوم به مخالفا للنظام العام أو الآداب …))
ويرى أحد الكتاب، أن الاعتراض مقيد بالحالات المذكورة ليس غير، ولكنه يشير إلى إمكانية استخدام النظام العام، فهو من المفاهيم الواسعة، وبالتالي يمكن الاعتراض على تسجيل الشركة طبقا لمفهوم النظام العام كلما وجد أن نشاط الشركة يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني.
ولقد حرصنا على الإفاضة في نقل النصوص القانونية المرتبطة بهذا الشأن للوقوف على ما تقرره هذه التشريعات المختلفة . فهل من المقبول أن تؤسس شركة مساهمة بأي حجم، تعتمد على مدخرات الجمهور في تكوين جل رأس مالها، وتقتصر الأجازة فيها على قرار من المسجل يبنى فقط على مدى مخالفة الشركة لنصوص قانون الشركات ؟ ! حتى بغير موافقة الوزير .