الرقابة القضائية على دستورية القوانين وفقاً للدستور العراقي – 2005

المحامية: منال داود العكيدي
كان هذا الدستور الاتحادي لعام 2005 حريصا على ارساء قواعد مبدأ الرقابة على دستورية القوانين و هي رقابة قضائية تمارسها سلطة متخصصة وهي المحكمة الاتحادية العليا و هي طريقة تكفل صيانة الحقوق و الحريات التي اتى بها الدستور العراقي الدائم لسنة 2005 حيث يمكن من خلال ذلك مساءلة السلطة التشريعية امام الهيأة القضائية في حالة قيام الاخيرة بتشريع قانون يعد اعتداء على النصوص الدستورية التي احتوت على تلك الحقوق و الحريات عن طريق الغاء او استبعاد القانون المحكوم بعدم دستوريته وهذه العملية تسمى الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي عرفها الفقه الدستوري على انها: (عملية من خلالها تستطيع المحاكم إخضاع أعمال وتصرفات الوكالات الحكومية الأخرى بالأخص المشرعين للاختبار لمعرفة موافقتها للمبادئ الدستورية الأساسية وإعلان المواد المخالفة لاغية وباطلة) .

او هي : (حق المحاكم بمقتضى وظيفتها الأصلية وبناء على طلب من ذي مصلحة بتفحص قانون ما للتحقق من مدى توافقه مع دستور البلاد، ومن ثم الامتناع عن تطبيق هذا القانون أو إلغائه على حسب الأحوال إذا ثبت لها تعارضه مع الدستور) .

ومن الجدير بالذكر ان الفقه الدستوري اولى اهمية خاصة للرقابة على دستورية القوانين بصورة عامة حيث يقول الفقيه ( جورج بيردو ) : مادام الدستور هو القانون الأعلى في الدولة فلا مناص من احترامه بما يستتبعه هذا الاحترام من بطلان القوانين المخالفة له، ولما كان من غير المتصور إسناد عملية الرقابة على دستورية القوانين إلى واضعيه، فانه يتعين وجود هيأة أخرى تتخصص بإقرار عدم الدستورية و بالتالي الحيلولة دون ترتيب القانون غير الدستوري لأية آثار ) ..

ويذهب جانب من الفقه الدستوري الى ان اهمية الرقابة على دستورية القوانين تكمن في انها تحقق مبدأين مهمين الاول : هو تحقيق لمبدا المشروعية التي تعني خضوع تصرفات الحاكم الى القواعد القانونية سواء كانت بصورة قوانين ام لوائح ام قرارات ام اجراءات فردية و ان هذه القوانين بدورها يجب ان تكون طبقا للدستور الذي تعتبر قواعده اسمى منها و طالما ان تلك القواعد تصدر من قبل السلطة التشريعية فليس من المنطقي ان تترك هذه السلطة وشأنها في سن تلك التشريعات فلا بد من وجود وسيلة تراقب اعمال السلطة التشريعية و تتاكد من ان القوانين التي تقوم بسنها و تشريعها تصدر استنادا للدستور وطبقا له.

اما المبدا الثاني فهو: ان الرقابة هي من صميم عمل القاضي الذي يقوم بتطبيق القوانين و ايجاد الحلول القانونية للدعوى المنظورة امامه هو نفسه ملزم باحترام الدستور الذي هو القانون الاسمى في الدولة و من الثابت ايضا انه يرجح تطبيق القاعدة الاعلى على الادنى منها في حالة التعارض فيما بينهما و على هذا الاساس انه في حالة تعارض القانون مع لائحة تنظيمية وجب تطبيق القانون كونه اعلى من الاخيرة اما في حالة تعارض القاعدة القانونية مع القاعدة الدستورية فان من الطبيعي و المنطقي ان تطبق القاعدة الدستورية كونها اعلى من القاعدة القانونية باعتبار ان الاولى تمثل القانون الاسمى في الدولة .

ويذهب فريق اخر من الفقهاء من منطلق تاكيد اهمية الرقابة على دستورية القوانين وخصوصا الرقابة القضائية التي تمارس بطريق الدعوى المباشرة انها تؤدي الى وحدة الحلول القضائية باعتبار ان هناك جهة قضائية واحدة تصدر احكامها بشان دستورية القانون محل النزاع بالاضافة الى ان حكمها يتمتع بحجية مطلقة اذ لايمكن اثارة مسالة دستورية هذا القانون مرة اخرى.

وقد بين دستور العراق الدائم لعام 2005 كيفية الرقابة على دستورية القوانين التي تسن من قبل السلطة التشريعية وذلك بوجود رقابة قضائية تمارسها المحكمة الاتحادية العليا التي انشئت بموجب الامر رقم ( 30 ) لسنة 2005 وقد حدد الدستور العراقي الدائم تشكيلها وآلية عملها اذ نص على ان ( المحكمة الاتحادية العليا هيأة قضائية مستقلة اداريا وماليا ) كما انه بين ايضا ان هذه المحكمة تتكون من ( عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون يحدد عددهم وطريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ) وهذا يعني ان الدستور اعطى صلاحية دستورية للمحكمة عن طريق جعلها هيأة قضائية مستقلة ماليا واداريا فهي اي المحكمة لا تخضع لاية رقابة من اية هيئة اخرى سواء كانت تلك الهيأة تنفيذية ام تشريعية كما انه قرر ان طريقة اختيار اعضاء المحكمة وعملها يتم استنادا الى قانون يشرع من قبل السلطة التشريعية باغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب وهذا ليس اعتداء على مبدا الفصل بين السلطات وانما مهمة مجلس النواب تقتصر على تشريع قانون يبين الية عمل المحكمة باعتباره الجهة المتخصصة بتشريع القوانين باسم الشعب وليس له ان يتدخل في عملها ، وحسنا فعل المشرع عندما قرر ان يكون اعضاء المحكمة يتكون من مجموعة من الفقهاء في القانون والشريعة الاسلامية بالاضافة الى القضاة وهذا كفيل بان يكون مزيجا مثاليا لعمل المحكمة ولو انه سيتعارض مع تسمية هذه الهيأة بالمحكمة اذ كما نعرف ان المحكمة تتكون من القضاة فقط ولا يوجد فيها خبراء .

اما اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا فان الدستور العراقي لعام 2005 نص على ان اختصاصات المحكمة تنحصر في : الرقابة على دستورية القوانين و الانظمة بالاضافة الى اختصاصات اخرى لا تتعلق بموضوع الرقابة على دستورية القوانين ، وتكون الية عمل المحكمة بالنظر في الطعون المقدمة من قبل مجلس الوزراء او الافراد وغيرهم عن طريق دعوى مباشرة للنظر في مدى توافق القوانين او الانظمة مع النصوص الدستورية وهي خطوة عظيمة في مجال القضاء الدستوري لانه سمح للافراد الطعن في دستورية القوانين والانظمة التي تمثل بنظرهم اعتداء على الحقوق والحريات المنصوص عليها في صلب الوثيقة الدستورية و اقامة الدعوى المباشرة امامها .

وعندما تصدر المحكمة الاتحادية العليا قرارا فانه يعتبر قرارا نهائيا غير قابل للطعن امام اية جهة اخرى كما انه يكون ملزما لكل هيئات الدولة الاخرى و لا يجوز الطعن به مرة اخرى الا انه ينبغى ان نلاحظ ان عمل المحكمة الاتحادية هنا يقتصر على النظر في دستورية القانون من عدمه و ليس الغاؤه فاذا اصدرت قرارا بشان عدم دستورية قانون او نظام معين فانها لا تلغيه و انما يكون البرلمان ملزما باتخاذ الاجراءات اللازمة لالغائه وهذا يعتبر تطبيقا لمبدا الفصل بين السلطات اذ لا يجوز للمحكمة الاتحادية ان تلغي قانوناً او نظاماً حتى وان اثبتت عدم دستوريته لان ذلك يعتبر تجاوزا لعملها واخلالا لمبدأ الفصل بين السلطات وهو بمثابة اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية