الرضآ سبب لإبآحة جرآئم الإعتدآء على حرمة الحيآة الخآصة

من حق كل إنسان أن يكفل القانون لحياته الخاصة حرمتها ، وان تحاط بسياج من السرية ، فلا ينفذ منه شخص إلا برضاء من صاحب هذه الحياة من اجل ذلك أضاف المشرع المصرى إلى قانون العقوبات نصين بالقانون رقم 37 لسنة 1972 هما المادتان 309 و 309 مكرر (أ) . هدف بهما كفالة الحماية الجنائية لحرمة الحياة الخاصة .

فقرر فى المادة 309 ما يلى ” يعاقب بالحبس مدة لاتزيد عن سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وذلك بان ارتكب احد الأفعال الآتية فى غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجنى عليه :

أ‌- استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت من مكان خاص أو عن طريق التليفون .
ب‌- التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص فى مكان خاص فإذا صدرت الأفعال المشار إليها فى الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على سمع أو مرأى من الحاضرين فى ذلك الاجتماع فان رضاء هؤلاء يكون مفترضا ويعاقب بالحبس الموظف العام الذى يرتكب احد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته.

ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها بما يكون قد استخدم فى الجريمة. كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصله عنها أو إعدامها . والمادة 309 مكرر (أ) – ” يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سجل إذاعة أو استعمل ولو فى غير العلانية تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان بغير رضاء صاحب الشأن . ويعاقب بالسجن الموظف العام الذى يرتكب احد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته ” .

ويتبين من نص المادتين المذكورتين أن الشارع قد جعل من رضاء صاحب المصلحة التى يصونها القانون . فى غير الأحوال المصرح بها قانونا . عنصرا فى الركن المادى للجريمة ومع ذلك فنحن نعتقد بأنه مادام للفرد النصيب الأوفى فى المصلحة المصانة ، كما له التنازل عنها ، ومن ثم تتوافر بذلك فى الرضا الصحيح شروط اعتباره سببا لإباحة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة .
وغنى عن البيان انه لابد من استجماع الرضا لشرائط صحته ، من حيث صدوره معاصرا للفعل أو سابقا عليه ومستمرا حتى تمامه ، وعن شخص متمتع بإرادة حرة مميزة ، غير مشوبه بغش أو خداع . يدخل فى تلك الجريمة المحادثات الشخصية وهى محادثات جرت فى مكان خاص أو عن طريق التليفون ولا يتحقق الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة إلا إذا اتخذ الحديث ” الصفة الخاصة ” وقد اعتبر المشرع ( الحديث خاصا ) إذا أجرى فى مكان خاص .

فالحديث يكون خاصا ويحميه القانون إذا كان فى مكان خاص أو عن طريق التليفون أيا ما كانت طبيعته على نحو لايقبل أثبات العكس . ويتم ذلك عن طريق استراق السمع أو عن تسجيل الحديث أو عن نقل الحديث باللغة التى يجرى بها فسواء كان هذا الحديث من الممكن ادراكه لدى جمهور السامعين أو لدى فئة معينة منهم .

وأيضا يدخل فى تلك الجريمة جريمة التقاط أو نقل الصورة فالجريمة هنا تقوم بالالتقاط وهو تثبيت الصورة على مادة حساسة ، والنقل هو إرسال الصورة من مكان إلى أخر بواسطة جهاز بشرط أن يكون الالتقاط أو النقل من مكان خاص ، كما فى جريمة المحادثات الخاصة ويشترط لقيام هذه الجريمة عدم رضاء المجنى عليه بالالتقاط أو النقل حيث انه بمجرد رضاء المجنى عليه يبدأ فى التصوير مع وجوب تحديد ما يدخل فى الصورة لان الشخص قد يرضى أن يظهر فى الصورة مع أشخاص معينين لايعنى رضاءه بالظهور مع خلافهم ، فمثلا إذا قبل شخص تصويره بين اطفاله فلا يعنى موافقته على تصويره مع زوجته التى تقف بعيدا عنهم والقصد المتطلب فى هذه الجريمة هو القصد العام وقوامه العلم والإرادة ، العلم بان فعل التصوير أو النقل غير مشروع واردة هذا الفعل وهو الالتقاط والنقل فإذا انتفى القصد الجنائي فلا تقوم الجريمة .

وبحيث أننا فى نطاق رضاء المجنى عليه فان جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة مثالا لها . حيث يبين لنا – دون الخوض فى حقوق قابلة للتصرف فيها وحقوق غير قابلة للتصرف – أن نطاق الرضا يتحدد بالمدى الذى يخول القانون لإرادة المجنى عليه فاعليتها وكما نعلم أن حق الإنسان فى التقاط صورة له ونشرها أو التقاط حديث خاص وتسجيله ونقله من الحقوق اللصيقة بالشخصية والغير قابلة للتصرف إلا أن القانون سواء فى مصر أو فى فرنسا اعتد فى إرادة المجنى عليه وجعل لها دورا تعمل فيه دون التفات إلى صفة الحق فيما إذا كان قابلا للتصرف أو غير قابل . فالمادة 368 عقوبات فرنسى والمادة 309 عقوبات مصرى تشترطان بشان هذه الجريمة أن يقع الفعل دون رضاء المجنى عليه . اى أن الركن المادى يحتوى على عنصرين سلبيين هما عدم رضاء صاحب الحديث أو الصورة وعدم وجود ترخيص من القانون وعلى ذلك فان الجريمة تباح أما لترخيص القانون وأما لرضا المجنى عليه .

فكما يقول أستاذنا الدكتور / احمد فتحى سرور أن ” الرضا بانتهاك الحياة الخاصة لايعد تنازلا عن حرمتها وإنما هو إزالة لسريتها وخصوصيتها ” . فيجب أن يكون الرضا فى هذه الجريمة محددا تحديدا دقيقا فلو رضى إنسان أن ينقل حديثا له عن موضوع معين ثم نقل عنه موضوع أخر ، فان الرضا فى هذه الحالة لايكون متوافرا ولا اثر له على قيام الجريمة.

هذا كما تشترط المادة (368 ) من قانون العقوبات الفرنسى لوقوع جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة وقوع الفعل بغير رضاء المجنى عليه ، ولذلك فليس لوقوع الرضا قبل حصول الجريمة اعتبار من الناحية العملية نظراً لأنه يشترط لتحريك الدعوى الجنائية ضرورة التقدم بشكوى من المجنى عليه أو من ممثله القانونى أو خلفه .

فإذا صدر الرضا مستوفيا لشروط صحته سليما وبإرادة حرة خاليا من عيوب الارادة الغلط أو الإكراه أو التدليس سابقا أو معاصرا لوقوع الجريمة ، فان الرضا يبيح الجريمة وبالتالى يكون سببا من أسباب إباحتها .