الدفاع الشرعي

محكمة التمييز
حكم رقم 132/1994
صادر بتاريخ 2/1/1995 م.
(الدائرة الجزائية)
هيئة المحكمة: برئاسة السيد المستشار محمد يوسف الرفاعي رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين جلال الدين أنسي ومحمد فؤاد شرباش ومحمود إبراهيم البنا ومحمد بكر غاليي
المكتب الفني
المصدر: مجلة القضاء والقانون
السنة: الثالثة والعشرون
العدد: 1
اصدار: 12/1999
القاعدة: 1
الصفحة: 431
1.– تمييز *الطعن بالتمييز حق شخصي للمحكوم عليه. أثر ذلك.
2.– دفاع شرعي – محكمة الموضوع *الوقائع التي تستنتج منها قيام حالة الدافع الشرعي أو انتقائها. تقديرها من سلطة محكمة الموضوع *حق الدفاع الشرعي. الحكمة من شرعيته.
3. – قصد جنائي – قتل – جريمة – محكمة الموضوع *قصد القتل. أمر خفي يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية. استخلاصه من سلطة محكمة الموضوع.

الوقائع
أسندت النيابة العامة الى المتهمين.
أنهما في يوم 29/11/1992 بدائرة مخفر شرطة الصليبية.
قتلا عمدا….. وذلك بأن انهالا على المجني عليه الأول طبقا بآلة حادة – سكين – وأوسعا المجني عليه الثاني ضربا بحجر وبقطعة من الخشب وطعنا بسكين قاصدين من ذلك قتليهما، فأحدثا بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، والتي أودت بحياتهما على النحو المبين بالأوراق.

وطلبت معاقبتهما طبقا للماود 149 من قانون الجزاء والمواد 1/أ – ب، 14/أ-ج، 28/1 من القانون رقم 3 لسنة 1983 في شأن الأحداث – بتاريخ 24/7/1993 حكمت محكمة الجنايات حضوريا بحبس المتهم الأول – في دار التقويم الاجتماعي لمدة خمس عشر عاما مع النفاذ وأمرت بإبعاده عن البلاد بعد تنفيذه العقوبة – وبحبس المتهم الثاني خمس عشرة عاما مع الشغل والنفاذ. وبمصادرة أدوات الجريمة.

استأنفت النيابة العامة هذا الحكم للخطأ في تطبيق القانون بالنسبة لما قضي به على المتهم الأول – كما استأنفه الطاعنان الأول بالحبس عشر سنوات مع الشغل وتأييده فيما عدا ذلك. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث ان الأستاذ المحامي ……. قرر بالطعن بالتمييز في الحكم الصادر ضد المحكوم عليه بصفته وكيلا عن الهيئة العامة لشئون القصر. ولما كان الطعن بالتمييز حقا شخصيا لمن صدر الحكم ضده تمارسه أولا يمارسه حسبما يرى فيه مصلحته وليس لأحد ان ينوب عنه في مباشرة هذا الحق إلا بإذنه أو بإذن من له الولاية على نفسه متى كان قاصراومن ثم فإن التقرير بالطعن الصادر من المحامي سالف الذكر يكون قد صدر من غير ذي صفة كما انه لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 27/4/1992 وكان الطاعن شخصيا قد قرر بالطعن فيه بالتمييز بتاريخ 29/5/1994 فإن طعن يكون قد رفع بعد الميعاد المحدد قانونا ومن ثم يكون غير مقبول شكلا.

وحيث ان الطعن المرفوع من الطاعن استوفي أوضاعه الشكلية.

وحيث ان الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه انه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد اخطأ في تطبيق القانون – كما شابه الفساد في الاستدلال، ذلك انه اطرح بما لا يسوغ دفاعه بأنه كان في حالة دفاع شرعي، وأن سوء سلوك المجني عليهما مرشح – لقيامه، كما التفت عما أثاره بشأن قيام عذر تجاوزه حد الدفاع الشرعي في حقه – هذا الى ان الواقعة لا تعدو وأن تكون جناية ضرب أفضى الى موت لعد توافر نية القتل لدية مما يعيب الحكم مما يستوجب تمييزه.

وحيث ان الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال ضابط المباحث واعتراف الطاعن وتقريري الصفة التشريحية وهي أدلة سائغة من شأنها ان تؤدي الى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر ان تقدير الوقائع التي تستنج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها هو من الأمور المتعلقة بموضوع الدعوى التي لمحكمة الموضوع الفصل فيها بلا معقب طالما كان استدلالها سليما، وكما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة قصد معتد على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان. لما كان ذلك، وكان مؤدى ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى ولدى نفيه لقيام حالة الدفاع الشرعي، ان الطاعن تمكن من انتزاع السكين من يد خصمه فصار اعزلا من السلاح لا يستطيع به اعتداء،

فإن ما وقع منه بعد انتزاع السلاح من موالاة طعن المجني عليهما به وضربهما بجسم صلب راض في مواضع متفرقة من جسميهما هو اعتداء معاقب عليه، ولا يعد في القانون دفاعا شرعيا.

فإن ما أورده الحكم على نحو ما سلف من شأنه ان تؤدى الى ما رتبه عليه من نفي حالة الدفاع الشرعي فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولا أما ما يثيره الطاعن من التفات الحكم عن بحث أمر تجاوز حق الدفاع الشرعي مردود بأن البحث في تجاوز حدود الدفاع الشرعي إلا بعد نشوء الحق وقيامه ولما كان الحكم قد نفي ذلك،فإنه لا يكون قد قام حق للطاعن في الدفاع يسوغ معه البحث في مدى مناسبة اعتداء الطاعن كرد على عدوان المجني عليهما ومن ثم فإنه لا محل لما يثيره الطاعن في هذا الشأن.

لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص الى نفي حالة الدفاع الشرعي للأسباب السائغة التي أوردها فإنه لا يجدي الطاعنة ما يثيره من خطأ الحكم في فهم مرمي دفاعه القائم على ان سوء سلوك المجني عليهما ولد لديه الاعتقاد بحلول الخطر لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والإمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيهما الجاني وتتم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية موكول الى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون منه قد استظهرت نية القتل واثبت توافرها في حق الطاعن لقوله” ولا شك ان إحداث إصابات المجني عليهما التي أودت بحياة كل منهما بأدوات قاتلة وفي أجزاء عديدة من جسدهما وعدم تركهما حتى فارق كل منهما الحياة لهو دليل قاطع على توافر نية القتل في حق كل منهما” فإن هذا حسبه للتدليل على نية القتل حسبما هي معرفة به في القانون ويكون جريمة القتل العمد التي دين بها الطاعن قد توافرت لهما أركانها ومن ثم فإن ما ينعاه على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس.