رغم تسليمنا بصعوبة اختزال المشروع الاجرامي في مراحل أربع ، الا أن سيرورة الجريمة في الغالب تعكس هذه المراحل التي يختلف موقف المشرع من حيث العقاب على كل منها . وهى مراحل تتمايز بحسب طبيعة كل جريمة ، وخصوصية ما يشتمل عليه بناؤها القانوني من أركان وعناصر وأخيراً ظروف وملابسات تنفيذها . وهذه المراحل هى :

1- مرحلة الخطر المجرد أو المستقبلي : 

وتغطي هذه المرحلة النوايا الاجرامية والأعمال التحضيرية للمشروع الاجرامي . ولا يعاقب المشرع كأصل عام على النوايا الاجرامية ، ولا على مجرد الأعمال التحضيرية كحيازة سلاح . ولا تبيح هذه المرحلة الدفاع الشرعي لانها لم تتجسد بعد في فعل يندرج في البناء القانوني للجريمة . كما أن الخطر الناشئ عن هذه المرحلة سواء تمثل في نية اجرامية أو عمل تحضيري يعتبر خطراً مجرداً من ناحية ومستقبلاً لا يمكن القطع بتوقيت حدوثه من ناحية أخرى . ومثال ذلك أن يرى شخص غريمه اللدود حاملاً سلاحه وهو يرمقه بنظرة غاضبة فهذا الشخص ليس في حالة دفاع شرعي لأن ما يواجهه ليس أكثر من خطر مجرد . فالخصوصية السابقة وحيازة السلاح والنظرة العدائية كلها أمارات تدخل في دائرة النوايا والأعمال التحضيرية .

2- مرحلة العدوان الوشيك الوقوع : 

وهي مرحلة تفوق مرحلة الخطر المجرد أو المستقبلي اذ تفترض البدء في تنفيذ الفعل الاجرامي على نحو يدخل في دائرة الشروع المعاقب عليه لاسيما في صورته الناقصة حين يبدأ الجاني تنفيذ بعض النشاط المكون للركن المادي للجريمة . ومثل هذا العدوان يبيح الدفاع الشرعي ، ويكاد يمثل عملاً صورته الغالبة . ومثال ذلك أن يحاول المعتدي اطلاق النار على شخص المدافع ، أو ضربه بعصا أو دخول منزله أو نزع ملابس امرأة لاغتصابها أو سكب البنزين توطئة لالقاء عود ثقاب ، ففي هذه الأمثلة نكون بصدد عدوان وشيك لا يعقل تجريد المعتدى عليه من حقه في الدفاع الشرعي في مواجهته قبل أن يتحول الى عدوان بالفعل يلحق ضرراً بمصلحة أو حق المعتدى عليه سواء كان هو المدافع نفسه أم شخصاً غيره .

3- مرحلة وقوع العدوان بالفعل ” تمام الجريمة ” : 

وقوع العدوان على الحق أو المصلحة المحمية قانوناً يعني تمام الجريمة . وهذه المرحلة تلي مرحلتي الخطر المجرد ” النوايا والأعمال التحضيرية ” والعدوان الوشيك الوقوع ” الشروع لا سيما في صورته الناقصة ” ، ووقوع العدوان بالفعل في معنى تمام الجريمة يحول دون قيام حق الدفاع الشرعي . والا فانه يكون ممارسة للانتقام وهو ما لا يقره القانون بل يعتبره من قبيل الاعتداء المجرم . والعلة في استبعاد وقوع العدوان بالفعل وتمام الجريمة من نطاق الدفاع الشرعي أن هذا الأخير قد تقرر فقط اما للحول دون وقوع العدوان الذي أضحى وشيكاً أو لمنع الاستمرار فيه وتفاقم آثاره . فاذا كان العدوان قد وقع وتمت الجريمة بالفعل لا يصبح ثمة جدوى لتدخل واعتداء المدافع ، بل يكون للدولة وحدها بواسطة سلطاتها العامة أن تمارس حقها وواجبها في اقرار العدل وعقاب الجناة .

والواقع أن الفعل الذي ” يتخوف ” أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة لا ينطوي في ذاته على خطر حقيقي ، ولا يعد بهذه المثابة عدواناً فعلياً لكن المشرع اعتبره كذلك في اعتقاد المتهم وان اشترط أن يكون لهذا الاعتقاد أو ” التخوف ” أسباب معقولة . ويمكن استخلاص هذه الأسباب المعقولة من مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته كما تقول محكمة النقض على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات . والخطر المجرد المستقبلي فيما يبدو لنا لا يكفي لتبرير الدفاع الشرعي وأنه ينبغي ان كان لابد من الاعتداد به أحياناً من احاطته بقدر أكبر من القيود ، لا سيما وأنه يقوم في الأساس على ” انطباع بالتخوف ” من جانب المدافع .