الجناية في النظام السعودي والتشريع الإسلامي

الجنايات

إنّ الجناية من أشدّ الجرائم التي يعاقب عليها بأشدّ العقوبات، وكما أنّ جميع القوانين الوضعية رتبت عقوبات على الجنايات المرتكبة من قبل المجرمين، كذلك الشريعة الإسلامية التي حرمت الاعتداء على الإنسان في عِرضِه ومالِه ودمِه، ورتبت عقوبات رادعة لكلّ من تُسوِّل له نفسه بارتكاب هذه الجنايات، فكل فعل مجرم بالشريعة الإسلامية قدر له عقوبة تتناسب مع هذا الفعل، كالقصاص والدية وغير ذلك من العقوبات، وهذا يدل على أن الإسلام هو دين العدل والمساواة، وصالح في كل زمان ومكان، وفيما يأتي بحث عن الجنايات في الشريعة الإسلامية.

بحث عن الجنايات في الشريعة اللإسلامية

إنّ لفظ الجنايات في الشريعة الإسلاميّة له معنى عامّ وآخر خاصّ، أمّا المعنى العام للجناية في الإسلام فيعني أنّه: “كلّ فعل محرم وقع على وجه التعدي، سواء كان في النفس أم في المال أم في العِرض”، ومن خلال هذا التعريف يتّضح أن الجناية مهما كانت هي فعل محرّم ليس فقط في الشريعة الإسلامية، إنّما في الأديان السماويّة كافّة، فالجناية قد تقع على النفس البشرية التي ترفض العدوان وتسعى للسلام، ومن الأمثلة على جرائم النفس القتل العَمد، أمّا الجناية على الأموال السرقة، وفي العِرض جريمة الزنا.[١]

أمّا المعنى الخاص للجنايات في الشريعة الإسلامية فيُطلق على كلّ جريمة على حِدة، كجناية التعدّي على الأبدان ، سواء بقتل النفس أم التعدّي على ما دون النفس كالجرح أو القطع أو الكسر، وجرائم التعدي على الأموال يُطلق عليها الغصب أو الإتلاف أو السرقة أو النهب، أمّا فيما يتعلق بالأعراض فإذا كان التعدي بالقول يطلق عله قذف، أمّا بالفعل الزنا.[١]

إنّ الشريعة الإسلامية لها غاية سامية وهي الحفاظ على مصالح الخلق بإقامة مجتمع ديني بعيد كل البعد عن الجرائم والخراب، فهي لم تذكر فقط الجنايات وعقوباتها، بل وَضعت أسباب هذا الجرائم، وقدمت حلولًا لها تكفل الحفاظ على المجتمع، ومن أجل حفظ النفس والمال والأعراض، فالاعتداء على النفس أو ما دون النفس، لها أسباب اقتصادية وأسباب أخرى اجتماعية تؤدي إليها، وتعد الأسباب الاقتصادية عامل مهمّ في ارتكاب الجرائم، ومن هذه الأسباب البطالة، لكن حث الإسلام على معالجة هذا الأمر وفتح الفرص أمام الطاقات الفردية للعمل وبناء المجتمع، وكلف ولي الأمر بإقامة التوازن بالأسرة وتربية الفرد على مكارم الأخلاق.[٢]

أمّا عقوبة الاعتداء على المال كالسرقة، حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلمّ- وأصحابه لا يتهاونون في تطبيق الحدود، ومن الأدلة على ذلك قول الرسول: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، لكن هناك دوافع للسرقة كالجوع والحاجة الضرورية للطعام والشراب، فالإسلام في هذه الحالة لا يقيم الحد، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “ادرءوا الحدود بالشبهات”[٣]، ووصى الأغنياء بالشعور بالفقراء وتقديم المساعدة الإنسانيّة لهم.[٢]

أمّا جرائم الأعراض كالزّنا، من أسبابها الغريزة الجنسيّة ووضع عراقيل مادية أمام الرجل تمنعه من الزواج مما تجعله يتحلل من القيم الأخلاقية والإسلامية، ومن معالجة الإسلام لذلك: الحثّ على الزواج والترغيب به، وتيسير سبله والتخفيف من نفقاته، أيضًا من الواجب تربية الإنسان منذ صغره على صيانة عرضه وعرض غيره، وزرع الدافع الديني والتقوى بداخله، وحث بنات المسلمين على التستر والاحتشام وعدم التبرج ومشابهة الدول الغربية في اللباس والعلاقات المحرّمة.[٢]

من أجل المحافظة على المجتمع من أيّ اعتداء، وضع الشارع عقوبات من أجل إنزال العقوبات بالأشخاص مُرتكبي الجرائم، وردع أي شخص يحاول ارتكاب مثل هذه الجرائم، فوضع القصاص وهو معاقبة القاتل بمثل فعلته، فمن يقدم على ارتكاب جريمة القتل يعاقب بمثلها، ولعقوبة القصاص شروط يجب أن تتوفّر مجتمعة حتى تطبق، وهي أن يكون القتل عمدًا، وأن يكون القاتل عاقلًا بالغًا، وأن يتفق جميع أولياء الأمر على إيقاع عقوبة القصاص، وأن يقع القصاص على مرتكب الجريمة دون غيره، فإن كان الشخص محل العقاب إمرأة حامل، يجب أن يتم الإنتظار لحين وضع حملها وإرضاعه، أما الاعتداء على ما دون النفس بالجرح أو الكسر أو القطع، تكون معاقبة الفاعل بالمثل، ولكن يجب أن تكون بمثل الفعل لنفس العضو الذي تم الاعتداء عليه، وبمقدار الأذى دون زيادة أو نقصان.[٤]

أما حد السرقة يكون بقطع اليد اليمنى، قال تعالي:”وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”[٥]، ويُشترط حتى يقام هذا الحد أن يقر السارق على نفسه، وأن يشهد رجلان عاقلان أنه سرق، أما الزنا الذي يعتبر من أكثر الجنايات في الشريعة الإسلامية ذات خطورة، والذي يعني إقامة علاقة غير مشروعة بين رجل وإمرأة، فيجب التفريق بين المحصنين وغير المحصنين، فإذا كان الزاني أو الزانية غير متزوجين فيجب جلدهم مئة جلدة، قال تعالى: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ”[٦]، أما عقوبة الزاني أو الزانية المتزوجة الرجم حدّ الموت.[٧]

وكما أنّ الجنايات في الشريعة الإسلامية خطيرة ويجب تجنّبها، كذلك القوانين الوضعيّة المكتوبة في الدول العربية والغربية، قسمت الجرائم إلى ثلاثة أنواع حسب خطورتها وجسامتها، جناية وجنحة مخالفة، أمّا الجنايات كانت أشد الجرائم جسامة وخطورة، ورتبت لها عقوبات بنفس درجة الجسامة، كالإعدام والاعتقال مدى الحياة والأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة، ثم تليها الجنح التي تعد في المرتبة الوسطى بين الجنايات والمخالفات من ناحية الخطورة والعقوبة، ومن ثم المخالفات أقلّ الجرائم خطورة وعقابًا، وهذا يدل أن القوانين الوضعية تتفق مع الدين الإسلامي من أن الجنايات أشد الجرائم خطورة، وتستلزم أشد العقوبات رغم الاختلاف بينهم بالعقوبات.[٨]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت