الجرائم غير العمدية في القانون المصري والسوداني

باستعراض التشريعات المقارنة نجد أن بعضها قد وضع قاعدة في القسم العام لتعريف الجريمة غير العمدية، في حين أن بعضها الآخر قد عدد صوراً فقط لهذه الجرائم في القسم الخاص. وقد اتبع القانون المصري النمط الثاني وسار قانون العقوبات السوداني كذلك على نفس المنهج حيث تعرض الأول في المادة 238/1 في الباب الخاص بالقتل والجرح والضرب على أنه من تسبب خطأً في حدث شخص آخر بأن كان ناشئاًَ عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته القوانين واللوائح والأنظمة يعاقب …

ونص قانون العقوبات السوداني في المادة 256 على أنه ( كل من يسبب موت إنسان بفعل من أفعال الطيش أو الإهمال لا يصل إلى درجة القتل يعاقب عليها … ).

ولقد ذكر القانون المصري الإهمال في المواد 139 و 147 و 151، على الإهمال وعدم الاحتراز في المادة 163. وقد نظم المشرع المصري تعديل تشريعي بمقتضى القانون رقم 120 لسنة 1972 ارتكاب موظف عمومي جريمة غير عمدية في المادة 116/م على أنه ( كل موظف تسبب بخطئة الجسيم في إلحاق ضرر جسيم في أموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الأفراد أو مصالحهم المعهود بها إليه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهمال جسم في أداء وظيفته أو عن إساءة استعمال السلطة أو عن إخلال جسيم بواجبات الوظيفة يعاقب … )

ويتفق الفقه المصري على أن هذه الصورة قد جاءت على سبيل الحصر، والدليل على ذلك اضطرار المشرع إلى التدخل بنص تعديلي في جريمة الخطأ غير العمدي الجسيم من الموظف (م116/م). ومن هنا يتخذ الفقه المصري من المواد السابقة لتحديد طبيعة الخطأ غير العمدي.

ومن الملاحظ أن الفقه المصري على اختلاف توجهاته يستخدم معيار التوقع ومعيار الرجل العادي لتحديد طبيعة المسئولية عن الخطأ.

إلا أن المشرع المصري في جريمة الموظف غير العمدية قد تطلب درجة معينة عن الخطأ ينص على ( تسبب بخطئة الجسيم … ) وقد تعرضت محكمة النقض المصرية في حكم لها عام 1966 لتفسير الإهمال الجسيم بقولها ( مما يعيب حكم محكم الجنايات أنه قد سوي بين الإهمال الجسيم والطيش فخلط بذلك بين جريمتي الإضرار العمدي والإضرار بإهمال، وأقام قضاؤه على أساس أن الإهمال الذي يوجب المساءلة الجنائية هو الذي يثبت فيه أن الجاني قد توقع حصول ضرر من تصرفه الخاطئ، ولكنه لم يكترث به ولم يعبأ … والإهمال الجسيم صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه- قوامه – تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لمن يقص إحداثها ولم يقبل وقوعها ).

وتعرض القانون السوداني الإهمال في المادة 229 ( الإهمال المسبب خطراً على الناس والأموال ) والمادة 220 ( الإهمال بشأن الحيوان ) والمادة 256 ( تسبيب الموت بإهمال ) والمادة 265 ( تسبيل الاجهاض بدون قصد ) والمادة 284 ( تسبيل الأذى بفعل يعرض حياة الغير وسلامته للخطر ).

ويستخدم المشرع السوداني في هذه المواد صوراً للخطأ هي: الطيش والإهمال ( Negligence ) الخطأ غير عمدي ( non intentionally ).

وإذا كان اصطلاح الخطأ غير عمدي قد رفضه الفقه المقارن لغموضه، فإن صور الخطأ في القانون السودان تنحصر في صورتين – الإهمال والطيش. ويعمل شراح القانون السوداني على تحليل هذه الصور وربطها بنظرية التوقع ومعيار الرجل العادي، فالطيش هو اقتراف فعل مع العلم بأن هذا اعتداء قد يؤدي إلى إحداث الضرر ولكنه مع التوقع بأنه يمكن تجب وقوع هذا الحدث.

والإهمال هو الفشل في القيام بالرعاية والحرص على الضروريين لتجنب الضرر على النحو الذي يسلكه الرجل العادي في نفس الظروف.

ويكاد يعكون للمصطلحين ( Recklessness, Rashness ) نفس المعنى هو الطيش أو الرعونة عند تأكيدهم بأن لهما معنيان أحدهما شخصي وهو التحمل الواعي لمخاطر معينة غير مشروعة مع محاولة تلافيها ( سوء تقدير ) والآخر موضوعي وهو السلوك المتضمن على مخاطر غير مشروعة سواء كان الشخص يعملها أو لا.